الفصل المائة وستون

45.3K 2.6K 639
                                    



الفصل المائة وستون

بين طرفة عينٍ وانتباهتها كان قد اختفى عن أنظارها كالسراب، أقل من دقيقة التهت فيها عن التطلع إليه لتخاطب توأمتها التي استبد بها فضولها لتستعلم عن سبب بوادر الشجار المريب، التفتت بعدها لتنظر إلى رمز المروءة فلم تجده، أصابتها تعاسة غريبة، وشعرت بانقباضة مزعجة تعصف بقلبها. تحركت "فيروزة" من مكانها ودارت حول باحة المنزل الخلفية لتفتش عنه بين المتواجدين؛ لكنه كان غير موجودٍ، حاولت البحث عنه وسط عائلته، فلم تجد سوى والدته وشقيقته وزوجها، أما هو وأبيه وجده فلم يكونوا حاضرين.

نالت منها الحيرة، وتوقفت في مكانها، والضيق يكسو وجهها، كتفت ذراعيها أمام صدرها، ورددت مع نفسها في استياءٍ متعاظم:

-للدرجادي ماليش اعتبار عندك؟ تمشي من غير ما تقولي إنك ماشي!

دنت منها "آمنة" تناديها، فلم تنتبه لها، كررت عليها النداء بتذمرٍ:

-مش سمعاني يا "فيروزة"؟ عمالة أنادي عليكي من بدري.

استدارت ناحيتها لترد بعصبيةٍ ملحوظة عليها:

-أيوه يا ماما، في إيه؟

أشارت لها بيدها نحو بعض الجالسين عند الأركان وهي تأمرها بنوعٍ من التوجيه:

-شوفي مين ماخدش أكياس الفول وفرقي عليه، خلينا نلهي الناس في الأكل، بدل ما يركزوا في البهدلة اللي حصلت من شوية.

قطبت جبينها مغمغمة في خفوت بائس من محدودية تفكيرها الحالي:

-ده اللي همك.

لم تفهم والدتها ما الذي تقوله، فتساءلت، وعيناها تتجولان على الضيوف:

-بتقولي إيه؟

هتفت في غير صبرٍ:

-حاضر يا ماما، حاضر.

ثم غادرت بعدها في خطوات عصبية لتنفذ طلبها، و"آمنة" من ورائها تتطلع إليها بدهشة وهي تتساءل:

-مالها دي كمان؟!

.........................................................

انقضى ما تبقى من اليوم على خير بالنسبة للجميع فيما عدا هو، كان وحده مثقلاً بالهموم والضيق. انزوى "خليل" بغرفته، مصطحبًا معه طفلته الصغيرة، أصر على مبيتها معه بالرغم من اعتياد الأخيرة على النوم مع عمتها أو ابنتها. بقي ماكثًا على مقعده المدولب، شاعرًا بعدم قدرته على السير أو تحريك أي طرفٍ من جسده كما كان يفعل قبل سابق؛ وكأن العجز قد تمكن من أوصاله. تأملها بنظراتٍ حزينة لا تعكس معها سوى الخوف، تساءل صوت ما في عقله:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now