الرثاء في الشعر العربي

176 35 13
                                    

المعنى اللغوي للرثاء:
رثَى، يَرْثِي، ارْثِ، رِثاءً، ورَثْيًا، فهو راثٍ، والمفعول مَرْثِيّ، رثى الميِّتَ بكلمة ونحوِها رثاه، عدّد محاسنه وبكاه، رثاه بقصيدة.

• رثى لحاله: رقَّ ورأف بحاله وتوجَّع له، رثى للتُّعساء/ للشهداء، حالته النفسيّة تدعو للرِّثاء، شيء يُرثى له: يستدعي الشَّفقة.

ويرتبط المدلول اللغوي لــ «الرثاء» بالميت والبكاء. وهما في الأصل مصدر للفعل «رثى» فيقال: «رثيت الميت رثياً ورِثاءً ومرثاةً ومرثية، ويدل «رثى» في أصله اللغوي على التوجع والإشفاق» وأخذ مدلول الرثاء يرتبط بالقصيدة الشعرية، ويقول ابن فارس: بأن «الراء والثاء والحرف المعتل أُصَيْلٌ على رِقّة وإشفاق. يقال رثَيْتُ لفُلان: رقَقتُ. ومن الباب قولُهم رَثَى الميِّت بشعرٍ. ومن العرب مَن يقول: رَثَأْت.»

الرثاء:

أحد فنون الشعر العربي البارزة، بل إِنه ليتصدرها من حيث صدق التجربة، وحرارة التعبير، ودقة التصوير. ويحتفظ أدبنا العربي بتراث ضخم من المراثي منذ الجاهلية إِلى يومنا الحاضر.

المقدمة:
إذا كان المدح - على الأغلب - نفاقًا، وتكلفًا، وارتزاقًا، وتملقًا، وكذبًا، ومن هنا تأتي مقولة الشاعر العظيم، الانتهازي العليم، البحتري النديم القديم: «أعذب الشعر أكذبه!»، أكذبه لماذا؟ ببساطةٍ... المدح موضوعه موضوعي، أي الشاعر المادح يحاول أن ينظم ليشبع رغبة وحاجة السيد الممدوح!!، أمّا الرثاء الذي لا يسلك طريق المدح لإرضاء ذوي المرثي، فهو أحاسيس وخوالج ذاتية مبعثها «أنا» الشاعر ليلبي حاجات مشاعره النفسية المكبوتة في وعيه ولاوعيه عن ذكرياته، وتشابك علاقات المحبة، والحنان، والعطف مع الفقيد الذي انتزعه القدر من ميكانزمية تفاعله الخلوي، ووجدانه النفسي بآلامه ولذاته.

ولا أعني هنا أن الشاعر يتخلى عن «الأنا العليا»،
والـ «هو»، والظروف البيئية الموضوعية، الأمور متداخلة، متمازجة لا يمكن فصلها بحدود، ولكن لا يتكلف الشاعر لإرضاء مشاعر الآخرين على حساب المشاعر الإنسانية الحقيقية الصادقة التي تفيض بها النفس الشاعرة، فتسكبها على شكل إبداع خالد بتعبيره النافذ الخارق لوجدان الآخرين وعقولهم، وتصويره الدقيق للحالة الإنسانية في أسمى معانيها.

والرثاء أنواع منه الندب ينسكب إبان لحظات الموت ممزوجًا بالبكاء والنحيب والشجي، ومنه التأبين وهو مدح خصائل الميت والثناء عليه بعد أن تهدأ العواطف وتخمد جذوات النفوس، ومنه العزاء وتعمقه في فلسفة الحياة والموت، والصبر الجميل.

وينقسم هذا التراث إِلى ثلاثة ألوان هي: الندب، والتأبين، والعزاء.

1 - ندب الشعراء: والرثاء يسمى الندب إن تناول لحظات المعالجة لفراق الروح جسدها، جاء من الشاعر نفسه إذ يبكي نفسه كحالة مالك بن الريب عندما وافته المنية غريبًا مجاهدًا في خراسان وأبي فراس الحمداني وهو يخاطب ابنته، أو من الأهل كالأخوة أو الأخوات كبكاء الخنساء لأخويها معاوية وصخر، وحتى الجواهري في رثاء أخيه جعفر في بداية قصيدته «أخي جعفر»، ويمكن أن يمتد الندب ليندب الشاعر أهله وعشريته، وأصدقائه، ووطنه، بل إنسانيته، فهو بكاء مشجٍ، ونواح مبكٍ، وفراق محزنٍ ومؤلم حيث الدموع تنهمر، والقلوب تُدمى، يهيم الإنسان بزفراته وعبراته وآهاته، رثاء سبق الرثاء، وطبع يهتزّ بالمصاب الجليل فغلب التطبع على الصبر الجميل! سنأتي في هذه الحلقة على النب الرفيع.

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن