الفصل الرابع عشر (تحت المجهر )

345 17 2
                                    

طلبت سارا من صقر أن ينتظر حتى المساء و
سيتحدثان ...فوافقها ليكون المكان أكثر أمنا
فلا يسمعهما أحد وانتقلا إلى مائدة الطعام حيث انتظرهما الباقون للبدء
وما إن جلست إلى جوار هاشم اختار هو المقعد
إلى جانبها بينما اصطف الباقون أمامهم بالجهة
المقابلة ومع أن عمر حدثه عن طقوس سفرة
الطعام والتي لم يلتزموا بها حاليا ...ولم يبحث
عن السبب فهو سيلفت الأنظار إن بقي على شروده ...وراقب خلال هذه الفترة الخدم الذين
أحاطوا السفرة لخدمتهم وما إن بدأوا بوضع الطعام أمامه ورأى الكمية وما يوضع حتى قال
بصوت عالي : لا ..لا ..مستحيل ماذا تفعل بالضبط
_ نال الفزع من الخادم وقال : ما الخطأ سيدي
_ أنت تمزح ...أليس كذلك ما هذا الذي تضعه أمامي إنه لا يكفي لإطعام فأرة ....ثم تبع كلامه بسؤال : هل تراني فأرا؟
_ لا سيدي ....ماذا تقول
_ إذا اذهب وأحضر طعاما حقيقيا فأنا جائع
_ نظر الخادم إلى هاشم الذي كان يراقب ما يحصل باهتمام وسأله : ماذا أفعل سيدي؟
_ صقر تناول هذا الآن....وبعدها كل ما تريد
كان هذا تعليق عمر على الموقف
_ فتحدث هاشم : أنت تتبع نظاما صحيا في طعامك ...ألم يعد يستهويك هذا النوع من الطعام
كانت نظرات الجد فيها تساؤل ...وجاء رد صقر:
الطعام ونوعه نعمة و أشكر الله عليها ولكن هذا
الطعام لن يسد حاجتي ...ثم الخير كثير لماذا
أقتصد؟
_ فتدخلت هالا مستغربة كلامه : تقتصد !
_ إذا ما السبب لوضع هذه الكميات الضئيلة
أمام وحش مثلي ؟
_ وجاء الرد ضحكة عالية من هاشم انتهت بسعال: هل تتهمني بالبخل يا ولد ....كل ما تريد
فلا أحد سيمنع الطعام عنك ولكنهم أقصد الخدم أعدوا ما تحبه أنت ووضعوه أمامك
ورافق حديثه هذا بالتكلم مع ذات الخادم قائلا
منذ اليوم تسألونه عما يرغب قبل إعداد الطعام
والآن تابع ما تفعله عادة بهدوء .
_ انصرف الخادم إلى المطبخ وتابع الآخرون
خدمة الطاولة فتوجه صقر إلى سارا بالكلام وقال : أمي أنا أكره المطبخ
_ أعلم ذلك ....وضح قصدك
_ لا أجيد إطعام نفسي ...وبما أنك أمي فمن واجبك إطعامي فأنا لم آكل منذ البارحة .
تفاجأت سارا من طلبه ولكنها نهضت من مكانها
فتبعها مباشرة واتجها إلى المطبخ وهناك كاد يضحك لرؤية الخدم الذين توقفوا عن العمل
يراقبون الزائرين الغير اعتياديين
واقتربت الطاهية قائلة : بماذا أخدمكما سيدتي
_ لم تجبها سارا ...واكتفت بالنظر إلى أنحاء المطبخ وقالت: عندما كنت صغيرا كنت تحب
طبقا أعده لك بصراحة لم أكن أعرف غيره
كان البيض وقطع اللحم أهم مكوناته... كان ذلك منذ فترة طويلة ...علمه لي عمك آدم
ظهرت ابتسامة حنونة على وجهها وتابعت :
لقد كنت لا تكف عن طلبه وكنت تجبرني على
طرد الخدم حتى أعده أنا .
_ لقد حاولت إعداده كثيرا على مدى أعوام وفشلت
_ حقا ..ظننتك كرهته.
عندما لم يرد نظرت إليه ووجدته يمسك رأسه
متألما...وخلال ثوان سقط ولم تتمكن من إدراكه للحظة شلت أطرافها ولم يخرج صوتها
ولكنها بعد لحظات كادت فيها نبضاتها أن تقف
صرخت باسمه ومحاولة وضع رأسه على حجرها ...وكان عمر أول الواصلين وتلاه عدد من الخدم واقتربوا منها وبدأ عمر بالسؤال
أمي ماذا به .
_ استمرت بنطق اسمه بفزع حتى سمعت صوت هاشم يصرخ بها : سارا ماذا حصل ؟
_ تمالكت نفسها ولكن ببكاء ...عمي لقد وقع
فجأة
_ دعيهم يساعدونه...ابتعدي قليلا هيا يا ابنتي
كان يقولها دون قناعة ...بينما يراقب عمر الذي
فحص نبضه وتنهد ثم بدأ بمسح وجهه بالماء
مع لفظه لاسمه بصوت خافت ...حتى بدأ جفناه بالارتعاش وعندها كلم أحد الخدم ناد على جاد ليساعدني في إسناده فهو يملك بنية
قوية
انصرف الخادم وعادت سارا للاقتراب كما لو أنها تذكرت أنها طبيبة وتناولت معصمه فاحصة
نبضه وفحصت عيناه ثم أخذت رأسه إلى حضنها قائلة : آسفة لأنني أخطأت بينكما...
لقد خلطت بينكما ...لقد ذكرتك به وأنت متعب
لقد شكوت التعب والنعاس والجوع ولم أسع
لراحتك...وعندها صدر عنه تأوه خفيف نادته
براحة: صقر هل أنت بخير ؟ هل تسمعني
_ تحركت يده باتجاه رأسه حيث تلقى الضربة
وحاول النهوض ...فخاطبته ثانية اصبر حتى
ترتاح وعندها سيساعدك عمر وجاد
عندها فقط عاد إليه إدراكه واستغرب من وضعه واعتدل جالسا ونظر حوله بتيه كما لو
أنه ضائع وهنا كان دور هاشم بالقول : منذ متى
لم تأكل...
و أمر : أحضروا له كأس من الماء يبدو كما لو أنه لم يصح بعد
_ أنا بخير ...أريد أن أخرج لمكان فيه هواء
سأختنق
فتقدم جاد مساعدا عمر على إيقافه واحتاج
لبضع ثوان حتى توازن ...ثم ابتعد عنهم سائرا
إلى الباب الخارجي للمطبخ والذي يؤدي إلى
الخارج مباشرة وجلس هناك على أولى الدرجات واضعا رأسه بين يديه حيث وقف جاد وعمر أمامه خشية وقوعه ثانية
أما هاشم فشعر بالخوف وتساءل إن كان مريضا وهو سبب اختفائه ومخاطرته بنفسه
وحدث نفسه إلا صقر يحبهم جميعا لكن هذا الشاب هو من يعتبره ابنا حقيقيا له وليس حفيدا وقرر بأنه سيعطيه الوقت الكافي ليرتاح
ويطمئن على صحته وهو كان صادقا عندما قال في ذلك اليوم
( ليذهب كل شيء للجحيم ) .
رفع صقر رأسه عندما سمع صوت تحدث جاد
مع أحدهم وهو يقول : هذا جيد أحضروا
ما حضرتموه إلى هنا
كان يتحدث على هاتفه دون أن يزيح نظره عنه
وكلمه هذه المرة : تشعر بالتحسن ؟
فأومأ دون كلام ...ثم لاحظ مجيءأحد الحراس حاملا بين يديه طاولة وكرسي وضعهما في الفسحة أمام الدرجات
ثم ظهر اثنان يحملان صينية كبيرة الحجم مملوءة بالأرز وقطع اللحم ووضعاها على الطاولة .
هيا لقد احضرنا لك طعاما ...فلو كنت أعلم أن
هذا سيصيبك...لم أكن سأحضرك دون طعام
_ فتكلم هاشم بانزعاج هل تتهمني أنت الآخر بالبخل.
_ هل فعل ذلك غيري ؟ علق جاد مبتسما من تصرفات صقر ...فلا يوجد غيره الآن بلسان سليط كم تغير ...والغريب أنه يعجبه هكذا أكثر
لم يعد يعمل كآلة منفذا أوامر هاشم ...ثم استمع الى كلمات سارا القلقة
_ أظنه متعب وهذا الطعام ثقيل عليه في هذا الجو البارد
_ فعاد جاد للقول : سيدي لقد أخبرتك من قبل أنه لا يتحمل
الحرارة وربما يكون جو المطبخ الحار سبب له
ضيق بالتنفس ...أما عن الطعام فهذا أكثر نوع
يطلبه من الطعام .
_ مد عمر يده له وعلق : لاحظت ذلك ...فثيابه
خفيفة دائما
_فاستغرب هاشم : هل لاحظت هذا من مرة
فتدارك عمر خطأه وقال : لقد تابعت أغلب مبارياته و لاحظت ميله إلى القمصان البيضاء الخفيفة مثل هذا ...وأشار إلى لباس صقر
_ فعاد هاشم ليقول : هيا انهض و تناول طعامك لأرى إن كنت ستتحسن.
_ لا تقلق أنا بخير فقط لا زلت أشعر ببعض التشوش بالرؤية
_ سأطعمك أنا ...قالتها سارا متجهة إلى صينية
الطعام وبدت محتارة في أمرها فاقترب منها
جاد وقال دعي الأمر لي واتجه إلى صقر ساحبا له من يده بعزم فوقف معه هيا معي كفاك دلالا وقال له ناصحا :
لن تنجو من المكوث داخل المشفى لأسبوع على
الأقل إن لم تأكل أمامه

قلوب تعلمت منه الحب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن