وزّعت مريم بصرها بينه وبين ريان وانحنت على عقبيها لتصل لمستوى طوله تمسك كتفيه مُستفهمة بذهول (انت تعرفني؟)
عانقها الولد تلقائياً ينتحب بقهر (سيبتونا ليه ياميس؟! ، ماما وسيلة فين؟!) .. فغرت فاهها عندما أدركت أنه من أبناء الدار وبدون تردد أحاطته بذراعيها قائلة ودموعها تسبق حروفها (ماما وسيلة بتدور عليكم) .. أبعدته عنها قليلاً تتفحص ملابسه الرثّة وهيئته المُغبرة وقالت بصدمة (إيه اللي عمل فيك كده؟) .. قوّس شفتيه بحزن ويبدو أن ماتعرض له أكبر من قدرته على شرحه وتولى ريان المُبادرة بالاستفسار (معاك حد تاني من اخواتك فالدار غير ريتاچ؟)
حرّك رأسه يجيبه بنفي (لا، أنا وهي بس)
لاحظ ريان ارتجافة جسد الصغير فخلع معطفه ثم ألبسه له وحمله ليحتويه بين أحضانه ويدفئه بحنو بالغ ، وحفّز مريم كي يتحركا معاً نحو الطفلة الجالسة في الجهة المُقابلة .. والتي ما أن رأت مُعلّمتها حتى عرفتها فوراً مُتهللة بشدة ، قفزت بسعادة تهتف بإسمها فمالت عليها مريم لتتعلق بعنقها في مشهد مؤثر كمن وجدت أمها .. رَفَعَتها تضمها إليها فتَهَنَّفَت الصغيرة على صدرها ، حاولت تهدئتها تمسد ظهرها وخصلاتها المُشعثة باكية بحُرقة بينما قاطع ريان حالتهم المُفجعة بألم (الولاد جعانين، هاروح اجيب لهم أكل) .. أيدته بموافقة خاصةً أن الولد كان يطلب نقود ليبتاع طعام .. قام بتوصيلهم للسيارة ثم ذهب لشراء شطائر ومشروبات للصغار من أقرب مكان ، اتخذوا جميعهم المقعد الخلفي وظلت مريم برفقتهما تدثرهما بمعطف ريان الذي استوعب جسديهما النحيلين ، المُرتعشين بفعل البرد والجوع ، وبالفعل لم يتأخر وفي غضون دقائق كان يجلس ناحية مصطفى.. فتح الأكياس سريعاً وأخرج منها المأكولات ووزعها عليهما بالتساوي .. شرعا في الأكل بنَهَم وكأنهما لم يأكلا لشهور ، وأثناء متابعته لهما ، لاحظ علامات جروح غائرة وبعض آثار حروق تغطي كفيهما ، تفحص ذراع الولد باهتمام ممزوج بالخوف .. ومثلما فعل فعلت مريم مع البنت فهالهما ما رَأيَا ، الصغيرين تعرضا للضرب والتعذيب ويبدو أن العالم كان قاسياً خارج الدار بما يكفي ، ومن حُسن الحظ والصدفة أنهما التقيا بهما ، وبالتأكيد لن يتركاهما مرة أخرى ، وبعدما انتهيا من الأكل والشرب غلبهما النُعاس وناما مكانهما مُلفوفين بدفأ المعطف وأمان وجودهما بين ريان ومريم .. ظل الوضع مشحوناً بوجع مهيب وحسرة تفتت العظام ، وفي لحظة تجددت اللَوْعَة والذكريات العصية على النسيان .. صمت مُعبأ بتنهدات مُحترقة قطعه شهقات بكاء خافتة مصدرها مريم ، وقلبها يدعو على من تسبب في تشريد هؤلاء الأبرياء أن يذوقوا العذاب أضعافاً دُنيا وآخرة ، فلا رحمهم الله ولا سامحهم أبداً ..-(انت عارف مكان ماما وسيلة فين؟) .. سؤال محزون وجهته لريان
أومأ إيجاباً وهو يمسح دموعها (عارف ياحبيبي ، بكره الصبح هاخدكم ونروح لها) .. ابتهجت قليلاً رغم كآبتها فأردف وهو يترجل ليجلس خلف المقود ويشجعها لتتخذ مقعدها بجواره (يلا نرجع البيت ، الوقت اتأخر)
YOU ARE READING
عيون الريان (مكتملة)
Romanceكانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ
الفصل السابع والثلاثون
Start from the beginning