عيون الريان (مكتملة)

By nellyelattar

886K 18.5K 1.6K

كانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ More

المقدمة والفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
تنويه
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
طلب خاص
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
"جزء مالوش أي تلاتين لازمة"
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الغلاف وتواقيع الأبطال
🧡حبايبي متابعين التعديل🧡
إعلان روايتي الورقية الأولى
اقتباس من رواية وريث كايميرا
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
سالخير عليكم 🤸‍♀️😅
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
🙈عين الهِرّ🙈
الفصل الواحد والأربعون
اعتذار
🙂
الفصل الأخير
إعلان مهم ❤️
الخاتمة
شكر وامتنان ❤️
👋
💥حفلة توقيع وريث كايميرا💥
لينك الـ pdf ❤️
❤️
عيدكم مبارك ❤️
خادم الوشم
💔
تنويه مهم جداً

الفصل السادس

22.1K 470 50
By nellyelattar

وفي الحب شيئاً من عظمة الله وعذابات الأنبياء وأنفاس الشياطين
(جلال الدين الرومي)

**************

هوت رويدا على وجهه بصفعة قوية جعلته يرتد خلفاً تقول والشياطين تتراقص حولها (إنت بتهددني ياقليل الأدب)

تفاجأ ريان بتلك الصفعة التي سقطت على قلبه قبل أن تستقبلها وجنته فأغمض عينيه يقاوم البكاء أمامها وبداخله يتجمع يُتم العالم كله وفي نفس التوقيت دخل سعد يهدر بزوجته عالياً (رويدا.. إنتِ اتجننتِ؟!..إيه اللي عملتيه ده؟)

صرخت رويدا في زوجها بغضب عارم (ده ولد مش متربي)

تعالت نبرة سعد (أختك وبنتها قابلوني عالبوابة وبيهددوني أنا وابني)

أجابته رويدا بحدة (إنت ماتعرفش الزفت ده عمل ايه)

قاطعها سعد بوجه محتقن بالدماء وصوت جهوري (إسمعي اللي هاقوله عشان مش هاعيده مرتين .. أقسم بالله لو شوفت وش حد منهم هنا لارميهم بره وإنتِ قبلهم .. فاهمة ولا لا؟)

فغرت رويدا شفتيها ثم سألته بعصبية مفرطة (إنت بتخرف بتقول ايه؟.. باين عليك اتجننت ونسيت نفسك بس الغلطة غلطتي من الأول عشان طاوعتك وسيبت إبني لأبوك وأمك يربوه ويسمموا افكاره وطلعوه متخلف وراجعي زيهم)

لم يتمالك سعد أعصابه أمام إهانتها له ولوالديه فهوى على وجهها بصفعة قوية جعلتها ترتد خلفاً حتى كادت أن تسقط (إخرسي قطع لسانك)

وضعت رويدا كفها فوق وجنتها تقول بصدمة (هي حصلت تمد إيدك عليا بعد العمر ده كله ياسعد؟)

رد عليها سعد بأعين مشتعلة (وأكسر دماغك كمان طالما مش هاتحفظي لسانك وانتِ بتتكلمي عن أهلي وسيرة البت دي ماسمعهاش فالبيت تاني .. ده آخر تحذير وانتِ عارفاني كويس لو صبري خلص مش هاتردد ثانية إني اطلقك).. أنهى حديثه بأنفاس متسارعة ثم إنصرف وهو في قمة الثورة.. أما هي فلم تجد أمامها سوى ريان لتفرغ فيه شحنة غضبها قائلة (إنت من انهاردة مالكش أم.. إعتبرني مُت ولا لسه مسافرة)

نظر إليها ريان ولم يجد من الكلمات مايصف شعوره فآثر الصمت وصعد إلى غرفته بقلب مفطور وروح تتمزق على أطراف أمومتها البالية.. يشعر بيُتم أكثر من الأيتام الموجودين في دور الرعاية..يسأل نفسه ماذا إقترف ليتسع فراغ عدم وجودها في حياته كأم حقيقية بهذا الشكل؟ ..ولماذا لا يستطيع النوم مطمئناً تحت سقف يجمعه بها؟.. للأسف أجبرته بقسوتها أن يبحث عن حنانها في وطن آخر غير أحضانها ، ويرتجي السلام من دعوات مربيته وأعين جدته .. ولأول مرة تغلبه خيبة الأمل فجلس على فراشه يبكي رثاءً لحاله ويستقي من دمعه بدلاً من نبع حبها .. الإنسانة التي من المفترض أن تكون مأمنه وملاذه هي جلاده ومعذبته وبعيدة كل البعد عن كلمة أم

****************

على صعيد آخر /

كانت چيسي في حالة لا تُحسَدُ عليها.. رفضه للزواج منها سقط فوق عقلها الفارغ كصفعة مدوية أدمت جانب غرورها فكيف يتجرأ ويرفض إبنة (محمود الصرَّاف) رجل المال والأعمال .. ذلك المليونير الذي يلقي بالذهب والفضة تحت أقدامها لتدعسها بحذاءها ذو الماركة العالمية.. يدللها لأقصى حد غير مبالياً بأنها تصبح كالقنبلة الموقوتة عندما ترغب بشئ والآن لها رغبة لم تُنَفَذ فطلبها هذه المرة لا يُباع ولا يُشترى .. وقلبه لم يهفو لوصالها ولو بشق خفقة وروحه لم تجد روحها فيها وإن إستسلم للضغوط والإلحاح سيغرق نفسه في عتمة ظلها وسيحيا ميتاً على قيد حياة لا تمت له بصلة.. وبعد وقت ليس بقليل وصلت مع والدتها إلى الڤيلا الخاصة بهم وما أن رأت والدها حتى إنهارت من البكاء وإرتمت بين أحضانه شاهقة بمرارة شديدة.. ضمها محمود متسائلاً بقلق (مالك ياحبيبتي؟.. مين اللي مزعلك كده؟)

إبتعدت چيسي عن أحضانه ثم هدرت عالياً (الحيوان الواطي اللي إسمه ريان رفضني وقاللي مش عايزك ومابحبكيش)

نظر محمود إلى زوجته شزراً يسألها بغضب (يعني ايه الكلام اللي بسمعه ده؟)

أجابته نهى بتوتر (ماعرفش يامحمود الولد صدمنا بكلامه)

صاح محمود بعصبية مفرطة (مش بنت محمود الصراف اللي حشرة زيه يرفضها..أنا هاوديه ورا الشمس هو وأبوه).. صمت للحظات ثم إحتضن ابنته قائلاً بغل (وحياتك عندي ياحبيبتي لأدفعه تمن عملته دي غالي أوي)

تشبثت چيسي بسترة والدها قائلة بنشيج (أنا عايزة حقي منه يا بابي)

أبعدها محمود عنه برفق يحتوي وجهها المبلل بالدموع بين راحتيه قائلاً (هاجيبهولك ياحبيبة بابي بس بليز كفاية دموع وإطلعي خدي شاور جميل زيك وإخرجي غيري جو مع أصحابك)

أومأت چيسي إيجاباً ثم صعدت لغرفتها على أمل أن يتخذ والدها موقفاً يرد إليها كرامتها المهدرة بينما ظل محمود يتوعد برد الصاع صاعين لريان ووالده فهو لم يكن على علاقة طيبة بهما لكن المصلحة تحتم عليه توطيد الروابط بين العائلتين نظراً لقوة وضع شركة (الريان) الذي ينافسه كثيراً وإسم مؤسسة (الصرَّاف) يحتاج لهذا النوع من المعاملات لتغطية فساده وأعماله الغير مشروعة التي بدأت تفوح رائحتها داخل أوساط المجتمع المخملي ظناً منه بأن نظافة سيرة سعد وشركته ستعطر عفن مستنقعه القذر وبرغم سطحية تعاملاته مع سِلفه إلا أنه تربطه صداقة قوية برويدا ..يعتبرها جعبة أسراره المشينة ويحرص على عدم إثارة الماضي بينهما وسيخاف المساس بولدها فتفضحه وبعد دقائق إستغرقها بالتفكير فيما حدث قديماً وبناءً عليه إتخذ قراراً بالمهادنة لكنه لن يمرر الأمر ولابد من إظهار بعض التهديد كي لا تستصيغه أخت زوجته .. أمسك هاتفه ليجرى إتصالاً بها وصوته مشحون بغضب وغل لم يستطع دفنهما مع آثار جرائمه فأتاه رد رويدا محاولة إمتصاص عصبيته (إهدى يامحمود من فضلك .. البيت هنا والع حريقة بسبب اللي حصل)

أجابها محمود بتهديد صريح (الولد ده لازم يتربى من أول وجديد ولو ما إعتذرش لچيسي أنا اللي هربيه)

صكت رويدا أسنانها تناطحه الحديث بتحذير أخافه منها  ماتهددنيش ، ولو لمست شعرة واحدة منه هاكلك بسناني ، فاهمني ولا تحب نفتح الدفاتر القديمة؟)

إذدرد محمود ريقه بصعوبة عندما وصله ردها القوي ثم قال بنبرة هادئة نوعاً ما (أنا مش بهددك يارويدا بس عايزك تاخدي موقف منه.. إنتِ ماشوفتيش شكل البنت وهي راجعة منهارة بسببه)

زفرت رويدا بحنق (قولها تهدى شوية وحقها هاجيبه لها بطريقتي)

لم تعطه رويدا فرصة للرد وأغلقت الخط تفكر في تهديده .. تسرب لقلبها بعض القلق حيال ردود أفعال هذا الرجل فهي تعلم جيداً مدى خطورته وأنه يستطيع إيذاء ريان بكل سهولة لكنها إطمأنت قليلاً لما تمسكه عليه من زلات ستكلفه حياته إذا تهور وإعترض طريق ولدها وحينها لن تُبقي على شئ وستهدم المعبد فوق رؤوس الجميع

***************

في صباح اليوم التالي /

إستيقظ ريان مبكراً بعد نوم عَسِر وليلة طويلة قضاها في تفقد ذلك الشعور القاسي الذي يشبه شفرات سكين حاد تمر على قلبه المتوجع لتمزقه وتخبره بأنه ليس بخير وأصبح التنفس في حالته عملاً بطولياً لايقوى عليه.. أنهى روتينه المعتاد وفرغ من صلاة الصبح التي سكنت آلامه بعض الشئ وخرج بهدوء من الڤيلا تجنباً لرؤية والدته ثم إنطلق نحو الشركة.. تفاجئت السكرتيرة بوصوله قبل موعده بكثير وعندما سألته عن السبب أجابها بدبلوماسية وطلب منها إحضار قهوته علّها توقف مطارق الشقيقة التي أصابت رأسه جرّاء التفكير.. إتجه لمكتبه حتى يختفي عن أعين البشر يتمنى أن يبتلعه كرسيه ويخلصه من تلك الحياة البائسة.. وبعد قرابة الساعتين لحق به كريم الذي إستشعر بعض القلق حينما أخبرته رانيا بوجوده منذ وقت طويل..دخل عليه سريعاً ليتفقده وجده في حالة ساهمة ينظر للفراغ وملامحه تعكس حزناً لم يفلح في إخفائه.. ألقى كريم التحية بتوجس فأطلق ريان تنهيدة عميقة صحبها رداً مرتعشاً جعل القلق يتملك من قلب صاحبه حد اللعنة فوقف قبالته يتأمل مقلتيه الغائمتين متسائلاً بتوجس (مالك ياريان؟.. فيك إيه؟)
رفع ريان أنظاره الدامعة إليه وكأن سؤاله أحيا وجع البارحة يجيبه بصمت أدرك منه أنه يحتاجه وبدون تردد ضم رأسه لصدره .. ولم يتمالك نفسه فبكى بدموع مهزومة أمام قسوة العالم وهو يعلم جيداً أن تلك الهزيمة ستتحول لانتصار فوق كتف صديقه بينما تركه كريم يخرج كل مايؤلمه ولم يضغط عليه بالأسئلة رغم خوفه من انهياره بهذا الشكل وعندما إستشعر هدوءه بعض الشئ حاول التخفيف عنه بمزاحه المعتاد (هو المرحوم كان غالي عليك أوي كده؟)

أغمض ريان عينيه يقاوم البكاء مرة أخرى قائلاً بصوت متحشرج (أنا تعبت ياكريم)

ابتعد عنه كريم ثم جثى أمامه ممسكاً بكفه البارد (مفيش مشكلة فالدنيا مالهاش حل.. بس ممكن أعرف إيه اللي وصلك للحالة دي؟)

نظر إليه ريان والتعب ينهمر من بؤبؤ عينيه الحمراوتين وبدء في سرد أحداث الليلة الماضية على مسامعه.. ولم يستطع كريم إخفاء الألم الذي اختلج صدره أثراً لحديثه وكأنه يأخذ نصيبه مما يؤلم رفيق دربه ليخفف وطأة حزنه وانتظر حتى انتهى تماماً من بعثرة همومه واستقام قليلاً يحتضنه بشدة ولسان حاله يقول (أنا لك حين يثقل العالم كتفيك).. وبعد دقائق حاول فيها تهدئة روعه ابتعد برفق ليجلس فوق المكتب قائلاً بابتسامة رغم تأثره (إنت راجل ياريان )..صمت للحظات يتأمل ملامحه التي بدأت تتبدل للإرتياح ثم أردف مازحاً (بغض النظر عن القلم اللي كلته على وشك)

ضحك ريان على دعابته (أنا عارف إنك هاتمسكها زلة عليا ياحيوان)

هتف كريم بسعادة عندما رأى ضحكته (اللهم صلي عالنبي.. أيوه كده خلي الشمس تدخل المكتب)

تعالت ضحكات ريان قائلاً من وسطها (وربنا عيل فقر)

أجابه كريم بجدية مصطنعة تحمل بعضاً من مزاحه اللطيف (سيبك من اللي حصل مع أمك حفيدة أوغلو أغا .. إنت نسيت معادك مع ست الحسن والجمال انهاردة؟)

ابتسم ريان تلقائياً على ذكر مريم (دي الحاجة الوحيدة اللي هونت عليا)

نهض كريم مسرعاً يقول بشقاوة محببة (يبقى تفك التكشيرة وتروق.. الليلة ليلتك ياعريس)

اتسعت ابتسامة ريان ثم قال بنبرة ممتنة (شكراً ياكريم.. أنا شيلت هم تقيل من فوق ضهري لما اتكلمت معاك)

بادله كريم ابتسامته بأخرى حنونة (ياض يا اهبل هو احنا لينا غير بعض؟)

ربت ريان على كفه داعياً (ربنا مايحرمني منك أبداً ويديم المعروف مابينا)

جاوبه كريم بنفس ابتسامته (اللهم آمين.. المهم انت هاتروح الدار إمتى؟)

نظر ريان في ساعة يده ثم قال (كمان نص ساعة)

هَمّ كريم بالمغادرة قائلاً (حلو أوي ربنا معاك.. أسيبك بقا عشان أشوف شغلي)... وبالفعل انصرف نحو مكتبه بعدما تأكد من عودته لحالته الطبيعية بعض الشئ بينما مكث ريان يقتفي أثره حامداً الله على وجوده في حياته فكريم يستطيع أن يفتح له نوافذ البهجة بابتسامته ويهزم كآبة عتمة العثرات بكلماته المُطمئنة ويظل هو حين لا يبقى أحد ..عكازاً يسنده عندما يشعر بحاجة للتوازن ، وكتفاً يساعده على النهوض دائماً وماءً يرتوي منه حالما عطش فصدق من قال (وصديق رحيم.. خفيف الروح.. هين الطبع يغنيك عن ملئ الأرض أصحاباً ويعادل الحياة بكل عابريها)

*********************

قال عتيق الله من النار الأوّاه أبو بكر الصديق رضوان ربي عليه (كل إمرئ مُصبح أهله والموت أدنى من شراك نعله) ولأصوات الموتى رنين بالعقل يتردد صداه داخل قلوبنا.. نستشعرهم بأرواحنا عندما تُذكر أسمائهم ونكاد نبصرهم بأروقة الذكريات وعزاؤنا الوحيد أنهم في ذمة الله وهاهو يقف بوجه شاحب وأعين غائمة تطالع لوحة بيضاء مخطوط فوقها إسمها بحروف تتشح بالسواد يتبعها (فقيدة الشباب) لها الرحمة وللأهل الصبر والسلوان.. كلمات تنخر وجدانه ويدرك بها جيداً معنى فقدها لكن كيف سيقنع قلبه بذلك؟..وكيف سيشم رائحتها التي مازالت عالقة بحواسه ولن يراها ويعانق ملامحها؟..هو الذي لم يتحمل خصامها ولو لثانية طيلة سنوات طفولتهما اليوم قطفت زهرة شبابها ورحلت للأبد وستبيت وحيدة بين القبور رغم خوفها من الظلام .. ظل يناجيها في نفسه ويسأل طيفها لماذا غربت شمسها عن عمره مبكراً؟..وكيف تتركه وترحل وهي تعلم أنه يتيم الأبوين وكان يرى أحبته المفقودين في حنانها؟..مسح دموعه الغادرة يتوعدها بعد انتهاء هذا الكابوس المسمى بعزاؤها بعتاب شديد اللهجة لنقضها عهد البقاء وذهابها المفاجئ وبينما كان يتلقى التعزية بجوار عمه الذي يبكي موت إبنته الوحيدة انتبه للخادمة تركض نحوه بملامح مذعورة هاتفة (الحقنا يادكتور يوسف الست سمية فاقت ومبهدلة نفسها)

فزع يوسف كثيراً وسار معها بخطوات مسرعة والهلع يسيطر عليه حتى وصل إلى المنزل الكبير حيث يوجد عزاء السيدات ثم اتجه لإحدى الغرف بالطابق العلوي وجدها في حالة إنهيار تام .. إرتمت سمية بين أحضان إبن شقيقتها تصرخ بكلام غير مفهوم (أنا اللي قتلتها يايوسف.. ربنا خلص ذنبي منها )

لم يتمالك يوسف نفسه وبكى قائلاً بشهقات متعالية (ياخالتي حرام عليكِ بسمة ماتستاهلش تعذبيها كده)

تشبثت سمية بقميصه أكثر دافنة وجهها بين طياته مستمرة في العويل والنواح على إبنتها الوحيدة (كنت فاكرة الماضي راح لحاله لكن ربك يمهل ولايهمل وخدها مني وهي عروسة.. ياحبيبتي يابنتي أنا السبب فموتك.. أنا اللي ضيعتك بإيدي يابسمة)

حاول يوسف فهم حرف مما تتفوه به لكنه أرجأ حديثها لقوة الصدمة وتأثيرها عليها.. أشار للممرضة المكلفة برعايتها أن تعطيها حقنة مخدرة هي في أمس الحاجة إليها وبالفعل بدأت تهدأ قليلاً فأسندها حتى تعود للنوم ثانيةً لكنها ظلت تهذي أو كما يظن وعندما هَمَّ بالخروج هتفت عليه بلسان ثقيل من أثر المخدر (دور على أختك يايوسف)

إنتبه يوسف لكلمة (أختك) التي رنت داخل قلبه وتسمر مكانه يسترق السمع لما تقول خالته علّه يفهم منها شيئاً فاستمرت تتمتم بصوت ناعس (ربنا حرمني من بسمة زي ماحرمتك من ريم وحرمتها من ورث أبوها.. أنا كلت مال اليتيمة أتاريني كنت بحوش نار عشان تحرقني وتكوي قلبي على ضنايا)

تنهد يوسف بحزن لما تؤول إليه الأوضاع التي إنقلبت رأساً على عقب فسبحان من له الدوام قادر على تبديل الأحوال بطرفة عين.. هذا المنزل الذي كان يستعد البارحة لإقامة عرسه على إبنة عمه وخالته بنفس الوقت.. اليوم يستقبل العزاء في فقدها وللأسف حديث والدتها مقلق ومثير للشكوك وأثناء وقوفه مستنداً على حافة الباب بكتفه تفاجئ بدخول عمه يبكي بضعف لم يعهده من قبل فتلقاه يوسف بين ذراعيه يواسيه رغم احتياجه للمواساة (شد حيلك ياعمي)

احتضن سالم إبن أخيه وربيبه الغالي ينتحب بألم (مش قادر يايوسف.. بسمة كسرتني بموتها)

لم يتحكم يوسف في دموعه أمام حديث عمه المنهار قائلاً بصوت مهزوز (عشان خاطري أنا مابقاش ليا حد غيرك إنت وخالتي)

إبتعد سالم عنه ينظر لزوجته بأسى قائلاً (الله يكون فعون خالتك ويصبرها على ما إبتلاها)

رد عليه يوسف بقلب مفطور (اللهم لا إعتراض على قضائك يارب) .. صمت للحظات يقاوم رغبة مقهورة بالصراخ جاش بها صدره ثم دنى من خالته ليجلس بجوارها ودمعاته تسابق بعضها البعض لكن صوتها الهامس وصل لمسامعه تغمغم بخفوت (ريم ما ماتتش.. ربنا خد بسمة بسبب اللي عملته فيها زمان .. بنتي راحت ضحية ذنب ماعملتوش... أختك عايشة دور عليها يايوسف)

أطبق يوسف جفنيه محاولاً إستيعاب حديثها وللأسف يضيق صدره كثيراً وأنفاسه تنفلت من بين رئتيه خنجر مسموم يمزق أضلعه فموت بسمة قتل أحلامه وأيقظه من غفلة شنيعة على واقع أليم وهو أن كلنا ساعون لمصائر لا يعلمها سوى الله عز وجل وأن الحياة زائلة وسيل من أوهام كاذبة وأن هوية الإنسان لا تكتمل إلا في قبره ...

**************

عودة إلى ريان/

وصل ريان أمام دار وسيلة بصحبة مجموعة من الفنيين المتخصصين في أعمال البناء والإنشاء ليقوموا بفحص المباني وإعطاء تقارير مفصلة بخطة العمل والوقت المحدد لإنهاء تلك الإصلاحات وأثناء إنشغالهم بصف سياراتهم خرجت السيدة وسيلة لإستقبالهم من أمام بوابة الدار الرئيسية كنوع من التقدير لعملهم الخيري ووجهت التحية لريان بحفاوة شديدة (أهلاً وسهلاً يابشمهندس.. الدار نورت بوجودك)

صافحها ريان مبتسماً باحترام (الدار منورة بأهلها يا افندم)

أشارت وسيلة له بالدخول قائلة (إتفضلوا نشرب القهوة ف مكتبي)

أجابها ريان بنفس ابتسامته المنمقة (شكراً لذوق حضرتك بس احنا عايزين نعاين الدار الأول والقهوة نشربها مرة تانية إن شاء الله)

أومأت وسيلة بموافقة ثم تقدمته في السير قائلة (مفيش مشكلة المكان تحت أمركم)

تبعها ريان بترقب شديد وألف أمنية وأمنية يرجوها خاطره.. وقلبه معلق بحسناء تشبه لؤلؤة تختبأ داخل محارة كبيرة وعليه الغوص في عمق البحر لينال هذا الكنز الثمين.. يشعر برئتيه خفيفتان كالفراشة وكأنها سحبت خيطاً من الجنة وجاءت به إلى صدره وحولت أضلعه لأوتار قيثارة عتيقة تعزف لحناً أثيراً إحتفالاً بقربه من مريمته وبالفعل وصل للمبنى الذي يحتوي غرفتها وغرفة الموسيقى بعدما إنتهى من تفقد المبنيين الآخرين.. أخذ يجول ببصره بحثاً عنها حتى وجدها تسير في الرواق بصحبة ريهام.. وفي تلك اللحظة إنحبست أنفاسه لرؤيتها..لم تقع عينيه على مثلها فوجهها له في حرم الجمال قداسة تمرر نسائم الجنة فوق رؤوس من يرونها .. أخذ شهيقاً عميقاً وأخرجه على مهل عندما لمحها ترفع خصلة هاربة من خصلاتها خلف أذنها بأناملها الرقيقة ولم تدري أنها لملمت نبضاته عند أطراف شعرها ليندثر ويتوارى على شواطئها الحريرية.. وبينما هو على حالته المنشدهة من بهائها إنتبهت ريهام لوجوده فهمست لمريم بمفاجئة (إلحقي يامريم البشمهندس هنا)

تسارعت دقات مريم وسألتها بتوتر (بجد؟.. هو فين؟)

أجابتها ريهام مبتسمة لارتباكها الواضح (واقف بعيد وعينه مانزلتش من عليكِ)

زفرت مريم بخوف حاولت مداراته (يابنتي بطلي كلامك ده الراجل جاي فشغل)

أحاطتها ريهام بذراعها تضحك قائلة (أقطع دراعي إن ماكان جايب موضوع إصلاحات الدار حجة عشان يشوفك)

ردت عليها مريم بقلة حيلة (بس بقى ياريهام)

داعبت ريهام وجنتها (خلاص هاسكت مؤقتاً)..صمتت لثواني تتأمل ملامحها القلقة ثم تابعت بمرح (تعالي نسلم عليه)
أطاعتها مريم مستسلمة ولم تدري سر اشتياقها لنبرة صوته وبحركة لا إرادية رفعت كفها عند أنفها تشم عطره الذي مازال عالقاً به.. خائفة من إندفاعها نحوه ومشاعرها حائرة داخل مقلتيها المنطفئتين وتطلب من الله أن يلهمها الثبات أمامه وألا تتعثر وبينما هي تقترب منه بخطواتها الهادئة كان هو هائماً في سيرها المتهادي كغزال ريم أسر شعراء قدامى خلف صبابات الهوى وجعلهم يغزلون الكلمات ثوباً إستبرقياً لترتديه حورية السماء التي هربت من بين الغيوم لتبعثر النجمات فوق الأرض التي تنال شرف لمس قدميها فياحظ المكان وياحظ من حولها.. أفاق ريان من شروده على صوت ريهام تلقي التحية بحاجب مرفوع قاصدة مشاكسته (منور يابشمهندس)

نظر إليها ريان راسماً إبتسامة سخيفة على وجهه قائلاً (ده نورك) .. نقل أنظاره نحو مريم وبالكاد إستجمع رباطة جأشه ليصافحها (إزيك يا آنسة مريم؟)

أمسكت ريهام كف مريم لتضعه في كفه فدبت القشعريرة بجسدها ككهرباء تسري في سلك عاري أغرقته الأمطار أما هو فرغبته لتحويل عناق راحتيهما لعناق أشد تعبيراً تتصاعد داخله .. يود ضمها لصدرها ويخبأها عن العالم ربما تضئ عينيها بين أضلعه وترى إرتجافة وتينه وتعيش في تفاصيله الصغرى كخيط من خيوط شرايينه.. أخرجه من أفكاره صوت مريم المهزوز ترد التحية بهدوء ظاهري (الحمدلله كويسة.. حضرتك عامل إيه؟)

أجابها مبتسماً لتورد حدائق التيوليب الأحمر فوق وجنتيها (أنا بخير طول ما إنتِ بخير)

سحبت مريم كفها من يده وكأنها سحبت روحه ولم ترد فتولت ريهام المهمة متسائلة بسماجة (إنتم هاتبدأوا الشغل خلاص؟)

رد عليها ريان بملامح ممتعضة (ده لو مايضايقش حضرتك)

تفاجئت ريهام من رد مريم العفوي (لا بالعكس احنا مبسوطين بوجودكم)..ابتسم ريان وفكرة واحدة تلوح برأسه وهي أن يغمرها بعناق طويل ويقبل موضع النبض في رقبتها ليخبرها أنه لم يعرف السعادة قبل نطقها لتلك الكلمات التي أثلجت صدره كثيراً وأثناء وقفة ثلاثتهم إنتبهوا جميعاً لصوت أحد الأطفال يهتف على ريهام فاضطرت لترك مريم بمفردها معه وما أحلاها من فرصة ليختلس بعض الوقت بالقرب منها.. لاحظ ريان توترها وخجلها البائن من تضرج حمرة خديها وفركها المرتبك لأصابعها ورغماً عنه وجد نفسه يبسمل ويحوقل في سره إعجاباً ببراءتها فصدق من قال أن للمرء نصيب من إسمه وهي تحمل إسم أطهر نساء الأرض ومن مثل (البتول) في طهرها؟.. وجرت المعوذتين على لسانه بخفوت ليحصنها باللذي خلق السلام كله داخل عينيها ألا يصيبها مكروه.. وبعد ثواني من صمت ساد بينهما تحدث ليتجاذب معها أطراف الكلام (صاحبتك دي شكلها بتحبك أوي)

إذدردت مريم ريقها بصعوبة تبحث عن صوتها وأخيراً جاوبته بنبرة مبحوحة (ريهام تعتبر أختي مش صاحبتي)

سكت ريان قليلاً مسلطاً أنظاره على وجهها ليشبع عينيه منها ثم قال (تعالي نتمشى شوية لحد ماتيجي)

ابتسمت مريم قائلة (أنا رايحة أوضة الموسيقى)

بادلها ريان ابتسامتها قائلاً بفرحة عارمة (ممكن تديني إيدك؟)

تسارعت دقات قلب مريم بشدة حتى ظنتها مسموعة وقالت بخفوت (أنا بعرف أمشي لوحدي)

شعر ريان بإحراج ممزوج بالحزن وسألها (خايفة مني؟)

أجابته مريم بنفي (لا والله مش قصدي)

تنهد ريان في سره وتمنى لو يأخذها كلها لا يدها فقط لكنه حاول التماسك أمامها بشق الأنفس قائلاً (خلاص براحتك)

رفعت مريم أناملها ترجع خصلة من شعرها خلف أذنها فأربكته بحركتها دون قصد ثم قالت على استحياء (يلا بينا).. وبالفعل سارا سوياً جنباً إلى جنب وروحه تتشبث بروحها وتخبرها بأنها ها هُنا قد سكنت وبادر بسؤالها (إنتِ بتعملي إيه فحياتك غير الموسيقى؟)

أجابت سؤاله ضاحكة (ايه السؤال ده؟)

ضحك على ضحكتها وتوقف فتوقفت أيضاً قائلاً (عايز أعرفك أكتر)

حاولت إدعاء الثبات أمامه رغم إرتباكها الواضح تقول بمرح (والله يابشمهندس أنا بعمل حاجات كتير جداً)

وضع كفيه بجيوب سترته متسائلاً بفضول (زي إيه مثلاً؟)

شبكت أصابعها ببعضهم تجاوبه بهدوءها الجذاب (أنا بحب أقرأ أوي .. دي أكتر حاجة بعملها بعد الموسيقى)

شمل ملامحها بنظرة إعجاب قائلاً (ما شاء الله.. القراءة عالم جميل بالذات لو عندك الشغف لكاتب معين)

سألته مبتسمة ببراءة (حضرتك بتحب القراءة زيي؟)

رد عليها بصوت جاهد على أن يكون متزناً (بحبها وبحب اللي بيحبوها)

أحست أن كلماته الأخيرة موجهة لها فحاولت التهرب متسائلة (مين كاتبك المفضل؟)

جاوبها بنفس إبتسامته العذبة (دكتور أحمد خالد توفيق..قرأت كل رواياته ومقالاته)

تهللت كثيراً قائلة بأسارير منفرجة (أنا كمان بحبه أوي وبعشق سلسلة ماوراء الطبيعة)

فغر فاهه بانبهار (إنتِ تعرفِ دكتور رفعت اسماعيل؟)

ضحكت بتلقائية قائلة (ومين مايعرفش رفعت اسماعيل ومغامراته؟ ، دكتور أحمد كان عبقري الله يرحمه)

أمَّن على دعائها بحزن لوفاة كاتبهما المفضل (الله يرحمه ويحسن إليه زي ما أحسن لقراءه من الشباب) .. صمت قليلاً فسألته هي بحماس ( وحضرتك بتعمل إيه فحياتك غير القراءة؟)

أجابها باستسلام (ولا حاجة من البيت للشغل ومن الشغل للبيت بس الصراحة أنا بحب شغلي اوي)

رفعت أناملها لتعدل تلك الخصلة التي تهرب من الحين للآخر فوق جبهتها قائلة (على فكرة ده إنجاز كبير جدا ،بالذات إنك بتحب اللي بتعمله ، يبقى إزاي بتعمل ولا حاجة؟)

إندهش من طريقة تفكيرها قائلاً (طاقتك الإيجابية عالية ماشاء الله)

ردت عليه بثقة (علم النفس بيقول إنك لو كلمتني عن حاجة بتحبها ، وأنا علقت بشكل سلبي وإستخفيت بمشاعرك تجاهها ، يا إما هاتفقد شغفك ليها وتكرهها ، أو تكرهني)

إزداد إنبهار أكثر بلباقتها في الحديث قائلاً (علم نفس كمان؟)

تابعت مريم السير مجدداً قائلة بمرح (سيجموند فرويد صاحبي جداً ، وماتضحكش عليا عشان شايفاك)

ضحك قائلاً بمزاح وهو يسير بجوارها (أنا شاكك أصلاً إنك مابتشوفيش)

زمت شفتيها الجميلتين باعتراض طفولي (على فكرة أنا بشوف وبشوف كويس كمان)

إبتلع غصة متورمة شقت حلقه تأثراً بذكر كف بصرها المؤلم وسألها بصوت أجش (بتعملي إيه فالضلمة دي لوحدك؟)

حاولت تلطيف الأجواء عندما لمحت طيف الحزن في نبرته (حضرتك مش متخيل ومش هتصدقني لو قولتلك إني لفيت العالم كله وأنا فمكاني)

تعجب قائلاً (مش فاهم)

أجابته مبتسمة (الخيال يابشمهندس عالم تاني موازي للعالم الحقيقي).. صمتت لثواني ثم تابعت بحماس (يعني أنا مثلاً كنت بتعشى مع الست فيروز تحت برج إيڤل على أنغام أعطني الناي ، وأول إمبارح نجحت لأول مرة إني أتسلق قمة إيڤرست من غير مساعدة ريهام).. تعالت ضحكات ريان فأردفت مازحة (وقعت كتير جداً وانا بحاول أطلعها)

قهقه عالياً يقول من وسط ضحكاته (إنتِ مشكلة على فكرة)

بادلته الضحك على ردة فعله اللطيفة فنظر لها متعجباً من براءة روحها رغم ماتعانيه ثم قال بهدوء (أول مرة أشوف حد متصالح مع نفسه كده)

تحدثت بابتسامة عذبة (لو حبيت نفسك واتصالحت معاها ، هتتصالح مع الدنيا كلها)

تصلبت أنظاره فوق ملامحها وكأن ثمة إضاءة خفيفة تطل من بين خطوط تفاصيلها لتنير جوانبه المظلمة وبعد ثواني من الصمت المتداعي بينهما أخرجه صوتها من شروده تقول ( احنا وصلنا أوضة الموسيقى)

تلفت حوله يسألها باندهاش (عرفتي إزاي؟)

جاوبته  بمرح (يعني حضرتك ما استغربتش إزاي بقرأ وأنا كفيفة ، ومستغرب عشان عرفت إننا وصلنا؟)

حك جانب رأسه قائلاً بتفكير (أكيد بتقرأي بطريقة برايل ، إنما عرفتي منين إننا فأوضة الموسيقى؟)

_ (ريحة المكان يابشمهندس وصوت الولاد)
قالتها مريم مبتسمة بإشراق قبل أن يندفع نحوها الأطفال مهللين لوصولها فتركته وإتجهت معهم لتجلس وراء البيانو خاصتها بينما مكث هو مكانه يتأملها بتمهل شديد .. يقرأها كترانيم الأعياد ويقسم أن تفاصيلها مقدسة من عيونها لعروقها .. فوالله لولا الله وخوفه من الإقدام على فعل متهور لعانقها بلا رفق ، وقبَّل بين حاجبيها وأخبرها أن الصدف نعمة وهي خير دليل وأن الدقائق التي قضاها قريباً منها كانت كافية لإجلاء صدره من أي وجع.. إنتبه ريان لنغمات ساحرة تنتشر عبر أثير الهواء وصوت مريم يغرد واحدة من أجمل الأغاني وأكثرها براءة حيث كانت تقول /

كان في زمان ولد رسام
مسكين وكمان غلبان
كان عنده أحلى بنت جيران
كانت واصلة وغنية وبتغير منها
فاطمة ونادية وماريا كمان
هي كانت حلوة ويتألف عليها
100 غنوة و ألف ديوان
هيعمل إيه العاشق الغلبان
هيقولها ولا هيطلع جبان
فكر يروح ويقولها
إنه قلبه عشان بيحبها
ممكن يهد صخور ويشيل جبال
فكر يروح ويوريها
إن رسمه كله كان ليها
وإنه أسيرها ماحبش
غيرها بيعشق الجمال ..
ويا ترى هيكون إيه ردها
على الحاجات دي كلها..
ممكن تفضل ممكن تمشي
وممكن تستناه
تستناه على بابه
وتجيب أخوها وأصحابه
وممكن ترضى وتخرج
وتروح السيما معاه ..
قالتله (ما تعرفش ان انا برسم كمان
وان عيني عليك من زمان
يا ابن الجيران لو مش
مصدقني تعالى نروح
أوريك اللوح اللي
فوق السطوح)
وأدينا عرفنا ردها
على الحاجات دي كلها
طلعت خايبة وطلعت
دايبة وفتحاله الباب
وبعدما عرف ردها
على الحاجات دي كلها
إمتى هييجي يخطب
ويكتب الكتاب

إنتهت حُلوته من العزف والغناء وبالكاد إستطاع إلتقاط أنفاسه من فرط إعجابه.. يكاد يختنق حباً والتعجب يسيطر عليه فكيف لها أن تصف حالته بتلك الشفافية؟.. ومن أين علمت بهوايته التي لم يصارحها بها؟.. أخذ شهيقاً عميقاً ثم زفره ببطء يهمس راجياً بداخله (اللهم أوتِد قلبي على ضلوعي فإنه يتركني الآن ليظل بجوارها ، وأعيذها بكلماتك التامات من كل سوء وأعين رجل سواي ، ولتمضي ياحبة القلب بأمان فإنِّي على الأثر أقتفيكِ) .. وأثناء وقفته تلك إنتبه ليد صغيرة تمسك بكفه وأعين بريئة تنظر إليه قائلة بصوت لطيف يأتيه من مسافة قصيرة(تعالى نلعب سوا ياعمو)

إبتسم ريان للطفلة الجميلة ثم حملها قائلاً وهو يطبع قبلة رقيقة فوق وجنتها الرقيقة (من عيوني ياحبيبة عمو) .. وبالفعل إمتثل لطلب الصغيرة بكل رحب وسعة وشاركهم الغناء واللعب بينما كانت مريم تتولى مهمة العزف وإختيار الأغاني ولأول مرة تشعر بحاجتها للرؤية فليس من المنصف أن يخطف روحها ولا تراه أما هو فكان يراقبها رغم إنشغاله بالأطفال.. يتأمل حركاتها بين الفينة والأخرى مؤتنساً بها..يعانقها بمقلتيه وأضلعه تزهر داخل صدره فلا إله إلا الله ولم يبعثر أحد نبضات قلبه إلا هي

***********************

إنتهى اليوم وأخذ ريان التقارير من اللجنة الفنية التي أفادت بأن إصلاحات الدار ستستغرق ثلاثة أشهر كاملة وإضطر للمغادرة على وعد ببدء العمل غداً وبعد وقت ليس بقليل وصل للڤيلا ورغم سعادته كان خائف من مواجهة والدته مجدداً.. تنهد بقلة حيلة وولج إلى الداخل متمنياً ألا يقابلها لكن ليس كل مايتمناه المرء يدركه وللأسف وجدها تجلس بمفردها وعلامات الضيق بادية على ملامحها وتفاجئ بها تسأله بنبرة عاتبة (هتطلع أوضتك من غير ماتصالحني؟)

دنا منها ريان بخطوات متداعية قائلاً (إزيك ياماما؟)

رمقته رويدا بنظرة جانبية (على ما افتكرت ان ليك أم)

تشجع ريان عندما التمس الهدوء بصوتها وجلس أمامها على ركبتيه يمسك كفيها قائلاً بحزن لِمَ تؤول إليه الأمور بينهما (أنا فاكرك دايماً وعمري ما أقدر أنساكِ) صمت لثواني ثم تابع بغريزة فطرية خلقها الله بداخله تجاهها رغم قسوتها (ووحشتيني أوي)

ردت عليه رويدا بتنهيدة عميقة (أنا مابوحشكش ياريان)

قاطعها ريان سريعاً ملثماً ظاهر كفيها بقبلة حنونة (أبداً والله بتوحشيني وكنت سايبك تهدي عشان نعرف نتكلم سوا)

حثته رويدا لينهض حتى يجلس بجوارها ثم أحاطت كتفه بذراعها لينام على صدرها وباليد الأخرى أمسكت كفه فتحدث هو بحنين طفولي لضمة أمه (انا بحبك أوي ، وكان نفسي أعمل اللي يرضيكي)

مسدت رويدا على خصلاته الناعمة متسائلة بهدوء (وإيه مانعك؟)

أخذ ريان يدها ووضعها فوق شقه الأيسر يجيبها بنبرة حزينة (قلبي ياماما.. صدقيني والله حاولت وماقدرتش .. ماشوفتش في چيسي البنت اللي بحلم أرتبط بيها ، ومش عارف أرتاح وانتِ مش راضية عني)

إعتدلت رويدا في جلستها ثم إحتضنته قائلة من خلفه بنظرات قاتمة وتعابير وجهها لا تفصح عما تفكر به (إنسى اللي حصل وماتفكرش فيه.. كل شئ قسمة ونصيب)

*******************

يتبع.......... إلى اللقاء مع الفصل السابع

Continue Reading

You'll Also Like

46.8K 1.8K 12
الحب الأول.. أحيانا يكون محض وهم بخيالنا وأحيانا أخرى يكون هو الحب الحقيقي بطلاتنا منهم من أحبت ولم تجد صدى لهذا الحب ومنهن من وجدت حب حياتها ومنهن م...
442K 23.6K 53
روايه لا تعلم من احداثها شىء سوى انك تريد ان تعلم ماذا حدث لهذا الرجل مغتصب الفتيات الصغيرات بكل قوه وعنف وتهتك وفي الاخير يضع لهم السم في داخل العسل...
1.9K 365 13
هذه الرواية هى الجزء الثانى من رواية الفرصة الثانية صدرت عن دار لوغاريتم للنشر والتوزيع عام 2017 الحب شئ رائع ومن يجده يجب أن يتمسك بهِ ويجب أيضًا أ...
359K 12.3K 43
_ خلعت الدبلة وخاتم الزواج كي تنظف الأطباق , أنهم لا يعنوا أي شيء لها ولكنها تخشي أن تغضبه ولا تريد إعطاءه فرصة كي يؤلمها مرة أخري, لكنها نسيتهم بالم...