من منا لم يكن طفلًا، وتمنى طفولة رائعة يقصها على أطفاله مستقبلًا، ومن منا لم ينلها؟
من عومل كطفل؟ ومن وقع عليه الاختيار ليكون آلة تفريغ لمرض بعض البشر، والكارثة أن أجيالًا مؤلفة وُضعت في هذا الموقف، وعوملت كحشرات مُتطفلة على هذا المجتمع الوحشي.
أظن أن هذا مُنذ قديم الأزل، ولا يقتصر الأمر فقط على العصر الحالي الخادع المُقنع بالتقدم والرُقي، ويكمن بين ثناياه الكذب، الجهل، والتخلف.
إن لمفهوم الطفولة تاريخًا حافلًا بالأعمال الوحشية، وكأن الطفل دُمية يحق للآباء والمُجتمع تحريكها كما يشاؤون، وعلى الطفل ألا ينطق بحرف! بل ويكون راضيًا أيضًا.
لطالما كان الطفل ضحية الأعمال المُرعبة المطلية بالخير، ولا يعرف شرها غير ضحيتها.
ربما نستطيع إعطاء أجدادنا منذ قديم العصور عُذرًا بسيطًا، أنهم كانوا جهلة بعقول لا تدرك مفهوم حقوق الطفل، ولكن ما عُذرنا الآن؟
مما ذُكر بالقرون الوسطى أن تربية الأطفال كانت تتسم باللامُبالاة والإهمال، والأسوأ (الوحشية)، هذا دون ذكر الفقر وارتفاع مُعدل وفيات الأطفال الرُضع الذي يصل للثُلث، وغالبًا ما يتم إرسال ذوي الأسر الصغيرة كخدم ليعملوا لدى أقاربهم.
تطور الأمر قليلًا عند بداية العصر الحديث، حيث بدأ تعليم الأطفال أصول الخلق السليم واحترام الآخر، وعام «1500» كان من المُعترف به في أوروبا على نطاق واسع أن الأطفال يمتلكون حقوقًا بالنيابة عن أنفسهم.
تساءل جان جاك روسو:
-من مُفكري عصر التنوير التابع لاستقلالية وأهداف الطفولة؟ لماذا نسلب الأفراح التي تمر بسرعة من هؤلاء الأبرياء؟ لماذا نملأ الأيام الأولى بالمرارة التي لم تعود لهم ولا لكم؟ وهذا ما أتحدث عنه.
بريطانيا في العصر الڤكتوري كانت تسمح للعائلات بإرسال أطفالهم للعمل في مصانع بأجور تعود للأب (رق مُقنن)، حيث صور حياة الشوارع في لندن تشارلز ديكنيز وغيره، مما أدى إلى تخفيض العمالة تدريجيًا حتي أكدت بريطانيا على حرمة الطفل ودور الأسرة، و مع بداية القرن التاسع عشر درس (تشوداكوف) دفع الأطفال للحصول علي حُرية اللعب، مما أدى إلى تطور المفهوم.
حتى ظهر مفهوم حقوق الطفل
و الذي لم يظهر من عدم بل ظهر من المُعاملات التي كان يتعرض لها الأطفال وكأن لا حق لهم بالحياة، فللطّفل الآن الكثير من الحقوق وبالأخص الحياة الآمنة التي لا يجدها الأطفال في قطاع غزة في فلسطين المحرومون من هذا الحق، الحرب على قطاع غزة في «2008» كانت أكبر مثال على انتهاك حقوق الإنسان وخاصة الطفل.
أشهر نماذج سوء مُعاملة الأطفال هو إهمال الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، والإهمال يكون من الوالدين نفسيهما حيثُ يُشكل آباء الضحايا نسبة 79.4% من إجمالي من يُمارسون العُنف والإهمال ضد الأطفال، مما يؤدي إلى حدوث تأثيرات ضارة على النمو الجسدي والإدراكي، و الافتقار للحس العاطفي، و يجدون صعوبة في التمييز بين المشاعر، وعند التعرض لمهام حل المُشكلات يتسم ردهم بالغضب والإحباط، و يكونون أقل حماسًا لاستكمال المهام الجديدة.
وكثيرًا ما يُعاني هؤلاء الأطفال من ذكريات مُؤلمة حيث كانوا يتحكمون في عواطفهم بكبتها، فتحدث لهم اضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب.
الاضطرابات النفسية التي تختلف آثارها من واحد للآخر، فهُناك من يلجأ للانتحار، وهناك من يهرب من المنزل، الفتيات ممن لم يحصلن على الاهتمام الأسري منهن من يلجأن للارتباط سرًا، لتعوضن ما فقدنه في بيوتهن، فحتى شجار الوالدين يؤثر سلبًا على نفسية الطفل.
كما أظهرت دراسات تصوير الأعصاب بالرنين المغناطيسي ان البناء العقلي للطفل المُهمل يكون به اضمحلال في حجم الدماغ الكُلي ، و يُعاني من ضعف تكامل النصفين الكرويين بالدماغ و تأخر نمو منطقة القشرة المُخية الجبهية التي تؤثر في المهارات الاجتماعية للطفل ، بل أنه من المُمكن أيضًا ان تنطوي عليه عواقب تؤثر على الصحة العقلية عندما يُصبح بالغًا.
إن الأهل يُشكلون أصعب عُنصر في العُنف، حيثُ يحمل الأطفال لهم حُبًا جمًا ، وبعنفهم عديد الأشكال مثل الإهمال، فإنهم لن يُلاحظوا لو تعرض للعنف من الخارج، فيتدمر نفسيًا، و من الممكن أن ينشأ وحشًا يود لو يفتك بكل من حوله انتقامًا لما حدث له عندما كان ضعيفًا مما منعه من الدفاع عن نفسه بالشكل المطلوب فيكون انتقامه وقت امتلاك القوة.
تم تحديد أن الاعتداء الجنسي على الأطفال هو أحد الجوانب الخطرة لتطور مشكلة تعاطي الممنوعات في مرحلتي المُراهقة والبلوغ، فيلجأ الطفل للمخدرات لعلها تنسيه بعضًا من واقعه، وتُخفف عنه وقعة الألم.
هذا غير زواج الأطفال والمُتاجرة بهم وعملهم في سن صغير، و اليتامى في الملاجئ وأطفال الشوارع والمعاملة التي يحصلون عليها، و عدم استمتاعهم بسن لن يأتي مُجددًا، فأفضل فترة في حياة الإنسان تمر عليه وكأنها سكين سام، تجعله يُعاني من الاكتئاب الناتج عن انتهاك براءته التي لا يتميز الطفل بغيرها، وانتهاك حُريته ولهوه الذي لن يُعوض عنهما أبدًا.
قال فتى كان يتعرض للعنف المنزلي:
-ضربني والدي ليُعلمني شيئًا، نسيت ما كان يود تعليمي إياه و تذكرت أنه ضربني.
من أضرار عقاب الأطفال:
-أوضحت العديد من الدراسات أن ضرب الطفل على رأسه يقتل من 300 - 400 خلية دماغية (التي لا تنمو مُجددًا او يتم التعويض عنها مرة أخرى)
-إذا كُنت تعتقد أن طفلك سيسمع كلامك بمجرد العقاب حتمًا فأنت مُخطئ، لأنك ستجعل طفلك يعاند، كما أن الافراط بالعقاب يجعل الطفل شخص عدواني، عنيف، وعنيد.
الحل بمصادقته، شرح الأمر له، تشجيعه بالمُكافآت الرمزية، والنزول لسنه ومعاملته كطفل، لا ككلب إن لم يسمع الكلام يُحرم من الأكل! الترغيب يأتي أولًا.
-كثرة عقابك للطفل يجعل شخصيتك أمامه لها سمة العُنف على الرغم من أنها لابد وأن تكون مصدرًا للأمان، لذلك ستجده يبتعد عنك تدريجيًا فأنت فشلت في كونك صدرًا يتكئ عليه.
-سيقوم الطفل بتكرار ما تفعله معه من عنف زائد، مع إخوته، زملائه، وحتى مع أبنائه في المستقبل، و ربما معك أنت! من يعلم؟ لا تنسى أنك من أنشأ وحشًا،
احذر فتربيتك تؤثر على جيل كامل.
إن الطفل ما هو إلا قُماشة بيضاء أنت من يلونها وتجعل لها طابعًا وشكلًا إما أن يُنبذ وإما أن يُحب، أنت من تجعل طفلك عنيفًا أو لطيفًا، أنت من تجعله يؤثر بالسلب على من حوله أو بالإيجاب، أنت من تُقرر سواء سيكون العالم بلا عُنف أو غابة مُمتلئة بالوحوش.
قبل أن تتزوج وتُنجب عزيزي، يجب عليك فهم أن لأطفالك حق الطعام، الهوية، الملبس، المسكن الجيد، التعلم، الصحة، الترفيه، والعيش براحة وحُرية، هذا ليس منًّا منك، بل فرضًا عليك.
يجب أن تقرأ وتتثقف في كيفية إنشاء بيتٍ سليمٍ يُخرج أسوياء وليس مرضى، سئم العالم من كثرة المرضى.
التحكم بطفلك أو عُنفك له سيؤثر على جيل كامل، أنت لست شُجاعًا كفاية لتتحمل ذنب كُل هؤلاء صحيح؟
الأمر لا يقتصر على إنجابك له ليكون عبدك، اخلقه أولًا ثم تكلم وتحكم.
عُذرًا يا عزيزي المُتذمر حول كُل شيء.
لا عُذر لمن هم في عصر التكنولوچيا، أين دور الدولة الواعية؟ أين نشر الوعي؟
يجب عمل برامج للتأهيل والتدريب على المهارات الحياتية، وتدريب الوالدين على تربية الأطفال وتأديبهم دون عنف وحل المشاكل بالشكل الصحيح.
فلا ذنب للطفل في تحمل جهل والديه وعنفهم، لا ذنب له في أن يعيش تعيسًا بسبب عُنف ناس لا يعرفهم، أو يعرفهم!
و بسبب إهمال دولة أو عالم لحقوق البذرة التي ستُكمل بناء هذا العالم، عالم لا ينفك يتحدث عن حقوق الطفل و مازال الطفل تُنتهك حقوقه بشكل بشع كل يوم.
أظن أن هُناك ما يشغل الدولة عن حقوق أطفالها، التي لا تكترث لكونهم سيكونوا حُكامًا في يومٍ من الأيام، ولكن هل هناك أهم من الأساس؟
للأسف الجهل والبُعد الديني والثقافي تَسبب في اتساع تلك الفجوة، أن نفعل كما فعل آباؤنا، و إن كُنا قد تأذينا ما هو إلا فعل جاهلي، كعبادة الأصنام، باختلاف المُسميات.
أظن أن الإنسان تقدم بما فيه الكفاية ليعلم أن لكل كائن شعور ولو أن أحدًا مس مشاعره بسوء سيتحول لوحش ليُدافع عنها، ولو كان قطةً وديعة، ستستخدم مخالبها في معاقبة من يمسها بسوء.
و ربما تكبر و تنتقم وتبتلع كُل ما يقف في طريقها، ومن قطة وديعة لأسد أنيابه تقطع من يحبوه قبل من يؤذوه.
لا تنس أنهم من نفس الفصيلة! و لو أنهم من نفس الجنس أيضًا!
الفصل من كتابة كريستال 💎