على الخشبة ألوان

333 47 147
                                    

خطوة للأمام، حرّك قبعته، ورقصة لم يتحرك خلالها، تلتف البطلة حوله فينحني كالنبلاء، وأخيرًا يتحرك جاعلًا راقصة الباليه تنحني بثقة هوجاء، تنحني كأمواج البحر فجر الشتاء، لا وقت لديها لانتظار ذراعه التي ستنقذ إياها ورقصة المسرح، هي وحسب تنحني... وتسقط!

لعله كان جزءًا من الرقصة التي أهملها البطل؟ لا بد وأنه قد خطط لجعلها مميزة، ما الأكثر تميزًا وواقعية من كسر في عمود الراقصة الفقري أمام الجمهور؟

والآن، من التالي؟ من يرغب بأداء رقصة أدبية مع مستر شبح؟ الساحة لكم، والكسور العظمية منكم وفيكم، فأهلًا بكم في مقال الأدب المسرحي!

المسرح هو من أقدم الفنون الأدبية التي عرفتها الحضارة الإنسانية. فمنذ زمان بعيد أقام الإغريق مسارحهم في مناسبات دينية ووطنية؛ فعرفوا المأساة والملهاة، وتناولوا موضوعات دينية، واجتماعية، وأدى مسرحهم دوره في تعليم مجتمعهم.

وأعدوا شروط المسرح، واستفاد منها حتى كتاب العصر الحديث. وعن هؤلاء أخذ الرومان ثم الفرنسيون والإنجليز والألمان وعنهم أخذ العرب هذا الأدب وظهر المسرح العربي.

ممل جدًا لا؟ أتدركون أنه نسخته حانقًا ولصقته حتى أني بالكاد قرأتُه؟

سيداتي وسادتي مربى البرتقال والفراولة، خشبة المسرح لي والحضور أنتم، لن نتجاوز العادات الشبحية المتضمنة غليونًا راقٍ ودخانًا يتماهى مع الهواء. وعلى ذكر ذلك، هل تعرفون كيف انتهى الأمر بلندن مدينةً للضباب؟ لأن سيد شبح دخّن هناك مرة فملأها دخانًا وضباب، ولا تزال بصمته أبدية هناك.

بعيدًا عن أجواء لندن الشيكسبيرية -التي سنعود لها لاحقًا- كان علي -وللأسف- التدرج معكم تاريخيًا في الأدب المسرحي. كنت لأرغب بتجاوز الأساسيات، بل بتجاوز كتابة المقال بأكمله، أثق تمام الثقة أن كثير منكم ينوي المرور مرّ الأرنب العجول لبلاد العجائب بالمقال، مع تساؤل حول ضرورة، أهمية، بل المغزى من مقال كهذا!

نحن قاصون وروائيون، نغزل نصوصًا قصصية، أو روائية، فما شأننا بالمسرح وأدبه؟ أتساءل مثلكم... ولربما ما كنت لأكتب مقالي هذا، من مكاني الفخم هذا لولا عثوري على جواب واضح هنا أمامي في الواتباد بحد ذاته! وهذا ما سأستدرجكم ليس لاختطافكم والقتل، بل لمعرفة السبب وإياي.

ما الأدب المسرحي؟ أهو تلك الرقعة الضوئية على خشبة تعلو عن الأرض لترتفع نحوها أحداق المشاهدين؟ لتشعرهم أنها في بعد وعالم آخر؟ الخشبة التي يتألق عليها سيد شبح؟ هو يتألق نعم، هذا ما لا شك فيه، لكن خشبة المسرح ومؤثراتها، الإخراج، الأداء، التمثيل وكل ما نراه بصريًا، ليست إلا الخطوة الثانية التي تبزغ للنور، تشرق حتى تكاد تحيل الخشب رمادًا إن نجحت تلك العناصر المرئية في محاكاة العنصر الأولي والمادة الخام، والذي هو: (النص المسرحي) البذرة الأولى لحياة المسرحية التمثيلية، سر وجودها وذات خليط كيميائي متجانس مع الأداء الفردي.

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now