الفصل المائة وثمانية وأربعون

34.8K 2.6K 626
                                    


الفصل المائة وثمانية وأربعون

الظروف الاقتصادية، والتغيرات الطارئة قد تبدل من طريقة تفكير الفرد، خاصة إن كان اتكاليًا، غير معتادٍ على ممارسة أي دور فعال، لذا يبحث عن الوسائل المضمونة والأكثر سهولة لتوفيق أوضاعه، وربما لجني المال دون خسارة فعلية لما بحوزته، معتمدًا في هذا على خبراته، سواء كانت تلك الخبرات محدودة أو على نطاق أوسع.

بالنسبة لها شراء المصوغات المصنوعة من الذهب –تحديدًا- يعني ارتفاعًا مؤكدًا في قيمته بمرور الزمن، فإن احتفظت ببعض القطع لعدة سنوات، حتمًا ستجني ربحًا معقولاً في حال فكرت في بيعها في يومٍ ما، أو عند الحاجة، لذا لم تكترث "آمنة" إن انزعجت ابنتها من طريقة تفكيرها المُعدلة، فهي الآن المنوطة بالتصرف في كل شيء، كما أن ما ورثه "فيروزة" عن زوجها الراحل قد ترفض المساس به لسببٍ تجهله، كأن بهذا الميراث لعنة غريبة، ولن تقبل بالتصرف فيه بسهولة إن اضطرت لهذا.

في تلك اللحظات تحديدًا جال بخاطرها تصرفات "حمدية" في هذا الشأن، وما كانت تفعله لاكتناز المال وجمعه بكل السبل، لوهلةٍ تمنت أن تكون في مثل دهائها؛ لكنها كانت محدودة الفكر، فقيرة الخبرات.

رسمت "آمنة" ابتسامة ودودة على ثغرها، والتفتت تخاطب "ونيسة" في تهذيبٍ، بعد أن نفضت عن عقلها كل هذا التفكير المرهق:

-والله يا حاجة الناس كلها تشهد بأخلاق "تميم"، يا زين ما ربيتي.

لم تكن مُضيفتها متصنعة وهي تخبرها بصدقٍ:

-تسلمي يا حبيبتي، إنتو برضوه ولاد أصول، وحتى لما حصل سوء تفاهم بسيط بين الولاد، إنتي مخلصكيش.

على إثر جملتها الأخيرة، استحضرت "آمنة" على الفور في ذهنها ما حدث بينهما قبل أشهر من تبادل اتهامات في قسم الشرطة عقب حريق عربة الطعام المملوكة لـ "فيروزة"، تلبكت، وارتفع الأدرينالين المتحفز في دمائها، وأخذت تبرر بلعثمةٍ بائنة نسبيًا:

-آ.. أكيد يا حاجة، ده زي ما إنتي قولتي .. كان سوء تفاهم، والحمدلله راح لحاله، ودلوقتي بقينا أكتر من الأهل.

مدت "ونيسة" يدها وربتت على كفها المسنود في حجرها لتقول في لطفٍ دون أن تفتر بسمتها:

-ربنا يديم المعروف بينا.

رددت في عجالة:

-يا رب، ويحفظهم ويبعد عنهم عين الحسود ...

توقفت لهنيهة عن الكلام لتستأنف بعدها مغيرة من الموضوع:

-بس فكرة كويسة إن أهل الحتة يشوفوهم سوا.

أيدتها "ونيسة" في الرأي، وعقبت:

-أيوه، بكده يعرفوا إنهم اتخطبوا، وقريب هيتجوزوا.

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now