مقال شبحي

1.5K 178 489
                                    


اقتربوا يا رفاق ... فلتقتربوا أكثر!
فصدقًا نحن اليوم بحاجة لإلغاء المسافات؛ والآن فليتلفت كلٌّ منكم حوله جيدًا، وليقم بعدّ الحاضرين هنا، واحدًا واحدًا!

تسألون عن سبب كل هذا الحذر؟ نحن الآن في غمار حلقة من الرعب! أليس علينا تهيئة الجلسة وضمان أن العدد سيبقى ثابتًا حتى النهاية دون زيادة أو نقصان؟ اقتربوا بحذر وأصغوا، آملين ألّا يُقاطعنا صرير الباب أو ظلامٌ دامس يحل فجأة قادمًا من المجهول.

لمَ أنتم وأنا هنا الآن؟ ببساطة لأننا عُشّاق الأدرينالين! لأننا نملك خيالًا. «وحيث يوجد الخيال يوجد الرُعب».

لنكون أكثر اطلاعًا على أدب الرعب لابُد من تتبع مساره مع التاريخ، إذ بدأ يستقطب شريحة واسعة من القُراء منذ تسعة قرون وبدأت جذوره مع الأساطير كمصاصي الدماء والمستذئبين وفرانكشتاين. ثم أخذ بالنضج والتطور، تفتحت من براعمه السوداء أنواع عدة، كالخيال القاتم المتمثل بالرعب النفسي؛ هل سبق وأن لمحت عند زاوية عينك ظلًا يرتعش ثم التفتّ فلم تجده؟ هل سبق وأن هز كيانك صفير لا تعلم له إتجاهًا؟ هل سبق وأن ارتعشت دونما سبب إلا ثقل الهواء في مكان مغلق جديد وطأته قدماك توًا؟ نعم، هذا هو الرعب النفسي وليد المجهول! أنت لم ترَ أنيابًا أو أثارًا للدماء أو مخلوقًا غريب الهيئة يترنح! أنت خائف من الأثار التي يخلفها الرعب وراءه، أنت خائف مما يؤول إليه تتبعها! هذا هو الرعب النفسي، باب مغلق يمتد مساحات شاسعة من المجهول خلفه. هلّا تأكدت فضلًا أنه ليس باب غرفتك حاليًا؟

ماذا عن أحداث قصصية مرعبة جرت في ماضٍ قريب أو في الوقت الحالي ولجذورها امتداد في الماضي؟ عن الرعب التاريخي هنا نتحدث.

ولا ننسى تراكيب الرعب المشهورة حيث القاتل والسفاح ذو الفأس، الوحوش على كافة أنواعها والمسوخ، مع كل ما يصبغ الأراضي والجدران دماءً. هذا هو الرعب الدموي الصريح والأكثر شيوعًا، عدا أن بعض القُراء والنُقاد يرون أن المبالغة في هذا الصنف تجعل الأدب تجاريًا رخيصًا، هكذا تطورت كتابة الرعب؛ التصنيف الأكثر شيوعًا حتى بات حاليًا مزيجًا ين الرعب النفسي والدموي العنيف.

كان الأمر ليكون روتينيًا لو أني أمسكت صحيفة وعدّلت نظاراتي كخبير تاريخي -ممل- ملم بالتفاصيل كافتها دون نقاش، ولربما أخذني بعض الغرور ورمقتكم بمقت من أعلى العدسات مطالبًا إياكم بنظرة مرعبة أن تصمتوا تحت شعار: «ستعيشون أدب الرعب حقًا لو تمت مقاطعتي» فأنتم تقاطعون بكثرة وهذا مزعج بحق!

يال قراء آخر زمن ويال الانحدار في الذوق العام! تحتاجون رعبًا واقعيًا أليس كذلك؟ أو مهلًا... أهذه أصواتكم من الأساس؟ على كل لنتجاهل تلك المقاطعات مهما كانت، أنا أسمع وأنتم تسمعون، أنا أهلوس وبدوركم تهلوسون، فليكن! ومن يكترث؟ لعل شبحًا حزينًا أتى يسمع عن قومه بعد ظنه أنه منبوذ، أو لعل وحشًا اعتصر الألم قلبه من برود القراء أتى يشاركنا السمر، فلنسعد هذه الكائنات ببعض من حكايانا!

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now