زفير الروح (الجزء الثاني من أ...

By mamet_mo3az

13.5K 421 46

.. More

مقدمة الجزء الثاني
الأول
الثاني
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعه
الثامنة
التاسعة
العاشر
مش فصل
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٤
٢٤ الجزء الثاني
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠

٢٣

306 12 0
By mamet_mo3az

الفصل 23

الحاضر

" لا ....مش من زمان الى تعرفيه ....من زمان من أيام دروس الفيزياء و قلمك الأحمر الى بتحبيه و خطك على ورقى و اسمى الى كنت بأخترع حاجة تعصبك عشان تقوليه ....أنا عمرى ما حبيت حاجة ويوم ما حبيت حاجة مكنش ينفع أسيبها لغيرى ، هم عندهم كتير ...هو عنده كتير إنما أنا معنديش حاجة .....والى معندوش حاجة لازم تخاف منه ......ممكن يحرق المخازن فيتأجل الفرح شهرين ولو كان حصل كان حرق البلد كلها بالى فيها   .....ممكن يبعت رسالة لأبوه بأن ابنه مرفود فى الجامعة من سنين ويروح معاه الجامعة عشان يتأكد بنفسه ....أنا الى قطعت عنه البحر الى كان بيغرف منه من غير حساب و أنا الى كنت ورى طارده من شقة المعادى الى كان بيجيب فيها بنات لما خليت الحج يطب عليه فى وقت كنت عارف فيه أن معاه بنت ....أنا الى حاصرته فطلقك وهرب وأنا الى دفعت لكريم عشان يقولك أنه طلقك ويحذرك منه ....زينب ورقة الطلاق انتى وقعتيها على الأرض وأنا الى وصلتها للعتمانى واستنيت ....أستنيت تبقى ليا ، ورغم أن الطريق كان متمهد ومرسوم لكن لغاية أخر لحظة كنت خايف ...خايف أنك تبقى زى كل حاجة حواليا سراب وأنى بحفر حفرة محدش هيدفن فيها غيرى ......مكنتش مصدق نفسى النجمة الى فوق البعيدة ديه بقت ليا لغاية النهاردة بقوم من النوم عشان اتأكد أنك حقيقة مش مجرد حلم فقير "

كل ما كنت تظنه حقيقى كان مجرد كذب

مضى من الزمن ساعتان كانتا الأغرب والأكثر وجعا فى عمرها الملىء بالأوجاع

إذا كنت بالسذاجة الكافية لتتخيل أنك تعيش اللحظة الأسوء فى عمرك فإن الحياة كفيلة بأن تغير وجهة نظرك هذه .............

لقد أخبرها الرجل الذى تعشق أنه يحبها .......أخبرها بصدق وعينيه أصفى من نيل الفراعنة الذى كانوا يصدقون أن ينبع من بين أصابع الأله أنه يحبها قبل أن تدرك حتى .....

لم يكن زواجه منها غصبا ولم تكن يوما جبرا عليه .....لم تهدم حياته ولكنها كانت المسعى له والنهاية لكل طريق ....ما سبب هذا الألم إذن ؟

لماذا تشعر أن قلبها المريض غارق قاع بحر وأن النفس صعب المنال ؟

ما مصدر هذه الكآبة ؟

تعرف الأجابة عن السؤال  و هو ببساطة سؤال أخر صمتت عنه ولم تستطيع التلفظ به

سؤال إجابته مخيفة أكثر مما تعتقد ......

لماذا ؟ .........لماذا كل هذا ؟

..............................................

قبل أثنى عشر عاما بإحدى الأحياء القديمة فى القاهرة

كانت تنتفض من الغضب والغيظ ......جسدها ساخن كنهار يوليو وعينيها تحترق كبركان وهى تقف أمامه .....

هو البارد المتجمد كالصقيع يجلس على كرسى السفرة وأوراق دراسته قد نشرها على الطاولة الكبيرة أمامه بعد أن مدد ساقيه على كرسى أخر و أمامه طبق كبير من المقرمشات وزجاجة عصير كبيرة تكفى لوليمة ومن الخلف تغرد اسمهان بليالى "الأنس فى فينا " أمام هذه النافذة الكبيرة بينما نسمات الربيع تعبر المكان

كانت المرة العاشرة التى تنتهى فيها الأغنية ويعيدها مرة أخرى ليقطع دراسته فجأة وهو يصيح بصوته الرجولى فى مقطع ما و يكرره

صاحت أكثر من مرة باسمه ولكنه لم يجيب وعندما وقفت أمامه نظر إليها ثم عاد لأوراقه مرة أخرى ليرد بصوت منزعج

" جايب كيس برمى فيه قشر اللب ، الأغنية زهقتى منها بس معلش بكرة عندى امتحان وأبعدى عنى دلوقتى مش طايق اشوف وشك ،شايفك شيطان قدامى كان مال أهلى أنا ومال الجامعات والزفت على دماغك ...أنا راجل كسيب تاجر جنية يروح عشرة يرجعوا، هى فشخره على الفاضى وخلاص "

زمت شفتيها وهى تزوم على وشك الأنفجار فأشار إليها

"انفجرى هناك ....يالا امشى من هنا هرش ميه "

يبدو أنها وصلت فعلا لنقطة الأنفجار فصرخت بصوت وصل حتما إلى جيرانهم وهى تفتح كف يدها لتظهر شىء لم يلاحظه طوال الوقت

" ايه ده "

نظرة  لم تستمر أكثر من نصف ثانية وإجابه مملؤة بالملل

" سجاير ....ايه عمرك ما شوفتى سجاير قبل كده "

ضمت شفتها العليا ورفعت سيجارة مختلفة عن البقية فأستأنف هو رده وهو يفرقع أصابعه

"عارفة يا زوزة انتى محتاجة كورس إنحراف ،أنتى اصلا عندك استعداد فطرى محتاجين نثقله بالعلم و هتبقى أكبر معلمة فى الدرب الأحمر....ديه بقى سيجارة حشيش   "

شهقت برعب و صياحها هذه المرة أيقظ ياسين النائم

" حشيش ....انت بتشرب الزفت ده "

فأجابها هو بنظرة محذرة

" صوتك ما يعلاش فاهمة ...فى ايه مش بتاعى ، ديه علبة حسن نساها "

ضربت الطاولة أمامها

" انت بتشرب الزفت ده ....انا مش هقعد معاك يوم واحد لو كنت بتكدب "

رفع حاجبيه استخفافا بكلماتها ولم يحرك ساكنا ليرد

"بكدب ....وانا أكدب عليكى ليه بأخد مصروفى منك ولا مسكالى العصاية يا ابلة زوزه ....هو الهانم فيوزتها ضربت ونسيت مين راجل البيت ولا ايه ....قولنا سجاير حسن هكرر كلامى كام مرة ....انتى غبية ولا بتستغبى "

لقد نسيت أمر حسن تماما ، كان هنا بالأمس وسافر اليوم صباحا ووجدت العلبة وهى تقوم بتغير الملاءة ولكنها أبدا لم يخطر ببالها أنها لحسن الذى تعلم أنه يدخن من أكثر من عشرين عاما و السبب واضح .....أنه كانت تشك بطارق وما كانت تنتظره فقط هو دليل لتقيم عليه الحجه والبرهان الواضحين

تراجعت نبرة صوتها ولكنها كانت مصرة على الشجار و لا يلمع بعقلها سوى هدف واحد ستذهب إليها مهما كانت السبل

" أنا مش عايزة البتاع ده يدخل بيتى ....قول لأخوك يحترم حرمة البيت الى داخله "

هنا حقا بدأ فى التضايق منها و بالضجر أيضا

" حرمة ايه يا ماما ....حرمة ايه الى يحترمها هو جاب نسوان ....ديه سجارة يا أبله ، نفسين فى الهوا ...أنا فهمته بس ان يبعد عن العيال الى بتلعب ديه وخلاص عشان صدر ياسين والراجل أحترم عياه و مولعش خالص فى البيت و لا أحطلك نقطة تفتيش على أول القسم ....قصدى الشقة "

أشارت بأسبابتها إليه كأنما وجدت ضالتها البعيدة أكثر من مرة بتشنج و طرف أنفها يرتعش

" ده بالضبط الى بتكلم عنه .....ده الى هيجننى "

فأجابها هو بصوت واطى ورأسه عادت لأوراقه مرة أخرى

" أنتى مجنونة لوحدك هتجبيها فيا "

فتختنق هى مجيبة

" لا ....أنت الى هتجننى طريقة كلامك السوقية ديه و أسلوبك المنحدر و تشبيهاتك ......ده مش أسلوب ابدا طالب فى كلية سياسة وأقتصاد الأول على دفعته ابن عمد ، ده اسلوب بلطجى همجى، انت مش بتشوف نفسك لما بتحصل خناقة  بتبقى عامل ازاى ، قولى هيبقى منظرك ايه لو اتعورت فى وشك ولا جاتلك ضربة عملتلك عاهة مستديمة ....كله من الصحبة السيئة الى انت اتعرفت عليهم "

تثأب و فرد ذراعيه على أخرهم ليردد بصوت ناعس

" مش هنسيب الشقة هنا ونعزل المهندسين يا زينب ....الشقة الى فضيت فى العمارة هناك هأجرها بكرة بالكتير عقد خمس سنين و عندى الزبون الى هيشيل فأتهدى بقى و متحاوليش أنا المنظقة هنا مريحانى والصحبة الى مش عجباكى دول مكيفينى و بستريح معاهم عن العيال الملزقة بتاعت الجامعة ...هنا رجاله بسيب البيت وانا عارف ان ورايا ضهر ومحدش يستجرى يرفع عينه فيكى ، فاكرة لما كنت فى طرابلس و ياسين تعب بليل ألف واحد جرى معاكى أنما هناك يا قطة أنا مش شبه الناس و لا هبقى شبههم "

لم تكن لديها أيه مشكلة مع المنطقة الشعبية التى تعيش فيها ، قضت هنا أياما طويلة فى الجامعة قبل أن تنضم للمدينة الجامعية وفى أيام الأجازات عندما كانت مضطرة للمجىء للقاهرة .....الشقة واسعة جدا ومريحة ولكنه أستطاع أن يقلبها جحيما ....

لم تعرف متى و لا كيف استطاع وهو الطالب الجامعى الغنى أن يتسرب بين شقوق هذه المنطقة القديمة ليتعرف على أخطر من فيها لتصبح صحبته مجموعة من المسجلين خطر و الشباب فاقيدى الأهلية ، أصبحت لا تعرف النوم وكلما سمعت صوتا عالى فى الأسفل أرتعشت أصغر خلاياها وهى تدعوا الله أن يسلم وأن يكون فى أى مكان بعيدا عن البيت.....الأمر خطر ومربك جدا ....تحدثت مع عمها ووالدها وأخوته و لم تظفر بأى شىء حتى جاءت النجدة على يد هذه الشقة التى رحل عنها ساكنيها فأصبحت الأمل الذى تتمسك به للنجاه

وهى على يقين بأنها لا تملك على هذا الزوج دلال الحب لهذا لم تحاول استخدامه بل وتعمدت تجنبه حتى لا تحرج

كتف ذراعيه أمام صدره وهتف

" روحى أعمليلى قهوة زى الى بتعمليها لأبويا ...."

و أكمل بهمس لم يصل إليها

"أهو الواحد ما بيخدش منك غير زن حتى الدلع بيشحته شحاته  "

ليرفع صوته بصياح مرة أخرى

" لا يا زينب ....مش هنمشى ونسيب الخرابة ديه "

كان فى وادٍ أخر يظن أنها ستثور ككل ليلة ثم تصمت و تبتعد عنه ولم يعرف أن هذه المرة مختلفة إلا حين تكلمت بثقة وقوة

" أنا مش هقعد فى البيت ده ولا يوم تانى يا طارق هأخد العيال وأمشى ، عايز تقعد هنا أقعد براحتك "

و للمرة الأولى منذ بداية هذا الحوار يعطى بالا فعلا لما تقول .....نفض عن رأسه ما كان عالقا به و هو يرها تتدخل الغرفة فتحت باب دولابها بعصبية وأخذت تعد حقيبة سفر ولم يتحرك هو ....

كان يقف أمام الباب يشاهد ما تفعل وهو يحرك لسانه فى فمه بضجر واضح يخفى ورائه غضب جامح لا تستطيع عينه إخفاؤه و عندما غادرت غرفتهم الى غرفة أدهم وياسين وقبل أن تصل إلى الباب كانت قبضته تحكم على ذراعها  ليوقفها فهتفت بجنون

" سيبنى ....أنا همشى و هاخد ولادى  وانت لو عايزنا  و باقى علينا  يبقى ما نفضلش هنا يوم كمان"

لتأتى الإجابة بثبات

"بصى ما تقرفينش انا دماغى وجعانى لو عايزة تمشى امشى انتى عارفة طريق الباب بس يكون فى علمك لو خرجتى من هنا مش هترجعى تانى و مش هتشوفى ضافر عيل ...كده احنا على ميه بيضا يا تاخدينا شروه واحدة يا بنت الناس يا تسيبى مرة واحدة ...انا طول عمرى تاجر جمله ما ببعش قطاعى

هكذا ردد بقوة وهو يشهر أسلحته مرة واحدة فى وجهها لتجيب هى بقوة تماثله

" انت بتمسكنى من ايدى الى بتوجعنى بتهددنى بعيالى يا طارق"

أشار إلى نفسه و أجاب

" مين أنا ....أنا الى كل يوم معنديش غير حكاية واحدة بزن عليها لما كرهت الناس فى عيشتها و دلوقتى عايز أمشى ...انتى الى فاكره أن ليا دراع أتلوى منه ....لا يا ماما كان غيرك أشطر ....عايزة تمشى أتفضلى و بكره هجيب غيرك "

لم تدعه يكمل حواره ولم يصدق إلا حين سمع صوت الباب يغلق بقوة وهى ترحل .........

لن تنسى هذا اليوم ما حيت .....لن تنسى أنها لم تستطع  أن تغادر مدخل البيت و أنها وقفت منتظره أن يلحق بها ليوقفها ولكن هذا لم يحدث أبدا ......لن تنسى أن السيدة العجوز فى الدور الأرضى سحبتها من ملابسها لتدخلها بيتها رغما عنها و لن تنسى ما حيت أنها هى من عادت عندما دقت الساعة التاسعة و أصابتها رجفة وهى تتذكر جرعة الدواء المسائية لياسين ليقابلها هو بضحكة ساخرة و نظرة تقول

" كنت أعلم "

لم ترى بعدها شىء ...لم ترى كيف أنقلبت ضحكته لضحكة طفل عادت أمه بعد غياب تحمل الحلوى ولا كيف قفز من الأريكة ليضمها ولكنه قطع هذه الضمة ليعود إلى أوراقه يلتهمها سريعا ، لم يلاحظ حتى أنها جرت لتعطى ياسين الدواء فسعادة أخرى غمرته .....

جعلته يفتح باب الغرفة و يغمرها بعاطفة جائعة كانت تراها هى أنهزاما لكرامتها إلى حد حتى الرفض كانت تحسبه  حرية لا تستحقها فهى من أنكسرت وعادت بينما كان يعيش هو فى عالم الأحلام يسحق اللحظة فى رغبة ويميت الكلمات بصدقه ....

لم يكن هناك صوت سوى دقات قلبه المحاربة و لشغف لم تستطع العبارات أن تبرره ظنا منه أنها ستفهم ولم تفهم أبدا

سورا وراء سور ....مضروبة بينهم الحواجز

...............................................................................

النساء لا تنسى إلاهانة ولا تغفر للظلم

و اليوم وهى تجلس على الكرسى تتناول الطعام فى مائدة  تجلس عليها عائلتها ويرتفع صوته يملىء المكان تراه كبيرا كأسد وترى نفسها صغيره كفئرة مزعورة

سمعت صوت والدتها تتحدث

"الى واخد عقلك يا يتى يتهنى بيه "

ليرد طارق على الجانب الأخر

"متهنى بوجودك يا حماتى ...إلا هو الحمام الى انتى جيباه ده مش ناوية تقنعى بنتك تعمله ولا هتخللوه ، ده انا بقيت بفتح التلاجة اطمن عليه أكتر من عيالى ....الواحد حاسس انه هفتان كده و تعبان عايز حاجة ترم عضمه هاه ....سامعنى ولا عامل فيها سرحان ونرجع نشتكى .....مش معقول يعنى سجلك المشرف مفيهوش حاجة تشفعلك ولكل جواد كبوة ولا ايه يا خالد ما تقول حاجة بدل ما بتهز دماغك كده ، هو أخواتك راحوا فين و خدوا عبد الواحد معاهم؟"

رفع خالد كتفيه ليرد

"أنت قولت أن كالى الشيخ جايه عندنا نزلوا يستنوها ....ستجدهم بجوار بوابة المدينة

ابتسم طارق وسأله

" وانت منزلتش معاهم ليه ؟"

ليجيب خالد ببساطة

"جعان "

لم يكن الصبى ليجيب بإجابه تقنع طارق أكثر من هذه ليتفهم ما يقوله قلبا وقالبا

لمح طارق الفتاة التى كانت تختبأ و تظهر .....تلك الصغيرة

منذ متى ولديهم فتاة تقص شعرها كالذكور .....منذ متى ويدها مكسورة ؟

فناداها 

" هالة هاتى عايدة وتعالوا كلوا ....يا بنتى محدش بيتقمص على الأكل " 

رفعت الفتاة يدها السليمة وفمها مملوء بالطعام لتجيب

" مبقعدش مع الأشكال ديه بس بما أن الأشكال مشيت هاجى أكل معاكم "

رفع طارق حاجبا و فتح فمه مندهشا من كلماتها و جرأتها التى لم تكن تخطر بباله ولا حتى حركتها السريعة وهى تقفز لتجلس على الكرسى المجاور له وهى تفتح ساقيها و تمد يدها لتتناول الطعام من أمام طبق عمها الأمر الذى لا يستطيع إحتماله لينظر إليها نظرة صارمة

ويردد بحزم 

" لمى رجلك ....مبحبش القاعدة ديه خالص "

كانت الحاجة سليمة ستتدخل لتنهر الفتاة التى تعلم مدى عصيانها ولكن للعجب أنصاعت لكلمات عمها لتتعدل فى جلستها فيأتى أمر طارق التالى

" صوتك  لو خشنتيه تانى هخرسك .....قويلى حاضر  كده برقة  زى البنات  "

أبتلعت هالة ريقها ولم تجيبه بينما ألتفت زينب إليهم لتنطق بكلماتها الأولى منذ جلست

" سيب البنت فى حالها يا طارق ....انت بتعلمها ايه بالضبط "

ليرد هو بجدية 

" مش سايب ......أنا اصلا مبحبش دلع البنات "

وتغيرت نبرته بسرعة  إلى أخرى رنانة وهو يميل رأسه لينظر إلى هالة عن قرب

" أنا بعشقه .....انتى بقى الى جايه معايا الجامعه صح ؟"

هزت هالة رأسها نافية و أجابت

" عايدة هى الى رايحة الجامعة ....أنا هالة "

كانت نبرتها هذه المرة مغايرة تماما كأنما أنقلبت مرة واحدة الأمر الذى أثار غيرة زينب و استغرابها فى آن واحد ....غيرة لا تملك فيها يد تجاه أيه تاء مربوطة تقترب منه ليكمل هو بنظرة تفاخر و غمزة وتعليق

" كله بالحنية بيفك "

و لم تكن هى لتتركه يهنأ بسعادة اللحظة لتجيب وهى تستقيم واقفة بهمس ضعيف يتسلل بعضه إليه ليصرخ عدة مرات وهى تختفى خلف باب غرفتهم وتغلقه بالمفتاح

.........................................................................................

و قبالة البوابة كان أدهم و عبد الواحد وياسين يتبادلون حوارا ليس له أهمية فى الواقع و قد نسوا السبب الذى جعلهم يغادرون طاولة الطعام حتى أن هذه السيارة التى وقفت أمام البوابة لم تلفت أنتباههم ولا هذا الشاب الذى خرج منها ولا حتى متى دنى منهم و تحديقه بهم ليسأل

" ده بيت طارق العتمانى "

ليجيب عبد الواحد بمزاح وهو يشير إلى أدهم

" أه بيت طارق العتمانى و انت جاعد معاه شخصيا "

لا يحتاج الأمر إلى قريحة متقدة ليعرف أحمد طارق أن الفتى المشار إليه بالتأكيد من كان هدف كالى ....مائة بالمائة ذوقها .....

بشرته السمراء وعينه الرمادية جسده الرياضى الذى يعطيك أنطباع أنه أكبر من عمره ولكن عينيه فيهما براءه طفل  لا يمكن أن تزيد عمره عن سبعة عشر عاما وهى بالتأكيد لن تهتم ....يحتقر نفسه ويحتقرها

الآن فقط ينتابه شعور بالغثيان لا يستطيع أن يحتمله ....شعورا ظهر عليه جليا ليأخذ ياسين بيده ويجلسه بجوارهم فى ألفه و ترحاب وخوف لا يتماشى مع ماتربى عليه كطفل مدينة يخاف من الأغراب ولا يفتح بابه لأحد و لكنه تيقن أن كالى ليست مناسبة له حتى لو امتلكت قلبه فلن تمتلك عقله

......................................................................................

و فى الأعلى هناك  كانت قد حسمت أمرها وشدت الرحال

فلن تكون بعد اليوم ضحية فلقد ملت دورها و جاءت

زينب الجديدة

زينب التى عادت من تحت الأنقاض ..........عادت بلا هوادة أو رحمة

زينب التى ضاعت بين ظنها بكذب عترافه أو حتى صدقه فلن تعوض كلمة سنوات كان يتلذذ بتعذيبها وهو يكرر على مسامعها أنه تزوجها غصبا و قهرا  ....قامت العنقاء من رقادها لتنناول الهاتف الذى يرن منذ فترة وتجيب على العتمانى المتصل

" كيفيك يا عمى ....عامل ايا "

فيأتى صوت الرجل قويا

" انتى الى فيكى ايا يا بتى ....صوتك متغير ليه ....ليكون الدكتور طارق مزعلك "

أخذت نفسا  لتجيب قد بدأت فى النحيب بقوة

"مزعلنى يا عمى ....مزعلنى كلمة قليلة أوى على الى فيا ....طارق أتجوز يا أبوى ....ولدك جابلى ضرة ....مرة صاحبه ....بت صغيرة وعفية كيف الطاحونة قال ايه عايز يتكفل عياله و يرد جميله .....هو ما ينفعش يرد الجميل ده غير بالجواز ....ما استحملتش يا عمى و خدتها وطبيت ساكته ....هموت ولدك هيموتنى ....هى ديه وصية أبويا ليك "

هل جربت يوما غدر البحر ؟

هذا الهادىء الذى قيلت فيه الأشعار ورويت عنه الروايات ....هذا الكامن فى أحشائه الدر

هل رأيته يوما يبتلع سفينه كانت تختال عليه بداخله فى لحظة كأنها لم توجد يوما .....

إذا لم تراه فلا داعى للعجلة ..........هناك طريقة لتحضيره فى المنزل

أحضر فتاة شابة يافعة ذات قلب صدمته الحياة مرة أو أثنين على الأقل حتى تصبح ثقتها بنفسها منعدمة أو شبه منعمدمة ثم أجعلها ترى الأمل فيك بعد ظلام ........

إعطها أمانا و أجعله مشروطا

إعطها حبا و أجعله رهين رغبة

إعطها إهتماما وأجعله مؤقت

ضعها دوما على حافة الخطر وأجعلها دوما الخاطئة ظنا منك أنك تحكم السيطرة عليها وأنها لن تفلت أبدا من براثنك

ثم وبعد أن تهلك تحت عجلات الزمن والقلق والخوف الدائم ....بعد أن يقتل العطش جسدها  أعلمها أنك كنت تخفى الماء خوفا عليها من الغرق 

وأنظر ما النتيجة ............

ضرب العتمانى عصاه على الأرض عدة مرات و نيران الرجل الثمانينى قد تخطت حدود السماء ....لأول مرة يكون ضياع بصره سجن يقيده و ضعف حركته جور من الزمان

" لا عاش ولا كان ابدا يا بتى "

شهقت وأكملت

" أعمل ايه يا ابا لو فتحت خشمى هيجولى سيبى العيلة وأرجعى دار ابوكى و هيجيب الجديدة تجعد فى دارى و تربى عيالى ، أكمنى مرضانه ....ياخدنى لحم ويرمينى عضم "

هاج العتمانى وأجاب

" مين ده الى يرميكى يا بتى ....ده الى وصله بعد فضل ربنا عليا أنتى السبب فيه .....لولاكى كان زمانه لساته بيشتغل فى المحل ويأخد أجره و بيت مين الى تسبيه لو فتح حنكه معاكى أرميله هدومه بره ....الأرض والدار دارك ورب الكعبة ما يهوب ناحيتها ولا يعتبها برجليه ......هيطلجها ....النهاردة مش هتنامى غير وهو رامى اليمين عليها ومبجاش العتمانى لو مجبتلكيش حقك "

بعد بكاء منها وتهدئه منها أغلقت زينب الهاتف لتجلس على الأرض هذه المرة وهى تمسح دمعها الذى أغرق وجهها وتضحك فهى وحدها تعرف من يكون العتمانى

.............................................................................................

وليس ببعيد فى غرفة البنات كانت هالة تمشط شعرها و تبتسم متذكرة كلمات عمها لتلمع فى رأسها فكرة غريبة تتنازل بسهولة لتلقيها على سمع أختها الواقفة بالنافذة تشاهد هذا الضيف المتأنق فى ملابسه و المهندم الجالس مع أولاد عمها وعمها والذى تطلع إلى النافذة و ابتسم لها عدة مرات فخفق قلبها لأول مرة وشعورا جديدا كحلوى العيد يجتاحها

" عايدة ...........لو عمى عرف أن ابنه غلط معايا هيجوزهونى غصب عنه صح "

Continue Reading

You'll Also Like

3.1M 85.9K 64
عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ، فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ، أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أ...
1M 60.6K 62
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.
34.7M 2M 57
غرفة مظلمة صراخ لا يعلم سببه ما بعد سكون الجميع يظهر وجعه هي فقط تستطيع ان تسمعه وتتسأل من هذا ومن ذا الذي يعذبه يتناثر فضولها للمعرفه تخطئ بالسير نح...
2.5M 158K 41
في مَنتـصفُ كائنات الصَفاء كَانت هناك قواريرُ ابريَاء لكل مَنهم جَانبً يشـعَ كـ الهلالِ شعورهم بلأمان أصبح كـ خيـالِ.. حاربُ!! لتنجو، لتثبت أنك قوي...