الدُكان ©️ - حصريًا - كاملة ✅

De ManalSalem175

6.3M 251K 29.6K

كتب والدها وصية سرية قبل وفاته، وحين كُشف النقاب عنها أدركت أنها تمتلك عائلة أخرى، لا تعرف عنهم شيئًا، انتقلت... Mais

الإهداء - تنويه بمواعيد النشر
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر -الجزء الأول
الفصل الحادي عشر - الجزء الثاني
الفصل الثاني عشر - الجزء الأول
الفصل الثاني عشر - الجزء الثاني
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون - الجزء الأول
تنويه صغير - تم التعديل
الفصل الثاني والعشرون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون - الجزء الأول
الفصل التاسع والعشرون - الجزء الثاني
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
الفصل الحادي والأربعون
الفصل الثاني والأربعون -الجزء الأول
الفصل الثاني والأربعون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون - الجزء الأول
الفصل التاسع والأربعون - الجزء الثاني
الفصل الخمسون
الفصل الحادي والخمسون
الفصل الثاني والخمسون
الفصل الثالث والخمسون
الفصل الرابع والخمسون
الفصل الخامس والخمسون
الفصل السادس والخمسون
الفصل السابع والخمسون
الفصل الثامن والخمسون
الفصل التاسع والخمسون
الفصل الستون
الفصل الحادي والستون
الفصل الثاني والستون
الفصل الثالث والستون
الفصل الرابع والستون - الجزء الأول
الفصل الرابع والستون - الجزء الثاني
الفصل الخامس والستون
الفصل السادس والستون
الفصل السابع والستون
الفصل الثامن والستون
الفصل التاسع والستون
الفصل السبعون
الفصل الحادي والسبعون
الفصل الثاني والسبعون - الجزء الأول
الفصل الثاني والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الثالث والسبعون - الجزء الأول
الفصل الثالث والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الرابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل الرابع والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الخامس والسبعون - الجزء الأول
الفصل الخامس والسبعون - الجزء الثاني
الفصل السادس والسبعون
الفصل السابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل السابع والسبعون - الجزء الأول
الفصل السابع والسبعون - الجزء الثاني
الفصل الثامن والسبعون
الفصل الثامن والسبعون
الفصل التاسع والسبعون
الفصل الثمانون
الفصل الحادي والثمانون
الفصل الثاني والثمانون
الفصل الثالث والثمانون
الفصل الرابع والثمانون
الفصل الخامس والثمانون
تنويه بعودة النشر...
الفصل السادس والثمانون
الفصل السابع والثمانون
الفصل الثامن والثمانون - الجزء الأول
الفصل الثامن والثمانون ( الجزء الثاني)
الفصل التاسع والثمانون
الفصل التسعون
الفصل الحادي والتسعون
الفصل الثاني والتسعون
الفصل الثالث والتسعون
الفصل الرابع والتسعون
الفصل الخامس والتسعون - الأخير - الجزء الأول
الفصل الخامس والتسعون - الجزء الثاني - الأخير
الفصل الخامس والتسعون - الأخير - الجزء الثالث
الفصل الخامس والتسعون - الأخير- الجزء الرابع والأخير

الفصل الثالث والثلاثون

48.1K 2K 334
De ManalSalem175


الفصل الثالث والثلاثون :

ولجت إلى داخـــل غرفته وهي متجهمة التعابير إلى حد ما ، بحثت عنه فلم تجده ، فاتجهت إلى الشرفة حيث يجلس دوماً ..

رأته مستنداً بمرفقيه على حافة سورها ، ومنفثاً لدخـــان سيجارته المشتعلة في الهواء. ورأت أخته الصغرى إلى جواره تراقب الطريق والمــارة بنظرات شمولية.

استطردت جليلة حديثها قائلة بجدية :

-بنادي عليك يا دياب ، مش سامعني !

التفت ناحيتها برأسه ، ثم اعتدل في وقفته وهو يجيبها بفتور:

-ماسمعتش !

ضيقت نظراتها أكثر لترمقه بغرابة وهي تضيف بضجر :

-طب شوفلنا دكتور ولا حد بيفهم عشان بسمة ، مش هانسيبها كده !

أطفأ بقايا سيجارته في المنفضة الخاصة بها ، ورد عليه بإرتباك ملحوظ في نبرته :

-هي خلاص آآ... اقصد يعني متغطية وآآ...

ابتسمت بمكر وهي تجيبه :

-اه يا حبيبي ، اطمن !

ثم اقتربت منه لتسأله بصوت خفيض ذو مغزى معين :

-وبعدين مال وشك جاب ألوان كده ليه لما شوفتها

عبست تقاسيمه وقست نظراته وهو يرد عليها بحدة :

-في ايه يامه ، ألوان ايه وزفت ايه ؟

أومــأت بعينيها قائلة بلؤم :

-انت مش شايف نفس

ضغط على شفتيه بقوة فقد فهم إلى ماذا ترمي والدته. أخذ نفساً عميقاً حبسه للحظات في صدره ليضبط انفعالاته ، ثم أطلقه دفعة واحدة مردداً بخشونة :

-شوفي يا أم منــذر ، الحكاوي اللي في دماغك دي انسيها خالص ، أنا مش بتاع الكلام ده !

نظرت له بتعجب كبير ، وقبل أن تفتح فمها لتنطق أضاف سريعاً بنبرة أكثر جدية :

-تاني حاجة بقى عاوزاني أعمل ايه لما أشوف واحدة لا مؤاخذة يعني آآ.... وماتجوزليش ؟ ها ؟ أتنح فيها عشان أعجب مثلاً ؟

زمت جليلة فمها للجانبين مستنكرة عتابه الحاد ، بينما أكمل هو قائلاً :

-دي لا أخلاقنا ولا تربيتنا ، احنا بنفهم في الأصول كويس وولاد الحاج طــه لو شافوا واحدة عريانة يغطوها ، يا رب تكون الرسالة وصلت !

ردت عليه بتذمر مشيرة بيدها :

-خلاص يا دياب ، مالك طلعت فيا كده ليه ، روح شوفها وخلاص !

لم تتبدل تعابير وجهه وهو يرد بإقتضاب :

-ماشي

ثم تحرك خـــارج الشرفة ليدخل غرفته.

وقعت أنظاره على زجاجة عطره باهظ الثمن المسنودة على تسريحته ، فإلتقطها وأكمل سيره تاركاً الغرفة.

تساءلت أروى بحماس :

-أروح معاه يا ماما ؟

رمقتها جليلة بنظرات منزعجة وهي ترد بإنفعال :

-لأ ، خشي أوضتك ذاكري ، كفاية تضييع وقت !

مطت الصغيرة أروى ثغرها قائلة بإحباط واضح :

-طيب !!

......................................

خــــرج إلى الصــالة وهو يشمر ساعديه سائراً بخطوات ثابتة نحوها.

كانت لا تزال على وضعها ، غافية ، غير مدركة لما حولها.

توقف في مكانه ليتأملها بهدوء.

بدلت والدته ثيابها الممزقة بعباءة تخصها ، فكانت أكثر حشمة ووقاراً..

تنهد بإرتياح لكونها هكذا بالرغم من إنزعاجه مما لاحظه من سحجات وخدشات على جسدها.

دنا منها بحذر ، ثم جثى على ركبته أمامها ، وفتح غطاء زجاجة العطر ، والتفت للخلف ليسنده على الطاولة.

قــام بتقريب فوهة الزجاجة من أنفها لتشتم رائحته النفاذة.

راقبها بإهتمام كبير متوقعاً استجابة فورية منها ، لكن لم يبدو عليها التأثر.

قطب جبينه متساءلاً بتعجب :

-هي الريحة مش باينة ؟

فـــرد كفه الأخر ، وقام بنثر الرائحة على راحة يده بغزارة لتصبح أكثر نفاذاً وحدة ، ومن ثم قربها من أنفها مجدداً لتشتمها.

لاحظ تلك التشنجات الخفيفة التي ظهرت على وجهها ،فابتسم لردة فعلها.

أعاد تكرار الأمر ليتأكد من افاقتها تماماً ..

...................................

لم تتخيل أن يسجنها في دكانها ، أن تتحول لحبيسة ما تملك.

واصلت صراخها الهيستري وهي تضرب بقبضتيها بعنف شديد على الباب القديم.

لم تهتم بالآلم الشديد الذي سبب الآذى لرسغيها ، ولا بالخدوش الخفيفة التي نتجت نتيجة احتكاكها الإنفعالي العنيف بالنتوءات الخشبية نتيجة تشققات الزمـــن ...

صاحت بجنون :

-طلعني من هنا ، انت مش بني آدم ، افتح البـــــاب !

لم تكن تخشى الظلام على قدر خوفها من تلك الكائنات الزاحفة التي يمكن أن تكون متواجدة بالداخـــل

ورغم صياحها المقلق إلا أن العامل بالخــارج لم يتجرأ حتى على الرد عليها ، كان يهاب ردة فعل رب عمله إن علم بمخالفته لأوامره.

تمتم مع نفسه بضجر :

-لو بإيدي كنت طلعتك ، بس هاعمل ايه !

سحب مقعداً من المحال الملاصقة للدكان - والمملوكة لعائلة حرب – ليجلس عليه بطريقة معكوسة.

استند بمرفقيه على ظهره ، وتابع حركة المارة بنظرات فاترة.

لمح من على بعد صبي ما يقترب منه متساءلاً بإستغراب :

-أومال الست صاحبة الدكان ده فين ؟

رمقه العامل بنظرات متفرسة وهو يجيبه بتساؤل أخر بعد أن نهض عن مقعده :

-انت مين ؟ وبتسأل عليها ليه ؟

وقف الصبي حسن قبالته ليجيبه بهدوء :

-أنا حسن شغال عند الحاج زقزوق النجار ! كنت جايبلها لمبة بدل البايظة عندها

انتبه هو لصوت الصراخ الغير واضح ، فتبدلت تعابيره للقلق ، وتساءل بتوجس :

-هو الصريخ ده جاي من جوا وآآ.. ؟؟؟

قاطعه العامل بغلظة مشيراً بيده له ليبتعد :

-مالكش دعوة ، اتمشى من هنا !

هتف الصبي عفوياً وهو يشير بكف يده الممسك بالمصباح الجديد :

-دي باينها محبوسة جوا !

تجهمت تعابير العامل ، فقد أدرك أن هذا الصبي سيسبب له المتاعب ، وهو في غنى عنها ، لذا هتف فيه بحدة :

-بأقولك ايه ، ارجع لمعلمك وشوف شغلك أحسنلك

وصل إلى مسامعهما صراخها المكتوم :

-طلعوني من هنا

صــاح حسن بإصرار :

-شغل ايه ؟ ده أنا سامع واحدة بتصوت !

دفعه العامل من كتفه للخلف بقوة قائلاً بغلظة :

-ولــه ، كُل عيش احسنلك !

اغتاظ حسن من أسلوبه الفظ في التعامل ، فرد عليه بتحدٍ :

-خلاص أنا هاروح أقول لمعلمي وهو يتصرف

لم يعبأ العامل بتهديده الصريح ، وأردف قائلاً بنبرة ذات مغزى :

-وماله قوله ، بس انت هاتوقع مع الريس منذر !

اضطرب الصبي على الفور بعد سماعه لإسمه ، وردد بتلعثم :

-هــاه .. آآ.. الـ.. الريس منذر !

أومــأ العامل برأسه مردداً بجدية :

-ايوه ، دي أوامره

رغب الصبي في مساعدتها ، فهو لم يرَ منها ما يسيء بل على العكس كانت مهذبة ، حسنة الخلق ، كيسة في تعاملها معه ..

أصــر على الدخول إليها ، ربما ينجح بطريقة ما في معاونتها ، فألح قائلاً بإستعطاف :

-طيب .. بس .. بس الست كانت عاوزة اللمبة ، حرام نسيبها في الضلمة ، دي طيبة وغلبانة

رد عليه العامل بإستياء :

-مالناش دعوة !

أضــاف الصبي مقترحاً :

-طب هاركبهالها وأمشي ، ومش هاجيب سيرة لحد !

ضجر العامل من إلحاحه المتواصل ، فصاح به بعنف :

-يا بني انت مستغني عن عمرك ، بأقولك ده موضوع يخص الريس منذر ، اتمشى بقى !

تذمر حسن مردداً :

-حرام والله اللي بيحصل فيها ده !

رد عليه العامل غير مكترث بما يقول :

-حرام ، حلال ، ده مايخصناش !

ابتلع الصبي ريقه متابعاً بعناد :

-طب .. طب أقولها إن أنا جيت وجبتلها حاجتها ، حتى تطمن ان احنا معاها وآآ...

قاطعه العامل بنفاذ صبر :

-شكلك عاوز تعاديه !

هز حسن رأسه نافياً وهو يبرر موقفه :

-لا والله ، أنا مش أده ، بس الست صعبانة عليا

رمقه العامل بإستخفاف وهو يرد ساخراً :

-مايصعبش عليك غالي

-افتح البـــــاب !

كان صراخها واضحاً نسبياً لمن بالخــــارج فسبب لهما الضيق..

هتف حسن بلا وعي بصوت مرتفع :

-اطمني يا ست ، انا واقف برا

اتسعت حدقتي العامل منزعجاً من تصرفه الأهوج ، وصـــاح به بحدة :

-يا واد اخرس

ثم لكزه بقوة في جانبه مسبباً له الآلم ، فتأوه الصبي قائلاً :

-آآه ، ليه بس كده !

قبض العامل على ذراعه دافعاً إياه للخلف وهو يضيف بصرامة :

-امشي من هنا يالا

ارتد جسد حسن للخلف من إثر الدفعة ، وكاد يسقط على وجهه لكنه تمالك نفسه في اللحظة الأخيرة.

نظر إلى العامل بحدة ، وصــاح بوجه مكفهر :

-حسبي الله ونعم الوكيل

لوح له العامل بيده قائلاً :

-حسبن بعيد عن هنا !!!

ركض بعدها الصبي مبتعداً عن المكان وهو يسب العامل ويلعنه بصوت خفيض ..

عـــاد الأخير للخلف ليجلس على مقعده أمام باب الدكان مراقباً المارة بنظرات عامة ومانعاً أي شخص من التدخل فيما لا يعنيه حتى انقضــاء تلك الساعة العصيبة ...

.......................................

يئست من أي محاولة لمساعدتها ، فاستسلمت لمصيرها المجهول.

توقفت عن دق الباب بعنف ، وأسندت جبينها عليه.

بكت بمرارة ، لاعنة تفكيرها الغير عقلاني الذي دفعها بتهور لفعل شيء كهذا. فلو تريثت قليلاً ما كانت ستوضع في هذا المأزق ..

استعادت في ذاكرتها تهديده الأخير بسلب ما تملكه رغماً عنها ،

تعالت شهقاتها المختنقة مرددة لنفسها بندم :

-يا ريتني ما عملت كده ، يا ريتني !

عادت لتبرر موقفها مرددة بيأس :

-طب كنت هاعمل ايه ومافيش حد ليه مصلحة إلا هو ، فكرت إني بكده هاحمي نفسي منه ، طلعت غلطانة ، كل حاجة هتضيع مني، كل حاجة !

سمعت صوتاً غريباً جعلها تصمت فجـــأة ، وأهبت حواسها بالكامل.

تسارعت دقات قلبها بخوف كبير حتى كادت أن تصم أذنيها.

حبست أنفاسها مترقبة ما سيحدث لاحقاً.

كان الصوت لخربشات خفيفة ، لم ترغب هي في تخمين ما وراءها. لكنها واثقة أنها إحدى الزواحف الرمادية.

ارتعدت أكثر وجفل جسدها مرتعشاً.

انكمشت أسيف على نفسها ، وحاولت مقاومة إحساس الخوف الذي سيطر على كيانها ، لكنها لم تستطع ، وواصلت رجفتها المذعورة.

...................................

على مضض كبير اضطرت أن تستقل السيارة وتأتي به من مخبأه إلى المطعم حيث ينتظرها الحاج مهدي.

كان جالساً على حجرها ، تداعبه بلطف مصطنع.

وما إن وقفت السيارة أمام باب المطعم حتى إشرأبت بعنقها للأعلى محاولة رؤيته.

لمحته وهو يجلس عند المدخل ، فمالت على الصغير وهمست في أذنه بنعومة :

-انزل يا يحيى

تساءل الصغير ببراءة وهو يلتفت برأسه نحوها :

-احنا هنتغدى هنا يا تيتة ؟

هزت رأسها نافية وهي تبتسم له :

-لأ

سألها بفضـــول وهو يشير بسبابته :

-أومال ليه آآ....؟

قاطعته قائلة بجدية :

-هاتروح مع عمك مهدي ، هيوديك عند بابا

اتسعت ابتسامة الصغير يحيى وهتف بحماس :

-بجد ؟

رد بإمتعاض من بين شفتيها :

-اه

هلل الصغير بحماس أكبر :

-هيييه !

انتبه الحاج مهدي لتلك السيارة المصفوفة بجوار مطعمه ، فنهض بتثاقل من على المقعد ، وســار بخطوات ثابتة نحوها.

رأى الجالسة بالمقعد الخلفي ، وذلك الصبي الذي بحوزتها ، فاستطرد حديثه مردداً :

-كويس إنك جبتيه يا شادية !

ردت عليه بتبرم :

-غصب عني يا مهدي ، لو مكانش آآ...

رفع كفه أمام وجهها ليجبرها على الصمت قائلاً بحنق ظاهر في نبرته :

-مشاكلك مع دياب وعيلته تحليها بعيد عني وعن ابني ، فهماني يا شادية ، أنا مش ناقص خاوتة !

ردت عليه بنبرة منفعلة :

-المشاكل هتجيلك برضاك أو غصب عنك ! إنت مش هاتخلص

تابع قائلاً بإزدراء :

-بس مش عاوزها من ناحيتك ، يالا يا بني ، تعالى معايا !

ترجل الصغير من السيارة بعد أن قبلته جدته من وجنتيه ، ثم شبك يده في كف مهدي ، ورفع رأسه للأعلى متساءلاً ببراءة :

-هاروح عند بابا ؟

ابتسم مهدي له وهو يجيبه :

-أه ، هاوديك عنده ، تعالى !

أحكم قبضته على كفه الصغير ، وســـار معه نحو الطريق المؤدي للوكـــالة ليسلمه إلى عمه المتواجد هناك حتى يتمكن من تحرير ابنه مـــازن ..

راقبته شـــادية بنظرات مستشاطة ، وكزت على أسنانها قائلة لنفسها بتوعد :

-الجيات أكتر من الريحات يا مهدي ، والموضوع مخلصش عند كده !

أشـــارت بعدها بعينيها للسائق قائلة بغلظة :

-اطلع من هنا يا أسطى !

.......................................

لوح بكف يده في الهواء بسعادة كبير بادية على وجهه لهؤلاء الحراس المرابطين أمام البوابات الحديدية المحصنة مودعاً ذلك المكان الكئيب بمن فيه.

أخـــذ نفساً عميقاً يختلف عن ذي قبل .. ثم لفظه ببطء شديد وكأنه يتلذذ به عن قصد ...

لقد نـــال حريته أخيراً ، وحاز على عفو بعد أن قضى عدة أعوام حبيساً في السجن.

لم يرد إبلاغ عائلته بهذا الإفراج إلا حينما يخرج بنفسه .

مسح على صدره بكفه قائلاً بصوت متحشرج :

-جــه وقتك يا مجد ، محدش هايقف تاني قصادك !

واصـــل سيره المتباهي حتى ابتعد تماماً عن هذا المكان المقيت ليستأجر إحدى سيارات الأجرة لتوصله إلى منطقته الشعبية.

.....................................

أصدرت أنيناً خافتاً وهي تجاهد عقلها الثقيل لتجبر نفسها على الاستيقاظ من غفوتها تلك.

اخترقت تلك الرائحة العطرة أنفها بقوة ، فتشنجت تعابير وجهها إلى حد ما.

بدأ جفناها في التحرك عفوياً ، ثم فتحا ببطء.

كانت الرؤية مشوشة في البداية ، فقط إحساس بالآلم والثقل مسيطراً عليها.

لم تتوقف تلك الرائحة النافذة عن مداعبة أنفها ، فمدت يدها لا إرادياً نحوه ، شعرت بملمس جلدي قريب منها.

تأوهت مجدداً قائلة بصوت ناعس :

-ابعدي ايدك يا نيرمين

رد عليها مازحاً :

-هو أنا ايدي طرية أوي كده !

تعجبت من تلك النبرة الخشنة التي سمعتها ، وفتحت عيناها رامشة عدة مرات لتتضح الرؤية تماماً معها.

زاد اتساع حدقتيها ، فهتفت متساءلة بذهول :

-إنت ؟ بتعمل ايه هنا ؟

رد عليها بعبوس زائف :

-انتي عندنا في البيت

شهقت مصدومة وهي تعتدل فجــأة في نومتها :

-عندكم !

تلفتت حولها بتوتر لتتأكد من صحة تصريحه ، فزاد قلقها وتوجسها ...

سريعاً استعادت في ذاكرتها ما حدث في وقت سابق.

ارتجف جسدها من ذلك الموقف المشين الذي كانت به ، وضمت يديها إلى صدرها وكأنها تحمي نفسها .

شعر ديـــاب بالحرج ، ونهض من جوارها موليها ظهره ، ثم تابع بصوت آجش :

-انسي اللي حصل تحت !

أخفضت عيناها بخجل مرددة بصوت منكسر :

-أنا معملتش حاجة !

التفت نحوها قائلاً بتجهم :

-مش محتاجة تبرري أو تدافعي عن نفسك ، أنا واثق فيكي ، فانسي خلاص !

أصرت على توضيح موقفها محتجة :

-بس آآ...

رد عليها مقاطعاً بصرامة :

-مابحبش أكرر كلامي كتير !

أنزلت قدماها عن الأريكة ، ولملمت نفسها بحرص لتتأكد من عدم كشف أي جسد من جسدها ، ثم ردت عليه بجدية :

-ماشي ، بس أنا مش هاسكت عن حقي ، وهاربي الجبان اللي آآ....

انزعج من تكرارها لذلك الأمر ، فهتف بإنفعال :

-بأقولك انسيه ، ايه الغريب في كلامي ، ليه مش بتسمعيه من أول مرة !

نهضت واقفة وهي ترد بعناد صــارخ :

-مش هاسيبه !

تأوهت من الآلم نتيجة صراخها ، فوضعت يدها على عظمة الترقوة لتفركها قليلاً مخففة حدة الوجع .

تابعها بإهتمام ، وسألها متوجساً :

-انتي كويسة ؟

وقبل أن تجيبه اقتحمت الصــالة والدته هاتفة بسجيتها المسببة للخجل :

-ماشاء الله فوقتي ووقفتي على رجليكي ، الظاهر ديــاب بيفهم في الحاجات دي

استشعر الأخير الحرج من كلامها الغير مكترث ، وهتف بتبرم :

-هي فاقت لوحدها !

تنحنحت بسمة بصوت خفيضة مرددة بنبرة ممتنة رغم تلعثمها :

-شكراً على آآ... عبايتك وآآ.. ، أنا مش عارفة أقول ايه ، بس آآ...

قاطعتها قائلة بود وهي تمسح برفق على ظهرها :

-هو أنا عملت حاجة يا حبيبتي ، دي حاجة بسيطة ، اقعدي وارتاحي كده وأنا هاعملك حاجة دافية تشربيها !

هزت رأسها نافية وهي ترد معترضة :

-لأ مش عاوزة ، أنا هامشي !

وضعت جليلة يدها على طرف ذقنها ، وعضت على شفتها السفلى قائلة بإستنكار :

-تمشي ايه ، انتي هاتستني شوية لحد ما نطمن عليكي !

ثم التفتت برأسها ناحية ديــاب لتوجه حديثها له قائلة بمكر :

-ولا ايه يا ديـــاب ، ماتقول حاجة يا بني ؟

زم ثغره بضجر بارز على ملامحه ، لكنه لم يعارض رأي والدته ، وأردف قائلاً بتجهم :

-خليكي ، أنا هاوصلك !

نظرت له بسمة بطرف عينها قائلة :

-متشكرة ، أنا عارفة الطريق لوحدي

نظر لها بقوة قائلاً بعناد أكبر :

-وايه يعني ، هاوصلك آآ..

تدخلت جليلة في الحوار قبل أن يتطور بينهما لمشاجرة ما قائلة بمرح :

-بصوا مافيش داعي للخناق ، أنا هاكلم أمك وأختك وأقولهم يجوا نقعد سوا كلنا ، وبعد كده تروحوا مع بعض

ردت بسمة قائلة بتذمر :

-مافيش داعي ، أنا آآ...

نظرت لها جليلة بحزن وهي تضيف بعتاب :

-كده بردك ، عاوزة تزعليني ؟

ثم التفتت نحو ابنها قائلة بلؤم :

-ما تقول حاجة يا دياب ؟

تمتم مع نفسه بخفوت :

-يخربيت دياب ! هو ما فيش إلا أنا !!!

سألته أمه بدهاء نسائي معتاد :

-ها يا بني ؟

رد عليها بعدم اكتراث :

-اعملوا اللي انتو عاوزينه ، ماليش فيه !

ثم أولاهما ظهره وتحرك مبتعداً عن الاثنتين .

تابعته بسمة بنظرات ضجرة ، لكنها لم تكن حانقة منه .. بل على العكس كانت ممتنة لمعروفه معها في ذلك الوقت العصيب.

أخرجها من شرودها السريع صوت والدته وهي تقول بترحاب :

-ارتاحي يا حبيبتي ، ده انتي منوراني !

ابتسمت لها بسمة بتكلف ، وجلست على الأريكة بحرج نسبي ..

.................................

أوصــــل الحاج مهدي الطفل يحيى إلى الوكالة بعد أن أحضر له كيساً بلاستيكياً مليئاً بالحلوى ، ثم انحنى ليقبله بعطف ماسحاً على ظهره برفق ، واعتدل في وقفته صائحاً بصوت مرتفع :

-منـــذر ، ابن أخوك أهوو

هب الأخير واقفاً من مقعده ، وركض سريعاً نحو الخــارج هاتفاً :

-يحيى !

فتح ذراعيه ليلتقطه ، ثم رفعه عن الأرضية واحتضنه بقوة قائلاً :

-وحشتنا يا ابن الغالي

رد عليه الصغير ببراءة :

-عمو منذر !

هتف الحاج مهدي قائلاً بجدية :

-ابنكو عندكم ، فين ابني ؟

رد عليه منذر بصوت قوي ونظراته مسلطة عليه :

-هايجيلك !

هتف الحاج مهدي بإصرار وهو يشير بسبابته :

-دلوقتي !

رد عليه منذر بإيجاز :

-طيب !

أنزل الصغير على قدميه ، لكنه أمسك بقبضته ولم يفلتها ، ثم أخرج هاتفه من جيبه ليهاتف رجاله بالمستودع كي يحرروا مـــازن ..

......................................

مل العامل من الإنتظار أمام باب الدكان المغلق ، وتوجس خيفة أن يكون أصــاب تلك الماكثة بالداخل أي شيء ، فأشفق عليها ، وقرر أن يحررها قبل نفاذ الساعة ..

نهض عن مقعده ، وفتح القفل ، ثم دفعه بحذر للخلف مردداً بصوت خفيض :

-انتي يا ست ؟ سمعاني !

انتبهت أسيف لصوت فتح قفل الباب ، فاستدارت مبتعدة عنه، وحدقت فيه بأنفاس متهدجة .

بكث متأثرة حينما فتح نسبياً ، وردت غير مصدقة أنها تحررت :

-حرام عليك اللي عملته فيا

رد عليها بصوت مزعوج :

-أنا ماليش دعوة يا ست ، أنا عبد المأمور !

بكت بقهر لعجزها ، فهي ضعيفة لا سند لها ولا مدافع عنها في تلك الحياة القاسية.

شعر العامل بوخز في صدره حينما رأها على تلك الحالة ، وتابع بصوت ضائق مشيراً بيده :

-بصي ، أنا هساعدك لله في لله ، انتي امشي من هنا وماتجبيش سيرة إني خرجتك ، الله يرضى عليكي أنا مش ناقص مشاكل

هزت رأسها بإيماءات متتالية مكفكفة عبراتها بظهر كفها :

-طيب !

التفت برأسه للخارج ليتأكد من خلو الطريق ، ثم همس لها بصوت آمر :

-يالا ، مافيش حد برا

تحركت بخطوات متعثرة في مشيتها نحو الخارج ، وقبل أن تبتعد تماماً هتف بها العامل قائلاً :

-استني يا ست ، خدي مفتاح الدكان بتاعك !

عادت إليه ممددة كفها نحوه ، فقطب جبينه متعجباً من أثار الجروح الظاهرة على رسغها ، فهتف بنزق :

-ايه اللي في ايدك ده ؟

نظرت إلى حيث أشــار ، فرأت تلك الأثار البائنة عليه..

ابتلعت ريقها في حلقها الجاف ، وسحبت كم ثوبها عليه لتغطيه قائلة بصوت مرتجف :

-المفتاح بتاعي !

ناولها إياه متابعاً بتحذير :

-متجبيش سيرة اني طلعتك قبل آآ...

قاطعته قائلة بصوت خائف :

-حاضر !

ثم قبضت على المفتاح بكفها ، وواصلت سيرها المتعجل لتختفي من المكان برمته ...

..........................

في نفس التوقيت ، توقفت سيارة الأجرة على ناصية الطريق ، فترجل منها مجد ، ووقف للحظات متسمراً في مكانه ليتأمل ذلك المكان الذي افتقده كثيراً.

لم يتغير تماماً ، كان مثلما تركه قبل عدة أعوام.

التوى ثغره بإبتسامة متهكمة وهو يجوب بأبصاره المحال والبنايات بنظرات شمولية بطيئة .

صفق باب السيارة بقوة ، وتحرك نحو الأمام سائراً بخيلاء رافعاً رأسه للأعلى في كبرياء .

دس كفي يده في جيبي بنطاله الجينز القديم مدندناً مع نفسه بصافرة خفيضة.

.................................

التفتت أسيف برأسها للخلف من آن لأخر لتتأكد من عدم تتبع أي أحد لها.

لا تزال تلك الرجفة المذعورة مسيطرة عليها ، هي قضت وقتاً عصيباً بالداخل لا تتمنى تكراره مرة أخرى.

لم تنتبه إلى ذلك القــــادم في طريقها ، وكأنه غير موجود أمامها ، فارتطمت بصدره دون قصد منها..

كان قد رأها مقبلة عليه بإرتباك ملحوظ عليها ، فدقق النظر نحوها ، لكنه تفاجيء بها تصطدم به بقوة ..

شهقت أسيف بحرج كبير ، واصطبغ وجهها بحمرة خجلة وهي تعتذر قائلة :

-أنا.. أنا أسفة ، مخدتش بالي والله ، مـ.. مقصدش !

أمسك بها مجد من ذراعيها بقبضتيه ليثبتها في مكانه ، ثم مرر أنظاره الغير مريحة عليها وهو يقول بعبث :

-مش تاخدي بالك يا قطة وانتي ماشية ! الشارع ليه أصوله بردك !

أزاحت قبضتيه عنها قائلة بنبرة مزعوجة :

-مـ.. معلش ! مش قصدي !

رد عليها بتنهيدة أربكتها :

-حتى لو تقصدي ، براحتك !

هربت الدماء من وجهها من إثر كلماته الجريئة تلك ، وازدردت ريقها بتوتر كبير..

ظلت أنظاره القوية مسلطة عليها مسببة لها الضيق والخوف ، كانت تشعر بعينيه تخترق جسدها وتعريه ، فتحركت سريعاً من أمامه ، لكن وصل إلى مسامعها صوته الخشن وهو يقول بثقة :

-وماله ، مسيرنا نتقابل تاني يا حلوة ....................................!!!

............................................

Continue lendo

Você também vai gostar

77.3K 3.1K 5
قصة قصيرة مستوحاة من مشكلات الواقع .. تدور بين زوجين حديثي العهد بالزواج، باتت حياتهما مهددة بشكلٍ خطير، بسبب هذا الإهمال المتعمد من قبل الزوج #منال...
13.5K 659 46
تردد صوت صراخها ليصم الآذان و يعم أرجاء المكان وهى تهتف ساعدوني أرجوكم هلا يأتي أحد ليساعدني ،تحاول أن تبقى في مكانها ولا تسقط أكثر في هذه الحفرة الع...
506K 19K 31
الظُلمة لا تكمُن في الليل بل في قلبيهما!!...
15.2K 229 28
رواية للجميلة الكاتبة هاجر حليم أرجو أن تستمتعوا بقراءتها.. حقوق الملكية محفوظة للكاتبة "هاجر حليم"