الفصل المائة واثنان وستون
الفرار، ثم الفرار، ثم المزيد من الفرار، كان الاختيار المناسب حتمًا، إن أرادت أن تحافظ على ثباتها المتزعزع في وجوده .. ألبضعة كلمات عادية، منقحة من أي عبارات خادشة للحياء، كل هذا التأثير القوي عليها؟! لم تصدق "فيروزة" نفسها حين شعرت بهذه الرعدة الخفيفة تسري في أوصالها ابتهاجًا لشعورها باهتمامه الواضح بها. انزوت عن محيط أنظاره؛ لكن بقي القلب مُعلقًا بمن نجح في احتلال ثناياه والتربع على عرشه. انتقت لنفسها مكانًا بين الحضور في المقدمة، لتبدو قريبة من العروس، إن احتاجت إلى شيءٍ، فلبت ندائها بمحبة صافية. جلست إلى جوارها "همسة"، ومعها رضيعها النائم، لتلحق بهما "آمنة"، والصغيرة "رقية".
تبقى القليل على بدء مراسم الزفاف، والعروس ما تزال في منزلها بصحبة والدتها، في تلك اللحظات العاطفية الخاصة، حانت من "فيروزة" نظرة خلفية تبحث بها عن "تميم"، رأته يصافح أحدهم بحرارة، والضحكات العفوية تملأ وجهه، لحظها السعيد التقط نظراتها السارحة فيه، فخجلت، ووجلت، واستدارت محدقة أمامها وهي تشعر بدقات قلبها تعلو وترتفع، حتى كاد ضجيجه يصم آذانها. عنفت نفسها في صوتٍ هامسٍ للغاية:
-في إيه يا "فيرو"؟ ما تهدي كده.
بالكاد منعت نفسها من النظر إليه، وكأن العين لم تعد ترتوي بما يطفئ لهيب الظمأ فيها إلا برؤياه!
حاولت الالتهاء بالحديث مع شقيقتها، علَّها بهذا تسكت الصوت المنادي في رأسها باختلاس النظرات إليه، وبإرادة كاملة منها انصاعت لرغبات العقل تلك المرة، وراحت تدير رأسها في حركة بطيئة حذرة لتتطلع إليه، ويا له من شعور عظيم يزيد من إحساس الألفة والمودة بداخلها كلما أبصرته يضحك، أو يبتسم، بل يمكن الجزم بأنها شعرت بالغيرة لكون تلك الضحكات العفوية مع غيرها.
عبوسٌ طفيف سيطر على ملامحها سرعان ما تبدل لابتسامة خفيفة حين طلبت منها "همسة" بلطفٍ:
-ممكن تشيلي "لودة" شوية، لحد بس ما أشوف "هيثم" عاوز مني إيه.
امتدت ذراعاها نحوها، التقطته منها، وضمته إلى صدرها بحذرٍ وهي تُبدي ترحابها:
-ماشي يا حبيبتي.
تابعتها بنظراتها وهي تسير في تعجلٍ، تتجه نحو زوجها، في حين ضجرت "رقية" من الجلوس ساكنة، وتعلقت عيناها بالصغار الذين يلهون أمام خشبة المسرح، نهضت من مكانها استعدادًا للذهاب؛ لكن أنذرتها عمتها بجديةٍ:
-خليكي هنا يا "كوكي"، بلاش شقاوة!
زمت شفتيها محتجة في عبوسٍ طفولي:
-عايزة ألعب.
حذرتها "آمنة" من جديد بنبرة غليظة:
YOU ARE READING
الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملة
Romanceأصبح السبيل ميسرًا الآن، للوقوف على درب الطريق، المؤدي في نهايته إلى مسار قلبها، فهل تستعد النفس الكسيرة المتألمة، لاستقبال مريضًا أدمن حبها؟ استكمال ملحمة #الطاووس_الأبيض4 الجزء الرابع متاح الآن للقراءة أولاً بأول بعد كتابة فصوله مواعيد النشر ا...