فضاء من ورق

296 46 14
                                    


عزيزي الكاتب.

تريد أن تصبح كتبك في متناول كل قارئٍ على سطح البسيطة؟ إليك الوصفة السحرية:

لا تمس القضايا السياسيّة، لا تكتب حرفًا عن القضايا الدينيّة، لا تفتّش في الماضي وتحلّله وتربط الحوادث وتكتشف الخطط والمؤامرات؛ فالتحسر على الماضي كالركض وراء الريح، ونهايةً لا تخدش الحياء -شبه الموجود حقيقةً- بالمواضيع الجنسيّة.

ببساطةٍ اكتب عن الفراغ، لمَ تُرهق نفسك بالكتابة والتحليل والبحث ما دامت هناك حكومةٌ ما تتصيد أيّ تهمةٍ لمنع كتبك؟

عُرف القلم أنه حر، وأنه الوسيلة لهدم المجتمع أو بنائه، دور الكاتب في المجتمع يكاد يكون غير مرئيٍّ رغم عظَمته، يملأ الكاتب دماغك بأفكاره الخاصّة، فتجد نفسك في عالمه الذي اختلقه خلسةً.

إذًا لمَ؟ لمَ تتغنّى الحكومات بشعارات الحرية وهي ترفض أي كلمةٍ عن موضوعٍ يمسُّها؟ لمَ تمنع حرية الرأي والتعبير رغم زعمها بأنها أكثر الحكومات عدالةً وشعبها أكثر الشعوب حريةً؟

لمَ لا نكتب عن قضايا جنسيّة مهمّةٍ في حياتنا؟ لمَ لا نتقبل آراء شخصٍ ما حول ديانتنا أو سيّاستنا؟ نُصلح خطايانا ونسعى للأفضل، نحترم كل رأيٍ يطرح رغم سفاهته وكذبه، نزرع في الشعب مبادئًا لا نخاف عليها من التزعزع من بضع وريقات مُعنونةٍ بعناوين مبتذلة؟ نجعل لكل فردٍ قابليَّة النقد والتصدِّي للآراء الخاطئة ودحض الإدِّعاءات؟

تعقيبًا على منع آلاف الكتب في الكويت، أود أن استعرض لكم أربع رواياتٍ ممنوعة، تمثل كل واحدةٍ منها إحدى الرباعي المحرم السابق ذكره: 

بين أزقة الكويت المهجورة والمدمرة، بين الماضي المُصاغ على شكل قصص أطفال، وبين المستقبل الأليم الذي يعايشه بطل القصة وراويها مالك الاسم المحايد، يظهر لنا في هذه الرواية تنبؤ متشائم لمصير الكويت بسبب التعصب والطائفية، رواية فئران أمي حصة لسعود السنعوسي هي إحدى الكتب التي مُنعت في الكويت دون أيّ سببٍ واضحٍ منذ ثلاث سنوات.

وفي جولةٍ ذات طابعٍ بحثيٍّ تاريخيٍّ مع الباحث الذي يحكي قصته قبل موته بوبي فرانك، تناولت رواية انتيخريستوس لكاتبها د.أحمد خالد مصطفى بشكلٍ مختصرٍ نظرية المؤامرة، ومناقشة وتحليل بعض الأحداث، واستخلاص التفسيرات ونسجها بطريقةٍ مقنعةٍ تتوافق مع النظريّة، قام كاتبها بنشر قرارٍ منعها في بعض دول عربية تكتم عن ذكر أسمائِها في صفحته الشخصية في الخامس والعشرين من نوفمبر العام الماضي.

ثم بعد ذلك تقفي طُرق الحكم وكشف المستور عن الحكام العرب في كتاب الملفات السريّة للحكام العرب للكاتبة ساندرا مكي، تناول الكتاب حياة الحكام العرب في القرن العشرين وخفاياهم، مُنع هذا الكتاب لأسباب سياسيَّةٍ واضحة.

وبعد هذه الرحلة الطويلة والشاقة، نجلس في أقرب مقعدٍ طلبًا للراحة، ونراقب الصبيّة الملقبة بهيذر تركض بمرح، هيذر التي لا تمتلك والدًا، بل عوضًا عن ذلك هي ابنةٌ لامرأتين، لُب رواية والدتا هيذر للكاتبة ليسيليا نيومان هو قضية المثليين وأبنائِهم الذين يكونون مميزين عن بقية أقرانهم.

ولكن… تقييد حرية الأقلام لا يكون فقط بعزل الكتب عن أعين القرّاء المتعطشة، هناك حل آخر سريع التنفيذ والفعاليّة؛ حيث أنه يقطع أعمال الكاتب نهائيّّا ويرتاح المعنيون بكتابته من هراءه، ألا وهو إزهاق أرواح الكتّاب.

كالكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، لقيّامه بمس أكثر القضايا حساسية -السياسة- حيث أنه كان يكتب بشكل عام عن القضية الفلسطينية وكتب الكثير من البحوث الثقافية، حيث أنه كان يعرف جيّدًا من يواجه بكتاباته وكيف يواجهه، تم اغتياله في بيروت في الثامن من يوليو عام «١٩٧٢».

وليست الحكومات أو الجهات العليا هي التي تلطخ أيديها بدماء الكتّاب، بل حتى المواطن العادي يشترك في الجريمة، حتى الشابين اللذين قاما بمحاولة فاشلة لاغتيال نجيب محفوظ بعد الجدل الذي حدث عقب نشر روايته أولاد حارتنا ووصل الأمر حد تكفيره، هما مشتركين في الجريمة أيضًا… والقائمة تطول.

نهايةً، المغزى الحقيقي من هذا المقال هو رفض تقييد الأقلام وليس التظلم لبضع روايات، لم يتم ذكر أي كلمةٍ واحدةٍ تدلُّ على التحيز لجانب معيَّنٍ سوى الحرية، وأتطلع لرؤية نقدكم للكتب السابقة إن كنتم مطلعين عليها سابقًا، أو حتى نقدًا لفكرتها العامة من الملخص القصير لها في هذا المقال.

شاركوني آراءكم حول تقييد حرية القلم، وبعض الكتب الممنوعة التي قرأتموها.

-زحل. ✨

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now