زفير الروح (الجزء الثاني من أ...

By mamet_mo3az

13.5K 421 46

.. More

مقدمة الجزء الثاني
الأول
الثاني
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعه
الثامنة
التاسعة
العاشر
مش فصل
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٤ الجزء الثاني
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠

٢٠

373 14 6
By mamet_mo3az

الفصل العشرون

فى بيت طارق فى أحدى التجمعات الجديدة

كانت تنام على جنبها ونظراتها مثبته نحو مرآه الدولاب بجوارها لا ترى انعكاس صورتها الماثلة أمامها لأنها غارقة فى عالم تناطح فيه ذكريات الماضى الحاضر بقوة وحتى أنه يستهلك عقلها

مشاهد تبدو وكأنها من المستقبل لم تحدث بعد ربما خيال ينشط فى لحظات ليرسم ملامح لمستقبل لا تعرف إذا كتب لها أن تكون جزء منه أم لا ....ظاهرة عقليه غريبة تلك التى تجعلك تشعر أن ما يحدث أمامك الآن قد كنت شاهدته من قبل وعلى الرغم من وجود تفسير طبى له كخلل إلا أن اللغز الأكبر هو يقينك بأنك ترى شيئا لم يحدث بعد وكأنه مسافر خصصيا لك

شعرت به يقفز على السرير بجوارها محدثا جلبه وصخب و براءة فى الجو جعتلها تعرف صاحبها دون أن تراه أو حتى تسمع صوته ......

أمال رأسه ليتطلع فى وجهها مباشرة وهو يردد بسعادة

"أنتى صاحية صح "

هزت رأسها مجيبة ليستقيم فوق السرير ويعبر جسدها بخطوه واسعة لينام على ذراعها الذى  فردته له ليقابلها بجسده الضعيف

"انا عايز بدلة سودا و جزمة سودا جديدة "

رفعت حاجبا مستفسرة فأجاب خالد

"عشان ألبسها يوم  فرحى "

أبتسمت زينب ومسحت وجهه بكفها لتجيب بسعادة

" أحلى و أغلى بدلة لأحلى عريس فى الدنيا كلها ....هو أنا أفديك الساعة لما أجيب لخلوده بدله فرحه يارب أعيش وأشوف اليوم ده وأنا هعملك فرح مصر كلها تحكى عنه"

يبدو أنه لم يتوقع هذه الأجابة المشجعة التى أعترتها مشاعر الشجن وأكمل بنفس نبرته الحماسية

"ماما ....أنا لو خفت بليل ينفع أجى أنام معاكى "

انكمشت ملامح زينب بشكل مضحك كأنما أصابها مغص مفاجىء لتجيب بعد أن لوت فمها للأتجاه الأخر

" بص يا بنى ...أنتى حبيبى والله و أنا ميفرقش معايا بس بالله عليك ما تقول لروقة الأقتراح العسلية ده ....الراجل مصايب الدنيا فوق دماغه لو سمعها منك أحتمال يطب ساكت ، الحاجات ديه بتحز فى نفسيته جامد وهو وراه قسط المدرسة الأخير، هيموت مننا كده "

هز رأسه بتفهم و بعقلانية كأنما أحكم فهم الأمر و بدا وكأنه مشغول البال بأمور أكبر بكثير ليسأل بعد أن سكت ثوانى على حين فجأة

"طيب أنتى هتخطبلى عايدة وهالة أمتى "

هل طال المرض أذنها أيضا ، ربما تأثر سمعها بعد كل هذا لتردد ببلاهة

" بتقول إيه يا حبيبى "

ليجيب حبيبها ببساطة

" بابا قال أنتى الى بتخطبى وأنا عايزك تخطبلى هالة وعايدة عشان أتجوزهم "

حسنا هناك خبران أحداهما جيد والأخر سىء ....

أما الجيد فإن أذنها وبفضل الله لازالت تعمل

والسىء أن الكون كله من حولها لا يعمل

تأكدت للمرة الثالثة لعلها لم تفهم !!!!

"عايدة وهالة الأتنين مرة واحدة "

ليجيب خالد بمنطقية شديدة

" لا كل واحدة منهم يوم ....ازاى يعنى مع بعض "

ضربته زينب على كتفه ورددت بغل

"عادل ياولا ....عادل وحقانى ، ماسك وزارة الحقانية بحالها ، عرق العتامنة نقح بدرى بدرى "

أكملت صياحها بغل وهى تمسك بذراعه مدعيه أنها تريد عضه

" أتنين يا ابن طارق ....صحيح لو أنت الى مجولتش إكده هيقولولى جبتيه منين يا زينب واكل ناسه ده "

الصبى لم يفهم ما تقوله أمه لأنه أخذ فى الضحك  فقد غيرت رأيها بدلا من عضه إلى دغتغته  وهو ينكمش على نفسه بينما لم تتوقف عن الغل الذى تقذفه من فمها

" حنين أوى يا واد و بترد جميل صاحبك .....و بتخلى بالك من مراته ....يا أخى الرحمة

كفى بيتك الأول هاه ..كفى بيتك الأول وبعد كده اتنيل .....أبعدى عنى ورايا مذاكرة ....مش دلوقتى ورايا شغل ...معلش مسافر اذربيجان، ايه اذربيجان ديه فين يعنى ، لما  الناس يسألونى فين جوزك أقولهم راح بتنجان، بقى بزمتك يا شيخ انت تعرف عنه أكتر منه أنه بيتحشى و يتخلل ..عارف لو قربتلها هعمل فيك إيه هحولك بتنجانه سودا معفنة أنت فاهم "

هز الفتى رأسه بتفهم بعد أن أحمر وجهه ودمعت عينه من الضحك  وحاول التحدث

" مش هكلمهم خلاص .....انا مش عايز ابقى بتنجانة "

توقفت زينب للحظة لتنظر له من علوها بعد أعتلته لتكمل مهمتها فى دغتغه  لتتسأل

" مش هتكلم مين ؟"

ليجيب خالد ببرأة

"عايدة وهالة  مش هكلمهم تانى  ....أنا مش بحب البنتجان "

امسكت زينب بوجنتيه تعتصر خديه بين أصابعها وهى تردد

" مش بتكلم عليك أنت .....الجواز ده حاجة كده زى الجامعة ينفع أنت دلوقتى قبل ما تخلص مدرسة تتدخل الجامعة ، لازم تخلص كل كتب المدرسة وتنجح فيها عشان تقدر تدخل الجامعة وتفهم كمان ....لازم تكبر الأول عشان تعقل كده وتشيل فكرة الجواز ديه من دماغك خالص "

أنهت كلماتها وقبلته بشدة وفى اللحظة التى رفعت قبضتها عن الفتى طار من تحتها  ، ضربت زينب كفا بكف وهى تضحك رغما عنها عندما سمعت أمها بالخارج تصرخ

" بتجرى ليا فى البيت إكده يا ود ....هتلزنى فى سكتك يا ابن عود الجصب"

لم تعرف بماذا أجاب جدته فما شغلها هو تحوله من "زعزوعة " إلى "عود " ؟!!!

الأيام تمر وما كان بالأمس مستحيل أصبح اليوم ممكنا .......

" خليكى طول النهار نايمة و الراجل ياجى من برة ما يلاجيش لقمة نضيفة ولا هدمه "

مسحت زينب وجهها دون رد فتقدمت سليمة بخطواتها البطيئة وجسدها الممتلىء لتجلس بجوارها على السرير  و أستغفرت بصوت عالى ووجهها الغاضب أستحال إلى أخر حزين وربتت على ظهر أبنتها ثم أخذت تردد بصوت متألم

"عانوكى يا بتى والله ...عين وصابتك يا سمرا ، ده أنا كلمتلك الشيخ يعقوب يعملك حجاب وصاية "

وجهت زينب نظرة محذرة إلى أمها قابلتها الأم بأخرى مهددة ونبرة الحزن و الحنان فى كلماتها تلاشت تماما

"هأسلت يدى أنا و أتفرج على بيتك وهو بيخرب لما التانية تجيب عيل ورا التانى ، متبصليش كأنك رايده تموتينى ، أوعى تكونى مفكرة يا بنت العتمانى أن الكلام الى جوزك جاله هيجدر ينفذه صوح ....ديه مرته يا حبيبة ليها فيه  زى الى ليك بالتمام، والكلام الى بيجوله ده مايدخلش دماغ عيل صغتر .... يبجى راجلها و عرض الباب داخل خارج وهو الى  بيوكل عيالها و تسيبه ، ياك تكونى مصدجة بحديت طارق أنها مديونة و صاحب الدين مش عاتقها لوجه الله ....

ده مكر حريم اسألينى أنا.... لا فى دين ولا يحزنون يوم فى التانى ... تجيب الواد وتلزق زى الجرادة ما تطلعش غير بالدم وانتى ما مجصراش فى حاجة فاتحها الباب على البحرى، تدلع و توكل وتشرب و لا مفكراشى حكاية جوزك مع نجوى "

هل أصابت سليمة وجهتها ؟

نعم ......

أجابت زينب وهى تنتفض واقفة

" الى حوصل ده فات عليه زمن و طارق كان صغير والكل خابر أنها كانت بتلف حواليه  و أنا جولتلك من بدرى مش عايزة البت ديه تانى فى الدار خليها تشتغل فى بيت الغربة و أول ما رجعت لقيتها قاعدة و مربعة ، متجوزة ومعاها عيلة وتتمسخر فى الكلام و تجوله ازايك يا سيدى ،جاها حش فى مصارينها "

لترد سليمة بنبرة هادئة راغبة فى إغاظة زينب أكثر

" و انا امشيها تروح الغربة ليا والبت نفعانى وهو يعنى جوزك رجله رايحه جايه علينا ...أنا جولت كلمتى و عقلك فى رأسك تعرفى خلاصك "

أكملت جملتها وهى تستند على عصاها لتغادر الغرفة وبداخلها ابتسامة تتسع بعد ان ألتقطت أنفها رائحة الأحتراق المنبعثة من أبنتها التى أخذت تدور حول نفسها حرفيا كقط حبس فى قفص صغير لتمسك بهاتفها و تضغط على اسمه بنفاذ صبر

" أنت فين ؟"

أجابها بسؤال

" أنتى الى فين ....فى حاجة ؟"

كلماته التى نطقها بعجل جعلتها تدرك ما قامت به و ما جعلته يعانيه لتتراجع عن غضبها

ليس كثيرا على كل حال ............

" أنا كويسة والولاد كمان الحمد لله ...أنا بسأل عليك عشان اتأخرت "

يبدو أن الأجابة أقنعته ومع ذلك سألها مرة أخرى

"انتى متأكده ان مفيش حاجة "

أرتفعت حدة صوتها و نبرة مغايرة إجتاحتها لتجيب

" والله العظيم ما فى حاجة ....أجيب مصحف أحلفلك عليه و بعدين مش سألتك أنت فين"

جلس على كرسى مكتبه مرة أخرى و أبعد الهاتف عن أذنه ليتطلع إليه بتعجب ووضعه مرة أخرى بحذر

" أنتى بتزعقى ليه ...يعنى هكون فين لابس مايوه وقاعد على البحر"

عضت إصباعها تكتم صرخه وأجابت 

" مش بعيد ....ليه لا يعنى "

قرب حاجبيه وهو يبتسم مجيبا

"كنت خايف ما أسمعش صوتك تانى و مش هتصدقى وحشانى ازاى "

دائما ما تفاجئك الحياة مهما كنت على قدر من الذكاء وأعتقدت أن لديك الحيطة والحذر الكاملين فإنها وفى كل مرة تستطيع أن ثبت لك أن لا دخل لك فى كل ما يدور حولك و أنك عاجز لا عن إستيعاب  الحياة ولكن حتى عن فهم أبسط الأمور وأكثرها تعقيدا

"نفسك "

هل صدمها سؤاله ؟ لتجيب بنفس مختنق وصوت مبحوح

" أنا "

أم أنها لم تصدق يوما أن ما بينهم حقيقى ....

و أنها تستحق السعادة ....تستحق الحب ...

تستحق الحياة ....

لعل إجابته الساخرة التى جاءتها وهو يريح ظهره على الكرسى إلى الخلف بينما يحرك القلم بروية بين إصبعيه

" هو مش حضرتك زينب العتمانى ولا النمرة غلط "

لم تجيب فقد شردت بعيدا عنه فيه .وأجابت بداخلها دون أن تنطق بإجابه فعلا

نبرة صوته الهادئة مخيفة ....بالنسبة لزوجة تعرف زوجها كما تعرف كف يدها فالأمر مخيف ، و تبريراته بداخلها مرعبة تغير نبرته وهدوءه لا يشى أبدا بخير خاصة إذا كان يبحث عن ضالة قد يفنى حياته ليسلب حياتها .......

امرأة عاقلة بداخلها تتسأل .......هل وصل لماجد ؟

و أخرى بسيطة ترتبك و تحمر خجلا تضرب بمقدمة حذائها الأرض وتنفرج شفتيها قليلا

الأثنتان يتجاذبان الحبل بداخلها ...........

ليكون النصر فى النهاية للبسيطة ، للمرأة العاطفية فى أصلها .... حيث تراجعت زينب لتجلس على الأرض وتضم ركبتيها إلى صدرها و تتسأل فى خفر كأنما فتاة وقعت فى الحب لأول مرة

" وحشتك بجد "

ليجيب بنبرة منخفضة

"أنتى وحشانى على طول  بس يمكن المرادى مختلفة شوية ....أنا بفكر أكتبلك جواب "

لترد بحزن

"لا يا عم شكرا مش عايزة منك جوابات "

فيتسأل هو

" ليه يا زوزو ده أنا خطى حلو ....وممكن أكتبلك بيتين شعر للنزار يالا إن شا الله ما حد حوش "

أخذت نفس ثم زفرته على مهل ودمعة تسقط من عينها

" أنا لا أحبك...لقد تزوجتك فقط لأجل أبى........ لا تضعى قلماولا تصوبى حرفا....فأنا لا أحبك ....لا أحبك"

لم يتمالك نفسه وسقط فى موجة ضحك عنيفة قابلتها إنهمار الدمع من عينها و أخذ بعدها وقتا ليفيق من السكرة التى سقط فيها لتتقطع الكلمات على لسانه

" أنتى يا مصيبة ......ايه الهباب الى طفح فى وشى ده ...انتى مخبية السواد ده كله جواكى بتحطليه نفتلين ولا سيباه يعفن كده ....داهية لتكونى لسه بتفكرى فيه "

وبالتأكيد لم يسمع رد لأنها أغلقت الهاتف بوجهه لتتمتم وهى تجهش بالبكاء

"هتفضل طول عمرك حيوان يا طارق .... ما بتعرفش تتكلم ولا تحس "

أنارت شاشة الهاتف بأسمه وقبل ان تسمح له بالكلام هتفت بحنق وهى تجيب

" بيت صاحبك ده ما تدخلهوش و لو على الفلوس انا هتفق معاها نتقابل مرة فى الشهر أديها الى هى عايزاه ....شهرين يا طارق تخلص دينها ورحمة أبويا فى قبره لو ما رميت عليها يمين طلاق بالتلاتة لأمشى وأسيب البيت ومش هتعرفلى طريق ، لو عندك وقت وصحة  روح شوف ابوك فى البلد ...بر أبوك عشان عيالك يبروك ....الراجل بيتصل يسأل عليك كل يوم ، مش فراغة عين هى  "

وللمرة الثانية تغلق الهاتف بوجهه دون  أن تنتظر رد و تنكمش على نفسها فى السرير مرة لتضع تساؤل أكبر ........

هل ما حدث معها منذ أيام على يد ماجد  و اليمين الذى ألقاه عليها طارق قد أطلقت بداخلها زينب أخرى لا تملك شيئا لتخسره بعد أن كسرت الأصنام بداخلها واحدا بعد الأخر ؟

...................

لم يصدق ما سمع ......تطلع فى الهاتف لدقيقة كاملة دون أن يفهم

نعم كلماته كانت حادة قليلة، لم يقصدها بهذا الشكل ولكنه لم يتوقع أبدا أن تظل محتفظة طوال هذه السنوات بذكرى هذا الجواب .....كان الأمر فوق احتماله أن يسمعها وهى تردد ما فيه بصوت حزين وتأثر مبالغ فيه وكأنها تقرأ حقيقة .......

شهدها ذكية ، لماحة تستنبط منه مالم يقله ، تلحظ خلجاته وسكناته حتى أنه يكاد يقسم أنها عرفت أنه و قبل مكالمتها بقليل توصل إلى طريقة لإخراج "ماجد " من جحره ......

الأمر الذى جعله يتنفس الصعداء لأول مرة من فترة طويلة ....يعلم انه لا يزال يحيا نفس الكابوس ويعيش فيه  فهذه الغصة مازالت عالقة بحلقة  و لن يستريح قبل أن يره جثة هامدة أمام عينه و أن تصل إلى نقطة البداية إنجاز فى حد ذاته بالنسبة لشخص يلف حول نفسه فى دوائر مفرغة

هل حقا تركت كل ما هم فيه و الجرح الذى أصاب علاقتهم فى مقتل قبل عدة أيام و تخطت محاولته البائسة لأستعادة لحظة ساكنة بينهم  لتغضب بسبب زواجه ؟

ألم يكن إصطحابه لها وهو على علم بمرضها إلى المشفى فى منتصف الليل ليوضح لها طبيعة العلاقة بينه وبين هذه المرأة وأستحالت أن يربطهم أى شىء  كافية ؟

لقد خاطر بأن تتحدث تلك المرأة عن ماضيه أمامها رغم كونه حذرها من فتح فمها أكثر من مرة ولكنه تاجر تعلم أنه كلما زادت حجم المخاطرة زاد حجم الربح

فلماذا لم تفلح هذه المرة ........لماذا لم يفلح الأمر معها على أى حال وبأى شكل ؟

عقله الذى أخذ الصداع يضربه مرة أخرى فطن إلى العديد من الامور و حاول الجمع بين الشتات فى منطقة واحدة دون أن يعى حقيقة  الأمر  أبدا كالطالب الذى يرى السؤال سهل يسير أمام عينه ولكن عقله يأبى دون أن يجعله سؤالا ملحميا يحمل لغزا من ألغاز الكون وضع لعرقله حياته ولكشف مستوى ذكاؤه وعبقريته

والأجابه ها هنا تصرخ يا غبى

" إنها تغااااااااااااار "

جمع الأوراق التى أمامه على عجل وهو يقرر العودة إلى المنزل ليرى ما بها و ليجرى عدة إتصالات لا يستطيع أن يجريها فى مكتبه لعلمه أن هناك جهاز تنصت وضعته كالى الشيخ بداخل علبة الحلوى أمام مكتبه .....

نظر إلى العلبة وزم شفتيه دون أن يحرك ساكنا فأخر ما يمكن أن يفكر فيه كالى وغبائها الآن

....................................................................................

و فى البيت بعد ساعة وصل ليجدها نائمة فى البداية ظنها تدعى النوم ولكنه تأكد  من الامر بنفسه ........

هذا الدواء لعنة ، كلما أخذته تغيب عن الوعى و تنام دون أن تشعر بالليل أو النهار ....تضيع منها الساعات ، يفكر فى الأتصال بالطبيب لوقفه أو إيجاد بديل له يجعلها تحيا قليلا معهم

نزل على ركبتيه ليواجهها وهمس

"زينب ....زينب ....أنتى بتنامى بس لما أبقى موجود فى البيت و بتصحى لما أمشى ، أصحى فى موضوع تافه مالوش لازمة مش عايز أتكلم معاكى فيه "

حك أرنبة أنفها بإمتعاض وردد بسخط محافظا على نبرة صوته الضعيفة جدا كأنما يحدث نفسه

"قلبك أسود أوى و بتخزنى حاجات غريبة ......عدى كام سنه عليه ده و قولتلك كام مرة بعدها أنا محدش يقدر يغصبنى على حاجة مش عايزها ....هانت يا زينب ، باين النهاية قربت"

طبع قبلة على رأسها جعلته يسخر من نفسه و لأستدراك الأمر  طبع أخرى سريعة على شفتها ليقف بعدها ويغادر إلى غرفة مكتبه ، ليعكف على عمله مرة أخرى معتزلا العالم فى الخارج و بحالة إغماء عقليه تشبه تلك الجسدية التى تحياها زوجته

.............................................................

كانت قد أشرفت على الثامنة مساء عندما أرتبكت أجواء البيت بصورة  غير متوقعه على يد زائر ..... إنه عبد الواحد خطيب عايدة.....

الشاب الذى أختفت خطيبته قبل موعد كتب الكتاب بإيام و بعدها مرضت عمته ، مرض كاد أن يفتك بها ولم يحرك هذا فيه ساكنا  أو هكذا أعتقد الجميع...

كان يقف فى منتصف الصالة فى الطابق الثانى يمد يده بالسلام لأدهم  الذى رحب به بشدة وكرم الضيافه يجرى فى عروقه  ولا يد له فيه ، فى الواقع لم يكن هذا هو الترحيب الوحيد الذى لاقاه الشاب فجدته أيضا رحبت به وسألته عن كل من فى البلدة كأنها تركتهم منذ دهر ثم نادت

" يا هالة .......حضرى الوكل لعبد الواحد يا بت "

لم يستطع عبد الواحد أن يجيب و لا أيا منهم فى الحقيقة لأن هالة أقتحمت المكان بسرعة كأنها ظهرت من العدم لتصرخ

" أنت ايه الى جابك إهنه ....ياكش تكون جاى وراها ، مش عايزاك يا أخى أنت ايه معندكش دم ....هو البعيد معمول من ايه  ، أختى هتخش الجامعة وهتبجى سفيرة أد الدنيا مش زيك يا فاشل يا ساقط"

وبالتأكيد لم تستطع أن تكمل جملتها لأن ياسين قد سحبها من ذراعها السليم للخلف ليبعدها عن يد أدهم التى كانت بشكل أو اخر كانت ستستقر على ذراعها المكسور بعد أن تغضن وجهه وهو يرى ضيفه يسود وجهه ويقف فى حرج

ليصرخ

" أدخلى  جوه بدل ما أكسرلك أيدك التانية ....أنتى فاهمة "

لتجابهه هى وقد أتخذت من ظهر ياسين درع واقى لها ...ياسين الذى لم يكن راضى أو لنقل كان غاضبا مما تقول ولكنه عجز الحركة خوفا أن يضربها أدهم فعلا

"جاى تتشطر عليا ، على فكرة بقى  الى بتدافع عنه ده أبوه حاطط عينه على ورث أمك وقال لياسين انتوا مالكوش فى الأرض وسيبوها ....شوف بجى مين معاك ومين عليك "

..........................

كان طارق بالأسفل قد بدأ يتسلل إليه بعض الأصوات المرتفعة فأمسك بمقدمة رأسه و تطلع إلى السقف

منذ عدة أيام وهو يحيا ببيبت يسكنه ستة أطفال ، أن تسمع بعض الصراخ أو الشجار فهو أمر عادى جدا يجب أن تتكيف معه بشكل أو أخر و يعجز عن تنبأ كيف ستكون حياته بعد ذلك إذا أحتفظ بالفتاتين فى بيته ، لم يخبر أدهم وياسين برغبته فى خطبة هالة و عايدة لأنه لم يجد الوقت الكافى لذلك ومع هذا فقبل خروجه للعمل فى الصباح أخبرهم وفى عجالة أنه من سيتزوج من بنات حسن سيصبح أبنه المدلل و له ما يريد

هل ظنوه يمزح حينها لأن أدهم أخذ يضحك وكذلك ياسين ولعل الوجه الجدى الوحيد حصل عليه من خالد !!!!!!!!

شخصا ما يحاول فتح الباب ولا يعرف .....قصير لا يصل إلى المقبض

رسم الأبتسامة على وجهه فهى بالتأكيد نور ....قرر أن يتركها حتى تنادى عليه عندما تفقد الأمل ولكن الباب فتح بعدها ففتح عينه بسعادة ظنا منه أنها أستطاعت فتحه ولكنه تبين بعدها أنها كانت بصحبة خالد الذى أسرع وعلى وجهه إثارة وفرح يردد

" فى خناقة كبيرة جدااا فوق......لازم تطلع "

مد طارق ذراعه وأمسك بالصغيرة ليجلسها على حجره وهو يتسأل بجدية

" انت عايزينى أسكتهم يعنى"

هز خالد رأسه نافيا

" لا لا ....أنا أريدك أن تسرع وإلا ستفوتك المشاهدة "

ولم يترك له خالد فرصة فقد جذبه من يده مرددا بحرارة

"هيا يا أبى ....قبل أن يتوقفوا .......أسرررررررررررع "

ضحك طارق وأستقام وهو يحمل الصغيرة ولكن مع تقدمه خطوات إلى الخارج  رأى عبد الواحد الذى كان ينزل على السلالام سريعا ويلحق به أدهم محاولا إيقافه موجها كلماته لوالده

" بابا ده عايز يمشى وهو زعلان ..."

فأنزل الفتاة و بعد أن أصبح وجهه جادا وأقرب للغضب ليقترب من الشاب  الذى ألقى تحيه سريعة  وهو ينظر إلى الأرض

" أزيك يا عمى "

لم تعجب التحية طارق الذى وقف أمامه وضربه بقبضته على كتفه ضربه أوعجته دون أن يصرح بها

" هو أنت خليت فيها عمى ....مش الى يجى يسأل على عمه بردوا ويسلم عليه الأول "

شعر عبد الواحد بحرج شديد

" أصل يا عمى ...."

دفعه طارق وهو يشير برأسه إلى الأعلى

" خلاص من غير أصل ولا فصل ، أطلع غير الى لابسه ده وأتغدى وسلم على عمتك "

أراد أن يعترض ولكن طارق لم يسمح له بكلمة وهو يدفعه إلى السلم ......وعندما وصل للأعلى وجد هالة تبكى بينما توبخها عايدة بقسوة .......

عايدة تشبه والدتها إلى حد كبير .....تلك المرأة التى رحلت فى يوم وليلة ولم تنظر للخلف

أعاد النظر فى وجه عبد الواحد ، شاب فى الثالثة والعشرين من عمره ، ملامحه عادية ، مليحة إلى حد ما و جسده بدين ممتلىء جدا ....

منذ وقعت عينه عليه وعرف أنه الأختيار الأسوء لعايدة ....يدرك وجه نظر أخيه الذى يخشى زواج الفتيات من خارج الدار و يتفهمها ولكن هذا الفتى طيب جدا و كالعجين فى يد والده وكأنه صدى صوت لزيد الذى كانت ولاتزال بينهم مصانع الحداد

أرتبكت الفتاتان عند رؤيتهم لعمهم وخاصة بعد أمر الجدة بإعداد الشاى وتسخين الطعام فتحركت عايدة  وكادت تتعثر فى مشيتها فأمسك بها عبد الواحد ولتحافظ على إتزانها ضغطت على قدمه التى يعانى فيها من عرجه بسيطه تحتاج إلى تركيز شديد لتلحظها أو أن يكون لك عم كطارق يعرف بأمر هذه القدم منذ كنت طفلا .............

أردف الشاب بعدها بصوت غير ثابت ووجه محمر

" أنتى كويسة ...."

فردت وهى تعتدل سريعا بكلمات لم يتبينها طارق لأنه أنشغل بأمر اللمعة فى عين عبد الواحد ليزفر  بتعب و هو يتحرك بعصبية فى إتجاه غرفته وزينب  ليصيح  بينما يفتح باب الغرفة

"زينب ....زينب أصحى لو سمحتى "

ردت بإرهاق وهى تفتح عينها بصعوبة

" بحاول ....بحاول أصحى  ....سامعة صوت زعيق ومش قادرة أفتح عينى الولاد بيتخانقوا صح"

ليهتف وهو يغلق الباب

" أطلعى ...أطلعى اتفرجى على المشهد الزبالة الى بره ده ، لما هى مش عايزة أهله توافق ليه وتعشمه ...هى قلوب الناس لعبة فى أيديكم  ، أعمل ايه انا دلوقتى كنت فاكر أنه هو كمان مش عايزها أنما كده أنا مش عارف أهبب ايه ...هو انا مش بطيق  أبوه و بستغلس أهله بس مهما كان أنا مرضهاش لأبنى "

رمشت بعينها  و أجابت وهى تلوح بيدها فى الهواء

" أنا مش فاهمة حاجة ....مين دول ؟"

ليرد طارق بحذر

" أنا عايز أخطب هالة وعايدة لياسين وأدهم "

...............................................................................

لم يكن أدهم قد غادر الطابق الأرضى ليلحق بهم فى الأعلى حين رن جرس الباب فتوجه لفتحه وهو يردد بحنق

" أما نشوف البلاو..."

ولم يكمل .........لم يكمل حقا .......

رغم أننا شارفنا على التاسعة مساء إلا أنه شعر أن الشمس أشرقت من جديد أو ربما القمر هبط من السماء ووقف أمام بيتهم .....ربما هذا البيت ليس سيئا إلى هذه الدرجة ....

لا إنه رائع .....

صوت ملائكى بلهجة بريطانية جذابة ردد

"  هذا بيت البروفيسور طارق ...أليس كذلك ؟"

طارق ....من طارق ؟

سمع هذا الأسم قبل ذلك فهز أدهم رأسه بنعم ألف مرة كالكلب الذى يوضع على مقدمة السيارات للزينة ليتوقف بعدها ويردد بهيام

" نعم ....أنه بيت طارق .....إن الدنيا صغيرة حقا فها نحن قد تقابلنا مرة أخرى ، لم أظن أننا قد نلتقى مرة أخرى بعد هذه الليلة فى فيغاس "

الجملة التى سمعتها كالى من فتى أسمر الوجه و له أعين رمادية يقاربها فى الطول وذو جسد رياضى جعلت رعشة تسرى بجسدها كامل ونبرتها ترتجف

"أنت ابن طارق ؟"

فعادت رأس الكلب لتهتز مرة أخرى وهذه المرة وهو يمد يده ليسلم عليها وبالتأكيد سيطبع قبلة على جبينها الأيمن و لن يترك الأيسر  ليحزن  وهو يهمس

"أنت جميلة دوما " .

ليتركها تحيا اسوء ثوانى عمرها بعد أن فهمت تصرفاته ونبرته بشكل مغاير تماما

لتهمس فى رعب

" ماذا ...ماذا ....اللعنة "

لم يفهم أدهم و استدارت لتجز على أسنانها وتضرب الأرض بحنق وهى توبخ نفسها

" أيتها الحقيرة ........نمتى مع ابن طارق ...أنتظرى حتى يعرف والده"

................................................

فى العتمانية

فى الحاضر .......

أمام تلك النقطة الغير ظاهرة ....فى هذه الأرض التى تتشرب المآسى كما تتشرب  الاسفنجة الماء ، فتحت نجوى باب الغرفة النائية فى بيت العتامنة الجديد وهى تلهث مرددة بلهجة واقعة بين الإثارة والتشفى

"الحاج عايزك تحت ....صبيحة معاه "

كانت تريد أن تقص الأمر منذ البداية ....تحكى عن الطرقات القوية على البوابة الحديدية  بعد المغرب عندما جن جنون المرأة التى لم تجد أحد يستجيب  و يفتح لها نتيجة خوفهم من سليمة التى أعطت الأوامر بعدم دخولها الى الدار .....

بالأمس  أخبرتها أن زينب مريضة  وأن أمها " سليمة" قد سافرت إلى القاهرة  و لم تتوقع منها أبدا أن تكون بهذا الجنون لتأتى إلى بيت العتامنة فورا بعدها  ولكن صبيحة يمكنك أن تتوقع منها كل شىء و قبل قليل نادها العتمانى الكبير لتجلب الحاجة سعاد لتكون الطرف الثالث فى هذا التجمع الغريب

الحاج يريد أن يجمع بين زوجتيه .....يثير الأمر فى نفسها خليطا من التشفى والإستغراب لهذا الرجل الذى بلغ من العمر أرذله ولازال بداخله رمقا  حتى يضع ضرتين فى غرفة ليشاهد شجارهم و نزاعهم عليه

الجميع يحكى أنه كان زير نساء خالص حتى جاءت صبيحة ورحلت و بعدها لم يقترب العتمانى من امرأة حتى سعاد نفسها التى حتى اليوم لازالت زوجته  أمام الناس ، الجميع تحت سقف هذا البيت  يعلم أن الفراق بينهم قد حدث منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما .......

أعتمدت على صمت هذه المرأة وأعتربته موافقة على أمر العتمانى ثم قامت بدفع كرسيها المتحرك بسرعة لم تع أنها كانت نابعة من داخلها

وأمام بوابة الغرفة أمرها العتمانى أن تخرج فتلكأت قليلا وأنتظرت أن تدير صبيحة جسدها حتى على سبيل الفضول لترى القادمة من الخلف أو لتستشف من نظراتها الهدف وراء قدومها الآن ولكنها لم تنالها ،فصبيحة كانت موجهة بجسدها كله للعتمانى الذى أستدار رأسه تلقائيا نحو سعاد على كرسيها و بأمر أخر أضطرت إلى الخروج وإغلاق الباب ولكنها لم تتحرك من جواره

فى الداخل سادت لحظات صمت طويلة قطعتها صبيحة

" أنا عايزة عنوان أبنى فى مصر يا حج "

فرفعت سعاد رأسها لترد بحدة

" مالك ومال طارق "

هل يمكن لمن ألقى الحطب فى النار أن يسأل لماذا أزدادت جذوتها ؟

" أبنى ....عايزة أشوف أبنى هو أنتى ايه ...مصنوعة من ايه ....لا مرض نافع ولا موت محوق فيكى ، لسه معرفتيش أن كل الى أنتى فيه ده غضب من ربنا وأنتقام من الى عملتيه فيا وفى غيرى....حتى طارق كمان عايزاة مش مكفيكى كل الى خدتيه منى عايزة أبنى "

أنكمش وجه سعاد لتتجمع تجاعيده و تنقبض فى ألم وهى تجيب

" أحنا جفلنا على الى حوصل زمان يا صبيحة .....الحديت بجى ملوش طعم و أبنك أنتى الى ضعيتيه من يدك وهو دلوكيت بخير مع مرته وولاده "

ردت صبيحة نافية

" لا ....أنا مش بخير ، عايزة أشوفه وأملى عينى منه "

قاطع العتمانى هذا الحديث النسائى المبتذل والذى سئمه من قبل أن يبدأ وهو يضرب عصاه فى الأرض مرة واحدة جابرا إياهم على السكوت برهبة كانت ولا زالت الأقوى تأثيرا على قلوب العتامنة ليتحدث بصوته العالى الأجش الباقى بعد جسد بلى ونظر ذهب

" كلمة واحدة ومش هاعيدها ......واحدة فيكم تحكى لطارق "

وقعها فى البداية على الآذان كان يحمل أستفهاما والأصح عدم فهم مالبث أن قذف حمما من فوه بركان كان خامدا لسنوات طوال حتى ظن أصحابه أنه مات .....تبادلت صبيحة وسعاد نظرات رعب

لتردد سعاد برجاء

" أستهدى بالله ياحج ....نحكى إيا ، الى حصل ده هنأخده معانا القبر ...صوح يا صبيحة "

ألتفت بنظراتها ترجو أن تؤيدها صبيحة التى شعرت بأن السجادة تسحب من تحت قدمها بعد أن حاولت لسنوات تعلم الوقوف عليها

" أنا طارق مبيقوليش يا أما ....إجا وراح من غير ما يسلم عليا ، هو كده كده بيكرهنى  أروح أقوله أنه ابن حرام  و أنك مش أبوه ، ليه ليه يا ناس بتعملوا فيا كده "

هزت سعاد رأسها بأستنكار وأجابت بحدة

" أسكتى يا مرة ....محدش هيجول حاجة ...طارق عتمانى ، أبنك يا حج وكلامك ده كلياته ما يتبعش ولا يشترى "

حرك الشيخ الكبير العصا بين يديه و هو يرد بسخرية

" بتردى على كلمتى يا سعاد و بترفعى حسك كمانى والله زمان ، باينكم نسيتوا أنا مين صوح ....ده أمر مش طلب ، أنا مش هموت و حمل زى ده شايله على كتفى .....أنا عايزه لما أموت يغسلنى ويشيل كفنى وهو عارف أنا مين "

صاحت صبيحة وهى تتفتت كالشظايا وقلبها يمزق بين أنياب أسد جائع

" لو حد لازم يقوله يا عتمانى يبقى هو ....هو الى يقوله....أبوه هو الى يحكيله يا عتمانى ، هو الى يقوله ظلمتونى واذيتونى ازاى ، ليه أشيل أنا الهم كله على راسى ....أنا كنت عيلة صغيرة ، هو الى يقوله مين الى كان السبب فى قهرتى"

لم تنتظر صبيحة أكثر من ذلك ...القناع الذى كانت ترتديه سنوات حتى أصبح هو و كيانها واحد سقط مع أول دمعاتها وهى تفتح الباب وتغادر بيت العتامنة باكية و الجرح يظهر للسائر فى الظلام جديدا ، عمقيا كأنه طعنة لم يفت عليها لحظات .....

عمر مضى و الزمن يأخذها للخلف بسرعةكأنما أنزلقت من أعلى سفح جبل إلى الأسفل

صبية بتفتح جسدها و قلبها للحياة لأول مرة ....

إلى أول حب وأول عاطفة وأول لمسة ....

الى الخطيئة الأولى ....إلى أكل التفاحة المحرمة

إلى القطمة الاولى التى تهاوى بعدها العالم الذى تعرفه ، جردها ما يسترها وتركها للعراء

إلى الأنتظار فى محطة القطار لساعات طويلة لتلمح طيف العربة التى حملته بعيدا ،

إلى الرائحة التى تشتمها لليوم الذى سيصل فيها إلى البلدة

إلى ضحكاته العالية عندما يسخر منها لعجزها عن القراءة و صعوبة نطقها

إلى كفه الكبيرة التى يضعها على فمه ليمنع ضحكته عندما تدعى الغضب منه لأستهزائه بها إلى إستكمال ما تفعل

إلى لوح الشكولاته الذى أعطاه لها عندما أستطاعت أن تكتب جملة كاملة دون لحن ....

إلى غيرتها من تلك الصغيرة التى يقولون  أنه سيتزوجها عندما تكبر

الى  وعد  أخذته على نفسها  أن تكرهها طوال حياتها حتى بعد أن جعلتها تنظر فى عين ولد يحمل هيبة العتمانى وعشق من ملك القلب لمرة واحدة وأنتهى الامر بعده

حتى بعد غدره و هروبه لم تستطع أن تكرهه ولا أن تنتزع حبه الذى تأصل بداخلها جزعا وفروعا .....

أدعت أنها كانت تنتقم وفى الحقيقة ما فعلت ما فعلت إلا حبا لأن يبقى أثره حاملا إسمه ، فى بيته

تكره العتمانية وتكره اسمه وتعشقه و تعشق كل ماله صله بالعتمانية وبه

لم يستطع رجلا أخر أن يقترب منها كما أقترب هو ....تزوجت بعده ست مرات ولم يصل رجل إلى قلبها و كأنه أنفصل عن جسدها وغادر معه ......

ولكنها لن تسمح لهذا أن يحدث مرة أخرى ....طارق سيبتعد عن سمرا اليوم أو غدا لا محالة وسيعرف أنه لن يجد فى هذا العالم من يحبه أكثر منها .....هى أمه

كما و فعلتها لأول مرة عندما شعرت بركلته فى داخلها....هذا الطارق الصغير جعلها تحطم العتامنة مرة وإلى الأبد دون حتى أن تلتفت إلى أثر ما فعلت ولن تفكر يوما

كانوا يستحقون .....الجميع يستحق ما نالوه على يدها !!!

عندما كانت تمتلك الصحة والجمال، و الحياة بكل متعها كانت رهن إشارة من أصبعها لم تترد فيما فعلت واليوم وهى لا تملك شىء لتخسره لن تتردد لحظة

كم تبقى من العمر أصلا ليصبح السجن مكانا تتجنه لو كان ثمنا لأن تريح أبنها الشاب من جنون رجل  أعمى أشرف على الثمانين من العمر ؟

Continue Reading

You'll Also Like

237K 11.3K 44
فتاه يتيمه الاب والام تمت تربيتها عند عمها اخ اباها ولكن بوسط الكره والحقد تذهب أسيرة إلى داع١١ هل يا ترى يأتي شخص ويخرجها من هل عذاب؟ ام القدر لها ق...
700K 28.3K 45
مراهقه دفعها فضولها للتعرف على الشخص الخطأ وتنقلب حياتها بسبب هذا الفضول.
206K 9.2K 39
_هلي أحن أليكم ثم أتذكر أنكم ظلمتوني فأصمت وجعآ _ماكنت أحسب هلي يرجون لي ألمآ لاكن رموني بسهمآ هد أركاني *********** _هل انته عوضي عن كل أحساس وحش حس...
34.6M 2M 57
غرفة مظلمة صراخ لا يعلم سببه ما بعد سكون الجميع يظهر وجعه هي فقط تستطيع ان تسمعه وتتسأل من هذا ومن ذا الذي يعذبه يتناثر فضولها للمعرفه تخطئ بالسير نح...