الفصل الخمسون ( لقاء من طرف واحد❤)

391 13 1
                                    

بعد ساعتين في المشفى
وقفت ملك وسعاد أمام الطبيب الذي أجرى الفحوصات الطبية لوالدها ووجه كلامه لملك شارحا لها بلطف وضع والدها ومع أنه لم يختلف كثيرا عما قاله الطبيب في الحي إلا أنها شعرت بالراحة لمجرد أنه يتلقى العناية المناسبة لمرضه
وحين انتهى الطبيب من كلامه قال : إن احتجت شيئا فاطلبي من الممرضة بالخارج وهي ستقوم باللازم.
_ لا أحتاج شيئا سوى البقاء بجانبه.
_ يمكنك مرافقته
وحين كان على وشك الخروج تبعته سعاد وهي تقول : أريد أن تصف لي دواء لظهري فما يعطيه لي الصيدلاني لم يعد يسكن ألمه لوقت طويل.
فابتسمت ملك مع غيابها فهي متأكدة من تلقيها لتوبيخ سيجعلها تستشيط غضبا.
فرفعت كتفها وقالت : المهم أن يعاينها ويعطيها الدواء المناسب.
ثم ألقت نظرة على والدها المستغرق في النوم ثم اتجهت إلى الشرفة المطلة على الحديقة الخلفية
موفرة لها الهدوء والخصوصية ففكرت كم اختلف شعورها بين البارحة واليوم فمن قمة التعاسة إلى قمة الراحة وهي لا زالت إلى الآن لا تصدق أن ما قدمته من مساعدة بسيطة لصاحبة الحفل قبل يومين ستكافأ  عليه بهذه الطريقة الرائعة والفضل بذلك يعود لجدتها سعاد التي تحدثت معها طالبة عونها
في إيجاد طبيب ماهر لمعالجة والدها فكان رد فعلها إرسال سيارة إسعاف لنقل والدها للمشفى.
وفي الناحية المقابلة من المبنى ومنذ لحظة خروجها أنزل سراب منظاره وهو يقول : لقد خرجت أخيرا فركض عدة أشخاص باتجاهه مسببين له الرعب فتخلى تلقائيا عن موقعه مع قول تيم بينما يصرخ بمن تزاحموا أمام المنظار قائلا : من أخبركم أن زوجتي للفرجة.
فرد عمر وهو يحاول الحفاظ على مكانه بإصرار : لم تصبح زوجتك بعد وحين تصبح ستكون أختنا وفي كلا الحالتين لن تمنعنا من النظر
وتوقف عن الكلام معه دافعا صقر وهو يقول : لقد حان دوري
_ انتظر فأنا لم أكد أراها : فالغبي رضوان احتل مكاني بوقاحة سأعاقبه عليها.
فرد تيم بعصبية على كلامهم : لا تجبروني على التصرف معكم بطريقة تزعجكم
فرد عليه عمه ببرود : ولماذا تزعجهم... فأنا لا أراهم أخطؤوا معك فالكل متحمس لمعرفة ما صارت عليه تلك الصغيرة التي كانوا يلاعبونها .
_ فتحدث جمال بما جعله يكاد ينفجر من الغيظ : نجيب احجز لي بعدك
_ فعقب عمه على كلام جمال : وأنا بعدك فلن أتزاحم معهم كالصبيان
ثم تابع بعد أن ألقى نظرة على تيم :
كيف وجدتم زوجة أخيكم
_ فرد عمر وهو يتراجع للخلف : كما قالت أمي عارضة أزياء.
وخلال ثوان كان خلف عمه لمنع تيم من الهجوم عليه بقوله : أنا في حماية عمي.
_ فوقف آدم فاردا ذراعيه أمام تيم مانعا له من تجاوزه وقال بينما علت صوت الضحكات في المكان : أقسم بأنني سأسمح لك بالوصول إليه ولكن بعد أن تنظر إليها.
_ فرفع إصبعه بتهديد قبل أن يقول : إن ظننت أن غضبي سيخفت برؤيتها فأنت لا تعرفني لذلك لا تنس أنك أقسمت.
_ اذهب الآن وافعل بعدها ما تريد.
_ فألقى نظرة ساخطة على عمر ومن يقفون حوله بحماية قائلا : ستدفع ثمن وقاحتك
واستدار باتجاه النافذة التي تم تثبيت المنظار على حافتها فألقى نظرة إلى الشرفة البعيدة ليتأكد من وجودها فبدت له كشيء مبهم لن يستطيع تمييزه فزفر قبل أن يضع يديه على المنظار لتوجيهه وعلى الرغم من انتباهه للهدوء الذي عم المكان إلا أنه لم يفكر واقترب بعينه من المكان المخصص وهنا كانت المفاجأة والتي تلخصت بعبارة لا شيء فهو لم ير إلا السواد وعلم حينها أنه كان يتعرض لمقلب سخيف منذ البداية وعاد إليهم مع قول عمه : على فكرة ... لا يحق لك التلصص عليها فهي لا تحل لك بعد.
_ فنظر إلى عمر الذي رفع يديه باستسلام وأشار لصقر : أقسم لك أنه من أجبرني على الاشتراك بالمقلب.
_ فقال صقر بسخرية : أجبرتك!!!
لا أذكر أن هذه الكلمة وردت أثناء تحفيظنا لأدوارنا من قبلك
_ فعاد الضحك للمكان قبل أن يقول تيم موجها حديثه لعمه : والحل برأيك .... فأنا لن أتمكن من معرفتها حتى لو تواجهت معها بالرواق الخارجي.
_ بسيطة ... أذهب معك للإطمئنان على والدها وبهذا تراها.
_ فقال صقر : لم كل هذا التعقيد
فما المشكلة بإزالة الغطاء عن العدسة ورؤيته لها
فتذكر تيم كلام عمر عن الاختلاف بطريقة التفكير بينه وبين أغلب أفراد عائلته فلم يعلق على ما قاله صقر وأجاب على اقتراح عمه : ليست لدي الجرأة لفعل ذلك فماذا لو تعاملت معي ببرود واختفت تلك النظرة من عينيها والتي لأجلها انتظرت طوال السنوات الماضية.
_ فرد آدم بجمود : للأسف لا إجابة لسؤالك لدي.
_ فندم تيم على سؤاله فما قاله يمثل المأساة التي عاشها عمه فاعتذر دون أن يحدد سببا لاعتذاره وغادر الغرفة وهو يدعو الله ألا يذيقه مرارة الفقد لمن يحب.
فاجتاز الممرات واحدا تلو الآخر حتى وصل إلى حيث هي فوقف أمام الباب للحظات محاولا إجبار يده على الارتفاع لطرق الباب ولكنه تراجع حين سمع صوتها الذي وصله بوضوح : جدتي سعاد لا تتركيه حتى أعود.
وصوت سعاد : لا تقلقي يا ابنتي سأبقى معه حتى عودتك من المنزل ولكن لا تنس حقيبة يدي .
فابتعد عن الباب معطيا له ظهره وأخذ ينعت نفسه بالغبي الأحمق لهروبه بهذه الطريقة السخيفة.
وقرر أن يتحلى بالقليل من الشجاعة
ويتبعها سائلا لها إن كانت تحتاج مساعدة وهي ستعرفه بالتأكيد حين تراه إلا إن كانت فاقدة للذاكرة
وتمنى في تلك اللحظة أن يفقد ذاكرته إن كانت مشاعرها قد تغيرت
ومع هذه الفكرة انفتح باب الصعد الذي طلبه بعد نزولها به فخطا إليه شاعرا بأن عداد الزمن يعاقبه بطريقة ما فهذا المصعد يتحرك كما لو أنه يخشى التحطم أو أنه من يشعر كذلك وكان انفتاح الباب ثانية دليل على أنه فقد الإحساس بالوقت
ولذلك فقد حث خطاه خوفا من فقدها ولكنها ظهرت له بعد الخطوة الثانية واقفة أمام طاولة الاستقبال تسأل من خلفها عن طريقة الوصول إلى مركز المدينة ولم يسأل نفسه إن كان متأكدا من أنها هي فقد عرفها بقلبه على الرغم من الاختلاف الكلي لشكلها وقال في نفسه : إنها نحيفة فهل هذا ما قصدته والدة عمر بقولها أنها تشبه عارضات الأزياء ... ثم أردف منكرا ما فكر به : هذا مستحيل فالثياب تصمم بقياسات مختلفة وحينها فقط انتبه لما ترتديه بنطال غير واضح المعالم وقميص تجاوز وركيها بمسافة لم تعجبه فقال بغيظ : ما العيب في ارتداء الفساتين يا ملك
وازداد غيظه أكثر حين انتهت من التحدث مع الموظفة ومع هذا لم تلتفت ولو لمرة ليرى وجهها ولكنها رحمت قلبه حين التفتت حين تحدثت  الموظفة معها ثانية وهي تقول : انتبهي للون اللافتة فوق الحافلة كي لا تتوهي ... ورفعت سبابتها بتنبيه : الصفراء.
فأومأت لها بابتسامة من مكانها وكانت تلك الابتسامة ذاتها التي خطفت لبه بالحلم وليس ذلك وحسب بل وجهها ككل فوضع يديه بجيبي بنطاله وهو يقول بفخر : أنا متأكد هذه المرة من فهمي لما قصدته والدة عمر بأنها تبدو كعارضات الأزياء فلا بد وأنها قصدت شدة حسنها
وتبع خطواتها حتى قطعت الباب الدوار الذي جعله في منطقة متوارية عن مجال نظرها ولاحظ من هناك حركة يديها التي تفقدت بها جيبي بنطالها ثم نظرتها لبناء المشفى قبل أن تقول : والآن يا ملك الذكية كيف ستصلين للمنزل دون مال ... ثم تابعت بغيظ :  لا أصدق أنني خرجت من المنزل دون حقيبتي.
فجلست على درجات المدخل تتأمل المارة بوجه ظهر عليه البؤس.
_ فلم يتمالك نفسه وضحك بسبب ما تمر به وعاد لهدوئه حين وقفت ورتبت ثيابها وهي تقول : سأخبر سائق الحافلة أنني نسيت نقودي بالمنزل وهو لن يمانع صعودي.
_ فرد بصوت لم يصل إليها : فعلا ذكية يا ملك ... ثم نظر من حوله كما لو أنه يبحث عن حل وتابع : والآن بعد قولك لهذا كيف يمكنني تركك لوحدك.
فلفتت نظره المستخدمة التي تقوم بمسح الأرضية فاقترب منها بينما يفتش في جيوبه عن عملة مناسبة وصدرت عنه تنهيدة راحة حين وجدها وتحدث إلى الواقفة أمامه بصبر منتظرة لما سيجود به عليها : لقد وقعت هذه من جيب تلك الفتاة التي تقف بالخارج أثناء خروجها من الباب فهلا أعدتها لها
_ فلوت فمها بجانبية حين رأت المبلغ وقالت : لم لا تعيدها أنت.
_ لقد اصطدمت بها دون قصد وحينها وقعت هذه منها وأخشى أن تظن بي سوءا تجاهها.
_ مع هكذا مبلغ لن تعبرك أساسا لتظن بك فهي مجرد فكة لو رأيتها أرضا لم أكن لأنحني كي التقطها.
فزفر بضيق لنقاشها الطويل ونظر باتجاه ملك فوجد أنها بدأت بالسير باتجاه الحافلة فعلا فركض للخارج وهو يتذمر تحت النظرات التي تراقبه باستمتاع منذ لحظة خروجه من الغرفة وتوقفوا عن الضحك مع قول آدم : فلنتركه وشأنه فلا ضرر قد يصدر من أمثاله.
_ فرد عمر : لم أعتد رؤيته بهذا الجبن.
_ فرد صقر بشرود : أراه خجلا لا جبانا.
_ فقال جمال : أوافقك الرأي فهي تربكه منذ صغرها ولذلك لا أظنه سيجرؤ على محادثتها
_ أتمنى من الله أن يهدي قلبها إليه فلا ينكسر قلبه.
_ فوضع آدم ذراعه على كتفه وهو يقول : دعوة رائعة يا عمر فأكثر منها.
_ فرد صقر على حديثهما معا : ولماذا يسمح لها بكسر قلبه.
_ فقال عمه باستنكار : هل تريد منه إجبارها على تقبل مشاعره.
_ سيكون ذلك أفضل من تحطمه في كل لحظة يراها فيها مع غيره.
_ فنظر كل من آدم وعمر إليه بانشداه للمعنى فهل يقصد بكلامه هذا ما فهماه أم أنه يتكلم عن نفسه
وفكر عمر :  أن الثانية أولى فهو لم يتقبل يوما قصة أمه مع أبيه وعمه.
فترك المجموعة وهو يقول : سأتبع تيم فأخشى أن يقطع المسافة إلى بيتها سيرا على الأقدام إن استمرت بإظهار قلة خبرتها أمامه.
وفي الشارع راقب تيم بأسى عبور الحافلات واحدة تلو الأخرى من أمام ملك التي تتابع ابتعادها دون أن تترك مكانها في الموقف وأنها كانت تنفي برأسها لبعضهم حين يسألها إن كانت ستركب.
والأدهى من هذا كله أنها تكلم نفسها كل حين وبصوت واضح فجعلته يرغب في شد شعره.
فما الذي تفعله بالضبط !!
فلتنفذ إحدى أفكارها تلك فكلها ستكون أفضل من فكرتها الأساسية بركوب الحافلة كمتسولة وأفضلها العودة إلى غرفة والدها والاتصال ببطة كي تجلب لها ما تحتاج وحتى خيار الاستدانة من أحدهم داخل المشفى لا يبدو خيارا سيئا أمام ما تفعله الآن وكاد يقترب منها ليسألها كيف تتدبر أمرها أثناء عملها في توصيل الطلبات إن كانت بهذا الفشل ... وإن كان هذا ما تعمله فلماذا سألت عاملة الاستقبال عن اتجاه الحافلات؟!!!
فتحرك باتجاهها بعد أن أصابه اليأس ولكنه فوجئ باليد التي أمسكته من ذراعه مانعة له ولم تكن إلا يد عمر الذي قال : دع هذا لي
وأشار برأسه باتجاه سراب الذي اقترب من ملك ومد يده بمبلغ من المال وهو يقول : هذه من موظفة الاستقبال.
فأخذتها بتردد جعله يتابع : قالت اعتبريها دين.
_ إن كان كذلك فلا بأس
فضحك عمر من زفرة تيم المرتاحة
والذي قال ردا على ضحكته : لقد كادت تفقدني صوابي
_ يبدو أنه علينا البحث خلفها قليلا
فما نعرفه عنها لا يتطابق مع الواقع.
_ هل هذا يعني أنها لا تشبه عارضات الأزياء.
فعلت ضحكة عمر هذه المرة وهو يقول : جملة أمي شغلتك حقا
_ ليس إلى هذه الدرجة ولكن ما الذي عنته بذلك حقا!!!
_ ستقتلني إن أخبرتك فاعرف بنفسك.
_ فلم يعلق على ما قال والتفت إلى سراب الذي قال : لقد تمت المهمة بنجاح
_ أشكرك
_ لا داع ... ولكن بعد رؤيتي لما حدث فالأفضل أن تستمر بمتابعتها
فالارتباك واضح عليها.
_ فتركهما تيم بعد جملة سراب واستقل أول سيارة أجرة مرت من أمامه تابعا لها بينما تابعته نظرات الآخران ببلاهة قطعها سراب بقوله : ألم يكن الأجدى به ركوب السيارة معنا
فنظر عمر إلى سيارته ورد : أنا مضطر لاستعارة جملتك ( علينا اتباعه فهو يبدو مرتبكا).
وبعد ذلك بربع ساعة وفي المكان الأكثر ازدحاما في وسط المدينة شد تيم شعره هذه المرة بغيظ وهو يقول : يا إلهي ستعود من حيث أتت إن صعدت هذه الحافلة.
فخفف عنه عمر وهو غير قادر على التوقف عن الضحك : لقد تاهت ويبدو أنها تفكر بالعودة للمشفى وهذا برأيي أفضل من المخاطرة.
_ لقد دلتها الموظفة في المشفى  على الطريق بالتفصيل فلماذا لا تقطع الشارع وتصعد الحافلة ذات اللوحة الصفراء وتريحني.
_ لأن تلك الحافلات تسير باتجاهين
فنظر إلى سراب الذي فسر ما تفعله.
_ عليها أن تسأل إذا
_ تبدو خائفة من اجتياز التقاطع.
_  فتابع تيم  : والحل ؟؟
_ فلفت عمر انتباهه إليها قائلا براحة : انظر ... لقد وجدته.
وكانت ملك في تلك اللحظة قد قررت الاستعانة بشرطي المرور الذي أصبح على مقربة منها فهلل تيم بسعادة لتجاوزها هذه المعضلة وقال بعدها : لا مجال لضياعها في حيها أليس كذلك.
_ فرفع عمر كتفيه وقال بسخرية : بعد كل ما رأيته منها لن أستبعد ذلك.
وأرفق جملته بمسكه من ذراعه قبل أن يتحرك بتنبيه : لا تتصرف بغباء ثانية فسيارتنا معنا.
_ أشعر بأن ما فعلته من مواقف غبية أمامي أصابني بالعدوى.
فعاد سراب للقول : إنها تتصرف هكذا نتيجة لقلة خبرتها ... ولا زلت أرى أن اتباعها ضروري فيبدو أن هذه المرة هي الأولى التي تخوض فيها مغامرة لوحدها.
_ معه حق فهو مر بكل ذلك مسبقا
فعلينا اللحاق بها لأنها ستفوت الموقف الذي عليها النزول به.
فاتسعت عينا تيم من فكرة عمر قبل أن يقول : توقفا عن إخافتي وإظهارها أمامي بكل تلك الهشاشة
_ هل تريد مني تزييف الواقع ... فمن الواضح يا ابن عمي أن صغيرتك فتاة هشة وعديمة الخبرة
أي هي النقيض لك بشكل مرعب.
_ فقال تيم بانفعال : كل هذا نتج عن سوء تصرف أمي وجدي حين تركوها لوليد ليصيغ منها هذه الشخصية الجبانة نتيجة لحرصه الزائد عن الحد.
_ وبعد اتخاذهم لأماكنهم عاد تيم للتحدث : سنضيع معها هذه المرة فنحن لا نعرف مكان بيتها بعد
_ فناوله عمر هاتفه وهو يقول : معك حق ... لذلك اتصل بخالتي واسألها عن العنوان فهي تعرفه.
وهذه المرة ولحسن الحظ تبعوها بهدوء حتى وصلت إلى حيث تقيم وعودتها إلى والدها دون مشاكل.
ولم تعلم أن هذه المغامرة التي خاضتها ستكون السبب في تأخر ظهور تيم في حياتها وبتحريض من عمر الذي منع الجميع من الاقتراب منها وتقديم المساعدة بشكل مباشر فلو أنها أرادت تواجدهم في حياتها كانت ستلجأ إليهم عند تعرضها لهذه الأزمة التي فاقت قدراتها من كل النواحي عوضا عن البحث عمن يساعدها ولذلك عليهم الحذر أثناء قيامهم بهذه الخطوة.
ولقي هذا الرأي معارضة شديدة من سارا التي نظرت للأمر من منظور آخر وهي أن ملك لم تلتجئ إليهم لأنهم من توقفوا عن التواصل معها ودون تفسير فاحتار تيم بين الخيارين إلا أنه رجح كفة عمر فهناك الكثير مما يحول بينه وبين الارتباط بها حاليا وعند رسوه عند هذا القرار قرر الالتجاء لجده الذي سينفذ له ما يريد ودون نقاش فاستغل فرصة دخوله إلى غرفة الأشغال كما يسميها ليغوص بين كتبه الأدبية التي باتت أكثر ما يشغل بها وقته بعيدا عن الأعمال وكل ما يخصها فظهر أمام الجميع كمحارب قرر أخيرا أخذ استراحة لوجود من ينوب عنه.
فابتسم لهذه الفكرة وطرق بسبابته على الباب داعيا الله ألا يتم طرده
فجاءته الاستجابة بجملة واثقة : ادخل يا تيم.
_ فقال بانتصار : بداية جيدة
وخطا بعدها أولى خطواته في المكان
فأهدى ابتسامة محبة لجده الذي يجلس باسترخاء على أريكة عريضة زينت أطرافها بقطع قماشية يدوية الصنع ذات ألوان هادئة
فانتبه هاشم لنظرته المهتمة لما يحيط به فرد له الابتسامة وهو يقول : هل يعجبك ما ترى
_ فأومأ وهو يتلفت حوله باحثا عن كرسي يجلس عليه بعيدا عما يحيط جده من ذكريات.
فقطع عليه بحثه بقوله : يمكنك الجلوس على الأريكة المجاورة لك فصغيرتك المشاغبة أضافت لها فنها في أول دخول لها لهذه الغرفة وأما عما تلى ذلك فقد بات هذا المكان حصريا لها عند دخولها معي
فوقف تيم أمام الأريكة المعنية وصدرت عنه ضحكة رائقة حين رأى الأشياء الطفولية الموضوعة عليها ككل وتحتاج للكثير من التحليل لمعرفة ماهيتها وما يجمع بينها هو الخيوط وكثرة الألوان وحسب فامتنع عن تخريب فنها وفضل البقاء واقفا وعاد لمواجهة جده وهو يقول : غريب أمرك ... كيف تمكنت من تجاهلها وهي الوحيدة التي تمكنت من التأثير بك حتى أعطيتها زاوية في مكانك الخاص.
_ لقد أعطيتها حرية الاختيار التي حرمت جدتك منها فحين تعود لهذا المكان ستعود لأنها تريد ذلك وليس لأن غيرها اتخذ هذا القرار
_ فاهتم تيم بالجزء الخاص بملك من حديثه وإن كان حديثه عن جدته قد أثار استغرابع فتساءل : هل تظنها ستتذكر هذا لتعود إليه؟؟
_ فأشار هاشم للأريكة وهو يقول : لن تعود لأجل هذا بل لأجل من صنعت له هذه الأشياء وليس هنا وحسب بل في كل أرجاء هذا القصر
_ فكرر : في كل أرجاء القصر ... معك حق فقد كانت كثيرة الحركة
_ والكلام.
_ فضحك تيم لأن كثرة الكلام هي أكثر ما يغيظ جده ومع هذا فقد كان يستمتع بثرثرتها نوعا ما.
وحين حاول تخيل عودتها للقصر اصطدم بأن صورتها الحالية لا تتناسب مع خياله فهي مجرد صورة باهتة لما كانت عليه فأين هي الآن مما كانت عليه حينها
فعاد للاقتراب من أريكتها وكور إحدى مناديلها بكفه وهو يقول : لقد تغيرت كثيرا ... لدرجة أنني لم أتمكن من فهم كل ما يصدر عنها والتجأت للآخرين كي يفسروا معناه
أشعر بأنها ضاعت عن نفسها وستضيعني معها.
_ فاستفسر جده : لذلك وافقت على رأي عمر
_ لقد قالها لي علنا : أعط لنفسك فرصة التعرف عليها من جديد فهي لا تشبه كل ما نعرفه عنها.
_ كلامه جميل ولكنه بعيد عن الصحة فهي لا زالت كما هي ولكنها كما قلت ضائعة عن نفسها لما تمر به من ظروف.
ثم تابع منهيا الحديث في شأنها : والآن أخبرني عن سبب هذه الزيارة
وفي وقت هروبي منكم.
_ أحتاج لدفعة منك كي أحصل على شهادة تخولني العمل بمكان مناسب
فليس من المعقول أن أذهب للتقدم لخطبتها وجيبي ممتلئة بنقود والدي وجدي مع شهادة كتب فيها عاطل عن العمل.
_ غبت لخمس سنوات وعدت لي بحرفة ميكانيكي فبماذا كنت تفكر حين ضيعت هذه السنوات.
_ كانت أوراقي مزيفة ووضعي المادي مزري فلم يكن بيدي ما أفعله.
_ فأومأ هاشم بحسنا ثم قال : لقد تناقشت مع عمر بشأنك بعيدا عن والدك الذي سيعاملك كعبد عنده كما يفعل مع عمر وصقر ورأيت أن اقتراحه بإدارتك للجمعية وأعمالها مناسب لك حاليا بالإضافة إلى هذا المشروع الذي بدأت فعليا بأولى خطواته في مجال الموضة بمشاركة عمر  ووالدته وهذا يعد إنجازا كبيرا بالنسبة لوضعك.
_ يبدو أنني سأكون ممتنا لعمر
_ كن ممتنا كما تريد ولكن لا تظن للحظة أنك ستنفذ من بين يدي والدك ووالدتك فهما سيتعاملان معك على أساس أنك شخص متفرغ
ويلقيان على كاهليك كل ما لا يخطر على بال.
_ لا مانع لدي بمساعدتهما.
_ جيد ...  والآن اخرج ودعني وشأني
_ والشهادة ؟؟
_ لا تقلق سأفعل ما أجده مناسبا.

قلوب تعلمت منه الحب Where stories live. Discover now