عيون الريان (مكتملة)

By nellyelattar

885K 18.5K 1.6K

كانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ More

المقدمة والفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
تنويه
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
طلب خاص
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
"جزء مالوش أي تلاتين لازمة"
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الغلاف وتواقيع الأبطال
🧡حبايبي متابعين التعديل🧡
إعلان روايتي الورقية الأولى
اقتباس من رواية وريث كايميرا
الفصل السادس والثلاثون
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
سالخير عليكم 🤸‍♀️😅
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
🙈عين الهِرّ🙈
اعتذار
🙂
الفصل الأخير
إعلان مهم ❤️
الخاتمة
شكر وامتنان ❤️
👋
💥حفلة توقيع وريث كايميرا💥
لينك الـ pdf ❤️
❤️
عيدكم مبارك ❤️
خادم الوشم
💔
تنويه مهم جداً

الفصل الواحد والأربعون

7.7K 200 76
By nellyelattar

"عيّناكَ لي، ومن ابتغى فيهما حبًا
قاتلناهُ حتى تعود أملاكُنا حُرّة!"

- لقائلها -

**************

وبنظرات مُتحدية وهيئة لا تبشر بخير وقف أمام الجميع يقول بإصرار (المأذون اللي هايكتب كتاب كريم وريهام بكره ، هايكتب كتابي انا ومريم كمان) .. فغر يوسف فاهه باندهاش لكنه استدار باتجاهه يعاجله بجملة حازمة (انا ببلغك قرارنا ، مابطلبش موافقتك) ..

-(انت بتقول ايه؟) ... سأله يوسف وهو ينهض من مكانه مذهولاً

واجهه ريان ومقلتيه تنطقان بشرر لا ينطفئ (اللي سمعته ، مريم بكره هاتكون على ذمتي)

وزّع يوسف بصره بينه وبين شقيقته التي تبكي دون حِراك مستفهماً بتعجب (فجأة كده؟ ، من غير ماترجعوا لحد؟)

رد عليه ريان بنبرة هازئة (ليه؟، هو انت ماتعرفش اننا متفقين عالجواز؟)

تمكن يوسف من الحفاظ على هدوئه قدر المستطاع قائلاً (اتفقت مع مين؟ ، انت لا اتقدمت رسمي ، ولا طلبت إيديها مني بالأصول)

رفع ريان حاجبه يقول بتحدي (لا ياحبيبي انا متقدم ، وقاري فاتحتها من سنتين مع أستاذة وسيلة ، وبالأصول)

نظر يوسف لمريم قائلاً (الكلام ده حصل؟)
أومأت إيجاباً دون حديث ودموعها تغرق وجهها فتابع أخيها بصوت مُرتفع (وماعرفتينيش ليه؟) .. طأطأت رأسها لأسفل غير قادرة على الكلام أو التوقف عن البكاء ..

-(استهدوا بالله ياولاد وصلوا عالنبي) .. قالها الجد زين متدخلاً ليخفف حدة الأجواء المُشتعلة بلا سبب معلوم بينما رمق ريان حُسام الذي يراقب الموقف باستغراب موجهاً السؤال إليه بملامح غاضبة (انت هنا بصفتك ايه؟)

أجابه حُسام بتوجس وعدم ارتياح (أنا صاحب يوسف ، وهو اللي عزمني أحضر كتب كتاب ريهام)

أعاد ريان أنظاره نحو يوسف قائلاً بلوم شديد اللهجة (عزمته بنفسك وماعملتش أي اعتبار ليا)

تكلم سعد باندهاش (وفيها ايه لما يعزمه يا ابني؟)

اقترب ريان من حُسام يقول بانفعال (فيها ان الدكتور كان متقدم لمريم وطالبها للجواز) ... حالة من الصمت اعترت الجميع وكما يقول المَثل الشعبي الشهير (إذا عُرِفَ السبب بَطُلَ العَجَب) ... وإدراك أسباب اندلاع نيران غضبه لم يستغرق سوى لحظة واحدة .. وأسبابه بدت منطقية وله كل الحق فيما يفعله من تصرفات لا تمت للمنطق بصلة ، ومن منتصف السكون استقام حُسام واقفاً يعاتب يوسف (المفروض أبرر الموقف الزفت اللي اتحطيت فيه ده ازاي؟ ، ومين ده اللي ماعرفش يقرب ايه ليكم أكتر من إنه ابن خال اختك؟) ... ثم قال للجميع مُدافعاً عن نفسه (انا فعلاً اتقدمت لمريم من فترة كبيرة ، وهي رفضت ...)

بَتَر ريان جملته بتحفز (وانت ماسألتش عن سبب رفضها ليك؟)

عقد حُسام حاجبيه يحدجه من أعلاه لأسفله بتهكم (لا ماسألتش)

مد ريان يده ليصافحه قائلاً بسخرية (أنا السبب) .. بادله حُسام المُصافحة على مضض بينما شدد هو مسكته لكفه حتى كاد أن يكسر أصابعه ، فجذبه منه مُتألماً ثم تراجع بحدقتين مُتسعتين ، وحرج بالغ بحجم الكون ، يتطلع لصديقه الواقف بجواره وغُصة مريرة أحكمت حلقه وأسكتته قسراً

-(عامةً تآنس وتنور ، البيت بيتك) ... قالها ريان مُبتسماً ابتسامة لم تصل لعينيه والتفت ليوسف مردفاً وتعبير خَطِر يرتسم فوق تقاسيمه (ضيفك على راسنا يادكتور ، وبالمرة يشهد على كتب الكتاب بكره) ... أنهى كلماته ضاغطاً على كل حرف يتفوه به وتحرّك ساحباً مريم وراءه بخطوات واثقة منتوياً الخروج تماماً من المنزل ، ورَبّهُ وحده يعلم أنه يمارس أقصى درجات ضبط الأعصاب كي لا يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون

-(استنى عندك) .. صدح بها يوسف ليستوقفه

استدار ببطء قاصداً استفزازه (أفندم)

لم يتمالك يوسف غضبه قائلاً (انت مالكش كبير يالا؟ ، ولا مفكر اني هاسكت على قلة أدبك وهاتلوي دراعي باختي؟)

هدر به ريان (أنا لو ماليش كبير كان زماني كاسر دراعك مش لاويه ، واختك مابقاش عندها اختيار في موضوعنا ، من اللحظة دي الرأي رأيي ، والقرار قراري ، وكلمتي هاتمشي عليها وعليك)

تقدم يوسف نحوه يتخذ وضعية الهجوم (يعني ايه؟ ، هاتتجوزها غصب عنها؟)

جابهه ريان بعنفوان (بمزاجها وبرضاها ، وانت متأكد من ده كويس)

أمسك يوسف ذراع مريم يجذبها لتبتعد عنه قائلاً (وانا ماعنديش بنات للجواز ، وأعلى ما فخيلك إركبه)

أعاد مريم مكانها بجواره مجدداً ومال عليه هامساً بوقاحة ليست من صفاته (ماتقلقش ، هاركبه لو ما اتعدلش ولم الدور) ..

قطب يوسف جبينه يحاول استجماع شتات عقله حتى يستوعب مقصده ، ثانية واحدة فقط كانت كافية لينفرج فاهه بصدمة والمعنى الغير مُهذب يتردد في آذانه وكرد فعل طبيعي دفعه بعنف صائحاً (احترم نفسك...)

أوشك أن يسدّد له ضربة يكسر بها فكه لكن الحاج زين هتف بصوت جهوري ليردَعه (ريان!)

نداء جده ألجمه وبشق الأنفس تناءى للخلف قليلاً ، وصدره يعلو ويهبط قائلاً لمريم التي كانت تكتم شهقاتها بكفيها ، وقاب قوسين أو أدنى من فقدان الوعي (وعهد الله لو ماجيتي معايا حالاً ، ماهتشوفي وشي تاني لآخر يوم في عمرك) ..

سكت يتأمل ضفيرة الخيبة المُستطالة بينهما ، بمقدار مسافة الحُزن و الحرمان و.. الندم ، يرجوها بحق الله ألا تخذله وتشتريه تلك المرة .. فقط تشتريه وسيعتذر عما بدر منه إذا أرادت ، وبدون مقدمات ولا تفكير زائد احتوت راحته بخاصتها لتعلنها صريحة أمام الكُل في أي صفٍ ستقف فأطلق تنهيدة مُرتاحة وصلت حد التأوه كمن تقف روحه على حافة لسانه..

-(كفاية يا يوسف) .. نطقتها بتوسل لشقيقها

لان يوسف بعض الشئ وشعور بالشفقة عليها بدء يتسلل لقلبه قائلاً (عاجبك عمايله دي؟)

ابتلعت ريقها الجاف تسترضيه قائلة (الغلطة غلطتي أنا ، حقك عليا) ...

لم يعطها ريان مجالاً لحديث أطول وشدها ليغادرا يداً بيد ، متجاوزين الباب الخارجي والعشق يفتتهما ويمشي بصلابة فوق قلبيهما ، يكادا يستمعا لصوت تكسير أضلعِهِما من فرط قوته .. استقلا السيارة معاً وبثبات يُنافي المشهد أدار ذاك المُحترق بنار غيرته العمياء المُحرك ، وانطلق بسرعة مُبتعداً عن البيت وأهله وضيوفه ، تتملكه رغبة جامحة في تمزيق شفتيها تقبيلاً لتشعر بعذابه ، يتمنى لو كانت نزوة عابرة بحياته ، لكنها مع خالص أسفه وكامل حُبه الصادق أصل وجوده .. وتلك العلاقة أثبتت بالتجربة العملية قول الشاعر الفلسطيني محمود درويش : "الحب وعد لا يُرَد ولا يزول" .. أما هي فدموعها مازالت تحفر خطوطاً طويلة على وجنتيها ، وتجري مِدراراً جريان نهر فقد عذوبة ماءه ، وتحولت لمِلح أُچاچ يكوي جرحها الغائر الذي انشق طرفيه بفعل سكين حاد .. أحست ببرد طفيف يتسرّب لأوردتها فقامت بلف ذراعيها حول جسدها مستندة برأسها المُثقل بالهموم على زجاج النافذة ، وأطبقت جفنيها المُعتكرين بسحابة عبراتها السخية .. بينما ظل هو يتأمل جلستها المحزونة بقلة حيلة ، وملل من هذا الوضع الذي أرهقه جداً ، وجعله غير قادر على التفكير ، أو حتى ضمها إليه ليعتذر ويواسيها ويواسي نفسه بها ، والآن وفي تلك اللحظة تحديداً لايريد سوى أن يدفن وجهه الغائم في صدرها ويتركها تمسد شعره ليستكين وينام .. اختار موقعاً هادئاً نسبياً ثم توقف عن القيادة وكعادة مُستحدثة اكتسبها من أزماته المُتلاحقة ألجأه اليأس لإشعال سيجارة لعلّه يُخرج طاقة غضبه مع رمادها المسموم .. سَحب نفس تلاه الآخر وأعقبه بعدة أنفاس بطيئة حتى اختنقت مريم بالدخان وسعلت بشدة ..

-(برضه بتشرب سجاير؟) .. قالتها بعصبية شديدة
فأشاح بأنظاره للجهة الأخرى ينفض الرماد بأطراف أصابعه مُدعياً عدم الاهتمام ولم يرد .. بروده المُتعمد استفزها وبجرأة ليست من صفاتها مدت يدها داخل جيب معطفه وأخرجت علبة السجائر وقامت بتطبيقها حتى تكسّرت محتوياتها تماماً ، ألقتها من النافذة المقابلة لها ثم فتحت الباب وترجلت دون إضافة حرف زائد .. سارت عدة خطوات تبكي مُجدداً بحرقة أكبر ، تُقفل سترتها الصوفية بكفيها والهواء يضرب أوصالها .. تبعها فوراً يمسك ذراعها ليديرها نحوه قائلاً بحدة (رايحة فين؟)

أجابته بعدما تملصت من مسكته (مالكش دعوة بيا)

صك أسنانه يقول بانفعال (اعقلي يامريم ، احنا فالشارع) .. غطت وجهها بكفيها منتحبة بمرارة بالغة ولم تتمكن من السيطرة على انهيارها فسألها مُتهكماً (كل ده عشان مشيتي وسيبتي يوسف؟)

صرخت به باهتياج (كل ده عشان بتهددني انك تسيبني ، انا عديتهالك مرة لما بعتها في رسالة ، ولما كررتها قولتلك اني ماليش غيرك ، ومن شوية حلفت إنك مش هاتوريني وشك لآخر يوم في عمري لو ماسمعتش كلامك) .. أردفت بشهقات متقطعة (مين فينا دلوقتي اللي ماسك التاني من دراعه اللي بيوجعه ياريان؟) .. دفعته بقبضتيها الضعيفتين في صدره مستطردة (رد عليا ، مين فينا؟) .. هَمّ بالحديث لكنها استوقفته مُتابعة بنفس طريقتها (وشربك للسجاير بيخوفني ، لا عامل حساب لصحتك.  ولا مُهتم أصلاً بعلاجك ، لما بقيت حاسة إنك بتتعمد تموت نفسك عشان تعاقبني بيك) .. منظرها الباكي ، وأطرافها المُرتعشة ، والألم المُتقاطر من كلماتها جعلت أنفاسه تتثاقل وتهاجمه هجمة قوية على أثرها جذبها يحتويها ، ويضمها لصدره ضمة حنونة ، دافئة ، دامغاً جبينها بقبلة عميقة فتشبثت بمقدمة قميصه ، وشفتيها تمتشط الحروف كما يمتشط المُحارب سيفه من غمده (وحياتي عندك ماتوجع قلبي عليك)

شدد من اعتقالها بين ذراعيه يهمس بجانب أذنها بتنهيدة مُرتجفة (سلامة قلبك يانور عيني) .. ابتعدت عنه هُنيهة تتطلع لمُحيّاه بَهي التقاسيم بمقلتين مغرورقتين بينما هو عانق وجنتيها النديتين براحتيه وأضاف مبتسماً بهدوء (أنا بحبك أوي) .. سكت يتأملها لثواني وأردف بنبرة والهة (أوي ، لدرجة اني بموت لو بعدتي عني ، وبموت أكتر لما بشوفك وما اطولكيش) .. ابتلع غصة مسننة احتقن بها حلقه مُستكملاً (بعدك هلاك وقربك عذاب ، وانا بين الاتنين بنهار يامريم ، بنهار وبضيع ومابلاقيش بر أمان أسند عليه خيبتي فيكِ)

سألته بعتاب (خيبتك فيا؟! ، انت شايفني خيبة؟)

أجابها بحزن (خيبة تقيلة والله ، وانتِ بتتقليها أكتر بغبائك)

انسحبت مُتراجعة خطوتين للوراء ولم تجد إلا الرصيف لتجلس عليه تبكي للمرة التي لم تعد قادرة على حصرها ، جاورها واضعاً ذراعه في ذراعها ومال قليلاً متكئاً برأسه على كتفها ، يشعر أنه مُمتلئٌ حدّ التخمة بمُفرداتٍ لم يتم إكتشافها لوصف الألم .. وأنه حيّاً لكنه لا يحيا .. ومعذباً بلا ذنب ، وبلا نهاية لهذا العذاب ، وبعد صمت استمر لدقائق تحدث (أنا ماسبتكيش وانتِ بالنسبالي بعد الشر ميتة ، عشان اسيبك بعد ما ربنا ردك ليا تاني ، ماتاخديش على كلمتين بقولهم وقت نرفزة من غلبي معاكِ) .. قرص خدها برؤوس أنامله مضيفاً بلُطف (هي دي الخيبة اللي اقصدها ياحمارة ، إنك لحد انهاردة مابتثقيش في حبي ليكِ) ..

ردت عليه بصوت مبحوح (أياً كان تقصد ايه ، عشان خاطري بلاش تقول كده ، مجرد التخيل انك ممكن تبعد عني بيقتلني)

خبطها بكتفه في كتفها (مين ده اللي يبعد عنك؟ ، ورحمة أمك اتجوزك بس وانا هالزقك فيا بغرا ، عشان ماحدش يقدر يفرقنا عن بعض تاني)

ضحكت قائلة (عارف انا نفسي فإيه بجد؟)

شاركها الضحك يسألها (إيه يا آخر صبري؟)

قالت بنظرات حالمة (نسافر انا وانت لوحدنا أي مكان مفيش فيه حد غيرنا)

غمز لها قائلاً يمازحها بإفيه كوميدي ذُكِر في أحد الأفلام العربية الشهيرة (انتِ بتفكري في الحاجات دي برضه؟ ، وانا اللي فاكرك مؤدبة)

عقدت حاجبيها تسأله بعدم فهم (حاجات ايه؟)

استقام ليقف نافضاً ملابسه من غبار الرصيف ثم مد يده لها لتتبعه قائلاً (تعالي نروح نفطر الأول وبكره هاقولك)

أطاعته تسير معه باتجاه السيارة قائلة (اشمعنى بكره؟)

اتخذ مقعده خلف المقود بينما جلست هي في مكانها بجانبه وقال مُشغلاً المُحرّك بنفاذ صبر (لما نتجوز رسمي وتبقي حلالي) .. أنهى جُملته بنظرة جانبية يراقب حمرة الخجل التي تغطي وجنتيها ، يدعو الله أن يثبت عليه العقل حتى الغد .. وحين يأذن له الشيخ ويعلنها زوجته أمام الجميع سيكسر صومه فيها ، ويروي عطش روحه من عسل ثغرها ، وسيقول كل مايُمكن أن يُقال دون التفوه بحرف واحد .... انطلق مسرعاً نحو أحد الأماكن المُخصصة لتحضير الأطعمة الخفيفة والمشروبات الصباحية ليتناولا إفطارهما الذي لم يتسنى لهما تناوله في المنزل قبل اندلاع شرارة الحرب التي نزع ريان فتيلها وغادر .. اختارا طاولة متوارية عن الأنظار بعض الشئ وجلسا مُتقابلين .. سكون مشحون بالتفكير خيم عليهما قطعته هي بتوجس (على فكرة دكتور حُسام إنسان مُحترم) .. رمقها بتحذير وتعبير استشفت منه بداية تصاعد غضبه مجدداً لكنها أصرت على الحديث لعلّها تصلح ما أفسدته (الموضوع انتهى من قبل ما يبدء أصلاً ، ومايستاهلش كل القلق اللي حصل)

قال باستنكار (مايستاهلش؟ ، عارفة يعني ايه يطلب إيدك للجواز؟)

تكلمت مُبسطة الموقف (عادي ياريان...)

لم يدعها تسترسل زافراً بحدة (لا مش عادي ، طلبك يعني بصلك بعين راجل عايز ست)

أجفلت قليلاً عندما وصلها معنى كلامه ، وللحظة أعطته الحق فيما فعل ، نظرته للأمر كمُحب شمولية بحتة ، وتختلف تماماً عن نظرة يوسف الذي فصل بين علاقته بحُسام كصديق تقدّم للزواج من أخته إعجاباً ربما يصل للحُب ، وعلاقة حُسام بمريم كطبيب ، وريان لايجيد هذا الفصل أبداً ، ويضع جميع العلاقات في طريق واحد ، متشابك ، ومربوط برباط وثيق تحكمه المشاعر الإنسانية ..

حاورته بهدوء (عندك حق ، بس انا بالنسباله حالياً مش أكتر من حالة بيتابعها ، الفرق بيني وبين أي حالة تانية اني أخت صاحبه)

تحدث بوجوم (الصبح لما شوفتك واقفة معاه خدت بالي من نظرته ليكِ) .. عض جانب فمه يجاهد على الثبات وأضاف (نظرة واحد بيتمنى واحدة ، انا مش خفيف يامريم عشان اغير من فراغ) .. أخفضت بصرها باستحياء ويبدو أنه استطاع إقناعها بكلماته فرفع كفها عند شفتيه يقبل ظاهره مستكملاً (حلاوتك مخلياكِ عُرضة للحب ، اخبيكِ فين عن عيونهم؟)

زمت شفتيها قائلة (خبيني في قلبك) ...

-(هتاخدوا إيه يا افندم؟) .. سؤال عملي وجهه النادل إليهما مُمسكاً بدفتر تدوين طلبات الزبائن ليقاطعهما فأجابه ريان (قهوة مظبوطة من فضلك) ..

عارضته مريم (بلاش قهوة عالصبح) .. ثم
احتوت راحته قائلة بابتسامة لذيذة للغاية (عشان خاطري ياكتكوتي) ..

كتَم النادل ضحكته بشق الأنفس بينما تنحنح ريان وطالعه مُبتسماً بمنتهى السلام النفسي ، وقمة البلاهة العاطفية ، ولسان حاله ينطق داخله بتفاخر (أنا الكتكوت ، أنا كتكوتها) ثم قال ممتثلاً لأمر ست البنات يلغي طلبه للقهوة (خلاص هات اتنين تشيز كيك فراولة) .. سجّل الشاب الصغير طلبهما في دفتره وتحرّك بآلية تامة مُبتعداً عنهما بمسافة سمحت له بالضحك ..

-(ضحكتي الواد عليا).. قالها ريان مُتذمراً

عقدت ذراعيها تقول بعبوس (لو بتزعلك كلمة كتكوتي مش هاقولها تاني)

مال للأمام يهمس (مابتزعلنيش بس قوليها بيني وبينك مش قدام الناس) .. أشاحت بوجهها للجهة المُقابلة لكنه أعاد أنظارها إليه مستطرداً (انتِ ماتعرفيش بتعمل فيا إيه) .. تمالك نفسه بصعوبة بالغة مُتابعاً بخفوت (بتفرتكني ، وانا على تَكّة) .. ابتسمت بدلال أنثوي .. ودلال المليحة مُعجزة تُصَلّب القلب وتطلق أعنّة عواصفه وبالكاد أردف (خليني محافظ على شوية العقل اللي فاضلين في دماغي لحد بكره بدل مانتفضح) .. ثواني قليلة حتى عاد النادل إليهما مجدداً يحمل صينية موضوع فوقها أطباق حلوى الجُبن الشهية المُنكهة بالفراولة .. رصّها أمامهما بحرفية عالية ثم استأذن لينصرف باحترام ..
شرعا في الأكل برَوِيَّة لكنه لاحظ لمحة حُزن تلون تعابيرها فسألها (زعلانة ليه؟)

جاوبته بصراحة (يوسف ....)

بَتَر جملتها يُقر بخطأه (عارف اني كنت قليل الأدب معاه) .. تركت الشوكة باسطة ذراعيها على الطاولة ، تشبك أصابعها ببعضها ، وتطالعه بأنظار مُعاتبة ، فأمسك زجاجة المياه يصب منها داخل الكوب ليشرب وقال متنهداً بقلة حيلة (هاعتذر حاضر)

رفرفت بأهدابها تقول ببراءة مُصطنعة (وحُسام؟)

ضربها على يدها الممدودة قِبالته قائلاً بغيظ (وبعدين؟)

دلكت مكان خبطته متأوهة (دكتور حُسام)

ترك كوب الماء بعصبية (ماله دكتور زفت؟)

أجابت تؤنبه (الراجل ضيف في بيتك ، مايصحش اللي عملته معاه)

استفسر مُتهكماً (يعني؟)

ردت متوجسة (اعتذرله هو كمان)

مرر لسانه خلف شفته السُفلية قائلاً (موافق بس على شرط)

تسائلت باسترابة (إيه؟)

قال ببساطة (تشوفي دكتور غيره تكملي معاه متابعة حالتك)

أرجعت ظهرها للوراء قائلة (موافقة بس على شرط)

رفع حاجبه ساخراً (والله؟)

ضيقت عينيها تقول بتحدي طفيف (آه ياحبيبي ، المشروطة مربوطة)

وضع قبضته أسفل خده قائلاً (عايزة ايه؟)

قلدت حركته قائلة (تبطل السجاير)

أومأ إيجاباً (موافق بس على شرط)

تذمرت (احنا مش هانخلص انهاردة؟)

ابتسم يحاكي طريقتها (آه ياحبيبتي ، المشروطة مربوطة)

زفرت بنفاذ صبر (خير؟)

دس قطعة من الحلوى خاصته في فمها قائلاً (ماتلبسيش بناطيل تاني)

اعترضت بحنق (ليه ... ؟)

استوقفها بهيمنة ذكورية (هو كده ومش عايز كلام كتير) .. وفي لحظة اختفى اعتراضها وحلّ محله الاستسلام ، تتخذ قرارا قاطعاً بتأييد كل ما سيفرضه عليها من قيود .. تحدث نفسها سراً (ليسيطر حبيب الروح ، ويفعل مايحلو له ، لن أناقش وعلى قلبي مثل العسل .. ياقلبي) ..

-(ريان) .. نادته بنعومة

أمسك كفها يملأ الفراغات بين أصابعها بأصابعه مجيباً بنبرة تفيض عشقاً (نعم ياعيون ريان)

-(بحبك) ... كلمة واحدة قفزت فرحاً من ثغرها فوق ثغره وكأنها تبادله العشق بقبلة أنيقة ، شفافة يستطعم حلاوتها بتأني وعلى مهل شديد الحرارة ..

-(تأمروا بحاجة تانية يا افندم؟) .. هتف بها النادل ليخرجهما من حالتهما الوردية إلى أرض الواقع

رمقه ريان طاحناً ضروسه بحنق (الحساب لو سمحت) ..

أطاعه يناوله شيك مُقيد به ثمن طلباتهما مُبتسماً بمجاملة ، فدفع ريان دون أن ينبس بكلمة ثم نهض معها استعداداً للمغادرة ، عاقداً النية على العودة إلى منزل جدهما حيث بقايا معركة لم تنتهي بَعد ...

****************

عودة إلى منزل الحاج زين/

ظلت الأوضاع كما هي عليه بعد انصراف ريان مثل البارودة الصادحة ، والتوتر بين يوسف وصديقه ازدادت حدته بشكل لا يُصدق وليس مُبالغ فيه ، ولأول مرة تتزعزع أعمدة صداقتهما الوطيدة ، المُستمرة لسنوات كثيرة ، وبعد مشاحنة عنيفة وعتاب شديد اللهجة وصل حد الشجار كان حُسام يجلس في الغرفة التي خُصصت له كطفل أبكم لا يجيد الصراخ ، جميع جوارحه صامتة عدا جوارح كبريائه ، هو بطبيعته إنسان هادئ ومُهذب ، من يتعامل معه يشعر أن والدته قامت بتربيته ثلاث مرات ، وللأسف تم وضعه داخل موقف مُحرج لا يتمناه لألد أعدائه ، ولولا إعتذارات الحاج زين وسعد المُتلاحقة له عما بدر من ولدهما وإصرارهما على بقائه لغادر منذ وقت طويل ، لكن هذه الاعتذارات والمُجاملات لكونه ضيف لا تغير من الواقع شيئاً أبداً .. وفكرة أنه لعب غيابياً دور الطرف الثالث المرفوض دون أدنى إدراك منه أو علم تجعل كرامته تتمزق وعزة نفسه تنهش دواخله ، والأمر تخطى حدود تجربة عاطفية فاشلة لم يُعطها تراجيديا أكبر من حجمها ، ولا يعلم لماذا أحس برغبة قوية في محادثة "إيمان" مساعدته الشخصية في العيادة والمستشفى ، ومؤخراً "خطيبته" وأنه وعلى غير العادة يشتاق لسماع صوتها ولها كُلها ، لم يتردد لحظة في الإتصال بها متعمداً إطالة الكلام معها وفتح المواضيع لعلّه يستكين ولو قليلاً ، وأثناء تلك الحالة المضطربة، المشحونة بالارتباك ، انفتح باب المنزل ليدخل ريان يداً بيد مع مريم بهيئة حبست الأنفاس ، واثق الخُطى يمشي الهُوينى ، يوزع أنظاره على الجميع بالتساوي حتى استقرت عينيه فوق وجه يوسف الغائم ، اقترب منه ليقف قِبالته مُتخصراً ، عاقد الحاجبين وقال بثبات تام (أنا آسف)

أرجع يوسف ظهره للخلف يطالعه من أعلاه لأسفله بذهول قائلاً (انت مجنون؟)

دنا منه ينحني قليلاً واضعاً يده على كتفه يكرر اعتذاره بقوة (بقولك أنا آسف ، ماتكبرش الموضوع) ..

نقل يوسف بصره نحو مريم الواقفة بصمت متوجس يستفسر متعجباً (فيه ايه يامريم ، انا بدأت أخاف منه؟) .. أطرقت مريم برأسها لأسفل ولم ترد فأضاف موجهاً حديثه لسعد بتهكم (إبنك مش طبيعي والله)

كتم سعد ضحكته بصعوبة وقال محاولاً تلطيف الأجواء (مش طبيعي ليه؟ ، الولد حس بغلطه وبيعتذر لك).. بينما قال ريان لوالده ببراءة مصطنعة (هو كده الغلبان دايماً بييجوا عليه)

نهض يوسف من مكانه بغضب (غلبان؟! ، ده انت تغلب مدينة)

مط ريان شفتيه قاصداً استفزازه (هدي أعصابك يا دكتور لاحسن يطقلك عرق) .. واستكمل بنبرة ذات مغزى (احنا محتاجينك بكرة في كتب الكتاب)

خبط يوسف كفيه ببعضهما وكأنه ينفض شيئاً عالقاً بهما قائلاً (انا ماعنديش بنات للجواز ، مستحيل اجوز اختي لواحد متهور زيك)

رفع ريان حاجبيه يقول ببساطة (أختك موافقة وبتحبني على وضعي ده ، ايه؟ ، هاتعترض على قضاء ربنا؟)

صك يوسف أسنانه قائلاً (انت ابتلاء يابني؟)

أومأ ريان إيجاباً بابتسامة سمجة (آه ، أنا ابتلاء فعلاً انت مابتكدبش)

سأله يوسف بانفعال (عايز ايه ياريان؟ ، بجد عايز ايه؟ ، أنا مش فاهمك)

أشار له ريان نحو الكرسي ليجلس مجدداً قائلاً (اقعد بس الأول يا ابو نسب عشان نعرف نتكلم)

مسح يوسف وجهه براحتيه يحاول جاهداً ألا يضربه وعاود الجلوس يقول بنفاذ صبر (اللهم طولك ياروح)

تدخل الجد زين يقول (استهدى بالله يا يوسف واسمعه عشان خاطري) .. ثم مد يده لمريم يدعوها لتجاوره مستطرداً (تعالي ياحبيبتي اقعدي جنبي) .. انصاعت لأمره بترحيب واحتجبت بينه وبين جدتها التي أخذتها في أحضانها بحنوها المُعتاد بينما رد يوسف عليه باحترام (أنا مفيش حاجة مسكتاني عليه غير وجود حضرتك)

شهق ريان بصدمة زائفة (وبالنسبة لوجود بابا ، عادي؟) ... تابع متأتأً بلسانه (مش ممكن قلة الأدب اللي بقيت فيها) ..

تولى سعد إجابته بتعبير "انظروا من يتحدث" (وحياة أمك؟) ..

ابتسم ريان على دعابة أبيه واتخذ مقعداً أمام يوسف مباشرةً متحدثاً بجدية (مبدأياً اعتذاري كان على الطريقة اللي وصلت بيها زعلي من وجود صاحبك هنا ، مش بعتذر عالزعل نفسه ، انا لسه عند موقفي واتفقت مع مريم هانعمل ايه...)

قاطعه يوسف بحدة (وانا مش زعلان من زعلك لوجود حُسام ، بالعكس انت عندك حق ، اللي مزعلني إنك بتتخطاني وبتتفق مع مريم اتفاقات رجالة) .. سكت هُنيهة يستقرء ندماً ارتسم على تقاسيمه وأردف (انا مابتحطش قدام الأمر الواقع ، فيه حاجة اسمها أصول المفروض إنك متربي عليها)

تسائل ريان بهدوء (والمطلوب؟)

جاوبه يوسف (انت عارفه)

تنهد ريان تنهيدة قصيرة (وانا بطلب إيد مريم منك)

قال يوسف ساخراً (مش حاسسها)

رد ريان ممتعضاً (ألحنهالك عشان تحسها؟)

حدجه يوسف شزراً (بأدب ، قولها بأدب ، ياللي ماشوفتش ربع ساعة تربية)

ضحك سعد قائلاً (انا كنت مربيه لحد امبارح بالليل ، ماليش دعوة بأي حاجة حصلت بعد كده) .. بينما اعتدل ريان في جلسته فارداً ظهره قائلاً بغيظ (لو سمحت يادكتور يوسف أنا طالب القرب منك)

وضع يوسف ساق فوق الأخرى مُكتفاً ذراعيه قائلاً بتعالي (في مين؟)

ألجم ريان لسانه عن الرد بـ (في أمك ، عارف أمك يالا) واستبدله بآخر أكثر تهذيباً كي يمر الأمر بسلام دون إصابات (في أختك ، الآنسة مريم)

طالعه يوسف مضيقاً نظراته يقول باستفزاز (عايز تفاصيل أكتر عشان اقتنع بيك)

عض ريان جانب فمه وقال بإيجاز (بحبها)

لوى يوسف زاوية شفته العلوية قائلاً (وده من ايه ان شاء الله؟)

كبح ريان جماح أعصابه التي بدأت تنفلت قائلاً بزفرة حانقة (معلش ، أصل أنا دماغي تعبانة)

-(بس انتم الاتنين) .. هتف بها الحاج زين ليسكتهما ، بعدما أحس بضرورة تدخله لإنهاء تلك المُحادثة التي أصبحت أقرب لمهزلة طفولية ثم توجه بالكلام لحفيده مُتابعاً (اللي عملته الصبح عيب ، اعتذر لاخوك) ..

اعترض ريان (انا اعتذرت مرة)

ضرب الحاج زين الأرض بعكازه قائلاً بحزم (اعتذر بجد ، من غير مايكون مضغوط عليك)

انصاع ريان لأمر جده قائلاً ليوسف باعتذار حقيقي (أنا آسف) ..

واصل الجد حديثه وهذه المرة كلماته مُصوبة إزاء يوسف باستنكار (وانت ، تفاصيل ايه اللي عايزها؟ ، ده قصتهم ولا قصة أبو زيد الهلالي) .. بادر ريان بقلب دُفّة الحوار لصالحه يقول بعدم رضا (أهو أي تضييع وقت وخلاص) .. بينما تكلم يوسف مُبرراً للحاج زين (لازم اطمن على أختي ، والصراحة وضع ريان وطريقته مايطمنوش)

اتكأ الحاج زين بكفيه على العُكاز قائلاً (بص يابني ، ريان حفيدي ، وتربية إيدي ، واضمنه برقبتي ، وقبل كل ده أنا وانت متأكدين إن روحه في مريم ، ومريم كمان روحها فيه) .. وزّع بصره بين ريان المُترقب ومريم الخَجِلة مستطرداً (العيال دي تعبوا جداً في حكايتهم ، وزعلوا على بعض كتير ، ومن حقهم يفرحوا)

-(يعني حضرتك شايف إيه؟)

-(خير البر عاجله ، أي كلام هايتقال بعد كده مالوش لازمة)

-(وانا موافق نكتب الكتاب بكره بس على شرط) .. صمت لبُرهة ثم استكمل (يعتذر لحُسام) ... هم ريان بالحديث لكنه استوقفه (أولاً لأنه ضيف في بيتك ، وثانياً لأنه إنسان مُحترم وزي ما جدك يضمنك برقبته ، انا اضمن صاحبي برقبتي ، وبالمناسبة هو خطب وهايتجوز قريب)

أيد الحاج زين كلامه قائلاً (حقك وحق صاحبك على راسنا كلنا يا يوسف وريان هايعتذر زي ما انت عايز) ..

حاوره يوسف بحمية رجولية (من فضلك ياجدو الاتفاق لسه ماخلصش ، حقوق...)

بَتَر ريان جُملته (حقوق أختك المادية محفوظة وبالطريقة اللي تعجبك وتعجبها) .. تأمل جلسة مليحته الهادئة رغم توترها البادي على لغة جسدها وقال بحُب واضح وضوح الشمس في عنان السماء (عمري كله مايغلاش عليها)

استفهم يوسف (وهاتعيشوا فين؟)

جاوبه ريان ونظراته مُسلطة على مريم وابتسامة جميلة تُزين وجهه (المكان اللي هاتشاور عليه ست البنات)

تابع يوسف استفساراته (والفرح؟)

جاء رد ريان ودوداً بقدر سعادته لاقتراب تحقيق حلم حياته (بعد رجوع كريم وريهام من العُمرة)

سأل يوسف شقيقته (إيه رأيك يامريم؟ ، موافقة؟)

أجابت مريم بوجنتين متوردتين خجلاً (موافقة ، بس عندي طلب صغير) ... فركت أصابعها ببعضها دلالة على توترها تقول بترصد لردود أفعال المحيطين بها (طنط رويدا تحضر كتب الكتاب) ..

سكون مفاجئ ران على الجميع والأبصار كُلّها اتجهت شَطر سعد الذي يتظاهر أمامهم بالثبات وعدم الاكتراث لكنّ قلبه على ذكر إسمها يتلفتُ يمنةً ويسرى كاللصوص دون إرادته يبحث عنها ، ويعلم أنها حين ضاعت وأضاعت نفسها ضيّعته ...

-(مالكم؟ ، بتبصولي كده ليه؟) .. سؤال مضطرب قاله سعد بصوت مُرتجف والمبادرة بالرد كانت للجد زين (اتصل بمراتك خليها تيجي)

ابتلع سعد ريقه يقول باعتراض زائف (ماينفعش يا حاج...)

قاطعه والده متطلعاً لأحفاده بفخر ومحبة (ابنها الوحيد بيتجوز ، ماتحرمهاش تفرح بيه وهو عريس)

أحس سعد بالخوف من رفض يوسف لكن الأخير خالف توقعاته قائلاً (عفا الله عما سلف ياخالو) .. ثم نظر لريان مواصلاً بمشاكسة (لاجل الورد ينسقي العليق) ...

شعور مهيب بالامتنان اختلج صدر ريان ، وغلالة دموع وخزت جفنيه بالكاد استطاع كبحها .. مندهش ، ومذهول ، وغير مصدق ... "مريم" تلك الصغيرة أثبتت له أن بعض انتصارات الحياة تتحقق بلين القلب والعفو ، وأن قوتها تكمن في قمة ضعفها ، وأنها تفهمه جداً .. وتريده مُكتملاً جداً .. وسعيداً جداً .. وتحبه جداً .. تحبه حُباً لا تطاله أرضاً ولا سماء ، وهذا يرضيه ويكفيه لآخر عمره ...

-(اوعى تكون فاكرني اقصدك انت بالورد اللي هاسقي عشانه العُليق ، انا اقصد مريم) ... قالها يوسف مازحاً ليقطع حبل أفكاره

خمّن ريان نيته متسائلاً (ومين العُليق بقا ياظريف؟)

ضحك يوسف قائلاً (انت وامك)

أرجع ريان ظهره للخلف يميل برأسه قليلاً قاصفاً جبهته بهدوء (ده رأينا فيك أنا وامي برضه) ..

-(نقرا الفاتحة ياولاد) .. جملة قصيرة ، حاسمة قالها الحاج زين ليتمم الإتفاق ، وينهي حالة الشد والجذب قبل تفاقمها مجدداً بين قطبي المغناطيس المُتنافرين "ريان ويوسف" .. انصاع الجميع لأمر كبير العائلة بترحيب رافعين أَكُفٌّهم بمحاذاة وجوههم ، يتلون فاتحة الكتاب كتقليد ديني مُتبع لمُباركة ومُوَاثَقَة الزواج .. وكإبريقٍ فاضَ بما يحمل من اشتياق في جوفه كانت عيونه تُجَمِّع خلاصة عشقه ، وتشعل قنديلاً تلو قنديل داخل صدره ، ونشوة الانتصار تملأه كاملاً من رأسه لإخمص قدميه... أخيراً سيظفر بها بعد حروب طويلة أحرقت زهرة شبابه ، وبعودتها عاد الربيع وتفتحت الزهرة من جديد وسينام غداً فَرِحاً كطفلٍ انتظر أُنس ليلة العيد منذ ولادته...تداخلت أصواتهم بقول "آمين" مع طرق كثيف على الباب الخارجي للمنزل فسارعت نجاة لتفتح وتتفقد الزائر المُتعجل فإذا بكريم يدخل كرصاصة تخترق الهواء بهيئة مُنهارة ، تتبعه ريهام بملامح حزينة أقرب للبكاء، وعلى غير عادته لم يُلقِ التحية واتجه مباشرةً نحو غرفة ريان بخطوات راكضة ، ثقيلة كمحراث يدوس بكامل قوته فوق الأرض لدرجة جعلت صديقه يستشعر هذا الثقل في قلبه

-(فيه ايه؟ ، كريم ماله؟) ... سؤال قَلِق وجهه ريان لريهام فجاوبته بتعابير مبهوتة ونبرة مرتعشة (روحنا انا وهو عند باباه ومراته....)

انتفض ريان من مكانه بهلع وحدقتين متسعتين ولم يدعها تستأنف إجابتها ، ودون أن يصغي لكلمة إضافية لحق برفيقه الذي يعلم جيداً ماذا يصارع الآن .. ومثلما توقع تماماً وجده منزوياً في ركن من أركان الغرفة ، يحتضن ركبتيه بذراعيه ودموعه لا تتوقف .. وشريط ذكرياته الموجعة يمر نُصب عينيه ، تلك السيدة التي تزوجها والده وأبدل أمه بها عذبته بمقدار ما تستطيع من استطاعة ، وعذابها كان أكثر من معنى حرفي للعذاب ، عندما شب طولاً وبلغ مبلغ الرجال وظهرت عليه علامات الشباب والعنفوان راودته عن نفسه ، تارة بالتلميح وتارة أخرى بالنظرات واللمسات الخفيفة إلى أن نفذ صبرها على تجاهله للأمر وقررت أخذ المبادرة ، وذات ليلة مشؤومة دخلت غرفته أثناء نومه وحيداً عقب سفر شقيقه الأكبر ، ترتدي قميص فاضح يبرز مفاتنها بسخاء لتُغريه بمجون ، وتدعوه دعوة صريحة لخيانة أبيه ، وقتها لم يشعر بنفسه إلا وهو يصفعها وغادر المنزل بلا رجعة .. أمضى سنوات طويلة يكتم السر كتماناً شاقاً ويكابد لينسى ، عانى أشد أنواع المعاناة في سبيل شيء واحد ، أن يظل مُتزن رغم تخبطه وألمه ، وبذل لأجل ذلك مجهوداً أكبر من طاقته ، عاش مُعلق بين السماء والأرض من عنقه بحبلٍ غليظ حتى تحول مع مرور الوقت إلى رجل فقد إيمانه بالحياة ، وأضاع انتمائه تجاه جميع الأشخاص عدا شخص واحد .. "ريان" عرّابه ومشكاة ظلامه واليد التي فَكّت قيده وأخرجته من رحم أحزانه سليماً مُعافى

-(كريم! ، ماحصلش حاجة ، سامعني؟ ، ماحصلش حاجة) .. همسها ريان بعدما احتجب بجانبه يعانقه عناقاً حنوناً للغاية ، ويضم رأسه المُتعب لصدره ، ولطالما كان صدر ريان أدفأ وأوسع مكان يحتوي أوجاعه

خرجت الحروف من فمه مُبعثرة ومرتجفة (لسه نظراتها زي ما هي ياريان)

سأله ريان بلوم طفيف (روحت هناك ليه؟)

أجابه باكياً (كنت عايز أفرح بابا اني هاتجوز ، وأعزمه بنفسي على كتب الكتاب).. سكت هُنيهة يجاهد على تمالك عبراته لكنه لم يقدر وتابع مُنتحباً بمرارة (مافرحش ، وسابني ودخل أوضته من غير مايبص حتى في وشي ولا يقولي مبروك ، وانا اتكسرت تاني..) ..

قاطعه ريان بتأثر وقهر لقهره (ماتقولش كده، ماعاش ولا كان اللي يكسرك وانا موجود) ... ثم قَبّل رأسه مردفاً بمَعَزّة صادقة (إهدى ياحبيبي عشان خاطري)

تكلم كريم بصوت مهزوز (هاقول ايه ليوسف لما يطلب مني يتعرّف على أهلي؟)

رد عليه ريان مُشدداً عناقه (أنا أهلك) .. أبعده عنه قليلاً يمسك كتفيه مستطرداً بابتسامة مُحفزة (ماتخافش ، انت راجل قد الدنيا ، ومش محتاج حد غير نفسك ، انت راجل ياكريم وهاتعدي الموقف ده وهاتنساه ، تمام؟)

أومأ كريم يبادله ابتسامته بأخرى مُرتعشة (تمام) ..

أسنده صديقه ليقف باعتدال على قدميه فارتمى لا إرادياً بين أحضانه يتشبث به كالطفل مثلما كان يفعل سابقاً حينما تهاجمه نوبات الذعر الناتجة عن ذكرياته الصعبة ، ومكث هكذا لدقائق حتى استكان وهدء ، وأثناء حالتهما المحزونة تلك انتبها لطرقات رتيبة على باب الغرفة ، تولّى ريان مُهمة استكشاف الطارق وفتح ليجد آخر شخص يود رؤيته في هذا الموقف

-(ينفع أشوف كريم؟) .. قالها يوسف مُستأذناً بتهذيب فأفسح له المجال ليدخل مهمهماً بخفوت مسموع (اتفضل)

اقترب يوسف منه يسأله ببسمة لطيفة (إيه ياعريس؟ ، حد يزعل كده قبل كتب كتابه بيوم؟)

أخفض كريم بصره يقول بحرج (أنا آسف ..)

لم يتركه يوسف يستكمل اعتذاره قائلاً (انت غلطت عشان تتأسف؟)

ابتلع كريم غُصّة عبأت حلقه بطعم صَدِأ قائلاً (كنت عايز أوفي بكل وعودي ليك ، بس غصب عني والله مش هاقدر)

دعاه يوسف ليجلس على الأريكة المُقابلة للفراش واتخذ هو مقعداً أمامه مُتحدثاً بتفهم (لا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها ، ماحدش فينا اختار ظروفه)

تسائل كريم متعجباً (يعني إنت مش هاتعترض على عدم حضور أهلي بكرة؟)

جاوبه يوسف بهدوء (بالعكس ، أنا مش فارق معايا حضورهم من عدمه ، انت كفاية عندي)

تنهد كريم بارتياح وقال (أنا كنت خايف منك) ..

تطلع يوسف لريان الذي جاور رفيقه قائلاً باستنكار (شايف الناس المُحترمة)

لكز ريان كريم في جانبه قائلاً بحنق (خايف منه ليه ياحيوان؟ ، ده أتفه من الجوافة)

خبط يوسف كفيه ببعضهما يقول باستياء (والله ما اتربيت ولا شوفت تربية في حياتك)

حرّك ريان رأسه للأمام بخفة قائلاً بملامح ممتقعة (بس يالا بدل ما اقوم اسدغلك)

احتج كريم على مشاكستهما قائلاً (انتم قاعدين معايا تواسوني ولا تشيلوني الهم؟) .. خبط صديقه في ذراعه مضيفاً (وانت اتلم شوية ، الراجل كتر خيره)

أحس ريان بالغيرة قائلاً (أنا ملاحظ إنك بتدافع عنه وشكلي هاديك بالجزمة بجد) ..

قذفه يوسف بالوسادة الصغيرة المُلحقة بالمقعد أو المُسماة بـ (الكوشن) قائلاً (ماتحترم نفسك بقا ، انا مش عملتلك اللي انت عايزه؟)

ثنى ريان ساقه أسفله وأرجع ظهره للخلف ليضجع أكثر في جلسته قائلاً بغرور (غصب عنك على فكرة عشان انا جامد جداً)

صك يوسف أسنانه قائلاً (ماتخلينيش أخدها وامشي ، واعرفك مين فينا الجامد)

رد عليه ريان رافعاً حاجبه بطريقة مستفزة (ماتقدرش ، خلاص احنا قرينا الفاتحة ، وبكرة هاتكون مراتي رسمي)

استوقفهما كريم بعدم فهم (ثواني، أنا فيه أحداث فاتتني؟)

قال يوسف رامقاً ريان بنظرة مغتاظة (فاتك تشوف صاحبك وهو طايح فينا زي الجاموسة)

سأله ريان بجدية (بذمتك مش عندي حق؟)

زفر يوسف بحدة (عندك بس الطريقة بتفرق يامتخلف) .. نصحه بأسلوب لين عن السابق (عصبيتك بتخوف مريم منك)

شعور بالشفقة اكتنفه قائلاً بإقرار وقلة حيلة (دمي كله بيغلي لما بغير عليها)

اتكأ كريم بمرفقه على مسند الأريكة الجانبي واضعاً قبضته تحت خده قائلاً (حد فيكم يفهمني اللي حصل أنا بدأت اصدع)

أعطاه ريان إجابة مُختصرة (أنا ومريم هانكتب كتابنا بكرة معاكم)

تهلل كريم بشدة قائلاً (يا ابن اللعيبة ، عملتها ازاي دي؟)

دلك ريان أعلى أنفه بإصبعية قائلاً بإرهاق (هاحكيلك التفاصيل بعدين ، أنا فرهدت من كتر الحوارات عالصبح)

تنحنح كريم يوجه استفساراً متوجساً ليوسف (ممكن أسألك سؤال ، بما إننا داخلين على جواز وانت الوحيد المتجوز فينا ، الجواز حلو ولا هانجيب لنفسنا وجع الدماغ؟)

ضحك يوسف قائلاً (الاتنين ، حلو وبيجيب وجع دماغ)

حك كريم مؤخرة عنقه قائلاً بتعبير قَلِق (الله يطمنك)

حاوره يوسف بتعقل (بص ياكريم ، القبول أساس نجاح أي علاقة في الدنيا)

شاركهما ريان النقاش (والحب؟)

رد عليه يوسف (القبول أهم من الحب)

قال كريم (مش فاهم)

أوضح يوسف وجهة نظره بتروي (الحب مُتجزء ، لكن القبول شمولي وأعمق ، تقبلك للشريك بعيوبه قبل مميزاته ، بظروفه ومحيطه وعاداته وطباعه بيأهلك للإستمرارية ، وحل المشاكل بهدوء وبراحة أكتر) .. سكت هُنيهة ثم أضاف مُبتسماً (مفيش حد كامل ، النقص في البشر سُنّة الحياة ، المهم تفتكر الحلو لما الوحش يضايقك)

تحدّث كريم بوسواس (كلامك كويس بس أكيد الأمور مش هاتكون كلها وردية بالشكل المُتفائل ده ، وانا كائن بيقدس سلامه النفسي ومابحبش المشاكل والخناق)

حاول يوسف توصيل مقصده ببساطة (انت صح ، الجواز منظومة مشاعر مُعقدة جداً ، والأمور مش كلها وردية، وطالما قررت تفتح بيت وتدخل المنظومة دي برجليك وبكامل إرداتك ، يبقى لازم تتنازل عن جزء من سلامك النفسي)

تدخل ريان يقول لصديقه (الطبيعي إن يكون فيه مشاكل عشان تفهموا بعض)

وافقه يوسف الرأي (هاتتخانقوا عادي وهاتزعلوا من بعض ، بس الزعل و الخناق له حدود و يخلص في نفس اليوم) .. استكمل شارحاً باستفاضة أكثر (سيكولوچية الست مُختلفة تماماً عن سيكولوچية الراجل ، هم أصلاً مابيتخانقوش بعقلهم ، وعواطفهم مكربجاهم حرفياً ، فالليلة ممكن تخلص ببوسة وحُضن حتى لو انت مش غلطان ، ومش مهم تطلع من كل الخناقات منتصر ، اكتمال رجولتك في تقديرك لعدم منطقية تفكيرها وقت ماتغلبها عاطفتها)

-(ولما أنا كراجل اتنازل واحتوي واتقبل ، هي دورها إيه؟) .. قالها كريم بتشوش ورفض طفيف..

ابتسم يوسف قائلاً (دورها حياتك ، وكل الحاجات اللي انت مستكترها عليها دي قليلة قصاد لحظة تحس فيها بالأمان لمجرد إنها موجودة) ..

حاول ريان تسهيل الأمر أكثر قائلاً (ربنا قال "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً " ، ربنا خلقها ليك من ضلعك عشان تكون سكنك واستقرارك ، رغم إنها أضعف وأرق منك بكتير)

قاطعه يوسف (وأذكى ، وقادرة تمشي الدنيا بدماغها ، وفي نفس الوقت تحسسك إنك مسيطر) .. أضاف مُفسراً (ولازم تعرف حاجة مهمة جداً ، نص راحة دماغك في التطنيش ، والنص التاني في التطبيل) .. استمر في التوضيح (يعني لما تحس إن هرموناتها قلبت وهاتستلم شيفت النكد ، اسمع وعدي ومتاخدش على صدرك أوي ، وسيبها تصيح لحد ما تتعب ولما تسكت طبلها ، خليها معدية قدامك وقولها باندهاش ايه القمر ده حتى لو ناكشة شعرها ، أو انتِ خاسة أوي حتى لو وزنها زايد ، أو الأكل تحفة حتى لو مايتاكلش ، الهبل ده بيجيب نتيجة معاهم)

مط كريم شفتيه قائلاً (قصدك يعني آخدها على قد عقلها واتعامل معاها على إن عندها تأخر ذهني؟)

أومأ يوسف إيجاباً (بالظبط كده)

اعترض ريان متسائلاً (انت مش لسه قايل انهم أذكى مننا ، ازاي هياخدها على قد عقلها؟)

داوم يوسف كلامه (ياخدها على قد عقلها وقت الخناق ، انما في العادي هم أذكيا وبيدققوا في تفاصيل مستحيل احنا كرجالة نلاحظها ، فصعب تخبي عنها سر أو تلعب بديلك من وراها ، لأنها هاتعرف وماتسألنيش هاتعرف منين ، عشان وعهد الله هاتعرف بأبعد وأغبى الطرق اللي ماتخطرش على بالك)

عَبَّرَ كريم عما يساوره من توتر من خوض تجربة الزواج (الصراحة أنا خايف وحاسس إني بورط نفسي في ضغط أكبر من قدرتي على تحمله)

نَطَق ريان موجهاً دُفّة الحوار نحو كريم (البيوت تُقام بصبر النساء ، وريهام بنت جدعة وبميت راجل
، حاول ماتستنزفش صبرها ، وسيبها ترتب دنيتك الملخبطة بطريقتها)

طَارَحَه يوسف بالمنطق (القواعد العامة متشابهة لكن الأشخاص قواعدهم الخاصة بتختلف ، مثلاً أنا ، أميرة مراتي إنسانة مثالية جداً ، لكن قاعدتها الخاصة إننا كيانين متساويين ، وساعات بحس إن كيانها أكبر من كياني ومش متضايق ، بالعكس هي شايلة عني أعباء كتير) .. نظر له وأردف (وانت ، ريهام شخصية قوية ، ومسئولة ، وأم في نفسها أوي ، هاتثبت اهتزازك ياكريم ، وهاتوقفك على رجلك ، وهاتكمل نقصك) .. ثم أشار لريان (وانت ياريان ، مريم قوة تأثيرها عليك في ضعفها ، وهي عارفة إن مدخلك هشاشتها ورقتها ، ومش بتمثل لأنها فعلاً هشة وأمانها في وجودها تحت جناحك ، انتم الاتنين كيان واحد دايب في بعضه ، والسيطرة المُطلقة هاتكون ليك برضاها وبكل الحُب والحنية)

رَبّع كريم رجليه يقول فارداً كفيه أمامهما (فككم بقا من الكلام ده ، الناس بتتجوز عشان هدف واحد ، وطبعاً انتم كبار وفاهمين ، هل الحاجات دي ليها قواعد زي الخناق ولا بتمشي ازاي؟)

ضحك يوسف قائلاً (هم قاعدتين قالهم عمك عبد الباسط هاتذاكرهم كويس وتطبقهم) ..ثم تابع بغمزة مرحة (اديني حب أكتر اديك الشوق ياسُكر ، واديني جرام محبة اديك وِقة حنان)

استفهم كريم ببلاهة (معقولة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد قال كده؟)

تعالت ضحكات يوسف بشدة بينما ضربه ريان على ساقه قائلاً (يقصد عبدالباسط حمودة يا ابن المُلحدة ، ده كان يوم اسود يوم مافكرنا نجوزك) ..

تحدث يوسف من وسط ضحكاته (احنا نسيبه ينقرض هو وغبائه)

فَاهَ ريان بحنق (وانت؟! ، فيه دكتور محترم يقول اديني الشوق ياسُكر؟)

تطلع يوسف إليه قائلاً بسلاسة (وايه المشكلة ما السُكر هاتبقى حلاله ، والشوق أخد وعطا عادي)

قاطعهما كريم قائلاً (خلاص ياجماعة انا هاتارجت ليلة الدخلة على أغاني الفنان عبدالباسط حمودة)

استعاد يوسف جديته قائلاً (الرجالة نوعين ، واحد غشيم فاكر ان الدنيا بتمشي عافية ، واتربى على ثقافة فرض السلطة الذكورية فالسرير بالعنف وبالإجبار دليل على اكتمال رجولته ، ده حمار مالناش دعوة بيه) ..

تسائل كريم بفضول (والنوع التاني؟)

-(النوع التاني ذكي زي عمك عبدالباسط ، وبيطبق مبدأ المشاركة لحد مايفرض سلطته بهدوء وبروقان) ..

-(حلو ده، اعمله ازاي؟)

-(بالحب ، وبالكلام الحلو ، وإنك تبين لها ضعغك قدام أنوثتها ، من الآخر عاكسها ودلعها وحسسها إنك بتنهار من جمالها ، وانت من جواك بتنهار فعلاً ، هتلاقيها مستسلمة ليك بمزاجها وبكرامتها) .. وزّع أنظاره بين الرفيقين المُستمعين باهتمام وقال (انت قائد العلاقة ، والبنات بطبيعة الحال مابيكونش عندهم خبرة كافية ، وخوفهم وخجلهم بيسيطر عليهم بالذات أول مرة) ..

جادله كريم (تمام ، عدينا أول مرة ، وماذا بعد؟ ، هل المفروض افضل ادلعها واسايسها عشان تديني حقوقي بمزاجها؟)

قطب يوسف جبينه (أمال انت عايز تغتصبها؟ ، الرغبة لازم تكون متبادلة بينكم ، هي عندها مشاعر زيها زيك)

-(طب ولنفرض مثلاً اني عايزها وهي فالوقت ده مش عايزة ما انا كده هاتضايق)

-(وهاتعمل مشكلة وممكن تتخانقوا؟)

-(اعتقد آه)

-(فالحالة دي لو طاوعتك عشان تتجنب زنك هاتكون شايفاك أناني ، وهاتحس إن العلاقة الحميمة عبء تقيل على قلبها ، ومع الوقت هاتتحول لروتين ممل)

ناظر ريان صديقه بكلمات عاقلة (انت هاتتجوز إنسانة من لحم ودم ، سعادتها أساس سعادتك وسعادة البيت كله)

دَعم يوسف رأيه قائلاً (الست لو سعيدة ياكريم هاتديك عينيها بدون أي مجهود منك ، حبها وقدرها وخليك راجل معاها مش عليها ، هاتلاقيها بتعملك كل حاجة بطيب خاطر ، ولو طلبتها وهي مش عايزة هاتعوز ، فهمت؟)

ابتسم كريم قائلاً (فهمت ، ربنا يقدرني واخليها أسعد واحدة فالدنيا) .. وأثناء محادثتهم المليئة بالأفكار والنصائح ارتفع رنين هاتف يوسف باتصال من زوجته ، أجابها فأتاه صوتها مُتعب بشكل أقلقه

(بودي مش راضي يبطل عياط ، تعالى خده شوية) .. قالتها أميرة بإعياء واضح وبكاء صغيرها يشوش عقلها ويصيبها بالدوار ويجعلها أقرب لفقدان الوعي

نهض يوسف من مكانه باستسلام ، ومراعاة لظروف حملها التي تكون صعبة خاصةً في الشهور الأولى قائلاً (حاضر ياحبيبتي ، ثواني واكون عندك) .. أنهى المكالمة سريعاً ثم استأذن ليتفقدها (هاروح اشوفها لاحسن يُغمى عليها)

سأله ريان باستغراب (هي تعبانة؟)

قال يوسف بسعادة (حامل)

انفرجت أسارير ريان قائلاً بابتسامة مُجاملة (ماشاءالله ، ألف مبروك) .. بينما بارك له كريم أيضاً داعياً (ربنا يقومها لك بالسلامة)

بادلهم يوسف مُباركتهما بلطف (الله يبارك فيكم ، وعقبالكم) .. وعندما هَمّ بالمغادرة كُلياً استوقفه ريان منتصباً قِبالته قائلاً (يوسف!) .. ثم اعتذر بصدق تام (أنا آسف بجد ، حقك عليا) ..

جذبه يوسف ليحتضنه مُربتاً على ظهره (حصل خير ) .. ابعده عنه برفق مستطرداً (أنا ماليش اخوات رجالة ياريان ، وهاعتبرك انت وكريم اخواتي)

تأثر ريان قائلاً (انت جميل يايوسف وتشرف أي حد ، ومن حُسن حظ مريم وحظنا إنك موجود)

-(ربنا يديم الود مابينا) .. قالها يوسف بمحبة خالصة متنائياً بخطواته ليخرج من الغرفة ميمماً مقصده شَطر زوجته أينما كانت ليطمئن عليها وعلى طفلهما ، بينما تتبعه ريان بأنظاره حتى أغلق الباب والتفت ليعاود الجلوس بجوار كريم الذي يراقب المشهد بوجوم ، ينتابه مشاعر غيرة أخوية تتولد بينه وبين رفيق عمره عندما يحاول أحدهم اقتحام حدودهما الضيقة ..

-(لطيف يوسف وطيب) .. قالها ريان مدعياً عدم الإكتراث قاصداً استفزازه كنوع من أنواع المُشاكسة فأشاح بعينيه للناحية الأخرى ولم يرد .. أسند رأسه فوق كتفه بحركة مألوفة مُعتاد عليها ، وتعبر عن مُلخص صداقتهما.. ولطالما كان كتف كريم مُتكأه الدائم ، ومسنده الثابت .. "كريم" كله عُكّاز ريان ومساحته الحُرّة ، الآمنة

-(الدايرة بتوسع) .. بَاحَ بها ريان ليخرجه من صمته المشحون

غمغم كريم بضيق (واخد بالي)

أطبق ريان جفنيه قائلاً (انت عارف إني ماعنديش أغلى منك؟، صح؟)

قلده كريم مُحاكياً تعابيره (أنا من يوم وعيت على الدنيا ماليش غيرك)

أمسك ريان كفه مُتعمداً التشبث به بقوة قائلاً (انت أخويا وابني ، ودايرتنا مهما وسعت مستحيل حد يوصل لمكانتك عندي ، وهاتفضل الوحيد اللي في قلبي بجد) ..

انحنى كريم قليلاً يدمغ جبهته بقبلة ممتنة قائلاً بمَعزّة صادقة (انت روحي ياريان والله ، ربنا مايحرمني منك أبداً) ...

(خلاص هانتجوز ياكريم ، وهانفتح بيوت ، وهانبقى أبهات المُستقبل ، احنا كبرنا إمتى؟) .. قالها ريان ضاحكاً وهو يبتعد عنه ليعتدل في جلسته

شاركه كريم الضحك (انا لسه ماكبرتش ، ومش مستوعب لما اخلف هاربي عيالي ازاي)

-(ماتقلقش ريهام هاتربيك انت وعيالك)

-(ياجدع ده انا لو هاتجوز الكَتعة مش هاتخوفوني منها كده)

-(انا مش خايف عليك معاها بالعكس انت هاتكون في إيد أمينة)

-(أمينة دي تبقى خالتك ، عارف خالتك يالا) ...

تمطا ريان بذراعيه يشعر بنعاس يداهمه متثائباً (انا هاقوم أنام شوية)

استفسر كريم باسترابة (تنام ايه؟ ، انت مش رايح الشغل؟)

قام متجهاً نحو الفراش ليستلقي فوقه بإجهاد بعدما خلع حذائه ومعطفه قائلاً (مش قادر ، مانمتش كويس من امبارح ، والصداع هايفرتك دماغي) ..

امتثل كريم لرغبته في أخذ قسطاً من الراحة ، وفَرَد عليه الغطاء وأغلق مصباح الإنارة ثم خرج من الغرفة ليذهب إلى الشركة ويتابع الأعمال نيابةً عنه .... وفي مكان آخر وبحال مُختلف كان سعد يقف بسيارته أمام البناية التي تقطُن بها زوجته ، ذاكرته مُثقلة بأشباح حنين تقوده نحوها ، بذل كل ما بوسعه ليبحث عن نفسه أثناء مغيبها ولم يجدها ، ويشعر الآن بخيبة ثقيلة لأنه ورغم كل شئ مازال يحبها ، ويخشى النوم ليلاً دون سماع انتظام أنفاسها على الوسادة بجواره ، وتشهد عليه فناجين القهوة التي احتال عليها كي تبقيه متيقظاً ، ويعترف بقناعة تامة أنه أخطأ حينما أهمل كينونتها كأم ، وصنع منها تضاد مشوه لإمرأة خنعت فتجبرت وتلذذت بقهره وقهر نفسها وتعذيبها ، والآن يود سحب أحد أوردتها من جسدها وخنقها به لتدرك أنها كانت له ذلك الوريد الذي خنقه ، وجرح قلبه حتى النخاع وبعد وقت ليس بقليل ترجل استعداداً لمواجهتها ، وفي غضون ثواني وصل أمام باب الشقة القديمة .. أول سَكن جمعهما وعاشا بين جدرانه أجمل وأدفأ أيام شبابهما ولحُسن الحظ أن ريان أعادها إليها مجدداً ، وبأصابعه الضعيفة المُرتعشة قَرع الجرس وانتظر .. لحظات وفتحت رويدا لتتفاجئ بوجوده .. تسمرت مكانها بلسان معقود وملامح مصدومة وعينيها تعبقان بحزن عميق لم تستطع سعادة اللقاء خرقه..

-(هاتسيببني واقف عالباب كتير؟) .. سألها سعد مبتسماً بعتاب خفيف

رفرفت رويدا بأهدابها تقول بتوتر واضح في اهتزاز نبرة صوتها (لا طبعاً ، اتفضل ، البيت بيتك) .. أطاعها مُرحباً ودلف بخطوات هادئة رغم عصف عاطفته التي تجعله كفتات بشرٍ ، يرجوها بحق عِشرة السنين أن تُلملم أجزائهُ ، جلس على الأريكة المُتموضعة في ركن صالة الاستقبال الواسعة يتأملها بقلب يتراقص من وقع النبض المُتسارع ، يراقب أدق تفاصيلها ، لقد خسرت وزنها بشكل لافت ، يتسائل بحيرة ؛ هل تتبع حميةٍ قاسية تلك الأيام؟ أم أن فراقهما أفقدها شهيتها تجاه الطعام؟ ..

-(اعملك قهوة؟) .. سألته رويدا بارتباك فأجابها واشتياقه لها يغالبه (ياريت) ..أومأت دون حديث ودخلت مطبخها لتعد له فنجان قهوة بتحويجتها المُفضلة ، وقفت أمام الموقد تصنعه على نار هادئة جداً كي ينمزج بانسجام مُغاير لأفكارها التي تدور برأسها كسجين مأسور ينتظر ثورة تُخرجه من غليان زنزانته .. وأخيراً أنهته وحملته فوق صينية أنيقة مع كوب ماء وعادت مجدداً إليه .. تناوله من يديها وبدء يرتشف قطرات بسيطة مُتلذذاً بمذاقه يقول (أحسن واحدة تعمل قهوة فالدنيا)

اتخذت مقعداً قِبالته مطأطأة رأسها بخجل طفلة تلقت إطراءً من والدها وقالت بخفوت (بألف هنا على قلبك)

تنهد سعد قائلاً بحنين (وحشتيني يارويدا) .. نظرت له بدهشة كبيرة ولسانها عاجز عن الكلام فتابع هو بحُزن (ايه اللي وصلنا لكده بعد العمر ده كله؟)

تحدثت رويدا وذنبها يلوح في أفق عقلها (وجعنا بعض أوي ياسعد ، ووجعنا ابننا الوحيد)

ارتجفت نبرة صوته قائلاً بندم (احنا الاتنين غلطنا فحقه بكل الطرق المباشرة والغير مباشرة)

ابتلعت رويدا غُصة ضخمة سدت مجرى تنفسها قائلة (كان نفسي أعيش معاه مراحل حياته واشوفه وهو بيكبر قصاد عيني ، والله كنت هاربيه كويس ، انت ليه ماوثقتش فيا كأم؟)

شفقة قاتلة اعترته قائلاً (حسبتها غلط وما اكتشفتش ده غير بعد فوات الآوان)

حرّرت رويدا دموع احتبست بمحجريها قائلة (إحساسي وانا شايفة كرهه ليا في عينيه كان بيقتلني ، وانت أكتر واحد عارف عيون ريان لما بتكره بتكون عاملة ازاي)

احتوى كفيها بين راحتيه نافياً (ريان كان كاره احتياجه ليكِ مش كارهك ، انتِ ماتعرفيش بيحبك قد إيه، بدليل إنه لما زعل من مريم ما لجأش لحد غير ليكِ) ..

ابتسمت رغماً عنها من وسط بكائها عندما تذكرت زيارته والساعات القليلة التي قضاها معها قائلة (ماكنتش مصدقة نفسي وهو داخل عليا ، لو تشوف نومته في حِجري لحد الفجر ، ولا حضنه الحلو وكلامه اللي زي العسل ، ياحبيبي جه طبطب على قلبي ، ربنا يطبطب على قلبه يارب)

مسح سعد وجنتيها المُبللتين بأطراف أصابعه قائلاً (انتِ ست الكُل بالنسباله) .. سكت هُنيهة ثم أردف (وفرحته مش هاتكمل غير بوجودك جنبه ، ولا هاتسيبيني احضر لفرحه لوحدي؟)

تسائلت رويدا بعدم تصديق (يعني إيه؟)

أجابها بحنو وتقدير لمكانتها كأم وزوجة ظُلمت قبل أن تَظْلِم (يعني مش عارف اعيش وانتِ بعيد عني ، ووحشتيني ووحشتني عصبيتك وصوتك العالي ، الدنيا وحشة من غير حسك فيها ، المشوار طويل أوي يارويدا مش هاقدر أمشيه لوحدي وأنا فالسن ده ، عايزك معايا وريان كمان عايزك معاه أو بمعنى أجمل مريم عايزاكِ معاها)

نطقت رويدا بحب وامتنان (مريم دي أجمل حاجة حصلت لريان وليا ، لو تعرف أنا بحبها ازاي مش هاتصدقني)

ضحك سعد مُستعيداً تشجيعها اللطيف له لمصالحتها وقال (الهانم الصغيرة بتهددني انها هاتجيبلك عريس وهاتجوزك عشان ماعندناش بنات تقعد من غير جواز)

تعالت ضحكاتها قائلة (حبيبة قلبي سُكر)

ضيق نظراته يسألها بمرح (ولا كنتِ هاتعمليها بجد يارورو؟)

رفعت ذقنها قليلاً تقول بتعالي زائف (وما اعملهاش ليه؟، انا حلوة وصغيرة..)

قاطعها بغيرة يمسك تلابيبها ليقرب وجهها منه (ده انا كنت اقطع خبرك)

قالت بمهادنة (وانا لو الف الدنيا كلها ألاقي زيك ياسعودي؟)

رفع حاجبه يقول بلوم طفيف (سعودك؟ ، دلوقتي بقيت سعودك؟ ، مش خلاص انا بالنسبالك بشمهندس سعد زين الدين بس؟)

-(ده كلام انفعالي بيتقال وقت زعل ، انما انت سعودي وهاتفضل سعودي لحد آخر يوم في عمري) ..

-(ماتيجي نرجع الڤيلا ونشوف الموضوع ده هناك)

-(لا ، انا لقيت نفسي القديمة هنا ومش عايزة ارجع الڤيلا تاني)

-(موافق بس على شرط ، تعمليلي القهوة كل يوم من إيدك الحلوين)

-(بس كده؟ ، القهوة والأكل وكل اللي تحلم بيه ، ومفيش شغالة هاتدخل البيت طول ما انا موجودة)

قبل جبهتها داعياً (ربنا يديكي الصحة وطولة العمر ، وتشوفي أحفادك متجمعين حواليكِ)

أمنت على دعائه (اللهم آمين ، في حياتك ياحبيبي)

أرجع سعد ظهره للخلف رافعاً فنجان القهوة عند شفتيه يشرب منه وقال بسعادة (بمناسبة الأحفاد ، ريان ومريم كتب كتابهم بكرة مع كريم وعروسته)

تهللت بشدة قائلة بأسارير منفرجة (بجد؟)

قال مؤكداً (بجد ، خدنا القرار في آخر لحظة ومفيش أي تجهيزات اتعملت)

شهقت بخضة ثم نهضت من مكانها قائلة (ياخبر؟ ، انت بتهزر ياسعد؟)

تبعها يقول بحنق (ابنك المجنون فاجئنا كلنا) ..

استعدت لتدخل غرفتها قائلة بحماس (ماتقلقش انا هاتصرف).. لحظات معدودة استغرقتها حتى تجهزت ، ورجعت إليه بكامل أناقتها ، وابتسامتها تُعطي الحَدث الجميل روحاً فيصير أجمل ، يليق بها كثيراً دور "أم العريس" وتستحق أن تعيش تلك الفرحة معه وتشاركه السعادة والحياة وكأنها ولدته ووُلِدَت من جديد ، والفضل كل الفضل لمن عفت وأصلحت بينهما ، بارك الله فيها وسَقَاها من فيض نعمه ، الغالية ابنة الغالية والتي ستصبح غداً زوجة أغلى الغاليين .. غادرت برفقته، يدها في يده ، وقلبها في قلبه، والقلبين على قلب ولدهما الوحيد ، استقلا سيارتها وتولت هي القيادة بعد إلحاح كبير منها ، ثم أخذا جولة طويلة بين محلات الملابس والإكسسوارات والمشغولات الذهبية والمجوهرات ، وكعادتها كانت اختياراتها راقية ، وذات ذائقة فنية رائعة ، ولم تغفل عن "كريم" توأم روح "ريان" وأخوه بالقول والفعل ، واشترت من كل شئ قطعتين ، ليتقاسم الفرحة مع رفيق دربه مثلما تقاسما الحُزن ، وبعد وقت ليس بقليل وصلا أمام بيت الحاج زين الدين ، لم تنكر رويدا توترها لكنها ترجلت بثبات ، وبقامتها الطويلة ، وهامتها المرفوعة دوماً ، وبكبرياء متأصل فيها سارت بجوار زوجها ، عاقدة النية على إنهاء القطيعة التي باعدت بينها وبين إبنها ، كأنما تحمل فوق رأسها سَلّة صبر زرعت شجره وأفرطت في رعايته حتى أينعَ ، واليوم ستحصد ذلك الصبر عِنبٌ ورُمان ، دَسّ سعد المفتاح في الباب وبتوجس دعاها للدخول ، أطاعته على مهل ، تخطو نحو الحديقة حيث تجمع العائلة المُعتاد بتؤدة وشجاعة لا تعلم مصدرها وسط شعث طَوِيَّتها المُرتبكة ، رأتها مريم فتهللت وسارعت بالنهوض من مكانها لتعانقها بأسارير مُبتهجة، بينما أحاطتها هي بكلتا ذراعيها تضمها إليها ضمة امتنان وحُب واعتذار بمقدار سعادتها ، تسمرّت أنظار الموجودين عليهما فابتعدت عنها قليلاً تقول بابتسامة صافية (كنت متأكدة إنك هاتيجي)

احتوت رويدا وجهها المليح بين راحتيها تبادلها ابتسامتها بأخرى أكثر حنواً قائلة (انا لو عشت العمر كله أشكرك مش هاوفيكِ حقك)

ردت عليها مريم بنبرة هادئة (كفاية عندي أشوف ريان مبسوط وانتِ جنبه ، وجودك أكبر من أي شكر) ..

سألتها رويدا (هو فين؟)

أجابتها (نايم في أوضته)

استغربت رويدا مُتفحصة الوقت خلال ساعة يدها (نايم لحد دلوقتي؟ ، ده العصر أذن من بدري)

تدخل الحاج زين يعاتبها قاصداً جذب انتباهها (مش هاتسلمي علينا يا أم ريان؟ ، ولا عشان شوفتي مريم خلاص نسيتينا؟)

تحرّجت رويدا رغم فرحتها لمناداتها بأقرب كُنية لها وأحبهم لقلبها على الإطلاق ثم اقتربت منه تصافحه باحترام (ازيك يابابا؟)

جذبها حموها ليحتضنها ويقبل أعلى رأسها قائلاً بود (نورتي بيتك يابنتي)

تأثرت رويدا كثيراً من ردة فعله الغير مُتوقعة لدرجة جعلت الدموع تتجمع داخل مُقلتيها قائلة بصوت مُهتز (دايماً منور بيك ومفتوح بحسك) .. ثم ألقت التحية على الجدة فاطمة بترقب (إزيك يا نينا؟)

ردت عليها حماتها بتبرم طفيف (بخير الحمدلله) ..

تراجعت رويدا للخلف تومأ لها برسمية ، وتدرك جيداً أن علاقتها بوالدة زوجها ستظل غير قابلة للتغيير أو الإصلاح ، هما قُطبي مغناطيس مُتنافرين دائماً وأبداً ، وإذا اضطرتهما الظروف للاحتكاك ببعضهما بشكل مباشر يكون التعامل بتحفظ ، وحبوب الهيل موضوعة تحت ضرسيهما

-(مبروك ياعروسة) .. مُباركة ودودة وجهتها نحو ريهام الجالسة بجوار أميرة ويوسف

جاء رد ريهام مُهذباً قدر استطاعتها غير قادرة على إخفاء ضيقها (الله يبارك فيكِ)

مالت رويدا على مريم هامسة (هي لسه مش طايقاني؟)

جاوبتها مريم بنفس طريقتها (هي أتنشن كده على طول ، بكرة هاتفك لما تتجوز)

تحكمت رويدا في ضحكتها بصعوية متصنعة الابتسامة تسأل ريهام (أمال فين كريم؟)

وعلى مضض وبملامح تقاوم الامتعاض ردت (في الشغل)

شهقت رويدا بدهشة تقول لزوجها (ازاي الولد يروح الشغل في وقت مهم زي ده؟ ، حرام عليك والله ياسعودي) ..

مصمصت الحاجة فاطمة شفتيها لاوية فمها يميناً ويساراً قائلة بخفوت وصل لمسامعها (ابتدينا الدلع المِرء) ..

تعمدت رويدا تجاهلها كي لا تفتعل مُشكلة من اللاشئ بينما تحدّث سعد (خدي البنات واطلعوا فوق عشان تتفقوا هاتعملوا ايه ، وانا هاتصل بكريم ييجي حالاً) ..

وافقته الرأي قائلة (عندك حق ، فيه حاجات مهمة كتير لازم تتعمل) .. ثم أضافت بتشجيع (يلا بينا يابنات) ... تحرّكت مريم أولاً وتبعتها ريهام بتثاقل ثم لحقت بهن أميرة بعدما أخذت إذناً شفوياً من زوجها الذي يتابع مايحدث بصمت دون التدخل رغم عدم رضاه عن تقرب رويدا من شقيقته لكنه مضطر لتقبل الأمر لأجل خاطر ريان ، وربما تنجح الأيام في إذابة ذلك الجليد .. وصلن جميعاً الطابق العلوي يحملن حقائب الأغراض التي اشترتها رويدا من أجل تحضيرات عقدي القران لكنها استأذنت منهن بلُطف (هاروح اصحي ريان واحصلكم على طول) .. امتثلن لطلبها بترحيب بينما هي أقرنت قولها بالفعل ويممت مقصدها إزاء غرفة ولدها ، فتحت الباب بحذر كي لا تُقلق نومته ثم أغلقته ودَنت بُخطى هادئة من فراشه وجلست بجواره ، تتأمل تقاسيمه المليحة بأنظار مُغتبطة، مالت على وجنته تطبع قُبلة عميقة فوقها ولسان حالها يدعو دعاءً خالصاً لوجه أمومتها "حفظك الله لي يا ماء عيني ورجاء روحي" .. تململ ريان أثراً لقُبلتها ، هو بطبيعته نومه خفيف كالعصافير ، ويوقظه أقل همس خافت ولو بعيداً عنه بمترين .. فرّق جفنيه ببطء ، يعطي فرصة لعدستيه كي تستوعب هوية المُحتجب بجانبه قائلاً بمُقلتين مُغبشتين (ماما؟!)

أهدته أجمل وأعذب ابتساماتها قائلة (فيه عريس حلو كده ينام لحد دلوقتي؟)

قطب جبينه متسائلاً بغباء لعدم استفاقته بشكل كامل (انتِ هنا بجد ولا دي أحلام العصر؟) .. صوت ضحكتها أكد له حقيقة وجودها الآن في غرفته فسارع بالنهوض مرتكزاً على ساعديه بسرور وبدون مقدمات عانقها عناقاً طويلاً ، غير مُصدق أنها هنا ، وقلبيهما يتحدان بنبض متناغم ، وإيقاع نبيل يرفع المشاعر إلى مرتبة عالية من الارتياح ، والامتلاء بالاستكانة ، والأمان

-(وحشتيني أوي) .. قالها ريان وهو يضمها بشدة يشعر بروحه تفتقد أحضانها الدافئة منذ زيارته الأخيرة لها

مسحت أمه بكفها على رأسه مروراً بكتفيه وظهره قائلة (وانت كمان وحشتني اوي يا حبيبي)

أبعدها عنه برفق مستفسراً (جيتي إمتى؟، وازاي؟)

أجابته مبتسمة (جيت من شوية مع بابا)

بادلها ابتسامتها بأخرى مستفهماً (اتصالحتوا؟)

أومأت إيجاباً ضاحكة (هو انا اقدر استغنى عن سعودي؟)

احتضنها مجدداً يشاركها الضحك قائلاً (الحمدلله اني هاتجوز وهاترحم من دلع السناجب بتاعكم ده)

تعالت ضحكاتها على دعابته متنائية بضعة سنتيمترات قائلة (بكرة نشوفك لما تتجوز هاتدلع مراتك ازاي)

غمز لها قائلاً بمرح (الدلع مش بالكلام ، نحن رجال أفعال لا أقوال يارورو) .. نظرت له رافعة حاجبها متزامناً مع زاوية شفتها العلوية فمازحها بشقاوة (بابا بقا أقوال بس ولا ايه؟ ، انا كنت متأكد ان التلزيق ده بتداروا بيه خيبتكم)

شهقت بخفة قائلة (ولد! ، عيب) ..

قرص وجنتها يداعبها (حلاوتك لما بتتكسف ياسليل البشوات يا أرستقراطي انت ياجميل)

حثته لينهض من الفراش قائلة (طب قوم يا ابو لسانين اغسل وشك ، ورانا هم ما يتلم ومفيش وقت)

انصاع لأمرها يزيح الغطاء الثقيل عنه قائلاً وهو يستقيم واقفاً (عندك حق ، احنا ماجهزناش أي حاجة)

تبعته قائلة بتشجيع (ماتقلقش ، انا هاظبط الدنيا) ..

اتجه نحو خزانته ليتناول منها بعض الملابس كي يبدل مايرتديه ثم دلف إلى الحمام ، ولم يستغرق سوى دقائق قليلة وعاد إليها مرة أخرى وجدها تجلس على الأريكة مُنشغلة بتفقد مُحتويات حقائب المُشتريات بتركيز ، اتخذ مقعده قِبالتها متسائلاً بفضول (ايه الشنط دي؟)

أخرجت عُلبة مُخملية حمراء من إحداهن وأعطته إياها قائلة (افتحها وقولي رأيك)

أمسكها يتفحصها بريبة ونفذ ما طلبته مترقباً فانفرج ثغره بانبهار لجمال ماتحتويه ، والذي كان عبارة عن طقم ألماس غاية في الروعة ، مرصوص بأناقة ومُرفق به محبسين زواج رقيقين محفور إسمه وإسم مريم بداخلهما

-(تحفة! ، ذوقه جميل أوي) .. قالها ريان بإعجاب واضح

قالت رويدا (دي هديتك لمريم) .. ناولته عُلبة ثانية وأضافت (ودي هدية مني لكريم عشان يقدمها لعروسته) ..

تأثر كثيراً باهتمامها بتفاصيل نسيها في خِضم أزماته المُتلاحقة قائلاً (شكراً ياماما...)

لم تَدعه يستكمل جملته تُعاتبه (بتشكرني على واجبي كأم ناحيتك؟)

رد عليها بامتنان (بشكرك على وجودك جنبي)

ابتسمت رويدا قائلة (البركة في حبيبة القلب) .. صمتت هُنيهة ثم أردفت توصيه (حُطها في عينيك يا ريان)

تحدث ريان بحب (هي عينيا أصلاً ، مريم كُلّي الحلو ، ربنا يحلي أيامها زي ماحليت أيامي)

أمنت على دعائه (اللهم آمين ياحبيبي ويرزقكم الذرية الصالحة)  .. نهضت استعداداً للانصراف شَطر غرفة الفتيات وتابعت بجدية (هاروح اشوفها هي والبنات) ..

وقف أيضاً يحيط كتفها بذراعه يحفزها على التحرك معه خارج الغرفة (تعالي نشوفها سوا)

سارت بجانبه ضاحكة (لحقت توحشك؟)

همهم بنبرة والهة (أوي ، وحشتني أوي)

رمقته بنظرة جانبية قائلة بلهجة ممطوطة (شوف ازاي)

مد يده للخلف ليغلق الباب بعدما خرجا كلياً قائلاً (بلاش شغل الحموات ده من أولها ، البت بسكوتة مش هاتستحمل)

-(اطلع انت منها ومالكش دعوة بينا) .. قالتها رويدا رافعة حاجباً واحداً قاصدة إغاظته ،توقفت أمام الغرفة المجاورة لغرفته حيث توجد مريم ورفيقتيها ثم طرقت بابها بخفة ولم تمر سوى لحظات بسيطة وأطل القمر من بين دُفتيه مُتبسماً كالملاك..

-(اتفضلي ياطنط) .. دعتها مريم للدخول بتهذيب فأطاعتها مُرحبة وتركتها بمفردها تواجه ذاك الذي يشق الشوق جوفه بسيف وحشته أثناء مغيب أجفانه عن رؤيتها..

جذبها ريان لتقترب منه أكثر قائلاً (وانا؟ ، مفيش اتفضل ياطنط؟)

ضحكت برقة أذابت أعصابه قائلة (عايز ايه ياريان؟)

طاف بمقلتيه فوق وجهها مَديدَ البهاء متنهداً بعشق عصي على الإخفاء (وحشتيني)

رفرفت بأهدابها الكثيفة تجيب بخجل (وانت كمان)

سألها بصوت رخيم (وانا كمان إيه؟)

-(وحشتني) .. نطقتها وصرّحت باشتياقها له ببراءة ودون تكلف ، وحروف الكلمة تذوب كالسكر في ثغرها كأنما تُعطيها روحاً فيغدو ثوب التقبيل مُلائماً جداً لشفتيها

-(مريم) .. همسها بوصب يبعثر بعضه ، وكُلّه ، وأجمعه ، والنبض طفق يضرب ضلع صدره بلا رحمة .. وأثناء وقفتهما المُتخمة بالمشاعر لفت انتباههما صوت خطوات ثابتة تدنو منهما ، وإذا بحُسام يسير في الرُدهة عازماً النزول لأسفل مُتخذاً قراراً بالسفر والعودة إلى السويس وعندما يلتقي بصديقه هناك سيكون له معه حساباً عسيراً بحق عشرتهما الطويلة التي كادت أن تنتهي اليوم ، مَرّ بجانبهما مروراً عاصفاً ، مشحوناً بضيق ظهر جلياً في نظراته وتلونت به ملامحه لكن ريان استوقفه يناديه بأسلوب حاول إصباغه بالهدوء قدر استطاعته (استنى ، لو سمحت)

استدار حُسام ليواجهه قائلاً بامتعاض (خير)

اعتذر ريان بجمود (أنا آسف)

حدجه حُسام من أعلاه لأسفله قائلاً بلغة إنجليزية (Never mind, I don't care about you)

رد عليه ريان بنفس طريقته
(So,who are you care about?)

قال بلامبالاة (Nothing) .. سكت لبُرهة يستجمع رباطة جأشه مستطرداً بتعابير ممتقعة (بص يا اسمك ايه ، أنا ماشي بهدوء ، رغم إني ممكن أردلك إهانتك بشكل مش هاتتوقعه ، بس قبل ما امشي عايزك تعرف حاجة، أنا طلبت إيد مريم من يوسف فعلاً  وهي رفضت ومش خايف ولا مكسوف من ده، وماسألتش عن سبب رفضها لأنه ببساطة حقها، والموضوع خلص بمجرد ماوصلتني رسالتها بالرفض) ... ثم وجّه سؤالاً صارماً لمريم (انتِ بتتعاملي معايا بقالك كتير، عمري لمحتلك إني مُعجب بيكِ ، أو شوفتي مني أي تصرف يدل على كده؟)

أومأت مريم نفياً (لا، بالعكس...)

قاطعها بحدة (طلبي لإيدك بدء عند أخوكِ وانتهى عنده) .. عاود تصويب كلماته إزاء ريان باستهزاء (يعني مش واقع في غرامها ولا ماشي بقطع في هدومي وشعري عشان الكونتيسة رفضتني ، ولا حياتي وقفت ولا بتقف على حد ، أنا أصلاً خاطب واحتمال كبير اتجوز قبلكم) ..

-(مبروك) .. نطقها ريان بوجه مُتصلب وحاجب مرفوع

أجاب حُسام ببرود (الله يبارك فيك)

تحدث ريان ساخراً (ماتنساش تعزمنا عالفرح)

التوت زاوية فمه بابتسامة مُتشنجة (ده أكيد)

أشار ريان له برأسه نحو الأسفل ممارساً أقصى درجات ضبط النفس كي لا يتهور ويدفعه ليأخد الدرج زحفاً على بطنه (اتوكل على الله)

وبأعصاب كالجليد وضع حُسام يده في جيب سترته الداخلي يخرج دفتره وقلمه ثم قام بكتابة شيئاً ما وقطع الورقة وأعطاها لمريم قائلاً بوجوم (ده إسم دكتور كويس هنا فالقاهرة، تقدري تتابعي معاه حالتك ، I am not available anymore)

تناول ريان الورقة بدلاً منها وقطعها لنصفين قائلاً (ماتتعبش نفسك ، احنا هانتصرف) .. عقد ذراع واحد فارداً الآخر أمامه مضيفاً (يلا مع السلامة) .. هَمّ بالتحرك ليغادر كلياً لكن مريم حالت بينه وبين التنفيذ قائلة بتوجس (دكتور حُسام ، من فضلك ماتزعلش من يوسف)

تكلم بطريقة مستفزة مُتعمداً الاستخفاف بها (ماتخافيش ، انا مستحيل اخسر صاحب عمري عشان حاجة ماتستاهلش)

قَلّص ريان المسافة بينهما يسأله بتحفز (تقصد مين اللي مايستاهلش؟)

رمقه باذدراء (انتم الاتنين)

أمسك ريان كتفه ضاغطاً بقوة على عظامه ليتألم قائلاً بلهجة خطرة (احسن لك امشي بكرامتك بدل ما ارجعك بلدك من غيرها)

تخلص حُسام من مسكته قائلاً بتحدي (هاتعمل ايه يعني؟)

دفعه ريان في صدره بغضب قائلاً (مايغركش الهدوم النضيفة اللي لابسها ، ده انا عربجي ياروح أمك)

اشتعلت عيني حُسام وقبل أن يرد له الضربة هدرت به مريم (لو سمحت امشي ، كفاية كده)

كلماتها ألجمته وجعلته يتراجع للوراء عدة خطوات مُستعيداً برودته قائلاً (حاضر يامريم هامشي ، بس اسمحيلي بكلمة أخيرة ونصيحة أخوية، البني آدم ده همجي ، فكري كويس قبل ما تورطي نفسك معاه وترتبطي بيه)

قالت مريم بنظرة مُحتقنة تُتفّه من كلامه (براحته يعمل اللي يعجبه ، على قلبي زي العسل ، ياريت توفر نصايحك لروحك)..

استحسن ريان ردها يزجره ضارباً ذراعه بخفة وشماتة (يلا يا حُسّ ماتنحش ، وراك طريق طويل لحد السويس)

تسمّر حُسام مكانه كجذعِ شجرةٍ ضربته صاعقة سماء قوية وأشعلت النار فيه لتأكل كرامته ، وأي محاولات أخرى ليسترد بعضاً منها لن تُجدي نفعاً ، ويتوجب عليه الرحيل بأقصى سرعة ممكنة ، احتراماً لذاته ولصديقه الذي خذله خذلاناً يُقلِّم أحشائه كأسنان المناشير ، أقرن تفكيره بالإنجاز ، سالكاً الطريق من الطابق العلوي إلى الحديقة ومنها إلى سيارته مباشرةً بلا إلقاء تحية على أهل المنزل ، مما آثار انتباه يوسف والبقية فلحق به يناديه لكنه لم يُلبي النداء وانطلق عائداً لبلده دون إضافة حرف زائد .. وقف يوسف حائراً وجميع توقعاته لأسباب سفره المفاجئ وانصرافه الكارثي تدور حول شخص واحد "ريان" .. اندفع بعصبية شديدة إزاء الداخل حتى يستفهم منه عماحدث ، وجده يقف برفقة مريم أمام غرفتها وملامحهما مُسترخية نوعاً ما فصعد إليهما متسائلاً بنزق (ايه اللي حصل مع حُسام؟)

تولت شقيقته إجابته قائلة (مفيش، ريان حاول يعتذر له وهو ماقبلش الاعتذار)

نظر إليه بعدم تصديق قائلاً (والله؟، عايزة تفهميني انه خد في وشه ومشي بالشكل ده عشان ريان حاول يعتذر له؟)

رفعت أكتافها لأعلى ثم أنزلتهما سريعاً وقالت ببساطة (آه ، هاكدب عليك ليه يعني؟) .. بينما قلّب ريان عينيه يميناً ويساراً ببراءة زائفة، راسماً على وجهه تعبير (أنا قاعد مؤدب) .. وزّع يوسف بصره بينهما قائلاً بشك (انا مش مرتاح لكم انتم الجوز ، حُسام عمره ماهيمشي بالطريقة دي غير لما يكون فيه حاجة ، وحاجة كبيرة كمان) .. تحدث ريان موجهاً كلماته لمريم (روحي شوفي ماما والبنات ، وسيبيلي المصدوم ده انا هافوقه) .. أطاعته مبتسمة بلطافة مُحببة لقلبه ودخلت غرفتها ثم أغلقت الباب وتركتهما في مواجهة بعضهما البعض .. عقد يوسف ذراعيه يطالعه بارتياب ولسان حاله ينطق بأحد منشورات التواصل الإجتماعي المنتشرة "أن لولا الميراث الشعبي العظيم من الأخلاق الموضوعة ، وحكمة الأديان ، والسماء التي ترانا ، ورغبتي في تجنب الجنايات والجنح ، لولا هذه الأشياء ، كنت مسكتك فرتكتك عشان انا ساكت لك من الصبح"
-(ماتيجي ننزل نشرب فنجانين قهوة مع بعض) .. قالها ريان بمراوغة وهو يقترب منه

زفر يوسف بإِنْزَعَاج (عملت إيه في حُسام؟)

مط ريان شفتيه قائلاً (اعتذرت)

التوت زاوية فمه بشبه ابتسامة هازئة (اهبل انا بقا عشان اصدقك؟)

أحس ريان بُحزن طفيف لعدم ثقته به قائلاً (لا، هاتصدقني عشان انا مش كداب)

هتف يوسف بتحذير (ريان! ، حُسام صاحبي ويعز عليا جداً...)

قاطعه ريان بتعابير مُتجهمة (انا ماليش دعوة بشكل علاقتكم ، اللي ليا خدته وهاخد بقيته بكرة ، وياريت نقفل السيرة الزفت دي عشان فرحة اختك هاتتكسر لو اتخانقنا تاني) .. .. أنهى كلماته بنظرة مُعاتبة ثم تركه مُتابعاً هبوط الدرج وأثناء سيره باتجاه الحديقة تقابل مع كريم الذي وصل للتو عقب اتصال سعد به ..

-(أبوك اتصل بيا قاللي خد أجازة ياعريس) .. قالها كريم كإجابة لسؤال فضولي أطل من مقلتيه ولم يطرحه

ربت على كتفه قائلاً باقتضاب ملحوظ (كويس)

سأله كريم بقلق (مالك ياريان؟)

أحس ريان بحاجته للكلام معه فغير وجهته نحو الداخل مُجدداً ليصعدا سوياً إلى غرفته (تعالى نطلع فوق الأول وهاحكيلك)...

قام كريم بأخذ حماماً دافئاً وبدّل ملابسه بأخرى أكثر راحة بينما طلب ريان من نجاة تحضير قهوتهما الخاصة وجلبها لهما ، ليندمجا في الفضفضة خلال جلسة طويلة امتدت لمشارف منتصف الليل ، حكى فيها لصديقه الأحداث بدايةً من وفاة زوج خالته، مروراً بخلافه مع مريم وعودته ليجدها مريضة، نهايةً بشجارات اليوم المُروعة منذ استيقاظه صباحاً حتى رحيل حُسام والمشادة الكلامية الجديدة بينه وبين يوسف

-(بس عارف ايه اللي يزعل؟) .. قالها ريان مُرجعاً رأسه للخلف قليلاً باسترخاء

سأله كريم مفكراً (ايه؟)

جاوب ريان بنفس طريقته (إني مارزعتش الواد الملسلس ده علقه ، كسّرتله صف سنانه)

تبرّم كريم بغير رضا عن لجوءه المُستمر للعنف في حل مشكلاته (مش ملاحظ إنك بقيت عصبي زيادة عن اللزوم؟)

مسح ريان وجهه براحتيه قائلاً بزفرة مهمومة (ملاحظ ، تقريباً ده side effect من كتر المهدئات اللي كنت باخدها)

-(حاول تهدي نفسك شوية ، عشان صحتك أولاً ، وثانياً عشان ماتخوفش مريم منك زي مايوسف قالك)

-(يوسف ده انا محتار في أمره ، شوية بحبه وشوية مش طايقه)

-(على فكرة يوسف إنسان محترم ، وجدع ،كفاية وقفته مع ريهام كأنه أخوها بالظبط)

-(الصراحة كبر في نظري أوي ، رغم إن ماكانش عاجبني قعدتك الخايبة قصاده يوم الاتفاق)

-(الراجل ما غلطش في كلمة قالها ، وماضغطش عليا في أي طلبات زيادة ، وكان كل همه يضمن حقوق البنت ، أعارضه لمجرد المُعارضة وخلاص؟، هو أي هبل ياريان؟)

-(وبالنسبة للفرح اللي مش هايتعمل؟، الموضوع ده مضايقني جداً)

-(دي رغبة ريهام ، وانا وافقت تقديراً لحالتها بعد حريق الدار وموت صباح ، وبيني وبينك بعد مانرجع من العُمرة هاشوف ثيرابيست كويس تبدء معاه تأهيل نفسي)

-(عندك حق ، اللي مروا بيه البنات مش سهل أبداً)

-(ريهام متأثرة أكتر مريم)

-(يمكن عشان مريم ماشافتش الأحداث بعينيها؟)

(يمكن) .. .. وفجأة انفتح باب الغرفة دون سابق إنذار ليرتطم بالجدار الخرساني ، تبعه دخول فوضوي لهيثم يحمل أغراضه وملابسه هاتفاً بحنق (سالخير عاللي قاعدين يتسامروا هنا وسايبيني طالع عين أمي فالبيت ده) .. ألقى مابيده فوق الفراش مُتابعاً (سالخير على أوطى اتنين شوفتهم في حياتي)

رد عليه كريم ضاحكاً (يسعد مساك يا اخويا ، مالك داخل علينا زي الجمل اللي هربان من الحبشة كده ليه؟)

قذفه هيثم بأحد الوسادات قائلاً بغيظ (انت ليك عين تهزر؟)

مازحه ريان (مين مديك على قفاك ياهيثم ، وجاي تطلع غلبك فينا؟)

جاوبه مستشيطاً بشكل أكبر (أبوك ، يلعن أبو معرفتك كانت معرفة سودة ومهببة) ...

سأله ريان باستغراب (أبويا؟ ، وانت شوفت ابويا فين؟)

لوح هيثم بذراعيه في الهواء قائلاً (طبعاً ما البيه عايش في مية البطيخ ومايعرفش اني بنام انا وهو في أوضة واحدة من ساعة ما يوسف ومراته شرفوا، ودلوقتي قاللي اترمي مع ريان وكريم فأوضتهم عشان أمك جات)

قال كريم لريان بتذمر (هم ايسو وويسو دول مابيروحوش بيتهم ليه؟)

تأفف هيثم يحيط عنقه بأصابعه دلالة على الاختناق (عليهم تلزيق يجيب تهتك فالرئة)

غمز كريم له قائلاً (فالرئة برضه؟)

رد عليه باستياء (فأي حتة ممكن تتهتك أو تتفقع في جسم الإنسان والله)

احتج ريان متصنعاً الانزعاج (ولااا انت وهو ، اتلموا بدل ما اطردكم بره خالص ، مش عايز قلق فالأوضة)

تناول هيثم بعضاً من ملابسه ليدلف إلى الحمام مغمغماً باعتراض (قرف هنا وقرف فالشغل ، جاتكم داء السل أما يسلكم) .. دقائق قليلة استغرقها حتى اغتسل وغيّر ثيابه ثم خرج من الحمام يجفف شعره بالمنشفة لكنه انتبه لرنين هاتفه باتصال دولي من والدته ، جلس على الفراش أولاً وأجابها بلهجة غريبة ولسانه انطلق بكلمات غير مفهومة (أشلونج يُمّه؟) .. أتاه سؤال عن حاله من الطرف الآخر فابتسم قائلاً (اني خوش أهوايه) .. تلاه حديث يبدو هاماً ليستفهم باهتمام (ليش ، شصار؟) .. استغرب مما يسمعه من والدته واعترض بعتاب (وانت هَسّة تذكرتِ لتخابريني؟) .. ألحت الأم فيما تطلبه فقال (خاطر الله ماراح اگدر) .. جادلته بغضب جعله ينتظر حتى سكتت وقال بهدوء (شمعرفني ، الصوچ صوچ ابنچ) .. استمرت والدته في مُخاطبته بإصرار فزفر بنفاذ صبر (يُمّه كافي اني حيل دايخ وماعندي واهس للحچي، أريد انام عالمود ارتاح شويه) .. أطبق جفنيه بتعب ثم أضاف (واني شعليه بيه؟) .. تنهد باستسلام ليُنهي المكالمة (ميخالف يمه ، باچر بدزلك بصمه).. أغلق الخط بتعابير مُرهقة ونهض من مكانه يقول لرفيقيه المُتابعين للمشهد بذهول من تحوّله بهذا الشكل العجيب (هانام هنا ولا عالسرير؟)

والمبادرة بالحديث كانت لكريم (بسم الله الرحمن الرحيم ، انت ملبوس ياهيثم؟) .. هب واقفاً كالملسوع يركض في أرجاء الغرفة صائحاً (انصرف ، لا تأذينا ولا نأذيك) ..

اتخذ هيثم مقعده بجوار ريان قائلاً (قوم سكت ابن المجنونة ده ، هايلم الناس علينا)

تفحصه ريان بحذر قائلاً (انت كويس؟)

مرّر هيثم كفيه فوق شعره قائلاً بتعب (ياعم كويس ، انا هلاقيها من غبائكم ولا من زن أمي؟)

لكزه ريان في كتفه قائلاً (ماتفهمنا احنا خايفين منك)

دلك رقبته ليفك تشنج عضلاته قائلاً (أمي عايزاني اسافر عشان احضر فرح جواد أخويا)

سخر منه ريان (والله؟، هي دي مشكلتنا؟)

أدرك هيثم مقصده وسبب دهشتهم فضحك قائلاً (انا كنت بكلمها بلهجة بلدها لأنها مش مصرية)

تولّى كريم زمام التحقيق بعدما هدء وجلس على السرير (ومنين الست الوالدة ان شاءالله؟)

أجابه وهو يحث ريان على الزحزحة من مكانه ليستلقي مُغطياً عينيه بساعده (من سامراء فالعراق)

رماه ريان بالغطاء فتناوله متدثراً وقال (يعني أبوك مصري وأمك عراقية وعايشين في دبي؟)

تحدث هيثم متثائباً (واخويا المتخلف هايتجوز واحدة من بلد أمه)

صفق كريم بخفة قائلاً (الله على كوكتيل العروبة الجميل)

انقلب على جانبه يوليهما ظهره قائلاً بصوت ناعس (سيبوني انام بقا ، وانتم كمان ناموا ، وراكم بكره حوارات كتير) ..

*****************

في صباح اليوم التالي /

طَلَع الصُبح نسيمه عنبر وتلألأت خيوط الشمس لتغازل السماء ، والحب يُحلق فوق بيت الحاج زين الدين ويرتفع بأجنحته كعصفور يُغرد لحناً عاشقاً بعدما مسّ النور ريشه ، وكانت رويدا أول المبادرين بنفض غبار الكسل عنها واستيقظت بكامل قيافتها ونشاطها ، لتبدء في تجهيز الحديقة بشكل ملائم لمناسبة مثل عقد القران ، وأثناء احتساء قهوتها الصباحية التي أعدتها لنفسها ، وجلوسها بمفردها داخل المطبخ أجرت بعض الاتصالات لتستدعي أفراداً من خدم الڤيلا للمساعدة فنجاة وحدها لا تكفي ، ثم هاتفت شركة معروفة ومتخصصة في تنظيم الأعراس وحفلات الزفاف لتتولى أمر تزيين المكان ، ثم اتجهت للأعلى مجدداً حتى توقظ العروستين .. استقبلتها مريم ببشاشة ويبدو أنها استفاقت من النوم منذ وقت طويل

-(صباح الخير ياعروسة) .. ألقت رويدا تحية الصباح مُبتسمة بتألق وحماس فبادلتها مريم ابتساماتها بأخرى خجولة (صباح النور)

لاحظت رويدا عدم صَحو ريهام ونومتها المُتكومة على نفسها فتسائلت (ريهام ماصحيتش؟ ، معقولة فيه عروسة تنام لغاية دلوقتي يوم كتب كتابها؟)

غَطت ريهام رأسها بالبطانية الكثيفة عندما وصلها صوت رويدا قائلة بتذمر (اصطبحوا وقولوا ياصبح ، الساعة ماجاتش 9 ، احنا هانتجوز مش هانبيع لبن ياست)

اقتربت منها رويدا وأزاحت الغطاء قائلة بتقريع (قومي وبطلي كسل ، احنا ورانا هم مايتلم)

أيدت مريم رأيها (طنط عندها حق ياريهام)

اعتدلت ريهام جالسة تقول بضجر (اديني قومت اهو ، اياكش اليوم ده يعدي على خير ونخلص) .. 

أخرجت رويدا فُستان مريم من حقيبته وبالتتابع فستان المُتذمرة الأخرى لتضعهم بحرص على الأريكة المُقابلة للفراش قائلة (اتصلي بمرات اخوكِ صحيها يامريم) ..

أطاعتها مريم مُمسكة بهاتفها تتصل بأميرة وفي ذات الوقت استقامت ريهام لتدلف إلى الحمام مُتبرمة (ماتسيبوها براحتها ، الولية حامل وتعبانة)

هتفت مريم بعدما أغلقت الباب (هاتزعل لو ما صحينهاش معانا) ..

-(كنت لسه هاكلمك حالاً).. قالتها أميرة عبر الهاتف فور إجابتها على الاتصال

سألتها مريم (صاحيين من بدري ولا إيه؟)

حملت أميرة طفلها استعداداً للذهاب إليها قائلة (آه ياحبيبتي ، ويوسف بيلبس ورايح يجيب أستاذة وسيلة) .... وعلى صعيد آخر وبحال مُختلف كانت غرفة الشباب مازالت غارقة في الظلام ، الثلاثة مُستلقيين ، "هيثم" يتثاءب بتثاقل لكنه قاوم النعاس واتجه نحو الحمام ليُنهي روتينه الصباحي ، و"كريم" يدفن رأسه أسفل الوسادة ، و "ريان" يُحدق في السقف بلا هدف ...

-(كريم) .. ناداه ريان ليوقظه

أجاب (كريم عايز ينام)

-(لازم نقوم)

-(انهاردة أجازة ، سيبني انام شوية)

-(احنا واخدين أجازة عشان نتجوز مش عشان ننام)

-(مش عايز اتجوز ، انزل قولهم كريم كنسل الجوازة)

-(مش قادر انزل ، هيثم صاحي يبقى يقولهم هو) ...... بينما خرج المدعو بالذكر من الحمام عاري الصدر يلف المنشفة حول رقبته لتستقبل الماء المُتقاطر من شعره قائلاً (ريان! ، الشاور خلص)

سأله ريان (وهاستحمى ازاي انا دلوقتي؟)

تناول هيثم تيشيرته يرتديه قائلاً بلامبالاة (ما اعرفش ، اتصرف ، هو كان خلصان من امبارح أصلاً)

خبط ريان ساق كريم قائلاً بغيظ (انت اللي خلصته ياحيوان؟)

تأوه كريم قائلاً (وربنا أبداً ، الواد ابو طويلة ده بيستهلك منظفات كتير ، الشامبو بينزل من راسه على جسمه بيقول دعاء السفر)

-(افضلوا اتمرقعوا كده لحد ما الوقت يعدي والمأذون يطب عليكم فجأة).. قالها هيثم أثناء تمشيطه لخصلاته أمام المرآة

استوى كريم على ظهره قائلاً بملل (يالهوي عالقرف اللي الواحد فيه)

قذفه هيثم بفرشاة الشعر قائلاً (يخرب بيت ندبك يالا عالصبح) .. تأفف ريان مزمجراً (انا مش قايم ولا متحرك من مكاني إلا لما تجيبولي شاور غير اللي خلص) .. ظل ثلاثتهم على هذا الوضع لعدة ساعات مابين شد وجذب ، وجد وهزل حتى ارتفع آذان الظُهر وعبأ الأرجاء واختلط بصوت طرقات عالية على الباب وهتاف رويدا من الخارج جعلهم يدورون حول أنفسهم كالأطفال..

-(نص ساعة والاقيكم انتم التلاتة قدامي ، مفهوم؟) .. تحذير شديد اللهجة نطقته فتولى ريان إجابتها (هاتيلي شاور ، مش عارف استحمى) ..

زمجرت رويدا بغضب يعلم جيداً عواقبه (استحمى بصابونة الوش).. ثم صاحت بعصبية (البنات خلصوا لبس وانتم لسه بتفكروا تستحموا؟)

اقترب ريان من الباب يسألها بابتسامة بلهاء (ماما! ، مريم حلوة؟)

هدرت به رويدا بانفعال مُغتاظ (اخلص ياريان بدل ما ادخلك)

***************

في الأسفل/

كانت الحركة سريعة والتجهيزات تسير على قدمٍ وساق ، وتزينت الحديقة بالأشرطة الحريرية البيضاء وحِبال الأنوار البرّاقة ، وتموضعت طاولة عقد القران الكبيرة في المنتصف ، يحيط بها مقاعد مُخملية أنيقة ، والعائلة مُجتمعة وسط أجواء مُبهجة يتجاذبون أطراف الحديث ويتضاحكون بمرح وسعادة ، والشباب الثلاثة مازالوا في غرفتهم يسابقون الوقت ليكملوا تجهيزاتهم الشخصية.. "ريان" يضبط ياقة قميصه السماوي أسفل كنزته الصوفية كُحلية اللون ثم عدّل من وضعية حزامه الجلدي داخل عُرُوات بنطاله الچينز الأزرق ، بينما ارتدى كريم سُترة خمرية تعلو قميصاً وبنطالاً من اللون الأسود ، أما هيثم كان مُنشغلاً بعقد رباط حذائه الرياضي الأبيض المُتلائم مع إطلالته الغالب عليها اللون الرمادي..وأخيراً انتهوا تماماً ووقفوا ينظرون لبعضهم نظرات تقييمية راضية ..

-(انا هانزل اشوف المأذون جه ولا لسه) .. قالها هيثم متناولاً هاتفه ومفاتيح سيارته ثم يمم مقصده نحو الخارج قاصداً ترك رفيقي الفرحة بمفردهما ، يتفهّم جيداً وضعهما بعيداً عن أي علاقات دخيلة على مساحتهما الخاصة ويُقدر ذلك جداً.. ويحبهما هكذا جداً ..حالة من الصمت المشحون رانت عليهما ودفء اللحظة يلفهما ويجعل أعينهما تفيض بالامتنان ، أحدهما سأل رب القلوب في صلاته ألاّ يقلّبه ويرزقه صُحبته دُنيا وجنة ، والآخر حفظ الدعوة بين ضلوعه ، وغذاها من ماء قلبه ، وبادلها بالمحبة الصادقة ، وبأواصر لا تحتاج رابط دم ، وبوفاء العالم يظل كريم ثبات ريان ، وشَدّة عضده ، وقوة أمره ، وجانبه المُشرق ، العزيز ، وبه أوتي سؤله ..

-(تعالى) .. نطقها ريان فاتحاً ذراعيه على اتساعهما بابتسامة صافية ، فعانقه كريم عناقاً قوياً دام لدقائق وكأن شريان حياته مقرون بأحضانه الحانية ، وراحته لا تتحقق إلا بوجوده ..

استجمع كريم رباطة جأشه قائلاً (مبروك ياحبيبي)

رد عليه ريان مُطبقاً جفنيه (فرحتي بيك انهاردة أكبر من فرحتي بنفسي) ..

تحدّث كريم بصوت مهزوز (ريان! ، ماتخليش الجواز يبعدك عني أنا ماليش أهل ولا عيلة غيرك)

احتوي ريان وجهه بين راحتيه قائلاً بتأثر (أنا لو خيروني بين الدنيا كلها وبينك ، هاختارك انت ياكريم) ..

غمز له بشقاوته المُحببة (ولو خيروك بيني وبين مريم؟)

خبط جبهته بخاصته يقول ضاحكاً (لو خيروني بينك وبين روحي ، هاختارك انت برضه يامتخلف).. احتضنه مجدداً بوثاقة أكبر مُتابعاً (ربنا يخليك ليا ويرزقنا الصُحبة دنيا وجنة) .. رنين هاتفه جذب انتباههما فتناءى برفق ليتفحص المُتصل وجدها والدته ، أجابها فأتاه صوتها مُتحفزاً ومُستاءً بعض الشئ بسبب تأخيرهما الغير مُبرر  .. أغلق الخط سريعاً بعدما استرضاها وأخبرها أنهما جاهزان وسيكونا أمامها في غضون لحظات ثم قال لصديقه (أمي هاتنفخنا لو مانزلناش حالاً)

سار كريم باتجاه الباب يحثه على التحرك معه قائلاً (احنا اتأخرنا فعلاً) ..

تذكّر ريان أمر الهدايا التي اشترتها أمه من أجلهما فاستوقفه عائداً نحو الخزانة مجدداً ليفتحها ويتناول الحقيبتين الموضوعتين بداخلها وأعطاه خاصته قائلاً (امسك)

تفحص كريم العُلبة المُخملية الثقيلة نوعاً ما متسائلاً بفضول (ايه ده؟)

أجابه ريان مُبتسماً (دي هديتك للعروسة ، ماما اشترت اتنين زي بعض ، واحدة عشانك وواحدة عشاني)

فتحها كريم ليتفاجئ بالتحفة الفنية الراقية التي تحتوي عليها قائلاً بفم مُنفرج (الله! ، حلوة أوي ، بس ده كتير...)

قاطعه ريان يحيط كتفه ليخرجا من الغرفة (مفيش حاجة تكتر عليك ياكركوري)...

هبطا الدرج سوياً يداً بيد ، وكتفاً بكتف ، وقلباً بقلب ، خطوهما ثابت ، ونبضهما مُتسارع ، والمشهد بأكمله يشبه ضحكة تغزّل بها كاتب في نص مُدهش .. دقائق فصلتهما عن بلوغهما وجهتهما المقصودة حيث تجمع الأحباب الذين استقبلوهما بالصيحات الفَرِحة والموسيقى المُخصصة للمناسبات السعيدة تُصبغ الجو بسرور بالغ .. أطلق هيثم صافرة حماسية مُتمايلاً بخفة على أنغام أغنية لطيفة وهو يمسك بيد "ريتاچ" وبالأخرى يتشبث بكف "مُصطفى" رفيقي الميتم اللذان حضرا مع السيدة وسيلة .. ويبدو أن الصغيرين سيكونا لهما تأثيراً كبيراً في اتخاذه لقرار سيغير حياته بالكامل .. وبعد لحظات انفتح باب المنزل ليدخل سعد برفقة يوسف ومعهما الضيف المُنتظر قدومه منذ ساعات ..

أشار سعد للرجل باحترام قائلاً (اتفضل ياسيدنا الشيخ) ..

اتخذ موقعه بوقار مُتوسطاً الطاولة ثم أخرج دفاتره ووضعها فوقها قائلاً بابتسامة بشوشة (ألف مبروك ، ربنا يتمم بخير ان شاء الله) .. شرع في تجهيز أوراقه متسائلاً باهتمام (فين عرايسنا الحلوين؟) .. أومأ كريم لريان أن يتقدم أولاً فجلس بجوار الشيخ وأخرج بطاقته الشخصية وأعطاها له قائلاً (أنا العريس) ..

استكمل المأذون استفساراته المُعتادة (مين وكيل العروسة؟)

نظر الجد زين إلى يوسف الذي كان يقف مُحرجاً وخائفاً أن تتعارض أمنيته بتوليه وكالة شقيقته في عقد قرانها مع وجود جدها "كبير العائلة" مبادراً بإجابة المأذون (وكيل العروسة أخوها يامولانا)

انفرجت أسارير يوسف بشدة حتى كاد أن يبكي فرحاً قائلاً وهو يناول المأذون بطاقته (شكراً ياجدو)

ابتسم الجد زين قائلاً (ربنا يخليكم لبعض ياحبيبي) .. وبالتناوب طلب المأذون بطاقات الشهود لإتمام باقي الإجراءات المعروفة لإتمام العقد وبالطبع لا يوجد أقرب من أصدقاء العريس ليشهدا على زواجه ، وقام "كريم وهيثم" بتسليمه بطاقاتهما .. بدأ الشيخ الجليل في تجهيز الوثائق اللازمة ثم قال مازحاً بلطف (فين العروسة ياجماعة؟ ، احنا هانكتب الكتاب من غيرها ولا إيه؟) ..تَحَمَّلَت رويدا مَسْؤولِيَّة إحضار العروستين وصعدت للأعلى حيث تتواجدان في غرفتهما مع أميرة تستدعيهما للحضور ، خرجت مريم أولاً بفستانها الذي يجمع بين درجات الأزرق من الأفتح إلى الأغمق بتناسق أنيق ، طبقته العُلوية مصنوعة من التُل اللامع، مُقفل الصدر، طويل الأكمام ، مُحدد الخصر بأنشوطة رقيقة ، وينسدل باتساع ليصل حتى كاحليها ، تاركة خُصلاتها مُنسابة بُحرية خلفها، واكتفت بوضع القليل من مساحيق التجميل، فقط كُحل يبرز جمال عينيها وُحمرة شفايف خفيفة جداً .. أما ريهام سارت وراءها ترتدي فستان أبيض اختارته لها رويدا قاصدة لتعوضها عن ليلة الزفاف التي تخلت عنها بِملأ إرداتها ، مُرصع بأحجار كريمة من نفس اللون، مُثبت على كتفيه قطعة حريرية طويلة كتكملة للإطلالة أو كما يُسمى بالـ "اكستنشن" ، تجمع شعرها في تسريحة مُرتفعة وتُزين مقدمة رأسها بطوق من اللؤلؤ فبدت كأنثى طاووس مُونقة ، غاية الروعة .. وأخيراً أشرقت الأنوار بقدوم القمرين ، وتسمرت الأنظار عليهما ، ولهجت الألسنة بالدعاء ، وأذكار التحصين كي لايصيبهما حسد أو عين ، أدركت مريم عندما رأت جلسة ريان بجانب المأذون ويقابله شقيقها من الجهة الأخرى أن قرانها سُيعقد أولاً ، دعاها يوسف لتتخذ مقعدها بجواره قائلاً (تعالي ياحبيبتي ، مولانا عايز ياخد موافقتك)

أطاعته بتوتر بينما سألها المأذون بلُطف (موافقة ياعروسة؟) .. إيماءة صامتة كانت ردها فاستمر الشيخ في مواصلة استفهماته المُعتادة (ليكِ أي طلبات؟) .. حرّكت رأسها نفياً ومُقلتيها مُسلطتان على أمنيتها الوحيدة والذي يبادلها النظرة العاشقة وجمالها الناصع يعصف بكيانه عصفاً ، فيتغلغل الحب ويمشي في أعماق روحه ممُسكا بمُفتاح قلبه ويُغلق عليها بداخله إلى الأبد ، أفاقت من شرودها على صوت المأذون يناولها وثائق الزواج كي توقعها وتُزين الأوراق ببصمة إبهامها الزرقاء بعدما تأكد من موافقتها الكاملة ، امتثلت لطلبه باستحياء ثم انتقل الدفتر ناحية العريس ليوقع ويبصم بدوره أيضاً وما أن انتهى حتى طلب منه وضع يده في يد يوسف بصفته وكيل العروس ليكمل باقي الخطوات ، قام الشيخ الجليل بتشجيع الموجودين ليقرأوا فاتحة الكتاب وأعقبها يتلاوة الآيات والأحاديث الخاصة بالزواج ثم حثّ الوَليّ المُختار على ترديد ماسيقوله وراءه حيث نطق بنبرة رخيمة (إني استخرت الله العظيم ، وزوجتك موكلتي وشقيقتي ، مريم عبدالرحمنٰ السويسي ، على كتاب الله ، وعلى سنة رسول الله، وعلى الصداق المسمى بيننا ، عاجله وآجله ، والحضور شهود على ذلك ، والله خير الشاهدين) .. ومع نهاية كل فاصلة بين الجُمل كان يوسف يُكرر مايُلقيه المأذون على مسامعه ، وحان دور العريس ليُلقنه كلمات قبول الزواج حيث قال (إني استخرت الله العظيم ، وقبلت زواج موكلتك ، مريم عبدالرحمٰن السويسي ، على كتاب الله ، وسنة رسول الله ، وعلى الصداق المسمى بيننا ، عاجله وآجله ، والحضور شهود على ذلك ، والله خير الشاهدين) .. اختتم المأذون بالجملة الشهيرة والدعاء المعهود ليتمم مراسم العقد هاتفاً (بارك الله لكما ، وبارك عليكما ، وجمع بينكما في خير)..ومع آخر حرف نطقه المأذون بعدما أعلنهما زوج وزوجة رسمياً على كتاب الله وسنة رسوله، انطلقت الزغاريد مُجلجِلة في الأرجاء ، نهض ريان من مكانه ومُقلتيه ترتكزان فوق وجه حُلمهُ الذي تحقق للتو كأنما عينيه لا تبصر غيرها ، الآن النظرة حلال ، والعناق حلال، والقبلة حلال.. كُلّها أصبحت حَلاله ، ونعيمه ، وفردوس ربّه له على الأرض .. تلقى المُباركات والأحضان من الجميع المُبتهجين بعقل مُطلسم لا يرى سواها ، ولا يسمع إلا صوت نبضه ، وبشق الأنفس تجاوزهم ليصل نحوها وبدون مقدمات احتضنها بلهفة مُطبقاً جفنيه ولسان حاله يُهلل (والله مابَرَحت ، ولم أَبرَح حتى بَلغت مجمع حُريتي فيكِ يانور عيوني) .... أبعدها عنه قليلاً يستند بجبهته على خاصتها ولأول مرة منذ عرفها يبكي أمامها هامساً (أخيراً يامريم)

تحدّثت بصوت رقيق (أخيراً ياروح مريم)

مسح دموعه بجانب راحته قائلاً بنبرة مهزوزة (انا شقيت والله عشان أوصل للحظة دي)

لم تستطع تمالك نفسها فبكت على بكائه وعانقته مُجدداً تمسد ظهره بكفيها (من انهاردة مفيش تعب ولا زعل تاني ، خلاص بقينا لبعض ياريان) ..

قبّل وجنتها قائلاً بعشق (ياحبيب عمر ريان ، وعيون ريان ، والهوا اللي بيتنفسه ريان)

تراجعت خطوتين للخلف بخجل قائلة بخفوت (عيب كده)

أعادها لتقف بجانبه قائلاً (لا مش عيب ، الشيخ قالي ابوس)

شهقت بخضة طفيفة قائلة (بس ياريان الناس حوالينا)

أحاط خصرها يقربها منها أكثر وأعاد تقبيل وجنتها الأخرى قائلاً (الناس دي كلها شاهدة إنك مراتي) ..

وبينما كانا هما على تلك الحالة المُضمخة بالمشاعر ، قام المأذون بإعداد دفتره مُجدداً استعداداً لعقد القران الثاني بنفس الخطوات وبوكالة يوسف لريهام وبعد وقت ليس بقليل اِخُتتِمت الأحاديث ، واكتملت الإجراءات ، وأُعلن الرفيقين الغاليين زوج وزوجة ، وغادر ليترك العائلة تحتفل براحة أكثر ، وقام كل عريس بتلبيس عروسته طقم الماس خاصتها والمحابس مُتزامنين مع ارتفاع الموسيقى ، واندفاع كلمات أغنية حديثة مُخصصة لتلك المناسبة السعيدة حيث غرّد المُطرب عبر مُكبر الصوت :

فرحة أخيراً تجمعنا
ولا حد هايقدر يمنعنا
وأخيراً هديت
مقفول علينا بيت
وصبرنا له معنى...

أمسك ريان كف مريم يدعوها للرقص معه وقلّده جميع الثنائيات.. كريم وزوجته.. ويوسف وأميرة تاركين صغيرهما برفقة نجاة.. وسعد ورويدا.. أما هيثم يُشكل دائرة صغيرة مع ريتاچ ومصطفى .. وسط أنظار وتصفيق الجد زين ، والجدة فاطمة ، والسيدة وسيلة .. أشعل المقطع التالي من الأغنية الأجواء ليدوروا جميعاً وتدور الأحاسيس حولهم :

قدام العالم انتِ مراتي
وده كل اللي انا عايزه ف حياتي
ولا يهمنا مين دي عيون حاسدين
والحلم ده بتاعنا ..

وبشكل مُفاجئ اتحدت أصواتهم يغنون بالتزامن مع غناء المُطرب :

يا اصحاب يا اغراب
خلاص كتبنا الكتاب
شوفوا حبيبة قلبي
لو ماشي بعُكّاز
طقم سنان أو محتاس
هي اللي هاتفضل جنبي

كرّروا المقطع مرة ثانية وابتساماتهم تتسع بينما رفع ريان مريم بخفة يلف بها وسط غناء أهلهما المُبتهجين لبهجتهم :

هاكل من إيديها كل يوم
واصحى على حضنها من النوم
وأكيد هايكون في خناق
هاتروح ضحكالي وتقوم ..

أنزلها سريعاً يحتضن خصرها بذراعه يُردد مُقطعاً إضافياً وهو يتطلع ليوسف بمشاكسة :

خارجين أو حتى مسافرين
أو للصبح البره سهرانين
مفيش غلاسه وقلق
ولا تكشير ولا دم اتحرق
طبعاً أنتو فاهمين

حركته اللطيفة جعلت ضحكاتهم تتعالى لتغطي على ذبذبات الموسيقى ، وهكذا انقضى الوقت قافزين بفرحتهم من أغنية لأغنية حتى انتصف الليل ، وبعد جلسة مُطولة تم الإتفاق فيها على موعد بدء تحضيرات الزفاف والذي سيكون عقب رجوع كريم وزوجته من العُمرة وشهر العسل الذي أهداهما إياه سعد في أحد البلدان الآسيوية الشهيرة ، أما الزفاف نفسه سيتم فور استقرار يوسف وأسرته بشكل تام في القاهرة ، وهذه المُفاجأة أسعدت مريم بشدة لأنها لن تُحرم من شقيقها وسيظل قريباً منها .. والليلة لم تحمل مفاجأة واحدة فالبُشرى الأجمل حملها ريان لهم وأخبرهم أن الشركة استهلت إجراءات إعادة بناء وإعمار دار وسيلة علوي من جديد بإمكانيات أعلى وبتوسعات أكبر .. وأخيراً مرّ اليوم وانتهى بسلام ، وتفرّق الجميع كُلٍّ لمكانه ليخلدوا إلى النوم ، ماعدا ريان ، ظل مُستيقظاً وفكرة واحدة تدور بعقله دوران الكواكب حول شمسها ، لا يُصدق أن مليحته أصبحت زوجته ، مريم الآن حِلّه وحلاله ، ويشعر بأنه صار حُرّ ويستطيع تخيلها كيفما يشاء دون قيود ، ورغبته فيها مثل حزامٌ ناسف أوشك على تفجير خلايا جسده .. طرأت بباله طريقة ستمكنه من الانفراد بها ،  أمسك هاتفه ليفتحه على المحادثة الدائمة بينهما عبر تطبيق الواتساب يدعو الله أن تكون مُستيقظة وأرسل (نمتي؟) .. انتظر لثواني يحبس أنفاسه حتى تحول السهمين إلى اللون الأزرق كدليل على قراءتها للرسالة وأجابت (لسه) ..

كتب سريعاً (أنا جعان) وأرفقها بوجه تعبيري برئ ذو وجنتين حمراوتين

استفهمت باستغراب (دلوقتي؟!)

رد باستنكار (هو الجوع له مواعيد؟) ، ووجه يُفكر

كتبت (أطلب ديليڤري) ، ووجه حائر يقلب عينيه لأعلى

-(والله؟، وانتِ لازمتك إيه؟) ، ووجه يلوي شفته بتبرّم

-(اعملك ايه طيب؟) .. ووجه يبكي

-(مش انتِ مراتي؟ ، اتصرفي) ، ووجه يغمز

-(تعالى ننزل المطبخ) .. البلهاء بلعت الطُعم

كتم صيحة مُنتصرة ووافقها مُرسلاً (ماشي) .. وبخطوات حذرة كي لا يوقظ النائمين خرج من الغرفة وأغلق الباب ، ليتقابلا في الرُدهة .. توقف يتأمل هيئتها وعينيه تأخذ جولة قصيرة فوق تفاصيلها الأنثوية ، وبقوة خارقة تمكن من كبح جماح انفعالاته ثم شجعها ليهبطا الدرج .. تظن أنهما مُتجهين نحو المطبخ .. لا تعلم أن المُحتال يستدرجها إلى وجهة مختلفة ، وعندما وصلا للأسفل سحبها نحو غرفة الصالون ، وأغلق الباب من الداخل بالمُفتاح وسط همهماتها المُتعجبة لتصرفه ، لم يعطها فرصة للإعتراض يحاصر جسدها المُستند على الحائط بكلتا ذراعيه ، وصيف أنفاسها الحارة يغتال صبره وهي تسأله بتلعثم (انت مش جعان؟) .. أحاط جانب وجهها بكفه يجيبها مُتلمساً بشرتها بإبهامه (واقع من الجوع) .. وبلا تردد أطبق بشفتيه على شفتيها ، طاحناً ثغرها بين راحتي ثغره ، يتعطّر ويُعطّر خجلها ببخور قُبلتهما الأولى ، وشهد ريقها الذي امتزج بريقه وبعث الحياة في عروقه زاد ناره جمراً ، وأناملهُ تبعثر مواطنها وأركانها المُختبئة تحت سُترة منامتها الثقيلة، يتحسسها كأنما يريد التأكد من كونها حقيقية ، وبين يديه جسداً من لحم ودم ، ليست خيالاً يراوده عن نفسه في حُلمه .. وبعد وقت استطال ولم يحسبه ، أحس بعدم قدرة ساقيه على الصمود أكثر من ذلك ففصل القبلة مُجبراً ، وحملها بخفة كأنها ريشة متجهاً نحو الأريكة ليستلقي بها ، يعتليها وشفتيه تنثر قبلات متفرقة على رقبتها ووجنتها ، وآهات نشوته تسقط من فمه واحدة تلو الأخرى 

حرّرت همسة رقيقة بإسمه تناديه (ريان)

دفن أنفه في حنايا عنقها وعبيرها يُعبأ رئتيه يجيبها بخفوت (نعم ياحبيب ريان)

وضعت كفها عند موضع نبضه عندما لاحظت تسارعه قائلة بقلق (قلبك بيدق بسرعة كده ليه؟)

رفع رأسه لتتلاقى أعينهما يقول مبتسماً (ماتخافيش ، مش هموت وانا ببوسك) .. سكت هُنيهة يتشرّب ملامحها بمُقلتيه ثم أردف (بس هموت لو سبتيني تاني)

رمشت بأهدابها تقول بفزع (بعد الشر عليك)

اعتدل في نومته بجانبها يحيط خصرها بذراعيه قائلاً (عايزك جنبي الليلة دي)

استسلمت لأحضانه قائلة (لو حد خد باله اننا نايمين مع بعض فأوضة واحدة هايبقى شكلنا وحش أوي)

قربها منه أكثر قائلاً بهدوء (أولاً احنا مش نايمين مع بعض ، احنا نايمين في حضن بعض ، وده مؤقتاً لحد معاد الفرح ، وثانياً انتِ مراتي على سنة الله ورسوله ، وثالثاً الباب مقفول بالمفتاح وماحدش هايشوفنا) .. تحرّكت قليلاً لتسند رأسها أسفل رقبته مما جعله يغمغم (ما تثبتي بقى خلينا نعرف ننام) .. ضحكت بعذوبة أذابت أعصابه ولم ترد فقال بتحذير طفيف (مريم! ، نامي ، أنا ماسك نفسي بالعافية) ..

-(تصبح على خير).. قالتها مُطبقة جفنيها

تنهدّ بعمق قائلاً (وانتِ من أهله) ....ولم يستغرقا سوى دقائق قليلة حتى غلبهما النُعاس ، مُستسلمين لدفء اللحظة بسكينة ، يرتديان أمومة عشق يسترهما من الشعر حتى أصابع القدم ، وسفينتهما التي هاجمها الطوفان ، وصلت أخيراً إلى اليابسة بأمان الله وسلامته

****************

Continue Reading

You'll Also Like

4.6K 159 12
حين يعند القدر معك ويجبرك على السير عكس توقعات قلبك ستكون بمأزق الحيرة إما التراجع أو الندم لكن هل سينصفك القدر ويرجع لك ما قد ضيعته بغباء شعورك وسرع...
975K 33.4K 40
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة
16.7K 319 5
قصه قصيره " صراع مع قلبي " لـ/ ساره عاصم لم اتمكن حتي من شُكرها علي ما فعلته , او التمتع بتلك اللحظات التي كانت تتمني ان نكون فيها سويا .. كانت تملئن...
255K 18.8K 35
روايه ذو طابع خاص فتاه ذات السادس عشر عاما تقع تحت ظلمته