الفصل المائة وستة وستون

36.9K 2.6K 707
                                    



مساء الفل على حضراتكم ..موعدنا مع فصل جديد من رواية الطاووس الأبيض، بس الأول بفكركم باستمرار حتى العاشر من أكتوبر .. أعمالي الجديدة والسابقة متاحة في جناحنا ..

قراءة ممتعة


الفصل المائة وستة وستون

الذهاب إلى هناك، واستحضار أسوأ ما جابهته لكسر نفسها، وكشف سترها لم يكن مستحبًا على الإطلاق؛ لكنها مرغمة على ذلك، ليس من أجلها، وإنما لخاطر من جاءوا معها للقيام بهذا الواجب الضروري. انقباضة غير مريحة عصفت بقلبها والسيارة تقترب من حدود بلدتها، شعرت بوخزاتها القاسية تزداد في حدتها كلما تقلصت المسافة، انعكس تأثير تلك الزيارة على تعابير وجهها، فأصبح شاحبًا، ممتعضًا، يكسوه النفور.

سحبت "فيروزة" نفسًا عميقًا تستجمع به شتاتها المبعثر، وراحت تجاهد لضبط أنفاسها المضطربة. رغمًا عنها اضطرمت النيران في صدرها، وبدأت أفكارها السوداوية في التزاحم بداخل رأسها المشحون .. نعتته في سرها بالمقيت، النجس، النذل، وغيرها من الألقاب غير المستحبة على الأذن، فقد استباح ما ليس له متناسيًا صلة الدم والقرابة، ولم يتوقف أذاه عند هذا الحد، بل امتدت لأكثر من مرة كلما سنحت له الفرصة بهذا.

أطبقت على جفنيها بقوةٍ، مقاومة سحبها لدوامة مظلمة، لن تجني منها سوى إهلاك أعصابها، وزيادة حجم الشروخ بها. ضمت أنامل يدها لتشكل قبضة متشنجة، والصقت يدها الأخرى بحقيبتها الموضوعة في حجرها، ظلت تكرر في نفسها بجملةٍ مُحفزة:

-إنتي رايحة تعملي الواجب وبس، إنتي أقوى من جبان زيه.

راحت تردد شبيه تلك العبارات في رأسها، لتستعيد انضباطها، وتحجم من الثورة المهددة بالانفجار إن التقت به وجهًا لوجه.

لم يخفَ على "تميم" تبدل أحوالها، وانقلاب سحنتها بشكلٍ مرئي للعيان، خاصة بعد أن أصر على الذهاب مع عائلتها في هذه الزيارة الاستثنائية، استقل جميعهم سيارته: خالها يجلس إلى جواره في المقدمة، وهي بجوار والدتها وابنة خالها في المقعد الخلفي، أما عن توأمتها وزوجها ورضيعهما فقد ركبوا في سيارتهم الخاصة، وتحركوا خلفهم ليلحقوا بهم. حانت منه نظرة مدققة في المرآة العاكسة أمامه، بمجرد أن تباطأت سرعة السيارة عند مفترق الطرق، تأمل ملامحها العابسة بشدة في غضبٍ يشوبه التوعد والوعيد لمن أذاها. أقسم على نفسه بألا يسمح له بأن يمسها بسوء، سينحر عنقه إن ضايقها بكلمةٍ أو بنظرة!

انتبه لصوت خالها عندما أشار له قائلاً:

-خـ..ش يمين من هنا.

ألا يعلم الأخير عن معرفته الطريق إليه جيدًا؟ كأنما يحفظه عن ظهر قلب، ظل "تميم" على سكوته وهو يدير المقود لينحرف بالسيارة نحو زقاقٍ ضيق لا يتجاوز المترين، واصل الحركة بها في تؤدةٍ حتى خرج إلى طريقٍ آخرٍ تمتد على جانبيه مساحات مزروعة، تباينت في درجة اخضرارها. لدهشته تعجب "خليل" من عدم سؤاله، فنظر إليه متسائلاً بتحيرٍ:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now