زفير الروح (الجزء الثاني من أ...

By mamet_mo3az

13.6K 421 46

.. More

مقدمة الجزء الثاني
الأول
الثاني
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعه
الثامنة
التاسعة
العاشر
مش فصل
١١
١٢
١٣
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٤ الجزء الثاني
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠

١٤

505 16 0
By mamet_mo3az


بالمشفى قبل بضع ساعات
من أشهر ما قال العراب أن القشة لا تقصم ظهر البعير ولكنها الضربات المتلاحقة  التى تفتته وفى النهاية تنال القشة شرف إنهاء حياة البعير
يقولون إن النهايات أخلاق و عندما تسأل عن الأخلاق يجيبك البعض هى المساحة التى لا تصلها القوانين لحماية الحقوق والدفاع عن الواجبات ، هى النزعة نحو الصلاح النابعة من الداخل والتى لا تشرف عليها جهات خارجية ولا تحميها سوى نزعتك نحو الخير
إذن هى قماشة مطاطة جدا ووحدك من تستطيع قصها والأصعب وحدك من تستطيع حياكتها
ومن هنا تبقى الأخلاق التى يلقى إليها بمسؤولية جعل النهايات قابلة للبلع مختلفة ومتابينة وفى بعض الأوقات هشة ولا تستطيع الصمود ومع هذا لا يمكنك أبدا ترك النهايات دون أن تلحقها بشىء ..........
ربما لأن نهاية قصة هى بداية أخرى أو لأنه لا نهاية حقيقة تقتطع حياة شخص سوى نهاية حياته ...........
زينب التى يخفت ضوئها كمصباح أوشك على الأحتراق .....زينب التى قادت سيارة التضحيات دون فرامل  على الطريق السريع ليلا فأصبح أمر إصطدامها حتمى و المسألة مسألة وقت ، كانت قد أستنفزت ذخائرها ورقدت بين دفتى أبيض ، تحتك بالحياة والموت على حد سواء
فتتساوى أمامك كل الألوان لا مفضل ولا مكره و يصبح إغلاق العين فى حد ذاته دون ألم نعمة ...........
سألت أدهم بوهن " البنات ...البنات يا أدهم "
فأجابها   بسرعة " أنا مستعد أحلف أنهم كويسين ....أنا مالحقتكيش ولا عرفت أوقف خالد لما سمع كلام بابا بيقولى عمى كان بيقوله إيه ......أنا بكلم هالة على حسابها وقالتالى إن عايدة مش عايزة لا تتخطب وعندها مشاكل فى الجامعة وأحتمال كبير يكونوا سافروا أسكندرية عن أهل مامتها "
ردت زينب بنفس ضعيف " عندى نمرتهم ، أتصل بيهم  ....رقمهم فى نوت بوك هتلقيه فى شنطتى "
هذه المرة أجابها طارق " هيعرفوها أكيد .....الصبح مش هيجى إن شاء الله  غير ومكانهم معروف حسن عنده عيون فى كل مكان .....المهم إنتى حاسه بإيه دلوقتى ....كويسة"
صمتت زينب ولم ترد فى تجاهل حتى مع مرضها واضح كالشمس
ليتقدم طارق من سريرها ويسأل "مالك ....ما بترديش عليا ليه "
فهزت رأسها نافية بلا إجابة واضحة فسأل مرة أخرى
"فى إيه ؟"
ليجيب أدهم " إنها مريضة يا أبى ماذا هناك ؟......سأذهب للأتصال بياسين "
نظر إلى والدته بتوسل وهو يحرك جفنيه يداعبها
" سأذهب هل يمكنكِ الأهتمام بطارق ريثما أعود ،أنتى بالتأكيد تعرفين أن التعامل مع الأولاد صعب فى هذه الأيام "
أحتاج طارق لحظات ليفهم ما يقوله أدهم فما كان جوابه إلا أن خلع خفه المنزلى الذى كان يرتديه و ألقاه عليه وهو يصيح
" أمشى يا ابن ***** متورنيش وش أهلك هنا "
قفز أدهم متجنبا السهم المتجه نحوه وألقى قبله فى الهواء لزينب التى رفعت يدها الحرة لتقبض عليها وتقبل كفها المضومة بعنين ألتمتعت بهما دمعة خفيفة .........
تحرك نصايتها طارق الذى همس فوق وجهها
" مالك ....."
كلمة واحدة فتحت بوابة الأوجاع .....أفلتت الجمل من عقاله و أنطلق فى فلاة ليس لها نهاية
والدمعة العالقة فى عينها سقطت
فأدارات رأسها إلى الجانب الأخر وحاولت التقلب على جنبها تبغى الهرب ، أمسك بذقنها وثبت خصرها يمنعها من الألتفات لتقابل عينه رغما ويرى الألم والوجع   متوحدين صفا يمنعه من السقوط فيها أعمق  .....سور عازل بين دولتين كانتا يوما أرض واحدة .....
" أنتى زعلانة منى ....طيب فهمنى يا زينب أنا غلطت فى أيه "
لم تجيبه ....والحزن يقتسم ملامحه على وجهها والأجابة ضعيفة
" أمشى يا طارق ..."
حدق بها  و سأل ببلاهة كطفل فقد قدرته على الأستدراك
" أروح فين ....."
عضت على شفتها السفلى وأرتجفت دون أن تجيب فردد هو بصوت مرتجف
"جاوبنى أروح فين .....لو من الأول عازينى أمشى ليه اخدتينى ....أنا مليش مكان وأنتى عارفة أنى ماليش مكان ليه بتظلمينى "
ردت بعدها والدموع قد بللت شفتيها وصوتها الضعيف ضعف أكثر
" أنا  تعبت "
لم يحتمل جملتها فأشار إلى نفسه بإستغراب " منى .....تعبتى منى ....أنا مقرف أنا عارف ، مقرف وعصبى ومجنون وقليل الأدب بس بحبك مش كفاية...."
مسح وجهها وجهه سريعا ورددا مغلقا باب
"خلاص متعيطيش تانى و ياريت متفكريش فى أى حاجة لما نخرج من هنا نبقى نتخانق براحتنا ....وأطردينى يا ستى براحتك ، هو حد يطول يطرد بس أخرك يومين كده وتعالى رجعينى بقا "
ردت بعصبية
" طارق أنت ليه مش عايز تفهمنى ؟....ليه مش حاسس أن كل حاجة بتضيع ......أنا حاسة أن المرة ديه مختلقة ...."
أنكسرت وأنهار السد لتغرق المياه المخزنة  خلفه الأرض وتبتلع الوادى سهلا والناس والبيوت جملة حاولت أن تسند رأسها وأن ترفع جسدها لتقابله وصوتها بكى قبل قلبها
"خلى بالك من الولاد ....صغيرين أوى يا طارق ، ما تبعتهمش البلد أبوس أيدك هم مش شبها و لا يقدروا يعيشوا فيها .....نور غالية عليك صح أنا عارفة بس خلى بالك من خالد و ياسين "
كمم فمها بيده وأسند بالأخرى كتفها وأجاب بحدة
" أنا مش هخلى بالى من حد ...أنتى فاهمة ....انتى الى هتخلى بالك منهم ومنى ، أنا راجل ضايع  .....واجهه نضيفة لمحل خربان ووسخ  تقرف تحط رجلك فيه بس أنتى مقرفتيش ولا بعدتى ولا خوفتى ، كنت فاكر إنى جاى الدنيا ديه كلب فى الشارع هموت على الطريق والناس يادوب هترمى جتتى على جنب مش رحمة بيا لا عشان ما أقرفهمش بمنظرى و ربنا بعتك ليا ، كرم والله يا زينب عمرك لا هتفهميه ولا حتى هتحسيه ....بقى عندى بيت وولاد ، دنيا تانى .....ما تحملنيش فوق طاقتى ....ما تطلبيش منى أعيش بعدك "
طبع قبلة طويلة على جبينها  وأبعد يده فقطع حبل الكلام من منبعه ......عينه التى دمعتا كانتا أبلغ من كل ما قال ......أعادها إلى مكانها ودثرها بالغطاء وهو يتكلم بفرحه مصطنعة لا تتلاءم وروحه التى تضطرب فى القاع بينما تحاول هى ألتقاط أنفاسها بصعوبة
"الدكتور بيقول أن فى إضطراب فى ضربات القلب عندك حتى قلبك مجنون زيك.....بس أنا لو راجل بجد كنت ظبطه على دقة واحدة "
قاطعتهم الممرضة الكبيرة فى العمر بإبتسامة كبيرة ونظرة حنان تستأذن لتتابع المحلول المعلق وتضيف إليه دواء أخر وهى تردد 
" أحنا بقينا حلويين خالص ما شاء الله ....أنا خوفت والله يحصلك حاجة والأستاذ يموتنا "
نظرت لطارق  وأشارت بيدها
" بص مراتك بقيت زى الفل أهى فممكن متزعلش منى يعنى أنا عندى ولد فى سنك ، الفانلة الى أنت لبساها بالشقلوب ديه لو ناوى تعدلها فالحمام وراك .... الكروكس بتاعك أنا لقيته فى الممر و تليفونك  لقوه فى الأستقبال وأديته لأبنك  "
ثم نظرت لزينب وهمست
"مشكلتك على فكرة .....جوزك على ما تعوديه وأنتى شكلك مدلعاه جامد "
صاح طارق من الخلف "أنا سامعك على فكرة و خليكى محضر خير  ، أنا عندى حما واحدة ومش عارف أخلص منها"
أبتسمت زينب وهى تتابع الحوار الذى تصاعد بين طارق والممرضة التى  يبدوأنها أحبته من أول نظرة ولكنها لم تستطيع أن تتجاوب معه فمحاولة طارق إنهاء الحوار لم ينهيه من داخلها ولم تستطيع التخلص منه ، فعند مرحلة ما لا يصبح التجاهل ممكنا كحل ولا الهروب كطريقة للنجاة .......فالمواجهه تفرض نفسها كالشمس ولا ينكرها إلا مختل

سحب طارق الكرسى وقربه ليجلس بجوار سرير زينب  وهو يردد بينما يتابع خروج الممرضة وهى تستغفر بصوت عالى
" أنا بخلى الناس تأخد حسنات أو سيئات حسب نيتهم ، شكلها ست طيبة ......"
حركت عينها ورددت بصعوبة
" أنت ايه الى لابسه ده ....فى دكتور ينزل من بيته كده "
أجابها وهو يحرك كتفيه بإستهجان
" لا طبعا مينفعش كان لازم أدخل أخد شور وألبس بدله بقى وتكونى أنتى فطستى بردوا   أسهل صح ....أنا قولتلهم فى البلد على فكرة أنك تعبتى وأديتلهم اسم المستشفى يالا ربنا  يكون فى عونهم "
أنتفضت زينب لتجيب
"حرام عليك أمى تعبانة والعتمانى  مكنش ليه لازمة "
وضع طارق ساقا على أخرى وأجاب بتكبر لا يليق بمنظره العام كأنما هارب من عنبر الحالات الخاصة
" انا قولتلهم ما يقولوش للعتمانى ويقولوا لأمك بس ، ديه صحتها عفيه أكتر منى ومنك ومن فريق الملاكمة بتاع أبنك كله "
وضعت زينب يدها على رأسها
" أنا مش هرد ....أنا فى المستفى أروح فين تانى .....المرحلة الجاية على الحوش "
أنزل طارق ساقه وأجاب بسرعة "بعد الشر عليكى  ما تقوليش كده ، يا تقولى كلام حلو يا تخرسى خالص "
صمتت زينب مختارة إجابته الأخرى ........صمتت لوقت غير معلوم حتى برز أدهم وهو يدفع باب الغرفة مرددا بوجه أصفر
" عايدة وهالة عندنا فى البيت "
أنتفض طارق منتصبا  وأجاب " أزاى يعنى "
فمد أدهم الهاتف لوالده الذى ألتقطه مجيبا " ألو "
لتأتيه إجابة ياسين من الإتجاه الأخر
"ماما عاملة أيه "
- " فى نعمة يا ياسين والله .....الحمد لله ، الدكتور بيقول محتاج شوية إختبارات تانى وأنا مستنيه ....عايدة وهالة عندك بجد "
فرد ياسين " أنهم فى الخارج ....كما قال أدهم لقد جاءوا فارين من والدهم ، لقد أتصلت بى خالتى زهرة وقالت إنهم سيصلوا بعد اذان الظهر "
حمل نفسه وتحرك إلى الخارج ليجيبه بحرية
" لا تخبرهم إن أحد قادم ....و أحرص على آلا يعرفن هذا أبدا ....ولا تأتى بإحداهن يا ياسين أنا لا أريد رؤيتهم أمامى الآن ، أخفهم عنى "
أجابه من الطرف الأخر
" سأفعل لا تقلق .....ولكن أرجوك أعتنى بأمى ولا تجعل أدهم يتعبها ، أعرف أنه لا يهدأ إلا بعد أن يسمع صوتها ولكنه يبالغ فى هذا الأمر "
ألتف طارق ليواجهه الباب و تابع أدهم الذى لم يجلس على الكرسى ولكنه أستدار ليجلس على طرف الأخر للسرير وضع يده على كاحلها من فوق الغطاء وأستطاع رؤية شفتى زينب تتحركان فعلا فعرف أنها تتحدث معه فوضع طارق أصبعه على فمه لكى تصمت و الأغرب أنها استجابت فعلا .............
أغلق الهاتف مع ياسين وهو يبحث عن أخر

" أهلا يا حسن ......بناتك عندى لو عايز تيجى تأخدهم يبقى تيجى  قبل الفجر ....لو الفجر أذن ومجيتش يبقى مالكش بنات عندى ومتسألش هوديهم فين "
جاءه رد حسن من الجانب الأخر بلهفة وقوة
"عنديك ......البنته عنديك يعنى أنت خابر أنهم جاينلك "
رد طارق ببرود  " فوق معايا يا حسن .....أنا مراتى لما سمعت الى حصل ما عرفتش تصلب طولها لو عارف هيكون ده حالنا "
سمع الصوت الصارخ من الجانب الأخر " والله لأقطع خبرهم .....هشيل حسهم من الدنيا خالص  وأيه تعالى جبل الفجرية ديه بتتشرط عليا يا ود أبوى ولا أكمن البنته حطوا راسى فى الطين ...هأخد طيارة وأجيلك جبل الفجرية "
أجابه طارق بثبات " مفيش طيارة خارجة فى المعاد ده ، بدل ما تدور على الفاضى و مضطر أقفل معاك دلوقتى عشان الدكتور عايزينى "
أغلق طارق الهاتف بعدها مباشرة  دون أن ينتظر رد من يعرف أنه يحترق على الجانب الأخر ، لا طائرة ......
البديل ليصل قبل الفجر هو عفريت سيدنا سليمان عليه السلام الذى عرض على النبى الكريم أن يأتى بعرش بلقيس قبل أن يقوم من مقامه ........

هربوا من أهل البلد ولكن البلد كلها قررت أن تتبعهم ......يعرف أنه لن يحل الصباح حتى يأتى كل أخوة زينب وسيمرون فى البداية على بيته ليجدوا الفتيات هناك ......

هو من كان يعتقد أنه سىء الحظ .....عايدة وهالة حظهم قد فاقه بمراحل وهنا لم يحتمل فضحك وهو  يمسك بالعمود المجاور له ونظر إلى سريرها فوجدها تنظر له
تتابعه رغم إنشغاله .....تللك الغبية التى تريد إقصاءه عن عالمها ....تفكر فى الموت ، ترعبه أم تريد الإنتقام منه فى جميع الحالات نجحت ، نجحت فى جعله يعترف بما يدور بداخله ، تمرض هى لحظة ويتألم هو كل لحظة .........

إن تعلقه بها مرضى وهو على علم تام بذلك .....تعلق  تجاوز الحب منذ زمن إلى منطقة لا يريد أن يعترف بها حتى بينه وبين نفسه ولمحاولة إخفاء ضعفه ألبس تصرفاته لباس القوة فبدى رغم كل شىء مهلل وزائف كقلبه تماما الذى لا يهدأ ربما هو من يعانى من أضطراب وليس هى .....
نظر إلى هاتفه الذى يرن مرة أخرى وبالتأكيد حسن على الجانب الأخر سيجن ....
.لا يصدق أنه مازال لا يرى فى العالم سوى نفسه ومشاكله إلى اليوم .....سيعطى الهاتف لأدهم
و يتجه إلى غرفة الطبيب ليعلم أكثر عن حالة زينب
..............................................................................................
بالعتمانية قبل أكثر من ستة عشر عاما ............
كانت زينب ممدة على السرير ....بخير ....بخير تماما .....
تشعر بأنها بصحة جيدة بعض الصداع فقط  يصيب رأسها وبإستثناء ذلك هى بأفضل صحة ، تشعر بطاقة غريبة ورغبة فى الجرى كطفلة رأت الحقول الحضراء لأول مرة
كانت أمها وزهرة و دعاء زوجة حسن بجوارها....أمها التى تجلس على رأسها تردد بصوت عالى مغلقة العين بينما تمرر يدها على رأس زينب وجسدها تمسدها
"يا عين يا عنية ....يا خان يا ردية لا تخونيها فى المال ولا فى الذرية .....عظمتك بالله وعظمة الله القوية "
حاولت زينب إبعاد أمها مرددة بقوة
"أباى بعدى يدك ديه عنى ، جتتى بتتلبش "
ضغطت سليمة على فكها وهى تفتح عين فقط دون الأخر لتقرص زينب فى فخذها حتى تصمت فصرخت الأخرى ولم تهتم المرأة المقتنعة تمام الأعتقاد أن ما يحدث لأبنتها خيار من أثنين إما حسد أو سحر وربما الأثنين معا وعادت تردد
"أخرجى منها لا تضايقها من شعر رأسها لا تنحليه ....من بين عضيماتها لا تكسريها ، زى ما خرجت الشعره من العجين ....زى ما خرج الميت من على الحصير "
قاطع تكملة سليمة لما تقول طرقات على الباب و صوت طارق
"معايا الدكتور "
فجأة أنفض الجميع من حولها يبحثون عن غطاء لرأسهم ووردت سليمة بصوت عالى
"أدخل يا طارق "
فتح الباب ودخل طارق بينما تحاول زينب جذب طرف حجابها الذى كانت تضغط عليه زهرة فلم تلحظ الأخرى وفأضطرت أن تدفعها بعيدا وصمت حل على المكان مع دخول هذا الشاب فى مقتبل العمر ، نحيف جدا ولديه نظارات كبيرة ، يتثأب ويدعك عينيه من النوم لا يمشى بل يجر قدميه جرا و لا يبدوا مستوعبا للمكان الذى فيه ولا حتى الزمان كأنه لازال ممددا على سريره
سأل طارق بوهن " هى فين المريضة "
فأجابه وهويشير إلى زينب
" الى نايمة على السرير "
نظر إليه الطبيب نظرة تشمله من رأسه حتى قدمه وردد بخمول
"الى زقت البت وقعتها على الأرض ......حسبى الله ونعم الوكيل فيك وفى بلدك وفى كلية الطب وفيا ، تعالى شوفلى مكان فى بيتكوا ده عايز أنام "
تثأب الطبيب مرة أخرى وأنتقلت العدوى إلى زهرة التى قلدته بينما صرخ طارق
"لازمته إيه الحسبنة على المسا كده .....فوق ولا أعملك قهوة "
أجابة الطبيب بفرحة
" لا ما بشربش قهوة ، عندكوا نسكافيه ، ياريت لو فى مج وبلاك "
مصمصت سليمة وهى تحرك فمها يمينا ويسارا حسرة على "مجايب " زوج أبنتها لتردد
بتقريع مؤلم
" كل شئ يجي من الصعيد مليح إلا رجلتها والريح.....هى ديه ما جيبك يا جوز البت....وجال سبع الليل جاب العربية فى الضلمة وهو مفتح فى النور أهوه وبدل ما يجيب الدكتور جاب عيان وجه"
ثم نظرت إلى الطبيب ورددت " أسفين ياولدى صحيناك من نومتك ربنا يتم شفاك على خير "
رفع الطبيب يده مستسلما كأنما وجد الفرج ورد
"ربنا يكرمك يا حجة والله ...سلام "
تحرط الطبيب ليخرج ولكنه وجد نفسه يسحب من ياقة قميصه إلى الداخل و طارق يتحدث بإنعدام صبر
" أنت رايح فين ....بقولك أغمى عليها و معرفتش أفوقها ....إكشف عليها وأديها دوا يخليها تخف ومتتعبش تانى وأنا هخليك تطلع تنام فى أوضة لوحدك و بكره هجيبلك النسكافية الى أنت عايزة على الوحدة "
نظر إليه الطبيب من أسفل النظارة وأجاب
"طيب سيب ياقة القميص ....أنا ابن ناس و عندى أهل بردوا "
تركه طارق  وأشار لزهرة لتبتعد سامحة للطبيب  أن يتقدم
ليسأل زينب وهو مغلق العينين تقريبا بينما أمسك بمعصمها يبحث عن النبض
" تقدرى تقوليلى إيه الى حصلك؟"
-
  " دوخت و ما حستش بالدنيا ....أنا بقالى فترة بدوخ ومش طبيعية ، فى الأول مكنتش بنام لدرجة أنى أخدت مرة قرص منوم بس حاليا بنام على نفسى من غير حاجة ....بنام كثير "
فتح عينه وسأل " أنتى أخر مرة  جتلك الدورة أمتى ؟"
احمر وجه زينب  ولم تجيب فأكمل الطبيب وهو يخرج سماعته من الحقيبة
"هو  أنا اسأل جوزك مراتك حامل وشه يحمر  ، اسألك أنتى وشك يحمر ....اسأل مين يعنى ...أنتوا بتعذبونى ليه ، هاه ؟....ليه "
أزاح بيده وهو يردد
" لو سمحتوا أطلعوا بره عايز أكشف عليها ،كفاية واحد فى الأوضة ده مش مولد سيدى عبد الرحيم القناوى هنا "
وبعد فترة قصيرة خرج الطبيب مرددا بعد أن  فاق تقريبا مرددا بحدة موجها حديثه لطارق
" بقولك ايه"
ولم يكمل ، وقفت الكلمات بحلقه وأبتلع ريقه بصوت مسموع شاعرا أنه جرح حلقه وهو يتطلع إلى رجل لم يره من قبل فهو طبيب الوحدة الصحية فى المركز فى مسافة تبعد عن العتمانية مسافة ساعة ونصف ولكنه عرفه ، إنه رجل يحكى عنه الناس دوما أساطير ، والرجل فعلا يبدو أسطورة كشيوخ القبائل فى القصص القديمة ،جلبابه الصعيدى وعمامته ....جسده الفتى رغم عمره  وصلابة ملامحه و بالتأكيد صوته القوى
"كيفها سمرة يا دكتور ""
فأجاب كأنما يتلفق الكلمات
" مبروك يا حج .....حامل ...بكرة تعدى عليا أعملها تحاليل وسونار نتأكد ونطمن عليهاوعلى الولد "
بحلق به العتمانى وردد خلفه
" ولد ....لو ولد صوح هحلى خشمك يا دكتور "
سقطت بلطة على رأسه أسكتته ، هو لم يقل ولد .....
كيف سيعرف إذا كانت حامل بولد أو بنت أو شايب حتى .....هو أصلا لم يتأكد بعد من كونها حامل ويحتاج إلى تحاليل ولكن  أنطلقت "الزغاريط" ناشرة بهجه كأن العيد قد حان قبل أوانه أخرسته وبات فى موقف لا يحسد عليه
نظر حوله ليجد أن هناك من شاركه تصلبه فى مكانه ....هناك من توقف مثله بلا حراك و عينيه تدوران ......هذا الشاب الصغير الذى بدا فى هذه اللحظة عمره الحقيقى ....أقترب منه  والده ليضمه ويشدد عليه وبعد جاء رجل أخر يشبه العتمانى كأنه صورة منه ، يتحرك بصعوبة ونفسه عالى ،الأثنان متقاربان جدا فى الشكل والعمر ، رغم أن المرض قد فعل أفاعيله بالأخر ....
لم يعرف كيف تحرك من مكان لأخر وكيف أعدت مائدة فى منتصف الليل ليأكل رغما عنه وأنتهى به المطاف وطارق بفتح باب غرفة فى الطابق الأرضى تحتوى على ثلاث أسرة كبرى فى  غرفة كبيرة ونظيفة ومرتبة وتكلم معلقا
"هتنام هنا يا دكتور .....لو محتاج حاجة قولى ...شوف إيه الى ناقصك "

أجابه الأخر سريعا وهو يدور بعينه فى المكان متأكدا من خلوه
" أنا معرفش هى حامل فى ولد ولا بنت ....مش هيبان قبل الأسبوع ال18 يعنى على الشهر الخامس ده لو وضعية الطفل تسمح بكده وبالسونار كمان ...."
أبتسم طارق ابتسامة واسعة  وهو يزفر براحة وأجاب
" يا شيخ رعبتنى ....أنت خوفتنى لما وشك قلب مرة واحدة ، قولت فى حاجة ومش راضى تقولنا ....طالما كده الحمد لله ....ما تقلقش هم بيعملوا كده حلاوة روح يعنى عشان أخويا الكبير خلفته كلها بنات فعايزين يغيروا إنما أبويا ما يفرقش معاه أوى كده "
أراح الطبيب كتفيه
"الحمد لله ، أنت مش عارف أنقذتنى أزاى .......يالا أطلع بقى وسيبنى أنام وياريت لو تنفذ وعدك وتجيبلى النسكافية على الوحدة "
تركه طارق و قدميه تقودانه إلى الأعلى .......الخبر لم يتشربه بعد ....
فى حالة من عدم الأستبعاب و الفهم ولم يكن بالتأكيد يدرى ما يدور فى الأعلى
حيث كانت هى تكتف يديها أمام صدرها وتنظر إلى دعاء التى صالحتها من نفسها تقريبا عندما سمعت بالخبر الذى سكن ذرات هواء الدار
" زينب ما تسكتيش كده .....ردى طيب أو قولى أى حاجة ....أنا خرجتهم بالعافية عشان أقدر أتكلم معاكى ، أنتى مش شايفة نفسك عاملة ازاى ..أنا متأكده أنك ضايعة دلوقتى ،لكن صدقينى ده لازم يبقى حل مؤقت وده أفضل وقت لو عايزة تأخدى القرار بالطلاق ....أنتى مش محتاجة حد وتقدرى تربيه لوحدك من غير أب أحسن بكتير من أنه يكبر مع أم بتكره أبوه وبتكره نفسها"
مسحت دعاء جبينها و استأنفت
"زينب أنا هطلق من حسن "
فتحت زينب عينها على أخرها بينما دعاء تقبض على طرف عباءتها وتكمل
"الحياة بقيت مستحيلة.....فاكره لما سألتينى زمان بتحسى بإيه لما حسن بيسيبك ويسافر وأنتى عارفة أنه رايح لسهير و أنا سكت ،   كانت أخر مرة تجيبلى فيها سيرة الموضوع ده لأنك أفتكرتى أنك جرحتينى والموضوع ده بيوجعنى ، إنما الحقيقة هى إنى ما بحسش بحاجة ، انا بغير على هدومى إن حد يأخدها أكتر ما بغير على حسن .......بحس أنه شخص غريب ، والحكاية مالهاش علاقة بسهير على فكرة ، حسن أتجوزها بعد ما فقد الأمل فيا وفى أنى أحس بيه ، هو راجل غلبان ....غلبان فى كل حاجة ....فى مشاعره وفى أحساسيه وحتى أنه يعبر عارفة أنى ظلمته لكن أنا ظلمت نفسى أكتر لما وافقت أنى أفضل مع راجل ما بحبهوش ولا يمكن أحبه ....وما تقوليلش حاولى ، عشان أنا عارفكى هتقوليلى حاولى أنتى أهو حاولتى تخلى ماجد يحبك وما قدرتيش لأن محدش يقدر يجبر أنه يحبه ولا يقدر يجبر حد أن يحب ، أنا قررت أنى مش هظلم نفسى تانى ولا هظلمه ...."
ردت زينب بحدة " ما تحاوليش تقارنى حياتى باسمه ايه ده وأنتى وحسن .....أنا وماجد كنا مخطوبين يعنى مكنش بينى وبينه بنتين "
ردت دعاء سريعا "وأديكى أهو ....فى بينك وبين طارق طفل ....مش ده الى كان نفسك فيه طول عمرك ....مش أنتى زينب الى كان نفسها تبقى أم وكل ما تجيبى هدية لعايدة وعبير كنتى بتجيبى لنفسك واحدة زيهم عشان بنتك لما تيجى يبقى عندها لبس وألعاب كتير .....لما سمعتى دلوقتى أنك حامل لونك راح ونزل عليكى سهم الله وقعدتى تعيطى  ليه وأنا متأكده أن جواكى نار رغم الوش الخشب الى لبساه وواثقة أنى لو خرجت من الباب ده مش بعيد ترمى نفسك من الشباك  ، أشمعنى أنا أستحمل وأضيع عمرى وأذى نفسى فى وهم....وياريت أنتى كمان تفوقى منه قريب قبل ما تتورطى أكتر كفاية عليكى لغاية كده"
تحركت دعاء لتغادر الغرفة  منتظره  الجملة التى لم تتأخر أكثر من زينب
" أنتى خابرة مليح أن حسن مش هسيبلك بناته "
وجاء الرد بطيئا على مهل
"خابره .....خابرة "
خرجت دعاء من الغرفة ولم تعرف زينب فى هذه اللحظة ما الذى كان يخبئه القدر لكل منهما ....ربما قد تأتيك مصائب الحياة متجمعة لتهون إحداهما من الأخرى لأنه لو تركتك بين يدى كل واحدة منهم فرادى لما تبقى منك جلد على عظم
هذا الدوار شعرت به مرة ثانية فجذبت المخدة لتحضنها وهى تستسلم لقوة النوم التى عندما تفرض سلطانها عليك فلا يصبح لك طاقة للهروب من بين براثنها ، وجاء هو بعد ذلك ليبعدها  عنها ومرر يده ليريحها على بطنها وفغر فاه وهو لا يصدق ....
حرك شفتيه بلا صوت
"سمعانى ....أنتى موجوده بجد ولا الراجل ده بيضحك عليا ....لو كداب هقتله ولو بيتكلم بجد هشتريله نسكافيه يكفيه لغاية لما يموت ....ما تتعبيهاش وخليكى طيبة وأسمعى الكلام عشان تحبنا وتخلينا جنبها ، بلاش شقاوة ، ممكن تتشاقى شوية صغيرين "

" يا ريت متفرحش  بزيادة ....إحتمال كبير ما أبجاش حامل ....الدكتور جال إكده لما كان إهنه وغير كلامه لما طلع بره "
سحب طارق كفه وبلل شفتيه مجيبا
" أه ...ممكن طبعا ....ها ....هطلع أنام مع صابر تصبحى على خير "
-"طارق ....وديت السلاح الى معاك فين ؟"
لم يصدق أنها تتحدث إليه فرد بسرعة "شوفتينى لما قلبت بيهم العربية وجيبتهم للحج راكعين ....البلد كلها هتتكلم عن الى حصل سنين قدام "
ردت زينب وهى تسحب الغطاء عليها وتعيد المخده
" قتال قتله ....يا فرحتهم بيك "
رد طارق بعصبية " أنا مش قاتل ده دفاع عن نفس .....أنا راجل ولازم أدافع عن دارى ما يخطيش فيها غريب ....أى حد مهما كان تهفه نفسه ويستبيح بيتى ، تمنه طلقة فى دماغه ،طلقة واحدة وعمرى ما هفكر فيها مرتين ......الكلام ده ينطبق على أى حد ....حتى الحلو الى سابق سنه بتاع الجوابات ده ،لازم يعرف ...هوصله وأعرفه "
رغم أنها لم تفهم كلماته فى البداية وعندما فهمتها  كانت كغبار ألتصق بحلباب سقط بالوحل فلم يغير شىء .........إلا أن كل شىء يبدأ من هذه النقطة من اللاشىء
...........................................................................................
وفى الحاضر فى بيت طارق وزينب
كانت هالة تبكى وذراعها بدأت تتورم ويتغير لونها ولم يستطع المسكن الذى أخذته أن يؤثر فيها وعايدة أمامها تكاد تشد شعرها من الغيظ
" أطلعى أعتذريله وجوليله يأخد على مستشفى يجبرهالك  بدل ما تتعوج ولا يجرالك مصيبة "
صاحت بها هالة " لا يمكن ....ده لما يتقلب رأسه تحت ورجله فوج "
-"طيب تعرفى بجا ....تستاهلى ....طيب وربنا تستاهلى يضربك لما يكسر يدك التانية ورجلك ، طيب والله أبن ناس ومحترم إنه سكت لقلة أدبك ديا ...ده لو أبوكى كان عدى بالجرار على رأسك "
لوحت هالة بيدها السليمة وصرخت "هو يجدر الى هيجرب عليا ما هيطلعش عليه شمس ...وبدل ما أنتى بتتكلمى إكده ، شوفيلك حل نخرج بيه جبل ما يهلوا علينا ، لو المطعون ده مجالش لأبوكى فهما إكده ولا إكده هياجو "

لم تحتمل عايدة  وزأرت " أنا ما
هبتش ليلة لحالى لا فندق ولا شقة ، إذا كان ياسين الى تشوفيه تجولى نسمة ، يتحط على الجرح يطيب مسك يدك كسرها ، أومال لو طلع أسموهيا جاطعين طرق ولا حرامية لا أنا هأعقد إهنه وأموت بكرامتى "
ردت هالة وهى تجز على أسنانها " وليه نموت لما ممكن نسافر اسكندرية ، أنتى مش معاكى العنوان "
..........................................................................................

فى حفلة بقصر كالى الشيخ
ردد أحمد طارق "مدير زينب " بفرع الأعلانات وهو يتطلع إلى كالى التى تواجهه تماما
" أنا بتصل بيه من الصبح مش بيرد .."
زفرت كالى ووضعت كأسها على الطاولة لتجيب
" أنا حقا لا أحتمل ....نعرف أنه يوم أجازته وأنه يرفض حضور الحفلات ولكن ماذا سأفعل بهذا الرجل الذى يصر على التحدث مع المدير الجديد "

أقرنت كلماتها بإشارة إلى رجل أعمال كندى يجلس برفقة صديقته على الجانب الأخر يضحك ويرفع هاتفه لكالى فى إشارة لأن تسرع بإحضار طارق

ليجيب أحمد " إنها مشكلتك منذ البداية عندما أخبركِ برفضه لحضور الحفلة ومقابلة الرجل فى الشركة، كان يجب أن تستجيبى له وتعلمى ألا تعانديه لأنه صعب المراس ، دعينى أتصل به  للمرة الأخيرة وسأحاول أن أترجاه حتى لا يتم إحراجنا أكثر من ذلك "

وكأنها المعجزة .......أجاب هاتف طارق وبعد تحية سريعة و كلمات قليلة كان أحمد  يمسك بسترة بدلته ويسحب كالى من ذراعها وهو يردد
" زينب فى المستشفى ......لازم نروح حالا "
تسألت كالى بعينها عن زينب ليجيب الرجل
" زوجة طارق مريضة بالمشفى وأعتقد أنها فرصة جيدة للهروب من هذا اللقاء الحرج وكسب نقطة لدى طارق "

Continue Reading

You'll Also Like

188K 9K 44
رواية حقيقية... بقلمي: ريحان محمد
1.1M 54K 68
سنكتشف الحقيقة معآ...🤝
5.5M 127K 66
سلامْ الله على العزيزٌ قلبيّ ! من الألم ، من الوجع ، من الإنشطار ! أما ذاكَ الذي طعنني غادراً وتسببَ لي بإنشطار روحي ، وجعل كياني مٌشتتً ما بين قل...
939K 65.9K 52
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...