الجزء الثاني من سلسلة ملامح ا...

Door MeEm_marwa

6.6K 121 17

قصص جديدة، وأخرى مكملة لقصص من الجزء الأول 💜✨ Meer

قريبا ✨
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
الخامس والعشرون
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون
التاسع والعشرون
الثلاثون والأخير

الفصل الحادي عشر

141 4 0
Door MeEm_marwa

اللهم أدخلني مدخل صدق , وأخرجني مخرج صدق
لا تلهيكم عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير

___

الماضي ..

كانت تلك العبارة من سامي , كافية لجعلها تنهار بداخلها بقوة وعنف .
وتشعر بالخذلان المريع .
رفعت عيناها إلى هادي المصدوم من كل ما يحدث ويسمع , عاقدا حاجبيه بشدة .
إلى أن سقطت عيناه بعينيها , ولانت ملامحه .
لتهز هي رأسها بإستياء .
وتشعر بأقدامها أخيرا وهي تقودها إلى حجرتها .
لتدخل وتغلق الباب خلفها بكل هدوء ودون أن تصدر أي صوت .
حينها وقف هادي أمام أخيه وغضب العالمين في وجهه , ولكنه ما إن نوى فتح فمه والتحدث .. حتى شعر بصداع قوي يداهمه .
ولا يرى سوى الضباب .
ترنح حتى أمسك بجانب أحد المقاعد , وجلس على الأرض .
مغمضا عينيه بشدة من هذا الألم المفاجيء والشديد .
والذي كان بداية لأعراض إصابته بالورم .
ذلك الألم جعله يمسك رأسه بيديه , ويدقه على حافة الطاولة .
فزع سامي من المنظر , بل وحتى من كانت تقف خلفه منذ عدة ثوانِ .
حياة التي عادت , ولم تفتها أي كلمة مما تفوهت به رؤى في لحظة إنهيار وعصبية عمياء .
اقترب سامي من هادي , وانحنى ينظر إلى تلك الملامح المشدودة , والوجه المحمر بشدة .
دفعه هادي عن غير قصد .
ووقف بقوة , ليسقط من طوله فاقدا للوعي .

شهقت حياة عائدة للخلف تضع يدها على صدرها , ثم غطت فمها بذهول مما حدث للتو وبطريقة مفاجئة .
نظرت إلى سامي وهزته من ذراعه :
- سامي إيش فيك إيش تنتظر , وده المستشفى .
بقي في مكانه مصدوما وغير مستوعب , في داخله شعور بالذنب .
هل ما قاله هو عن ماهر السبب في سقوطه بهذه الطريقة ؟
أصبحت مواقفه مع ماهر , وجميع إخوته .. تأتيه واحدة تلو الأخرى بطريقة سريعة .
وكأن شريط من المقاطع المسجلة يعرض أمامه .
ولا يركز هو سوى على ما يتعلق بماهر برفقة هادي .
كانا قريبين جدا .
كان ماهر مثل القدوة بالنسبة إلى هادي .
وكان ماهر يعامله بطريقة مميزة .
نعم كان طيبا مع الجميع , إلا أن هادي كان الأقرب له .
لسبب يجهله الجميع .
الآن تذكر , كيف انهار هادي , وغضب وفعل ما فعل .. بعد مقتل ماهر .
أكثر من تعب في ذلك الوقت , بعد رؤى بالطبع .
وحلف يمينا أن لا يبرح الأرض حتى يأخذ حق أخيه بيديه .
الآن وبعد أن قال ما قال , دفاعا عن امرأة لا يعرف عنها شيء سوى أنها أرملة أخيه وابنة عمه , وأصبحت زوجته فجأة .
وكان القرار صادرا عنه لحاجة في نفسه .
يرى هذا المنظر المريع أمامه .
لم ينتبه من شروده وصدمته إلا على شهقة لجين العالية , وهي تقترب وتقف خلفه , تنظر إلى وجه هادي بخوف :
- بسم الله وش فيه ؟

أبعدتهما حياة من الخلف , متذمرة ومتأففة من وقوف سامي بتلك الطريقة .
كأنه تمثال .
جلست على ركبتيها بالقرب من وجه هادي , ورشت على وجهه ماءً باردا أحضرته للتو من المطبخ .
وحين لم يستجب قربت من أنفه زجاجة عطر أخرجتها من حقيبتها .
حتى شهق وفتح عينيه , ثم صار يسعل عدة مرات مغمض العينين , مقطب الجبين بألم .
قبل أن يفتح عينيه مرة أخرى , ويجد أمامه وجه حياة القلق :
- هادي كيف حاس ؟
رفع كفه ليمسك بحافة الأريكة , ويجلس مستندا عليه بتعب وكأنه للتو انتهى من سباق ماراثون :
- ما أدري , دايخ مرة .. وما أشوف زين .
ردت حياة بنبرة حنونة :
- بسم الله عليك هادي , ليش فجأة صار لك كذا ؟
لم يجبها , بل حاول الوقوف وهو يشعر بالحرج منها .. دائما ما تعامله وكأنه أحد أبناءها , وهو دائم الإبتعاد عنها .. لسبب لا يعرفه .
تحرك سامي أخيرا ليساعده على النهوض , إلا أن كف هادي منعه من الإقتراب أكثر .
التفت ينوي الخروج من الصالة , فقاطعته حياة :
- ليش ما ترتاح هنا اليوم ؟
كان التعب قد تمكن منه بشدة , ما جعله يجلس على ذات الأريكة مستسلما .
وكأنه ينتظر تلك الفرصة لكي لا يقود سيارته عائدا إلى والدته بتلك الحالة .
التفتت حياة إلى لجين :
- روحي جهزي الغرفة لأخوك , خليه يرتاح .

أومأت برأسها بإيجاب , فقطب هادي جبينه بغرابة ونظر إليها رافعا أحد حاجبيه :
- مشكورة ما أحتاج خدماتك , بجهزها بنفسي .
التفتت إليه بقوة وحدة :
- كويس , أساسا ما أتشرف بمساعدة واحد مثلك , الله يأخذك .
لم يرد عليها , بل بقيَ ينظر إليها بنظرات كادت تحرقها .. وهو يتذكر إنهيار رؤى قبل قليل , وعدم تمكنه من التخفيف عليها بسبب إغماءه وتعبه المفاجيء .
حين صرخت حياة موبخة لجين بغضب :
- لجين احترمي أخوك .
لترد هي بصوت أعلى :
- خليه هو يحترمني قبل ويحترم أهل البيت اللي قاعد فيه .
تلك الوقحة .
عديمة الأخلاق والضمير .
كيف ترد على أمها بهذه الطريقة ؟
رد بنبرة منخفضة أقرب للهمس :
- إنتِ من يوم صرتي بذمة فهد ما عدتِ من أهل البيت يا وقحة , روحي شوفي أختك كيف حالها بعد ما طعنتوها كلكم ورحتوا لبيت القاتل المصون زوجك .
ابتعدت حياة بهدوء , متجهة إلى الحجرة التي ستعدها لهادي .
محاولة إخفاء حزنها وألمها على رؤى .
فما قالته ليس بهين .
حتى أنها ذكرت إسمها وجعلتها من ضمن من تسببوا لها بالألم .
وهذا ما لم تتمناه حياة مطلقا , وودت لو أنها ماتت قبل أن تسمع من رؤى ذلك الكلام .
ثم تلك النظرة التي رمتها عليها قبل أن تدخل إلى حجرتها , شطرت قلبها إلى نصفين .
وجعلتها تندم بشدة على ذهابها إلى منزل طلال .

أما لجين , فقد ألجمها ما قاله هادي تماما .
رغم هدوءها وقسوتها الظاهرين على ملامح وجهها , إلا أنها تألمت بشدة .
وخفق قلبها بقوة .
خاصة حين رأت حياة تبتعد بملامح متجهمة .
كأنها للتو استوعبت عدم وجود رؤى في الصالة .
وأنها لم تكن معهم في حفلة نجود البائسة .
حتى أنها شعرت بالغضب على نفسها , من أجل بقائها مع فهد .
وعودتها برفقته إلى المنزل هي وحياة .
ثم بقيت تتحدث إليه لبعض الوقت دون أن تلحق بحياة على الفور .
ما الذي حصل قبل أن تدخل هي وتجد هادي على الأرض ؟
لا بد من أنه شيء عظيم .
حتى ملامح سامي لا تبشر بالخير إطلاقا .
أين رؤى ؟
هل هي في حجرتها تواجه نوعا من الآلام بمفردها ؟
كما فعلت دائما بعد وفاة ماهر ؟
تحدثت أخيرا , بعكس ما بقلبها تماما :
- إنت أبد مالك حق تتدخل بيننا أنا وأختي تفهم ؟

قالتها وابتعدت , لتدخل إلى حجرتها وتضرب الباب خلفها بقوة ثم تغلقه بالمفتاح .
لم يشعر هادي بالسوء .
اعتاد على الأمر منذ زمن طويل .
حتى حياة التي خرجت من الحجرة بعد أن أعدتها , ودخلت إلى حجرتها بعد أن أخبرت هادي بذلك .
لم تشعر بالسوء على إبنتها لجين بسبب إهانة هادي لها وصراخه عليها .
فهما دائما كذلك , منذ صغرهما .
هادي المعتاد على تدليل أبيه له , حتى بعد فراق والدته عنها .
كان يغار بشدة من لجين .
بعد أن أصبحت هي الملكة في قلب أبيها .
وقلّ إهتمامه بهادي .
لم يسبق وأن رأت طفلا بمثل أخلاقه .
هادئا في كل الأوقات , ولكنه يخفي وراء هدوئه ذلك .. عواصف من المشاعر العنيفة .
غيرة , حقد , غضب .. وأشياء أخيرة لا تعرف كيف تحملتها منال منه .
لجين لم تكن أقل منه .
حادة الطباع , منفعلة دائما .
كلما رأت هادي إما شتمته أو أغضبته أو استفزته بأي شيء .
لم تحب يوما أن تراهما مجتمعين في مكان واحد .

جلّ تفكير حياة كان في رؤى .
التي لا تعلم ماذا تفعل الآن , بمفردها في الحجرة .
شيء ما يدعوها للذهاب إليها والإطمئنان , وآخر يريدها أن تبقى في مكانها تنتظر حتى صباح الغد .
علها تهدأ قليلا وتريح أعصابها .
رؤى نادرا ما تغضب , لذلك إن غضبت تتفوه بما تندم عليه لاحقا .
فتتعب بشدة , وتظل تعتذر وتعتذر حتى تظهر بمظهر الضعيفة الذي لا يرضي حياة .
لا تحب رؤيتها بذلك الشكل .
ليتها سألت عن رأيها بالذهاب إلى منزل عمها .
لو أنها علمت أن ذلك سيجرح رؤى لما فكرت مجرد التفكير .
حتى لو كان سامي إبنها .
لم يكن بحاجة إليها في هذا الوقت .
فأعمامه وأبناءهم وإخوته , جميعهم كانوا متواجدين .
يعني أنه ربما استطاع الإكتفاء بهم في مثل تلك الليلة الغريبة .
حتى أنها غير مقتنعة وراضية تماما .
إذا لمَ كان عليها أن تحضر ؟
وتجرح رؤى بتلك الطريقة السيئة ؟
منذ أن أخبرها سامي بالموعد وجدت نفسها مستعدة , فقط من أجل أن تسعد إبنها .
متناسية رفضها واستنكارها للأمر منذ البداية .
وأيضا , لم تفكر بتلك المسكينة أبدا .
آآآه يا نجود , ما الذي فعلته بأبنائي ؟
أولا ماهر الذي راح على يد أخيك , ثم سامي .. والذي بخطبته جرحت رؤى .
وجعلتها تشعر بذلك الألم العميق مجددا .
وتشعر بفقد أخيها من جديد .

****.

الحاضر ...

توقفت الجوهرة أمام حجرة هينا مقطبة جبينها , وعيناها متسعتان وهي تسمع صراخها الغريب من الداخل , متذمرة :
- الحين إيش فيها لو قصيت هالشعر الزفت وارتحت هااه ؟ لازم كل يوم أنتظر ساعتين عشان يجف ؟ ليته كان طويل بس إلا كثيف ويزعجني بقوة آآآآآآآه .
فتحت الجوهرة الباب ونظرت إليها بغرابة شديدة , خاصة حين التفتت إليها هينا وأكملت بغضب :
- غير كذا ما أحب اجففه بالإستشوار , يدي تنشل على ما أخلص , ليش ما أقصه ؟
تقدمت منها الجوهرة , حتى وقفت أمامها .. وصارت تنظر حول هينا تبحث عن هاتف أو بشر أو حتى ربما جان ذلك الذي كانت تصرخ به وتتحدث إليه بهذه الجدية .
ارتبكت هينا وتوترت , وتنحنحت لتعدل صوتها الذي كاد يختفي بسبب صراخها , لتقول بهدوء وهي تنظر إلى الأسفل :
- كنت أكلم المرايا .
رفعت الجوهرة عيناها إلى هينا , تتفحصها وكأنها تراها للمرة الأولى .
كانت ترتدي رداء رياضي باللون الوردي , وشعرها المبلول على كتفيها الإثنين , بينما وجهها متورد بشدة .
رفعت كفيها وتلمست وجنتي هينا , لتقول :
- إنتِ بخير ؟
ابتسمت هينا بغباء , لتبدوا كالأطفال تماما .
حين ابتعدت عنها الجوهرة تهز رأسها بإستياء :
- مرة ثانية يا خبلة لا تصرخين وتكلمين نفسك بهالطريقة , حسبتك انجنيتي .
ضحكت هينا وهي تلتفت وتواجه المرآة مرة أخرى :
- بس صدق يمه ليش ما أقص شعري ؟ والله تعبني حيل .
نظرت الجوهرة إلى شعر إبنتها , والذي دائما يجعلها تشعر بالسعادة بمجرد النظر إليه .
من شدة جماله .
فقد طال جدا حتى وصل إلى أعلى فخذها .
لونه الطبيعي والمائل إلى البني الغامق , ونعومته وكثافته .
كل تلك الأشياء جعلتها ساحرة المنظر .
إبنتها تمتلك كل مقومات الجمال , سبحان من خلقها .
- لا يا هينا , إياك تفكري تقصيه .. راح تندمي صدقيني .
تأففت هينا وهي تكمل تجفيفه :
- مو هذا اللي خايفة منه , أندم بعد ما أقص .. بس صدق , زي الزفت صاير شعري , ما ينشف إلا بالموت .

نظرت إليها الجوهرة وهزت رأسها مرة أخرى , هينا لن تكبر .. أبدا :
- الله يعينك أجل , أنا بروح أتجهز وانتِ بعد خلصي بسرعة , لا أسمع صوتك وانتِ تكلمين نفسك مرة ثانية مفهوم ؟
خرجت لتترك هينا تكمل الصراع والعذاب مع شعرها .
لا تجففه بتلك الطريقة دائما .
بل فقط حين تكون مستعجلة .
أما في باقي الأيام فتتركه يجف بمفرده .
انتهت أخيرا .
لتضع الإستشوار جانبا وتسقط يديها بتعب .
ظفرته بطريقة عصرية أنيقة , ثم بدأت بوضع بعض المكياج على وجهها الخالي من العيوب تماما .
حين انتهت أعادت أنظارها إلى شعرها مجددا , وأظلم وجهها فجأة .
وهي تتذكر ذلك الشاب .
الذي سيفقد شعره بسبب العلاج الكيماوي ..!
هل حقا سيحدث ذلك الشيء ؟
هل سيصبح أصلعا ؟
بعد أن امتلك هذا الشعر الجميل الكثيف الداكن ؟
والمصفف بطريقة جميلة ..!
تبا لكل تلك الأفكار الغبية , وشعرها الذي أجبرها على التفكير بذلك الغريب , وكأن هناك مجال للمقارنة ..!

اتجهت إلى خزانة ملابسها .
لتخرج فستانا أنيقا , باللون الأسود .. طويلا وساترا .
ابتسمت برضا على مظهرها .
ليان تحب أن تراها محتشمة , وتنصحها دائما بإقتناء ما لن يجعل والدتها تقف أمام الله مسؤولة عن ملابس إبنتها , العاقلة والبالغة .
تغيير كبير وجذري ذلك الذي حصل في حياة هينا , بعد أن دخلت ليان إليها .
أصبحت أكثر إلتزاما وإنتظاما من السابق .
إلا أنها لا زالت غير مقتنعة بفكرة تغطية الوجه .
وكل ما ذكرت ليان ذلك الأمر بأسلوبها الجميل والمحبب , دون ضغط أو إكراه .. تذكرت محمد .
تلك الليلة حين سألها عن سبب عدم غطاءها لوجهها , تجاهلته وغيرت الموضوع .
لأنها حتى هذا الآن , لا تملك سببا حقيقيا واحدا ومقنعا بشدة لعدم ارتداءها للغطاء .
هل فقط لأن عائلتها تعيش بشكل مختلف ؟
وقريباتها لا يفعلن ذلك ؟
سبب غير مقنع أبدا , وبعيدا عن المنطق .
لا ترفض الأمر تماما , إلا أنها لا زالت غير قادرة .
ستفكر مرارا وتكرارا , وستفعل ذلك في يوم من الأيام بكل تأكيد .
فهي محجبة منذ الصغر , قبل أن تدخل سن البلوغ حتى .
ولم ترتدي يوما لباسا ضيقا مع الحجاب .. إلا مرة ومرتين حين سافرت .
أما في باقي أيامها .
ترتدي عباءة واسعة , وطرحة أوسع .. تغطي جميع مفاتنها غير وجهها الجميل بالطبع .

كانت سيارة والدتها تقف أمام منزل غسان بعد ساعة .
لتنزل هينا بلهفة , وتتجه نحو الباب بخطوات مسرعة .
ابتسمت الجوهرة وهي تنظر إليها من الخلف , ثم تنزل حاملة إبنها الصغير .. وراءها بناتها .
هينا تلك المغفلة , يبدوا أنها تحب هذا المنزل ومن به أكثر منها هي وزوجها .
سابقا كانت مشغولة بغسان , الآن أصبحت متعلقة تماما بليان .
حسنا , الجوهرة شعرت ببعض الغيرة ..!
طرقت هينا الباب , ففتح لها خالد الصغير .. ورفع رأسه ينظر إلى الطارق , ثم ما لبث أن أبعد هينا بقوة وركض تجاه أختها , ليمسك بكفها بسعادة :
- وأخيرا جيتوا يا لما .
اتسعت عينا هينا بدهشة مما فعل , وضحكت الجوهرة وهي تدخل .
اقتربت منه وهي تضع يدها على خاصرتها قائلة بحدة مصطنعة :
- ما شاء الله تستقبل أختي زي الناس وأنا تبعدني كذا يا ناكر المعروف ؟ هاا ؟
رد عليها خالد ببراءة :
- أنا ما أحبك إنتِ , بس أحب لما .
انحنت تضع يدها على صدرها , وشهقت تمثل الصدمة :
- يا حيوان , تتغزل بأختي ؟ مين سمح لك هاا ؟ يعني تتوقع بوافق ازوجك إياها ؟
قبل أن يجيب خالد , ويبتعد ممسكا بكف لما الصغيرة ذات الأربع سنوات .
أجفلها صوت رجولي من خلفها :
- مو زين تقولين مثل هالكلام للصغار يا هينا .
مهلا ..
هل توقف كوكب الأرض عن الدوران للتو ؟
أم هل رش أحدهم مثبت قوي على عينيها ؟
لتتوقف عن الرمش تماما .
وجسدها عن الحركة ..!
أم ما الذي حدث بالضبط ؟
هل صوته هو المثبت الذي جعل جسدها يتصلب بهذا الشكل .
لتلتفت ببطء تام , وتواجهه .. فتلمع عيناها بحنين غريب وقديم .
وتلين ملامحها بشدة , فتقول بصوت خافت أقرب للهمس :
- محمد .

ابتسم محمد دون أن ينظر إلى وجهها :
- إيش ؟ قلت شيء غلط ؟
لم تحرك عيناها من عليه , وبدت كأنها لم تسمع شيئا مما قاله :
- هاا ؟
ضحك :
- لسه بقيتِ مثل ما انتِ يا هينا , فاهية طول عمرك .
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تشعر بالتوتر الشديد :
- إيش قلت ؟
عقد حاجبيه :
- قلت أنك ما تغيرتِ , وإنك فاهية مثل ما تعودتك .
ابتسمت بإرتباك :
- لا , قصدي أول .. إيش أول شيء قلته ؟
هز رأسه بإستياء من غبائها وعدم تركيزها :
- مو زين تقولين للأطفال كلام مثل اللي قلتيه لخالد , تتغزل وما تتغزل .. بعد كذا بتكوني المسؤولة عن أي تصرف غلط إذا كبر .
نظرت إليه بإزدراء :
- ليش ؟ ما قلت كلام كبير .. بعدين هو ما يفهم , وراح ينسى أكيد إيش دخلني بعدين إذا كبر وعقل ثم غلط ؟
- لأنه ما يفهم يا هينا , راح يحسبه كلام عادي ويردده في ذهنه ويصير مثل الكلام البديهي .
تأففت بداخلها وهي تعود وتنظر إليه :
- لا تبالغ محمد .
قال وهو يدخل يديه بجيبه ويحرك كتفيه :
- تمام , أنا ما تدخلت إلا لأني شايف هالتصرف غلط .. وانتِ بكيفك , كبيرة وعقلك براسك عشان تفرقين بين الصح والغلط , قولي لي .. إيش أخبارك ؟ وكيف دراستك ؟
أخفضت بصرها وهي تفرك يديها بتوتر , ما زالت غير مصدقة أنه أمامها ويتحدث إليها , ويجري هذا الحوار الذي لا يستوعبه عقلها بسبب المفاجأة والصدمة , كيف تجرأ ووقف أمامها ؟
بعد أن رفضته ..!
من أين له هذه القوة والشجاعة .
بينما هي تكاد تموت في مكانها خجلا وارتباكا :
- كله تمام الحمد لله , وانت ؟
لا زالت أنظاره بعيدة عن وجهها الفاتن , ما جعلها تشعر بالجرح والإهانة بسبب تجنبه للنظر إليها :
- الحمد لله , بأحسن حال .
اعتدل في وقفته قبل أن ترد :
- ادخلي هينا , يا ليت تغطين وجهك .

قالها وابتعد موليا ظهره إياها .
لتتسع حدقتيها بصدمة من تصرفه الغريب .
حتى أنها شعرت بشيء من الغضب يسري بها .
ما شأنه هو ؟
إن لم يرد النظر إليها , لا يفعل إذن كما حدث للتو .
واستطاع أن يتحدث إليها دون أن يرفع عيناه ولو قليلا .
لا شأن له في الباقي .
التفتت لتدخل من الباب المفتوح على مصراعيه منذ البداية .
وهي تفكر بالسبب الذي جعله يأتي إلى منزل عمها , وفي هذه المناسبة الخاصة .
التي أعدتها ليان لقريبات زوجها .
هل لا زال صديقا لغسان ؟
هل لا زالا على تواصل ؟
نعم لمَ لا ؟
هل كان على غسان أن ينهي صداقته الجديدة بمحمد لمجرد رفضها ؟
حين دخلت إلى الداخل بعد أن خلعت عباءتها في الممر , وأعطتها لإحدى شقيقاتها التي أمرتها أن تسبقها .
انصدمت أكثر وهي ترى ضيفة لم تتوقعها .
والتي عرفتها على الفور وتذكرتها .
تلك الفتاة في عرس أبرار , والتي عرفت عن نفسها بكل ثقة ومرح .. قائلة لأبرار :
( المحامية الفذة عالية زوجة محمد ولد عمك , على فكرة لسه قاعدة أدرس ما صرت محامية بس قريبا إن شاء الله , وتراني صادقة .. بصير صديقتك .. إذا قبلتي طبعا ) .
جلست هينا على أريكة مفردة بجانب إحدى بنات عمومتها .
بعد أن سلمت على الجميع .
حتى مرت بعالية .
التي سلمت عليها بود ورحبت بها , مثلما فعلت مع الجميع .
ثم نظرت إليها بذهول وإعجاب :
- بسم الله عليك , إيش هالجمال يا هينا ؟ ليان كلمتني عنك بس صراحة ما توقعتك بها الجمال الله يحفظك .
ابتعدت هينا بعد ان ابتسمت لها بنعومة وارتباك لم تلحظه عالية .
ظلت طوال الوقت تراقب عالية .
التي كانت تتحدث إلى الجميع بمرح وتضحك وكأنها معتادة عليهم .
بعد التفكير الطويل والتأمل , وجدت فعلا أنها تناسب محمد .
فهو طيب , يستحق فتاة طيبة مثل عالية .
عقدت حاجبيها تناقض فكرتها ؟
هل هو طيب فعلا ؟
إذا لم يكن عليه التدخل , ولم يكن عليه أن يأمرها بتغطية وجهها بتلك الطريقة .
ولكنه حقا .. كان طيبا .
لم يؤذها أبدا , ولم يجرحها .
بل حتى بعد أن رآها بعد أشهر , تحدث إليها بكل هدوء .
ولم ينظر إليها , إحتراما لزوجته ربما .

وما الذي قالته عالية ؟
أن ليان حدثتها عنها ؟
حتى تاقت لرؤيتها ..!
ليان ربما لا تعرف شيئا عن خطبة محمد لها .
وإلا لما تحدثت لزوجته عنها بتلك الطريقة الرائعة التي تجعلها تتوق لمقابلتها .
بعد نصف ساعة , تفاجأت هينا بعالية تجلس بجانبها .
تتحدث إليها قائلة أنها تريد التعرف عليها .
ما جعلها ترتكب أكثر عن السابق , ويحمر وجهها .
في هذه اللحظة , كرهت جرأة عالية .
أكثر مما كرهتها حين عرفت بنفسها أمام أبرار .
هذه المغفلة , لا تعرف شيئا عن زوجها وماضيه .
لا تعرف أن محمد كان مغرما تماما بأبرار .
ولا تعرف أنه كان ينوي الزواج بها ..!

______

واشنطن ...

يجلس برفقة ليام على أحد المقاعد الخارجية لحجرة جيليان في المستشفى .
يحرك ساقيه بقلة صبر .
ينتظر خروج الطبيب وكأنه يجلس على جمر .
حتى التفت إليه لِيام متذمرا :
- هلاّ توقفت عن هذه الحركة الغبية رجاء ؟ فقد أربكتني معك .
التفت لينظر إليه نظرة جعلته يستغرب بشدة ويخاف , ثم يضحك :
- لمَ تنظر إليّ هكذا ؟
زفر بضيق وهو يعيد أنظاره إلى الأمام .
حين أكمل لِيام بهدوء وهو يستند بظهره على المقعد الحديدي :
- لهذا السبب لم أرغب أن تخوضوا في الأمر مجددا يا زياد , انظر إلى نفسك , وإلى جيليان .. كلاكما أصابكما الإنهيار لسبب مجهول , وأنا هنا أتتبعكما وأنتظر أي كلمة مثل المجنون , تاركا عملي وحياتي .
ردّ زياد بهدوء وحدة في نفس الوقت :
- تستطيع العودة إلى عملك , أما أنا فسأنتظر الطبيب حتى يخرج ثم أقتل أختك وأغادر .
التفت إليه بدهشة , ثم ضحك بصوت عالٍ .
ليردف زياد بصوت أعلى :
- لماذا تضحك ؟ أنا محق .. ما فعلته معي غير معقول , ذهبت بي إلى مكان غريب يسكنه الجن , ثم جلبت معها مجنونة أخرى لتفقدني أعصابي .
ابتسم لِيام بسخرية :
- هذا ما قصدته تماما منذ البداية , وحاولت منعك من الإقدام على فعل سيجعلك تندم عليه لاحقا .
صمت زياد قليلا ليرد من بين أسنانه :
- اصمت لِيام , رجاء .

تنهد لِيام بضيق وهو ينظر إلى زياد , ثم يبعد عيناه عنه .
يشعر بالشفقة تجاهه .
هو بالتأكيد , عاش ليلة مجنونة .. بسبب غباء جيليان , وإصابتها .
ثم تلك الفتاة الغريبة المجهولة , التي رفضت التحدث .
وكأنها بصمتها ألقتهما معا في النار .
يتقلبان دون أن يكون هناك أي حيلة أو مخرج ليشعرا بالراحة .
جيليان حتى بعد إستيقاظها لم تتحدث على الفور .
بل طلبت لها طعاما , ثم نامت بعد تناوله .
ليلتفت إلى الغريبة بغضب ويصرخ بها طالبا منها التحدث .
إلا أنها رفضت وتجاهلته بكل وقاحة .
وما إن أشرقت الشمس حتى وجد أمامه زياد , بعينين محمرتين , وملامح متعبة .
وها هما الآن .. ينتظران خروج الطبيب , الذي دخل يتفحص حالة ساقها .
مرّ بعض الوقت , وكاد يفقد صبره تماما .
إلا حين أبصر تلك الفتاة , تقترب منهما ببطء .. تنظر إلى الأسفل .
حتى وقفت أمامهما :
- صباح الخير .
رمقها زياد بإحتقار وغضب , ثم لفّ وجهه عنها دون أن يقول أي شيء .
أما لِيام , فنظر إليها بإنبهار .. غير مصدق أنها من رآها بالأمس في حالته الرثة ومظهرها السيء .

الآن تبدو شديدة الجمال , بشعرها البني المحمر .. والمنسدل على كتفيها بكل نعومة .
بشرتها ناصعة البياض , البارزة بشدة بسبب لون شعرها .
تضع مكياجا خفيفا أبرز ملامحها أكثر .
ترتدي بنطالا ضيقا باللون الأسود , وقميص أصفر بأكمام طويلة .
- أهلا , صباح النور .
التفت إليه زياد ونظر إليه رافعا أحد حاجبيه من نبرته الغريبة .
حين سألت أليس :
- لماذا أنتما هنا ؟ هل يوجد أحد بالداخل ؟
أجاب لِيام وهو مأخوذ بجمالها :
- نعم , الطبيب وأمي .
تكتفت الفتاة وهي تستند بظهرها على الحائط .. مقابلهما .
خرج الطبيب على الفور .
فوقف الرجلين بلهفة , لسماع شيء عن جوليا .. لا عن جيليان ..!
ابتعد وذهب , ليدخل لِيام وراءه أليس .
وبقي زياد واقفا على النار , حتى أتاه لِيام يأذن له بالدخول .
دخل مطرق الرأس , محمر الوجه .. جسده يرتجف من شدة إنفعاله .
جيليان التي كانت تجلس مسندة ظهرها على السرير , ابتلعت ريقها وهي تراه بهذا المنظر .
بدا وكأنه مستعد لهجوم عدو بغيض مستفز .
وشعرت في تلك اللحظة أنه حقا ينوي قتلها , حين رفع عيناه ونظر إليها نظرة غريبة .
كالرصاصة التي اخترقت جدار صدرها .
هي السبب , هي من فعلت ذلك .
وهي من تسببت بكل ذلك الوجع له , ليعود إليها بكل عنف وقسوة .
قاطعت كاثرين تلك الأفكار ونظرة زياد , بصوتها العنيف والقوي وهي تقترب من جيليان :
- ما الذي ذهب بكم إلى هناك ؟ ولماذا فعلتم ذلك من ورائي ؟ ألم أقل لكم ما عرفته خلال ذهابي ؟ إذا لمَ ذهبتم بمفردكم ؟ لماذا عدتم إلى ذلك المكان ؟

استغربت جيليان من غضب أمها , لتقول بنبرة هادئة :
- أمي , كنتِ تعلمين أننا سنبحث عنها , لقد أخبرناك ...
قاطعتها بنفس الغضب :
- لم تخبروني أنكم ستتصرفون مثل الأطفال وتعودون إلى ذلك المكان الخطر .
طال غضبها إلى لِيام ثم زياد الذَين التفت إليهما :
- حسنا جيليان فقدت عقلها منذ زمن ولم تعد تفرق بين الخطأ والصواب , ماذا عنكما ؟ هل أنتما أيضا أصابكما الجنون مثلها ؟
زفر زياد بغضب وقلة حيلة وهو يتكتف ويستند بجانبه على الحائط دون أن ينظر إليها .
بينما لِيام ينظر إلى والدته بهدوء , أليس شعرت بالحرج من وجودها المتطفل بينهم .
قبل أن تتحدث وتعتذر , فاجأت جيليان الجميع , وهي تقول بنبرة منخفضة .. هادئة , تلقي عليهم الصدمة , بعد أن علمت أن والدتها لن تهديء , وأنا زياد اتتظر كثيرا , وسيفقد أعصابه في أي لحظة :
- جوليا , إنها على قيد الحياة .
اعتدل زياد في وقفته وسقطت يديه على جانبيه .
واتسعت حدقتاه بدهشة عظيمة .
فرح , مفاجأة .. عدم تصديق .
ومشاعر أخرى عنيفة عصفت به , وجعلته يتحرك من مكانه بعد أن استوعب ما سمعه ويقترب من جيليان أكثر :
- ماذا ؟ ماذا قلتِ ؟
حُبِست أنفاسها وهي ترى ردة فعله , كانت عيناها عليه منذ البداية .
- نعم , جوليا لم تمت .. بل حية , أليس أخبرتني بذلك .
التفت زياد إليها بقوة , حتى تراجعت للخلف من دهشتها من ردة فعله الغريبة .
ومن حركاته القوية .

هتف بقوة :
- أينها الآن ؟
عضت أليس شفتها , وهي لا تفهم سبب إنفعاله .
هل حقا كانوا يظنون أنها ميتة ؟
ما هذه العائلة الغريبة ؟
هزت كتفيها ببساطة :
- لا أعلم .
اتسعت عينا زياد أكثر , حتى ظنت أنهما ستسقطان أمامها بعد أن تخرجا من مكانهما .
ارتجفت من صراخه وغضبه العارم :
- ماذا ؟ لا تعلمين ؟ إذا ماذا تفعلين هنا ؟ من تكونين ؟ إن لم تجيبي الآن صدقيني ستندمين كثيرا , لن أرحمك .
اتسعت عيناها بدهشة من تهديده .
وغضبت هي الأخرى , لترفع كفيها وتقول بحدة :
- ما دخلي أنا ؟ لماذا تهددني ؟ أنا لم أكن سوى ممرضة في المنزل , ما دخلي بما حدث لزوجتك ؟
قبل أن يجيب هو بنبرته الحارقة , قاطعته جيليان بصوت هاديء أثار إستفزازه أكثر :
- زياد , تحدث إليّ .
التفت إليها بعينين محمرتين , ثم أغمض عيناه وسحب إلى رئتيه هواء عميقا يحاول تهدئة نفسه .
ثم نظر إليها مرة أخرى قائلا بهدوء :
- حسنا , تفضلي وقولي ما لديك .. فأنا حقا أوشكت على نفاذ آخر ما لدي من الصبر .

حركت أليس حاجبيها بسخرية , هل حقا لديه بعض الصبر ؟
إذا ماذا عن البركان الهائج قبل قليل ؟
أخفضت جيليان رأسها حتى لا تضطر إلى النظر إليه :
- بعد أن دخلت إلى الداخل , قابلت فتاة هناك , بداخل إحدى الغرف .. سألتها عن جوليا , قالت أنها بالفعل كانت هناك , وحاولت الهروب مع فتاة أخرى , ولكنهم أمسكوا بهما , وعذبوهما طوال شهر كامل .
قاطعها زياد بملل وغضب بنفس الآن :
- نعم هذا ما سمعته من والدتك , وماذا بعد ؟
رفعت جيليان عينيها إليه متفاجئة من مقاطعته , ثم ازدردت ريقها بصعوبة , لتكمل .. كانت تود لو أنها تقص على الجميع ما حصل معها وبالتفصيل داخل تلك الجدران المخيفة , إلا أنها وبسبب خوفها من زياد أثرت الحديث عن جوليا فقط :
- أليس , أليس أخبرتني ... أنها قامت بتمريض الشابة التي كانت برفقة جوليا طوال الوقت , وفي تلك الليلة , خدعتاها الإثنتان جوليا والفتاة الأخرى , حيث جعلتاها تتناول قرص منوم , ثم هربتا .
كانت روح زياد في تلك اللحظة تصرخ , وآخر ذرة متبقية لديه من صبره تكاد تنفد تماما , وهو يستمع إلى سرد جيليان البطيء , لم تصل إلى النقطة التي يريدها , لم يعرف مالذي جعلها تخاف وتنهار .
ولم يعرف بعد كيف عرفت الفتاة أليس عن إسمه .
أهي جيليان من حدثتها عنه ؟
تحدث قبل أن تكمل جيليان :
- ثم ماذا يا جيليان ؟ أين جوليا الآن ؟ هل تعرفين شيئا ؟

نظر الجميع إلى أليس حين أكملت عن جيليان :
- أنا سأكمل .. حين استيقظت في اليوم الثاني , وجدت نفسي مقيدة في حجرة العقاب تلك , والرئيسة الشريرة تنتظرني .. لن أتحدث عن تفاصيل العقاب الذي تلقيته بسبب تلك الفتاتان الحمقاوتان جوليا ولورنا , عرفت بعد ذلك أنهما هربتا من مكان لا يمكن أن يخطر على بال أحد , أتعلم كيف ؟ تلك الرئيسة للمنزل عملت بابا سريا في مكان خطير , قريب من العيادة , ولكن لا أحد علم عنه .. ولا أدري كيف علمت الفتاتان أيضا , ليس هذا الأمر الخطير عزيزي , ولكن الخطير أن العيادة في الطابق الأعلى , ولا يوجد هناك أي سلم يساعد على النزول إلى الأسفل أي إلى خارج المنزل , ولا أعلم أيضا كيف يستخدمون ذلك الباب .. ولكن كل ما عرفته أن تلك البقعة تحت الباب , كانت مليئة بالدم في صباح اليوم التالي , أما عن جوليا ولورنا .
صمتت لتعمل بكفيها حركة تدل على الإختفاء :
- بف , اختفتا وكأنهما لم يكونا يوما معنا .

****.

الماضي ...

منذ ما يقارب الساعة , تخرج من حجرتها وتعود إليها .
مترددة جدا .
هل تدخل إليها أم لا .
لا تعرف لماذا أصابها كل هذا التوتر .
وكأنها تنوي مقابلة أحد غريب , تراه لأول مرة .
المرة الأخيرة , سحبت إلى رئتيها هواء عميقا .. ثم وقفت أمام الباب , ورفعت يدها تنوي طرقه .
إلا أن رؤى خرجت وفاجأتها لتعود إلى الخلف خطوتين وبتلقائية .
رفعت رؤى حاجبيها بغرابة , ثم أمسكت بمقبض الباب والتفتت عنها قليلا لتقول ببرود :
- إيش ما جابوا لك الفطور ؟ خلاص الحين بسوي وأحط لك .
أغلقت باب حجرتها واتجهت إلى المطبخ بصمت .
تتبعها نظرات لجين , والتي بقيت هادئة .
بالرغم من دقات قلبها التي تسارعت , بإرتباك شديد .
وكأنها ارتبكت جريمة ما .
أو على وشك كشف شيء خطير لأختها .
تبعتها حتى دخلت إلى المطبخ وجلست فوق الطاولة :
- ما كنت بكلمك عشان الفطور ماني جيعانة , بس كنت جاية أجلس معك .
عجبا ..!
هل لجين حقا كانت تريد أن تجلس برفقتها ؟
أخيرا .
ابتسمت بسخرية وهي تلتفت إليها , تسند ذراعها على حافة الدولاب خلفها :
- ما أصدق , لجين ! لجين بلحمها وشحمها تبي تجلس معي بغرفتي ؟ هالشيء يشرفني صدق .
ثم ولتها ظهرها مرة أخرى , تتظاهر بالإنشغال .
بينما ملامحها رقت , وأظهرت حزنها .
حتى أنها لامت نفسها على تلك النبرة التي تحدثت بها .
تنهدت لجين بضيق :
- فيك شيء ؟ في أحد مزعلك رؤى ؟

لم تجبها رؤى على الفور , بل بعد عدة ثوانِ :
- ماحد زعلني .
بعد تردد , سألت لجين :
- أمس إيش صار ؟ لما دخلت لقيت هادي معصب .. وسامي .
أجابتها رؤى متأففة :
- هادي وسامي ؟ أنا شدخلني طيب ؟
عقدت حاجبيها لجين , رؤى لا تلعب مثل هذه اللعبة السخيفة , ولا تمارسها إلا حين تكون قد وصلت إلى آخر درجات فقدان الصبر .
ويبدوا أنها هي أيضا ملَّت سريعا .
إذ لم تجالس أختها وأمها ولم تتحدث إليهم منذ وفاة والدها قبل قرابة الخمسة أشهر .
وهي أساسا لم تكن تلك الفتاة المحبة للجلسات العائلية الودية .
تبا ..
هل هذا جزاءها حين تنازلت وخرجت من حجرتها في الصباح الباكر لتسأل عنها ؟
- طيب ما أشوفك خرجتِ حتى بعد ما طاح علينا هادي , إيش اللي كان مشغلك لهالدرجة ؟ حتى ما حضرتِ مــــلــ ....
تباطأت الكلمة الأخيرة , بينما الأحرف الأخيرة من تلك الكلمة أيضا اختفت .
حين التفتت إليها رؤى بقوة , بعينين مندهشتين .
وأمارات الصدمة بادية على وجهها , لتسأل بعد لحظة صمت كانت خلالها تنظر إلى لجين فاغرة شفتيها بعدم تصديق :
- هادي طاح عليكم ؟ ليه ؟ وش صار ؟
حركت يديها بلا مبالاة :
- ما أدري عنه , لما دخلت كان يتهاوش مع سامي , وطاح علينا فجأة .. الحين تلاقيه نايم بغرفة الضيوف .
تركت رؤى ما بيدها وخرجت من المطبخ مسرعة , متجاهلة لجين .
والتي غضبت حقا .
قامت من مكانها متأففة لتدخل إلى حجرتها .
وأيقنت تماما , بعد ردود أفعال رؤى .. أن الطريق طويلا جدا ربما .
وأنهما لن يتصالحا قريبا .

ولكن ظنها خاب , حين فُتِح الباب فجأة .. ودخلت منه رؤى , بوجه شاحب .
وعينان دامعتان .
تفاجأت أكثر حين جلست رؤى بالقرب منها على الأرض .
من الجهة الأخرى للسرير , والذي يواجه الجدار .
لتقول بهدوء :
- هادي مو موجود , شكله رجع البيت بعد ما صلى الفجر , قولي لي كيف كان أمس ؟ يعني .. لما طاح ؟
ردت بعد أن استوعبت تواجد رؤى في غرفتها وبجانبها :
- مدري والله , أول ما دخلت شفته جالس وكان باين من وجهه إنه دايخ أو فيه شيء يوجعه , لما قرب منه سامي يساعده دفه ووقف , ثم طاح مغمى عليه .
صمتت رؤى , شعرت بالضيق من أجله .
وتود لو أنها تعرف السبب الذي جعله يفقد الوعي .
بعد أن ذهبت إلى غرفة الضيوف لتطمئن عليه , وجدتها خالية .
لتخرج هاتفها وتحاول الإتصال به .
إلا أن هاتفه كان مغلقا .
التفتت تنظر إلى لجين , والتي كانت تنظر إليها هي الأخرى .
وكأنها تنتظر منها شيئا .
بدا وجهها في تلك اللحظة طفوليا ومشفقا .
ضحكت وهي تمسح وجهها بتعب .
- بتموتين وتعرفين إيش صار قبل لا تجين , بس لأن السالفة فيها هادي صح ؟ تطمني ما صار شيء .. بس تأكدت إنه خلاص ما عاد في أحد مهتم بالثار , واني لوحدي قاعدة أحارب عشان ماهر .
عقدت لجين حاجبيها من حديث رؤى , وراودها شعور غريب .
قبل أن تقول بتردد :
- رؤى تدرين إني دايم معك , بس انتِ متغيرة عليّ بعد ما ملك عليّ فهد .

قبل أن تبدأ رؤى في اتهامها مرة أخرى , وتقول بأنها هي أيضا تشارك فهد ظلمه , وتلومها على إرتباطها بفهد , صرخت :
- بس شيلي من بالك إنه فهد هو القاتل تمام ؟
سكتت قليلا وأغمضت عيناها , وكأنها تحاول إقناع نفسها أولا , لتكمل :
- لا عاد تتهمي فهد يا رؤى , ما راح أدافع عنه لأنه زوجي .. لا .. عشان إنتِ ترتاحين من همك , وترتاحين من هالحقد اللي معمي قلبك , الفترة اللي قربت فيها من فهد خلتني أعرفه زين , صدقيني ما يقوى يسوي هالشيء , ما يقدر يقتل أحد .
ابتسمت بسخرية بعد أن صدمتها لجين بهجومها :
- ما تدافعين عنه لأنه زوجك ممكن , بس تحبيه يا غبية , تحبيه من وانتِ طفلة مغرورة ما تنسجم مع أي أحد من أقاربها غير فهد المنحرف من يومه .. انصدمتِ لفترة بعد ما اتهمته بموت فهد , لكن بعد كذا رجعتِ تحبيه وتزوجتيه , عاندتِ الكل , حتى أبوي اللي كان يهمك رضاه أكثر من أي شيء ثاني بالدنيا , تزوجتيه وحرقتِ قلب أختك يا لجين , والحين جاية بكل قوة عين تحاولي تقنعيني إنه فهد ما قتل أخوي ؟ ليش يا لجين ؟ ماهر وش سوى لك ؟ ليش إنتِ وأخوانك كلكم تخليتوا عني وعنه بهالسهولة ؟ جاوبيني بصراحة .
- وش الدليل ؟ هااه ؟ وش الدليل يا رؤى عشان تكوني متأكدة لهالدرجة إنه فهد هو اللي قتله ؟
اتسعت عينا رؤى , وشعرت بنغزة في قلبها مما قالته لجين .
وشعرت لوهلة أن عيناها لا تبصر سوى الضباب .
صوت زين اختلط بصوت لجين في عقلها .
حين قال هو الآخر أنه لا يوجد دليل حقيقي حتى تتهم فهد .
ماذا ؟ هل فقدت جزءا من ذاكرتها ؟
هل اختلط لديها الحلم بالواقع ؟
أم أن ما تتذكره ليست ذكرياتها هي بل ذكريات شخص آخر .
تعني ما حصل بعد وفاة ماهر .
وبعد أن قالت أن فهد هو القاتل .
صدقها الجميع .
وغضبت عائلتها بشدة .
حصل خلاف بين عمها ووالدها , انقطعت العلاقة بين العائلتين .
إلا بينها وبين زين .
حقد الجميع على فهد .
كرهه الجميع .
الجيمع كان يساندها .
الآن , جميعهم أصبحوا بجانب فهد , ضدها هي ..!
رفعت عيناها إلى عينا لجين بوهن :
- بس ماهر , ماهر قــ .........
قاطعتها لجين بصوت أعلى :
- إيه , ماهر ما قال إنه فهد طعنه .. قلتِ لنا بنفسك إنه ما نطق غير اسمه ثم تقفل الخط , وهالشيء مو كافي , والله مو كافي , في أكثر من شخص غير فهد زوجي , واللي أساميهم فهد , عندك ولد عمتك فوزية , وعندنا جار بعد اسمه فهد , أو عنده صاحب اسمه فهد .

ضحكت بألم ودون إستيعاب :
- تتهمين الكل عشان تنقذين زوجك ؟ ولد عمتي يقتل ماهر ؟ ههههههههه مانتِ معقولة لجين , إيش اللي يخليهم يقتلوا أخوي ؟ كل اللي ذكرتيهم إيش الدافع اللي يخليهم يقتلوه ؟
- وإيش اللي خلى فهد يقتله طيب ؟ هو بعد ما عنده دافع .. علاقته كانت جدا عادية .
تنهدت رؤى بوجع , هل وُجِدت لجين لتوجعها بهذا الشكل ؟
لماذا تحاول إقناعها بعكس ما صدقته سابقا .
منذ ثلاث سنوات ..!
ليست لجين فقط , بل الجميع .
سوى هادي وحياة ورائد .
لن تستغرب بعد الآن , إن خرجت ووجدت الثلاثة بإنتظارها .
يقولون لها الحديث ذاته , والذي سمعته من أقرب الناس إليها .
زين وسامي ولجين .
تحدثت لجين بعد فترة بهدوء , حين لم تسمع أي رد من رؤى :
- بسبب حقدك على فهد , مانتِ قادرة تنبسطين .. لا فرحتِ لأختك , ولا لأخوك .. حتى علاقتك مع زين صارت مهزوزة بسبب هالشيء .
رفعت عيناها مرة أخرى , وقد بلغ منها التعب مبلغه .. حتى أن الدموع تجمعت فيهما , وهي تسند رأسها على حافة السرير , ملتفة بجسدها نحو لجين , كفيها على ركبتيها :
- تدرين , كنت غلطانة لما تمنيت علاقتنا ترجع مثل قبل , ونرجع نسولف ونفضفض لبعض ونمزح ولا كأن صارت في بيتنا أي مشكلة , كنت بخير لما قاطعتك , تكفين لجين .. من اليوم ورايح ما أبيك تحاولين تتقربين مني مرة ثانية لين أطلع من هالبيت , ما أبي أكرهك أكثر .

ألقت تلك الكلمات الموجعة ووقفت ببطء .
ثم خرجت من حجرة أختها بعد أن خرجت الدمعة من عينها أخيرا .
وهربت بخطواتها البطيئة جدا , حتى استقرت قدميها على أرض حجرتها .
وأقفلت الباب , لتستند بظهرها عليه بعد أن جلست وضمت ركبتيها إلى صدرها .
تنزل دموعها واحدة تلو الأخرى .
وكأنها ملّت مكانها داخل عينا رؤى .
مر بعض الوقت , حين توقفت أخيرا عن البكاء .
وصار المكان هادئا من شهقاتها .
وأمسكت هي برأسها , تنظر أمامها بعينين واسعتين .
سارحتين .
تفكر , وتفكر .. دون توقف .
تحاول حل اللغز الجديد .
تحاول كشف الغموض الذي تركته لجين بداخل عقلها , بعد هذا الوقت الطويل .
الدافع ..!
دافع فهد وراء قتله لماهر ؟
نعم , أصبحت تفكر عن سبب القتل , دون أن يتغير شيء من قناعتها , بأن فهد هو القاتل .

____

انتهى الفصل ..

Ga verder met lezen

Dit interesseert je vast

3M 145K 39
وَدُون أن أَدرِي ، كُنْت أَهوَى بِـ كلمَتي لِنَفس اَلموْضِع اَلذِي هوى إِلَيه إِبْليس حِين رأى أَنَّـه خَيْر مِن آدم . لا احـلل اخذ الروايـه ونشرهـا...
823K 36.5K 28
🔹أنا لها شمس🔹 دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحال...
28.2M 1.7M 54
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...
13.5K 551 19
تتكلم القصة عن ايزوكو الذي ينتمي الى عائلة غنية ولكن مع اسف ماتو جميعا في حريق قبل سنتين ومنذ ذلك الوقت وهو يعيش بمفرده ولكن يقرر ذات يوم ان يذهب الى...