زفير الروح (الجزء الثاني من أ...

By mamet_mo3az

13.5K 421 46

.. More

مقدمة الجزء الثاني
الأول
الثاني
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعه
الثامنة
التاسعة
العاشر
مش فصل
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٤ الجزء الثاني
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩

٣٠

1K 25 32
By mamet_mo3az

سار طارق بجوار سليم العتمانى دون أن ينبس ببنت شفة حتى قطع هذا الصمت سليم قائلا

"كم عمرك ؟"

فأجاب

" خمس وتلاتين وأنت "

ضحك سليم ورد بإبتسامة

" سبعة وخمسين "

رفع طارق حاجبيه فى ذهول واضح فهو يبدو أصغر بكثير من هذا فزادت إبتسامة سيلم وأستطرد

" شكلى أصغر من سنى صح وأنت كمان صغير أوى أن الأسمر يبقى أبنك ....أنت أتجوزت وأنت عندك كام سنة ؟"

وضع طارق يده فى جيب بنطاله الجينز وقال

" 18 سنة ....جوزونى غصب "

تشقق القناع الثلجى عن وجه سليم و ظهر الغضب جليا على قسمات وجهه إلى حد أن أحمرت وجنتاه تحت اللحية المهذبة و أدرك طارق ذلك فأبتسم مجيبا

" أنت كده بتهنى على فكرة ....أنت مش عامل حساب للجته الى قدامك ، شايفنى بضفيرة عشان أتجوز غصب ... بهزر "

لانت ملامح سليم قليلا ....قليلا فقط ولكنه مالبث أن شرح سبب إنفعاله

" إنه العتمانى لا فرق عنده بين رجل وامرأة كما أن زينب أكبر منك بسنوات  "

كان طارق لايزال محتفظابحبوره  الذى لا يجد له سبب منطقى وقال

" أنا أحب زينب ....أحبها منذ زمن والعمر ما هو إلا أرقام على الورق ،فى الواقع أنا أكبر زينب بألف عام "

ثم تغيرت نبرة طارق لتصبح عدوانية وهو يسأل

" هو أنت كمان كنت هتتجوزها ...قول قول ما تخافش هى جات عليك"

لم يكد طارق يكمل جملته حتى أنتابت الرجل نوبة ضحك عالية كأنه لم يضحك منذ زمن ، نوبة لم يتوقعها طارق الذى لم تخف عدوانيته بل أزدادت حتى أجابه سليم

" عندما ولدت زينب كنت فى عمر أبنك أو أكبر ، أى أنه كان بإستطاعى أن أنجب مثلها ، ألا يستطيع ابنك أن ينجب ؟"

أطرق رأسه ولاحت طيف إبتسامة على شفته سرعان ما أعقبها بنبرة  متحدية

" طبعا أومال أنا بعلف فى العجول ديه ليه عشان أدبحهم فى العيد ، أنا دافع دم قلبى علف ، ده أنا أساوى وش الى خلفوهم بالأرض .....بص هم الأتنين الكبار كويسين بس أختيارتهم جله شبه وشهم ، أدهم بيحب واحده ماشية مع نص رجاله المدرسة و الوسطانى بيتكسف و ده لا هيجيب من بنت عمه ولا من غيرها عيال وشكله فى الأخر هيتجوز كلبه إنما لو عايز حاجة نضيفة من مصانعهم على ضمانتى عشان عايز أكسب زبون ،عليك وعلى الصغير بص هو سبع سنين ما يجيبش ركبتك إنما مالوش فى اللف والدوران بيبوس على طول ...أه والله محدد هدفه أبن اللذينة و يبص على البنات كده بعينه الواسعة ديه يخربيته برائة تعبان ...لا مفترى بيلعب تحت السن بس أداء محترفين  "

لم يتوقف سليم عن الضحك فطارق ظل يشير إلى ركبته كوصف لطول خالد ثم يرفع إبهامه دليلا على جودة المنتج المعروض .

شعر طارق وكأنه يحدث صديق له يعرفه منذ زمن وهو شىء لم يحدث مطلقا معه

" ابنك الكبير شبهى.....لماشوفته حسيت كأنى ببص على نفسى فى المراية من اربعين سنة و من الواضح كده أن مش مجرد شبه فى الشكل "

لم يعقب طارق وترك سليم يكمل بالأنجليزية

" أنا أريد أن أخبرك لماذا تركت مصر وسافرت ........هل أنت موافق على ذلك ؟"

هز طارق رأسه موافقا وأجاب بينما يسيرا تحت ضوء القمر

"السؤال ده على لسانى بس كنت محرج و خصوصا أنه سؤال محدش فى العتمانية تقريبا عنده إجابه  عليه "

بصوت ثابت قوى قال سليم

" بدأت القصة عندما ألتحقت بكلية الأداب فى أواخر السبعينات ، لم أكن أمتلك الصورة النمطية للطالب الذى يعيش فى أقاصى الصعيد لا يعرف أبعد من كتبه ، عاداته وتقاليده ، مصر  تنتهى عند البر الثانى من النيل و ما وراء النيل عالم سحرى لا وجود له  ،فالفارق فى هذا الزمان بين العتمانية والقاهرة وحده كان كفيلا بأن يقضى على إنسان ولكنى كنت على أستعداد ، فقد عشت عامين مع خالى فى القاهرة وسافرت عدة مرات للأسكندرية و لهذا لم أكن  أمتلك الصورة نمطية لأبن العمدة ، ملابسى وهيئتى وملامحى كانت دائما ما تضعنى فى مكان أخر  ولا يمكنك أن تنسى المال فالسوق الحرة عندها كانت فاتحة خير للعتمانى الذى دخل التجارة وتوسع فيها و بدأ يخرج بصيته من مساحة القرية إلى المحافظة .....كنت صاحب شباب ونفوذ ومال و وسامة لا يمكن الأستهانة بها ..........حتى جاءت حواء يا طارق فتغير عالم هذا الشاب فى يوم وليلة "

صمت سليم للحظات و فتحتى أنفه تتسعان بينما يحاول أن يحشد إلى رئتيه أكبر قدر ممكن من الهواء لتكون له عونا ضد ضيق الصدر القادم

" حتى هذا اليوم الذى ذهبت فيه الى الكلية فى عامى الأول وجلست فى الصف  لأحضر محاضرة لم أكن أعرف لأى مادة هى  .....غاب الدكتور وأخبرونا أن المعيدة الحاصلة على الماجستير سوف تقوم بشرح المحاضرة بدلا عنه ، ظهرت همهات فى القاعة ودار فى خلدى أن البعض يعرفونها ولم تكن بالتأكيد معرفة سعيدة فقد أرتسمت على وجوههم علامات الغضب حتى أن منهم من غادر القاعة ودخلت هى .....

يمكن لخيالك الآن أن يكون شحذ وصفا لملاك من الجنة أو حورية من الحور العين تلك التى تجلب الفوضى قبل دخولها ولكنها كانت على العكس تماما .....

كانت لا تتجاوز بأى حال المائة وستين سنتى ذات شعر قصير خشن جدا تحلقه كالرجال و ملامح وجهه غير متناسقة إلى حد الأرباك  تجعلك تشعر بأن هناك شىء ما خاطىء ولكنك قد تظل عمرك تبحلق بها دون أن تستنبطه ، نظرها الضعيف كان يضطرها لوضع نظارات ذات زجاج سميك جدا أما جسدها فكان كالمسطرة لا تعرف له إتجاهات  و قد تعتقد أن بى لوثة إلا أنها أجمل امرأة رأيتها فى حياتى "

شهق طارق من الخضة وأرتعش فكه أستنكارا ولكن سليم لم يهتم أبدا وأكمل

" كانت جميلة ، شقية و خفيفة كأنها نسمة هواء فى نهار حار ......تضحك فتشعرك أن العالم لاضير به وأن كل شىء سيكون على ما يرام .....أكتشفت حينها أن ليست كل المسكنات أدوية ولكن أيضا يمكنها أن تكون بشر ، كنت هائما تماما بها حتى عندما أقتربت من المدرج وطلبت منى الوقوف تبعتها كعروس ماريونت تحركه بأصبعها ،وقفت لأستمع إلى سؤالها وعلى وجهى كل علامات البلاهة

قالت " من قائل هذه العبارة ...تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام ""

هنا هتف طارق بحرارة

" ماركس .....حب عمرك ماركسية "

ضرب الرجل كفا بكف

" هل أنت من هؤلاء المختلين عقليا  الذين يحرقون  الأفلام "

هز طارق رأسه نافيا ووضع يده على فمه ثم أشار إليه مترجيا إياه أن يكمل ،كان سليم قد وصل إلى الساقية القديمة فجلس وأستأنف

" رد أحد الطلبه فى الخلف

" نحن فى محاضرة وممنوع الكلام هنا عن الشيوعية والماركسية "

حينها  أبتسمت هى كاشفة عن أسنان ناصعة البياض وأجابت بمرح

" لن أجد فرصة أفضل من هذه لأعرفك بعصفورة الدفعة وهو  مفتون بى لأنه ومنذ ثلاث سنوات يسجل فى دفتره هذا كل حرف أقوله وأقصد بكل حرف كل حرف "

كانت ذكية ومرحة تمتلك ذخائر من المعلومات ، رأسها يحتفظ  بالتوريخ و يسترجعها فى ثوان، كمبيوتر متنقل ولم يكن فى هذا الزمان كمبيوتر لهذا لم يكن بوسعنا أن نجد لها شبيه "

ظللت لمدة عام كامل أتعقبها فى كل محاضرة تشرحها وفى كل تجمع تجلس به وفى المكتبة كنت اسأل عن اسم الكتاب الذى استعارته وعندما ترجعه استعيره ....لن أكذب وأخبرك أنى كنت أفهمه فمن أنا  فى هذا الوقت لأفهم غوتا وكاكفا وهيجل و كنت و زرادشت ....فعلت كل هذا  دون أن أحاول حتى الأقتراب منها كنت ظلها الذى لايلمسها أبدا وأخترقت هى حاجز الصمت عندما أعطتنى ورقة صغيرة بها عنوان وموعد وهو السابعة ....أعطتنى الورقة دون كلمة وأخذتها دون كلمة وعند السابعة كنت أقف أمام هذه الشقة بقلب يقفز فرحا وعقل يرها فى الداخل عروس فى خضرها تنتظرنى "

قلد هو نظرات الدهشة التى أرتسمت على وجه طارق و التى أختفت سريعا وطارق يردد  بغيظ

" عادى على فكرة ....أنا كمان البنات كانت بتقع فى حبى من أول نظرة وياماااااااا أتبعتلى عنوانين شقق مش أنت بس "

أغمض سليم عين وفتح الأخرى وهو يقول بعامية

" أقولك أيه المشكلة ....المشكلة أنى يوميها حكيت لأعز صاحب عندى و كان عيل شبهك كده عينه وحشة ......واقف على الباب عنترة لقيت  راجل بيفتحلى ولك أن تتخيل أحساسى ، غرقت فى عرقى وقبل ما ألف عشان أطلع أجرى لقيت الباب بيتفتح ولقيت رجاله جوه وبنتين "

أكمل سليم بالأنجليزية التى تريحه أكثر

" كان منزل خالى من الأثاث يغطى الأرض كله سجاد ثمين و ملقى فى الأركان وسائد موضوعة بعناية ثم ظهرت هى تحمل أكواب من الشاى وزعتها على الجميع وجلست بجوارى فتوقف قلبى عن النبض و شخصت ببصى نحو اللوحة المعلقة على الحائط المقابل فهمست هى

" العشاء الأخير ليراندو دافنشى ......هذا الرجل مغرم بالتفاصيل ، أنظر إلى مايدور فوق الطاولة ومايدور تحتها .....إلى الوجوه وإنفعالتها....الملح المنسكب أمام يهوذا و قطعة الخبز ....الأنفعالات الأنسانية الكامنة ....الخوف والترقب والأمان"

قطعت كلامها لتنظر فى عينى وأكملت

" أنت ترانى جميلة  ....كيف يمكن لعينك هذه أنت ترانى جميلة "

كانت قريبة منى جدا لدرجة أن أمتزجت رائحة عطرها بأنفاسى و بصعوبة أستطعت أن أجيب

" أنا مؤمن بأنك جميلة "

أطلقت زفرة طويلة وهى تررجع ظهرها للخلف وقالت بصوت عال ليتمكن الجميع من سماعه

"هذه هى المشكلة إذا أنا وأنت لن نستطيع أن نرى نفس الشىء أبدا ....لأننى ملحدة .....الجميع هنا ملاحدة و لا أدرينين ....ماعدا هذا صاحب القبعة السوداء هناك إنه لا دينى .....أنت المؤمن الوحيد هنا "

لحظات صمت طويلة و كلماتها هى الكلمات الأولى التى أفهمها منذ قابلتها ولسبب غير معلوم تفرق الجمع بعد ما نطقت وظللت لأيام طويلة معتكفا فى غرفتى ثم عدت لبيتها لأجدها مريضة ووحيدة وكنت أعشقها فى هذا الوقت عشقا جعلنى أعمل خادم لديها .....أستمر مرضها لشهور لم أتركها فيها لحظة حتى تعافت من مرضها الجسدى و مرض قلبها بى إلى الأبد .....

أنقلبت الأية فأصبحت هى الملاصقة لى ، لا تترك لى المجال لأتركها .....سلمت لى نفسها وكانت عذراء فتقبلت كرمها براحبة صدر.....تعلن هذا الحب فى كل مكان وبكل وقت و دون حرج ، وذات مرة فى إحدى التجمعات كنت أتحدث إلى أحدى الفتاتين اللتين يأتيان إلى الأجتماع، أطلقت إحدى النكات فضحكت الفتاة  ثم قفزت تلك لتجلس على حجرى لتعانق رقبتى وتقتنص شفتى .....

هاجت بداخلى الدماء فدفعتها بعيدا عنى وفى اليوم التالى عدت إلى الصعيد و كان هذا فى العام الثالث لى فى الجامعة .......

الحقيقة يا طارق أن عودتى كانت مختلفة ، لم أعد بعد هذا الطالب الذى سافر يحمل على كتفه أحلامه ، كنت أنجح كل عام بتقدير امتياز  بفضل دراستها و ملخصاتها ، كنت أتلقى ما تقوله وأحفظ ما تضعه فى رأسى ولكنى لم أقتنع أبدا لا بمركسيتها ولا فكرها  ومع الوقت اصبحت على العكس تماما ، لا لشىء أبدا إلا خوفا من أن يقول الناس أنى جروها الصغير ....أصبحت أدافع عن الرأسمالية و نظام السوق الحر ودولة الرفاه ، هاجمت مركسيتها وفى كل مكان كنت أصرح بأنه هو من خرب العالم .....هو من قدم للعالم ستالين وهتلر ومجاعتين فى أخر خمسين عام...الجولاك والرعب الأحمر ،كانت تقابل كلماتى بصمت وحزن ، كبرت فى حضنها لأصبح كل ما هو مضاد لها وكانت كأم تنظر إلى أبنها الفاسد ولا تملك إلا أن تقدم له الحب فأصبحت تعطى وتعطى  ثم ذابت تماما بداخلى حتى فكرها الذى تؤمن به فقدته ولم ترد أبدا على كلماتى ....كان كافيا أن تقول أذهب برأسماليتك الأستعمارية  ولكنها لم ترد .

وهنا فى الصعيد أدركت أنى مملت منها ومن الفلسفة والكتب والأراء و المسطرة فأردت أن أجرب الفاكهة التى نبتت فى أرضى وأنتهت الأجازة الصيفية وعدت إلى القاهرة لأجد نفسى و دون إرادة منى أذهب إليها فأستقبلتنى هى بحب كأم رءوم وبمجرد أن ضممتها ، عرفت المستور ولم تتكلم ، خضعت لى بكل كيانها وفى الصباح وجدتها غارقة فى دمائها .....أنتحرت فى الحمام "

أصفر لون طارق فى حين بلل الدمع لحية سليم وصوته الثابت أستحال نشيجا

" قتلتها .....أنا من قتلتها ....دماؤها علقت بيدى وصبغت أصابعى ،مر على هذا اليوم خمسة وثلاثين عاما لم تتركنى فيهم لأنام ليلة واحدة دون أن تصبغها بلون دمائها، ولم ينتهى الكابوس هنا بل أدعى الطبيب الشرعى أنها حادثة قتل وأننى المشتبه به الأول فقبض على و بعد التفتيش فى البيت تحولت مجرى القضية من قضية قتل إلى قضية قتل سياسية ....أيام تمر وأنا خلف الجدران ....تحقيقات لا تتوقف وأسئلة لا تنتهى بينما أنا منفصل العقل عن القلب والروح ....كنت هائما لا أعرف فى ماذا ؟

أدركت فى هذه الأيام أنى مؤمن وأنه كان على أن أخبرها أنى لم ولن أحب امرأة غيرها باقى عمرى ........بعد ثلاثة أشهر أفرجت السلطات عنى ووجدت المحامى الخاص بى والذى وكله العتمانى يعطينى تذكرة سفر  ويخبرنى أن وجودى فى مصر غير أمن لى ولأهلى .....هل تعرف لماذا يا طارق ؟"

أجاب طارق بأن رفع حاجبيه مستنكرا فقال سليم

" طلعت جاسوسة "

تغيرت وضيعة طارق فقد ألتف بجسده ليقابل سليم تماما و رمشت عينيه عدة مرات فأكد سليم

" جاسوسة مفيش حاجة من الى شوفتها أو أتعاملت معاها كانت حقيقة .....ذكائها هو الشىء الوحيد الواقعى والحقيقى فيها والباقى مرسوم ، حتى الوقت الى دخلت فيه حياتها كان خطة وطريقة لأستغلالى ، كانت بتربينى على أيدها فى تلات سنين عشان لما تطلع بره تضمن ولائى لكن أنا خالفت كل توقعاتهم بأفكارى وتمردى عليها و هى فجأتهم بأنها حبتنى و حبها ده عطلها عن كل حاجة و بدل ماكانت مصدر معلومات وأيد قوية بقت قنبلة ممكن تنفجر فى أى لحظة "

قاطعه طارق مسرعا

" يعنى هم قتلوها أومال ليه بتقول على نفسك أنك السبب وأنها أنتحرت "

رد سليم

"السيناريو الوحيد لأقتلها هو أن  حد دخل من الباب الى أنا نايم فى وشه قطع شراين أيدها ودخلها الحمام وقفل الباب من جوه بالمفتاح و بعدين أتبخر .....

أنا عشان أدخل عليها الحمام كسرته يا طارق  ولقوا المفتاح فى الباب من جوه......أكتشفت بعد كده أن أدعاء أنها أتقتلت كان عشان أستجوابى والتحفظ عليا لأطول وقت ممكن و إن أنتحارها أكيد سواء هى قررت تقتل نفسها عشان تنتقم لأنى خنتها  أوموتت نفسها عشان تحمينى أو حتى أوامر أن تخلص على نفسها بنفسها  فكله بسببى و لأن حياتى بقت مهددة...سيبت مصر فى مركب من غير ما أقدر أقابل ابويا أو أسلم على أمى ....هربت لا أنا عارف رايح فين ولا هعمل أيه هناك ، لا عمرى أشتغلت ولا جربت الجوع أو الذل ......طول أبن عز ....أتسجنت تلات سنين فى أوزباكستان وسافرت بعدها أنجلترا ...

عشت خمسة أعوام  يا طارق بين سجن وفقر ، حاولت الأنتحار أكثر من مرة وفشلت  ، بلغت أقدامى أخر درجات سلالام اليأس حتى قررت أن أبيع نفسى و كانت أرخص ما يمكن أن يباع .....تزوجت امرأة بريطانية فى الخامسة و الستين من العمر  كانت أرستقراطية و ثرية جدا  حينها كنت أنا فى السابعة والعشرين لكى أحصل على الجنسية ، الأمان و المال  بينما حصلت هى على جسدى ....عاهر أليس هذا هو ما يدور بخلدك ؟"

حرك طارق رأسه نافيا فغمز سليم مؤكدا ما قال  وأستكمل

" عاهر ....لا معنى أخر لما فعلته يا طارق ....كان الجميع ينظر إلى بتلك الطريقة ولكنى تعلمت كيف أتجاهلها وأقفز فوقها ....كانت نسوية أرستقراطية من الطراز الرفيع وكنت كحذائها يجب أن أكون دائما جديدا ولامعا معها فى كل مكان تتأبط ذراعى و تفتخر بى كسيارتها تماما و أنت يمكنك أن تكمل القصة  بمفردك"

أجاب طارق إثارة بالغة

" طبعا ماتت وسابت كل فلوسها لمنظمة الكلاب و طلعت أنت من المولد بلا حمص فقرى طبعا "

ضربه سليم ضربة خفيفة على رأسه ورد

" حمار .....الأولى أنتحرت يبقى التانية أتقتلت "

أنتصب طارق تاركا مكانه وتراجع بخضة

" أتقتلت ....يخربيتك ده أنت فقرى أكتر منى و طبعا أتسجنت تانى ....لا ده كده تالت "

وقف سليم ورفع رأسه بشجاعة ولازالت بعض قطرات الدمع عالقة بلحيته

" حمار ....أبنها قتلها وأعترف على نفسه وأنا ورثتها"

ضحك طارق بصوت عالى ورد وهو يضرب كفا بكف

" أنت برضوا نحس أكتر منى ....واحدة أنتحرت والتانية أتقتلت عايزة ايه تانى "

سار سليم وطارق جنبا إلى جنب والصمت خيم عليهم قليلا ليقطعه سليم مرة أخرى

" سمرا كانت مخطوبة لحسن ....أنت ازاى اتجوزتها هو حسن مات "

رد طارق سريعا

" لا حسن عايش .....سابها من زمان واتجوز بنت خالكم  دعاء الى أتطلقت منه وسافرت الكويت من زمن .... حسن بقى العتمانى نمر تو ....مقدرش أعدلك أتجوز كام واحدة بس كفاية أنك تعرف أن عنده سبع بنات خمسة منهم من سهير بنت ناصر المهدى واتنين من  دعاء...كلهم حلوين ستر ربنا مفيش ولا واحدة شبه حسن  كانت بقت مصيبة "

ضحك سليم وأجاب

" أنت برضوا مقولتليش أتجوزت زينب ازاى"

الهالة المرحة المحيطة بطارق تبددت وتبدل حاله ....إن سليم يحاول جره جرا إلى الحديث عن تفاصيل زواجه والتى كان بإمكانه الحديث عنها بأريحيه لو أن بطل  القصة شخص أخر غير ماجد .....الغضب بتسرب إلى خلاياه ببطء فيما يجيب

" هى زينب قالتلك أنى أبن صبيحه عشان كده مستغرب أنهم جوزهوالى ولا سؤالك عشان الأرض الى كانت وراثها الجدة وكتبتها لزينب فى العتمانيةإيا كان السبب فأنا ابن العتمانى  زيى زيكم "

فى أخر الكلمات كان سرطان الغضب قد سكنه فأرتفع صوته ولم تظهر على سليم إى علامات التأثر

" ارض الورث الى فى العتمانية .... أنت بتتكلم عن أيه "

رد طارق بنفس النبرة الغاضبة

" الأرض الى كتبتهالها الجدة ...الى حوالين ساقية الراوى "

رمش سليم عدة مرات وعلق

" عارفها بس ديه مش أرض الجدة ، أرض ساقية الراوى العتمانى مشتريها سنة 74 ....أنت مين الى قالك أنها هى ديه الأرض "

دافع طارق بسرعة

" كل الناس عارفة كده ....الجدة كتبت لزينب أجود أرض فى العتمانية ومفيش أجود من أرض ساقية الراوى ، ممكن يبقى العتمانى هو الى أشتراها بس كتبها بس أمه "

شبك سليم أصابعه أمامه ورد

" مش شايف انك بتناقد نفسك ....أزاى ورثتها الجدة وأشتراها العتمانى وكتبها باسمها مع بعض يا أيما ورثتها يا ايما  أشتراتها ....الأتنين مش هينفع ....أنت شوفت عقد بيع الأرض لزينب "

لم يحرك طارق ساكنا مما يعنى لا و أجاب

" أنت تقصد أن الأرض الى باسم زينب مش أرض ساقية الراوى ، يبقى يمكن الأرض الى فى الغربة ناحية الترعة القديمة "

هز سليم رأسه نافيا وأجاب

" مش فى العتمانية أصلا ....أنا أدركت أنك متعرفش فين مكان الأرض من أول ما قولت العتمانية  و بعدين كملت كلامك بأنها أجود أرض فتاكدت انك بتوصف مكان تانى"

أطرق طارق رأسه وسأل بجدية

" أومال فين "

" ورا الجبل ....مشرق ، هى ديه  الأرض الى ملكها ، شوفت الحجة مرة واحدة "

همس طارق كأنما يحاور نفسه بصوت وصل لصاحبه

" ورا الجبل ده صحرا ...... أنت عايز تفهمنى أن الأرض الى ملك زينب الى حصل بسببها كل ده أرض صحرا بور ، لا طبعا مستحيل يكون كل ده سراب .....الأرض ديه رامية بنت عثمان ورثتها من أخوتها الى ماتوا قبلها  "

لوى سليم فمه قليلا ثم أجاب

" أخواتها .....ولاد عثمان الأوجرى ، دول كانوا عايشين فى بيت من الطين لما البحر بيفيض بيتهد عليهم و يطلعوا يعيشوا فى الحرجة ، جدك كان بيأجر عياله باليوم يشتغلوا عشان يأكلهم رغيف حاف  و حته مش هيورثوا أرض فى نص العتمانية  ....أنت متأكد أنك كنت عايش فى هنا !!!"

ظهرت على طارق علامات التوتر جلية وبدأ جسده فى التعرق بشدة فيما يقول

" أنا مكنتش عايش فى العتمانية .....أنا كنت بتجنب الأحتكاك بالبشر والناس كمان مكنتش بتحتك بيا و يوم ماكسرت الحاجز ده سافرت لكن السؤال  هنا الأرض ديه جابتها منين "

مد سليم شفتيه وهو يحرك كتفيه فيما هبت ريح قوية حولهم حركت الجو المرتعش

" معرفش ....رامية والعتمانى وحسين مثلث رعب حقيقى ، بيخليك قدام خيار من أتنين يا أما تسأل الفلوس الى بدأوا بيها جات منين و ممكن فى النهاية توصل لنتيجة ماتحبهاش يا أما الحل التانى الى أنا اخترته من زمان ...أتمتع بالى معايا من غير سؤال وبعد خمسة وتلاتين سنة اتأكدت أن  كان عندى حق "

ضرب طارق كفا بكف و هو يحاول أن يوصل الأسلاك فى عقله بلا أمل

" أنت مش متخيل ....فى كوارث حصلت فى البيت بسبب أن الكل مقتنع أن أرض السواقى هى أرض زينب  و لغاية النهاردة بندفع تمن ده .....العتمانى كان ممكن ينهى ده بكلمة وزينب أكيد على علم بمكان الأرض الحقيقة ليه مقالتش ....أنا مش فاهم حاسس أن دماغى هتنفجر ...زينب عمرها  "

بتر طارق  جملته  "عمرها ما خبت عليا حاجة " وهو يضع كفه على رأسه يشعر بأن ضغطه أرتفع على حين غره  فهى تخفى الكثير ... الكثير جدا ولكنه لم يظن يوما أن مقدار ما تخفيه عنه قد يكون إلى هذا الحد .

كيف يمكن لزينب أن تخفى عنه أمر كهذا ؟

ما الداعى وراء رسم هذه الفقاعة وإيهام الجميع بهذه الكذبة حتى وإن كذب الجميع لماذا تكذب هى ، لما تثبت له فى كل مرة أنها لا تثق به أبدا ؟

هل كانوا يظنون أن هذه الكذبة  ستسمر إلى الأبد ؟

و يبقى السؤال  الذى سيطير عقله.....لماذا ....لماذا ؟

وضع سليم يده على كتف طارق وأقترب منه ليهمس بأذنه

"وأنا عندى عشر سنين العتمانى كان عايز يبنى مخزن على الأرض ديه ، بس الأرض كانت عاصية وحصلت حاجات غريبة أيامها وجابوا شيخ قالهم أن الأرض عليها حراس .....حراس من الى بيحرسوا مقابر الفراعنة ، العتمانى حاوط الأرض بسور كبير ودفع كتير للشيخ الى قاله المعلومة ديه عشان ينشر بين أهل البلد نص المعلومة بس فالناس خافت من الأرض و تناستها وبعدين نسيتها"

للحظة توقفت عقارب الساعة و ثبت المشهد ،عين طارق المفتوحة على أخرهم تبحلقان فى القمر الذى يختبأ فى عنان السماء ، الريح التى أصبحت تحاصرهم ويد سليم الدافئة على كتفه....

لأجل أرض تجود فى العام بمحصولين كان أهل البيت على إستعداد أن يزوجوها بغل فى زريبتهم وهو الآن يتحدث عن أرض قد تحوى ملايين فى خباها ....

خرج النفس المحبوس فى صدر طارق و معالم للطريق ترسم بطريقة أخرى 

" لغم لو دوست عليه هيفجرك "

شد سليم على شفتيه وأبتعد قليلا عن طارق بعد أن قاوم حاجة ملحة بالبقاء بجواره ،لازالت أرضه سخية ....كريمة ....جميلة .

.......................................................................................................فى نفس الساعة وعلى بعد أميال من سليم وطارق كان صراع أخر قائم على أشده بين أخريين .

أخبر ياسين  حسن منذ وقت قريب أن زوجته قد ضلت الطريق على أبواب العتامنة ولا يخفى على أحد ما شعر به حسن من سعادة بالغة فما كان يظن يوما أن شيرى ستأتى إلى العتمانية فهى دوما كانت تنظر إلى البلدة ومن فيها كمجتمع لاتحب أن تنتمى إليه ولكن قدومها هذا فى عزاء لتكون بجواره سيجعله يعيد الحسابات مرة أخرى وبالتأكيد لم تدم هذه السعادة إلا وقت قصير وتبخرت عندما شاهدها تجلس بجوار ماجد فى سيارته .

" أنا هدخل البيت يعنى هدخل يا حسن .....هأخد عزا أمى زى أى عتمانى مش ابن رقاصة الى هيمنعنى أدخل بيتى "

هكذا صاح ماجد الذى أنفجرت شراينه من الغضب و حسن يدفعه ليدخل سيارته ويغادر

" أنت مش هتأخدها عزاها إكده ....أحنا الى هنأخدك عزاك ....طارق هيدبحك ويشرب من دمك "

سبة بذيئة خرجت من فم ماجد الذى ضرب باب السيارة بقدمه فكادت تنخلع وصاح

" طبعا ما أنت لازم تدافع عنه مش ابنك ولا ابن سليم ولا ابن العتمانى *****ما كلها *******"

بصق حسن فى وجهه و شمر ساعديه ليضربه فرجع ماجد عدة خطوات للخلف وصاح

" انت هتفضل طول عمرك نجس .....انا عمرى ما جربت من واحدة غير فى الحلال يا كلب"

حرك ماجد حاجبيه بغيظ وأجاب

" كنت محشش يا سونا يوم فرح محمود أبنك عمك الكبير .....مش فاكر  أنت طبعا لكن أنا فاكر  و اليوم ده لايمكن أنساه ....أنا بقالى سنين ساكت لكن خلاص بقى طالما وصلت لكده أنا مش هسكت تانى يا قاتل يا مقتول "

........................................................................

" أنزلى .....ماستنيكى فى الأسوطبل "

أنكمش وجه هالة وهى تقرأ  رسالة "الواتس "  من أدهم .....كتابته حقيره  مثله!

لم ترى فى حياتها شخص حقير مثله إنه أكثر أنانية لم تمر بحياتها شخص أكثر أنانية من والدها حتى قابلت أدهم .....إنها تكرهه جدا هذه الأيام ليس لسبب أو مبرر واضح ولكنها الهرمونات الحقيرة التى جعلت من حياتها شقاء متصل .

لقد "جاءتها ضهرها " أو بمعنى أخر حاضت .....

هل هذا فعلا أمر يستحق زيارة الأطباء المملين و قلق والدتها وكل امرأة فى العائلة جاوزت العشرين؟

إنها تعانى من مغص شديد و تناولت الكثير من المسكنات ولكن الأمر برمته يقرفها وثير فيها الغيظ والكآبة ولكن لا يمكنها أن تكون متحاملة كثيرا على الأمر الذى لولاه لتعرضت هى و عايدة للضرب المبرح من والدتها أما الآن فهى تغاضت عن كل شىء وأعبتبرت زيارة القاهرة وجه خير .

تقلبت لتنام على بطنها و تتطلع إلى الشاشة التى أضيئت برسالة أخرى

" عندى ساربريس هتفرحك "

انها تخمن أن "ساربريس " هى surprise  و بالتالى هو يقصد مفاجأة .

لم تجب أيضا وهى تجز على أسنانها بشدة فجاءتها رسالة أخرى

" أنت هلس "

حينها لم تتمالك نفسها وأبتسمت لترد سريعا

" وأنا يالا من عين شمس "

ركلت السرير بغضب لغباءها وتسرعها فهى بذلك قد أقرت الإجابة ولكنها القافية التى حكمت .......

لماذا لا يحترم الناس رغبت الناس الأخرين فى تكملة كلمات مهرجان شعبى !!!!!

لم تستغرق خمس دقائق وكانت تقف أمامه فى حجرة مخصصة لتخزين طعام الخيل ترتدى عباءة وحجاب تضعه دون أن تحكمه  بينما تعلو وجهها علامات الإجهاد والتعب ثم سألت بملل

" عايز إيه "

مد كفه ورد

" مش تسلمى الأول ....مشوفتكيش من يومين ....سمعت الصبح صوت البنات فى المطبخ ودخلت عشان أشوفك لقيتهم كلهم وأنتى لا "

" وأنت عايز منى أيه ....ياكش أكون اتوحشتك ....مش أنا الى قولت عنيها أنك ممكن تصدج عنى أى حاجة وأنى وحشة "

لم تلقى إجابة هالة السريعة بنبرتها حادة وصوتها  العال أكثر من اللازم  سوى إبتسامة على وجه أدهم الذى أراح ظهره على الحائط ورائه وأخذ يركل حصى صغيرة مرددا

" طيب أنا شوفتك فى مكان ضلمة مع واحد غريب  بتشربى سجاير عايزة ردت فعلى تكون أيه ؟....تخيلى أنتى وقولى "

أمالت بنصف جسدها للأمام لتقلص المسافة بينهم وتجيب بتعجب

" يعنى ده كل الى تاعبك فى مكان فاضى مع غريب يعنى لو بشرب سجاير فى مكان منور مع قريب عادى "

لم يكن رد أدهم عليها كلمات تقال لأنه وضع يده فى جيبه وأخرج منها علبة سجائر مريت وولاعة  على شكل جمجمة .....لوح بهم أمامها ثم أشار إليها بأصابعة لتقترب و تلقائيا ودون وعى خطت هالة خطوات بإتجاهه فهمس

" ديه ريحتها خفيفة عن الى كنتى بتشربيها "

مدت يدها سريعا لتلقطها منه فرفع يده إلى أعلى يبعدها عن متناول يدها وقال

" لا مش ببلاش ....مفيش حاجة من غير مقابل "

تراجعت إلى الخلف ونظرات الإثارة تبددت ليحل محلها الوجل وبنبرة شك أجابت

"هديك أد تمنها مرتين "

و ما كادت تصل إلى حرف النون فى جملتها وعينها مثبته عليه حتى أدركت أنها كانت مخطئة

" أنت عايز منى ايه "

حرك أدهم كتفيه بعدم مبالاة  ورد

"مفيش .....كان نفسى أطلب حاجة فى المقابل زى الأفلام إنما مفيش  ....خدى واحدة بس والعلبة هتفضل ده شرطى الوحيد "

ممنوعة هى من الخروج  من البيت و دقائق قليلة ثم تكتشف أمها أنها ليست فى غرفتها فيتم تقطيعها إلى شرائح صغيرة و تقديمها مع طعام العشاء ....سيجارة واحدة هى دعوة أكثر من كريمة فهزت رأسها موافقة فأعطاها أدهم السيجارة وأشعلها لها !!!!

كانت تشعر بأنها فى حلم كهذه الأحلام التى ترى نفسك فيها طائرا فى الجو أو غيمة تمطر ....أسندت ظهرها بجواره على الحائط وبدأت فى شرب سيجارتها ببطء شديد

ساكنين كتمثالين حجريين ظهرا من خلف دخان كثيف أختفت ملامح وجهيهما ولكنك على يقين أنها يتطلعان إلى النافذة فى الأعى والمغلقة بمعادن حديدية يتسلسل ضوء القمر سريعا من فتحاتها .

لم تكن تملك فكرة لتسقط فيها ولا هم تنفصل به عن العالم ولم تكن تلك الفترة التى لا تعلم مدتها كانت ساقطة فى هوة فراغ بلا فكرة ولا عقل كأنها سقطت فى ثقب أسود كبير .

ألقت بالسيجارة المنتهية على الأرض ودهستها بقدمها ثم تحركت لتقف مباشرة أمام أدهم وقالت بصوت متأثر

" شكرا ....أنا عندى ليك طلب "

هز أدهم رأسه مجيبا فأستطردت

" أرمى العلبة الى معاك .....أنا مش هشرب سجاير تانى ، أوعدك أنى عمرى ما هقرب منها ،أنا راجل صعيدى وعند كلمتى "

لم تظهر علامات المفاجأة عليه، أغلق شفتيه وضغط عليهما من جه اليمين فى حين تغضن وجهها

" بالله عليك متسألنى غيرت رأيى ليه "

أدرات ظهرها له وأهمت بالرحيل عندما لم تجد أيه استجابة كلامية منه فهو صامت منذ الأبد ولا شىء يعكر صوف الفتاة كرجل صامت .

كانت تبطىء فى الحركة لعله يناديها أو يوقفها وحين حدث هذا ونادى باسمها لم تتوانى لحظة فى أن تستدير له وأن تتابع دقات قلبها التى كانت تزيد واحدة مع كل أقترابه منه فى إتجاهها وحين أصبح أمامها مباشرة وضع يده على كتفها وقال بتقرير كمذيع أخبار نشرة التاسعة فى زمن غابر

" عايزة أقولك على معلومة .....الرجاله مش بيجليها بيرود ، ده شىء فسيولوجى خاص بالسيدات عشان تقدر تحمل و تخلف فماينفعش تقولى على نفسك راجل لأن لو حد سمعك هيفتكر أن عندك خلل فى عقلك "

أنسكبت كلماته على جسدها كنار كلما لمست جزءا أحرقته ، فزادت درجة حرارة جسدها لتبلغ الأربعين و توقفت أناملها عن الحركة فى حين شعرت بجفاف مفاجىء فى حلقها ولا زالت اليد على كتفها والعين الرمادية تكمل

" مبروك لأنك بقيتى كبيرة لكن لازم تكونى عارفة أنه ما ينفعش تدخلى فى علاقة دلوقتى لازم تتجوزى الأول لأن ده اسمه زنا "

رحل أدهم لا تعرف منذ متى ووقفت بعدها تلملم كرامتها المبعثرة فى الأرجاء وهى تقسم بأغلظ الأيامين أنها ستنتقم فلن يبقى رجل ولن يصبح أنثى .

Continue Reading

You'll Also Like

3M 85.8K 64
عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ، فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ، أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أ...
1M 59.9K 62
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.
3M 145K 78
ـ #بحر العشق المالح فى بحر العشق نحن تائهان بين الامواج، لا تقاومي، دعينا نسبح ضد التيار بالنهايه نغرق من فرط العشق ونذوب مثل الزبد في بحرالعشق ال...
176K 8.6K 44
رواية حقيقية... بقلمي: ريحان محمد