جزء من طفولتنا

354 61 60
                                    

هل ما زلتم تذكرون الرسوم المتحركة التي قمتم بمتابعتها وأنتم صغار؟

ربما يبدو هذا السؤال غريبًا وربما تساءلتم «هل نحن حقًّا داخل كتاب «تمرد مقالات»؟» نعم أعزائي أنا أعي تمامًا ما أسأل وأعي تمامًا أين أنا الآن ولكن لن أستغرب استنكاركم، فليس كما لو كان الجميع يعلم بأن للرسوم المتحركة أثرٌ لا يستهان به على جميع البشر ولعلها لا تترك أثرًا عاديًّا أبدًا.

فهل لنا أن نستطلع الأمر قليلًا؟ دعونا نقارن بين طفلٍ قضى طفولته يتابع رسومًا متحركةً هادفةً دُبلجت باللغة العربية الفصحى وباللفظ الصحيح الذي يستطيع منه الطفل تعلم لغته بطريقةٍ ممتازة، وبين طفلٍ قضى طفولته يتابع رسومًا متحركةً مشوهة ذات محتوى مبتذلٍ دبلجت بلهجات عاميّة أو بلغة عربية فصحى مشوهةٍ وركيكة. إن السؤال بسيطٌ جدًا ترى من برأيكم المستفيد الأكبر؟

دعونا نتفق على أن الرسوم المتحركة هي جزءٌ من صناعة شخصيّة الطفل خاصةً في وقتنا؛ هذا حيث صار الإعلام أداة توجيهٍ كالأسرة والمدرسة. يلجأ الأهالي دائمًا إلى إلهاء الطفل عبر تركه ساعات طويلةً أمام التلفاز ويختارون له الرسوم المتحركة خوفًا من أن يتعلم أشياءً سيئةً معتقدين بأن الكرتون لن يؤذي الطفل بأي شكلٍ من الأشكال، ولكن هذا غير صحيح كون الطفل أذكى مما يتوقَّع الآباء بكثير فهو يركز على كل تفصيلٍ صغيرٍ يمكن للأهالي ألّا تلاحظه حتى.

قرأت ذات مرة عبارةً تقول:
«إنن حصيلة ما يتلقفه الطفل من معلومات ما بين ازدياده -أي بعد الفطام- إلى سن البلوغ (الرابعة عشرة) تفوق كل ما يتلقاه بعد ذلك من علمٍ ومعرفةٍ بقية عمره مهما امتد عشرات السنين.»
إذًا هل لكم أن تتخيلوا مدى تأثر الطفل بما يشاهده؟

للأسف لم نعد الآن نجد رسوم متحركةً تقدم للطفل ما يمكنه أن يستفيد منه سواءً أخلاقيًّا أو تعليميًّا. صار الطفل يتعلم العنف والعادات السيئة حتى أن الرسوم المتحركة التي تعرض الآن لا تشبع فضول الطفل الذي يبحث عن أجوبةٍ وافيَّةٍ لأسئلته.

إن الرسوم المتحركة هي مصدرٌ مهمٌّ  للطفل في تعلم اللغة العربية الفصحى وخاصةً النطق بها، وتعلم مفردات جديدةً بينما لا يجد في بيئته من يحدِّثه أو يتكلم إليه باللغة العربية الفصحى.

قديمًا كانت الرسوم المتحركة مساحةً للآباء والأبناء ليجتمعوا جميعًا ويشاهدوها، لم تكن تقتصر على عمرٍ معيَّنٍ فقد جمعت الكثير من من القيّم والأخلاقياَّت التي استطاع الصغار والكبار التعلم منها، كما أن أغلبها كان مقتبسًا عن رواياتٍ عالميةٍ جذبت انتباه الكبار والصغار.

أذكر بأنّي سارعت لقراءة رواية توم سوير بعد أن رأيتها في إحدى المكتبات ولم أكن أعلم بأن الرسوم المتحركة التي شاهدتها كانت مقتبسةً من رواية! وبعدها بدأت أبحث عن الروايات العالمية التي شاهدتها ككرتونٍ على التلفاز لأقرأها. لم أكن أدرك بأن هذه هي أولى خطواتي نحو عشقٍ لا ينتهي للقراءة. كانت سببًا في تعلمي اللغة العربية الفصحى فلم أكن أسمعها لا في المدرسة ولا في البيت حتى أصبحت الرسوم المتحركة المصدر الأول لي.

أذكر بأني وجدت مع مجموعةً من عشَّاق الرسوم المتحركة القديمة، إحدى المدبلجات القدامى والتي بلغت الستين من عمرها وعادت لتصدم بكمية الأشخاص الذين كانوا يبحثون عنها ممتنين لما قدمته وما زالوا حتى يومنا هذا متأثّرين بدورها في الدبلجة. أخبرتنا بأنه كان لديهم مصحِّحٌ لغويٌّ كان يزعجهم بإيقافهم كل فترة ليصحِّح لهم أخطاء لغوية ونحوية ًككسر حرفٍ بدل فتحه مثلًا.

أجد بأن للكتب دورًا كبيرًا جدًّا هنا فلو أننا نهتم بانتقاء كتبٍ راقيّةٍ لتحويلها إلى رسومٍ متحركةٍ تحاكي عقول الأطفال وتلامس قلوب الكبار لكان هذا ليصنع تأثيرًا كبيرًا على الطفل الذي هو جزءٌ مهمٌّ من كل مجتمع.
من المهم أيضًا أن يتعلم الطفل اللغة العربية الفصحى الصحيحة التي لا يتعلمها غالبًا داخل بيئته للأسف.

فما نظرتكم حيال الأمر؟ وهل لا تزال ثمة قطرات متبقية من أنهار روح الطفولة التي جفَّت، تتواجد في دواخلكم؟

هل دفعكم التلفاز الهادف يومًا للقراءة أو الكتابة؟

الفصل من كتابة جيروشا. 🎀

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now