الفصل الخامس (زيارة عائلية )

432 16 2
                                    

جلست تيه في المقعد الخلفي من سيارة جمال
واستندت بساعديها على الكرسيين الأماميين
وكانت في غاية الحماس أثناء حديثها مع من
اعتبرتهما عائلتها الجديدة واستمرت بذكر ما حدث أمامها في ذلك البناء مع أن مرافقيها قد
حضراه معها ووصفت العراك بقولها أنه طقوس
لقبول الصداقة وبعدها تساءلت عن عمل رضوان في ذلك المكان وتولى جمال الإجابة
بطريقة مبسطة عن كونه مدرب أسلحة واكتفى
بذلك وحاول تغيير الموضوع بسؤالها عن مستوى دراستها فأجابته أنها تأخرت عن مثيلاتها عاما كاملا قضته بالبحث عن أخيها
وكانت فرصته المناسبة لمعرفة القليل عنها
فسأل بعد أن وجه نظرة إلى صقر الشارد في
نافذته : هل أستطيع معرفة القليل عنك حتى
يكون كل شئ واضح أمام خالتي .
_ عادت بجسدها للخلف وأخذت تتأمل أناملها
الطويلة التي لازال أثر اللون الأحمر عليها وقد
زال جزء منه خلال الساعات الفائتة وتكلمت
حين ظن بأنها لن تجيب.
_ لم تكن حياتي سيئة ...عشت طفولة سعيدة
مع جدتي وفرت لي كل ما أردت...لم أكن يوما
كثيرة الطلبات ...أحببت العمل معها في دكانها
الصغير حيث تبيع منتجاتها المنزلية مربيات
وخضار ...لكن ما لفت نظري هو خلطاتها العشبية التي نالت رضا الكثير من الناس وكنت
اسميها خلطات سحرية للبشرة والشعر ...والأهم
خلطة السعادة .
نظر إليها بالمراة وطلب التفسير
فتابعت ...أجل كانت مجموعة من الزيوت العطرية ذات رائحة جميلة قادرة على تهدئة
الأعصاب...كانت جيدة فعلا ويطلبها زبائن كثر.
_ هل هذا العمل يعد قانونيا؟...ألا يحتاج إلى
شهادة ما !
_ عشنا في قرية صغيرة لم يهتم الوافدون
إليها بذلك ...ربما كان وجه جدتي الحنون ما
يجعل الآخرين يثقون بها.
_ كيف ماتت؟
_ كان موتها هادئا ...لم تكن مريضة ...لم أرها
يوما متعبة ...استيقظت ذلك اليوم ولم أجد
فطوري جاهزا كالعادة ولم أسمع صوت المذياع
الذي يعد من طقوسها الصباحية ...أدركت بحدسي أنها ليست بخير.
كان صمتها إشارة لجمال لينظر إليها لم ير وجهها لكنه لاحظ اهتزاز كتفيها في بكاء صامت فعاجل بالقول: أعتذر...تقبلي اعتذاري..
_ يسعدني ذكرها كانت اجمل ما حصل لي.
_ ماذا عن والدك؟
_ لا أذكره..توفي وأنا في الثانية من عمري
(ابتلعت ريقها وتابعت ) مات مقتولا .
_يا إلهي كيف ...أقصد لماذا ؟
_ حاول الدفاع عن أمي أراد إنقاذها...
وتلا ذلك صمت لعدة دقائق قطعه صقر بقوله :
خذ يمينك هناك مطعم جيد في هذه المنطقة
دعونا نأكل الآن وتابعا التعارف فيما بعد .
وكانت فرصة لتيه حتى تتمالك نفسها ولخروج
جمال من صدمته .
وبعد السير لعدة شوارع وصلوا إلى مطعم صغير في زاوية هادئة من السوق تميز بإطلالة
جميلة على واجهة باب أثري دل على قدم المكان وأصالته
اتخذوا طاولة مواجهة للمنظر وأخذ كل منهم
يملي على النادل ما يرغب بتناوله وكانت الوجبة شهية كما قال صقر أزالت الكآبة من الجو وعادت تيه للثرثرة بكل شئ وعن كل شئ
وقد لاحظا أنها تكلمت عن مؤنس بمودة فمن
الواضح أن الرجل كان لطيفا معها ولم يريها الوجه السكير وهذا ما جعل جمال يتأكد من صحة ما فعله صقر لهذا الرجل ...لقد أعطاه
فرصة للحياة من جديد.
وبعد الوجبة تفاجأ الاثنان بصقر الذي نهض حاملا الأطباق وتوجه إلى باب جانبي وهو
باب المطبخ ومع ابتعاده لخطوتين سأله جمال
عما يفعل ....فأجاب بسخرية : أعمل بلقمتي.
وتركهما خلفه داخلا من الباب المذكور .
نهض جمال وأشار لتيه بيده أن تتبعه ولحقا
به وهناك وجداه واقفا أمام المغسلة بجانب
امراة متوسطة في العمر ترتدي حجابا معقودا
للخلف مع مريلة تغطي أغلب جسمها ...والأعجب مساعدته لها فيما تفعل
وقد بدت السعادة على وجهها .
وها هو الوجه الذي يحبه جمال في هذا الرجل
قد عاد للظهور
لابد أنها أحد الأشخاص الكثر الذين ساهم صقر
في تغيير حياتهم على الرغم من قلة إمكانياته
المادية في أغلب الأوقات
هذا ما جذبهم إليه واستمروا بمراقبته لعام كامل قبل ضمه إليهم فهو كان واحدا من سبعة
أشخاص ملكوا ذات الصفات الجسديةوالملامح ولكنه الوحيد الذي يملك هذه الروح المعطاءة
لقد أرادوه بشدة وعارضهم بعناد....لم يتركوا
وسيلة ضغط حتى وافق وضمن شروط كثيرة
جعلتهم يتمسكون به أكثر
ولكنه أكثر من تأثر به ....وأكثر من تعب من تناقضه ...فهو ملك الفوضى بلا منازع لا نظام
لحياته ولا حدود لعلاقاته مع الناس...ولا ضابط
لتهوره وهواياته الخطرة التي يعتبرها من موارد رزقه ...ولكن الأهم ذكاؤه الفريد من نوعه والذي لا يستغله أبدا وهذا من حسن حظهم طبعا ...فلو أنه فعل ومع طبيعته الفوضوية سيكون عليهم وقتها محاربته فلن
يكون شخصا صالحا مع غياب المرشد
وفكر جمال لقد اختبروا جزءا بسيطا من قدراته وكانت هائلة...وهنا خرج من أفكاره
عندما شعر بأصابع تيه تسحب طرف قميصه
وقد كانت تشير إلى الباب خلفهم وقد وقف
رجل قصير بشكل واضح ولكن ليس مرضي
أصلع الرأس مع غليون خشبي بين اصبعيه
ينفث منه الدخان وينظر من خلاله إلى صقر
نظرة متأففة مليئة بالتهكم.
قرر جمال تنبيه صقر لوجود الرجل وناداه
فترك صقر ما بيده ونظر إليهم مستفسرا ورأى
ما أراد .
توجه صقر للرجل مباشرة وقال ما خالف توقع
جمال
_ أهلا بالرجل الطيب ..خشيت أن أغادر قبل
رؤيتك يا رجل .
وكان الرد أعجب حيث تقدم الرجل خطوتين
وقال : أهلا بالمحتال كيف حالك ...وأضاف
ألا زلت تحب عمل النساء .
_ ابتسم صقر وقال: لا أخجل من مساعدتهن
ومع هذا لا زلت فاشلا بالطبخ ..ولكن اطمئن
أحضرت من تطهو لي .
والتفت إلى تيه وسحبها من يدها معرفا
هذه تيه زوجتي التي ستطهو لي بعيدا عن
زوجتك .
والنتيجة كانت خجل تيه ...وصدمة جمال لإفشاء علاقته بتيه أمام الناس ...وضحكة
رائقة من المرأة...وتهليل من الرجل القصير
الذي قال :أخيرا يا رجل ...أصبح بإمكاني النوم دون أن أحلم بوجودك تأكل في مطبخ بيتي
ليلا .
_ علت ضحكة المرأة التي تقدمت واحتضنت
الرجل القصير وقالت حبيبي يا جبر ألا زلت تغار .
ربت جبر على ظهرها وقال: أنا أثق بهذا الأحمق
ولكنني لا أحبه .
_ رفع صقر يديه إلى مستوى رأسه ضاحكا وقال:يكفيني أن تحبها .
_ تقدم جبر ولا زال يحتضن خصر زوجته بذراعه وصافح صقر قائلا :شكرا على هذه
الجوهرة ...لم أقلها لك سابقا..ولكنني ممتن
لوجودها في حياتي ....وقبل أن أطردك أرغب
بالقول مبارك لك على زواجك ...واعتبر غداءكم
هدية مني ومن رؤية ....وتفضل من غير مطرود.
قهقه صقر وسحب تيه من يدها خارجا من المكان وقد بدت الراحة على وجه تيه.
كان سيفهم القصة ...لكن لا بأس فما رآه يكفي
لإثبات معدن هذا الرجل ...وتخيل إن أضاعوه
يوما لن يجدوه لكثرة معارفه .
أخذ جمال مكانه خلف المقود وانتظر مجيئهما
ولكن يبدو أن صقر لديه مشروع آخر فقد دخل
ساحبا تيه من يدها إلى السوق القريب وأخذ
يتنقل بين الواجهات حتى اختار محلا في النهاية وقرر جمال الانتظار في السيارة مع الحرص على مراقبة المحل وبقي على حاله
لساعة كاملة عاد بعدها الاثنان بعد أن دخلا
لعدة محلات وقد كانا يحملان مجموعة من الأكياس ...ولكن ما جعله يبتسم الدمية ذات
الشعر البرتقالي والعيون الكبيرة التي احتضنتها
تيه بسعادة.

قلوب تعلمت منه الحب Where stories live. Discover now