الفصل المائة وأربعة وثلاثون

31.7K 2.2K 466
                                    


الفصل المائة أربعة وثلاثون

أشرق يومه الكئيب، وازداد وجهه سطوعًا وتوهجًا حينما وجدها –على حين غرة- في غرفته، يا لحظ الأرض التي تقف عليها بقدميها! نالت شرف استقبالها، أما جدران حجرته فظفرت باحتواء بهائها بينها، على عكسه هو التعيس البائس الذي لم ينل إلا لمحة خاطفة منها. تأمل "تميم" ما كانت عليه من ارتباكٍ محرج بنظراته المدهوشة الفرحة، سرعان ما تقلصت عضلات وجهه للتوتر عندما بادرت معتذرة:

-أنا.. أسفة، أنا كنت آ...

دون أن يعبأ للحظة بسبب ذلك قاطعها مشددًا:

-بتعتذري على إيه، ده مكانك..

سرعان ما تحولت نبرته للخفوت وهي يتابع:

-ده أنا اللي أسف اللي دخلت بالشكل ده.

رأها تنحني لتمسك بإطار صورته، فهتف يأمرها في لهفةٍ رافعًا يده أمام وجهها:

-لالا ماتوطيش.

اندهشت من حمئته الغريبة، ورمقته بتلك النظرة غير المفهومة؛ لكن ما دار في خلده كان واضحًا، لم يرغب لطاووسه المعتد بنفسه أن يركع أو ينحني لأي شيء، خاصة أمامه، أرادها شامخة، مرفوعة الرأس، لا تحني رأسها إلا لبارئها. تلقائيًا التقطت "فيروزة" الإطار، ووضعته في مكانه وهي تقول بوجهٍ ما زال مرتبكًا:

-البرواز سليم، ماتكسرش.

ظل متجمدًا في مكانه، لم يتحرك قيد أنملة، وكأن مجالاً مغناطيسيًا يمنعه من التقدم، والسبب كان معلومًا إلا لها! تخبطت "فيروزة" حين وجدت صندوق الخياطة الصغير، واصطدمت يدها ببعض متعلقاته من توترها، فتبعثرت هنا وهناك، ومع هذا طلب منها بلطفٍ مهذب:

-سيبي كل حاجة في مكانها، ماتسويهاش.

أحست بالمزيد من الحرج لتصرفها الأخرق، ما الذي أصابها لتبدو بلهاء هكذا؟ أولته ظهرها محاولة إعادة ترتيب أشيائه بشكلٍ متعجل وهي تكرر في خجلٍ:

-مقصدش والله، أنا كنت عايزة علبة الخيطان وآ...

قاطعها مؤكدًا من جديد في هدوءٍ:

-خدي اللي يعجبك، ده مكانك ...

ثم ابتعد خارجًا من الغرفة لينادي:

-يا "هاجر"..

لم يسمع ردها، فكرر النداء:

-يا "هاجر"، إنتي فين؟

جاءه صوتها من خلف باب غرفتها يخبره:

-ثواني يا "تميم"، برضع "سلطان".

ألصق كتفه بالباب الموصود، وسألها في صوتٍ جعله شبه خفيض:

-طب أمك فين؟

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now