الفصل الثامن عشر (حاول مجددا)

373 15 2
                                    

راقب هاشم تيم من نافذة مكتبه المطلة على ساحة التماثيل حيث كان يتجول بينها يتأمل تفاصيل كل منها على حدة ويبدو أنه يأخذ وقته كاملا كما لو كان يشاركها سيجارته التي لم يشعلها حتى الآن ويحتفظ بها بين إصبعيه دون معرفة المغزى من ذلك ثم جهر بما يفكر لحفيده الآخر والذي كان مشغولا بعدد كبير من الأوراق القانونية التي كلفه بمراجعتها بعد فريق المحاماة الخاص بشركاته فعلى الرغم من انشغال عمر الدائم إلا أنه لا يبخل على جده بتدقيق ما يريد ورفع رأسه عن الأوراق عندما سمع صوت جده يقول : أتمنى لو أتمكن من فهم تصرفاته فهو منذ نصف ساعة يدقق في كل تمثال ويعود أحيانا لأحدها ويقف أمامه ثانية
_ جدي نصيحة مني لك لا تفكر كثيرا بمراقبة ما يفعله فهو يملك عالمه الخاص وأمثالنا لا ينتمون إليه ولذلك عندما تستغرب من تصرف ما اسأله مباشرة وهو سيجيب كالعادة
وأظنك اعتدت على مخالفته للتوقعات.
_ ما رأيك به صراحة؟
_ عليك أن تحدد أكثر
_ هات ما لديك.
_رجل يعتمد عليه وقت الشدة يجيد اتخاذ القرارات وحنون مع من هم أضعف منه
_ يبدو أنك أحببته وفي وقت قياسي
_ يمكنك القول إعجاب بقدراته فأنا أحتاج لوقت أكثر حتى تتكون لدي مشاعر تجاهه
عاد هاشم بنظره إلى النافذة وضحك فانتبه له عمر ثانية وترك أوراقه وقال : يبدو أنك اكتشفت ما يفعل
_ لقد عرف خدعة التماثيل التي صممها أخوه لينير حديقة التماثيل باستخدام خاصة الانعكاس فيكفي إشعال ضوء واحد ليستقبل كل تمثال ذلك الضوء لينير ما حوله فيصبح هذا الجانب من الحديقة يعمل كمنارات لباقي الأجزاء الأخرى وخاصة اتجاه الغابة
_ حفيداك مجنونان ولا تنكر
_ ابتسم هاشم بشرود وقال بينما يراقب تيم الذي بدأ يعدل زوايا بعض التماثيل: هل سيعود يوما أم أنه لم يعد بيننا
_ بل سيعود ...لن يغادرنا هكذا
_أتمنى أن يكون لدي يقينك
فوقف عمر واقترب من جده وربت على يده التي تمسك العكاز مواسيا ثم التفت إلى تيم الذي كان ينفض يديه من الغبار وأشعل حينها سيجارته ثم نظر باتجاه الغرفة التي يحتلها
لقد اكتشف أخيرا سر غياب الستائر من غرفته
ولكن هذا يفتح أمامه لغزا آخر وهو ماذا يراقب
صقر من نافذته أو من يراقب وإن لم يخب ظنه فلذلك علاقة بمحاولة قتله
ثم نظر إلى جده الذي لا يزال واقفا يتأمله
فتوجه إليه بالحديث: لقد كان مميزا أتمنى أن يعود إلينا سالما
_ أومأ هاشم وتنهد عائدا أدراجه إلى أريكته بينما تواجهت نظرات الحفيدين في حديث صامت انتهى بابتسامة من عمر وتحية بإصبعين من الاخر قبل انصرافه.
ومع عودته لمكانه حدثه جده : لقد قال عودته سالما ...هل تظنه مختفيا بسبب المرض أو فقدان الذاكرة مثلا فعلى الرغم من وجود بعض
الدماء في سيارته ولكن هذا لا ينفي أنه ربما نجا ولكنه غاب بعقله عنا فتاه وربما يعيش بمهاراته كما فعل أخوه
كان ينتظر رأيه وقد تجمد عمر في مكانه لقد كاد يصيب الحقيقة وإن استمر بهذا النوع من التفكير فسوف يجده واحتار إن كان عليه تشجيعه لإيجاده أم يتركه على أمل عودته سالما فصديق طفولته لن يعود سالما فعندما استيقظ بعد الحادث كان فاقدا لعقله ولم يتعرف عليه حتى بل وكاد يؤذي نفسه لولا عودته للغيبوبة ومع هذا فقد أشفق على جده فهو منذ عودة تيم ومعرفته بأنه ليس صقر وهو بدأ بتكليف المزيد من الأشخاص للبحث
عنه وقد بات لديه أمل في إيجاده
بالإضافة إلى سارا التي تقوم بحثه على تكثيف البحث وقد تبنت مثله قصة فقدان الذاكرة.
فترك أوراقه ونظر إلى جده فوجده ينظر إليه فارتبك وقال : كلامك يحمل القليل من المنطق
ولكنه يجعلك توسع دائرة البحث دون خطة
_ هل لديك فكرة ما تخدم هذا الموضوع .
_ أعط تيم فرصته لإيجاد توأمه فأظنه الوحيد الذي سيعرف طريقة إيجاده فهو عاش بذات الظروف التي فرضت أنه يعيشها الآن
_ أجل سأسأله وربما يكون الحل عنده
_ دعنا نذهب للنوم تأخر الوقت وعلي الذهاب إلى المكتب باكرا فعندي قضايا عالقة.
_ دخل تيم إلى المكتب مع وقوف عمر الذي حياه وانصرف
أما تيم فجلس بجوار جده على الأريكة سائلا عن حاله وكانت المفاجأة نصيبه عندما تكلم هاشم : هذا مكان عاج ولم أسمح لك بالجلوس في مكانها
_ نهض تيم رافعا ذراعيه باستسلام و جلس مكان عمر وشغل نفسه بتفقد الأوراق وقد
كان مطلعا عليها من قبل فوظيفة دكتور عبد الهادي تتمثل في شرح كل ما يخص الأعمال
_ لاحظ هاشم استغراقه بالقراءة واستغرب اهتمامه فسأل :هل تابعت دراستك
_ فارتخى تيم على ظهر أريكته وقال: لم أدرس
المنهج الخاص بالمدارس لكنني تلقيت تعليما ممتازا في أغلب مراحل حياتي
_ لم أفهم هلا وضحت
_ كنت مخطوفا كما تعلم
_ فقاطعه هاشم إن كانت الذكريات ستتعبك ثانية فانسى ما سألت
_ لقد كان ما حصل معي لأنني بدأت أتذكر الحياة هنا أما تلك الفترة فهي محفورة في ذهني وجسدي
_ يعني أنت مستعد للإجابة عن أسئلتي
_ أجل
_ أخبرني ما حدث يوم اختطافك
_ كنت صغيرا ولا أذكر كل شيء فقط أنني وبشر محتجزان في منزل
_ حسنا فلنحاول معا تذكر ذلك اليوم ونرتب ذكرياتك اتفقنا
_ اتفقنا...أخبرتك أنني أتذكر أمي فقط من كل المنزل ووجه أخي ....ومكان أبيض له رائحة جميلة
_ إنه جناح جدتك عاج في الجهة الجنوبية من القصر كنتما تقطنان هناك فقد أعطيت الجناح لوالدتك عندما غادر والدك المنزل لتكون قريبة مني إن احتاجت شيء
_ هل يضايقك سؤالي عنه؟
_ تقصد والدك
_ لماذا تركنا في ذلك العمر الصغير
_ كنت أجبره على البقاء طوال فترة تواجد والدتك هنا
_ هل أرغمته على الزواج منها
_ لا لقد أحبها كثيرا وكان مجنونا بها
_ ما السبب لرحيله إذا
_ لقد عانت بعد ولادتكما من اكتئاب ما بعد الولادة وبدأت تناديه باسم آدم و تتحدث معه على أنه هو وعندما كان يفقد صبره ويصرخ بها
يزيد عمك المصيبة ويقف بوجهه متهما له بالأنانية وعدم مراعاة مرضها فغادر المنزل بعد عدة مواجهات مع أخيه و قد اتهمها بالخيانة
وأنكما لستما أولاده فجن جنون عمك وضربه
وفي محاولة أخيرة مني لرتق الصدع أجريت
لكما تحليل أبوة ليتوقف عن غيرته
توقف قليلا عن الكلام ثم تابع : لقد غادر في يوم ظهور النتيجة وأخبرني أنه أصبح يخشى عليكم من نفسه وأخذ وعدا مني ألا أسمح لسارا بترك المنزل حتى لو أرادت الطلاق ووعدته.
_ وعمي آدم
ذلك الأحمق كان عليه المحاربة لنيل قلبها فلم أشاهد في حياتي أحدا وفيا لحب امرأة كما يفعل هو وللآن
_هل غادر أيضا في ذلك الوقت ؟
_ لا بل بقي يهتم بها وبكما حتى تم اختطافك
وأخذت تلومه لأنه شغلها عن طفليها بإصراره
عليها لمتابعة دراستها وخيرتني إما هي أو هو في هذا المنزل
_ واخترتها قالها تيم متفاجئا
_بل اخترت صقر ...لم أكن لأتنازل عن نشوئه في كنفي
_ وعمي ماذا كان رد فعله ؟
_ أخبرني بأنه لن يعود حتى يجدك
_ هل تظنها كانت تحبه ؟
_ أمك تملك عقلا لا يمت للواقع بصلة فهي بقدر ذكائها تحمل كمية من الغباء يجعلك ترغب في خنقها لقد كان آدم صديقا لخالك بشر و دائم التردد على منزل خالته وقد تعلقت به منذ صغرها ولكنها عندما أصبحت شابة اختارت أبيك وعرضت عليه الزواج أي هي من اختارته
وأريد أن أوضح والدك لم يكن سيئا أبدا وقد كاد يجن من السعادة لاعترافها بحبه فهو كان شخصا عمليا ويتسم بالهدوء ولا تجارب عاطفية لديه وقد فضلت سعادته التي كنت أراها لأول مرة على تعاسة آدم الذي تفاجأ بما فعلت فالجميع كان يظن أنهما متحابان
_ هل اكتشفت محبتها لعمي بعد زواجها
_ المصيبة في عقل أمك الغريب أنها أنكرت ذلك رغم كل ما حدث وأثبتت ذلك عندما ساومتني بينهما
_ تقصد هي لا تحبه
_ بل تفعل وتلوم نفسها على ذلك وربما تعاقب نفسها بالبقاء على ذمة والدك
_ لماذا لم يعد أبي طوال هذه المدة
_ أخبرتك هو شخص عملي تغير عند زواجه منها فقط واقترب منا وعاد للابتعاد كما كان وأظنه مرتاح بهذه الحياة
_ ألا يأتي لرؤيتك
_ عند زيارتي لفرعنا الموجود في مدينته أقضي الفترة في بيته.
_ وصقر هل كان يراه
_ كانا يسلمان على بعضهما برسمية في لقاءات
العمل فهما يحملان شخصية متشابهة
_ ظننته يحمل طباعي فهناك الكثير من الأمور
التي نتشابه في تفضيلها
_ من أين عرفت ...؟
_ أشياء كثيرة ...عدم حب التلامس تفضيل الرياضات الخشنة محبة الأشياء العملية
_ إنها صفات والدك ولكنك تشابه أمك أكثر حتى أنك تميل بشكلك لها أكثر منه فأنت تشبه جدتك عاج كما أنها أورثتك أفكارها الغريبة
_ لا أرى نفسي غريبا
_ أنت الوحيد الذي ترى ذلك أما من حولك فلا تسأل عن رأيهم بك
_ هل هناك من يذمني و تسكت له
_ يا ولد الا يرتاح ذهنك من محاولة افتعال المصائب
فأشار تيم لنفسه مستهجنا وقال ما علاقتي
بالمصائب ...أنت من تسمح للناس بذمي
_ لم أقل ما فهمت ...فحتى أنا لا أفهم فيما تفكر فمنذ قليل وقفت لنصف ساعة أراقب ما تفعل في الساحة ولم أفهم حتى بدأت بتغيير
اتجاهاتها أي تمكنت من معرفة ما فعله أخيك
_ على سيرة أخي لماذا اخترع ذلك الشيء وأشار إلى الساحة
_ ربما تكون الوحيد القادر على ذلك
والآن دعنا نعود إلى موضوعنا ماذا حصل في ذلك اليوم؟
_ كنت قد نسيته وحلمت به هنا كما لو كنت أشاهد فلما
أصفى هاشم لما بدأ تيم في قصه وهاله ما سمع واكتفى بسرد ما تذكره عن ذلك اليوم والأيام التي تليه حتى إبعادهم لبشر
_ بشر لم يعد إلى هنا ...هل قتلوه
_ لقد نسيته فيما بعد هكذا يبدو فأنا لم أتذكر هذا إلا هنا ...ولا تسأل عما جرى بعد ذلك فأنا لن أقول الآن لأنك لن تحتمل باقي القصة
_ هل تراني ضعيفا يا ولد
_ دعني أساعدك لترتاح في سريرك وخلال سيرنا سأحدثك في أمر ولكن لا تثر علي
_ تفضل ...وما تفعله الآن أحد الأمور الغير مفهومة والسؤال لماذا توصلني كل يوم إلى سريري قبل نومك؟
_ أفعل ذلك دون تفكير ربما لأطمئن عليك ولا أفكر بأنك قد تحتاج شيئا قبل نومك
_ كانا قد تجاوزا المكتب ببضع خطوات عندما
سمع تيم صوت حركة في المطبخ فطلب من جده الوقوف وكلمه بصوت منخفض لا تتدخل
إن كان الأمر خطيرا
_ ربما أحد الخدم ؟
_ سأرى...
عاد الصوت للظهور وتمكن خلال مشيه من رؤية ظل آخر في المكان ويبدو أن هذا الشخص يراقب ما يحدث فتجاهله وتقدم باتجاه الباب الذي بالكاد كان مفتوحا وهناك كانت المفاجأة فقد كان جاد يقف مقابلا لهالا ويبدو أنها كانت على وشك ضربه بشيء خشبي من أدوات المطبخ يبدو كعصاة وقد توقفت يدها في الهواء عندما رأته فقد كانت مقابلة للباب أما الآخر فقد كان مستسلما ولم يبد عليه أثر لمحاولة مقاومتها وقد التفت للخلف حتى يرى ما جعلها تتوقف وبما أن الصمت كان لا يزال يعم المكان فقد أشار على فمه بعلامة السكوت وخرج من المطبخ بهدوء كما دخل وعاد إلى جده بعد أن حاول رؤية من يتلصص عليهما وقد رأى طرف شعرها فتهكم في نفسه لعدم معرفة كينونة الظل فمن غيرها في هذا المنزل يتجول كالشبح تلك الطفلة له معها معركة قادمة فهي تحمل أسرار هذا القصر .
وصل إلى هاشم وطمأنه أنها إحدى الخادمات تجهز شيئا للغد فسار معه جده إلى الغرفة وهو
يؤكد على ضرورة إبعاد الخدم عن داخل القصر أثناء الليل فهذا يعد خطرا على أفراد العائلة النيام فوافقه تيم على رأيه وكما يفعل كل مرة يساعده بما يفعل ويختار له كتابا ثم يجلس مقابلا له ويناقشه بأمر ما لكن هذه المرة كان طلبا وصفه تيم قبل قليل بأنه مزعج
وبعد أن استقر هاشم في مكانه انتظر حتى يبدأ تيم بالحديث والذي قال :لم أعتد البقاء دون عمل وصحيح أنني ابن هذه العائلة لكنني معتاد على توفير ما احتاجه بنفسي
_ يمكنك بدء العمل معي بعد أن أجعل أحد المستشارين يعرفك على أعمالنا وبعدها يرافقك فترة حتى يتوضح لك كل شيء
_ أنا ممتن لك لعرضك ولكن هذا مكان صقر وتعبه وهو سيعود إليه
_ إذا بماذا تفكر ؟
_ كخطوة أولى العمل بما أتقن وهو الكتب
_ لم أفهم وضح كلامك
_ أريد افتتاح مطبعة للكتب كما كنت أفعل بالمدينة الأخرى
لم تكن المفاجأة هي ما شعر به هاشم بل كما لو أنه تلقى لطمة....ماذا يقول لهذا الغريب الأطوار
لقد وعد نفسه بألا يضغط عليه لاستلام العمل معه ولكنه رفضه الآن ويريد العمل في مجال لا يمت لهم بصلة ومع أن طلبه جعله ينال البراءة من أي تهمة بخصوص ظهوره الغريب ولكنه شعر بالخذلان فلمن كل هذا إن لم يرده أحد أحفاده
رأى تيم انكسار جده واضحا على وجهه وهذا شيء نادر فهو شخص متمرس بإظهار الثبات في مشاعره وعلم تيم أن له تأثيرا كبيرا على هذا الرجل ولكنه حقا لا يريد خداعه وجعلهم يسيطرون عليه من خلاله سيساعدهم دون أن يؤذيه وسيتم الخطة بطريقته ويبدو أنهم لا يعارضون كما لو أنهم أصبحوا أدنى منه مرتبة
فلا واحد منهم عارض للآن أي من قراراته
وتنهد منتظرا قرار جده الذي بقي صامتا.
_ يبدو أن كلامي لا يعجبك ولكن وجودي معك في العمل سيسبب لك مشاكل كثيرة وأهمها عدم نيلي لأي شهادة تخولني استلام مكان أخي وهذا سيدفع شركاءك للاعتراض على كل ما أقرر فهم يثقون بصقر وليس بتيم
_ هذه المرة ارتفع حاجب هاشم في تفكير ثم قال : لقد انتشر بين الجميع أن صقر قد عاد وأنا من أكد ذلك ولم أخبر أحد عنك للآن أي تواجدك بالعمل محلول
_ ماذا تقول ؟ هل تريدني أن أعيش كاثنين
_ لقد دخلت هذا المكان كصقر وأنت عشت طوال غيابك به أي أنت ستكون انت فقط دون اسم تيم الذي لم تتذكره إلا منذ أيام.
تفاجأ تيم من فكرة جده وقد ظن بأنه سيعترض على أمر المطبعة لأنها لا تتناسب وأعماله و قد كان شبه متيقن بأن جده لن يعرض عليه العمل مكان أخيه لعدم وجود شهادات وخبرة تؤهله لذلك ولكن ما يطلبه الآن لم يخطر بباله فجده الآن تابع خطة تلك المجموعة بإرادته وسيدخلهم إلى أعماله بهذه
الطريقة ولكنه بات محتار حقا فهل عليه التخلي عن اسمه ثانية وبماذا سيبرر جده عدم خبرته فسأله:سيدرك من في العمل تغيري وعدم خبرتي.
_ سأخبرهم عن فقدك للذاكرة وأنك استعدتها جزئيا وبهذا لن يعجبوا من أي قرار يصدر عنك
وأنا ذاتيا أتوقع منك الكثير في هذا الشأن
_ دعني أفكر بالموضوع
_ سنرى بشأن دراستك فيما بعد وتأكد بأني لن أدعك دون أن تنال شهادة تليق بك وبنا
أومأ تيم ونهض مغادرا بعد أن تمنى لجده ليلة طيبة
عندما أصبح في الخارج تساءل إن كانت هالا قضت على عدوها أم لا زال حيا فضحك من فكرته وعاد أدراجه إلى المطبخ فوجده فارغا وقد اختفى الظل مع اختفائهما فاتجه إلى جناح والدته ليتأكد من عودة المتلصصة إلى غرفتها فدخل بهدوء ووقف في صالة الجناح الهادئ وشعر بالراحة والانتماء لهذا المكان إنها ذات الرائحة وإن لم يكن يتذكر المحتويات ربما تكون والدته قد غيرت الأشياء لذلك لا يتذكر
وعاد للواقع مركزا على غرفة سما فطرق الباب عدة مرات بهدوء وانتظر قليلا ثم فتح الباب عندما لم تجبه ...وكعادة ساكني هذا المنزل لا يملون من مفاجأته كانت نائمة وهي تحتضن دمية تشبه والدته وعلى الطاولة أمامها لا زالت شاشة اللابتوب الخاص مفتوحة على مكالمة مرئية وفي الطرف الآخر كان وجه لشخص نائم على ذراعه وازداد تفاجؤه عندما عرف من يكون إنه أكثر شخص يكرهه أخوه في هذا العالم ومن يريد هو مقابلته بشدة إنه شهاب ابن بشر من تركه خاله خلفه وهو رضيع
_ يا إلهي ما الذي جمع بينهما سما وشهاب بكل حياتهما البائسة
وعلى الرغم من تأثره الآني إلا أن الدم غلا في عروقه فهذا التجاوز سيجعله يقطم رأس هذه الفأرة ...المتلصصة الوقحة وعندها تذكر الأخرى (هالا) عليه التأكد إن كانت في جناحها
أيضا وقبل أن يغادر اتجه إلى جهازها وأرسل رسالة إلى الطرف الآخر حملت كل أنواع التوبيخ والتي ستجعله يأتي من الخارج على أول طائرة ...ثم أغلق الجهاز وخرج من الغرفة ودخل إلى غرفة أمه النائمة كملاك وقرر تركيب
منبه لديها يجعلها تستيقظ كلما حاولت تلك الفأرة التسلل ليلا وهو من سيعيد وضع النقاط على الحروف في هذا المنزل الخارج عن السيطرة
واتجه إلى جناح هالا الذي كان بابه مفتوحا ولم يحتج للدخول ليعلم أنها ليست هنا
فازداد غضبه وتوعد لها تلك الكاذبة فلتجرؤ على عدم الرد على مكالمته
وما إن ضغط على اتصال حتى جاءه صوت الرنين من داخل الجناح فانطلق عائدا للمطبخ
وغادره عبر الباب الخارجي حيث يوجد أحد الحرس والذي تقدم نحوه سائلا له إن كان يحتاج شيئا
فسأله مباشرة عن جاد فظهر الارتباك على وجهه ولكنه أجاب على سؤاله بأنه غادر منذ قليل
فابتعد تيم عن مجال سمعه واتصل على جاد الذي رد بعد عدة رنات
وقبل ذلك على الطرف الآخر وفي سيارة جاد كان الجو أكثر هدوءا عما كان عليه في المطبخ
والذي انتهت فيه محاولتها لقتله مع خروج تيم فقد أنزلت يدها وثبتت نظراتها لثواني على مكان خروج تيم ثم لانت نظرتها وظهر فيها شيء من الحنان وأدرك أن تيم بتصرفه امتص غضبها ثم هاله الابتسامة التي ظهرت على شفتيها وتلاها صوت ضحكتها الأنثوية الحقيقية والتي لم يسمعها منذ سنوات
ولعبت بنبضات قلبه عندما قابلت نظرته وتحدثت :لقد سمح لي بقتلك
وعادت للضحك...فابتسم لها وكانت هذه اللحظة تعتبر البادرة الأولى لعودة علاقتهما إلى مسارها الصحيح المسار الذي حادوا عنه مجبرين بسبب أحداث هذا البيت المجنونة التي لعبت بأقدار الجميع
فتبع جاد نبضات قلبه ووضع كف يده على خدها بهدوء ولمسه كما لو كان يزيل عنه شيء ما وهي فهمت سبب فعلته وعادت لها ذكرى ذلك اليوم والصفعة التي تلقتها منه ظلما وعادت تكرر كلمته على طاولة الغداء قبل أيام (ليتك سألت) ولثاني مرة في هذه الليلة التي حملت له العجائب رأى طيف الدموع يتحرك داخل عينيها الحادة وازدادت جمالا فوق جمال
وهي في عينه أجمل نساء الأرض
وما إن عادت النظرة المحتدة تكلل وجهها حتى تدارك الوضع وسحبها من يدها خارجا من باب المطبخ وهو يؤكد :فلنتفاهم...أرجوك
ثم تابع مسكتا اعتراضها: ولكن خارج هذا المكان ...اسمعيني مرة واحدة وبعدها لك ما تريدين حتى وإن كان قتلي وأنا لم أعترض منذ قليل على محاولتك
_لأنك تعلم أنك تستحق
فأومأ موافقا على قولها واستمر بسيره بها إلى سيارته وفتح لها الباب وانتظر دخولها بإرادتها فهو لن يكرر مشاهد ذلك اليوم........ ويقوم باستفزازها
انتظرت لثوان ثم نظرت إلى وجهه لتقرأ تعابيره وقد ابتسم لها مشجعا فأشاحت بوجهها
وهذه المرة قرر استفزازها بقوله :جبانة
فنظرت إليه ثانية بغضب ورفعت إصبعها بوجهه قائلة: بت قادرة على الدفاع عن نفسي
أمام همجيتكم
إنها تقصده وجدها بهذه الكلمة وقد أصابت
إنهما أسوأ أشخاص في التعامل مع الأخطاء
ويصلان لحد المبالغة في العقاب
فعاد لحثها على الركوب قائلا: أعطني فرصة واحدة ولك بعدها ما تريدين
فاتخذت مكانها وهي تقول :هذه المرة لدي من يحميني منكم
_ أجل وانا ممتن له فقد تمكنت من الاعتذار لك أمام الجميع بفضله
_ فكتفت يديها تحت صدرها وابتعدت بأنظارها إلى النافذة وسمعت ما قاله وإن كان بصوت منخفض:لا ينقصني في هذه الليلة الغريبة إلا ثياب نومك
وفهمت قصده فطقمها الحريري وإن كان ساترا إلا أنها بوضعها ليديها بهذا الشكل أصبح ملتصقا بجسمها ومحددا له فارتبكت وابعدت يديها وأخذت تعدل من وضع قميصها
مما جعله يضحك
_ وقح...
لم تكمل توبيخها بسبب علو رنين هاتفه في السيارة فارتفع حاجبيها عندما رأته يبتلع ريقه وقوله: يا إلهي
لكنه رد بهدوء:أهلا تيم
وها هي تعود للضحك ستتسلى حقا في هذه الليلة وعادت تسمع حديثه وهو يوضح مكانه ثم قال : انتظر
فأغلق المكالمة وهو يقول :يريد أن افتح مكالمة مرئية طوال طريق العودة وأقسم على قتلي إن لم أفعل...إنه مجرم مؤكد هو مجرم
_ كان حاجباها يزدادان ارتفاعا مع اتساع عينيها ثم علقت : جبان
وهذه المرة هو من ضحك بينما انفتح الخط على الطرف الآخر والذي بدأ بتوبيخه لإخراجها من المنزل دون علم أحد وفي هذا الوقت
استمع جاد بصبر ثم قال : نحن عائدان..لم نبتعد أساسا
_ أعطها الهاتف
قالها آمرا فأراد جاد الاعتراض ولكنها أخذت الهاتف وتحدثت مباشرة : آسفة
فلانت نظرته المحتدة وقال: أنا أنتظركما أمام القصر
وأغلق هكذا فقط فعلق مجاورها: لماذا أمام القصر
ارتفع كتفاها بعلامة لا أعرف وعادت للنظر إلى الخارج حتى وصلا إلى الباب فتحدث جاد وهو ينزل من السيارة دعيني أشرح له الوضع اولا ثم انزلي فأنت لا تعلمين مدى حمقاته في استخدام يده .
فردت مستفزة له : تستحق الضرب
فحوقل من ردها وغادر مكانه متوقعا كارثة ليلية.
وأما الآخر فقد كان يقف متخصرا بالخارج وما إن رأى جاد خارج السيارة حتى أشار له باتجاه المفتاح في يده وعلى الرغم من عدم فهمهما لما يجري إلا أنه أعطاه مفتاح السيارة وأشار له بيده ملوحا بمعنى وداعا وعندما اتخذ مكانه بجوار هالا تحدث لمن بقي بالخارج لا تدعني أراك إلا عندما تحضر معك من يخطبها لك وستنتظر ردنا رغما عنك وأنت خارج هذا المنزل
_ هل تعاقبني
_ أجل واحتراما لها لم أضربك
وأنهى الحديث داخلا بالسيارة إلى القصر وأما الآخر فقد دار حول نفسه فأين سيذهب في مثل هذا الوقت والأجمل لقد أخذ سيارته فركل حجرا بقدمه وصاح : عائلة مجانين
كيف أخطب زوجتي وسار معطيا ظهره للقصر لاعنا القصر وساكنيه إلا إنه تراجع ولام نفسه قائلا: لا ليس كلهم فمعذبتي لا زالت بينهم.
وفي الداخل
_ أعطيك الفرصة لتقتليه فتخرجين معه في موعد
ثم تابع مستهجنا وبثياب النوم!
_ لم يكن موعدا ...لقد أراد التحدث معي كمرة أخيرة
_ الآن في منتصف الليل!!! ...ثم ماذا كنتما تفعلان بالمطبخ كيف اجتمعتما هناك وفي هذا الوقت.
_ صدفة أقسم لك
_ ربما صدفة من قبلك لكن ذلك الوقح سأربيه
لتلصصه على ممرات الغرف دون معرفتنا
_ بدت المفاجأة على وجهها وقالت: يا إلهي لقد فعل ذلك حقا فعلا وقح ....إن عاد حيا بعد أن تركته خارجا طلقني منه
انطلقت ضحكته من كلامها فهي اعترفت بأنها تفكر فيه وفي وضعه خارجا دون أن تشعر
فتبعته سائلة إياه عن سبب ضحكه ولكنه توقف وقال:سأعيد تربيتكن يا بنات أعمامي.
وتركها صاعدا إلى جناحه بينما بقيت هالا واقفة لوحدها لثواني والتفتت إلى الخلف تنظر إلى باب المنزل وسرت قشعريرة في ذراعيها جعلتها تضم نفسها ثم صعدت الدرجات متمهلةوهي تفكر : لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة كانت فيها حية وابتسمت لتذكرها كلمات تيم عن التربية وقالت بصوت منخفض: من الممتع العيش معه في مكان واحد غريب الأطوار ذاك
وقف تيم أمام النافذة يراقب انعكاس أضواء التماثيل على الأشجار وقد شملت بقعة أكبر بسبب تغييره لزوايا التماثيل فهو في البداية ظنها مضاءة بالمصابيح ولكنه لاحظ فيما بعد أنها تستمد الضوء من مكان ما وأدرك اليوم لغز الإنارة وبعد أن كاد يغادر مكانه أمام النافذة لمع شيء على أحد الأشجار و لمعت معه الذكريات في رأسه وإن كانت ككلمات وجمل متقطعة للعب صبيين
_ أنا أولا ...ماما قالت دوري
_ أنت لا تعرف لأنك صغير
_ حبيبي تيم أنتما مثل بعضكما دع صقر يصعد أولا لأنه دوره
بالإضافة إلى مجموعة من الجمل الأخرى التي تعبر عن خيالهما وكانا في أحدها يتحدثان عن ساحة التماثيل وأنها المرفأ الخاص بجدهما وأن المنزل الخشبي هو أحد السفن
فوضع يده على الزجاج مدركا أن أخاه كان ينتظره وصمم تلك الآلية في الإضاءة كرمز لعودته وكم شعر بالشوق إليه وتمنى له السلامة
وقرر الذهاب لزيارته وقضاء بعض الوقت بجانبه فربما إن شعر به قربه يعود إليه وعيه وكانت هذه الليلة الأولى التي يشعر فيها تيم بالانتماء إلى صاحب هذه الغرفة فلو لم يخطف
لكانا ...وتوقف عن المتابعة فهو لم يكن مقربا في يوم من الأيام من أحد إلا والده القسري الحاج محمود والذي انتشله من الضياع
ومن كان له هو وأسرته نعم العائلة فهم من أعادوه إلى آدميته بعد أن صنعوا منه وحشا في ذلك المكان فأغمض عينيه بقوة ليبعد تلك الذكريات عن ذهنه وبدأ لا إراديا يبحث عن ذكريات لا تكون بهذا السواد وما إن تخيل اللون
حتى خطرت على باله ملونته الصغيرة فهي لم
ترجع بعد ذلك اليوم ولولا خوفه من غيرة وليد
المرضية عليها لكان إطمأن عليها على أقل تقدير وحدث نفسه : ذلك المجنون ألا يراني أعاملها كما لو كانت ابنة لي فمما يغار
ومع هذه الأفكار داهمه النوم وصوت ضحكتها العالية في أذنيه
في الصباح انضم الجميع إلى طاولة الإفطار بما فيهم عمر الذي توقف عن النظر إلى تيم لشدة النظرات التي يرمقه بها وتساءل في نفسه ماذا فعل حتى أغضب الوحش وجاءه الجواب حالا
عندما سأله: متى أتيت البارحة
_ تعلقت جميع الأنظار به ثم انتقلت إلى الآخر الذي أجاب : وصلت حوالي الخامسة صباحا لماذا تسأل؟
_ وأين كنت
_ هل هناك شيء
_ أجل هناك الكثير والذي ستعرفه بعد الإفطار
فأومأ برأسه وقال: حسنا
يعجبه هدوء عمر في المواقف الصعبة فهو من النوع المنضبط في الأعصاب وهذا نصيبه من جده الذي يتحلى بذات الصفة
ثم انتبه إلى إشارات سما لعمر والتي أخبرته عن وجود مشكلة في جهازها وأنها لا تستطيع فتحه
وأخبرها عمر أنه سيراه قبل ذهابه للعمل
وعاد الهدوء إلى طاولة الطعام حتى تحدث هاشم : جاد لم يبت في القصر هل تشاجرت معه
_ لا ربما ذهب لرؤية عائلته...
_ دون أن يخبرني!
_ هل اتصلت به؟
_ لا ولكن عندما طلبته على الهاتف الداخلي في غرفتي أخبروني أنه غادر ليلا ولم يعد
_ فقط قالوا هذا !!!!
_ بل تحدثوا عما جرى أمامهم ولم يعرفوا عما جرى في الخارج
_ اممم. ..يبدو أنك من ضمن من سينتظر الإجابة مع الجميع
وعاد إلى تناول طعامه وابتسم كما فعل الجميع حول الطاولة لسماع صوت من نام على صدى ضحكتها...وقد اقتحمت المكان وهي تقول: لقد أتيت
_ فناكفها عمر هل كنا ننتظرك؟
_ فتجاهلته كالعادة مقتربة إلى المكان بين تيم وهاشم فقبلت خده قائلة :صباح الخير جدي
فربت هاشم على ظهرها وقبل جبينها وقال: صباح الخير يا صغيرة...يبدو أنك في ثياب المدرسة
كانت قد تركته متجهة إلى تيم وهي تقول لسارا: اشتقت لك خالتي سارا
_ وأنا أيضا ...ثم أعادت سؤال عمها عن المدرسة
_ وعندها أجابت وهي تحتضن عضده مستندة برأسها على كتفه: سيأخذني تيم
_ فعاد هاشم ليسألها متوجسا: من أحضرك للقصر؟
_ لقد أتيت مع سمسم فالمكان ليس بعيد
_ وكان السؤال هذه المرة من نصيب تيم:من سمسم
فرفعت سلة زهرية صغيرة ذات غطاء واقتربت منه ثانية لتريه ما تحت الغطاء قائلة: لقد اشتراه لي أبي حتى ألعب معه فسامي غادر إلى والده وخالتي جوجو تبكي وأنا كنت حزينة
_ كان التأثر واضحا على وجهها وأراد تيم حقا مواساتها ولكن نظره بقي معلقا بذلك الارنب الصغير للغاية والمزين بمجموعة من الاكسسوارات وعقله يحاول تفسير وجودها عدا أنها خرجت دون أن تخبر أحد وجاءه الجواب عندما دخل أحد الخدم وقال لقد اتصل حارس البوابة ويقول أن هناك سيدة تريد الدخول لأنها رأت ملك الصغيرة تدخل إلى هنا
_ وقف تيم محدثا والدته لا تدعيها تخرج سأرى ما يحدث فنادتها سارا :تعالي حتى أرى صديقك سمسم.
فوقفت بجانبها ونهضت سما من مكانها لتراه

قلوب تعلمت منه الحب Where stories live. Discover now