عيون الريان (مكتملة)

By nellyelattar

885K 18.5K 1.6K

كانت في حبها ملاكاً وأنا لم أكن افلاطوناً كي لا أحلم بها بين ذراعيَّ More

المقدمة والفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
تنويه
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
طلب خاص
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
"جزء مالوش أي تلاتين لازمة"
الفصل السادس والعشرين
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثالث والثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون
الفصل الخامس والثلاثون
الغلاف وتواقيع الأبطال
🧡حبايبي متابعين التعديل🧡
إعلان روايتي الورقية الأولى
اقتباس من رواية وريث كايميرا
الفصل السابع والثلاثون
الفصل الثامن والثلاثون
سالخير عليكم 🤸‍♀️😅
الفصل التاسع والثلاثون
الفصل الأربعون
🙈عين الهِرّ🙈
الفصل الواحد والأربعون
اعتذار
🙂
الفصل الأخير
إعلان مهم ❤️
الخاتمة
شكر وامتنان ❤️
👋
💥حفلة توقيع وريث كايميرا💥
لينك الـ pdf ❤️
❤️
عيدكم مبارك ❤️
خادم الوشم
💔
تنويه مهم جداً

الفصل السادس والثلاثون

5.8K 179 22
By nellyelattar

(لم تفهميني البتة ، ولا أريد ذلك .. أريد فقط أن تفهمي أنني لا أحتاج إلا لأمزق نفسي ، وأنام جثة هامدة في حضنك الضيق)

-علي السليمان || القيثارة الملعونة-

*****************

القلب يعزف نبضاً مُغاير ، غير مفهوم .. ولا محسوس .. لاحزناً ، ولا فرحاً .. لا شيء سوى رَتابة تقتل في النفس أملها .. وسكون يقطعه صوت الخُطى الثابتة نحو الخارج .. وفجأة انتبه ريان لترنح رأس جده وسقوط العُكاز من يده فركض ازائه بهلع صارخاً (جدو) .. وعلى صرخته التفت كلاً من مريم وشقيقها مخضوضين وبدون تردد هَرْوَلَا عائدين والخوف يختلج صدريهما .. وبخبرته كطبيب أبعدهم جميعاً عنه وأمسك معصمه يتفحص نبضه ثم قال لأخته (هاتي شنطتي من العربية).. امتثلت لطلبه سريعاً والقلق يمزق قلبها ..

سأله سعد بفزع (هو ماله؟)

أجاب يوسف متناولاً حقيبته الطبية الإضافية التي يحملها دوماً معه في السيارة تحسباً لأي كشف منزلي طارئ من يد مريم (غيبوبة سُكر) .. وبحذر رفع أكمام سترة الحاج زين ليقيس ضغط الدم بواسطة الجهاز المُخصص لذلك .. تراجعت هي للخلف قليلاً ووقفت بجوار ريان والذي مد كفه ليحتوي خاصتها مخللاً أصابعه بين أصابعها وكأنه يطمئن روحه بوجودها وقال مُستفهماً بنبرة جاهد لتخرج مُتزنة (انت دكتور؟) ..

رمقه يوسف بنظرة جانبية ورد بسخرية (لا ميكانيكي) ..

سكت ريان مؤقتاً ضاغطاً على أصابع مريم فتأوهت بصوت خفيض وصل لمسامعه.. نظر إليها يهمس مُعتذراً بضيق (آسف ، أخوكِ مستفز) .. لكزته بخفة في جانبه تحذره بعينيها ليصمت .. بادلها نظراتها بأخرى مُغتاظة يزم شفتيه تعبيراً عن رغبته في ضرب هذا الـ .. الماذا؟ .. حقاً لا يجد له وصف.. وليستفيق جده الحبيب أولاً وسيأخد الحنق مجراه بينهما .. بينما أخرج يوسف الغافل عما يحدث ورائه حُقنة أنسولين ليعبأها، وبحرفية شديدة قام بغرسها في عضلة ذراع الجد الغائب عن الوعي .. ولم تمر إلا دقائق قليلة حتى بدء عقله يستجيب للإفاقة.. وببطء فرّق جفنيه وجدهم مُلتفين حوله ومعالم الخوف بادية على ملامحهم .. وبلسان ثقيل نطق (في إيه ياولاد؟) .. والمبادرة بالحديث كانت لزوجته الباكية تقول بعتاب طفيف (كده تخضنا يازين؟) ..

سارع ريان ليسنده كي يعتدل في جلسته يسأله بلهفة (حضرتك كويس؟)

ربت جده على كتفه قائلاً بضعف (كويس ياحبيبي ماتقلقش)

وقال يوسف مبتسماً (ألف سلامة عليك ياجدو)

أشار له الحاج زين بالاقتراب منه فأطاعه بترحيب وتفاجئ به يتكأ عليه لينهض قائلاً (تعالى وصلني أوضتي يا يوسف، عايزك في كلمتين لوحدنا) ..

انصاع يوسف لأمره باحترام وفي غضون لحظات قليلة كان الجد يجلس على فراشه وهو يتخذ مقعداً قَبالته .. تأمل الحاج زين هيئته المليحة ، وملامحه النابضة بالرجولة والوقار رغم صغر سنه بحنان وحنين كبير للذكريات والأيام التي جمعته بابنته الراحلة وقال (سبحان الله كأني شايف عبدالرحمن قاعد قصادي ، فعلاً اللي خلف ماماتش)

ابتسم يوسف قائلاً (الله يرحمه هو وأمي وماما ليلىٰ)

بادله الجد ابتسامته بأخرى ودودة (تعرف إن ليلىٰ كانت بتحبك ومتعلقة بيك أوي) .. صمت هُنيهة يقاوم إحساساً صعباً بافتقاد فلذة كبده وتابع بحسرة (أنا فاكر دموعها وحزنها يوم ما خالتك الله يسامحها خدتك منها)

أخفض يوسف بصره قائلاً بحزن (وانا والله كنت ومازلت بحبها وفاكرها بكل خير ، الله يرحمها ويحسن إليها زي ما أحسنت ليا)

تنهد الجد بعمق يستجمع رباطة جأشه ثم قال (انهاردة بنتي رجعت للحياة تاني ، وحسيت وانتم ماشيين ان حتة من قلبي ماشية معاكم) .. ربت بكفه المُجعد على وجنة شقيق حفيدته الذي يحتل مقام الحفيد الأكبر لديه إكراماً لوالده وأضاف (ماتحرمناش منكم يا يوسف) .. نظر له نظرة متسائلة بعدم فهم فأردف الحاج بتمني (انتم ليكم مين فالسويس؟ ، الحبايب كلهم راحوا، تعالوا جنب حبايبكم هنا يتونسوا بيكم وتتونسوا بيهم)

أدرك يوسف مقصده وقال بحيرة (بس انا عيادتي وحياتي كلها فالسويس ، ومراتي وابني كمان)

-(ماشاء الله انت اتجوزت وخلفت؟)

-(بعد عملية مريم على طول ، وربنا رزقني بعبدالرحمن الصغير)

-(ربنا يبارك لك فيه ياحبيبي) .. سكون مشحون بالتفكير من جانب يوسف ، والرجاء من جانب الجد زين قطعه الأخير بترقب (لو طلبت منك تسيب مريم معانا يومين ، هتوافق ولا هاترد طلبي؟)

تكلّم يوسف بحرج (انا بخاف على مريم أوي ، بالذات بعد اللي حصلها) .. أحس بالشفقة وضميره وخزه بشوكة التأنيب عندما لاحظ الحزن الذي ارتسم على ملامح الجد وأضاف مبتسماً (بالرغم يعني ان يومين كتير عليا والست هانم هاتوحشني ، بس مفيش حاجة تكتر على حضرتك)

تهللت أسارير الجد قائلاً (الله يجبر بخاطرك ويريح قلبك يابني)

استقام يوسف واقفاً ينظر في ساعة يده (للأسف الوقت اتأخر ومضطر امشي)

تبعه الجد مستنداً على عكازه قائلاً (بات معانا الليلة ، وسافر الصبح)

اعتذر بلباقة (مش هاينفع ، مرة تانية)

عانقه جده يودعه بمحبة كبيرة (الزيارة الجاية تكون مراتك معاك هي وعبدالرحمٰن الصغير)

شدد عناقه لثواني ثم ابتعد عنه برفق وأومأ بتقدير لمكانته (بإذن الله).. وقبل أن ينصرف كلياً قال له الحاج زين (فكر في كلامي يايوسف)

حرّك يوسف رأسه بموافقة وابتسامة صافية تُزين مُحيّاه المليح ثم خرج من الغرفة مُغلقاً الباب بهدوء .. ويبدو أن حديث الجد زين أصاب نقطة عميقة داخل قلبه وأزاح الغبار عن حقيقة مُستترة تحت قناع الصبر وتؤلمه أحياناً ، أحباب السويس جميعهم رحلوا ولم يعد لهم عائلة هناك سوى والدة أميرة وبعض أقاربها من الدرجة الثانية والثالثة ، وأسرتهم الصغيرة تحتاج لهذا الأُنْس الدافئ..وأثناء هبوطه الدرج بذهن مشغول وأفكار مُشتتة.. تفاجئ بوجود غير مُتَوَقع لريهام.. تباطأت خطواته شيئاً فشيئاً .. ينظر لأعلى تارةً ليتأكد أنه مازال بالقاهرة ولم يعد لبيته في الأربعين ، وتارة أخرى ينظر إليها بعقل مُطلسم وأعين متسائلة.. .. والأغرب وقفتها بجوار شاب لا يعرفه .. لم تعطه فرصة لأية استفسارات واقتربت منه تقول بتوتر (أنا حاولت اتصل بيك بس الخط ماكانش بيجمع)

أول ما خطر في باله أن يكون أصاب زوجته أو طفله مكروه وسألها بخوف (أميرة وعبدالرحمن حصلهم حاجة؟)

ابتلعت ريقها الجاف نافية (لا لا لا بعد الشر، هم كويسين)

رمقها باسترابة (فيه ايه ياريهام؟)

فركت أصابعها بارتباك (أصل ... أصل ..) .. توقفت عن الحديث فجأة متراجعة لتختبئ وراء كريم قائلة بتلعثم (هو اللي غصب عليا أسافر معاه)..

لكزها كريم بمرفقه يصك أسنانه بضيق (انتِ بتبيعيني؟!) .. ثم تنحنح ومد يده يصافحه مُعرّفا عن نفسه بتكلَّف (كريم الشرقاوي ، مهندس ، عندي 28سنة، مش متجوز ، ولا أعول ، وصاحب ريان الروح بالروح)

بادله يوسف المصافحة مُتعجباً (عايز ايه مش فاهم؟)

رد عليه كريم بتلقائية (اتجوز، عايز اتجوز)

سحب يوسف كفه رافعاً جانب شفته العلوية وسأله باستنكار (انت عبيط؟!)

كتمت ريهام ضحكتها فالتفت لها كريم يقول هازئاً (الله ، ده عسل ...)

قاطعه يوسف هادراً بصوت عالي (مين ده ياريهام؟!) ..

جاوبته بنبرة مرتجفة (كريم)

قال بحدة (ويطلع ايه الأستاذ كريم؟)

تدخل كريم يقول بتعابير مُستفزة (بشمهندس كريم لو سمحت) ..

أزاحه يوسف بجانب ذراعه متجاهلاً إياه ليواجه المُحتجبة خلفه قائلاً بلهجة آمرة (هاتي مريم وتعالي ورايا) ..أنهى كلماته بصرامة شديدة واتجه نحو غرفة الصالون الداخلية وجلس بتحفز يهز ساقه بعصبية ، ولم تمر سوى ثواني قليلة حتى دخلت عليه مُحتمية بمريم والتي لم تكن أقل خوفاً منها ، ولا أقل ذهولاً من شقيقها لمجيئها بهذا الشكل المُفاجئ

أرجع ظهره للخلف عاقداً ذراعيه يطالعهما بمقلتين محتقنتين بالغضب وقال (هاتفضلوا واقفين زي بكيزة وزغلول كده كتير ، اقعدي منك ليها)..

امتثلتا لأمره بصمت مُتوتر وجلستا متجاورتين على الأريكة المُقابلة لكرسيه مثل طفلتين مُذنبتين ، فبادر هو بفتح الحوار مباشرةً موجهاً اللوم لريهام (هو سؤال واحد وعايز له إجابة واضحة وصريحة عشان ما اكسرش دماغك حالاً ، مين الدبدوب اللي بره ده؟)

أجابته مُخفضة بصرها بخجل (ده كريم صاحب ريان)

طحن ضروسه بغيظ (ما انا عرفت إنه زفت صاحب قطران)

قالت مريم مستنكرة (يوسف! ، ماتقولش على ريان قطران)

رمقها شزراً (اخرسي انتِ ، بدل ما ارزعك باليد في وشك) ... قام من مكانه ليقف قِبالتهما متخصراً وتابع بانفعال (انا مش مالي عينيكم؟! ، واحدة من ساعة ماشافت الافندي بتاعها سايباه يحضنها ولا كأن فيه قفص قُرص اسمه اخوها قاعد ، والتانية جاية من السويس لحد هنا من غير إذن مع واحد شكله مخبوط في دماغه وهو صغير ، ايه؟ ، مالكوش كبير؟)

تحدثت ريهام مُدافعة عن نفسها (انا حاولت اكلمك والله بس....)

بَتَر جُملتها بعتاب (انتِ سيبتي أميرة وعبدالرحمٰن لوحدهم، مع إني موصيكِ عليهم قبل ما امشي ، شكراً ياريهام)

شعرت ريهام بضخامة خطأها وحاولت الاعتذار (ماتزعلش مني ، أنا آسفة) .. بينما أطرقت مريم برأسها لأسفل مُتحاشية التقاء عينيها الدامعة بعينيه الثائرة ، فحدجهما بخيبة أمل وقال (زعلي مش فارق معاكم أصلاً، وعامةً انا مسافر اطمن على مراتي وابني ، وخليكم هنا براحتكم) ..

لم تتحمل مريم ونهضت لتحتضنه بقوة قائلة (انا مش هاسيبك تسافر لوحدك)

جاهد يوسف بشق الأنفس ألا يبادلها العناق مُتعمداً القسوة وأبعدها عنه قائلاً بوجوم (جدك طلب مني تقعدي معاهم يومين ، أنا مش سايبك بمزاجي).. همّ بالتحرك ليغادر لكنها استوقفته باكية (وانا مش عايزة اقعد هنا ، خدني معاك) .. تداعت نظراته المُحتدة بعض الشئ ، وفي لحظة تلاشت قسوته الزائفة أمام دموعها.. تعرف جيداً أن قلبه ضعيف نحوها ومشاعر أخوته تتخطى عتبات الأبوة ، ويدللها دلال طفلته البكرية ويحبها أكثر من حياته فضمها إليه يمسد شعرها قائلاً بحنان رغم عبوسه (خلاص ماتعيطيش)

أسندت رأسها على كتفه وحُضنه الآمن ، ملجأها الٱدفأ على الإطلاق يلفها وقالت (حقك عليا، يارب أموت لو ما سامحتنيش)

زجرها ضارباً إياها على ذراعها (بعد الشر ، اوعي تقولي كده تاني)

رفعت أنظارها تطالعه ببراءة (يعني صافي يالبن؟)

أهداها ابتسامة حُلوة قائلاً (حليب ياقشطة) ..
بينما وقفت ريهام تعتذر بملامح نادمة (وانا كمان حقك عليا) ..

تأملها يوسف لثواني وندمها الواضح جلياً على تعابيرها جعله يرِقّ لأجلها ، ولا ينكر أبداً أن مكانتها لديه متساوية مع مكانة شقيقته ويعتبر نفسه المسئول الأول عنها ، ومحاسبته لها من باب المحبة والاحترام المُتبادل بينهما كإخوة جمعهما الإحسان والمعروف ، وتوطدت علاقتهما دون الحاجة لرابط دم...

-(الواد الملزق ده عايز منك إيه؟) .. سألها يوسف بحاجب مرفوع فأجابته ببسمة عريضة وهي تصفق بسعادة (عايز يتجوزني)

مسح وجهه براحته يحاول السيطرة على غيظه وقال (بالأصول يامتخلفة ، يتقدملك بالأصول ، ثم إنه عرف عنوان بيتنا منين؟)

تولت مريم الرد (من ريان)

ضم قبضتيه أمام وجهه يشعر بأنه سيُصاب بجلطة جرّاء تصرفاتهما الخرقاء وقال (هاتشل ، والله العظيم هاتشل ، منكم لله) ... استفسر رامقاً إياهاً بترقب (وريان عرف العنوان من مين؟)

وضعت مريم سبابتها بين أسنانها قائلة (مني، أنا اللي قولتله) .. أخرج إصبعها من فمها يلويه بغلِ مكتوم فتأوهت مستكملة (ماكنتش اعرف انه هايديه لكريم والله) .. تركها وأشار لهما بصمت ليعاودوا الجلوس مجدداً وتكلمت ريهام متوجسة (ممكن تسمعنا بهدوء؟)

أرجع ظهره للخلف مُشبكاً كفيه ببعضهما ساخراً (اتفضلي ، اتكلمي يا أستاذة)..

قاطعتهما مريم (قبل أي حاجة، أنا ماكنتش اعرف ان كريم وريهام بيحبوا بعض)

قال هازئاً (خليكِ في خيبتك واسكتي ، لحد ما نفهم الوكسة الجديدة بتاعت اختك) ..

تنحنحت ريهام بخفة وبدأت في شرح تفاصيل الأمر باستفاضة لكليهما، مؤكدة على أن علاقتها بكريم لم تكن بقوة علاقة مريم وريان، والموضوع بالفعل لم يتخطى الاعتراف بالحب ، وظنت أن كل شئ انتهى عقب حريق الدار ، لذلك فضلت التكتم وعدم الكلام عنه ..

سألها يوسف (والبيه ظروفه ايه ، غير انه مهندس وصاحب ريان؟)

جاوبت (والده ووالدته منفصلين من زمان، وعايش لوحده بقاله فترة كبيرة)

مط شفتيه بامتعاض (صايع يعني؟)

ردت سريعاً (لا مش صايع...)

أمرها بخشونة (اطلعي اندهيله) .. انصاعت لطلبه باستسلام وخرجت لتناديه وجدته يجلس برفقة ريان وسعد في الردهة المقابلة للصالون بعدما صعدت الجدة فاطمة لغرفة الجد زين حتى تطمئن عليه ...

-(يوسف عايزك) .. قالتها ريهام لكريم بأعصاب مضطربة فنهض من مكانه يُقلّب نظراته بين الجميع ، يستجدي منهم دعماً وكأنه سيخوض حرباً مع هولاكو .. وبإذعان تام تبعها نحو الداخل ثم لحق به صديقه ووالده .. اتخذ الكل مقاعدهم والمواجهة أصبحت حتمية الآن والأسبقية بالحديث كانت ليوسف الذي وجه كلماته المُبطنة بالتقريع لكريم (انت ماحدش علمك إن دخول بيوت الناس في غيابها عيب؟)

تَأَسَّفَ كريم (عندك حق بس انا والله غرضي مُحترم) .. اعتدل يوسف في جلسته واضعاً ساق فوق الأخرى يطالعه من أعلى لأسفل بتقييم فتابع هو بطريقة مسرحية (يسعدني ويشرفني ياعمي إني اطلب منك إيد.....) .. سكت يفكر في مسمى صلة القرابة التي تربطه بريهام وأضاف (صاحبة أختك الآنسة ريهام)

ضحكة خافتة أفلتت من ريان حاول كتمها لكنه لم يقدر مما جعل يوسف يحدجه بضيق قائلاً (أولاً أنا مش عمك ياظريف ، انت شكلك أكبر مني أساساً ، ثانياً ريهام أختي زيها زي مريم بالظبط)

رد كريم بمجاملة زائفة مجاهداً على عدم التهور وإشباعه ضرباً (يا افندم حضرتك كبير مقام)

انفجر ريان ضاحكاً رغماً عنه وقال (طبعاً ، حضرته هايكون حماك) ..

رمقه يوسف بتعابير ممتقعة متجاهلاً إياه وقال لكريم (والأستاذ كريم معاه ايه؟)

أجاب ريان هازئاً بإفيه شهير من أحد الأفلام العربية (128سماوي)

والضحك تلك المرة كان لكريم الذي تدارك الموقف قائلاً (بس ياريان ، ماتكلمش عمو كده) ...

مزاحهم السخيف واستهانتهم بالموقف لم يروقا ليوسف وتضايق بشدة فاستقام واقفاً يقول لريهام (انا ورايا سفر والوقت اتأخر ، لما الأستاذ يعرف يتكلم كلمتين جد ابقي ابعتيهولي السويس ، وهناك هاعرف ارفضه كويس) ... هم بالانصراف لكن سعد منعه قائلاً (استهدى بالله يا بني)

-(معلش ياخالو ، انا مش صغير عشان اقبل قلة الأدب اللي بتحصل دي ، ولو ريهام موافقة ماقدرش امنعها) ..

تبعته ريهام قائلة وهي ترمق كريم بغضب (مش موافقة يا يوسف ، وهارجع معاك بيتنا) .. أما مريم لحقت بأخيها تربت على ذراعه قائلة بأسف (وانا كمان هارجع معاك ، ماتزعلش نفسك ياحبيبي) ..
حانت منه نظرة جانبية شامتة ، مُتشفية إلى اللطيفين اللذان يراقبان مايحدث ، وأمارات السخط والغيرة ترتسم رسماً فوق وجهيهما ونطق كريم على مضض (أنا آسف)

واجهه يوسف عاقداً ذراعيه (قولي بقا كنت عايز ايه عشان مش فاكر؟)

بالكاد ألجم لسانه عن التلفظ بسُبّة نابية وقال بهدوء مصطنع (إيد ريهام)

قال مبتسماً بسماجة (إسمها الآنسة ريهام ، أنا لسه ما وافقتش)

حَبَسَ كريم زفرة مشتعلة هامساً لنفسه (اللهم طولك ياروح) ..

-(طلباتك) .. قالها بسيطرة صعبة على أعصابه

عاد يوسف لجلسته مرة أخرى وسأله (بتشتغل ايه؟)

-(مهندس)

-(عندك شقة؟)

-(آه وهاغيرها بواحدة أحسن بإذن الله)

-(أهلك فين؟)

-(أبويا وأمي منفصلين)

-(اشوفهم ، واتعرف عليهم)

-(أكيد هايتشرفوا بيك)

صمت مشحون بالتفكير ران عليهم لبُرهة قطعه يوسف بجدية بالغة (ريهام يتيمة ، وأنا أخوها الكبير ، هاتحطها في عينيك هاشيل جزمتك فوق دماغي ، هاتزعلها هاشيل الجزمة من فوق دماغي واديك بيها على دماغك)

استشعر كريم مدى رجولته رغم جُملته المُحذرة وسعادة خفية تسللت لقلبه لوجوده في حياة ريهام .. يعطيها قيمة حقيقية ويساندها ويدعمها دعم أخوي وقال بنبرة صادقة (ريهام أغلى عندي من نفسي ، واوعدك اني عمري ما هازعلها أبداً)

أضاف يوسف (نيجي بقا للماديات ، جو بنشتري راجل وفض المجالس ده مابياكلش معايا ، انا ماعرفكش أصلاً ومابثقش في حد غير نفسي) .. أطرق للحظات يستقرأ ردة فعله وتابع (حقوق أختي هاتتكتب في وصولات أمانة بالتراضي ، والشبكة اللي هاتشاور عليها هاتيجي بدون مناقشة، تمام؟)

أيده كريم مُحركاً رأسه بموافقة (تمام)

تَوَسَّم يوسف خيراً فيه وإحساس بالارتياح نحوه بدء يختلج صدره وقال (احنا ماعندناش خطوبة، سِلو عيلتنا بنكتب الكتاب على طول، موافق؟)

أومأ كريم بفرحة كبير (موافق)

نقل يوسف بصره لريهام يسألها (عندك أي شروط ياعروسة؟)

أجابت ريهام باستحياء (عندي شرط واحد بس) .. سكتت هُنيهة تستجمع أفكارها واستطردت (أنا عايزة نطلع عمرة بعد كتب الكتاب بدل الفرح) ..

رد عليها كريم (وايه المشكلة لما نعمل فرح ونطلع عمرة برضه؟)

حَاوَرته بألم خفي (عشان خاطري ياكريم ، بلاش فرح كفاية العُمرة) ..

-(حاضر ياحبيبتي ، زي ما انتِ عايزة).. قالها كريم بحزن لحزنها ، يدرك سبب عدم رغبتها في إقامة حفل زفاف دون أن تصرِّح به .. جرحها لفقد أطفال الدار ومربيتها الغالية مازال ينزف وهو يراه رؤيا العين مهما حاولت مداراته ، وربما زيارتها للبيت الحرام تخفف عنها ولو قليلاً ..

-(نقرا الفاتحة؟) .. سؤال هادئ وجهه يوسف لريهام مُبتسماً .. بادلته ابتسامته بأخرى ممتنة وأعطته الإجابة راضية ، سعيدة ، وفخورة بنفسها وبه ، تقسم باللذي خلقهما وجمّعهما صدفة دون ميعاد أنه لها نِعم الأخ والسند ، وأن الشقيق شقيق روح ، وهو خير مثال على ذلك .. وبكفوف مُرتفعة وقلوب فَرِحة تمت قراءة الفاتحة وسط جو عائلي مُبهج.. غير مُكتمل لكنه جميل، وتلقى العروسين المُباركات وتزامن احتضان مريم لريهام مع احتضان كريم لريان والذي أهداها نظرة جمَّع خلالها كل حبه واشتياقه ولسان حاله ينطق (العُقبى لنا يانور عيون ريان) .. فردت إليه نظرته بأخرى رقيقة ، خجلة ، راجية فى صمتٍ لايُدركهُ ثغرُ ولا يخطر على قلب عاشق إلا هما ..

_(كتب الكتاب الخميس الجاي)... قراراً قاطعاً نطقه يوسف واستقام ليقف استعداداً للمغادرة ثم استأذن بتهذيب مُيمماً مقصده للخارج .. لم تتركه شقيقته حتى باب البيت ، تحاوط جذعه بحنان ، في لقطة عفوية أثارت غيرة ريان ، جاهد ليضبط مشاعره كي لا يرتكب حماقة ليست بمحلها .. لكنه ظل يراقبهما من بعيد، وقدرته على استيعاب وجود رجل غيره في حياة مريم تتضائل ، وإحساس غليان الدماء داخل رأسه يغالبه وبالكاد يسيطر عليه.. وكعادته المتأصلة بصفاته فضحته عيونه فحدجه أبوه باستغراب متسائلاً (مالك ياريان؟) .. عض جانب فمه ولم يرد وساقه تهتز لا إرادياً بعصبية ، فأضاف سعد بتعجب أكبر عندما أدرك سبب احتقان تعابيره (مش معقول..)

قاطعه ريان بضيق (آه غيران)

خبط سعد كفيه ببعضهما ضاحكاً (ده اخوها يا لا يا اهبل انت)

زفر ريان بغضب (ماعرفش بقا ، هو كده) .. تعالت ضحكات سعد أكثر على منظره ، فآثر الانسحاب وصعد لغرفته بفكر مُشوش إلى حد مؤلم ، يعلم أنه أخاها ، وغيرته منه لا تحمل ذرة منطق ، وصراعه مع عواطفه المتناقضة أشد رعباً مما يتخيل ، شعوره يشبه بلاد آمنة احتلها غريب تآلف مع أهلها ، فأصبح المُحتل أهم من الوطن وتحول الغريب لأقرب الأقربين ، وسيحتاج وقت طويل ليعتاد ويفهم أن يوسف لم يكن غريباً يوماً ... "يوسف" هو البلاد المنهوبة من الأساس ورُدت إليه أمانته بعد عناء .. بينما كانت مريم تقف أمام شقيقها عابسة والحزن يعتلي ملامحها فداعب وجنتها قائلاً (حبيب قلب أخوه زعلان ليه؟)

ابتلعت مريم غصة بكاء احتلت جوفها وقالت بصوت مهزوز (عشان هاتوحشني)

ضمها يوسف لأحضانه يقبل رأسها قائلاً (وانتِ كمان هاتوحشيني أوي) ...أبعدها عنه قليلاً يحتوي وجهها بين راحتيه مُردفاً (بإذن الله مش هاتأخر عليكِ)

ارتعشت ملامحها بتأثر (سوق بالراحة وأول ما توصل طمني)

أومأ لها موافقاً وقال يوصيها (خدي بالك من نفسك)... عانقها مجدداً ، عناق طويل ، واستودعها الله لينصرف مُستقلاً سيارته ، عائداً لمدينته وبيته .. وزوجته وولده .. تاركاً إياها مُجبراً وعلى عينه ، وكلام الجد زين عن نقل حياتهم إلى العاصمة مازال يطن بأذنيه ، ويدور في تفكيره دوران الطواحين ......

*****************

في طرف آخر/

طلبت الجدة فاطمة من نجاة فتح غرفة ليلىٰ رحمها الله وتجهيزها من أجل مريم وصديقتها، وعلى نحوٍ طارئ اضطر كريم للانتقال إلى غرفة ريان مستغنياً عن غرفته لسعد نظراً لبقائه في منزل والده تجنباً لمواجهة زوجته ، ورغبته في عدم التواجد معها بمكان واحد حتى يتمم إجراءات الطلاق كما قرر ، وبينما كان الجميع داخل غرفهم ظلت مريم في الأسفل تتصل بيوسف بين الفينة والأخرى وتتابع وصوله للسويس لحظة بلحظة ، وأخيراً وبعد وقت ليس بقليل اطمأنت أنه دخل بيته سالماً وارتاح قلبها .. وأثناء صعودها الدرج أحست بألم يختلج صدرها.. وعدم وجود شقيقها بجوارها جعلها تشعر بحالة من الحزن والكآبة فجلست مكانها مطأطأة الرأس ، تغالب دموعها بصعوبة ، وتود لو تسافر إليه في التو واللحظة وتعانقه وتخبره أنها تائهة مثل طفلة صغيرة بدونه ، وتحبه كثيراً ولا تتحمل افتراقها عنه ولو ليوم واحد .. غير منتبهة للواقف أعلى السُلم يراقب جلستها بأعين يختلط الحب فيها بالشوق و.. والخذلان .. لم يستطع منع نفسه من الاقتراب والجلوس بجوارها مُبتلعاً غصة لا يدرك كُنهها لكنها تنغرس بحلقه كشوكة غليظة..

-(اطمنتي على أخوكِ؟)... سألها ريان بهدوء ظاهري فأجابته بإيماءة صامتة دون النظر إليه ... ساد صمتاً مُختنقاً بينهما لدقائق قطعته هي بنبرة مهزوزة (أول مرة يوسف يسيبني لوحدي)

الكلمة أوجعته وكأنها ضربت قلبه بحجر ثقيل.. مليحته لم تعد تنتمي له وحده ، وأصبحت تخص غيره كما تخصه ، وتصرّح له بلامبالاة أنها تشعر بالوحدة في حَضرته

-(بس انتِ مش لوحدك هنا) .. قالها بأعلى درجات ضبط النفس وصوته يرتجف قليلاً

مالت لتستند برأسها على جدار الدرج الخشبي ولا تعلم لماذا رغبت في الحديث عن يوسف بهذا الشكل العاطفي فقالت (أخويا ده أعظم إنسان شافته عينيا ، لو قعدت اتكلم عنه وعن حنيته عمري كله مش هايكفي) .. سكتت هُنيهة وأضافت مبتسمة بوَجل (ساب دنيته ووقف حياته ونسي نفسه عشان يدور عليا ، وبعد ما لقاني عمل معايا اللي مفيش بني آدم ممكن يعمله فالدنيا.....)

بَتَر حديثها بضيق (ربنا يخليكم لبعض) ... ثم نهض متجهاً نحو الحديقة بعصبية استغربتها..لحقت به تستكشف سر انفعاله المفاجئ ، المُبالغ فيه من وجهة نظرها، وجدته يشعل سيجارة وملامحه لوحة غضب عتيقة ، نافثاً الدخان في الهواء كمن ينفث احتراق نفسه

-(انت بتشرب سجاير ياريان؟) .. تسائلت بتعجب

أجابها مُدعياً عدم الاهتمام (آه ، عادي)

تقدّمت خطوتين لتواجهه قائلة باستياء (هو ايه اللي عادي؟ .. )

لم يدعها تستكمل جملتها هادراً (عادي يامريم ، عادي زي ما كل حاجة بقيت عادي)

رفرفت بأهدابها قائلة بتوجس (انت متضايق ليه؟)

زفر بقوة (مش متضايق)

أمسكت مرفقه تدقق النظر في وجهه تسأله (حبيبي؟.. انا عملت حاجة زعلتك؟)

جذب ذراعه منها يجيبها بحدة بالغة (أنا مش حبيبك) .. شهقت بصدمة من رد فعله فعاجلها بكلمات مُشتعلة (ولا انتِ مريم حبيبتي)..همست بإسمه ودموعها توخز جفنيها لكنه أضاف بأعصاب مُهتاجة (مريم حبيبتي ماكانش ليها حد غير ريان) .. تسارعت أنفاسه جرّاء توتره واستطرد بقهر (مريم بتاعت زمان مفيش حضن فالدنيا كان بيساعها غير حُضن ريان) .. استوقفها عندما حاولت الحديث (يوسف خد مكاني ، وعمل معاكِ اللي المفروض كنت اعمله انا، وانتِ مبسوطة) .. ألقى السيجارة ليطفأها تحت حذائه هازئاً (حقك ، أخوكِ ، حقيقة لازم اتقبلها ببساطة ، عشان أنا استاهل يتداس على قلبي واسكت)

تكلّمت بتلعثم طفيف (أبداً والله ، انت فاهم غلط)

تأملها للحظات يجاهد على ألا يحتضنها وأردف (عارفة؟! ، أنا حبيتك أكتر من نفسي ، حبيتك زيادة عن اللزوم ، وانتِ ماحبيتينيش) .. منعها من الدفاع عن نفسها مستكملاً يعد على أصابعه بصوت مُرتفع (اتخليتِ عنّي بسهولة ، وما افتكرتيش لحظة حلوة عيشناها مع بعض ، ولا وثقتي فيا ، ولا اديتيني فرصة اقابلك ، وافهم منك سبتيني ليه) .. أخفض بصره مُتمالكاً ذاته أمامها كي لايبكي وقال باختناق (ماصعبتش عليكِ ، وخلعتي قلبي بإيدك سنتين ، سنتين بتجلد ليل نهار لحد ماضهري اتقسم نصين وبتحايل عالموت عشان ارتاح ، غرّبتيني سنتين ياظالمة ، مانمتش فيهم يوم من غير مُهدئ ، وانهاردة حاسة بالوحدة عشان يوسف سافر وسابك؟ ، انتِ جيبتِ الجحود ده كله منين؟)

توسلته برجاء (ممكن تهدى وتسمعني؟)

نظر لها بخيبة أمل (هاتقولي ايه؟)

بادرت بعناقه ، تضمه إليها ضمة شديدة مُتحدثة بصدق (هاقول اني ماليش حد غير ريان ، ومفيش حضن بيساعني غير حضن ريان، ومفيش مخلوق يقدر ياخد مكان ريان)

أحاطها بذراعيه وحنانه يهزم ألمه قائلاً (أنا غيران يامريم ، غيران غيرة أب شاف بنته متعلقة في رقبة راجل تاني) .. أطبق جفنيه متنهداً (مشاعر المسئولية كانت دايماً بتحرّكني ناحيتك أكتر من الحب ، وحازز في نفسي إنك شيّلتي مسئوليتك لأب غيري وانا لسه على وش الدنيا)..

جاوبته بحزن (وانت عارف إنه غصب عني، وإذا كنت بحب يوسف قيراط ، فانا بحبك انت فدان) ..

إقرارها بعشقها له جعله يتأوه بخفة وراحة قائلاً (عايزك يتيمة من كل الناس إلا أنا ، تسميها أنانية ، تسميها نرجسية، سميها زي ما تسميها ، ده حالي في حبك ، ومش هاقدر اتأقلم مع وضع تاني)

ابتعدت عنه قليلاً مُستطردة بلهجة مُبطنة بالتقريع رافعة حاجبها (عالأقل يوسف أخويا ، الدور والباقي عالبيه اللي كان هايتجوز بنت خالته بجد)

رفعت حاجب واحد فرفع اثنين وقال بتحذير (بلاش نفتح الكلام في الموضوع ده عشان تفاصيله بتوجع وهاتزعلك) ..

أخفت غيرتها بابتسامة مُتوعدة قائلة (أنا جعانة)

رد عليها ومُقلتيه تطوفان على تقاسيمها الحُلوة (وانا كمان) .. تفحّص الساعة في هاتفه وسألها مُقترحاً (تاكلي شاورمة؟)

وافقته بسعادة (ياريت)

حثّها على التحرك ليخرجا سوياً رغم تأخر الوقت.. لم يعطها فرصة للاعتراض ممارساً حقه في فرض هيمنته عليها ، وفتح لها باب سيارته لتستقلها بجواره كما كانت تعتاد قبل الفراق واتخذ هو مقعده خلف المقود ، وقام بتشغيل الكاسيت على أغنية يحبها وصار يسمعها كثيراً خاصةً عقب علمه ببقائها على قيد الحياة ، ثم انطلق وصوت المُطرب العذب يعبر شغاف قلبيهما شادياً (يسعد صباحك ياللى هاجرنى ، يسعد مساك لو كنت فاكرنى ، خليك هاجرنى بس افتكرني انا روحى فيك) .. تلقائياً امتد كفه ليحتوي خاصتها ثم رفعه عند شفتيه يطبع قبلة عميقة فوق باطنه والأغنية تنثر الحب عليهما كالمطر الهَتون (الله يفرح قلبك حن عليا ، الله يريح بالك فكر فيا ، وارحم عينيا من الحيرة ديا) .. عفوياً جذبها لتستند برأسها على كتفه وأنامله تداعب خصلاتها الناعمة يردد مع الأغنية بحِسٍّ رقيق (سهران أعد نجوم الليل ، ومع النسيم ببعت، ببعت مراسيل ، مراسيل الهوى وكلام الهوى) .. شاركته مريم الغناء مُبتسمة أجمل ابتساماتها (بصحى وبنام ومفيش في عيني غير صورتك ، وماليش كلام أنا وقلبى إلا فى سيرتك ، يسعد أوقاتك ، كل حياتك فكر فيا ، حن عليا) .. تَطَلُّع إليها مُتَوَسَِّمَاً بأحداقه في مَلاحَتها.. فِتنتها طاغية ، وطلتها بَهية بشكل لا يوصف وحُسنها مازال خُرافياً .. وكأن الأرض اختصرت بَهْجَتها كلها داخل وجهها الصغير الذي لا يتعدى حجم كف اليد ، وبدون قصد منها تعذبه بمقدار جمالها صعب المَنال ، فيعشقها بمقدار ما يتعذب ولا ينال ..وبعد وقت ليس بقليل توقف قِبالة أحد مطاعم الوجبات السريعة ليجلب لها طعامها المُفضل ، يتذكر جيداً أنها تحب شطائر شاورما الدجاج المصرية مع مشروب غازي بنكهة البُرتقال .. انتظر حتى أنهى البائع طلبه واستلمه منه ودفع الحساب ليعود للسيارة مجدداً .. ابتعد مسافة لا بأس بها تحديداً عند نُقطة مُعينة على (كورنيش النيل) .. نفس المكان الذي شهد اعترافهما الأول بالحب.. ترجل بهدوء واختار أحد المقاعد الحجرية الهادئة المتراصة أمام مياه النهر الخالد وجلس يدفئ كفيه الباردين في جيوب معطفه ، فتبعته تحمل كيس الطعام وقَعَدَت بجواره واضعة إياه بينهما ..

-(ريان!) .. نداء خافت همسته بحلاوة نبرتها متسائلة بلطافة مُحببة لقلبه (مش هتأكلني زي زمان؟) .. أغمضت عينيها ، تزَمَّ شفتيها بذقن مرفوع قليلاً، راسمة تعبير منتهى اللذة والطفولة على ملامحها ..

افترّ ثغره ببسمة تقطُر حباً وأخرج شطيرة وبدء بإطعامها مثلما كان يفعل سابقاً وقال (من عيوني ياحبيبي)

قالت برجاء (كُل معايا).... أطاعها بترحيب ، تارة يأكل وتارة أخرى يؤكلّها ويتعمد قطم الشطيرة من مكان لثمها ، وكأنه يستطعم شهد شفتيها .. فتح المياه الغازية يشرب ويسقيها وهكذا بالتداول حتى انتهى الطعام ولملم الأكياس الفارغة وألقاها في سلة المُهملات ، وعاود الجلوس بجانبها.. تأبطت مريم ذراعه ونامت على كتفه في صمت قطعه هو بهدوء (أنا بحب المكان ده أوي)

سألته هامسة (ليه؟)

أجاب بشهيق عميق (أول مرة أقولك بحبك صريحة كانت هنا)

-(روحي متلخبطة وشكلي كده والله أعلم بحبك) .. جملة قالها كتصريح بعشقها وصك ملكية طوق قلبها به أعادتها مريم على مسامعه فانفرج فاهه بمفاجئة (لسه فاكرة؟)

خللت أصابعها بين أصابعه قائلة بمشاعر فياضة (عمري مانسيت كلامك ، انت كنت بتنقش تفاصيلك جوه روحي) ... سكتت هُنيهة تُطالعه بأعين مُعجبة واستكملت (كل حاجة في حياتي اتغيرت ، مكان إقامتي ، وهويتي ، وإسمي ، حتى عينيا فتحت ، وفضلت انت الحقيقة الوحيدة الثابتة ، وسط كل الوهم اللي عشته أكتر من عشرين سنة) .. وضعت يدها على شقه الأيسر تلمس موضع نبضه تكرر كلمات قالها لها في اعترافه الأول بالحب ومازالت تذكرها لكنها نطقتها بصيغتها (انت داري ياريان ، والحمدلله إن ربنا ردني ليك سالمة) .. خصلة من شعرها حرّكها الهواء لامست وجهه فأزاحتها بأناملها مُضيفة (كلهم بيوت ، انت لوحدك وطن مريم) ..وفي تلك اللحظة حنوها ملأ فراغ عامين كاملين وعوضه عن قسوة فراقها ، وتعابيرها البريئة أصلحت ما أفسده العالم في قلبه .. نعومةُ صوتها تتجسد بهيئة أنثى ذات رَوْنَق وَضّاء .. يود ممارسة الحب معها تحت نُدف الثلج ، أَوَرأيتم رجل يتوق لمطارحة صوت ، مجرد صوت الغرام من قبل؟! .. هكذا كان شعوره الآن

-(غنيلي) .. قالها بزفرة محمومة وقدرته على ضبط رغبته بإشباعها تقبيلاً تتلاشى فامتثلت لأمره وسَكَنت برأسها على صدره تحديداً أسفل عنقه وغرّدت كعصفورة تحمل في حنجرتها أوتار كمان وقصبة ناي رائعة مُؤَثَّلة من روائع كوكب الشرق "أم كلثوم" (كان لك معايا أجمل حكاية في العمر كله ، سنين بحالها مافات جمالها على حب قبله ، سنين ومرت ، زي الثواني في حبك انت) ... رفعت أنظارها تُغازله بمقلتيها وتغني (وان كنت اقدر ، احب تاني هاحبك انت) .. كرّرت نفس المقطع بمشاكسة (سنين ومرت ، زي الثواني في حبك انت ، وان كنت اقدر ، احب تاني هاحبك انت) ..

-(وان كنت أقدر أحب تاني هاحبك انت) .. همسها بتنهيدة مُغرمة بها يمرر إبهامه برقة على وجنتها راسماً قلب يخترقه سهم الحب ..

مدت مريم يدها داخل جيبه وأخرجت عُلبة السجائر ، أفرغتها على الأرض وقامت بخلع ورقة القصدير الفضية التي تبطن جوانبها وطوتها بشكل طولي ثم لفتها دائرة وأمسكت بنصره الأيمن وألبستها له فسألها مُتعجباً مما تفعل (بتعملي ايه؟)

ردت عليه مُبتسمة ببَشَاشَة (بخطبك) .. ضحك فأنارت ضحكته دروب الليل المُظلمة .. اتسعت ابتسامتها أكثر وقالت (تتجوزني ياجميل؟) .. تعالت ضحكاته فرفرفت بأهدابها تقول بعبوس طفولي مصطنع (اتجوزني وهاطبخلك) .. استمر ريان في الضحك لتردف (بصراحة انا مش بعرف اطبخ ، اقولك اتجوزني وهاعملك اندومي)

أجابها من وسط ضحكاته (ياستي هابقى اطلب ديليڤري بس اتجوزك) .. اِجْتَذَبَها ليقرّبها منه مُتابعاً وعينيه لا تحيد عن مبسمها (وبعدين طبيخ ايه اللي هاتجوزك عشانه ياهبلة ، انتِ مش هاتدخلي المطبخ أصلاً أول خمس سنين فالجواز)

استفسرت بعدم فهم (ليه؟)

قال غامزاً (مش هاتبقي فاضية غير ليا بس)

لكزته في كتفه شاهقة بخضة (ياقليل الأدب) .. ثم نهضت من مكانها سريعاً تسير على رصيف الكورنيش الفارغ من البشر لتأخر الوقت بخطوات راكضة فلحق بها هاتفاً (رايحة فين يامجنونة) ... عَجَّلَت من مشيتها مُلوحة ولم تستجب له .. تتبعها يناديها بقلق لوجودهما في الشارع (مريم ، هاتفرجي الناس علينا) ..

*****************

Continue Reading

You'll Also Like

70.1K 1K 46
تخيلته في عقلهاا كثيراا... وشاركته الرؤيا في منامهما... لمعت عينيها في ظل حبه .....ونبض لهاا قلبه كنواقيس..... تشاركوا الاحداث.... دون علم ايااا منهم...
16.7K 319 5
قصه قصيره " صراع مع قلبي " لـ/ ساره عاصم لم اتمكن حتي من شُكرها علي ما فعلته , او التمتع بتلك اللحظات التي كانت تتمني ان نكون فيها سويا .. كانت تملئن...
441K 23.5K 53
روايه لا تعلم من احداثها شىء سوى انك تريد ان تعلم ماذا حدث لهذا الرجل مغتصب الفتيات الصغيرات بكل قوه وعنف وتهتك وفي الاخير يضع لهم السم في داخل العسل...
3.8M 57.8K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...