الفصل المائة وستة وأربعون

36.1K 2.6K 512
                                    


تصبيرة لطيفة للساهرين بعد منتصف الليل


الفصل المائة وستة وأربعون

كانت جلسة تقريع أكثر منها تنبيه، لئلا يفكر في التجاوز في تصرفاته مع خطيبته فيما بعد، إن التقى بها بترتيبٍ أو مصادفة، اعتمادًا على حجة الخطبة المزعومة، وما قد يحدث فيها من عدة مخالفات غير مقبولة. شدد "بدير" على ابنه بضرورة الالتزام بكامل وصياه، وإلا لن تكون العواقب محمودة عليه، كرر من جديد على مسامعه بنفس النبرة الحازمة:

-عايز تشوفها، يبقى في بيتها، وبعد ما تستأذن خالها وأمها، اللي مانرضهوش على أختك، مانقبلش بيه على بنات الناس.

انتزع "تميم" رابطة عنقه الزرقاء الداكنة عن ياقته بعد أن حل وثاقها، ليظل جالسًا أمام أبيه بقميصه الأبيض، وبنطال بدلته المماثل للون الرابطة. لفظ الهواء بطيئًا ثقيلاً من صدره، فالقيود تزداد يومًا بعد يوم كلما أوشك على توطيد علاقته بها، انتظر "بدير" سماع رده، وسأله بتجهمٍ:

-قولت إيه؟

ضغط على شفتيه للحظةٍ قبل أن يجاوبه بما يشبه الوعد:

-اطمن يابا، كلامك نافذ.

حذره بإشارة من سبابته:

-ولو جت اشتكتلي في يوم منك هحاسبك إنت.

احتج على تشدده قائلاً بتذمرٍ وهو يضيق عينيه:

-طب إفرض مزعلاني؟

جاءه تعليقه واضحًا ومباشرًا:

-ماتزعلهاش، ما حبكش اليومين دول تنكدوا على بعض، وخلي الأيام تعدي على خير، لحد ما ربنا يكرمكم.

هز رأسه هاتفًا، رغم أمارات التنمر الظاهرة على محياه:

-ماشي الكلام.

ابتسم "بدير" له، وأنهى حواره معه:

-ربنا يتمم بخير.

بادله الابتسام بشكلٍ مقتضب، قبل أن يغادر الغرفة، لتعاود والدته أدراجها، وتنظر إلى زوجها بنظرة معاتبة، قبل أن ترجوه في لطفٍ:

-خف على ابنك شوية يا حاج، هو مالوش في الغلط.

أخبرها بعد زفيرٍ بطيء:

-أنا عارف، بس لازمًا الكلام ده، بكرة يجي يشكرني.

ردت "ونيسة" مبتسمة رغم إرهاقها، وهي تزيح الغطاء عن الفراش تمهيدًا للاستلقاء عليه:

-ربنا يصلح حاله ويراضيه من وسع.

تمدد "بدير" إلى جوارها، وتمتم موجزًا وقد أطبق على جفنيه:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now