الفصل الثامن والأربعون

19.7K 1.1K 157
                                    


ربما لم يكن مخير لنا أن نكون معًا

عاندت وأصررت ولم يزيد الأصرار سوي نفورًا

لم يكن بيدك .. لم تكتبي الفراق، بل أنا من فعلت!!

هل تشعرين بتلك النار الكاوية؟ وذلك الجحيم المستعر، والقلق المحفوف بالمخاطر؟

أتعرفون ما أكثر ما يدمر اعتزاز الرجل بنفسه؟

عجـــزه

أن يفقد هويته بسبب عجزه الجسدي، أن يفقد حياته ونشاطه الطبيعي ويبقى حبيس لفراش ملئ برائحة المطهرات

أتعلمون معنى أن تفقد جزءً من هويتك؟ جزء من شخصيتك؟ جزء فى ليلة وضحاها لم تعود تملكه؟! أصبحت ببساطة طريح الفراش.. وأبسط الحركات سابقًا أصبح كمهام شاق!!

الدموع متحجرة في عينيه، يختار الهرب.. الهرب لأقصي طريقة من عدم الاستيقاظ والافاقة ليري حالته البائسة، المثيرة للتعاطف و للاشمئزاز!!

نكس رأسه وومضات سريعة تعيده لأيام كان يعامل بدونية

رائحة عفنة تزكم انفاسه، وهدوء صارخ يستفز أذنيه .. لا حياة ولا حركة سوي تردد انفاسه العالي و أنين خافت يطرق جنبات جسده... وعمي جزئي اعتاد عليه، لدرجة انه أصبح يرى في الظلام لموضع الطعام البائس التي بقرب قدميه... تلك كانت بداية أيامه قبل أن يشعر فجأة بحركة صاخبة فى المكان، أزعجت أذنيه اللتين اعتادتا على السكون

همهمات وصراخ أشبه بزئير الأسد يعلن ثورته حينما وجد ابنه مقتولا فى عرينه، بطشه امتد اليه أولا ولم يكن يتحمل ذلك الرجل العجوز فلم يشعر بنفسه سوي وهو يرد ضرباته وصفعاته بأشد وختمها بدفعة خشنة وبعدها استمع الى ارتطام عنيف وما ان تكالب عليه رجاله وقتها تنفس بغضب وارتكن للهدوء.. هدوء قبل العاصفة وضوء شحيح من خارج الغرفة جعله يري الرجل العجوز قد انسالت الدماء من رأسه ليبدأ الهرج والمرج فى المكان ورغم أن الرجال الأشداء يكبحون ثورته وآخرون اقتحموا الغرفة لمساعدة الرجل ومن بعدها لم يشعر بأطرافه مجددًا

انتبه على صوت شقيقه سامر وهو يبتسم بمرح ساحبا مقعدا ليجلس عليه وصوته خرج باصطناع متثاقل منه

-هل تقلقنا عليك لهذه الدرجة يا وغد، حمدلله على سلامتك

حرك جفنيه ليبتسم بشحوب وخواء روحه لم تجعله حتى إلقاء أي دعابة أخرى، تألقت عيناه بالدموع ما ان ابصر والدته.. امرأته الحنونة التي حطم ثقتها ومكانته العالية عندها بسبب ما اقترفه ليجدها تقترب منه بتؤدة قبل ان تميل مقبلة جبينه بعمق وسيل دموعها انهمرت على جبينه ليغمض جفنيه ورجفة عميقة داخلية أثرت به لتهمس بصوتها الحنون

-حمدلله علي سلامتك يا قرة عيني

تحشرج صوته وهو ينظر إليها كطفل صغير أقر باعترافه لخطئه الكبير، وشعور بالعار يداهمه وهو يتطلع الي بؤرة النقاء الوحيد الطاهر فى حياته، عادت غيداء تقبل جبينه براحة تكتم شهقاتها وقد قرت عينها برؤيته حيا أمامها

أترصد عشقكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن