الفصل الأول (بداية)

3.6K 53 11
                                    

_عليكم إيجاد أسلوب آخر للتعامل معه .
إنه عنيد يحتاج إلى صبر لا أملكه.
_دكتور إنها وظيفتك تم اختيارك من بين الكثيرين لثقتنا في قدراتك.
فهلا جلست ....من فضلك نحن نتحاور .
أخذ برهة ليتوقف عن السير جيئة وذهابا وتأمل محدثه قليلا وفكر في عقله أن التعامل مع هؤلاء الأشخاص ليس سهلا إنهم شخصيات معقدة التفكير فكل منهم يحتاج لطريقة في المعاملة والحديث ولكن الجالس أمامه لديه ما لا يملكه غيره وهو العاطفة التي يملكها تجاه ذلك الشاب يبدو كما لو كان يعرفه سابقا من مكان ما ...طبعا غير هذا المكان
عاد للسير ولكن بهدوء وتركه الآخر في تأملاته يعلم ما حصل معه فورة غضب عارمة نتيجة تعامله مع ذلك المستفز في الغرفة المجاورة .
ترك كرسيه وتوجه إلى النافذة التي كانت مرسى لأفكار الدكتور عبد الهادي وضحك في نفسه لأن صقر لم يترك للدكتور من اسمه شئ ولكنه على حق إنهم يضغطون عليه لانعدام الوقت هم في سباق مع الزمن وهو لا يساعد
هو في قرارة نفسه يعلم أنهم يطلبون المستحيل ومع هذا هو يثق به وبقدراته كثقته بالمجاور له وعندها خرجت تنهيدة من صدره والتفت إلى يساره محدثا صاحبه
_دكتور أنا أتفق معك ...لنكن صريحين الشاب سيفقد عقله نتيجة الضغط المستمر
_من سيفقد عقله هو أم أنا !!
_هو طبعا أنت واحد من عشرة أشخاص يتعاملون معه وكل واحد منا يحاول إيصال ما يريد بأسرع وقت .
_تنهد عبد الهادي ودقق النظر بجمال إنه شخص كتوم ويتميز بشدة الصبر والبأس كذلك يتميز بالحكمة والقوة وهذا ما يدفعه للحديث معه عندما تضيق به الحال من طالبه المستفز ...أجل إنه الوصف المناسب( مستفز) ولا أحد في هذا المكان تمكن من استيعابه إلا جمال وهو المدرب الجسدي للمتوحش ( ضحك في نفسه وظهرت الابتسامة على زاوية فمه فعلا متوحش )
ثم علق قائلا :لماذا تدربه إنه لا يحتاج لقوة فوق ما يملك ،أنت تنمي حسه العدواني.
ضحك جمال بتنهيدة فهو محق ..صقر لا يحتاج إلى قوة ما يحتاجه هو تهذيب هذه القوة واستخدامها بطريقة صحيحة فقتال الشوارع لا يتناسب مع حياته المخطط لها والرياضة الأقرب لما يفضله صقر هي المصارعة أو الملاكمة وهو كملاكم سابق وحاصل على جوائز كان الشخص المناسب في هذه الناحية
_قاطع دكتور عبد الهادي أفكاره بنحنحة لتذكيره بوجوده فقد لاحظ شروده عنه
عندها التفت إليه جمال وتحرك واضعا يديه في جيبي بنطاله الجيشي وخفض رأسه قليلا ليواجه محدثه وسأله :هل أخبرتك عن عمل صقر قبل إحضاره إلى هذا المكان ؟
_ لم يخبرني أحد ..أنا لا أعرف عنه شئ وربما هذا ما احتاجه لأتم مهمتي .
_ معك حق ..قال جمال ذلك وانتقل إلى مكتبه النصف دائري الذي أخذ زاوية صغيرة من الغرفة الواسعة المثيرة لعجب كل من يدخل إليها مكتبها الصغير الغير متناسب مع شخص كجمال وأرضيتها الخشبية وجدرانها الكاتمة للصوت والأغرب هو نظام الصوت المعلق في السقف ويتحكم به عن بعد .
_مكتبك غريب ...كل شئ يخصكم يثير في نفسي العجب ..عما تبحث؟
_اصبر على رزقك يا عبد الهادي ..قالها جمال مع ضحكة ( سيجن الرجل) فكر بهذا وسحب من مكتبه ملفا أزرق ووضعه على مكتبه مع تقدم دكتور عبد الهادي وفتحه أمامه وأشار بإصبعه إلى اسم صقر في الأعلى وقلب عدة صفحات وأشار إلى مجموعة من الصور وقال هنا وجدته
حرك عبد الهادي نظارته فوق عينيه ودقق في الصور وعلق ( إنها صور لمشاجرة)
_أجل مشاجرة ولكن مأجورة .
_هل كان في عصابة !
_ (لا يحتاج إلى عصابة إنه كارثة بحد ذاته ) قال ذلك وهو يدور حول المكتب وبيده صورة لصقر وهو يقبض بيديه على عنق اثنان أقل ما يقال عنهما عمالقة ويبدو الاختناق على وجهيهما
قربها عبد الهادي من وجهه وهو يقول :هل تدفعني للهرب إنه مخيف
_ لا
_إذا ما المعنى لكل هذا؟
_ أحاول إخبارك بأنه عليك بالمزيد من الصبر فمن تتعامل معه هو نسخة معدلة عن هذا الكائن في الصورة وهذه الغرفة تشهد على قولي لقد حطم كل من عارضه فيها وأنا من ضمنهم على الرغم من مكانتي لديه ونصيحة مني احصل على ثقته أولا ثم علمه ما تريد فالمشكلة ليست في كثرة الضغط والمعلومات فهو لديه استيعاب لأكثر من هذا مشكلته في تقبل الأشخاص ...ولعلمك هو لا يرفضك
_ هل أخبرك بذلك!؟
_لا ... لم أتحدث معه عنك جد طريقة للتعامل معه مثلنا جميعا فدورك هو الأهم حاليا وهو المعلومات
_هل تظنه يستوعب ما أورده له من علم
_اختبره
_ هل تظن الأمر بهذه البساطة ..هو يحتاج لطبيب نفسي لجعله يتحدث
_ليس مريضا ولن أسمح لأحد بمعاملته على هذا الأساس ...نفذ مهمتك أو انسحب
_ عاد الدكتور للتحرك في الغرفة ذهابا وايابا وقد نزع نظارته وبدأ بالضغط على عينيه وبدأ يفكر بأنهم لن يساعدوه حتى جمال فشعارهم قدم المساعدة أو انسحب دون سؤال عاد لمواجهة جمال وقال:هل ستسمحون لي بتجاوز خطوطكم الحمراء؟
_ظهر التساؤل في عيني جمال الحادتين وعبر عن ذلك بقوله:ماذا تقصد؟
_أقصد هل يحق لي مثلا اتباع أسلوب المكافأة والعقاب وأقصد هنا معنويا.
_ اذهب إليه وأرني مثال عملي للثواب أقصد فلن أسمح بعقابه (وأشار إليه باصبعه كناية عن التهديد لو فكر بالتجاوز فلا ينقصه إلا رفض صقر له وإعادة البحث عن بديل ...لو يعلم الدكتور رقمه بين التجارب لما فكر بكل ما تكلم فيه )
_حسنا سأعود إليه...اطمئن لن أضرب طفلك المدلل( ومط شفتيه متهكما )
_ ارتفع حاجب جمال وظهرت الفكاهة على وجهه وأشار إليه بالذهاب
توجه دكتور عبد الهادي إلى الغرفة المخصصة للدراسة إن صح التعبير والمزودة بأحدث تقنيات التعليم إنها حلم لكل معلم ولكن مع اختفاء أهم شرط وهو وجود المتعلم
دخل وهو يقول في نفسه :آه منك ياصقر
وعلى ذكره ظهر المذكور أمامه جالسا على كرسيه خلف الطاولة واضعا قدماه عليها مع سيجارة في فمه يمسكها بأسنانه دون إحراق والغريب أنه يحمل كتابا بيده وقد رفعه إلى مستوى وجهه وبدا غارقا فيه
تصلب عبد الهادي في وقفته وشعر بسخافته عندما قرر الشكوى ...وأخذ يردد في عقله إنه يستجيب لقد تكلم عن هذا الكتاب في أحد دروسه هو كتاب مميز في التاريخ السياسي أراد منه أن يهتم في ذلك اليوم ولكنه بقي صامتا كعادته ولم يسأل عن شئ والنتيجة يئس منه و انتقل لكتاب آخر...ولكن اليوم أثبت له أنه كان منتبها وكم أسعده ذلك فهذا الأحمق يستحق العناء ...ليس أحمقا فقط وإنما مستفز حد رفع الضغط
_ تنحنح معلنا عن وجوده وتفاجأ بحديث المستفز معه
_لقد أخطأت بالتاريخ كان عليك الانتباه لما تقول فأنا لا أنسى رقما سمعته.
وصمت هكذا فقط وعاد إلى الكتاب مع نقله ليده الأخرى حتى لا يكون الدكتور في مستوى نظره وكان هذا إعلانا واضحا عن الرغبة بالانفراد بنفسه وهذا ما حصل عليه وهو خروج د.عبد الهادي من الغرفة بهدوء ووقوفه مستندا على الباب من الطرف الآخر وتنهد مرتاحا لقد فاز ونجح في مهمته لقد أعلن ذلك الطفل العملاق عن قبوله وعليه الآن السعي لوضع كل ما يحتاج بين يديه ثم يناقشها معه ...إن قبل
فكر بذلك متهكما والتفت إلى الأصوات القادمة من يساره كان جمال واقفا مع رجل ببدلة رسمية أنيقة أشيب الشعر بدا في الستين من عمره كان قد لاحظ وجوده لأكثر من مرة ولم يسأل ...والسبب لن يجد من يجيب
وعندها التفت الرجل إليه بنظرة مدققة ثم تقدم نحوه ومد يده مصافحا ومعرفا عن سبب اقترابه بقوله( مرحبا د.عبد الهادي سعيد بإنجازك)
_اكتفى هو أيضا بالمصافحة والإيماء برأسه فقد أدرك بذكائه أنهم شاهدوا ما حصل منذ قليل أي أنه ضمن المهمة غير المعروفة وليته يعرف
تراجع الرجل خطوة للخلف بعد أن ربت على كتفه مبتسما وانصرف والغريب أنه شعر بالفخر
مع شح المعلومات المتوفرة إلا أن هذا الرجل جعله سعيدا لفخره به دون فهم
تفاجأ بكف جمال على ظهره وهو يقوده بعكس الاتجاه الذي سار به الرجل وتحدث :يبدو أنك من ستنال مكافأة وعلى طائرة لترى عائلتك
تسمر في مكانه وأمسك بكتفي جمال يسأله إن كان ما قاله حقيقة فضحك الآخر وعندها هلل عبدالهادي بكلمة واحدة (أجل ..أجل لقد نجحت وأستحق الجائزة ).

قلوب تعلمت منه الحب Where stories live. Discover now