الفصل المائة وخمسة وأربعون

Start from the beginning
                                    

-يا "فيروزة"! إنتي معايا؟

انتبهت لها، وقالت بتعابير اكتسبت جدية زائفة:

-أيوه يا "همسة"، في إيه؟

أشارت بسبابتها نحو الردهة وهي تخبرها:

-بقولك دي "علا" موجودة في الأوضة جوا، بتظبط اللوك بتاعك.

تنهدت بعمقٍ، وعلقت:

-طيب، أنا داخلة عندها.

لم تتجادل "فيروزة" مع والدتها أثناء مرورها على المطبخ، رأتها منكفأة على الطعام، فابتعدت في صمت، واتجهت إلى غرفتها، مقاومة التعاسة اللحظية التي تنخر في سعادتها، رغمًا عنها يفرض عليها عقلها مقارناتٍ بديهية بين ماضٍ ولى عنها وبين مستقبل قريب منها، سعت جاهدة لتنحية الماضي جانبًا، وإيقاف تلك المقارنات السخيفة، لتركز على من يتسلل رويدًا رويدًا إلى داخل ما بين ضلوعها، آملة بين جنباتها ألا تخيب رجاواتها في شخصه.

.................................................

أدلت كل واحدة بدلوها، واحتدم الجدال بينهما إلى حدٍ ما، إلى أن انتهى الأمر بارتدائها الثوب الذي أهدته لها رفيقتها، كان ملائمًا للغاية؛ كأنما تم تفصيل قماشته على جسدها بالضبط. تطلعت "فيروزة" إلى هيئتها في المرآة بنظرات طويلة مدققة، وكلتا يديها تمران على جانبيها في بطءٍ، كأنما تشعر بملمسه على أناملها، وضعت "علا" كفيها على كتفيها بعد أن وقفت خلفها، وسألتها وهي تنظر إلى انعكاسها في نفس ذات المرآة:

-ها إيه رأيك؟

أحسنت رفيقتها اختيار التصميم مع اللون، فلم يكن ضيقًا ليبرز مفاتنها، ولم يكن مبهرجًا بدرجة زائدة تصيب العين بالانزعاج، بل ناسبها بدرجة جعلتها تشعر بالرضا عن حالها، كانت أقرب إلى أميرة خرجت من حكايتها، حيث خلى من فتحة عنقٍ عريضة، فغطى قماشه معظم رقبتها، أما عن كميه، فكانا ينسابان على طول ذراعيها حتى يضيق طرفيه عند معصميها، بينما يتموج الفستان في طبقاتٍ تزداد اتساعًا بالتدريج بداية من الخصر وحتى نهاية الثوب. رمشت "فيروزة" بعينيها قائلة في إعجابٍ:

-الصراحة، هو حلو أوي.

ضحكت "علا" في تفاخرٍ، وعلقت:

-عشان تعرفي كان عندي حق.

تصنعت "فيروزة" الجدية، وأخبرتها:

-بس دي لسه قاعدة اتفاق، يعني آ...

قاطعتها قبل أن تكمل جملتها مؤكدة عليها:

-وماله، اتفاق، قراية فاتحة، إن شاء الله جواز، ده مايمنعش إنك تلبسي شيك، لنفسك مش لحد تاني.

جاءت "همسة" ومعها حقيبة معدنية مليئة بمساحيق التجميل ذات الماركات الشهيرة، وضعتها على التسريحة، وأيدتها في رأيها:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now