زفير الروح (الجزء الثاني من أ...

Autorstwa mamet_mo3az

13.5K 421 46

.. Więcej

مقدمة الجزء الثاني
الأول
الثاني
الثالثة
الرابعة
الخامسة
السادسة
السابعه
التاسعة
العاشر
مش فصل
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٣
٢٤
٢٤ الجزء الثاني
٢٥
٢٦
٢٧
٢٨
٢٩
٣٠

الثامنة

372 10 1
Autorstwa mamet_mo3az

الفصل الثامن

قبل أكثر من ستة عشر عاما بالعتمانية

مناخ مصر حر جاف صيفا  .....أما مناخ الصعيد م حار لاهب جهنمى النشأة صيفا
ولأننا فى الشتاء فالمناخ هناك خاص جدا ...دافىء وحميمى جدا

يقف فى طابور أمام إحدى كبائن التليفون المنتشرة حاليا فى كل مكان ....نظر مرة أخرى للبطاقة  الخضراء  بين يديه وعلى غير العادة أنتهى من سبقه سريعا وتقدم هو ....
خطوة جعلته بداخل الكبينة ...جدرانها الحديدية تعطيك الخصوصية وإن كنت لا تستطيع التخلص من إحساس أنك تتحدث فى الشارع وأن هناك فى الخلف طابور كل شخص منهم يعتقد أن مكالمته أهم بكثير من مكالمتك ولديه قناعة خاصة أنك كلمة " ألو " التى ألقيتها للتو قد استمرت ألف عام

شىء خاص بمصر يجعل الطوابير عقاب جماعى  كمعلم رأى تلميذا قد اخطأ فقرر معاقبة الفصل كله ......

ضغطت أصابعه بسرعة على أرقام يحفظها وجاءه الرد أيضا سريعا
" ألو ...مين معايا "

- " أنا طارق يا منال "

أستطاع أن يخمن الأبتسامة التى ارتسمت على وجهها وكذلك صوتها العذب
" خالتو يا ولد ....ايه منال ديه بلعب معاك فى الشارع ولا أنت بقى أكمنك بقيت بتبعتلى فلوس يبقى خلاص أتساوت الروس"

رغم أنها نطقت الكلمات بسعادة إلا أن وقعها عليه لم يكن كذلك فقد شعر بحزن مخافة أن تكون فعلا قد فهمت الأمر على هذا النحو فردد بصوت خافت " هى وصلت "

صوتها العالى الضاحك أجاب بفرح حقيقى " أه يا حبابيى ..إن شاء الله يخليك ليا يا روقة يارب ....ايه يا حبيبى الغيبة الطويلة ديه مبتكلمنيش ليه "

رد طارق والسعادة كأنها طائر يطير بجناحيه  فوق رأسه " أنا اتجوزت "

ضحكة مجللة جاءت من الجانب الأخر أفهمته أن خالته لم تصدقه فأجاب مكررا
" والله العظيم أتجوزت "

الضحكة الرنانة بترتت وهى تستوعب ما يقال على الجانب الاخر ....تتذكر متى ولد طارق تشعر كأنه ولد بالأمس

كم عمره ليتزوج ؟....أضاءت رأسها بيوم ميلاده وتذكرت سنته فأخرجت أصابعها لتعد عليها السنوات بصوت واطى وصل إلى طارق بقايا همس فسألها
" بتكلمى حد "
لتجيب بدهشة بعد أن توصلت بسرعة مخيفة إلى عمره
" 18 يا طارق ....أنت عندك  18 سنة ....صغير أوى يا حبيبى على الجواز ، ليه عملت فى نفسك كده ولا أبوك غصبك "

لم يتوقع ردة فعلها ان تكون مخيبة للأمال هكذا ...من قال أن العمر أرقام ...توضع بجوار بعضها وكلما كبر رقمك عظم قدرك وأصبحت قادرا على تحمل أعباء الحياة ....هل العمر وحده من يقوى ظهرك ؟....ظهره قد أنكسر قبل أوانه من حموله ما حمل عليه سنوات ....

كان متحمس ....نعم أستطاعت أقتناص الفرحة  المستترة كعذراء خلف كلماته  فنطقت بما أنتظره

" بتحبها يا روقة ؟"

بعض الأسئلة منطقية جدا ....نمطية جدا......فى نمطيتها يولد الأختلاف ....فى نمطيتها يوجد الأهتمام

بعض الأسئلة كالأسلحة النووية محرمة دوليا ....تمتلك مفاتيحها الدول العظمى وتستتر خلفها دول صغرى تتصنع العظمة

وفى العتمانية لا يوجد من يجروء على أن يلقى سؤالا كهذا  .........

شدد قبضته على الهاتف وأجاب بثقة وأنف مرتفع إنتصارا على كل ما مضى وكل ما هو آت

" أه.... بحبها ....متقدريش تشوفيها وما تحبيهاش "

هل أكمل جملته ليبرر لنفسه خيانته .......لا يعرف

هزت الأخرى راسها بتفهم " بنت مين يا طارق أعرفها "

- " زينب ....بنت عمى سمرا لو تعرفيها ...........

الأجابة جاءته  بنبرة أستنكار واضحة
" سمرا ....بتاعت الارض ....مين فى العتمانية ما يعرفهاش ...ديه كبيرة ...لا كبيرة بجد يا حبيبى ...أنت أمك حتى مكنتش حملت فيك وديه كانت كبيرة"

كررت كبيرة ثلاث مرات وبعد أن أنهت جملتها لم تتوقف عن قول "كبيرة "

تتذكرها جيدا ....الآن تذكرتها بوضوح ....كانت صبيحة تحكى عنها .... الفتاة الصغيرة فى بيت العتمانى التى سترث خمسة عشر فدانا

كانت هى فى الثلاثين مات عنها زوجها وتركها فقيرة معدمة .....لديها صعوبة فى السير من أثر "شلل أطفال " أصابها نتيجة وباء أطاح بالقرية عندما كانت صغيرة و داء بالقلب جعل من حركتها ومجهودها أقل من الطبيعى.....عادت إلى البيت ذى الغرفة  الواحدة من الطوب الذى كان لوالدها المقعد ولم يكن لهم مصدر للرزق سوى عمل صبيحة التى أستجارت بزوجة العمدة فقبلت أن تعمل لديها .....
أصولهم الغجرية كانت تشكل صعوبة و أهل القرية ينظر لهم نظرة دونية
لا أرض لهم ولا مال يعيشون رحالة متنقلين من مكان لأخر بلا جذور تربطهم بأرض والكثير من الصفات التى تجعل الكل يتشكك فيهم "كالسرقة " ومع هذا قبلت زوجة العمدة أن تحمل صبيحة بالدار ....

صبيحة ذات السبعة عشر عاما ......الزهرة التى تفتحت لتجد نفسها فى بركة موحلة .......ذات الوجه الجميل والجسد الغض قبل أن تبتلعها دار العتامنة ....قبل أن تقع فى مصيدة الكبار ....قبل أن يحرقوا روحها و يشوهوا قلبها

رد طارق ساخطا " هى أصغر منى ....طول عمرها عايشة فى حضن أمها وأبوها ، ما شفتش لا جوع ولا مرض ولا نامت على رصيف ولا الى رايح والى جاى بيعايرها بأصلها ....

قاطعته منال " ليه بتفتح الى كان يا طارق ....عايز تكلم أمك "

الأجابة جاءت قاطعة " سلام دلوقتى عندى شغل هحاول أتصل بيكى قريب"

سمعت صوت أنقطاع الأتصال و عينيها بدأتا تذرفان دمعا  مهما أخبرها طارق مرارا أنه يسامحها وأنها لا دخل لها بما عاشه لايمكن لها أبدا ان تسامح نفسها ....
كانت تظن أن وجود طارق مع صبيحة سيكون صمام الامان ....عندما رفضت أن تأخذه منها ظنت أن أختها ستختار أبنها....
من يظن أن امرأة قد تترك ولدها لرجل غريب وترحل

سمعت طرقات على الباب تعرفها جيدا ....فقامت لتفتحه وتطل عليها  "صباح "......

وجه ملىء بمساحيق التحميل وفستان لامع يعلو فوقه معطف من فراء أسود  ونظارة سوداء كبيرة وغطاء رأس بغرض التخفى لا غير .....
النجمة الكبيرة تقف بشحمها ولحمها أمام بيتها فى موقف بات يتكرر كل عدة أشهر ...تتكرم الفنانة المشهورة بزيارة أختها التى تسكن بغرفة  بالطابق الأول فى منطقة شعبية غرض الزيارة المعلن والذى تحاول صبيحة تكراره
" أنها تحاول مساعدتها ماديا بعد موت زوجها الثانى "
و الحقيقة التى يعلمها كلاهما ولا تنطق بها أيهما " معرفة أحوال طارق بالعتمانية وسماع أخباره "

وضعت الحقائب الكثيرة التى تجلبها على الأرض و أستقرت على كرسى أمام الباب ...خلعت نظارتها وغطاء رأسها لتسندهم بالجوار ولاحظت ظرفا أبيض على الطاولة المجاورة فتناولته وشرعت تعد ما به من مال وقبل أن تكمل وجدت يد منال تنزع منها الظرف ووجها قد أنكمش غضبا فرددت الأخرى
" أيه ده ما أنتى بتقبلى الأحسان أهو ....أشمعنى ما بترضيش تخدى منى ، مش فلوسى برضوا أحسن من الملاليم الى بتشحتيهم دول "

أقفلت منال الظرف ووضعته فى جيب ملابسها وردت بحدة " أنا فلوس الشحاته أحسن عندى من مالك الحرام "

تراجعت صبيحة إلى الخلف و علقت بزهق
" أف مش هخلص من الأسطوانة ديه ...كل ما تشوفينى ما وراكيش غيرها ، انا يا حبيبتى لا بسرق ولا بقتل ...أنا فنانة  استعراضية عارفة يعنى فنانة استعراضية "

هزت منال رأسها وأجابت " يعنى رقاصة مش فارقة بقى بترقصى فى السيما ولا بترقصى فى كبارية ، أهو كلو رقص  بتأكلى من وسطك وعايزة تأكلنى معاكى "

أستقامت صبيحة وقررت الرحيل فهذه المرة حقا لا تحتمل

-" أنا أصلا مش عارفة  أنا ايه الى جابنى ....عندى سفرية و يادوب ألحق أضبط حاجة السفر ، رأس السنة كمان أسبوع وده موسم "

حملت حقيبتها ووضعت نظارتها وتقدمت بخطوات للأمام
"طارق أتجوز  سمرا "

رمشت بعينها قليلا ....لم تشرب شيئا هذا الصباح ، مجرد سيجارة فقط دون إفطار ،هل جنت الآن لتسمع هلاوس ؟.....
أستدارت وهى تشير بنظارتها الشمسية لمنال " قولى تانى الى قولتيه كده "
فكررت منال " طارق ....اتجوز ....سمرا بنت سليمة "
الجانب الأيمن لشفتها العليا أرتعش ومعه لمعة بعينها ....دقات قلبها زادت دقة و أرتجافه جرت بطول عمودها الفقرى قبل أن تهز رأسها بأنبهار ...أنبهار حقيقى خطف أنفاسها لتصفق ...تصفق عاليا لم تصدق كيف جاءت ألتواءت الفيلم لتغير كل المقايس ،
لتتبدل قوانين اللعبة وتكتشف فى النهاية أن القاتل الحقيقى كان هو المقتول فى أول الأمر
لم يمت ....بعث من مرقدة كطائر العنقاء وأستعاد روح المحارب لينتقم من الجميع ....
لم تصدق أبدا أن هذا الصغير يلعب ويحقق ويسجل هدفا فى شباك العدو ....
هدفا بخمسة عشر فدانا مما تعدون
هدفا يأتى بالجميع شرقا وغربا تحت وصاية الحاكم بأمره
الحالة الهسترية التى رأت عليها صبيحة جعلتها تخاف وتتراجع ....تحدق بتلك التى تدور فى المكان بأبتسامة واسعة  ، تحرك يدها وتتمايل على أنغام لا يسمعها شخص سواها ......أنها قد فهمت الامر بصورة خاطئه ...خاطئة تماما
تكلمت منال بصوت مضطرب " أكيد الحكاية مش زى ما فى دماغك "
توقفت فعلا ولكن الإثارة سمفونية تعزف فى قلبها لترد
" ايه الى محصلش ....ابن الحرام ده وقع زينب و لبس حسن العمة  و العقربة الى اسمها سليمة مش هتجوزه بنتها من غير ما يلوى دراعها مش بعيد البت ديه تبقى حامل كمان  ، أهو الى سليمة كانت مش راضية ترضعه على أبنها عشان ابن حرام بقى جوز بنتها ....أدفع نص عمرى وأشوف وشها  دلوقتى  ... أشوف بيت  العتامنة بيولع والنار بتأكل أرضهم من أولها لأخرها "
هتفت منال " " أبنك وسطهم و النار لو دبت ما بتفرقش بتاكل  كل الى فى طريقها "
نظرت إليها مطولا ولم ترد ....بعض الجملة تبقى معلقة إلى الأبد بين السماء والأرض ....
غادرت صبيحة دون سلام ، دون حاجة إلى كلام .....متخمة المشاعر منتصرة فى حرب لم تقدم فيها ناقة ولا جمل ....العتمانية باتت ماضى أنقضى لا تريد العودة إليه ...ذكرى رحلت بكل ما بها .....مجرد التفكير فيها يعيدك قطعة لحم فى عرين الأسد

.................................................................................................................

بغرف الفتيات

" آه ....شعرى ...يا بت أنتى الشعر ده لازق فى رأس ما تديش إكده "

شدت زينب على شفتيها لترد على زهرة التى تمردت  تحتها وهى تشير إليها بمجفف الشعر
" شعرك معقد...ما سرحتيهوش بجالك ياما أكيد ...أصبرى بجا "
وضعت زهرة يدها على غرتها ورددت " بعد ما تخلصى البتاع الى معاكى ده، تكويلى شعرى بالمكوى الجديدة بتاعتك وتحطلى ميكب  ، أمه واخواته جايين عايزاهم  يتهبلوا لما يشوفونى "
أجابتها سحر التى كانت تقوم بكى الملابس
" ما تخافيش يا زهرة هيتهبلوا لما يشوفكى ومش بعيد يرحوا وما يردوش تانى ، ما جبتيش الست تعملك شعرك ليا لما أنتى رايده تعملى كل ده "
أجابتها زهرة وهى تمسك برأسها من ألم " جالتلى تعالى الصبح باين عندها عروسة، جولتلها على إيا  سمرا موجودة "
صرخت زينب وهى تلتقط المقص من أمامها وتشهر به فى وجه زهرة التى أنتفضت من مكانها 
" لا ...لا ...بالله عليكى يا سمرة ....طب والله تستهيلى شيلة شولة القطن الى شلهالك طارق "

توقفت زينب تستوعب ما قيل " طارق هو الى شالنى ...يعنى مش أنا الى طلعت فوج "

الحوار بين زينب وزهرة جذب الجميع ....سحر التى تركت المكواه فوق قميص زوجها و دعاء "زوجة حسن " وهى تجدل ضفيرة أبنتها

رددت سحر بذهول
" أباااى ...اباى ...طارق بيشيل ويحط ده كلام واعر  ....بت يا زهرة أطلعى برة و سيبينا لحالنا "

نظرت إليهم زهرة وعادت سريعا تجلس على كرسيها القرفصاء مشددة على جلستها

" والله ما أنا خارجة ....عايز أسمع كل حاجة ولا أنا فى حزنكم مدعية وفى فرحكم منسية يا ناس الدار ...أحكى أحكى "

مرتت الأخرى عينها عليهم ، تتابع تحديقهم فيها ليستحثوها على الكلام

" خلاص لا خشا ولا حيا ....مفيش يا اختى أنتى وهى رايد يجنن الى خلفونى ، قال إيا بمشى وأنا نايمة ...نبجى بنتخانق وتلاجيه مرة واحدة بيضحك ويهزر ...مخبل "

صاحت سحر مرة واحدة " القميص ...القميص يا وكلاهم أنتى وطارق " 

لم تهتم زينب بصياحها ولا حتى التركيز فى وابل الشتائم الذى ألقت به على كاهلها ، نظرات دعاء كانت موجهة ، مؤلمة

فرددت "  أنتى عاملة ايه  دلوقتى "

هزت زينب رأسها مجيبة وهى تحاول أن ترسم ملامح سعيدة رغم أن دمعه ألتمعت فى عينها
" الحمد لله على كل حال "
تركت الفتاة وقامت لتقف بجوار زينب لتهمس فى أذنها
" ماجد جه مصر يزور خالتى سعاد ، انا اتفاجئت بيه قدام الباب بعد الى حصل ما تخيلتش انه يجيله الجرأة يعمل كده ، خالتى ماردتش عليه ولا رضيت حتى تشوفه هو ما يعرفش أنك أتجوزتى عشان حسن مش راضى يرد عليه ولا يكلمه وأنا كمان مقولتلوش حاجة ......هو سافر و أدانى الجواب أديهولك "

ألتفت لتبحث عن حقيبتها ولكن زينب أمسكت بيدها وهمست " قطعيه ...مش عايزاه ...انا دلوكيتى على ذمة راجل تانى "
هتفت دعاء وهى تلحظ تجمد دمعة زينب وتصلب ملامحمها " زينب "
أجابتها الأخرى بصدق " ماتت ....
تركت ما كانت تحمله و رددت بنرة قاطعة " هتصل بواحدة أعرفها تاجى تكملك  شعرك يا زهرة ...أنى عضمى بيسمر عليا ومقدارش "
دون أن نتظر إجابه أو حتى تلتفت لنظرة أخيرة ......بعض الجروح لاتلتئم فقط ....تتوقف عن النزف وتتدارى خلف جلد جديد ولكنها تبقى موجودة  ، مؤلمة وحارقة ....تختفى عن الأنظار و أنت وحدك من يعرف طريقها .....تدعى أنك حىٍ ...أن النفس الداخل إلى صدرك يجد له مخرجا ....تدعى أن القلب الذى بين أضلعك لم يمت بعد ومازال ينبض ولكن فى قاع القاع تعرف ....

الحقيقة الكامنة موجودة هناك .....عند نقطة تعرف جيدا أنك لم تعد أبدا نفس الشخص الذى كنته من قبل ......

سيرة ماجد وحدها دون أية روابط قادرة على نزع فتيل الامان بداخلها ....تعرى الحقيقة امامها.....

الخيانة والغدر طعنات تنفذ إلى القلب مباشرة ...لا تأخذ طرقا ملتوية و لا ترتدى أقنعة حتى تقرر فجأة أن تقيم مقبرة تضم فيها الراحلين ....قبر وراء أخرى تحفره لتضع جثث من رحلوا ....
التراب يغطيك وعينك تدمع ....تقف أمام قبورهم تبكى ....الصبار يحتمل العطش ويحتمل معه الألم ....يتدثر خلف شوكه ويحمى نفسه من وعور الصحراء ...
عاما بعد عام تمضى وأن تحفر وتغطى و يصبح أغلب الأحباب تحت الأرض .
الأيام تمضى والساعات لا تبقى شىء ...تتسع الفجوة بداخلك حتى لا يتبقى فيك شىء
وعندها فقط تعرف أنهم لم يرحلوا حقا ، هم باقون بداخلك ....أختبئوا من الأيام تحت جلدك وبين ضلوعك ومن دثرت وأويت كانت نفسك
تلك التى تسكن التراب هى روحك .....
ماجد ترك لها رسالة....من الرائع أن تحظى فى حياتك على أشخاص ينتمون إلى الصنف الذى يقتل القتيل ويسير فى جنازته
رفض عقلها أخذ الرسالة لأنها على ذمة رجل ....ويحترق قلبها رغبة فى فضة ومعرفة ما بداخله ...
هل لديه الجرئة حقا على الكلام ؟....وأى الكلام سيقول وماذا لديه ليقول ؟...

يتمنى الجميع لو عاد من خان نادما معتذرا باكيا ....يتمنى الجميع لو صرخ القاتل معلنا جريمته للجميع .....يتمنى الجميع لو أستيقظ ضمير السارق وقرر أعاده ما سرقه من موظف بسيط ...

ولكن هل دموع الخائن ستمحى خيانته .....هل صرخت القاتل ستعيد القتيل ؟....هل عودة المال ستعيد شباب من ألقى خلف القضبان ؟

" أنتى ياكئيبة هانم ..."

رفعت رأسها تتطلع إلى القادم إليها يمد شفتيه أمامه مدعيا الحزن يقلدها أو يسخر منها ، لديه مزاج للدعابة وهى لا طاقة لها لهذا .....

عندما أصبحت مقابلة له تماما قرص وجنتيها مرددا

"مالك يا أخ طلبه مبوز ليه ....فى حد عاكسك فى الطريق ؟"

حاولت أبعاد يده عن خدها وهى تجيبه بحنق " مجنونة أنى عشان أمشى معاك تانى .....أنت طلعت شوكلى ، عملك اياه الراجل فتهب فيه كأن جتلك جتيل "

رد طارق بجدية " كان مبحلق فيكى ....أسيبه يعنى "

هزت رأسها نافيه " لا طبعا تجوم تجيبه من جلبيته ، أهدى وسيبنى محدش كلمنى فى الطريق "

قبض أكثر على وجنتيها وردد وهو يحرك حاجبا

" أتعموا دول ولا ايه حد يشوف القمر ده وما يعكسوهش ....طب أمشى كده قدامى وأنا هعاكسك و اتحرش وشغل سياحى فاخر "

- " أنت مجنون يا ود ....جولى الحاجات ديه بجى ليه علاج وربنا بيشفى "
......................

" هو البلاء الى أحنا فيه ده من شوية " 

أنتفض طارق مبتعدا عن زينب هو يتطلع إلى حماته التى لا يعرف من أين خرجت لتقف أمامه هكذا وتكلم سريعا

" أعوذ بالله  أنتى كنتى فين "

ضيقت سليمة عينها وأزاحت زينب من أمام طارق لتصبح هى الأقرب له وأجابت

" شوفت عفريت يا ود ....يستعيذ من الشيطان "

أشار طارق صوب اليمين وردد بصوت عالى " أيوه جايلك يا حج ....حالا ....جاى "

أنهى جملته وهو يطير صوب الصوت الوهمى الذى لم يسمعه أحد غيره .... أخذ يقفز حتى بعد  إدراكه أنها قد رأته وفهمت فأبتسمت ....
ليت الزمان غير الزمان
ليت المكان غير المكان
أختفى طارق كأنه تبخر وعلمت السبب عندما رأت والدتها تنظر إلى نفس الوجهه ،التى رددت بحزن لم تستطيع إخفاؤه تحت رداء الغضب ككل مرة فظهر حزنا صافيا
" كان أهون عليا تفضلى طول العمر جارى ولا يتجوزك أبن الغجرية ده ...." .
ثم استدارت لتقابلها بنبرة مرة بطعم علقم
" ايه الى وراكى يا سمرة "

اجابت زينب بوجه أبتل فى لحظتها " يعنى هيكون أيه ...ده قدر ومكتوب "

ضغطت سليمة على أسنانها

"مكتوب ....مكتوب ....بتضحكى على مين ...ده أنتى بتى ....عجناكى وخبزاكى على يدى ....ده أنتى بتى ....عجناكى وخبزاكى مليح ...لو ماجد كان صوح ضحك عليكى كان زمان ابن الغازية دفنك حية ، أبوكى اداله السلاح وجاله تويها وخلصنا من عارها .....عارفة يا زينب ورب الكعبة لو الى أبوكى فيه ده من حرقة قلب بسبايبك ومن ورا راسك الى محدش عارفلها ديه لسانى ماهيخاطب لسانك تانى "

ألقت سليمة كلماتها و سارت مبتعدة ....الأرض دارت تحت قدم زينب التى أمسكت بالكرسى الموضوع بجوارها

مرآة العدل عمياء و فمه أخرس عندما يطالب بالحق ضعيفا

لا تعرف كيف وصلت إلى غرفتها ولكنها فعلت .....

كان لا يزال طارق واقفا أمام السرير يتطلع إلى ماتركته زينب هناك

بنطال جينز رجالى ...سترة جلدية سوداء وقميص أبيض

سألها طارق بحذر " لمين دول "

فأجابت وهى تجلس بجوارهم على السرير " ليا ...جيباهم ليا ...هلبس البنطول ده فستان ، هدخله من دماغى ...مش محتاجة فهلوة ليك طبعا لسه جيباهم النهاردة خدت أذن من المدرسة ونزلت جبتهم ...البنطلون متأكده انه مقاسك والقميص كمان لكن الجاكيت ده مش متأكده منه"

رد طارق بحدة " ليه و جبتيهم منين "

أمسكت بالجاكيت واشارت إليه بغرور

" طيب قيسه الأول .... الفلوس فلوسك مش أنت مدينى مصروف أولة الشهر ، أنى ما صرفتش منه حاجة و النهاردة عريس زهرة جاى و هتلاجى ولاد حامد جايين كأنه فرح راديدين يترسموا على العتمانة لكن على مين محدش يعرف فى بر الغرب يلبس زينا "

وضع أصابعه على فمه و قد فقد الأحساس بكل شىء وردد محاولا الحفاظ على أخر قطرة فى صبره لأنه فقط يرى وجهها شاحب وعينيها باكيتين

"أنا عندى لبس جديد أنتى اكيد شوفتيه "

لم تبدى أى تعبير غريب وهى تجيب " أيوه ....شوفته بس معجبنيش "

عض على أصبعه وأجاب " يعنى أنتى صرفتى كل الفلوس الى انا مديهالك لأخر الشهر وأحنا لسه فى يوم 15 عشان ولاد العتمانة محدش يعرف يلبس زيهم ....ليه يا زينب محدش يعرف يلبس زينا هو أحنا بنلبس القمصان فى رجلنا ..."

تناول القميص وردد بحنق وهو يتلمس قماشته بين أصبعيه

"يفرق ايه ده عن القميص بتاعى ، ده حتى نفس القماشة "

كتفت زينب ذراعيها وأجابت بقوة كأن الدم الذى انحصر عنها أندفع مرة واحدة إلى أطرافها ...

" أزاى يعنى؟... قميصك رمادى وده أبيض ،أعمى كمان ومش شايف الألوان "

سألها بنفاذ صبر "طيب يا زينب يا بت العتامنة الى محدش بيعرف يلبس زيهم ... يا استاذة زينب أنا أول الشهر قبضت الفلوس من الحج وأديتهملك قدام الجدة قولتلك لو عايزة حاجة يبقى معاكى فلوس وأنا كمان هبقى أخد منك صح "

حاولت زينب التذكر .....نعم قال شىء كهذا ولكنها لم تهتم فهزت رأسها مجيبة بنعم

-"أنتى خلصتى كل الفلوس فى نص الشهر تقدرى تقوليلى أزاى هنكمل باقى الشهر من غير ما نأخد حاجة من الحج أو تجيبى سيرة مرتبك إلى على فكرة محدش فينا هيمد أيده عليه وانتى أصلا لسه مقبضتيهوش "

ما هذا ؟....بحق الجحيم إين هى وأين هو ؟

......فى الصباح أخبرها صابر أنه يريد أن يشترى ملابس جديدة لأجل الخطبة وطلب منها أن تأتى معه لأنها الأفضل بينهم فأشترت لطارق بعد أن أشترى صابر والذى كان مصرا على شىء واحد فى رأسه أما هى فأختارت لطارق بالأعتماد على ذوقها
الأمر الذى أغاظ صابر جدا ولكنه كان مريحا لها ، أدركت أنها لا تكره طارق كما تصورت فبعد ما حدث أكتشفت أن تصرفه كان طبيعى ، أنه أنسان وليس ملاكا بجناحين ليقوم بفعل مخالف ....رجل صغر أو كبر ....رجل ويكفيها أنه قد أعطاها وعد بأنه لن يقترب منها إلا برضاها

لم تهتم يوما كم أنفقت و كم أبقت...هى أبنة العتامنة وهو أيضا ما هذا الجنون ! ....

هل يعتقد فعلا أن الأموال التى اعطاها لها كانت كافية ؟....اللعنة

تناولت السترة الجلدية لتضع طرفها تحت رجلها تخفيها وهى تراه يغلى ويزبد أمامها ، تناول المنشفة وخرج من الغرفة فرفعت السترة سريعا لتقطع كارت السعر بأسنانها وألقته من النافذة المقابلة لها

لتجده فتح الباب مرة أخرى وأطل عليها مرددا بثقة " خلاص ...متقلقيش هتتحل إن شاء ...هتصرف "

أبتسمت كأنها أقتنعت فأغتبط لابتسامتها وأنصرف عنها

لحظات وفتح الباب مجددا فهتفت " ما خلاص بقى يا طارق "

وفى الحقيقة هذه المرة لم يكن طارق .....كانت دعاء التى تقدمت بخطوات بطيئة وألتفت لتغلق الباب بالمفتاح خلفها ثم تكلمت بصوت منخفض جدا وهى تخرج الجواب من حقيبتها

"سمرا ...أنا حلفت أنى هديلك الجواب ...خديه أنتى وقطعيه ولا أحرقيه بمعرفتك ...ماجد شكله واقع فى مشكلة كبيرة ، انا عارفة أن ماجد جبان بس أنا كمان عارفة أنه بيحبك والى حصل ده أكيد غصب عنه ....أنا مرضتش اقرأ الجواب عشان هو محلفنى ما افتحوش ، أنتى لو تعرفى تساعديه أنا عارفة أن قلبك كبير وفى الاول ولا الأخر ده أبن عمك والدم عمره ما يبقى ميه "

كادت زينب أن تقطع الجواب مش شدة قبضتها عليه وأجابت وهى تغلى بصوت خفيض مهابة أن يسمعهم أحد

" ملعون أبوه الدم الى بيعمل كده فى الناس...هو كان فين الدم ده لما سابنى بعد سنين ورمانى رمية الكلاب ...انا يهددنى ...انا يقولى يا تبيعى الارض يا سيبك ليهم يموتوكى طيب يا دعاء والله العظيم لو شفته، أنا الى كانت الناس مش بتجيب سيرتى غير بالخير بقيت على كل لسان ...أسمعى ضرتك وهى ماشية وسط الناس تقول ادوها العيل عشان يدارى على فضيحتها أنا لو اتلميت عليه والله لأكله بسنانى "

فضت الجواب و أخذت تقراه أمامها
"النهاردة 1/1/2000 يعنى أحنا كده مخطوبين بقالنا ألف سنة "
....................................................
فى الحاضر
تدور سهير حول نفسها و هى تضرب وجهها وتنوح
" راحت فين ...راحت فين البت ، أقول لأبوها أيه مشيت ....صحيت ملقتهاش ....هيجولى طفشتى البت ...يا ترى أنتى فين يا عايدة "
نظرت إلى خوخة الواقفة ترتجف أمام أمها " أتصلى إكده بعمتى سحر شوفيها عنديها "
زفرت سهير وهى تكاد تزهق " كلمتهم كلهم مش عند حد نعرفه ....لو كلمتهم تانى هنتفضح ...يا خيبتك"

Czytaj Dalej

To Też Polubisz

84K 4.3K 25
في ذلك الغرفه تدور تلك البنت جميله عن حياتها ومستقبلها لغريب ترا لكثير من لغرف حوليها تحاول تخلص من مأسااها وتدخل في احدى لغرف وترا رجل يمسك بيدها و...
931K 65.4K 52
تم تغير اسم الرواية من مجنوني الأنباري الى سجين الحب من بين الناس جميعاً، وفي شدة العتمه التي كانت في قلبي عندما غَدُرتُ من الحبيبه والصديق، ولم اعُد...
790K 29.2K 47
القصه متوقفه لورا الامتحانات تقدمت عليه واني احس الخوف والرعب احتل كل جسدي وقلبي أحسه توقف واني اشوفه جالس گدامي مثني رجله وخال عليه ايده والايد الث...
1M 60.7K 62
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.