الفصل المائة وثمانية وسبعون - الجزء الأول

ابدأ من البداية
                                    

-شوفتي يامه، البت لهلوبة وأنجزت كل حاجة في السريع إزاي؟

زمت شفتيها معلقة في غير اقتناعٍ:

-قولتلي.

نهض واقفًا، ووضع ابتسامة لزجة على محياه قبل أن يضيف:

-عشان تعرفي إني غرضي أريحك، بدل وجع القلب اللي إنتي فيه.

سخرت منه هازئة وهي تزيحه عن طريقها لتتحرك في اتجاه المصطبة الخشبية:

-ياما جاب الغراب لأمه.

ضجر من جفائها المتعمد، وصاح في كدرٍ:

-يامه إنتي مش عاجبك أي حاجة؟ أعمل إيه بس عشان أرضيكي؟

استراحت في مكانها، ونظرت في عينيه قائلة بثباتٍ لا يخلو من جدية:

-ترجع الحق لأصحابه، ساعتها بس آ...

قاطعها قبل أن تتم جملته هادرًا بغضبٍ أهوج:

-قفلي على السيرة دي.

علقت عليه في تشددٍ:

-فكرك أنا لو سكت إخواتك هيسكتوا؟ ولا حتى إجوازتهم؟ ده ميراث أبوهم الشرعي وآ...

مرة ثانية قاطعها هاتفًا بنفس الصوت الهادر:

-كل واحدة خدت حقها زمان، وبعدين ما الأرض اتحرقت، وبقينا مديونين لطوب الأرض، عايزين إيه تاني؟!!!

ناطحته الند بالند، واستطردت مدافعة عن الحق باستماتةٍ؛ كأنما لم تعد تكترث لغضبه الأرعن:

-عُمر ربنا ما هيرضى عنك طول ما إنت ظالم، ومفتري، وواكل ورث غيرك.

صر على أسنانه صائحًا في غلٍ:

-بقولك إيه يامه، سيبك من الهري ده كله، محدش هياخد مليم ...

ثم ضرب كفه بالآخر في عصبية وهو يكمل:

-المولد اتفض خلاص.

نظرت له بغيرِ أسفٍ، وهي تكاد لا تصدق ما جنته يداها من تدليل زائد، وتحيز كامل ناحيته، كما لو كانت قد أنجبت ذكرًا أحاديًا في كينونته؛ لكنها نالت في النهاية ابنًا طالحًا يُفسد في الأرض أكثر من إصلاحه فيها! انتبهت "سعاد" له بعد أن شردت لهنيهة حين قال ببسمةٍ غير مستساغة عليها:

-قوليلي مانفسكيش البيت الفاضي ده يتملى علينا زي زمان؟

مصمصت شفتيها معقبة عليه باستهجانٍ، وهذه النظرة المغتاظة تنطلق من حدقتيها:

-حِس ولادك بالدنيا، خدهم تحت جناحكم، وراعي ربنا فيهم، هما دول الأبقى ليك.

وكأنها لم تنبس بشيء، تجاهل كل كلامها معلقًا في ازدراء بائن في طريقة تحدثه إليها:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن