الفصل المائة وأربعة وثلاثون

Start from the beginning
                                    

سمع صوتها يجيبه سريعًا:

-مع جدي.. أنا خلاص خلصت، وجاية.

انتظر "تميم" في مكانه مرتكنًا على الحائط، ودقات قلبه تنتفض بشدة، كان في تلك اللحظة بين نارين، نار الحب المتأججة، ونار التزامه بوعده، فرجح كفة الأخير إيفاءً بما تعهد به، وإن كان فيه عذابه.

......................................................

بخفةٍ وسرعة أعادت تنسيق ما أفسدته على التسريحة، ويداها ترتعشان في توترٍ، سحبت "فيروزة" أنفاسًا سريعة محاولة استعادة انضباطها، وهي في حيرة من أمرها، كيف لها أن تصبح على تلك الساذجة والبلاهة في وجوده، رغم أنها كانت تناطحه الند بالند في أشد المواقف تأزمًا وصعوبة، هناك شيء ما به يجعلها كمن أصيب بلعنته، خفق قلبها من هذا التفكير السريع، وحاولت نفضه عن عقلها لتركز فيما تفعله، ما إن انتهت حتى أمسكت بصندوق الخياطة بيدها، واستدارت لتواجهه؛ لكنها تفاجأت بعدم وجوده، انعقد حاجباها بشدةٍ، وتساءلت في انزعاجٍ احتل كامل ملامحها:

-هو فينه؟

تقدمت بخطواتٍ سريعة نحو باب الغرفة، ولم تشعر بنفسها تتساءل عاليًا:

-ماله؟ مش طايقني ولا إيه؟

شهقة مباغتة انفلتت من بين شفتيها، وقد وجدته يظهر قبالتها عند الباب، ارتدت عفويًا للخلف لتظل بداخل غرفته، حاولت الحفاظ على ثباتها، وإبقاء ملامحها هادئة، بالطبع رأى تلبكها الأهوج، وربما احمرار بشرتها؛ لكن قبل أن تنطق بعصبيةٍ، صُدمت به يقول مبررًا:

-أنا والله ما عايزك تفهمي حاجة غلط.

حملقت فيه بنظراتٍ متحفزة، فتابع بابتسامةٍ لطيفة، وتلك النظرة الدافئة المطلة من عينيه تشملها:

-إن كان عليا ماخلكيش تطلعي من هنا ..

أحست بجفافٍ يصيب حلقها، واستمرت في التحديق به بنظراتها التي تأرجحت بين الذهول والارتياح، لن تنكر أنها تمنت في قرارة نفسها أن تحظى بهذه النظرة المميزة التي تشعرها بأنها خاصة بها وحدها، لا يمنحها لأحدٍ غيرها، خبت عصبيتها، وارتخت قسماتها، خاصة حين بدا صوته هادئًا عذبًا، مخدرًا لحواسها وهو يغمغم قائلاً بغموض ضاعف من توترها اللذيذ:

-بس لسه الوقت مأزفش.

تطلعت إليه مليًا بغرابةٍ، تحاول سبر أغوار عقله، لكن تلك النظرة التي رمقها بها نفذت إلى داخلها؛ كأنما نجحت في اختراق حصونها، وجعلتها تشعر بشيءٍ عميق، أنها غير منبوذة، ومرغوبة بشدة كأنثى. قطع تواصلها البصري مجيء "هاجر" التي وزعت نظراتها بين الاثنين وخاطبتهما بابتسامتها العبثية:

-أنا خلصت يا "تميم"، في إيه يا "فيروزة"؟ ملاقتيش العلبة يا حبيبتي؟

أجابتها "فيروزة" أولاً وهي ترفع يدها للأعلى:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الرابع - كاملةWhere stories live. Discover now