كالنقش في الحجر

412 73 44
                                    

هل بدأت تقرأ منذ الصغر؟

هل استمتعت بالقراءة منذ الطفولة؟ هل شعرت بأن هذه الموهبة انبثقت لديك منذ الصغر؟

هل تذكر تلك الكتب الصغيرة والبسيطة التي قرأتها وبعثت فيك المتعة، وشجعتك على القراءة أكثر؟

هذه الكتب المتواضعة التي أثرت بك، وبدأت تبدو لك مملة عندما كبرت، هي الخطوة الأولى التي سلكتها وصولاً إلى ما أنت عليه الآن.
إنها بداية كل شيء، بداية مخزون ثقافتك الفكرية، واللغوية، والثقافية، وبداية انجرافك للقراءة، ثم الكتابة حتى أصبحت كاتبًا بالفعل.

ما كنت تقرأه في الصغر ينتمي إلى أدب يدعى أدب الطفل، وقد بدأ في القرن العشرين عندما وجه اهتمامًا بالغًا، يعنى بالذات الإنسانية خاصةً في الفترة التي تلت الحرب العالمية الأولى، إذ عكف علماءُ النفس والتربية والاجتماع على دراسة نفسية الطفل بوجه خاص من خلال ملاحظة سلوكه، ليصلوا إلى أنّ الطفولة مرحلة من حياة الإنسان لها استقلاليتها وخصوصياتها ومميِّزاتها.

واكبت ظهورَ هذه النهضة العلمية حركة أدبية وجَّهتْ جهودها إلى تأسيس أدب خاصٍّ بالطفل، له قواعده وأساليبه وفنيَّاتُهُ، وكانَ من رُوَّادها شعراء وأدباء وفلاسفة ومفكرون أثروا مكتبات المعمورة بنصوصٍ موجهة للصغار تُراعي مُستواهم العلمي، وتتماشى مع مُتطلباتهم الثقافية والتربوية؛ فظهرت نتيجةً لذلك مطابع خاصة تشرف على طباعة ونشر هذا النوع من الأدب دون غيره، بتقنياتٍ فنيةٍ عالية (كالرسوم وأغلفة الكتب المبتكرة بألوان وتصميمات فريدة) تناسب مضمون تلك الكتب.

في العالم العربي ظهرت أولى بوادر الكتابة في أدب الطفل على يد أمير الشعراء أحمد شوقي «1868 -1932م» الذي تنبه مبكرا إلى حاجة الطفل العربي إلى هذا الضرب من الأدب، فألّف قصائد شعرية متعلقة بهذه الفئة العمرية، كقصيدة «الصياد والعصفورة» و«الديك الهندي» و«الدجاج البلدي» التي ضمَّها لديوانه «الشوقيات» الذي صدر في «1898م».

أمَّا ما دوِّن قبل شوقي من أدب، فلم يُسطر خصيصًا للأطفال، كما صرَّح بذلك الدكتور علي الحديدي وغيره من الدارسين، فلا يمنع مِن أنَّها كانت مصدرًا غنيًا بالقصص والأشعار التربوية الهادفة، التي اختار منها المربون في العصور المتأخرة ما يناسب عمر الطفل وقدراته.
ومن هذا المنطلق تَصدّى بعض الكتّاب في العصر الحديث لإعادة كتابة حكايات «ألف ليلة وليلة» تنقيحه من الخرافات والخوارق وبعض المشاهد الإباحية وتقديم فصول منها كتمثيليات على خشبات المسارح.

بعد عهد شوقي برز اسمٌ لامعٌ يصنف على رأس رواد أدب الطفل في مصر والعالم العربي اقتباسًا وترجمة وتعريبًا، ألا وهو كامل الكيلاني «1897 -1959م» الذي بدأ مشواره الأدبي بتأليف قصته الشهيرة «السندباد البحري» في 1927م، كما كَتَبَ رائعته «من حياة الرسول» التي ذلل ويسَّرَ فيها سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لتتماشى مع فهم وإدراك البراعم الصغيرة ثم تابعَ كتابة قصصه مستندًا فيها إلى التراث العربي حينًا، وإلى التراث العالمي حينًا آخر، كل ذلك في سبيل تشييد ثقافة واسعة للطفل عن طريق الإمتاع!

ثمَّ دوّت أسماء أخرى واصلت المسيرة فأبدعت في هذا المجال لأهداف تعليمية تربوية في معظمها، نذكر منهم على سبيل المثال أحمد نجيب «1928م» وعلي الحديدي في مصر، وسليمان العيسى «1921 -2013م» في سوريا، وجعفر الصادق في العراق.

إن كتابة قصص الأطفال ليست بالأمر الهين، وليس من السهل ابتداع قصة تناسب الأطفال و تتماشى مع عقولهم، بل والأكثر صعوبة هو ترك تأثير حسن في نفوس الأطفال حتى تتحقق الغاية من القصة.
إن لم تكن القصة تضيف شيئًا لثقافة الطفل فهذا يعني بأنها لم ترتقِ بعد لتنتمي إلى أدب الطفل.

وإني لأعتقد بأنه يجب توجيه اهتمام أكبر لأدب الطفل لأن تشكيل ثقافة الطفل بطريقة جيدة نافعة يبشر بجيل نافع ومثقف يحب القراءة وعمل الخير، جيل واعٍ يستطيع تحليل ما يحدث حوله ويفهمه، ولا ننسى طبعًا بأن للقراءة فوائد كبيرة للطفل مما يدفعنا لتقديم قصص تلفت انتباه الطفل، وتغذي ثقافته.

القراءة تساهم في تقوية المهارات الاجتماعية، ومهارات الكتابة والمفردات، وتنمية القدرة على بناء المعرفة الشاملة، والمساهمة في إدراك ومعالجة الأفكار المعقدة، بالإضافة إلى تحسين القدرة على تحديد الغايات المهنية، وإدراك نتائج السلوكيات الخطيرة، وبالإضافة إلى الذكاء، فإن القراءة تجعل الأطفال أكثر تعاطفًا ووُدية، حيث يمكن للكتب أن تُعلِّم الأطفال الحرص على مشاعر الآخرين، وأخذها بعين الاعتبار، والنظر إلى الأمور من وجهات نظر متفاوتة.

إنَّ أدب الطفل بوصفه ظاهرة إبداعية؛ بات ضرورة مُلحة، خاصة في عصر لم تعد فيه الأسرة المبرمجَ الوحيد لشخصية الطفل وفكره، فإذا كان أدب الطفل في الغرب قد بلغ الغاية، نظريًا وتطبيقيًا، فكرة وتجسيدًا، فإنَّه في عالمنا العربي يحتاج إلى دفعة قوية، سواء ما تعلَّقَ بالإبداع الأدبي أو الإخراج الفنِّي أو التجسيد الدرامي للنصوص. لهذا تبقى دراسة أدب الطفل تفتقر إلى جهد إضافي واهتمام أكبر وعناية أكثر، لأنه أدب لا يقل أهمية عن أدب الكبار، بل قد يفوقه.

الفصل من كتابة العضو جودي.❤

تمرّد مقالاتWhere stories live. Discover now