الفصل المائة وخمسة وثلاثون

34K 2.4K 473
                                    


مساء النور للساهرين بعد الواحدة ..

فصل بسيط متاح للقراءة الآن


الفصل المائة وخمسة وثلاثون

ألا تدري ما صنع الهوى بقلوب العاشقين؟ جعل في انتظارهم نعيمًا يستحق التقدير. حين عاد "تميم" متأخرًا من تسكعه غير المحدد اتجاهه، رفع رأسه لينظر عاليًا، عندها خفق قلبه بشدة، فقد رأها تقف في الشرفة التي تعلو شرفته، تُريح مرفقيها على حافة السور، وتتطلع إلى الفضاء بنظراتٍ على ما يبدو شاردة، يا لحظه السعيد ما زالت حبيبته مستيقظة، ربما لا تنتظره عن قصدٍ؛ لكنه حظى مجددًا بنظرة إليها، ومع ذلك ضميره ما زال يؤنبه لعدم التزامه الكامل بوعده لأبيه، دومًا يخالف أوامره، ويختلس النظرات إليها، بل ويُطيلها أحيانًا حينما تسمح له الفرصة بهذا.

في تلك الأثناء، انخفضت رأس "فيروزة" نحو الأسفل لتتفاجأ بوجوده، والأكثر إحراجًا ودهشة لها تحديقه بها، تراجعت تلقائيًا للخلف لتختفي من أمام نظراته، وتلك الدقات السريعة تقصف في قلبها، كيف لنظرة واحدة أن تفعل بها هذا؟ ازدردت ريقها، وحفزت نفسها بصوتٍ لم يفارق جوفها:

-مالك في إيه؟ إجمدي كده، مافيش حاجة أصلاً.

سحبت نفسًا عميقًا، وطردته من رئتيها على مهلٍ لتستعيد هدوئها، ثم تقدمت نحو حافة الشرفة لتنظر ببطءٍ إلى كل الزوايا ما عدا المكان القابع فيه، بطرف عينها حاولت رؤيته؛ لكن لسوء حظها لم يعد متواجدًا، سلطت كل أنظارها على المدخل، وشبت على قدميها تفتش عنه في العتمة السائدة بالأسفل، ورغم ذلك لم تجد له أثرًا، حلت التعاسة على محياها، ورددت في استياءٍ منزعج:

-يا خسارة!

نفخت في ضيقٍ، وتساءلت بنفس الوجه العابس:

-طب إيه اللي خلاه يمشي؟

ما لبث أن لكزت جبينها بباطن كفها وهي تردد:

-إنتي غبية ولا إيه؟ ما هو لازم يطلع بيته، هيفضل واقف في الشارع كده.

استندت من جديد على الحافة، وتذمر مقروء على تعبيراتها، خفقة أخرى نالت من قلبها عندما سمعت صوته يأتي من الأسفل مرددًا بصوتٍ شبه مرتفع:

-تسلمي يامه، هتعبك شوية معايا.

أبعدت رأسها للخلف، ورفعت يدها لتضعها على صدرها، تتحسس ذلك الخافق بقوة، حين سمعته يتكلم مجددًا بصوتٍ بدا قريبًا للغاية منها:

-كتير على الواحد إنه يبقى جار القمر.

لا تعرف إن كان يقصدها بهذا العزل الصريح، أم أنه يُحادث إحداهن عبر الهاتف؛ لكن كيف يتحدث فيه وقد جاء لتوه؟ حتمًا هي مخطئة، استبعدت على الفور ذلك الهاجس الضعيف، بل ولامت نفسها على التفكير فيه بهذا الشكل السافر؛ وكأنه استحوذ على عقلها، قبضت على الحافة بيديها، وأرهفت السمع مرة أخرى، وهذا الشعور الجميل بالنشوة يتسلل تحت جلدها، التقطت أذناها دعائه:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now