جنون المطر للكاتبة برد المشاع...

By BlackButterfly002

25.6K 359 36

More

١
٢
٣
٤
٥
٦
٧
٨
٩
١٠
١١
١٢
١٣
١٤
١٥
١٦
١٧
١٨
١٩
٢٠
٢١
٢٢
٢٤

٢٣

3.5K 27 13
By BlackButterfly002

الفصل الثالث والعشرون



المدخل ~~

بقلم / طموحه ولكن (أميمه راجح)

حبيبتي شرسة

كقطة ناعمة تبدو لطيفة وجميلة ورقيقة وهادئة هكذا هي كنانة قبل أن تقع في شراكي وتصبح حبيبتي قبل أن تحدثني عيناها بالخذلان الذي تظنه فيني والذي بسببه تحولت لقطة شرسة تكشر عن أنيابها وتتباهى بمخالبها تسعى لتمزيق ما أسعى أنا لبنائه وأنا لها لتلك الجميلة الشرسة أنا لها لتعود من جديد فراشة رقيقة وقوية كتلك التي قابلتني في المطار أول مره مبتسمة أنا لها وسأنتصر حتما وستكون هدية انتصاري قبلة تشبهها وحدها.

*********

كانت أنفاسها المتلاحقة وحدها ماعبّر عن النار المشتعلة بداخلها

ذاك الحين وهي تقف أمام الاحتفال المعد من أجلها ودون

علمها ...!! لا بل كان ثمة دليل آخر أقسى من ذلك وهو شعور

الانكسار الذي بدا جلياً في عينيها وما هي متأكدة من أنه لم

يستطع قراءته أحد غير الواقف هناك ومن كان منذ ساعات قليلة

فقط يسخر منها وبكل بساطة وهو يقدم عرضه المسرحي ذاك

ليوهمها مجدداً بما لم يكن الواقع ! ألهذا هو هنا بل وهؤلاء

جميعهم ؟ ألأجل هذا أخّرها مديرها هناك متعمدا ؟ بل ومكالمة

ماريه .. ؟! زيارة ساندرين ..؟! هل كانت تُحاك مكيدة ما حولهما

هما الاثنتين وبكل غباء أوقعت كل واحدة منهما الأخرى فيها ؟

فرواح بالتأكيد كان يعلم بأن ساندرين ستفكر في الهرب من الحفل

ولكي يتجنب أن يذهب ولا يجدها فيه جعل منها الطعم لتحضرها

له بقدميها بينما يكسب الجميع وقتاً بإبعادها هي عن هنا

وخصوصاً ذاك الذي تركته في المطار وهي تغادر ...

أهذه إحدى طرقه الجديدة لإذلالها ؟ لما لم يأتي هنا رأساً ويجعلها

مفاجأة لها بالفعل دون أن يتخذ ذاك الأسلوب في إذلالها

والاستهزاء بها لترفض خاتمه ثم تلبسه هنا مرغمة دون أي

رفض لتناقض نفسها مجدداً ولتثبت له مرة أخرى بأنها ليست

سيدة قراراتها كما سبق واتهمها في وجهها لتقف أمامه الآن

موقف البلهاء .

شدت قبضتيها بقوة ونظراتها تتبع الذي تحرك من هناك ناحيتهما

ولم يكن سوى رواح فلم تستطع منع نفسها من النظر لعينيه

بعتاب وخيبة أمل لكنه وكالعادة قابل نظرتها تلك بابتسامته

المشاكسة رافعاً كتفيه فهدفه لم يكن هي على أي حال بل التي

أمسكها من يدها قبل أن تفكر فعلياً في الخروج والفرار كما

تخطط .... لكنه أيضاً لم يغادر المكان قبل أن يهمس لها مبتسماً

ويده تقبض بقوة على رسغ التي لازالت تحاول باستماته

الفكاك منه

" كنانة الرجل لا يتمسك بامرأة ترفضه إن لم يكن يعنيه أمرها

فعلا فليس ثمة من يسمح بهدر كرامته ولأي سبب كان إن لم يكن

حقيقياً وموجوداً "

دس بعدها صندوقاً مخملياً مستطيل الشكل في يدها وتابع بصوت

مرتفع قليلا وهو يخرج بالتي أصبح كتفاها أيضاً في قبضة

ذراعه القوية

" سننتظركم هناك فثمة حفل آخر في انتظاركم "

وغادر تاركاً خلفه ضجيجاً من نوع مختلف لم يكن في رأسها

وأذنيها فقط بل ومن الموجودين هناك جميعهم وعبارات التهاني

والتصفيق تتداخل وذاك الجسد الطويل المغطى ببدلة الطيران

الزرقاء يتجه نحوها حتى وقف بجانبها مواجهاً للجميع وتخللت

أصابعه الطويلة القوية كفها الرقيق الناعم مروراً بأصابعها وشد

عليها بتملك ذكوري فطري جعل تلك الرجفة تسري في جسدها

بأكمله ابتداءً من كفها البارد الناعم وصولا لقلبها المنفعل بجنون

وتقدم بها نحو الداخل حيث استقبلتها كل تلك التبريكات والتهنئات

بل والقبلات من الحضور الأنثوي الطاغي على الموجودين هناك

وتلك اليد لازالت تتمسك بها حتى كانت في مواجهة من امتلأت

عيناها بالدموع ما أن أصبحت تقف أمامهم وهم عائلتها ...

والداها الحبيبان وتلك النظرة والابتسامة في عينيهما المحبة

وصولا لشقيقها الوحيد وهي ترى نظرة الفخر في عينيه فهو

شخص آخر وقع في تأثير ابن شقيقة مطر شاهين بالتأكيد ...

دموع اعتقد كل واحد منهم بالتأكيد بأنها دموع الفرح ليس فقط

بمفاجأتهم التي يفترض بأنها رائعة في نظرها بل وبالواقف

بجانبها وهو يجعل ارتباطهما رسميا هكذا وبحضور جميع من

تربطهم بهم صلة هنا حتى زملائها في عملها .. لكن الواقع عكس

ذلك تماماً فما تحمله بداخلها قلب مكسور ومشاعر مشتتة تائهة

بين كرامتها المجروحة وولائها لعائلتها وذاك الغبي الموجود

بداخلها ينبض بجنون كلما اقترب منها هذا الرجل أو لمحته

من بعيد .

وكان دور والدتها حينها لتقترب منها وحضنتها بقوة وشاركتها

هي ذاك الحضن رغم رفض ذاك المتمسك بيدها أن يتركها لتكتفي

بيد واحدة فقط وخرج صوت والدتها الحنون مختلطاً بعبرة بكاء

" مبارك لك يا كنانة .... مبارك بنيتي الغالية "

وخانتها هي الكلمات حينها كما الدموع التي ملأت عينيها محدقة

بعيني والدتها ما أن ابعدت عنها وهمست بخفوت وصوت مبحوح

" لما لم تخبروني أمي ؟ "

قالت التي مسحت عينيها بمنديل أخرجته من جيب بلوزتها

" غيهم من أرادها مفاجأة لك فما كنت أبداً لأختار أن نحتفل

وأنت بثيابك التي تخرجين بها لعملك "

وتابعت بابتسامة تخللت ملامحها الدامعة

" كما أن حماتك كانت تصر على حفل كبير في أحد الفنادق وأن

تحضره هي وزوجها ما أن تتناسب الظروف مع أعماله لكننا

رفضنا أن تهتم بكل تلك الشكليات التي لا تعني كلينا في شيء

فجميعنا يعلم بظروف عمل زوجها "

كانت تنظر لها بصدمة لم تجاهد لإخفائها .. أكل هذا كان يحدث

في الخفاء ولا تعلم !

كانت تلاحظ أنه ثمة اتصالات كثيرة تجري بين والدتها ووالدته

لكنها لم تتخيل للحظة أن يكون حفل الخطوبة السبب ؟

ولما يهتمون بهذا أساساً ولما يجب أن يكون ثمة حفل خطوبة

فلا ضرورة لذلك فهو ليس حفلا لزواجهما !!

تحركت كالمنومة مغناطيسياً مع حركته وهو يتوجه بها ناحية

الطاولة الطويلة التي كانت تتوسط المكان حتى أن والدها

وشقيقها لم يهنئانها كما فعلت والدتها !!

وصل بها لطرف الطاولة التي تحلق حولها الجميع وسحبت يده

الأخرى هدية رواح من يدها الحرة ووضعها حيث هدايا الجيران

وزملائها عند المكان المخصص لها من طاولتهم المليئة بالأطعمة

تلك وتعالى التصفيق وعبارات التهنئة حين ترك يدها وأخرج تلك

العلبة ذاتها من جيب سترته وأخرج الخاتم منها ورفع يدها له

يقفان تحديداً أمام الكعكة الضخمة والتي كم تمنت لحظتها أن رمت

خاتمه وهو في علبته عليها بل وأن رمتها على الأرض وغادرت

جهة غرفتها وتركتهم جميعاً وكل هذا الحفل لتريه قبلهم حقيقته

لكن الأمر الوحيد الذي لازال يمنعها هم عائلتها ... لا تستطيع

فعلها فقط بسببهم ومن أجلهم بل وفعلت كل ما فعلته سابقاً وما

اتهمها بأنها السبب فيه من أجلهما .. لكن حتى متى سيستمر

هذا ! كم ستهدر من كرامتها أمامه من أجل الجميع ؟

كانت لتفعلها بالفعل حينها وقد تنقبض أناملها لا إرادياً رفضاً

لارتداء ذاك الطوق الوهمي لولا أن منعتها الصدمة التالية التي

كانت في انتظارها وهو يرفع يدها اليسرى ويدس خاتمه في

خنصرها أمام التصفيق وعبارات التهاني من المحيطين بهما ...

خطوبة !! لا ليس هذا ما كانت تتوقع فخواتم الخطوبة لا يتم

ارتدائها في هذه اليد ! وما أن رفعت نظراتها المصدومة لعينيه

التفت أصابعه حول يدها ورفعها لشفتيه وقبّلها ونظراته لم تفارق

عينيها تزين شفتيه تلك الابتسامة التي تخبرها دائما بأنها حمقاء

مغفلة وساذجة بل ومدعاة للسخرية قبل الشفقة .. بينما همس

مبعداً يدها ببطء

" كنت هناك لأضعه في إصبعك الآخر ثم نحتفل هنا بنقله ليدك

هذه لكنك لم تسطيعي منحي ثقتك يوماً وتفسدين الأمر دائماً "

قالت وهي تسحب يدها منه

" لا لم يكن ذاك غرضك أبداً... "

لكن عبارتها الخاوية الميتة تلك لم تجعل ابتسامته تتغير كما لم

يعلق عليها ولا بإنكار الأمر بل ما فعله حينها أن انحنى ناحيتها

وطبع قبلة رقيقة طويلة على وجنتها جعلت عيناها تغمضان مع

انسحاب أنفاسها القوية لصدرها كما جعلت التصفيق الحار من

حولهما يزداد أكثر ، ولم ينتهي العبث بأعصابها كما مشاعرها

عند ذاك الحد وشفتاه تنتقل من وجنتها لأذنها وهمس فيها

" زوجتي ... لي وحدي يا كنانة "

*
*
*

استدارت قبضتاه حول الطرف العلوي للمقود قبل أن تنزلقا إلى

وسطه وأداره دورة كاملة متخذاً الطريق المؤدي فوراً لمدينة

بريستول وحيث وجهتهما الأساسية لتبدأ تلك السيارة الفاخرة

بمسابقة الريح على الطريق المفتوح والمحفوف بالأشجار

والشجيرات ، وعلى الرغم من توجيه كامل انتباهه للطريق أمامه

وهو يقود كعادته إلا أن عيناه لم تغفل لحظة الجالسة في الكرسي

المجاور له والتي لم يعد يمكنه فعلياً تصنيفها من أي نوع من

النساء تكون بعد أن قامت بتقييمه وبكل جرأة عند الجسر !!

لازال لا يظهر له من ملامحها الكثير فلازالت تتمسك بقلنسوة

قميصها الطويل الفاخر كما تتمسك بصمتها منذ أن غادرا لندن !

انحرف نظره ناحية ساقيها ما أن مالت بجسدها ومدت أصابعها

لحذائها ذو الكعب العريض المرتفع ومررت سبابتها ببطء بين

حزامه وبين قدمها وكأنها منزعجة من وجوده أو غير معتادة

عليه !! وما أن استوت جالسة مجدداً أدار مقلتيه بعيداً عنها

للطريق أمامه مجدداً لكنها سرعان ما عادت وسرقت نظراته

الجانبية لها وهي تنزع النظارات السوداء عن عينيها تخرجها

من تحت قبعتها التي لازالت تحجب أغلب ملامحها عنه وما أن

أدارتها بيد واحدة لتغلقها وصله بوضوح همسها الشاتم بلغة لم

يفهمها فقد كسرت تلك النظارة الفاخرة على ما يبدو وهي

تعاملها كأي قطعة أخرى رخيصة الثمن متناسية أنها تختلف عن

مثيلاتها حتى في طريقة فتحها وطيها !! وهذا مؤشر آخر على

أنها لا تستخدم هذه الأشياء الفاخرة أو لا تحبها فما يجبرها على

ارتدائها إذاً إن كانت لا تعلم أساساً بوجهتهما وبأنه لن يأخذها

لمكان غير منزله ! أم أنها وصلت لدرجة من البذخ المسرف

الذي يجعلها لا تهتم حتى بالمحافظة على شيء بسيط كهذا ؟

ولم يستطع منع عينيه بل وجانب وجهه من الانحراف ناحيتها ما

أن مررت تلك النظارة بين يديها بسرعة خاطفة ثم ... اختفت !!

لم تضعها في جيبها ولم تقع منها فأين ذهبت بها !.

أبعد نظره ووجهه عنها وتفس نفساً عميقاً وهو يعود بنظره

وتركيزه للطريق أمامه فمراقبته لتحركاتها الساذجة تلك لن تعطيه

أي انطباعات حمقاء عنها يكفيه ما تحصل عليه حتى الآن فهي

على الأقل لا تبدو بصفات تلك المجنونة التي تركها خلفه وأولها

لا تذمر ولا كثرة حديث فتلك الغيسانة كانت تجعله وبكل بساطة

يفقد تركيزه ما أن تبدأ كلماتها بالانزلاق مع عجلات سيارته ولا

تتوقف إلا بتوقفها وإن تدمرت من الطقس الصباحي !

" أيمكنني استخدام هاتفي قليلا ؟ "

انحرفت مقلتاه مجدداً ناحية ذاك التمثال الأنثوي الرشيق والمغطى

بقماش أزرق فاخر في أول خروج لها من صمتها المبهم ذاك ولم

يستطع منع نفسه من التحديق فيها باستغراب وإن كانت لا تراه

ولم تنظر ناحيته ولم يرى من ملامحها شيئاً فهل بالفعل كان

يلزمها أن تطلب الإذن لذلك ! هل تخشى مثلا أن تزعجه إن هي

تحدثت بهاتفها ....!!

لا يبدو له أنها من ذاك النوع بتاتاً ! ما عرفه من النساء في

عالمه عدد محدود جداً أو لنقل أنواع محددة فزوجته السابقة

كانت امرأة بسيطة لا تحمل أي تعقيدات .. كانت تلك التي يتمناها

الرجل المماثل لها في كل شيء تهتم بملابسه بطعامه بأن ينام في

هدوء وسكينة وأن يستيقظ نشيطاً في الصباح ليجد ذاك الطعام

الساخن الذي تعده بنفسها في انتظاره ولا يراها وهو يخرج لأنها

بالطبع تغسل كل تلك الأطباق .. لتستقبله مساءً بذات المشهد

الصباحي وذاك روتينهما لكل يوم ، ورغم كل ذلك أحبها ...

تعلق قلبه المليء بالألم والهموم بها ..

لا يعلم لأنها قبلت به وهو ابن الهازان المحكوم عليه بالموت

والمتهم بالخيانة كما جميع من تسري ذات دمائه في عروقهم

أم لأنها كانت من واسى لحظات ضعفه القليلة التي انهارت فيها

عزيمته كرجل صمد أمام كل ذلك ؟

أم لأنها امتلكت ما يتمناه أي رجل في امرأة تشاركه مضجعه ..

فتية جميلة حسناء ما كان ليستطيع أي ناظر لها أن يجد فيها

عيباً واحداً ....؟

أم لأن كل ذلك اجتمع فيها وزاده أن وهبته الابن الذي ما كان

لابن راكان أن يسمح له بالحصول عليه لأنه سيُصلب وبكل

بساطة على مرأى من الجميع كما حدث مع باقي أفراد

عائلته ....؟
وانتقالا من تلك المرأة التي آلمه موتها كألم ابتعاده عنها وعن

ابنه مجبراً ليجد نفسه مع واحدة أخرى تقتحم عالمه وإن كان

برباط مزيف تختلف عن تلك كل الاختلاف بل النقيض تماما ..

منحلة كاذبة منافقة ومراوغة ... بل ولا يمكنه أساساً حصر

أو جمع عيوبها تلك التي تمثلت في امرأة تسير على الأرض

تجعلك لا ترى مع كل ذلك أياً من مزاياها الخارجية كامرأة بل

تنجح وببراعة في جعلك تراها كأبشع امرأة في الوجود ....

ومنها انتقالا لهذه الجالسة بقربه الآن ! من لازال يجهل من

تكون منهما وأين يتم تصنيفها بينهما تحديداً ؟

وما أقسى أن تجد نفسك في غيسانة أخرى يا شاهر !! .

لم يستطع منع ذاك الهواء الذي خرج كزفير قوي من صدره

العريض فلن يتخيل نفسه أبداً بين اثنتين من تلك المرأة ...

على شقيق تلك أن يجد لها حلا يكفيه هذا اللغز القابع بجواره

حالياً بما أنها لم تختفي من واقعه كما كان يتخيل فشرط مطر كان

ومنذ البداية أن ذاك العقد مرتبط برأي الطفلات ما أن يكبرن ومن

رفضت من وجدته زوجاً لها ألغي العقد فوراً حتى إن لم تكن تعلم

هويته ، وإن كان العكس فهو ملزم بالحفاظ على أمانته تلك حتى

يموت وهذه لم يتخلص منها بذاك السبب الذي وحدها لها الخيار

فيه ولم ترفضه ما أن كبرت إذا ..... !!

لو يفهم فقط كيف جعله ذاك المدعو مطر شاهين يوافق حينها !

هل حزنه على زوجته وابنه السبب ؟

أم لأنه لم ينظر للأمر سوى من جانب إنساني وبأنه سينتهي

في وقت ما ولن تقبل تلك الطفلة القاصر بأن ترتبط مستقبلا

برجل لا يفصلها عن ابنه سوى أعوام فقط ؟

أم لأنه كان يحتاج وقتها بأن يشعر بأنه أقوى مما بات عليه ؟

بأن يُشبع غريزته الحمائية ذاك الوقت وكأنه يغطي شعوره

بالعجز عن إنقاذ عائلته الصغيرة تلك مما آلت إليه بإنقاذ تلك

الطفلة التي لا يعرفها وكأنه يثبت لنفسه بأنه لازال الرجل

الشريف القوي في نظر نفسه ؟ .

أبعد نظره عن يديها والهاتف الذي تديره بين أناملها البيضاء

الرشيقة لازالت تنتظر جوابه الذي امتد بطول أفكاره تلك

وتمتم بهدوء

" يمكنك فعل ذلك بالتأكيد "

كان بذلك اختصر عليها وعلى نفسه تكرار ذلك مستقبلا لكن

تقليبها لهاتفها الأنثوي التفاصيل استمر لبضع لحظات قبل أن

ترفعه قليلا لمستوى نظرها واختارت سريعا ما تبحث عنه قبل

أن تدسه تحت قبعة سترتها ووصله صوتها المنخفض الحازم

بعض الشيء

" أجل .. هذه أنا ..

كيف تسير الأمور لديك ؟ "

فرفع حاجبه يرمقها بطرف عينيه ... جميل هذا يبدو رجل من

تتحدث معه !!

أم أنها امرأة من في الطرف الآخر ؟

لا ويتحادثان هكذا ومن دون مقدمات ولا ترحيب !

بل ومن في الطرف الآخر يبدو أن سؤالها ذاك لم يرق له فقد

قالت وبعد تنهيدة عميقة

" لا .. لا يمكنني التراجع الآن "

" نعم ... "

" لا .. ليس بعد ... "

" سأحاول ... "

" وداعا الآن سنتحدث فيما بعد "

وهكذا انتهت تلك المكالمة القصيرة الغامضة الوجهة والهوية

فتنهد بعمق وأولى الطريق وقيادته كل اهتمامه فلازال أمامهما
وقت طويل ليصلا .

*
*
*

رغم احتجاجها ورفضها ومحاولاتها لينزلها ولا يصل بها حيث

اشقائها كما فهمت إلا أنه لم يرضخ وسار مجتازا بها حديقة

المنزل الواسعة حتى ظهرت لها الأنوار الكثيفة الموزعة في كل

مكان وصولاً للأشجار التي التفت حولها وكأن النجوم نزلت من

السماء مما جعل تلك الحديقة تسبح في نور قوي يشبه ضوء

النهار ! ولم تفهم تحديداً ما هذا الذي يخططون له في هذا الوقت

من اليل !! وما أن أصبحا وسط تلك الكور الصغيرة المضيئة

والمعلقة في الهواء ظهر لها ما هما قادمان من أجله بالتأكيد

وهي المنصة الخشبية المرتفعة والمثبتة بالأرض ترتفع من

زواياها أعمدة مرتفعة تلتف حولها أسلاك مضيئة تجتمع فوقها

كقبة ملونة وتعلوها طاولة بيضاوية كبيرة تبدو وزعت عليها

الأطباق وملحقاتها وصولا للكؤوس الطويلة اللامعة كما حاملات

الشموع والأزهار الموزعة في باقات جميلة ومنسقة يجلس

حولها أشقائها .. رماح ، رعد وزوجته ، الكاسر .. والذين

استدارت رؤوسهم نحوهما فور اقترابه بها وابتسامة السعادة

تنير تلك الوجوه المحببة لها .

وما أن دارت حولهما التي تبعتهما من الداخل والتي كانت تسير

خلفهما ولم تكن سوى ابنتهما وقف وأنزلها ذراعه لازالت تحيط

بخصرها واقفة ملتصقة به فحضنتهما من فورها وقالت بسعادة

وعيناها الجميلتان تدمعان فرحاً

" مبارك لكما .... كم أنا سعيدة بهذا "

وتابعت ما أن ابتعدت تمسح عينيها ودموعها بظهر كفها ناظرة

لهما يبتسمان لها

" لا يضاهي سعادتي الآن سوى معرفتي سابقاً بأنكما لا زلتما

زوجان "

فضحك الذي اشتدت أصابعه على ذاك الخصر النحيل قائلا

" ولا بيوم رأيتها ؟ "

فنظرت له بصدمة قبل أن تتحول نظرتها للتوبيخ ضاربة بقبضتها

في الهواء تنظر له بعبوس فضحك ولم يعلق وانفتحت عيناها

بصدمة وقد شعرت حينها بشيء ما دفعها للخلف مبعداً إياها

يشدها من ظهر ثوبها ولم يكن سوى الكاسر الذي وقف مكانها

أمامهما ونظر لتلك التي كانت أقرب له ممن أنجبته يحدق في

عينيها بعينين دامعة وهمس بتأني

" حقاً أمي سيكون لي شقيق ؟ أريد أن أسمعها منك تحديداً "

رفعت يدها لوجهه وامتلأت عيناها بالدموع وأناملها تلامس

بشرته التي شعرت بملمسها ذاك في أول مرة رأته وعرفته فيها

ناعمة دافئة وهو بين يديها رضيعاً حديث ولادة فأمسكها بيده

يحضنها لوجهه بقوة وقال بصوت منخفض ضعيف تخنقه عبرة

بكاء مكتوم

" قولي نعم أمي فلن يهب لي ذلك أحد غيرك "

شدته لحضنها وحضنته بقوة وقبلت رأسه تغمض عينيها التي

تقاطرت منها الدموع رغماً عنها فالكاسر أكثر من كانت تخشى

ردة فعله بسبب هذا الحمل كخوفها حين عادت ابنتها وهو من

ليس له والدة غيرها ولا ابن لها غيره لكنه خان توقعاتها

ومخاوفها في الحالتين ويبدو بالفعل جل ما يعنيه أن يكون له

عائلة .. أم وأب وأشقاء ولن يستطيع أحد غيرها أن يهب له

ذلك كما قال .

أبعدته عنها وأمسكت بوجهه تمسح الدموع من رموشه بإبهاميها

هامسة ببحة وابتسامة صغيرة رقيقة كسرت حزن عينيها الدامعة

" وماذا إن كانت فتاة أخرى ؟ "

فابتسمت ملامحه الرجولية التي بدأت تكتسب تلك الصفات للتو

وقال بصوت مشابه

" لا يهم فسيأتي شقيقها فيما بعد "

فاختلطت ضحكتها الصغيرة الخجولة بضحكات من يجلسون

حول الطاولة وما أن صفقت تيما بيديها تنوي قول شيء ما

حتى ارتفعت الأبصار جميعها للسماء السوداء حين تعالت تلك

الأصوات المتلاحقة بانفجارات قوية مع الأضواء الملونة التي

اخترقت سوادها القاتم وتصاعدت أصوات كما اضواء ودخان

الألعاب النارية المتسابقة لها من كل مكان بعضها يبدو قريباً

جداً والبعض الآخر قد يصل حتى منتصف المدينة وكأنها تتباعد

بتدريج مقصود لتكون لوحة فنية رائعة أضاءت في تلك الأحداق

المحدقة بها عاليا كما أضاءت في تلك السماء العالية سوى من

تلك النظرات الرجولية التي تعلقت بعيني الواقفة ملاصقة له

وكأنه لا يرى شيئاً غيرها ! وما أن عاد للسماء سوادها الساكن

واستدارت ناحيته حتى ابتسم وأمسك وجهها وقبّل جبينها وشدها

لحضنه بقوة هامساً في أذنها

" أهكذا تتركيني آخر من يعلم ؟ "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وهمست أيضاً ترتسم على شفتيها

ابتسامة جانبية

" بل أنت كنت تعلم قبلهم جميعاً "

وسرعان ما استدارت ناحية الصوت الذي ظهر من خلف

الشجيرات القريبة المنسقة والأشجار المحيطة بها ... صوت

رجولي حانق ميزته سريعاً وصاحبه يظهر من هناك قائلاً

" حتى متى عليا أن أنتظر ؟ يبدو أنكم نسيتم أمري تماماً "

فابتسمت من فورها والدموع تملأ عينيها السوداء الواسعة

هامسة

" أبي ....!! "

وركضت نحوه من فورها مغادرة تلك المنصة الخشبية لم تنتبه

أو لم تهتم ولا بالذي كان يقف بجانبه وخرج من حيث خرج هو

ونامت في حضنه تحيط خصره بذراعيها بقوة وحضنها هو من

فوره ما أن همست متمتمه

" اشتقت لك أبي "

قبّل رأسها وقال مبتسماً

" إن كنت تشتاقين لي بالفعل ما تركت المنزل وابنتك معك

متناسيتان العجوز الوحيد المسكين "

فابتعدت عنه ونظرت لعينيه وتاهت الحروف من شفتيها تمسح

جفنيها والدموع العالقة في رموشها بظهر سبابتها المثنية تنظر

له باعتذار وخجل فأمسك وجهها وقبل جبينها ونظر لعينيها

هامساً بابتسامة

" أعلم يا غسق وأعذرك أيضا بنيتي "

فنامت في حضنه مجدداً ليتخلل تلك اللحظات التي أحزنت جميع

العيون المحدقة بهما صوت الواقف بجانبه والذي وصل لحظة

وصوله ولم يكن سوى شقيقه صقر والذي قال مبتسماً بحزن

" هل لي بالقليل من هذا يا غسق ؟ "

ابتعدت حينها عن حضن والدها ونظرت له وقد فرد ذراعيه لها

قائلا بابتسامة دافئة

" هل لوالدك الثالث من مكان في قلبك المسامح ؟ "

فابتسمت بحزن وعينان دامعة واقتربت منه بخطوات بطيئة

وكأنها تسحب قدميها سحباً ونامت في حضنه مغمضة عينيها

الدامعة تشعر بذراعيه تطوقانها بقوة وقبّل رأسها هامسا

" سامحيني يا غسق فما كان الأمر بيدنا جميعاً "

ابتعدت حينها عن حضنه تنظر للأرض تمسح عيناها بظهر كفها

متجنبة الخوض في أي حديث يخص الأمر فلازال جرحها من

إخفائهم نسبها عنها عميقاً ونازفاً وإن غفرت لهم ولا تريد

التحدث عنه كي لا تَجرح أحداً وأولهم الذي اقترب منها حينها

وطوقت ذراعه كتفيها ومن كانت تقف بقربه حين كانت أعلى

المنصة وقد قال مبتسماً بثقة رجولية يشدها بذراعه بتملك

" هذه لا تخص أيا منكم الليلة "

وسار بها جهة المنصة المضاءة حتى أطراف أرضيتها في مشهد

من الخيال وصعد بها وجلسا حيث جلس الجميع ... جميع أفراد

عائلتيها أو الموجود منهم ... رماح ، رعد وزوجته ، الكاسر

والجالس يبتسم لها عند الطرف الآخر للطاولة ، والدها خالها

صقر وابنتها ... طفلتها التي لم ترى السعادة تشع من عينيها منذ

رأتها كما الآن ... عمتها وحدها من لم تكن هناك ولها أن تفهم

السبب بل ولن تتوقع منها غير ذلك .

أنزلت رأسها ونظرها لأطراف المفرش الحريري الفاخر الذي كان

يغطي الطاولة البيضاوية الطويلة تزينه خيوط ذهبية في نقوش

تصاعدت مع قماشه الناعم في شكل أوراق وأزهار صغيرة رائعة

التصميم لكنها سرعان ما تلاشت أمام الدموع التي ملأت حدقتيها

الواسعة وغابت تماما عما حولها أو ما حول تلك الطاولة

المضاءة بالشموع الموزعة في حاملات مذهبة وأنيقة التفت

حولها مجموعة كراسي عالية الظهر مشغولة بإتقان .. ولا

لكلمات رماح حين قال بما لا يشبه المزاح أبداً مقارنة بملامحه

المتجهمة ناظرا لأحدهم تحديدا

" عليك في الغد أن تقدم تبريراً مقنعاً لشعبك حول هذا الاحتفال

المضيء والتاريخ لا يمد للمناسبات الوطنية بأي صلة !! "

فكانت الضحكات المتفرقة ردة فعل الجميع تقريبا بينما اكتفى

المعني بالأمر بالابتسام دون تعليق ليتولى رعد زمام الأمور

وهو يمد ذراعه على الكرسي بجواره والذي تحتله زوجته وقال

بابتسامة ماكرة ينظر لذات الهدف

" هذا وهي حامل فقط فما ستفعل حين ستلد ؟ أخشى أن يكون

احتفالا بالقذائف والصواريخ ؟ "

واختلطت ضحكته الرجولية بنهاية جملته من قبل أن يكملها وكان

التعليق هذه المرة من مطر حين قال ببرود ناظرا لعينيه الساخرة

" بالتأكيد ولك أنت خصيصا سنشحن دبابة روسية الصنع "

فامتزجت نظراته المصدومة بالضحكات المكتومة والتي ما أطلق

عنانها سوى الشهقة التي صدرت من زوجته والجالسة بجانبه

ليتحول اللون الخفيف في وجنتيها لأحمر قاني وهي تنزل رأسها

لأسفل بإحراج جعلها تتمنى وبأمل كسير أن ينقذ أحدهم الموقف

بل أن ينقدها هي مغيراً مسار دفة الحديث لآخر لكن ذلك لم يحدث

أبداً والجالس بجوارها يلف ذراعه حول كتفيها قائلا بضحكة

" حسنا لا مانع لدي فثمة من سيتلقى قذيفتها عني على

ما يبدو "

فنظرت له بصدمة وتحركت في مكانها مبعدة ذراعه عنها وتمتمت

هامسة بضيق

" هذا بدلا من أن تخجل من نفسك ! انظر كيف احتفل بحملها ؟

هذا وليس طفلهما الأول ! "

وحدقت فيه بصدمة حين قال بصوت سمعه الجميع

" يا ناكرة ! ومن هذا الذي جاب بك المنزل يحملك بوزنك

الثقيل هذا ؟ "

واختلطت ضحكة الكاسر تحديداً والمرتفعة بالتعليقات المتفرقة بل

وبالعرق الذي شعرت به يتصبب من كامل جسدها تتمنى وقتها أن

تختفي فقط من ذاك المكان وجاءها المنقذ حين قال صقر مبتسما

" أنت إذا الثنانية التي تزوجها ابن شراع ؟ لقد أثرت صخباً كبيراً

حتى أن البعض كان يكذب الخبر "

قال الكاسر بضحكة وقد لف يديه وشبك أصابعه خلف رأسه

وهو يرفعه

" بل التي فرت من مدن ثنان ودخلت أراضي صنوان لتقع في

أيدي المتمردين ودُفعت اليرموك مهراً لها ! ... ذاك ما كان يجب

أن يثير الضجة الأكبر "

فكانت الضحكة التالية نسائية رقيقة صدرت من الجالسة بجانبه

وهي تدير حدقتيها الزرقاء الواسعة قبل أن تسقط على ضحيتها

وقالت برقة مزجت البسمة مع التسلية

" أبي لا تنسى بأنك قدمت مدينتين كمهور واستثنيت ابنتك

حين زوجتها "

فابتسم لها وقال

" يمكنك طلب المهر الذي تريدينه وعليه أن ينفذ "

فرفعت قبضتها قائلة بحماس " يسسسس "

قبل أن تضع أناملها على شفتيها بابتسامة محرجة لم تخلو من

المرح تنقل نظرها بين الأعين الباسمة المحدقة بها وكان التعلق

من جدها الذي نظر لها بطرف عينيه مكتفا ذراعيه لصدره

وقال ببرود

" أعان الله الرجل عليك "

فرفعت كتفيها بضحكة صغيرة وقالت

" لن أكون أقل قدراً من والدتي ولن يكون بأقل كرماً

من والدي "

قال حينها الكاسر بضحكة

" أخشى أن تطلب آخر إصدار من لعبة ألكترونية نزلت

الأسواق "

فرمقته بحنق بينما قال رعد ضاحكاً

" لا تسخر من التي أوقعته صريعاً في حبها فهي طفلة

أمامك فقط "

فخرجت شهقتها دون استئذان تنظر له بصدمة واختلطت

الضحكات بالأحاديث المتفرقة مجدداً وكأن كل واحد منهم انصب

اهتمامه بالجالس بجواره فقط في عالم خاص بهما وفي أجواء

عائلية تمنى كل واحد منهم أن كانت منذ وقت طويل بل وأن تمتد

للأبد .. باستثناء التي كانت لاتزال نظراتها المشبعة بالدموع

الصامتة بل والسجينة بين تلك الأهداب الطويلة تسرح في عالم

بعيد كل البعد عن ذلك تفرك كفيها وأناملها الناعمة ببعضها

فوق الطاولة تحتها وكأنها تعتصر ألماً يصعب عليها إخراجه بل

وكتمانه أكثر من ذلك ..أمر لم يكن ليخفى عن الجالس ملاصقاً لها

والذي التزم الصمت مثلها أغلب الوقت .. بل والذي ما أن نظر

ناحيتها ولنصف وجهها المقابل له أحاطت ذراعه بكتفيها وأحنى

رأسه ليصبح وجهه في مستوى وجهها وهمس برقة رجولية

متأنية

" غسق ... علينا أن ننظر لما نكسبه لا لما نفقده فقط فتلك

حكمة الخالق في الأرض "

وما أن اكتشف أن كلماته تلك لم تزد الأمر إلا سوءا وأول قطرة

تنزلق من وموشها السوداء الكثيفة الناعمة لتستقر على كفيها

المشدودان ببعضهما تنهد بعمق مغمضاً عينيه ورفع يده الأخرى

لتحضن أصابعها الطويلة جانب وجهه وضمها لكتفه بقوة وقبل

رأسها بعمق ليعم الصمت تلك الأجواء حينها وانتقلت الأنظار

جميعها نحوهما وقد عاد لهمسه الخافت تمسح إبهامه الدموع من

رموشها

" انظري لما تكسبينه يا غسق ... أنا نفسي كلما تذكرت والدتي

التي لم أراها يوماً ووالدي الذي فقدته حين أصبحت كما أراد

دائماً صرفت أفكاري عن الماضي للحاضر وما أن أفكر فقط في

أنك أنت وابنتي موجودتان في هذا العالم أشعر بالرضى والاكتفاء

فعليك أن تنظري أنت لها وللكاسر لتعلمي بأن الله يهبنا مثلما

يأخذ منا "

ارتفعت أناملها ليده التي لازالت تعانق بأناملها وجنتها برقة

والتفت أصابعها حولها بقوة جعلته يشد عليها أيضا وهو يرفعها

لشفتيه ويقبّل ظهر كفها قبل أن يحررها فوقفت حينها وغادرت

منصتهم الخشبية المضيئة تلك بل والمكان بأكمله في صمت

حتى لم يعد يُرى من ذاك الجسد الأنثوي الرشيق شيء ليزداد

ذاك الصمت الذي غلف المكان المليء بالضحك والأحاديث منذ

قليل وكأنها غادرت جميعها معها حاملة ضحكاتهم وصخبهم !

وكان أول رد فعل قد صدر من التي دفعت كرسيها للخلف قليلا

لتقف لولا أوقفها الصوت الرجولي العميق الآمر والذي لم يكن

صاحبه سوى رماح

" اجلسي يا تيما ... عليها أن تكون لوحدها الآن "

ففهمت الرسالة من فورها وهي تعود للجلوس بحزن فهؤلاء

الرجال تربوا معها وعرفوها أكثر منها وكانوا على حق دائما في

نهيها عن اللحاق بها .. لكنها أرادت فقط أن تطمئن عليها ولن

تجعلها تشعر بوجودها ولتفهم على الأقل سبب حزنها ودموعها

تلك ! رفعت نظراتها الحزينة بوالدها تحديداً والجالس عند رأس

الطاولة وامتزجت الحيرة بذاك الحزن العميق في عينيها وهي

تراقب نظراته الساكنة المحدقة في الفراغ ومن كان وضعه مثلهم

تماماً لم يفكر ولا في اللحاق بها وتساءلت عما حدث وما الذي

همس به لها وإن كان .....؟

ولم يتأخر الجواب عنها أكثر من ذلك منقذاً إياها من دوامة

تساؤلاتها حين اخترق صوت رعد العميق الخشن صمت الأجواء

وكأنه يوجه حديثه لشخص معين في تلك المجموعة بينما نظره

يهيم للبعيد بشرود حزين

" غسق لم ولن تستطيع تخطي ذكرى وفاة والدي وبأنها فقدته

للأبد ولا الكاسر من قبله ... ليس لأننا لم نحاول بل لأن قلبها

وعقلها يرفضان ذلك "

فنظرت له بحزن وملأت الدموع الدافئة عينيها فها هم يثبتون لها

مجددا بأنها آخر شخص يمكنه فهمها دون توضيح ...!!

وانتقلت نظراتها سريعاً لشخص معين وهو جدها دجى ومن كان

حديث رعد يعنيه بكل تأكيد ولم تستطع قراءة شيء في نظراته

المركزة على حركة إبهامه على مقبض الشوكة الفضية اللامعة

المستقرة على الطاولة تحته ضمن المجموعة المرتبة بأناقة

عليها فقد كانت تلك النظرة مشوشة غامضة لم ترى فيها الغضب

ولا التفهم ولا أي شيء يمكن قراءته !

بينما أضاف رماح بذات النبرة العميقة التي لم يجاهد لإخفاء

لمحة الحزن فيها

" هي لم تستطع تخطي فقدها لزوجها وابنتها مهما امتدت

الأعوام ... ذاك وهما ضمن الأحياء فكيف بمن لم يعد لهم وجود

سوى في قلبها المذبوح ! "

ليغشى الحزن ذاك المكان أكثر كما الصمت الكئيب وكان التعليق

من صقر والذي قال بهدوء مبدداً كل تلك الشكوك يوزع نظراته

بين رماح ورعد

" حسناً .... لا عليكما يا أبناء شراع أنتما لستما ملزمان

بتوضيح الأمر له ودجى لا يفكر فيما تعتقدانه مطلقاً "

لتتحول أغلب تلك النظرات المحدقة به للصدمة وإن لم يكن كذلك

فالاستغراب كان فريستها بسبب تصريحه أو توضيحه المباشر

هكذا وكأنه يرفع الرسميات عن جلسة تجتمع فيها أسرة مشتتة

من أعوام طويلة .....!

أو ليست الحقيقة كذلك ؟

سؤال جال في تلك العقول جميعها فلما يحتاجون بالفعل لتزيين

العبارات وتنميقها خشية قسوة حقيقتها ؟

لكن ما يجول بذاك الرأس لم يكن ليعرفه أحد كصاحبه والذي

خرج من صمته المبهم أخيراً وهو يرفع بصره للبعيد حيث

تشابكات أوراق الشجيرات الخضراء اللامعة تحت الأضواء تملأ

الأحواض المنسقة وقد قال بهدوء ناقض قسوة كلماته عليه قبلهم

" لا أنكر قَطعاً بأن شعور الغيرة تملكني ولأعوام وما كان ذاك

بإرادتي فوالدكم هو الرجل الوحيد الذي امتلك كل ما فقدته وعشت

محروماً منه وحيداً منفياً وبعيداً عن كل شيء وتيما كانت الشيء

الوحيد الذي ملأ تلك الهوة فيما بعد فوحدها الشيء الذي كان

سيكون له وصار لي .... أنا لم أكره شراع صنوان يوماً لكني

نظرت له فقط كما ينظر كل واحد منكم لمن يمتك ما هو ملك

له ويتمناه ويعيش محروماً منه "

كانت عباراته تلك كالضرب بالسياط بالنسبة للجميع مما جعل

الأعين جميعها تحدق فيه وبصمت بينما من حاول تبديد كل ذلك

كان وبكل تأكيد الكاسر والذي قال متعمداً وبابتسامة واسعة

وبحماس

" أجل يا إلهي .... حين كنت صغيراً رفضت والدتي أن تشتري

لي دارجة كانت تعرض في واجهة أحد المحلات والتي كانت

تسحر عيون الأطفال جميعهم بينما يعجز أباءهم عن دفع ثمنها

وكانت حجتها بأن التباهي بهذه الأشياء أمام من هم أقل منا

جريمة بشعة وحين فوجئت يوماً باختفائها من واجهة ذاك المحل

اصبت بإحباط مريع لكن المفاجأة لم تكن هناك بل أن من امتلكها

كان يدرس في ذات مدرستي ليستخدمها وسيلة نقله المفضلة ....

كنت كلما رأيته تمنيت أن يقع من عليها ويموت "

شهقة تيما المكتومة كان ما أيقظه من سبات حديثه المسترسل

عن ذكرياته التعيسة كما يسميها ويتهم أكثر شخص يحبه في

التسبب فيها ذات الوقت وهي المرأة التي أرضعته وربته ....

نظرة واحدة باتجاهها كانت كفيلة بإفهامه بأنه تسبب بكارثة ما

بما قال وكاد يغص بريقه ويموت حين تذكر آخر كلمات قالها فلم

يكن في نيته سوى توضيح الأمر وبأنه شعر بشيء مشابه بسبب

أمر يشتريه المال فكيف بما هو أعظم من ذلك لكنه أفسد كل شيء

على ما يبدو ... ولم ينقذ الموقف سوى خروج دجى عن صمته

مجددا وهو ينقل نظراته بينهم عائلة شراع تحديداً قائلا برزانة

تشبه شخصيته القوية

" أنا لم أكره والدكم مطلقاً عليكم أن تصدقوا هذا فثمة فرق شاسع

بين أن تكره شخص ما أو أن تنظر لما لديه وخسرته أنت نظرة

حسرة وألم لأنك لم تملك يوماً الخيار لامتلاكه ولا حين فقدته ،

ولن أنسى أبداً ما قدمه شراع صنوان لي حين قام بحماية زوجتي

وابنتي من الموت معاً وهي جنين في أحشائها ولا رعايته لابنتي

لتكون امرأة ناضجة متكاملة قوية صادقة ومؤمنة .. وحتى حين

سلمها لابن عمها وهو لا يعلم من يكون سلمها من أجل سلامتها

فقط لا من أجل أي شيء آخر ولا أكذب عليكم أبداً إن قلت أني

تمنيت أن التقيته في حياته وعرفته عن قرب "

وعلت ابتسامة الارتياح كما الرضا ملامحه الرجولية الفخمة

حين قال رماح مبتسماً بتفهم

" أنت رجل كان لنا الفجر بأن كانت زوجتك وابنتك من

عائلتنا ... تلك عبارة قالها والدي لي قبل وفاته ولم أفهم

مقصده منها إلا اليوم فهو علم بالتأكيد وبطريقة ما بأنك

لازلت على قيد الحياة "

واكتسى الارتياح قلوب جميع المتحلقين حول تلك الطاولة حينها

وليس المعني بالأمر وحده فرماح تحديداً من كان يُخشى من ردة

فعله وبالنسبة لهم جميعاً ... بينما وقف مطر حينها وغادر حيث

اختفت من استغرب اغلبهم كيف لم يقرر ذلك ويلحق بها حتى

الآن ! .

وما أن فارقته نظرات ابنته المحبة حتى ارتكزت على رماح

تحديداً وقالت بضيق تمثيلي تمسك خصرها بيديها لتبدد ذاك

الجو المشحون

" لما سمحت له ومنعتني أنا ؟ "

فرمقها بطرف عينيه وقال ببرود

" سيد دجى الحالك أليس ثمة فرد من عائلتكم ليس هنا

أم أني مخطئ ؟ "

ضحك دجى وقال ينظر أيضاً للتي كانت تنظر لهما بصدمة

" لم أكن أراه مقتنعاً أبداً بهذا لولا تهديدها السابق له بأن

لا يدخل منزلكم كما قال "

وضحك دجى مجدداً بينما قالت هي ملوحة بيدها بضيق

" أقتله إن فعلها فذاك ليس اتفاقنا "

وكانت الضحكة من نصيب رعد حينها وقال يهددها بسبابته

" اسمعي هيه لا تحتكي بزوجتي كثيراً لا أريدها أن تصبح

أمرأة متمردة "

فأمسكت خصرها بيديها مجدداً بينما انتقلت نظراتها العابسة

بين تلك الوجوه الضاحكة وقالت ما أن استقر نظرها على

أحدهم تحديدا

" عمي صقر لا تكن معهم ضدي أيضا "

ضحك صقر وقال فاردا يديه

" لو أنك سمحتِ له بدخول هذا المنزل لكان لديك من يدافع

عنك وبشراسة الآن "

فقالت من فورها وبحدة

" لا لن يحدث ذلك .. وإن فعلها لما رآني ما عاش "

نظر حينها رماح عالياً وقال بضحكة مكتومة

" حمدا لله ... اللهم جنبنا نساء عائلة الشاهين "
*
*
*

*
*
*

مسحت بقايا الدموع من رموشها وإن كانت لم تعد تنزل من

عينيها ما أن شعرت بتلك الخطوات الثقيلة تقترب منها وعادت

لاحتضان نفسها بذراعها الأخرى أيضاً وأحنت رأسها للأسفل

قليلاً ما أن توقفت خطواته خلفها تماماً ، أغمضت عينيها

وتنفست بعمق نفساً حمل عطره الرجولي لكل خلية في جسدها

لترتجف كلٌ على حده ليس بسبب ذاك العطر القوي المميز فقط

بل وبسبب اليدان اللتان لامستا ذراعيها بنعومة وتحركت على

قماش أكمام فستانها الحريري حتى حضنت أصابعه يديها

الممسكتان بمرفقيها وأصبحت في حضنه تماماً تشعر حتى

بضربات قلبه الثابتة تخترق ظهرها الملتصق به وعلقت أنفاسها

حيث لا تعلم ما أن مال برأسه لتصبح شفتيه في مستوى أذنها

وشعرت بأنفاسه تخترق قماش حجابها الناعم كما تحرق بشرة

وجنتها المشتعلة بحمرة قاسية من كثرة ما كانت تمسح الدموع

المنزلقة فوقها ووجدت ذاك الهواء العالق في مكان ما في صدرها

لتخرجه في زفرة متأنية حين تسربت كلماته مع الهواء الرطب

حولهما بطيئة دافئة وعميقة كما بحته الرجولية المميزة

وهو يهمس

" كان عليا أن أكتسح عزلتك ولا تسألي لما "

فاكتفت فقط بأن أرخت أناملها سامحة لأصابعه الطويلة أن

تحضنها وقد شد عليها بقوة ولازالت على وضعها السابق بل

واكتفت بكل ذلك وبوضعهما ذاك يحضنها ممسكاً بيديها بينما

لازالت تحضن هي نفسها بيديها تلك لم تعلق على ما قال لم

تتحدث ولم يفعل هو ذلك وكأنها تسرق تلك اللحظات من ماذا

لا تعلم ؟ منه من نفسها من حاضرهما أم من ألا شيء الذي

لطالما آلت أحلامها إليه ؟ لذلك اكتفت حينها فقط بالشعور به

بدفء جسده وحرارة أنفاسه لا شيء حولهما سوى أصوات

حفيف الأوراق الخضراء المتراقصة مع النسيم والأزهار الملونة

التي ملأ عبقها المكان وصوت مياه النافورة الحجرية في مكان ما

قربهما وكأنها تحدث الليل والقمر وكل شيء لا يسمع عنهما فمن

يروي قصص العشاق حين تحوي الألم والفراق والفقد سواها ؟

من يفهم ذاك الصمت الذي حمل كل آلام الماضي ومآسيه سوى

الأشياء التي لا تعرف إلا الصمت ؟.

احتضنت نفسها أكثر مغمَضة العينين ولازالت أصابعها سجينة

يديه فجعله ذلك يزيد من احتضانه لها بشدة أكبر لازالت تستمع

لأنفاسه الدافئة التي تشعل وجنتها وصدغها بحرارة تشبه فقط

حبها واحتياجها واشتياقها إليه بالرغم من كل شيء وحتى من

ألمها الطويل منه .

ابتعدت عنه مجفلة كما حررها هو من ذراعيه سريعاً واستدارت

ناحيته ونظرت باستغراب لنصف وجهه المقابل لها لأنه كان ينظر

جانباً حيث صوت تلك الخطوات التي كانت تَعبر الممشى الحجري

باتجاههما !

وما أن نظر ناحيتها قرأت في عينيه ما تتوقعه تماماً وهو

التساؤل المدجج بالخطر عن هوية صاحب تلك الخطوات

فكلاهما يعلم بأن من تركوهم خلفهم هناك لن يفكر أحد منهم

في اللحاق بهما

بل ولن يسلك هذا الاتجاه وإن فعلها ! ومؤكد أن جميع من

يعملون هناك وصلتهم أوامر مسبقة بعدم التجول ولا الاقتراب

الليلة خصوصاً !!

نزلت بنظراتها المستغربة ليده التي مررها ببطء تحت طرف

سترته السفلي فارتفع ضجيج ضربات قلبها الصاخبة لأذنيها

وشعرت بالذعر فهو بالتأكيد يحمل مسدساً هناك لكن ما هذا الذي

يجعله يفكر في استخدامه هنا في منزل محاط بالحراسة المشددة !

من هذا الذي يخشى أن يخترق الحاجز الأمني القوي الذي

يطوقهم به واختاره بنفسه !

انتقلت نظراتها المتوجسة حيث لازال ينظر وحيث الخطوات التي

أصبح لا يفصلهم عنها سوى حاجز من الشجيرات المنسقة بعناية

ليغطي طولها كل ما تخفيه خلفها وارتجف جسدها بقوة حين مد

يده ليدها وسحبها نحوه لحظة أن ظهر لهما من كان قد اتبع

أسلوباً بارعاً في التشويق واللعب بالأعصاب وهو يسير نحوهما

بتلك الخطوات البطيئة المتأنية وكأنه لا شيء لديه وليصل متى ما

أراد !

" عمتي !!! "

كانت غسق من كسر ذاك الصمت المشحون الذي تلا ظهور ذاك

الجسد النحيل لهما لتكشف أنوار الحديقة المنتشرة حولهم

تفاصيله كما تلك الملامح المتجهمة بعبوس واضح ونظراتها

الباردة تتنقل بينهما قبل أن تنزل ليديهما الممسكتان ببعضهما

بقوة لحظة أن دس مطر مسدسه في مكانه وما أن عادت بنظرها

لعيني التي كانت لاتزال تنظر لها باستغراب قالت بجمود

" أجل عمتك ... من كنت تتوقعين مثلا ليقتله زوجك برصاصة

من مسدسه؟ "

فرفعت يدها الأخرى ومسحت بها ملامحها الجميلة الشاحبة بذعر

لم يغادرها بعد مستغفره الله بهمس خافت مرتجف بينما لم تنتظر

الواقفة مقابلة لهما أي تعليق من كليهما وهي تتابع ببرود

ونظرها ينتقل بينهما

" بما أن أمور العائلة العالقة جميعها سويت كما أرى فهل أعلم

ما مكان جبران من كل هذا ؟ "

وهنا انقبضت أنامل غسق بقوة مع انقباض قلبها وسط أضلعها

ليس فقط بسبب ما قالت بل وما استطاعت استشعاره من الواقف

ملاصقا لها وإن لم تنظر له فيمكنها أن تشعر بموجة الغضب

السوداء تلك التي عبرت مسامات جسده والتي اخترقت قماش

بدلته السوداء الفاخرة لتصل إليها فشدت أناملها على أصابعه

التي لازالت تلتف حول كفها بتملك حمائي قوي راجية أن يفهم

إشارتها تلك ولا يخرج من صمته المميت ذاك وهي واثقة من ذلك

لكن ما تخشاه فعلا أن لا ينصاع ليس أن لا يفهم .. وكم حمدت

الله حين التزم الصمت ولم يعلق بينما تجنبت هي النظر لملامحه

التي لا تعلم حتى الآن ما يرتسم عليها ولا أي نظرة تلك التي كان

يوجهها للواقفة مقابلة لهما ترفع رأسها بشموخ وكأنهما يقفان

أمام قاضٍ في قاعة محكمة موحشة لا يوجد فيها غيرهم

ثلاثتهم ! ولم تكن تعلم بأن نظراته حينها لم تكن تحمل سوى

الجمود التام ... الجمود فقط لا شيء آخر وكأنهما حجرين

أسودين جامدين .

كان عليها أن تتوقع هذا منذ زمن وأن عمتها كانت تنتظر فقط

الفرصة المواتية التي حظيت بها الآن كما تريد وبأنها لن تصمت

طويلا وتكتفي فقط بتلك العبارات الطائشة التي كانت ترميهم

بها دون استثناء وهي أولهم وها هي اختارت الوقت والمكان

المناسبين بالفعل لذلك كان عليها هي تولي المهمة وعلى هذه

المسألة المعقدة أن تنتهي بالفعل فقالت بصبر ونبرة جعلتها متزنة

قدر الإمكان لكن الجمود كان أقوى وانتصر عليها ونظرها لم

يفارق تلك العينان الغاضبة

" عمتي جبران هو من بات يرفضنا .. لقد حاولت التحدث معه

مراراً ولم يجب ثم أغلق هاتفه نهائياً ويبدو تخلص منه ولا

يمكنك لوم أ..... "

فقاطعتها متعمدة تتجاهل النظر لها كما سماعها ونظرها لازال

مركز على الواقف بثقة وصمت

" رأينا عدلك مع أبناء شراع واحداً واحداً ومع أبناء شعبك

واسمك بات مرتبطاً بالعدل لديهم وفي كل مكان وحان دوره الآن

فأنصفه بما عرفه الجميع عنك ولا تكن ظالماً يا ابن عائلة

الشاهين الشرفاء "

تنفست حينها الواقفة بجانبه بعمق تمسح بأطراف أصابع يدها

الحرة على جبينها وكم كانت ممتنة له أنه لازال يلتزم صمت

الأموات ذاك وأصابعها لازالت تزيد من الشد على يده أكثر لازالت

تترجاه في صمت تتأمل بالفعل أن يستوعبه وقالت في محاولة

جديدة ما أن رفعت نظرها بالتي لازالت تحدق في تلك العينان

السوداء الجامدة

" عمتي ما بيني وبين جبران لا دخل لمطر .... "

" أصمتي يا غسق "

ألجمتها عبارتها الحادة الآمرة تلك وتابعت من فورها تنظر

لها بضيق

" أنا لا أريد سماع ما بت أحفظه عن ظهر قلب منذ أعوام بل

أن أسمع رأيه ... "

وتابعت أيضاً وقد نقلت نظرها له مجدداً وحدث ما كانت تخشاه

غسق وتتوقعه بالفعل وهي تهاجمه بحدة

" أم لا حديث للرجال حين تذهب بعقولهم النساء ؟ "

فنظرت لها بصدمة ولم تستطع منع شفتيها من الانفراج في

شهقة صامتة فهي توقعت أن توجه له كلمات قاسية تغلبت فيها

مشاعرها نحو ابن شقيقها لكن ليس بهذه الطريقة المجنونة !

درجة أن تنسى من يكون هذا الواقف أمامها توجه له إهانة كتلك

وأعظم رجال البلاد وأكبرهم ينحنون احتراماً له !

وعلمت حينها أن الأمور ستنحدر نحو الأسوأ فرفعت نظرها به

سريعاً وهمست بخفوت تنظر لنصف وجهه المقابل لها ولملامحه

الجامدة جمود الصخر

" مطر أرجوك "

تعلم بأنه أكثر رجل عرفته يتحلى بالحكمة لما كان قاد جيوشاً

ووحد بلاداً ممزقة ونزع أحقاداً عمياء من نفوس أبنائها لكنها

تعلم أيضاً بأنه يفقد عقله ورجاحته تلك إن كان اسم جبران في

الأمر وليست تخشى على عمتها وتهور لسانها منه فهي تعلم

بأنه لن يؤذيها مهما قالت لكنها تخشى على جبران فهي لا تصدق

بأنه حتى اللحظة لم يأمر بجلب رأسه محمولاً على نصل حربة

سلاحه الرشاش وتخشى بالفعل أن يتهور ويفعلها في أي لحظة .

كانت نظراتها الراجية ملتصقة بنصف وجهه المقابل لها وحدث ما

خشيته فعلا حين ارتخت أصابعه وحرر يدها من قبضته لحظة أن

تحركت شفتاه وقال بجمود

" ليس مطر شاهين من تتحكم به النساء ولا تحركه "

فقالت المقابلة له من فورها وبحزم

" إذا أريد أن..... "

وأجفلت بصمت حين قاطعها بحزم رجولي يشبه شخصية

المحارب القديم فيه

" يمكنك الاستماع لي فقط الآن فقد سمعت ما لديك ولا داعي

لتكراره "

وألجمتها تماماً كلماته القاسية الحادة تلك ورأت حينها بالفعل

مطر شاهين الذي سمعت عنه لأعوام .. وكان المزيد في انتظارها

وقد تابع بذات النبرة القوية الحازمة

" إن كان ثمة من لديه حق يستوفيه من الآخر وكنتُ عادلاً كما

تطلبين لكان ابن شقيقك ذاك تحت التراب الآن "

وكانت عبارته تلك بل وآخر كلمات فيها ما جعل عينا الواقفة

أمامه تتسعان بذهول بينما أغمضت غسق عينيها تمسكهما

بأصابع يدها بقوة ورأسها منحنٍ للأسفل وتابع وكما توقعت

وبنبرة غاضبة هذه المرة

" فأي حق هذا الذي تتشدقون به وأي ابن لشراع صنوان

هذا الذي لا يستحق سوى الموت ؟ "

فارتجف جسدها بقوة وهي تَنزل بأناملها لشفتيها من شدة وقع

كلماته ومن الفكرة تحديداً كما ارتجف بوضوح جسد الواقفة هناك

منتفضاً بغضب وضربت أوامره عرض الحائط وهي تصرخ

بانفعال

" ليس لبشر أن يقرر مصير غيره ومتى سيموت ! ما ذنب

جبران سوى أنه كغيره حلم حلماً وأراد أن يناله بأشرف

الطرق ؟ "

وكان ذاك ما زاد النار اشتعالاً وبالرغم من الأصابع التي أمسكت

بقماش سترته عند مرفقه وعبارات الرجاء الهامس للواقفة

بجانبه إلا أن ذلك لم يوقف سيل كلماته التي خرجت بعنف

" ذنبه أنه خان وطنه وشرفه ووالده ومبادئه .. بل وسعى قبلها

لتدمير حياة غيره بدافع تملكي مريض ! فمن يرى أن ما هو

حق لغيره ملكاً له ليس سوى أحمق مغفل يفتقر للحكمة

وحسن التصرف "

كانت كلماته كسهام مسمومة يلقيها على اتهاماتها فترسلها لعالم

الأموات ولأنها لم تستطع مواجهته بالقوة التي واجهها بها

ويملكها تغيرت وجهة هدفها ومرمى نبالها للواقفة بجانبه .. فهي

من عليها أن تُهاجم دون أن تدافع عن نفسها بالطبع كما حدث

حينها وهي تنظر لها قائلة بضيق

" هو لم يبني ذلك من أوهام ولا نظر لما هو ليس ملكاً له

يا غسق أليس كذلك ؟ لما لا تعترفي بالحقيقة كاملة ؟ من ظلم

جبران في هذا ومن هو الظالم الحقيقي ؟ "

فامتلأت عيناها بدموع القهر والأسى سريعاً وإن لم تنزل منها

ونظراتها الآسية لم تفارق تلك العينان المحدقة فيها بغضب وأبت

الكلمات أن تخرج من شفتيها فتابعت جلدها ودون رحمة

" أليس من حقه أن يحظى بما تدللون به أنفسكم أبناء

شراع ؟ "

وتابعت بقسوة تشير بسبابتها جانباً

" بينما أنتم تحتفلون هنا وتضحكون ألم يفكر أحد منكم أين يكون

هو الآن ؟ ما الذي يشعر به وما يموت في داخله ؟ تبتسمون كل

صباح .. يراعي أحدكم الآخر وتسعون باستماته لأن تضمد

جراحكم من قبل أن تنزف ولم يفكر أي منكم به ....!

كم ليلة نامها وحيداً مقهوراً ليس ثمة من ولا يمسح على

كتفه مواسياً ..

وصرخت متابعة بحدة سبابتها تشير لتلك العينان الواسعة الدامعة

هذه المرة

" لقد قتلتموه .... قتلتموه جميعكم ودون رحمة ومنذ أعوام وكل

ذلك من أجلك يا ابنة دجى الحالك "

فاشتدت قبضتاها بقوة وانزلقت أول دمعة من طرف رموشها

الكثيفة معانقة احمرار وجنتها المحتقنه بالدماء وما أن تحركت

شفتيها الجافة ببطء مرتجف أوقفتها الأصابع الطويلة التي التفت

حول كفها البارد كالجليد مجدداً يكرر ما فعلته سابقاً وهي تطلب

منه الصمت وعدم التدخل وكأنه يأمرها بمنحه ذات الفرصة وهي

تعلم بأنه لازال يتصرف معها بتعقل بحكم سنها بالتأكيد وفقط لا

غير لكنها لا تريد لهذا النقاش أن يطول أكثر من ذلك وأن يأخذ

منحاً خطر سيدفع جبران وحده ثمنه فهي كانت من التهور سابقاً

أن استهانت بغضبه من ذكر اسمه فقط أمامه حين كانا في منزل

الشاطئ ودافعت عنه بشدة وحاولت تبرير موقفه واتهام نفسها

مكانه فجعلته بذلك يشتعل كالبركان وكانت أكيدة حينها من أنه

على استعداد لإعطاء أوامره لرجاله لسحبه من وسط معقله إن

أوصلته لنقطة فقدان التحكم بذاك الغضب مما جعلها تتراجع لكنها

الآن ليست الطرف الثاني في الحديث ولن يسمح لها سوى

بالصمت والاستماع والموت كمداً ومن كليهما ، وذاك ما حدث

فعلا حين قال وبضيق

" اعتقدت بأن حديثك أصبح معي وليس معها ؟ وأعتقد أيضا أن

محاولات استغلال عاطفتها الأخوية نحوه لن تنجح معي ولن

تحطم غيرها وهذا ما لن أسمح به "

كان كل واحد من بينهم ثلاثتهم يعلم بأنه أصاب الحقيقة في عينها

لذلك وما أن كانت ستتحدث قاطعها بحزم غاضب

" يمكنك الاستماع لي فقط فقد سمعت من هذا ما يكفي "

فابتلعت كلماتها كما زمت شفتيها في صمت بينما تابع هو بذات

نبرته الحازمة الحانقة

" لا حق لابن شقيقك لدي ولا يمكنكم استخدام ورقة موافقتها

الزواج به سابقاً ضدي في كل مرة فهي كانت زوجتي منذ كانت

طفلة وما من حق لشقيقك بأن يزوجها ولأي كان وهو يعلم ابنة

من تكون ومن هم عائلتها والأحق بتقرير ذلك ... "

ورفع سبابته وهو يتابع بحدة

" وقسما إن علمت حينها فقط بأنه يخطط لفعلها ولأي رجل كان

لكنت دككت مدنكم دكاً وحولتها لنيران فأخبارها لم تكن تخفى

عني وإن كانت بينكم وجواسيسي ضمن من يخدمونكم

ليل نهار "

حدقت فيه تلك العينان اللامعتان تحت الضوء الخافت بصدمة بينما

تابع هو غير مكترث بالحقائق التي أخفتها السنين عنهم ليكشفها

الآن وقال بذات حزمه الغاضب

" غسق عاشت في منزلي وزوجة لي لثلاث أشهر قبل أن

تجمعني بها غرفة واحدة ولم اجبرها على شيء هي ترفضه أو لا

تريده ونامت في سريري راضية ، وإن هي أخبرتني وإن بكلمة

واحدة فقط بأنها تريد رجلاً آخر ما كنت لألمسها ما حييت .. كما

لا يحق لأحد أن يلومها على ذلك فهو قرارها ليس قرار ابن

شقيقك ذاك ولا قراري ولا قرارك أنت فما من أحد يحق له أن

يوجه مشاعر غيره كما يريد .. "

وكان هو من أشار لها بسبابته حينها وفي نصف عينيها وهو

يتابع بحدة

" وابن شقيقك ذاك ولتعلمي فقط بأني إن استخدمت العدل معه

فأقل ما سيناله هو حكم إعدام عسكري ... هذه العدالة القضائية

فقط إن استثنينا الأمور الشخصية العالقة بالطبع "

ألجمتها عباراته الهجومية تلك بل والحقائق الصريحة فيها والتي

ما كان لأحد أن ينكرها ويبدو بأنها اختارت الند الأقوى منها

بجميع حججه ومن لن تحركه أو تلجمه العواطف ولا الامتنان

اتجاه تلك العائلة كما يحدث مع الواقفة قربه والتي كانت تنظر لها

بحزن فحجبت عيناها دموعاً رفضت أن يرياها قبل أن تستدير

بظهرها وتغادر من حيث ظهرت حاملة معها كل تلك الزوبعة التي

أثارتها في مشاعر كليهما .. أو هذا ما ظنه أحدهما فقط وهو

يستدير ناحية التي رفعت عينيها الدامعة له بصمت فرفع يديه

وأمسك وجهها وقال من قبل أن تفكر في قول ما يتوقعه جيداً

وأنفاسه المتلاحقة لا تعبر سوى عن الغضب المكبوت الذي لم

يخمد بعد

" لا تتحدثي بشيء يا غسق ... لا أريد سماع اسمه من شفتيك

تحديداً والآن بالذات "

فاحترقت الأنفاس في حنجرتها أيضاً حتى شعرت بأنها تشتعل

كالحريق درجة أن آلمتها وبقوة أكبر من ألم سجن الدموع في

عينيها المحدقة في تلك العينان السوداء التي كانت تنظر لها بعناد

رجولي حازم لازال يحمل آثار معركته الأخيرة ولكن شفتيها

ورغماً عن كل ذلك تحركت ببطء محررة كل ذاك الألم في حلقها

هامسة بضعف

" لكنه شقيقي .. "

فاشتدت أصابعه على وجهها كما الغريزة القاتلة المشتعلة في

عينيه وقال بأحرف مشدودة

" أنا لا أتحدث عن مشاعرك الأخوية اتجاهه بل عن مشاعره هو

وقسماً لن أكون أكثر عدلاً معه كما الآن "

انزلقت الدمعة اليتيمة على وجنتها الناعمة التي لازالت تحتفظ

بذات الاحمرار الملتهب وهمست بحزن محدقة في عينيه

" أنت لن تقتله يا مطر أليس كذلك ؟ "

نزلت يداه لعنقها وقال بهدوء ناقض مزاجه السابق بأكمله وإن

كانت كلماته حملت الكثير من الجدية محدقاً في عينيها الدامعة

" لن أفعلها وأنا أعلم بأنها ما قد يقتلني بداخلك يا غسق ...

لم أفعلها منذ أربعة عشر عاماً وهو يحاول قتلي لأفعلها الآن "

فتبدلت نظراتها للحيرة لحظة أن جذبها نحوه وهو ينحني نحوها

أكثر وطبع قبلة رقيقة دافئة على شفتيها كانت طويلة بقدر

نعومتها ورقتها جعلتها تغرق في طوفان من المشاعر المتأججة

التي قطعها ابتعاده البطيء عنها بالرغم من أنه لازال يأسر

وجهها في حصار كفيه وأصابعه الطويلة ونظر لعينيها وقال

هامساً بتأني

" قسماً لن أسلمك لأي رجل كان وأنا أعلم بأنه لازال لي مكاناً

وإن صغيراً في قلبك "

وتابع بجدية زحفت لملامحه قبل صوته

" وإن حدث يوماً وفعلتها فتأكدي بأن الموت كان من نصيب ما

هو لك وسط هذه الأضلع أيضاً يا ابنة الشاهين "

ملأت الحيرة العينان السوداء الفاتنة المعلقة بعينيه وترقرقت

الدموع فيها مجدداً وهي تهمس بتوجس

" أنت تخيفني يا مطر ... لما تقول هذا ؟! "

مرر طرف إبهاميه تحت رموشها يمسح بقاياً دموعها منها قائلا

بذات نبرته الجادة

" تلك هي الحقيقة يا غسق فلن يتمسك ابن شاهين بما لا يريده

ولن يأخذ ما هو ليس له ... لا يفعلها وإن كان الموت خياره

الآخر "

حدقت تلك العينان المليئتان بالحزن والأسى في نظراته المدججة

بالتصميم والجدية وتهاوى ذاك السؤال مجددا عند أعتاب شفتيها

المنفرجتان قليلا في توهان فاتن .. فما معنى هجرانه لها قبل كل

تلك الأعوام إذاً ؟

هل لأنه لم يكن في قلبه من كل هذا شيء لها ؟

فما في قلبها له كان جلياً للعيان فلما تناقض عباراته أفعاله ؟!

كان ذاك ما يحرق قلبها متسرباً مع أوردتها لكنها وكالعادة فضلت

أن يموت ذاك الجرح داخلها على أن ترى نصل سكينه يُغرس فيه

ودون رحمة إن طلبت منه جواباً وكان أقسى من كل ذلك فلن

يداوي الجرح حينها ولا صمته التام لأنه سيكون أقسى من

الحقيقة ذاتها ، أسدلت جفنيها الواسعان ببطء حين انزلقت يداه

أكثر لعنقها وشعرت بملمس شفتيه على طرف شفتيها في قبلة

صغيرة دافئة فأطبقتهما تزدرد ريقها بهدوء ووصلها همسه

المتأني

" لنغادر من هنا يا غسق "

فرفعت نظرها له وهي تتراجع خطوة عنه للوراء محررة نفسها

من دفئ ملمس يديه وغضنت جبينها الصغير مقربة حاجبيها في

نظرة استنكار واضحة لكن تلك الابتسامة الرجولية الفخمة

والشفاه الساحرة لم تسمح لها بالتحدث عما يجول في ذهنها

حينها وهو يسحبها من يدها قائلا

" لن أخرج بك من هنا كما سبق ووعدتك يا مجحفة "

وتابع وقد تحرك بها من هناك

" كنت أعني أنه علينا ان نرجع حيث البقية قبل أن أتهور

أكثر ويلحق بنا أحدهم "

وسار يسحبها خلفه تغرس أسنانها البيضاء في شفتها تمسك

ابتسامة محرجة زينت شفتيها فلن تتخيل أبداً أن يحدث ذلك

ويتكرر موقف حبيبة ذاك الآن فسيموت أحد ثلاثتهم من الصدمة

هذه المرة بالتأكيد ولن يكون هذا المتهور بالطبع .

وصل بها سريعاً حيث البقية وحيث انضما لذاك المجمع العائلي

مجدداً ولتلك الأصوات والضحكات التي وصلتهما من بعيد ، وما

أن جلسا هربت بنظرها من الجميع محرجة من انسحابها السابق

وغير اللائق أو المبرَر تجهل تماماً ما دار من حديث بعدها ، وما

أنقذ مشاعرها المتضاربة حينها أن الجميع تصرفوا وكأن شيئاً

لم يكن .. بينما أخرجها من دوامتها تلك الصوت الأنثوي الرقيق

والذي قالت صاحبته

" أبي متى سيكون بإمكاننا زيارة منزل الشاطئ في بينبان ؟ "

فغضن جبينه باستغراب قائلاً

" أنتم من تقصدين ؟ "

فرفعت كتفيها قائلة بابتسامة " أنا والكاسر بالطبع فأنا

متشوقة فعلا للسباحة في البحر "

فنظر للكاسر الذي حرك رأسه موافقاً وابتسامة واسعة تزين

شفتيه قبل ان يستوي في جلوسه يريح ظهره لظهر الكرسي وقال

ببرود

" ممنوع ... ذاك المكان شديد الخصوصية "

فحدق الجميع فيه وبنظرات متفاوتة عدا التي لم تستطع رفع

نظراتها بأحد حتى الآن وقد أنزلت يدها لتضرب قبضتها على

فخذه القريب منها مسكتة إياه عن جعل العقول هناك ترسم أبعاداً

خيالية عن تلك الأمور التي يلمح لها والتي لا تعلم ما تكون سوى

تلك الثياب الوقحة الجريئة التي يملأ بها خزانات الغرفة ؟

ولم تكن تعلم بأنها بتلك الحركة أوقعت نفسها فريسة مصيدته

وهو يمسك يدها يمنعها من إعادتها مكانها فوق الطاولة مبدداً

جميع محاولاتها لإرجاعها بطريقة لا يلاحظها أحد حتى استسلمت

ليأسها تماما مجبرة ومتأففة في صمت وقال رماح حينها بتجهم

ونبرة باردة

" أليس ثمة عشاء هنا ؟ "

فجعلت جملته تلك الضحكات تنطلق بتفاوت كما الأحاديث المتفرقة

التي عادت لتجد لنفسها مكاناً في سهرتهم تلك وأخذ حديث رماح

يجذب جميع الجالسين هناك وهو يستفسر من المقابل له عند

الطرف البعيد من الطاولة البيضاوية الشكل والواسعة عمّا بات

محور اهتمامه الوحيد يستعلم منه عن أغلب ما قيل وبات يقال

على تلك الشاشات الناطقة بينما أرضى مطر فضوله وأشبعه بما

يحتاج ويزيد يده لازالت تحتجز تلك اليد والأنامل الناعمة بينما

إبهامه يتحرك بنعومة وسط كفها مرسلا بذلك قشعريرة مدمرة

خلال كل عصب من ذاك الجسد النحيل المتناسق وصولا لعمودها

الفقري الذي تصلب بتشنج مريع كادت معه أن تفقد أنفاسها

فأحنت رأسها تفرك جبينها بأصابع يدها الأخرى والتي كانت تتكئ

بمرفقها على الطاولة تحتها ... ثم وكأن حركتها تلك أعطته

الإشارة للتمادي أكثر وكأنه يقرأ ما يحدث داخلها جيداً ويفهمه

فقد بدأ إبهامه بالعبث أكثر وصلا لرسغها مما جعلها تعاود

محاولات تحرير يدها منه .. بل ويبدو بأنه ليس الوحيد الذي كان

يلحظ ذلك وكم حمدت الله أن كان ذاك الفهم بشكل مختلف تماماً

وما أثبته صوت والدها حين وصلها موقفاً ذاك النقاش السياسي

العسكري قائلا

" غسق تبدين متعبة ؟ "

وتبعه تعليق صقر من قبل أن تفكر في رفع رأسها

" لست مجبرة على مسايرتنا إن لم تكوني بخير يا غسق "

كان الاهتمام واضحاً في نبرة صوتيهما ولم يدخل قلبها ذرة شك

بأن الأمر يضايقهم لكنها لم تستطع أيضا رفع رأسها ولا النظر

لأي من تلك الأعين المحدقة بها خشية أن يقرأ أحدهم ما تسبب

به العنيد العابث الجالس ملاصقا لها .. كما داعب جانب وجهها

بدفء تلك الأنفاس المتلفة للأعصاب حين همس لها تزين شفتيه

ابتسامة ماكرة

" إن كنت متعبة آخذك لغرفتك ولن أنزل حتى أتأكد من

أنك بخير "

ونجحت حينها في سحب يدها منه حيث يبدو أن حديثه ألهاه عنها

هامسة من بين أسنانها

" غرفتك الباردة هناك أقرب لك من هذا "

فانطلقت ضحكته المرتفعة جاعلة تلك النظرات المستغربة تسدد

سهامها نحوهما قبل أن يتلقى ضربة أخرى من مرفقها هذه المرة

فضحك ونظر ناحية ابنته وشقيقها الجالس بجوارها وقال مبتسما

ينقل نظره منهما للجالسة ملاصقة له

" إن أردتما زيارته فعلا فعليكما أخذ الاذن من مالكه الأساسي

وليس مني "

فحدقت فيه تلك العينان السوداء الواسعة باستغراب هو أقرب

للصدمة فأراح ذراعه على كتفيها وقال مبتسماً ينظر لعينيها

" العمران كانت مهرك يا غسق وأنت تنازلت عنها بأكملها وذاك

المنزل هو حق لك لا هدية مني ولا أتفضل به عليك "

حدقت في عينيه بصمت لم يستطع قراءته أحد غيرهما بينما

قاطعهما أحد ابنيهما حين قال الكاسر مبتسماً بحماس

" إذا ضمنا الموافقة "

ليتحول حماسه ذاك لعبوس تدريجي ما أن قالت التي نظرت

ليديها في حجرها

" لا ممنوع بالطبع "

فكانت حركته وتيما الطفوليتان اللتان عبرا بها عن صدمتهما

المفاجئة واستيائهما السبب في ضحك الجميع تقريباً فلوح الكاسر

بيده ناحية مطر في محاولة للانتقام لنفسه قائلا بضيق

" هذه سرقة يا رئيس البلاد ... كيف تقدم لزوجتك هدية من

مالنا وتمنعونا عنها ؟ "

فابتسم مطر ونظر لها وهو يقول

" هذا هو الاتهام الذي ليس لأي رئيس في العالم أن ينقذ نفسه

منه .. ولا تقلق هو من مالي بالفعل كما أنه وكما سبق وقلت حق

لها عندي وليس هدية "

ضمت حينها تيما يديها ونظرت عاليا حيث الأضواء

المعلقة فوقهم وقالت مبتسمة

" يا إلهي .... لقد احترت ما سأختار مهراً لنفسي فالخيارات

كثيرة "

وضحكت ما أن ضحك الجالسين حولها عدا التي نظرت للجانب

البعيد متنهدة بضيق وفي صمت بينما قال رعد مبتسماً

" أعان الله ذاك الشاب عليك بالفعل "

فكشرت في وجهه بطفولية تشبهها وقالت تمسك خصرها بيديها

" معك حق تقول هذا فزوجتك كان مهرها اليرموك كاملة وكادت

أن تقوم حرباً في البلاد لتصل إليك أما أنا فأعانه الله علي بسبب

مهر عادي ! "

فضحك ورفع كفيه مستسلماً يذكرها وبصمت بحديثه ورماح

السابق عن نجاتهما من نساء عائلتهم وزاده أن قال مبتسماً

" عليا أن أسجد لله شكراً بالفعل "

فانفجرت ضحكة أستريا المكتومة تمسك فمها بحياء بينما لم

يخجل الكاسر في فعل ذلك علانية وبصوت مرتفع فضربت فخذها

بقبضتها ونقلت نظرها منه لشخص آخر قائلة بضيق

" جدي قل شيئاً فحفيدتك هذه التي تهان طوال الوقت "

ابتسم المعني بالأمر وقال

" لا تهتمي لهم فإن لم تسلبي عقله وقلبه ما كان ليتجرأ على

خطبتك من والدك وأنت في هذا السن "

فابتسمت برضا ورفعت رأسها بشموخ وأخرج مطر هاتفه من

جيبه وفي نيته قطع كل ذاك الحديث فوحده من استشعر التوتر

العصبي للجالسة بجواره تضرب بطرف حذائها على الأرض في

صمت بينما لازال نظرها بعيداً عن الجميع وقال ما أن

وضعه على أذنه

" أحضروا لنا العشاء "

*
*
*

ارتمت بجسدها على الكرسي خلفها ما أن سمعت باب المنزل

يغلق ونظرت للفوضى حولها بتعاسة فما أن غادر آخر ضيوفهم

حتى دخلت في جدال طويل مع والدتها التي كانت تصر على أن

تغادر هي ووالدها لحفل خطوبة ابن عمتها بينما تبقى هي

لتنظيف المكان الذي لن ترضى والدتها قطعاً بأن تتركه كما هو

وتغادر ليبقى لوقت عودتهم متأخراً وإن كان فيه فقدانها لأحد

ساقيها ، ولأنها لا تشعر بالرغبة في فعل أي شيء خارج هذه

الجدران ولا رؤية أحد أصرت على أن تبقى هي للقيام بهذه

المهمة لأن والدتها بالطبع لن ترضى ولا بأن تقوم أشهر شركة

تنظيف في البلاد بذلك فستعيد تنظيف كل شيء بعدهم بالتأكيد ،

ولم تستطع إقناعهما بسهولة للبقاء وكانت حجتها الأقوى من

عناد والدتها بأن مظهرهم سيكون سيئاً حال تغيبها خاصة أنها لم

تذهب لحفل افتتاح شركته في السابق .. وبالأخص أنهم لا

يزورون منزل عمتهم تلك إلا في المناسبات الرسمية ومنذ عدة

أعوام ، بينما تحججت والدتها بأن أغلب المدعوين هناك

سيكونون من سنها وبأنها ستمرح أكثر منها حتى كانت الكلمة

الفاصلة لزوجها الذي طلب منها أن تترك لابنتها حرية اختيار ما

تريد فعله وكأنه قرأ ما يجول بداخلها وكم أسعدها بذلك ..

وها هي هنا الآن وحدها وكما اختارت تجلس وسط الكراسي

المبعثرة وبقايا الطعام حتى أن البعض يبدو اختار الأرضية

الخشبية كمكان مناسب لرمي المناديل الورقية وبعض علب

الحلويات الصغيرة الملونة وكأنه حفل أطفال ...!!

الحفل الذي لا تعلم بما تصفه وآخر ما قد تسميه به بأنه حفل

لإعلان زواجها الذي لم تكن تعلم عنه أساساً وكأنها ليست

طرفاً فيه ...!

لكنها لم تمانع ومنذ البداية أليس كذلك ؟ فكل ما يحدث إذاً

سيعتقد الجميع بأنها موافقة عليه .

شدت اناملها بقوة على قماش تنورتها الناعمة ... الملابس التي

لم تغيرها منذ غادرت لعملها صباحاً فهي لم ترتدي ولا ثياب

عملها المخصصة تلك لأنها كانت ستغادر المطار خلال وقت

قصير كما طلبت من مديرها ووافق هو مُرحباً ومن حماقتها كانت

تظن بأن الأمور سارت كما تريد من تلقاء نفسها وليس كل شيء

كان مدبراً له منذ متى لا تعلم !

وقع نظرها على خاتم الزواج الأنيق في أصبعها وامتلأت عيناها

بالدموع سريعاً وهي تتذكر الشخص الذي ألبسها إياه والذي

شعرت وجنتها ولأول مرة بملمس شفتيه واختبرت دفء أنفاسه

من كل ذاك القرب وهو يهمس في أذنها بكل تملك بأنها أصبحت

له وكأنه يذكرها هي بذلك لا الغير ..!

تذكرت أول لقاء لهما في المطار وكيف افتتنت به وأفقدها صوابها

بل وبعثر مشاعرها وعبث بها بكل سهولة .. لو أن أحدهم أخبرها

حينها بأنهما سيصلان لهذا وبأنها ستلبس خاتمه في خنصر يدها

اليسرى لملأت قاعة الاستقبال في ذاك المطار بصراخها المبتهج

لكنه دمر كل ذلك وأولهم قلبها البريء المتيم به حين اختار وبكل

قسوة أن يواجهها بحقيقة وضعهما وبمشاعره نحوها وهو

يخبرها بأنها ليست المرأة التي يريد وبأنها مجرد وسيلة جديدة

لإرضاء والدته ، تتعجب أحياناً لبراعته في أداء ذاك الدور فلم

يبدو عليه أبداً بأنه مجبر وهو يتلقى التهاني من الحضور الضيق

الذي التف حولهما مهنئين !! أم أنه يمكنه السيطرة على مشاعره

كما يفعل مع كل شيء وأولهم تلك الطائرة الضخمة

التي يقودها ؟!

وقفت ومسحت عيناها بظهر كفها بقوة ونظرت حيث علب الهدايا

التي حملت كل واحدة منها اسم صاحبها وسقط نظرها تحديداً

على العلبة المخملية الأنيفة الزرقاء اللون بحوافها الذهبية وكأنها

قطعة من بذلته المميزة تلك والتي وقف بها بين الجميع في أناقة

وتميز كم بدا فريداً من نوعه بينما تقف هي بجانبه كطائر رمادي

باهت وكئيب وسط حديقة مليئة بالأزهار الملونة وهي ترتدي

ملابس الخروج البسيطة لم يترك لها الحق ولا بأن تتأنق كمن

هم مثلها أو أقل منها في مثل هذه المناسبة وكأنه يذكرها مثل

كل مرة بأنها أقل منه وفي كل شيء .

انقبضت أناملها لا شعوريا وكأنها تمنع نفسها المتمنعة أساساً

عن الاقتراب منها وفتحها ... مؤكد تحوي طقماً ماسياً فاخراً

يشبه خاتمه بل ومستواه المادي وعالمه وما هي أكيدة منه بأنه

لم يشتريه ولم يختاره بل ولم تكن فكرته أساساً ككل شيء

يحدث منذ رأتها والدته في ذاك الحفل قبل أعوام قليلة فلن

تجد في داخلها أي رغبة ولا من باب الفضول لرؤيته .

أسدلت جفنيها المرهقان تخفي تلك النظرة الكئيبة في عينيها التي

سرعان ما أرسلت أول قطرتين حارتين تسابقتا على وجنتيها

الباردتين تتذكر ما حدث عندما اعتذر ليغادر لأن وقت رحلة

طائرته قد اقترب ووجدت نفسها في موقف سيء وأمام الجميع

حين طلبت منها والدتها مبتسمة بأن ترافقه للباب الخارجي ..

وكيف كان لها أن ترفض وبأي حجة وهي قد أصبحت زوجته في

مجتمع يرى ذلك عادياً وإن من باب الصداقة ؟ فما كان أمامها من

خيار آخر سوى السير معه وفي صمت حتى كانا عند سياج

المنزل المنخفض والمحاط بالشجيرات التي اختارت أخشابه

للتسابق عليها في تنسيق رائع ، وكانا عند البوابة الحديدية

الصغيرة والمنخفضة أيضاً والتي تفصلهم عن رصيف الشارع

العريض ووجدت نفسها في مواجهته وهو يستدير ليقف مقابلا

لها فاختارت الهرب بنظرها منه لكل شيء حولهما كما اختارت

الصمت عما يتوقعه بالتأكيد وهو تعليق لاذع منها عن كل ما

يحدث ووصلها صوته الهادئ حينها وإن لم يخلو من نبرة الثقة

المصاحبة له دوما

" اعتقدت بأن العداء بيننا قد انتهى فعلا يا كنانة ؟ "

وحين لم تعلق أضاف وبعد نفس عميق استطاعت أن تسمعه

بوضوح وكأن صبره قد نفذ وفي وقت قصير جدا

" إن كنت منزعجة بسبب الحفل فلا يد لي في كل هذا

ولم أختره "

" أنت لا تختار شيئاً أبداً... "

ذاك كان أول ما قالته وهي ترفع رأسها ونظرها به محدقة في

عينيه بجمود .. ومن خلال نظراته التي تنقلت بين عينيها علمت

بأنه يحاول ترجمة كلماتها بالشكل الذي عنته تحديداً وكم تمنى

قلبها الغبي حينها أن قال

( لقد اخترتك أنتِ )

لكنها لن تسمع ذلك بالطبع لأنها ليست الحقيقة وتحركاته هنا

جميعها عبارة عن مجموعة أوامر قد تم تقريرها مسبقاً ، سحبت

نفسا عميقا ولازالت محدقة بعينيه البنيتان اللتان تأسرانها حتى

في صمتهما المبهم وقالت حين طال صمته الذي تعلم بأنه لن

يحرر نفسه منه

" أتعلم ما معنى ان يخبرك أحدهم بأنه تمنى لك أن تسعد بالفعل

في مكان لا يجمعكما ؟ "

وبلعت غصتها كما ألمها مع ريقها وهي تتابع بصوت خرج هشا

هامسا رغما عنها

" ذاك شعوري نحوك الآن "

قالتها بالرغم من الألم الذي صاحب كلماتها تلك يؤذي قلبها قبل

كرامته فقد اكتفت من الصمت وأداء دور السعيدة الراضية طوال

وقت ذاك الحفل والذي لم تتقنه أساساً وهو يعلم ذلك جيداً فلما

يدعي الحمق الآن وبعيداً عن الجميع ؟

أغمضت عينيها بتنهيدة عميقة ولم تسمع حينها سوى صوت

صرير البوابة النحاسية وذاك الجسد الطويل المتناسق

يغادرها ....

لا بل هي سمعت شيئاً ما قبلها ... شيئاً يشبه صوته الجاد الواثق

متمتماً وهو يستدير مغادرا

" ليس أنت من يحدد هذا "

فأدارت وجهها ناحية المكان الذي كان فيه وغادر منه تنظر لتلك

الجهة بعينين ممتلئة بالدموع وكم تمنت حينها أن ركضت خلفه

وصرخت بملء صوتها بأنه بالفعل ليس هي ولا حتى هو من

يحدد هذا فحتى مشاعرهما عليها أن تتبلور حسب المسرحية

الهزلية التي وجدت نفسها فيها .

مسحت بقوة الدموع التي لا تعلم كيف ملأت وجهها هكذا تنظر

باستغراب وتوجس لقفل باب المنزل الذي تحرك فجأة مصدراً

صوتاً واضحاً في صمت المكان قبل أن يستدير مقبضه وانفتح

الباب ببطء كادت أنفاسها أن تتوقف معه خشية أن يكون أمراً

سيئاً قد حدث مع والديها ! وهمست باستغراب ما أن ظهر لها

الجسد المتواري خلفه " عثمان !! "

فابتسم شقيقها الوحيد والذي أغلق الباب دون أن يلتفت له

واقترب منها قائلا

" ما بك وكأن شبحاً ما قد دخل لك ؟ "

قالت تنظر له ونظراته تتجول في المكان الذي لازال كما تركه

" ظننتك في بريستول ! "

رفع كوب عصير لم يلمسه أحد بعد وارتشف منه القليل قبل أن

يقول وهو ينظر له بين أصابعه الطويلة

" كان ثمة صديق لي يعاني مشكلة ما ولم يعد الوقت يكفي

لأدرك حفلهم ... سأتصل برواح فيما بعد وأهنئه "

راقبته بعينين ضيقتين وهو يرتشف باقي العصير فلن تنطلي

حجته عليها أبداً فهو لطالما كان يجد الحجج كي لا يدخل منزل

عمته تلك فلم يتجاوز بعد ما حدث في الماضي على ما يبدو عكس

والديهما اللذان احتفظا بالمناسبات الخاصة ليوطدا صلة القرابة

الهشة تلك وتحامل والدهم على كرامته بينما لم يفعل هو ذلك ولن

تستغرب هذا منه فهو شخص حساس للغاية وإن كان لا يظهر

ذلك أو لا يحب أن يبدو عليه وتصرفه هذا حيال عائلتهم أكبر

دليل ...

العائلة التي شتتها وبكل أسف أحقاد ذاك الشاب المغرور قاسي

القلب والمدعو ( تيم ) .

تنهدت بعمق محاولة إخراج نفسها من تلك الأفكار فيكفيها تعاسة

وأفكاراً تشبهها ونظرت للذي وضع الكوب واقترب منها قائلا

" ولما لم تذهبي أنت معهما ؟ لا تقولي أن وا.... "

وبتر جملته وقد وصل عندها ونظر لعينيها باستغراب قائلاً

" كنانة ما بك ! ما الذي يبكيك ؟ "

أنزلت نظرها مع رأسها تنظر ليديها ولذاك الخاتم اللامع نظرة لو

أنه رآها لعلم الجواب دون أن يسأل وهمست بخفوت

" لا شيء "

لكن ذاك الجواب لم يقنعه كما أنه لا يمكنه إقناع أحد فامتدت يده

لذقنها ورفع وجهها له وقال ينظر لعينيها وجفنيها المحمران

" لا يمكنك الكذب بهذا الشأن يا كنانة فكلانا لم يعد طفلا "

أبعدت وجهها وحررته من قبضة أصابعه بينما اكتفت بالصمت

فدس يديه في جيبي بنطلونه وقال بريبة ينظر لنصف وجهها

الذي تشيحه عنه

" لا أفهم ما سبب هذه الدموع وفي هذه الليلة تحديدا ؟

لقد فاجأتني مشاعرك ! "

كانت تعلم بأن ذكائه سيدور به حول الأمر حتى يصل للبه فكان

عليها أن تجد عذراً مناسباً لكنها لم تستطع أيضا منع الدموع من

الترقرق في عينيها حين نظرت لعينيه مجدداً قائلة ببحة

" لقد ... لم أكن أعلم بأن الأمور ستتطور سريعا هكذا .... ثم ...

وأنا أجد حقاً أن ترككم والمغادرة بعيداً أمر يصعب تنفيذه "

فابتسم حينها مبدداً جميع مخاوفها وأمسك وجهها بيديه قائلا

" كيف لم تلحظِي أو تفهمي ذاك من مكالمات والدته ووالدتي !

أنا توقعت ذلك "

أجل كيف كانت من الغباء بأن لا تلاحظ ؟ وكيف كان لها أن تخمن

ذلك وهي لم تكن أساساً تهتم بمكالماتهما ولا تسترق السمع لها

بل ولم تكن تسأل والدتها عن فحواها ولا من باب الفضول ؟

حتى أنهم قاموا بتغيير مخططاتهم للحفل وعقد الزواج عدة مرات

وهي كالبلهاء تقف في مكانها بينما يسير العالم من حولها راسماً

خطوط مستقبلها !

رفعت نظراتها الدامعة به حين مسح إبهاماه على وجنتيها
المحتقنتين بشدة وقد تابع بذات ابتسامته

" ثم ومن هذه التي كانت تريد وتتمنى العودة للوطن وإن مع

زوج يأخذها لوحدها ؟ "

هربت من نظراته مجدداً ولا تعلم حتى متى سيحاصرها وستتهرب

هكذا ! همست بخفوت تشد أصابعها بقوة

" الحديث عن الأمر أسهل بكثير من تنفيذه ... أشعر فعلاً

بأني تسرعت "

قالت جملتها الأخيرة بتردد تحدق بعينيه ولم تشعر بالندم قط

لتفوهها بذاك وإن كانت الأسباب الحقيقية لازالت سجينة قلبها

فهي تشعر بالاختناق فعلا وتحتاج لأن تتحدث مع أحدهم ..

وما يزيدها كآبة بأنها لا تستطيع فعلها مع أحد فحتى رواح

والوحيد الذي يحمل سرها معها لن يجد الوقت الآن ولا

للاستماع لها .

ملأت الدموع عينيها مجدداً حين قال وقد انزلقت يداه عن وجهها

" كنانة أتعين معنى هذا ؟ أنت في موضع الآن لا يسمح بإعادة

النظر للأمور فقد أصبحت زوجته "

أرجفها سماع تلك الكلمة بطريقة هي نفسها لا تفهمها فهل

يفترض بها أن تسعد بهذا أم تكرهه !

من منهما عليه أن يكون مسيطراً على الأمر قلبها أم عقلها ؟

ذاك الجزء الحالم في داخلها والذي يريده وبتملك وإن أراد

غيرها أم ذاك الوميض الذي ينذرها بالخطر كلما تناست

واقعهما المرير ذاك مذكراً إياها بمستقبلها معه ؟

قال حين طال صمتها وبجدية تشبه نظراته لعينيها

" ثم هذا ليس بعذر لتترددي يا كنانة وزوجك ركوب الطائرة

والسفر بها بالنسبة له كنزهة صباحية بسيارته فسيكون بإمكانك

زيارتنا متى تشائين خاصة إن كان كما أشار سيتركك تمارسين

مهنة المضيفة في رحلاته إن أردت ممارسة عملك المحبب وإن

كنت لا تحتاجينه "

حركت رأسها بحيرة وعلقت الكلمات في حلقها ولم تعرف ما تقول

فقال بلهجة غامضة أرعبتها

" أم أنك تعنين الجميع بالتسرع يا كنانة ؟ "

ها هو يحوم حول السبب الحقيقي كما كانت تتوقع ولا تريد للأمر

أن يتطور أكثر من ذلك ، قالت بشبه همس

" نحن لا نعرفه ... لا نعرفهم ... أعني أننا ... أنا خائفة من

خوض التجربة وأشعر بأني حوصرت في وقت قياسي "

فحرك رأسه بالنفي وكأنه يوصل الجواب لأفكارها قبل أذنيها وقال

بجدية ويداه تمسكان بذراعيها بقوة

" لا تفكري ولا للحظة واحدة بأننا سلمناك لذاك الشاب لا ننظر

سوى لمزاياه المادية وابن من يكون ... لقد تناقشت ووالدي

طويلا في الأمر سابقاً واتصلت بزملاء كانوا لي هنا في الجامعة

وقد عادوا للبلاد وسألت عنه كثيراً ولن أتمنى لك زوجاً غيره يا

كنانة وإن كان لا يملك قرشاً واحداً "

ابتلعت غصتها مع ريقها كما الكلمات التي لا يمكنها إخراجها

بينما تابع من لم ينتظر تعليقاً منها

" كنانة عليك أن لا تتركي لتلك الأفكار مجالاً لتضعك ووالديك في

موقف محرج بل وسيء فالأمر لا يمكن التراجع عنه الآن "

ها هي نقطة والديها تعود مجدداً وها هو شخص آخر يذكرها

بذات الحقيقة القاسية والأمر الوحيد الذي يكبلها كالأغلال فإن

كانت سابقاً والأمر مجرد خطبة شفهية محاصرة به فكيف بالآن ؟

هي بالفعل خسرت المعركة وبقرار واحد منه وفي أي لحظة كانت

ستجد نفسها تجلس في الطائرة بجواره ماضيان للمجهول .

أولته ظهرها وبدأت بجمع الكؤوس الفارغة من الطاولة ووضعها

في الصينية الكبيرة التي جلبتها والدتها لتوصلهم للمطبخ بها فلن

يفهم أحد ما تشعر به في داخلها كما لن تستطيع قوله والصراخ

به في وجه الجميع كما تفعل ساندرين طوال الوقت والتي لم

تحسدها على ذلك كما الآن .... لن يفهم أحد ولا ذاك الوسيم

المتهكم والسبب في كل آلامها التي كانت ولازالت ولن تنتهي

بالتأكيد .

*
*
*

*
*
*

شدت أناملها بتوتر واجتازت باب الغرفة الخشبي ذو الطلاء

المتهالك بشقوق عريضة ودخلتها للمرة التي لم تعد تعلم كم تكون

وهي تجوب المنزل الصغير المقتصر على تلك الغرفة والمكان

المطل على السماء السوداء الصافية والمزينة بالنجوم فها قد

قارب وقت الفجر ولم يرجع بعد ولا تعلم أين ذهب وماذا يفعل كل

هذا الوقت ! لو لم يكن من زاره هنا أويس عبد الجليل والذي

عرفته من صوته الذي لن تنساه أبداً لكانت خرجت الآن تبحث

عنه في المزارع الموحشة كالمجنونة ... لكن المدعو أويس غادر

قبل أن يغادر هو فإلى أين ذهب ؟ حضنت نفسها وجسدها الذي

ارتجف بقوة ما أن استجلب عقلها فكرة أن ذاك الشاب دخل منزلاً

يعلم بأنها موجودة بداخله وإن كان ملكه في الأساس وليسوا

سوى مستأجرين له ... فلم يغب عن مخيلتها ولا للحظة ما حدث

ذاك اليوم في مجلس شعيب وأشقائه ولن تتخيل أبداً لولا ظهور

يمان فجأة ما كان سيحدث لها يومها ؟ ارتجف جسدها مجدداً

وبطريقة أرعبتها وهي تتخيل بأنهم زوجوها للمدعو أويس

بالفعل ...! ليس لها أن تتوقع أي حياة تلك التي كانت تنتظرها

معه وهو يكره حتى نطق اسمها أو أن يذكرها أحداً أمامه ....!

لكنها كانت ستكون حياة واقعية خالية من الكذب والخداع كما الآن

أليس كذلك ؟ حركت رأسها بقوة تطرد منه كل تلك الأفكار ..

لكنها لن تستطيع طرد حقيقة أنه لن يكون ثمة أويس آخر

سينقذها من انكشاف كذبتها في المرة القادمة إلا إن كانت ستتبع

خططاً أخرى أقل ذكاءً وأكثر فاعلية كأن تتعذر بدورتها الشهرية

مثلاً .. لكن ذاك السلاح أيضاً لا يمكنها استخدامه فهو من يجلب

لها تلك المصيبة المحرجة في كل مرة ودون أن يسألها أي

أنه يراقب الوضع ويعلم متى تزورها ومتى ترحل عنها .

تأففت بعصبية مفرطة تلعن أفكارها الحمقاء فهذا ليس وقت

التفكير في تلك الأمور فلتطمئن أولاً بأنه لازال على قيد الحياة

ولازال له وجود في عالمها ثم لتفكر في كيفية التخلص من

اقترابه منها أو من كذبتها الحمقاء تلك وللأبد لتشعر بالراحة

وإن ليوم واحد في حياتها .

تصلب جسدها وتيبست مكانها ما أن سمعت صوت باب المنزل

الحديدي يفتح وزحفت الابتسامة ببطء لملامحها الشقراء

المتجهمة فها هو على الأقل لازال موجوداً وعلى قيد الحياة

ثم لكل مصيبة مصيبة أخرى تعالجها بالتأكيد .

لم تستطع التحرك من مكانها والخروج من الغرفة أو لم ترغب

بذلك كي لا تزعجه مجدداً بخوفها المبالغ فيه كما يصفه واكتفت

بالنظر له بعينين ملئهما التوجس والحيرة وهو يدخل الغرفة

مطأطئ الرأس بالكاد وصلها همسه وهو يلقي السلام ! وتفرست

في ملامحه التي بدا التجهم واضحاً عليها وإن لم تراها جيداً

ونظرها يتبعه وهو يجتازها جهة الخزانة الحديدية الوحيدة في

الغرفة ! وخرجت الكلمات من شفتيها متصلبة وكأنها بحثت

عنها لأشهر

" ما بك يا يمان !! هل حدث شيء ما لشخص تعرفه ؟ "

وعلقت نظراتها بذاك الظهر العريض الواقف أمام الخزانة

المفتوحة وما كان لها أن تتوقع غير ذلك من تجهمه المخيف

وتصرفه الغريب الليلة بما أنه لا أهل لها هي ولا عائلة ...!

ولها أن تتوقع أي مصيبة قادمة في الطريق فيبقى المدعو أويس

أحد أبناء عائلة غيلوان وإن لم يحمل طباعهم وتلك العائلة نذير

شؤم بالنسبة لها .. وذاك الشعور يصعب عليها تخطيه مهما

حاولت ومهما كان خاطئاً فالسنوات التعيسة التي عاشتها بسببهم

تشهد بذلك إلا إن كان ذاك الغيلواني المسالم اكتشف كذبتها

تلك وأخبره .... !!

رفعت ظهر أناملها لشفتيها تراقبه عيناها الذاهلتان وهو يخرج

ثيابه النظيفة من الخزانة ولم يجب على سؤالها وكأنه لم يسمعه

تتخيل أن ظنونها تلك حقيقية ....؟ لكنه لم يضربها لم يصرخ بها

مزمجراً ولم يمسكها من شعرها الغجري الأشقر الطويل ويرميها

خارج منزله !!

ولم تشعر بأنفاسها تعود للعبور خلال حلقها المتيبس إلا حين

استدار وقال بجمود وهو يجتازها مجدداً

" جهزي نفسك سنغادر "

فتبعته نظراتها المصدومة والغير مستوعبة لِما قال ولم تستطع

منع نفسها من اللحاق به ووقفت عند باب الغرفة وقالت بقلق

تنظر له وهو يتجه لباب الحمام

" هل عائلتك جميعهم بخير يا يمان ؟ "

وبالكاد سمعت صوته مع صرير باب الحمام الذي فتحه

وهو يدخله

" بخير جميعهم "

وغاب عنها خلف الباب الذي أغلقه خلفه وتركها تنظر لمكانه

باستغراب قبل أن تدخل الغرفة مجدداً ونظرت للساعة الصغيرة

أو التحفة الوحيدة الموجودة هناك والمعلقة على الجدار المطلي

بالأبيض الناصع وعبست ملامحها عاقدة حاجبيها الأشقران فلم

يتبقى على وقت الفجر سوى ساعتان فلما يغادران الآن

وإلى أين ؟

لم تستطع التحرك من مكانها ولم تترك لها الأفكار المشوشة

وقتاً لفعل ذلك حتى سمعت صوت باب الحمام يفتح وما هي إلا

لحظات ودخل من غادر منذ قليل شعره لازال مبللاً وقطرات من

المياه انزلقت منه على عنقه ووقف ينظر لها فأبعدت نظرها

ليديها تشد أصابعها بقوة فرمى الثياب من يديه ووصلها

صوته سريعاً

" أما زلت مكانك ؟ أخبرتك أن تكوني جاهزة "

فرفعت نظراتها له وهو يتحرك نحو الخزانة مجدداً وقالت

" هل سنترك الجنوب ؟ لكنك لن .... "

قاطعها وهو يدس النقود التي أخرجها من هناك في جيب بنطلونه

" لا لن نغادر "

وتابع وقد استدار وتحرك نحو باب الغرفة مجدداً

" سنزور الحميراء ونرجع ... تحركي بسرعة يا مايرين

فالمسافة تحتاج وقتاً "

وخرج وتركها تنظر للباب الغارق في الظلام باستغراب ...

الحميراء !!

ما الذي سيأخذهم من هنا لغرب الهازان ! وشحبت ملامحها

وتخيلت أن تضع إصبعها على صورة خريطة بلادهم ممررة إياه

من جنوبها الشرقي حتى شمالها الغربي تقريبا وانتابها الهلع

فجأة !! هي تعلم بأنه من الهازان لكنه من إحدى بلدان خماصة

فما علاقة الحميراء بذلك !

انتفض جسدها وتحركت من مكانها ما أن سمعت صوت سيارته

في الخارج فعليها أن تستعد كما طلب قبل أن يغضب منها أكثر فلا

يبدو بأنه في مزاج حسن إطلاقاً وهذه الحالات هي الأندر في

شخصيته التي عرفته عليها لذلك فمن التعقل أن تأخذ بنصيحة من

يقول بأنه عليك أن تتقي شر الحليم إذا غضب ، لم يكن بإمكانها

تخمين المكان الذي قد يذهبان له لكنها ورغم ذلك ارتدت الفستان

الذي لبسته ليلة زواجهما والذي أهدتاه لها شقيقتا شعيب غيلوان

فهو أفضل شيء تملكه وقد يكون يفكر في زيارة والده وإن

وصفه بالميت سابقاً وعليها أن تكون حسنة المظهر فأقرب ما

يمكنها تخمينه بأنهما سيزوران أحدهم هناك ، أخرجت كيساً من

الخزانة ووضعت فيه ثوباً آخر لها ووضعت ثيابه التي نزعها فهو

لا يملك غيرهم وستقوم بغسلها حيث سيصلان فهي لا تعلم حتى

الآن كم من الوقت سيمكثان هناك .

وحين دخل الغرفة مجدداً كانت تلبس عباءتها ولفت حجابها

سريعاً فستقوم بترتيبه جيداً فيما بعد المهم الآن أن تتحرك

فوراً .. وهذا ما فعلته أمام نظراته التي لم يفارقها التجهم البارد

حتى الآن !

وما هي إلا لحظات وكانت سيارتهما تغادر المزارع المظلمة تشق

طريقها عبر الطريق الترابي الرطب ففركت يديها بتوتر ودستهما

في حجرها وقالت تنظر للظلام من نافذتها

" لو أننا انتظرنا حتى بزوغ الشمس بدلاً من أن نعبر خلال

أراضي شعيب وأشقائه في هذا الظلام الموحش "

فوصلها صوته البارد فوراً

" لا أريد أن نصل لمن سنزورهم في وقت متأخر من الليل

وكأننا ذاهبان لننام فقط ، ولا أرى سببا مقنعا يجعلك تخافين

منهم هكذا "

حضنت نفسها بذراعيها وكأن برودة كلماته تلك لسعت جلدها

فهي لم تعتد هذا الأسلوب منه ولا تفهم حتى الآن ما الذي

يزعجه هكذا !

اتكأت بطرف جبينها على النافذة وهمست بخفوت

" لو أنك تسمع ما يقال عن أراضيهم وما يحدث فيها لما

كان هذا كلامك "

ولم يعلق كما لم تنتظر هي ذلك فلا يمكنها أن تنظر لهم كما يفعل

هو من لم يعرفهم ويعرف أراضي الجنوب سوى من أشهر قليلة

بينما من عاش فيه وعرفهم جيداً فلن ينسى ما قيل عن

الأشخاص الذين يدخلون أراضيهم ولا يخرجون منها ومن عمل

عندهم وتحدث عن الأمور الغريبة التي تحدث فيها فجسدها

يرتعد خوفاً فقط من التفكير في ذلك فكيف أن تفعلها وتكون

فيها ليلا هكذا ؟.

ولم تستطع أن تتنفس الصعداء وتشعر بالارتياح حتى كانا في

طرقات البلدة الترابية الواسعة وإن كانا لم يعبرا سوى من

الطريق بين أراضيهم ولم يدخلاها لكن الفكرة ذاتها كانت ترعبها

، وما أن أصبحت بلدة أباجير خلفهما وأصبحا على خط الجنوب

الزراعي حتى خرج الجالس خلف المقود عن صمته ومن ظنت

أنه لن يتحدث أبداً ووصلها صوته هذه المرة عميقاً غريباً

" سنزور منزل زوج شقيقتي هناك "

فرفعت رأسها ونظرت لنصف وجهه المقابل لها ولم يحتج الأمر

أن تتفرس في ملامحه لتفهم أكثر سبب مزاجه ذاك وتغيره

الآن ... شقيقته تلك وراء ذلك إذاً ؟ لكن ما الذي جعله يقرر

زيارتها فجأة وهو من كان يرفض ولا مجرد الحديث عنها !

هل ستفهم أخيراً ما كان يعنيه بأنه خذلها ؟

أم أن شقيقته تلك ستكون كتومة أكثر منه !

ليس لها أن تتخيل بأنه قد يفعل ذلك مع شقيقته وهو من أظهر

كل تلك الشهامة معها هي التي لا يعرفها !

نظرت لعباءتها السوداء المغلقة أزرتها وكم حمدت الله أنها

لبست ذاك الفستان فها هما سيزوران أحدهم بالفعل ...

لكن تلك السعادة لم تدم طويلاً فسرعان ما وصلها صوته العميق

مجدداً مخترقاً صوت محرك السيارة

" هي زوجة لابن أيوب الشعّاب وجوزاء شاهين الحالك "

فلم تستطع منع تلك النظرة المتسعة من الصدمة وهي تحدق به

ولا انفراج شفتيها بتلك الشهقة الصامتة فإن كانت تجهل اسم ذاك

الرجل فهي تعلم جيداً من تكون تلك المرأة .. لا بل تعرف ذاك

الاسم أيضاً والذي حمله العديد من المنتجات المحلية التي تصل

لبلداتهم تلك !

ولم تستطع جمع صورة واحدة لشاب من تلك العائلة الثرية

المعروفة مع شقيقة الذي منذ عرفته لا يملك أكثر من قوت

يومه !

أم أنه من عائلة معروفة أيضا ولا تعلم !

لكنه أخبرها سابقاً بأن منزله احترق وأنه لا يملك غيره وبأن

عمله يقتصر على زراعة الأراضي وفلاحتها وتعرفه لا يكذب أبداً

قالت حين وجدت القدرة الكافية على التحدث

" ونحن ذاهبان لهم الآن ؟ "

وكان ذاك ما استطاعت قوله ببلاهة وكأنه لم يخبرها سابقاً

بوجهتهم !

وانتقلت نظراتها لملابسها مجدداً وشعرت بالتعاسة التي نسفت

بهجتها السابقة تماماً .. وكان وكأنما قرأ أفكارها هذه المرة أو

توقعها فقد وصلها صوته الجاف الجاد

" عليك أن لا تقلقي من مقابلتهم فهم ليسوا كما يصورهم

لك خيالك "

نظرت له سريعاً وحركت شفتيها في محاولة أخري للتحدث لكن

الكلمات أبت الخروج فهو لا يعطيها أي فرصة لتستوعب مفاجآته

المتتالية تلك فتابع هو وكأنه لا ينتظر منها تعليقاً أو يتوقعه وقال

ونظره لازال على الطريق أمامه ونبرته لازالت جوفاء ميتة

" ابنهم كان صديقاً لي منذ سنوات دراستنا الابتدائية وتزوج

بشقيقتي قبل انتقالي للجنوب بقليل "

رمشت بعينيها المحدقات بجانب وجهه في محاولة لتفسير كل ما

تسمعه ... إن كانت متزوجة من قبل مجيئه فما سر خذلانه لها

إذاً !

أيكمن السر في زواجها أم ماذا ؟ وهل صداقتهم هي سر زواج

ابن تلك العائلة منها ! هل رآها وقرر كسر الفوارق الاجتماعية

بينهما وتزوجها ؟ إن كانت تحمل ملامح شقيقها فلن تستبعد أبداً

أن تُوقع بأي رجل يراها وبسهولة ...

رطبت شفتيها الجافة بطرف لسانها وكل ما استطاعت قوله حين

وجدت صوتها وملامحها تتحول للبؤس فجأة

" ليتك أخبرتني سابقاً "

وندمت سريعاً على ما تفوهت به حين لاحظت بأن تجهم ملامحه

ازداد سوءاً وعلمت بأنها ارتكبت خطأ مريعاً وتلعثمت قائلة

" كن ... كنت ... كنا على الأقل فكرنا في هدية ما نأخذها لها "

" هي ليست بحاجة لهدايانا "

كان تعليقه سريعاً وقاسياً ليس عليها فقط بل وعلى نفسه أيضاً

وهذا ما هي أكيدة منه فهو ولسبب ما لازالت تجهله يراها لا

تحتاجه ولم يعد له أي دور في حياتها !

قالت بجدية

" الهدية في معناها يا يمان ليس في قيمتها وإن كنا نحتاجها

أم لا فكم من ساكني قصور يحتفظون بزهرة يابسة فقدت كل

معنى للجمال فقط لأنها ذكرى من شخص يحبونه "

لكن كلماتها تلك كانت وصوت محرك سيارته سواء بالنسبة له

على ما يبدو فلم يكلف نفسه ولا عناء الرد عليها فنظرت ليديها

في حجرها وتنهدت بأسى بل ولاذت بالصمت فهو في مزاج

لا يسمح له ولا بسماعها على ما يبدو ... لكنها لم تكن تعلم بأن

المزيد كان في انتظارها حين وصلها صوته جاداً حازماً

هذه المرة

" ما أريدك أن تعلميه جيداً يا مايرين أنه وبالرغم من صداقتي

لابنهم وأنه زوج شقيقتي إلا أن لي حياة خاصة لا يغير فيها

ذلك شيئاً "

رفعت نظراتها الذاهلة به وكان ينظر لها هذه المرة وكأنه يحتاج

لأن يفهم جوابها من قبل أن يسمعه ونظراته لم تفارق حدقتاها

الخضراء المتسعة فتنفست بقوة قبل أن تقول بشبه همس

" أي فكرة هذه التي تكون في عقلك عني يا يمان ؟ "

عاد بنظره للطريق واشتدت أصابعه على المقود قائلا

" ليس عنك بل عنهم وما قد يعتقدون بأنه قد يؤثر بي "

فهمت الأمر الآن فهو يبدو يتعرض لضغط من صديقه ذاك ليحسن

من وضعه المعيشي وهو يرفض ولن يكون يمان الذي تعرفه إن

لم يكن كذلك ، ارتسمت ابتسامة محبة على شفتيها وإزداد فخرها

به كما إعجابها بالرغم من أنها تكره أن ينظر لها بذاك الشكل

وبأنها قد تتأثر بما قد تراه أو تسمعه هناك ، قالت بحزن ولازالت

تنظر لجانب وجهه

" يؤسفني بأن أخبرك بأني أسوأ منك في هذا .. كما يحزنني

أكثر أن يكون هذا انطباعك عني "

توقعت منه الصمت حينها ليثبت لها بأنه لازال مقتنعاً برأيه

وكلماته لكن ما حدث لحظتها فاجأها فعلاً ويده تترك المقود

وتمسك بيدها وقد رفعها لشفتيه وقبّلها بعمق ونظره لازال على

الطريق قبل أن ينزلها لفخذه ولازال ممسكاً بها بقوة مما جعلها

تخرس ونهائياً تاركة الصخب والصراخ لقلبها المرتجف وسط

أضلعها .

*
*
*

رمت اللحاف عن جسدها وجلست تنظر جهة الشرفة المظلمة

والمغطاة بستائر شفافة متدرجة في تجمع أنيق فالأمر لم يعد

صوراً تهيئها لها مخيلتها فهي أكيدة من أن حركة أغصان شجرة

التوت المرتفعة إليها ليست طبيعية !

مدت يدها لأحد الأزرار قرب سريرها وما أن ضغطته حتى عم

النور كامل الغرفة ورفعت هاتفها ونظرت للساعة فيه قبل أن

ترميه على السرير قربها وعادت بنظرها للشرفة مجدداً وتذكرت

فوراً حكايات الكاسر عن الشرفات والتي ظنت بأنه يخيفها بها

ليس إلا فهي لطالما كانت تحب اقتناء الغرف المطلة على شرفة

ومنذ كانت في بريطانيا وتعشق الوقوف صباحاً في الهواء النقي

ما أن تستيقظ وكم أحزنها أن منزل والدها لم يكن طرازه القديم

يحوي على الشرفات رغم أنه تم تجديده وعلى مر أعوام ...!

وفي منزل والدتها في العمران وهنا في منزل رعد اختارت وعلى

الفور غرفة لها شرفة واسعة ولم تكن تخاف قَط من وجود بابها

الواسع فيها فلطالما عاشت ضمن نطاق أمني ضيق وحراسة

مشددة لكن ما تسمعه الآن بات شيئاً يبعث للشك والرهبة فزحفت

من بين أغطية السرير الناعمة حتى غاصت قدماها في السجادة

الناعمة وانتفضت واقفة على طولها ما أن لمحت خيالاً ما لا تعلم

أهو حقيقة أم وهم صوره لها خوفها ؟ ما تعلمه حينها بأنه عليها

الهرب من هناك ثم التفكير فيما ستفعل بعدها ...

وما أن فكرت في الاستدارة حول السرير حتى انفتح باب الشرفة

بقوة مما جعلها تنتفض صارخة وتحركت من مكانها قافزة دون

أن تنظر ولا لما يحدث هناك وكانت على استعداد لفتح حلقها

للصراخ راكضة لولا الذراع التي أحاطت بخصرها ومنعتها من

اجتياز السرير واليد التي أطبقت على فمها وارتفعت قدماها

الحافيتان في الهواء مع ارتفاع جسدها وشعرت بذعر لم تعرفه

حياتها وعلمت أن محاولة التخلص من تلك القبضة القوية لن

تنفعها في شيء سوى إرهاق قواها وكل ما استطاعت فعله

حينها أن رفعت رأسها قليلا في حركة مباغتة جعلت شفتها

العلوية ترتفع قليلا وغرزت أسنانها في طرف تلك الكف الكبيرة

التي لازالت تطبق على فمها بقوة مما جعلها تتحرر منه وما أن

فكرت في تنفيذ مخططها القديم في الصراخ والركض جهة الباب

أوقفها ليس فقط اليد التي أمسكت بذراعها بل والصوت الذي قال

من خلفها بضيق

" انتظري يا مجنونة ستوقظين ساكني المنزل بأكملهم "

حينها فقط تسمرت مكانها وكأن القدرة على الاستيعاب عادت

لها فجأة !

ولم تتعرف على ذاك الصوت الرجولي العميق فقط بل والعطر

الذي كانت وكأنها لا تستنشقه من قوة ذعرها !

وما أن أدارتها تلك اليد لتصبح مواجهة له حتى انهارت ليس

قواها فقط بل ودموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها

واستقبل صدره لكماتها المتتالية صارخة ببكاء

" أحمق .... أفزعتني يا أ..... "

وانقطعت كلماتها في حضنه الذي شدها له من فوره وأحاطها
بذراعيه يحضن ارتجافها بقوة قائلاً

" لو أنك تجيبين على اتصالاتي ولا تعتصمين عني هنا ما كنت

لألجأ لمثل هذه الطرق فلم تتركي لي حلاً غيره "

ابتعدت عنه حينها دافعة ذراعيه عنها وقالت بضيق تمسح

دموعها

" ألم تجد طريقة غير هذه ... كدت تقتلني من الخوف "

تجاهل كلماتها لأن نظره واهتمامه كانا منصبين على كفه قبل

أن ينفضه قائلا بضيق وملامح متألمة

" وألم تجدي أنت طريقة غيرها لتدافعي عن نفسك ؟ "

قالت بعبرة عادت للسيطرة على صوتها مجدداً

" وما كنت تنتظر مني وأنت تمسك بي وتمنعني من الصراخ ؟ "

أمسك خصره بيديه وقرب وجهه منها وقال يشير برأسه جانباً

" وأين كانت كل هذه الشجاعة حين كنتِ في ذاك الملهى ؟ "

نظرت له مجفلة قبل أن تبتسم بألم قائلة

" يبدو أن تلك التجربة ما جعلني أتعلم درساً جيداً "

وتابعت بضيق تمسك خصرها بيديها

" لن نتحدث عن هذا الآن بل عن مجيئك هنا وأنا من سبق

وحذرتك واتفقنا يا قاسم "

قال بضيق مماثل يقلدها متعمداً يمسك خصره أيضاً

" كنتِ أجبتِ على اتصالاتي إذاً بدلا من تجاهلها المتكرر هكذا "

فزمت شفتيها بقوة قبل أن تقول بتملق

" وما تفعله أنت بسماع صوتي فلا وقت لديك لذلك حسبما

أعتقد ؟ "

شد على أسنانه وكأنه يكتم غضبه قبل أن يقول بحزم

" تيما لا تكوني طفلة ... أيستحق الأمر منك كل هذا الغضب ! "

أشارت بسبابتها نحو الأسفل بينهما قائلة

" بل يستحق أكثر من ذلك فما كان سيحدث لي إن كنت أواجه

خطراً ما وأنا أتصل بك وأكرر الاتصال وتتجاهله لتجيب بعدها

برسالة ....! يا لك من مهمل مستهتر "

قال بدفاع رافض

" لم أكن خيارك الوحيد يا تيما .. كما أني كنت مشغولا بالفعل "

قالت بغضب

" وما الذي عليه أن يكون أهم مني ومن اتصالي وأنا التي لا

أفعلها عادة ؟ "

حرك سبابته مشيراً لوجهها وهو يقول بضيق

" ها قد وصلنا للنقطة الأهم فها أنت تلاحظين جيداً بأنك لا

تتصلين بي مطلقاً وكأنه ليس لك زوج يفترض أن تسألي عنه

وإن برسالة قصيرة ! "

نظرت له بعينين متسعة قبل أن تكتف ذراعيها لصدرها قائلة

" أتصل بك لماذا وما الذي تفعله باتصالي فأنتم الرجال لا تحبذون

هذا كما أظن .... "

وتابعت تشير له بكفها مفروداً

" ثم إن كنت لا أتصل عادة ولم تكلف نفسك بالرد عليا حين

اتصلت فكيف إن كنت أفعلها دائما ؟ كنت ستغلق الخط في

وجهي بالتأكيد "

نظر لها بذهول وقال يشير لنفسه

" أهذه فكرتك عني ! "

فردت ذراعيها جانباً قائلة

" بل عن الرجال جميعهم فوالدي لم يكن يحب حتى أن أتحدث

عما هو ليس ضروريا ... هكذا اعتدت وتربيت "

ضيق عينيه متمتماً

" وستعاملينني كما كان يعاملك والدك ! "

حركت رأسها مع رفعها لكتفيها قائلة ببرود

" بل كما كان يحب أن أعامله ألست رجلا مثله ؟ أنتما سواء

إذاً وهذا ما أثبته لي مؤخراً بنفسك "

فتأفف ممسكا جبينه بأصابعه قبل أن يقول وهو يبعدها

" تيما بالله عليك لن تعاقبيني أكثر من ذلك بسبب أمر تافه "

نظرت له بصدمة وقالت

" أمر تافه ....! هل ما حدث تراه أمراً تافهاً ...! مقتنع تماماً بأنك

لم تخطئ "

أمسك وجهها بيديه وقبل جبينها وقال ما أن نظر لعينيها التي

تعلقت بعينيه

" بل مخطئ وكل ما أفعله خطأ فقط توقفي عن معاقبتي بهذا

الشكل البشع "

نظرت لعينيه بصمت لبرهة قبل أن تقول بجمود

" ولن تكررها مجدداً ؟ "

أبعد يديه عن وجهها قائلاً

" وهل بي عقل يفعلها ! لقد انتقمت مني شر انتقام ... "

وتابع يشير بيده جانباً

" بل يكفي أن أرى اسمك على شاشته لأكون لديك على الفور "

فزحف العبوس لملامحها وقالت باستياء

" لا يمكنك إلقاء اللوم علي في هذا أبداً فأنا أفهم جيداً معنى ما

تقوله ... ثم لا تنسى بأني حين كنت أتصل بك في السابق كانت

مكالمتنا تنتهي جميعها بأن تغضب مني بل وتهينني أيضاً وتغلق

الخط في وجهي ولا تتحدث معي بعدها لأيام "

قال يحرك كتفه بلامبالاة

" ذاك كان في الماضي كما تقولين وأنت أكثر من يعلم

ما كان عليه ماضينا "

قالت بضيق

" أرأيت نفسك ! أنت لا تنسى أبدا ولن تفعل "

فسحب نفساً عميقا وأمسك صدغيه بأطراف أصابعه قائلا

بنفاذ صبر

" يا إلهي لا تصيبيني بالجنون يا فتاة "

فضربت الأرض بقدمها الحافية قائلة بضيق

" بل أنا من ستصاب بالجنون بسببك ... ألم نتفق على أن لا

نلتقي حتى تتغير نظرة والدتي للأمر وتوافق ؟

لا وقادم لمنزلها هنا ! "

نظر لها ببرود لتغييرها مسار حديثهم فجأة هذه الخبيثة

الصغيرة ..!!

كتف ذراعيه لصدره وتمتم بجمود

" منزل رعد وليس منزلها "

قالت بضيق أشد من بروده المفاجئ تشير له بسبابتها

" أنت أخللت بالاتفاق وأيا كانت المسميات ولا يمكنني أن

أثق في وعودك مستقبلا ومهما كانت "

اتسعت عيناه بذهول وقال مدافعاً وهو من أشار بيده لنفسه

هذه المرة

" تيما توقفي عن لومي وكأني المخطئ دائماً "

قالت من فورها وبسخط

" بلى أنت المخطئ وأنت تقفز لغرفتي كطرزان "

نظر لها بصدمة تجمدت معها ملامحه لبرهة قبل يقول بسخط

مماثل

" ألم تجدي شخصاً أفضل منه تشبهيني به ! "

قربت وجهها منه وقالت تحركه حتى تحركت غرتها الناعمة مع

حركته وكأن الهواء يتلاعب بها

" لا بالطبع فروميوا كان يقف تحت الشرفة ويغني ولا يتسلقها "

أمسك نفسه بصعوبة عن إمساكها وتقبيلها بعنف وقال متملقاً

يقلدها

" وطرزان أيضاً لم يكن يتسلق الشرفات "

رمت يدها متمتمة ببرود

" هو كان يتسلق كل شيء على أي حال "

فحرك رأسه مبتسما وأمسك وجهها مجدداً وقربه من وجهه

وجنونه بها بدأ يتغلب عليه وهمس من بين أسنانه ينظر لحدقتيها

الزرقاء الواسعة

" عليك أن توقفي هجومك الشرس هذا أو أني سأتّبع ذات

الأسلوب معك وطرق هجومي ليست شريفة مطلقاً فها

أنا أحذرك "

نظرت له بعينين متسعتين ليس بسبب ما قال فقط فقد بادلها

هو أيضاً ذات النظرة ما أن علا صوت الطرقات على الباب

عند أول الغرفة خلفها .. ودون شعور منها ولا وقوف لحظة

للتفكير دفعته بيديها بقوة جهة الشرفة المفتوحة وأغلقت الباب

خلفه ، وما أن نظرت لمقبض الباب الذي استدار ببطء قفزت على

سريرها جالسة تبعد شعرها المتناثر عن وجهها لحظة أن انفتح

الباب وظهرت من خلفه التي جعلت قلبها توقف ما أن رأتها وكم

حمدت الله أنها طرقت الباب ولم تدخل مباشرة فما ستظنه بهما

حينها بل وبها تحديداً ؟!

كانت تمسك مجموعة أوراق تحضنها بيدها بينما حجابها الأسود

على شعرها دون أن تمسكه بدبوس مما يعني أنها كانت في

الأسفل فهي تستخدم مكتب رعد هذه الفترة ولم تنم حتى الآن

بالتأكيد لأن حفل افتتاح البرج سيكون غدا .

" تيما لما أنت مستيقظة حتى الآن وما هذه الأصوات في

غرفتك ؟! "

قالت عبارتها تلك تنظر لها باستغراب بينما كانت تحدق هي فيها

بصدمة لم تستطع اجتيازها بسهولة فقد ظنت لوهلة بأن ما نبهها

ضوء الغرفة المتسلل من تحت الباب لكن الأمر يبدو كان أخطر

من ذلك وكم حمدت الله أن حديثه الأخير كان بصوت منخفض ،

وما أن أبعدت شفتيها لتقول بأنها كانت نائمة قبل قليل واستفاقت

بسبب أصوات أخافتها في الخارج وهي الحقيقة وإن كانت ناقصة

حتى ماتت الكلمات على طرف شفتيها وهي ترى تلك العينان

السوداء الواسعة تبتعدان عنها للسرير بجانبها وحيث يوجد

هاتفها الذي رمته سابقاً وتعلم جيداً ما سيخبرها عقلها به الآن

عن سبب سهرها حتى هذا الوقت .. وجاء حديثها مؤكداً ذلك

حين قالت ببرود وهي تستدير ودون أن تنظر لها

" ثمة أمور يمكنها الانتظار حتى الصباح فنامي الآن بسرعة "

واختفت خلف الباب الذي أغلقته خلفها ونظراتها الحزينة تراقب

مكانها بأسى فبالرغم من أنها لم تعد غاضبة منها ولم تتحدث عن

الأمر ولا وقت اجتماعهم جميعاً هنا ولم تعد معترضة وإن جزئياً

لكنها تقرأ في نظراتها رفضاً واضحاً للأمر برمته وذاك ما يحزنها

وكم تتمنى أن تصبح نظرتها له كنظرة والدها وجدها .

التفتت جهة الشرفة سريعاً ما أن سمعت الطرقات المنخفضة على

زجاجها وزحفت مغادرة السرير من فورها وتوجهت نحوها

وأغلقت بابها بإدارة المفتاح الخاص به فلن تهمل إغلاقه جيداً

مجدداً ، أبعدت خصلات غرتها خلف أذنيها ووقفت ملتصقة

بالباب هامسة بتهديد

" غادر فوراً يا قاسم قسماً إن رأتك والدتي أن أغصب منك

غضباً حقيقياً هذه المرة "

وصلها صوته المتضايق فورا

" حقيقي ! وهل رأيت المزيف مثلاً ؟ "

فأمسكت ابتسامتها بأسنانها وقالت بجدية تحذره

" بل لم ترى شيئاً أبداً فغادر بسرعة قبل أن تسوء الأمور بما لا

يمكن معالجته "

قال من فوره

" أجيبي على اتصالاتي إذاً "

نظرت خلفها بخوف قبل أن تنظر لخياله خلف الزجاج مجدداً

وهمست

" سأفعل "

قال سريعاً

" وثمة أمور عليك رؤيتها في المنزل لآخذ رأيك فيها "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت برفض

" لا هذه لن تحدث أبداً ولن تخل باتفاقنا السابق يا قاسم أو

لن تراني أبدا "

وابتسمت ما أن سمعت تأففه الواضح قبل أن يقول ساخطاً

" أمري لله ... لست أعلم من الكبير الراشد فينا "

وسمعت خطواته يبتعد تلاه صوت أغصان الشجرة وذات الصوت

الذي سمعته سابقاً فابتسمت تمرر كفها على زجاج الشرفة البارد

هامسة

" أحبك يا متهور لكن ثمة ما هو أهم من كل هذا "

*
*
*

لامارا, ورد الخال, sweethoney and 63 others like this.
رد مع اقتباس

  #12123 
قديم 10-06-19, 09:19 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

لمست بأطراف أنامها الحلق الماسي المتدلي من أذنها وهي

تبتسم للداخلين للتو فذاك الباب الواسع لم يتوقف عن استقبال

ضيوفهم الليلة ويبدو لن يحدث ذلك قريباً .. استقبلتهما بترحاب

وضحكت لتعليق المرأة على أناقتها فهي في هذه الليلة تحديداً

سينظر لها الجميع بنظرة مختلفة وإن كانت أنيقة دائماً تهتم

بمظهرها وكونها فرد من عائلة السلطان المعروفة في تلك البلاد

فإن كان الانجاز الأول الذي تفعله المرأة في حياتها بأن تنجب

وإن طفلاً واحداً فالآخر هو أن تراه يتزوج .. لكن ما لا يعرفه إلا

القلة بأنها اختبرت هذا الشعور وعاشته سابقاً وبكل صدق حين

تزوج وقاص ومن كانت تعتبره الابن الأول لها ومن قبل أن تختبر

شعور الأمومة أو تعرفه ولن تكذب أبداً إن قالت أنها لم تجد

الشعور اليوم مختلفاً رغم قلقها الشديد إن كان بالنسبة لزواج

وقاص المتزعزع وبشكل ملحوظ مؤخراً أو بسبب اختيار ابنها

للفتاة التي قرر الارتباط بها ... وانتقل نظرها سريعاً ناحيتهما

فبينما كانت ملامح رواح مسترخية يضحك ويمزح مع الجميع

وقد برز في بذلة سوداء أنيقة ومميزة بالفعل الليلة كانت الواقفة

بجانبه تدير وجهها بين المدعوين طوال الوقت متجنبة الحديث

مع أي ممن يتحلقون حولهما من حين لآخر بينما تمسكت

ملامحها الشقراء الجميلة ببرود قاتل ...

هي لا تكره أن تكون ساندرين زوجة لابنها كما أنها تحبها وترى

شخصيتها متطابقة تماماً مع شخصية ذاك المشاكس الذي لطالما

أتعبها وعلى مرور أعوام حياته لكنها تخشى فعلاً من الفشل

الذريع لزواجهما أيضاً وهي التي لن تتمنى في الوجود شيئاً

كاستقرار ابنيها وسعادتهما وهي ترى وبوضوح أن ساندرين لا

تتقبل كل ما يحدث بالرغم من أنها من أعلن موافقتها عليه سابقاً

وعلى العلن !

لكنها لم تبدي إلا الكره له ومنذ طفولتهما ولن تلوم سوى ابنها

المجنون ذاك على هذا ..

وما زاد الأمر سوءاً أنه لم يبلغها أحد بأن ما يحدث الليلة ليس

مجرد حفل خطوبة لهما بل ما جلب ضرار من مشروعهم الضخم

والمهم في تلك الجزيرة إلى هنا اليوم هو عقد القران الذي تم

بالأمس ولأنهم في مجتمع حفلات الزفاف فيه تقام في الكنائس

اختاروا إقامة هذا الحفل في قصر العائلة بينما كانت باقي

الإجراءات قانونية فقط .. لكن ما أراحها أن رواح قرر سلفاً بأن

إتمام الزواج متوقف حالياً وحتى وقت لم يقرره وتأمل فعلا بأن

يكون ينوي ترك ذلك لزوجته تلك فستكون الأمور أسهل حينها

ولن تجد نفسها مع زوجة ابن أخرى غاضبة في منزل عائلتها.

تنهدت بحزن وهي تنقل نظرها منهما للمعني بالأمر ومن لم تتركه

نظراتها هذه الليلة ولم يكن سوى وقاص الذي كان على حالته

ذاتها منسجم تماماً في الحديث مع مجموعة من أصدقائه المقربين

ومن كانوا ضمن المدعوين الليلة وكانوا ثلاث شبان وفتاتان ممن

يعملون معه في مكتب المدعي العام .. كما يبدو أنهم انتهزوا

الفرصة جيداً ليتحدثوا فيما لا يتوقفون عن التحدث عنه بالطبع

وحتى في حفل كهذا لا يمت لعملهم بأي صلة ...!

كانت تراه كما يراه كل من وقع نظره عليه منفصلاً تماماً عما

حوله وهو يبدو كمن يدير نقاشاتهم تلك بحرفية لا يهتم بشيء

آخر غيرها في تلك الحفلة وذاك المكان الواسع الذي بدأ يمتلئ

سريعاً بأصدقاء العائلة المنحدرين من أصول انجليزية لأغلبيتهم

لكنها كانت ترى أيضاً ما لم يراه أحد وهو أن انعزاله المتعمد ذاك

لم يكن تاماً وكاملاً كما يوحي للجميع أو يقصد أن يُظهر ذلك كما

تجزم فوحدها بالتأكيد من استطاعت أن تلحظ تلك النظرات القليلة

الخاطفة التي سرقتها عيناه الجامدة نحو شقيقه نجيب

وزوجته ...

المرأة الواقفة ملاصقة له تقريباً يدها تحضن ذراعه ومن بدت

أنيقة بل رائعة وفاتنة الليلة وليس لها أن تقول غير ذلك وهي

من لم تكن لتتخيل أن تراها في حلة أجمل مما رأتها عليه في

الحفل السابق والذي أقاموه من أجل النجاح الأول الذي حققته

شركتهم الجديدة وها هي تخون توقعاتها فذاك اللون الدافئ

لفستانها الطويل الناعم تناغم وبشكل آسر مع لون شعرها وجمال

بشرتها النقية ولون عينيها الواسعة وكم تخشى مما يخفيه قلب

ابنها الذي لم تنجبه ذاك فهي تعرف وقاص جيداً ولها أن تتوقع

موقفه الدفاعي عنها بسبب ظروفها وما أصبحت عليه هنا لكنها

تخشى أيضاً من انحدار تلك المشاعر لما هو أسوأ من ذلك رغم

هروبها المتكرر من الاستسلام لتلك الأفكار فوقاص لن يكون بتلك

الأخلاق المتدنية أبداً فحتى وإن كان زواجه ينزلق نحو الفشل

التام إلا أن تلك المرأة متزوجة ومن شقيقه مهما كان ذاك الزواج

خاطئاً وظالماً ... وبالرغم من كل ذلك لازالت مخاوفها تطفو

للسطح كلما رأت نظراته تستقر عليها وهي من ربت ذاك الشاب

وعرفته جيداً فكل شيء في وقاص تغير تقريباً منذ أصبحت تلك

الفتاة هنا ... لا بل تحديداً منذ أصبحت زوجة لنجيب وخرجت من

عزلتها الطويلة لتشارك العائلة حياتها وكل ما تتمناه أن تكون

مجرد مشاعر إنسانية تلك التي تدفعه للمحاربة من أجلها وبكل

تلك الشراسة كقريبة له أولا وكشخص يتعرض للظلم ثانياً حتى

إن تخلصت يوماً من ذاك الزوج الفاشل فهو لا يستحق أن يخرج

من جحيم الزواج بجمانة للتورط مع من تراها لا تجيد شيئاً سوى

كرههم وبالإجماع بل وانعزالها عن كل شيء حولها وكأنها

تعيش عالماً خاصاً رغم سواده ترفض أن يشاركها أحد فيه

وأيا كان ..

فحتى هنا وفي المكان الذي عج بالضحكات والأحاديث المختلفة

كانت نظراتها تنتقل بين المدعوين فقط ... نظرات خاوية غامضة

أحياناً ومتفحصة أحياناً أخرى وكأنها تخزن صوراً للجميع في

عقلها أو تبحث عن أحدهم في تلك الملامح بينما تجهل اسمه !

فهي تراها لا تشعر بأي شيء من حولها ولا حتى تلك النظرات

الرجولية الخاطفة التي تحيطها بحماية حذرة ترفض الخضوع

لقوانين صاحبها والابتعاد عنها رغم عزمه على فعل ذلك وكم

باتت تخشى على حياة ابنها ذاك من الانحدار للأسوأ فأحواله

جميعها لم تعد تعجبها .... هجرانه الشبه تام للمنزل ..

شجاراته المتكررة مع نجيب وعلاقته الشبه منقطعة مع زوجته

والهشة مع جده والمتدنية مع الجميع !!

حتى أن صديقته الانجليزية تلك والمدعوة إلينا لم تكن مع عائلتها

الليلة هنا وقد اعتذروا بلباقة بالنيابة عنها ويبدو واضحاً بأنها

تتعمد عدم المجيء !.

تنهدت بعمق مجدداً وهي تعود بنظرها إليه وكانت نظراته هذه

المرة مركزة عليهما عكس السابق !!

فتحركت نظراتها سريعاً نحوهما وغضنت جبينها تنظر باستغراب

للرجل الذي أصبح يقف معهما ... كان تقريباً في الخمسين من

عمره وله ملامح عربية واضحة ولم تستطع فعلاً أن تحدد سنه

فلا يبدو أن للون الأبيض مكاناً في شعره الداكن بينما تؤكد

الخطوط في فكيه وملامحه أنه في سن متقدم نسبياً ويبدو أنه

لا يفتقد للحيوية والصحة لكنها لا تعرفه ولم تراه سابقاً !!

أخرجها من أفكارها تلك كما انتزع نظراتها عن تلك الجهة اليد

التي لامست كتفها فنظرت سريعاً للذي قال مبتسما بفتور

" لا تقولي شاهر أهذا أنت هنا ؟ فأنا أقف خلفك منذ وقت

وأنت لا تشعرين "

استرخت ملامحها قبل أن ترتسم ابتسامة صادقة على شفتيها

ولامست يدها ذراعه قائلة بضحكة صغيرة

" لم تترك لي شيئاً أقوله إذا "

وتبدلت نظرتها للاستغراب حين نظر حوله ثم خلفه وكأنه يبحث

عن أحدهم أو ثمة من كان برفقته ويود أن يقدمه لها ! وليس

لها أن تتخيل أن يفكر في جلب تلك المرأة معه مجدداً بعدما حدث

وفعلته تلك المرة ، راقبت بتوجس نظراته التي تبدلت للحنق

وهو يجول بنظره بين الموجودين وكأنه يبحث بالفعل عن أحدهم

وانتقلت لها العدوى سريعاً لعلها تفهم على الأقل من هذا الذي

جاء بصحبته فهو لم يفعلها سابقاً حفاظاً على سريات هويته

الانجليزية المزيفة ليتم تقديمه على أنه مجرد صديق للعائلة !

وما أن كانت ستعود بنظرها إليه لتسأله إن كان يبحث عن أحدهم

ابتعدت بنظرها سريعاً جهة باب الشرفة الزجاجي الواسع

والمفتوح وسرق نظرها تحديداً الشاب والفتاة الداخلان منه

متخالفان بذلك مع الجميع وبشكل متعمد تفهمه جيداً وهو رفض

ذاك الشاب أن يحتك بها وهو متأكد من وجودها هنا قرب الباب

مع ضرتها تستقبلان الضيوف .. ورغم كل ذلك فهي لم تتأثر

باستنتاجها المحبط للآمال ذاك وقد قالت مبتسمة بسعادة

" أليس هذا ابنك وزوجته ؟

لم أكن أتخيل أن تفعلها تلك الفتاة وتجعله يأتي !! "

قالت جملتها تلك وقد انتقلت نظراتها نحو الذي تخطاها نحو

الداخل متمتما ببرود

" لا جدوى مما تفعلونه جميعكم ... لما لا تقتنعون بذلك ؟ "

فتبعته نظراتها الحزينة المتأسية وهو يبتعد في اتجاه آخر لن

يجمعه بابنه ذاك بالتأكيد وكم يحزنها وضعهما بل ووضع جميع

أفراد عائلتها فعلاقته بشقيقه تأخذ ذات المنحدر كما علاقة

شقيقها ذاك بها وهو من اتهمها وعلانية بأنها تقف في صف

شاهر ولا يمكنها أن تراه مذنباً بينما معه هو العكس مما سبب

انقطاع شبه تام بينهم منذ تلك المشكلة أو الشجار العنيف الذي

دار بين الشقيقين قبل أعوام وكان سببه الرئيسي ذاك الابن الذي

لا يعترف بأي منهم ولا يراهم عائلة له .

انتقلت نظراتها جهة من أصبحا قربها يتبادلان التحية مع ضرتها

والدة ضرار وابتسمت بحب وهي تستقبلهما فكأنما خرج هذا

الرجل من أفكارها ! وها هو يقول مبتسماً بتكلف واضح

" نعتذر عن التأخر الخارج عن إرادتنا ... مبارك زواج

ابنك يا رقية "

فقالت بسعادة تمسك بيده بكلتا يديها

" سعيدة بحضوركما وأنا من عليها أن تعتذر لأني لم أكن معكم

في الحفل في منزلكم "

فابتسم وافترقت أيديهما بسبب التي قالت وقد اقتربت منها وقبلت

خدها مبتسمة

" مبارك لكم ولنا إذا فمصابنا واحد "

وتشاركتا الضحك فبالرغم من الفتور الواضع في علاقتها بشقيقها

الذي لم يعد يزورها سوى في المناسبات وبدعوة رسمية أيضاً

فإن زوجته تراها تختلف في أفكارها عنه وكأنها ترفض كل ما

يحدث وكم هي ممتنة لهذا فحتى كنانة توقفت عن زيارتهم ومنذ

أعوام ولن تلومها في ذلك فهي في هذا ستراعي مشاعر والدها

في جميع الأحوال وذاك ما حاولت شرحه لها متأسية بعكس

شقيقها عثمان والذي كان غضبه أسوأ من والده فهو انقطع عنهم

وبشكل نهائي عكس البقية وكم تتمنى بالفعل أن ينتهي هذا

الشقاق بين الأشقاء والذي تراه لن يتحقق مادام ذاك الشاب

المدعو تيم غاضب من الجميع وكأن غضبه ذاك لعنة عصفت

بهم جميعهم لن تختفي تبعاتها إلا باختفائها .

*
*
*

شتت نظراتها الباردة بعدم اهتمام بعيداً عنه بل وعنهما وقد

سئمت فعلا من تصنيف مشاعرها فهي لم تكن هكذا أبداً ولم تحتج

يوماً لأن تلتفت لهذه التفاهات وليس عليها أن تتساءل مجدداً

عن توجيه مشاعرها اتجاه هذا الرجل المسمى خالها ولا بأن

تسمح لكل ما يقوله ذاك المحامي الفاشل أن يؤثر في أفكارها

فجميع من في هذا الكوكب مجرد أعداء حقيقيون لها ..

عليها أن تصنف الجميع على هذا النحو وحتى خالها دجى وابن

شقيقه فهم في النهاية تركوها وحيدة حين اقتنعوا بأنها لم تعد

بحاجة لأي أحد فقد فعلوا ما يستطيعون عليه... أليست تلك كانت

عبارة طبيبها الأخيرة والتي قالها في وجود مطر وهو لم يعارض

أو يناقشه فيها ؟ إذا هم فعلو ما في استطاعتهم وهي لا تحتاج

لأي منهم .. هذا ما قررته وعازمة عليه .

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها الجميلة الرقيقة ونظرها

الشارد يتبع حركة سيدة شقراء تتمايل في فستان حريري طويل

مبتسمة ... هل هي بالفعل قررت ذلك لأنها لم تعد تحتاجهم ؟

لا بل الواقع أقسى وأسوأ من ذلك بكثير فهي لم تفقد مربيتها

وحلقة الوصل الوحيدة بينهم فقط بل وباتت ممنوعة من الخروج

لوحدها من هذا السجن الذي بات أوسع الآن وبأوامر وجهت

للحرس الواقفين في الخارج تحديداً كما يُمنع على من في مثل

حالتها اقتناء هواتف شخصية فهي لازالت الفتاة المعلولة نفسيا

بل وعقلياً وفي نظر الجميع .. لكن ذاك لن يثنيها عما عزمت

عليه وهي تدخل هذا المكان وإن كلفها حياتها .

رسمت ابتسامة أخرى متكلفة على شفتيها لم تغير شيئاً في

ملامحها الباردة حين اكتشفت أن الحديث بات موجهاً لها وهي لا

تعلم بل لم تهتم فلم تجد فيما يتحدثان عنه شيئاً مسلياً أو مهماً ولا

ينقصها المزيد من الملل وتستغرب جدياً أن هذا المدعو نجيب لم

يدعو أحداً من شلة الفاشلين تلك المدعوون أصدقائه فهل خالها

من طلب هذا بسبب طبعه الانطوائي والذي تستغرب معه أن دخل

مكانا مليئاً بالأشخاص كهذا ! أم ثمة أسباب أخرى تجهلها تدور

في هذا الرأس الخبيث ؟

قالت ببرود وصوت بالكاد يُسمع

" آسفة لقد شردت قليلا "

ابتسم الواقف أمامهما ابتسامة أظهرت خطوط فكيه العريضان

بوضوح وقال ونظراته لم تترك عينيها

" وهل لي أن أعلم فيما تفكر ابنة شقيقتي الحسناء ؟ "

ولم ينتظر منها الجواب وقد تابع ونظره ينتقل للواقف ملاصقاً لها

" هل فكرت يوماً في قراءة أفكار النساء ؟ إنها أصعب مهمة

يورط الرجل نفسه فيها كما يقولون "

فضحك نجيب سريعاً وقال يرمقها بنظرة ماكرة

" بلى ومع ابنة شقيقتك تحديداً سيكون الفشل مضاعفاً

بل ومريعاً "

فتنهدت بضيق مبعدة نظرها عنه بل وعنهما وهما يتشاركان

الضحك لحظة أن اقترب منهم أحد الخدم المنتشرين في المكان

الواسع وهمس للواقف بجانبها شيئاً ما من خلف أذنه جعله

يسحب ذراعه تاركاً أصابعها تنزلق منها وغادر خلفه مباشرة

نظراتها تتبعه حتى اختفى خلف باب صالة الاحتفالات المرتفع

ويبدو غادر المكان بأكمله وتستغرب تكرار هذا الأمر كلما كانوا

ثلاثتهم معاً وكأن الأمر متعمد !! نظرت حولها تمرر نظراتها

ببطء بين الموجودين تبحث عن تفسيرات لأمور كثيرة باتت

تجهلها فهي لا تثق في أي منهم ولا تعلم لما تشعر بأنه ثمة شبكة

عنكبوت تحاك حولها في صمت ولن تتمكن من اكتشافها حتى تجد

نفسها عالقة فيها ؟!.

أجفلت بشكل خفيف ظنت بأنه لم يلاحظه أحد سواها حين لامست

أطراف الأصابع الباردة للواقف أمامها أسفل ذراعها ومرفقها

وكان ينوي قول شيء ما مبتسماً قبل أن تنطفئ تلك الابتسامة

تاركة تجهما غامضا في ملامحه .. ومن إبعاده السريع ليده

علمت بأنه فهم أمراً ما وأثبت ذلك حين قال بأحرف مشدودة

" تخافين مني يا زيزفون ....؟ من خالك ...! "

فأبعدت نظرها عنه وهمست ببرود تمرر أصابعها على مرفقها

حيث لازالت تشعر بلمساته تلك

" بل كنت شاردة الذهن ولم .... لم أكن أتوقع بأنها يدك "

تنقلت نظراته في ملامحها وقال بجمود

" لم تنسي الماضي ولم تشفي منه إذاً ...؟ ألا زالت تنتابك

الكوابيس ؟ لازلت ترين ذاك الرجل فيها ؟ "

حضنت نفسها بيديها تقريباً في حركة لا إرادية تبعد نظرها

عن عينيه وقالت بجمود

" افضل أن لا نتحدث عن الأمر "

قال وكأنه لم يسمع ما قالت

" عليك أن تنسي كل ذلك فهو لم يعد له وجود ... كان ماض

وانتهى يا زيزفون "

فنظرت له سريعاً ولم تشعر بنفسها مطلقاً وصوتها يخرج

مرتفعاً حاداً وإن لم يكن تغلب على الضجيج من حولهما وصوت

الموسيقى التي أصبحت تنبعث من مكان ما

" انتهى كيف ؟ ماذا عن القضية وعن إسحاق وعن عائلة ذاك

الرجل ؟ وتعلم بالتأكيد بأنهم يسعون وبقوة لنقل القضية هنا

لمحاكم بريطانيا فأنت تعلم عن كل شيء ومن حيث لا أعلم ..!

كما تعلم جيداً بأن اختبائي خلف اسم مزور لن يدوم طويلاً "

كان صدرها يرتفع ويهبط بقوة من شدة انفعالها الغاضب فابتسم

بسخرية وهو يقول

" أي الإثنين تعني انجي جاكسون أم سيلين إسحاق ضرار ؟

لم أعرف امرأة مثلك تعيش بثلاث شخصيات مثبتة قانونياً

وسليمة لا نقاش فيها وأن تكون زوجة لابن عمها باسمها

الحقيقي تحديداً ! "

شعرت بغضبها يزداد مع تصاعد أنفاسها من سخريته ولا مبالاته

أولاً ومن كم الحقائق التي يعلمها عنها ثانياً فهي لم تعطي هذا

الخال حجمه الحقيقي بالتأكيد ولا يبدو لها أنه الرجل الانطوائي

المنعزل الذي عرفته في الماضي ...!!

قال حين لاحظ غضبها المكبوت والذي أوشك على الوصول

للانفجار

" حسناً أنا لا أتحدث عن القضية ولا عن إسحاق بل عنك أنت

وعن تأثير ذاك الماضي في...."

قاطعته بحزم آمر تنظر لعينيه

" لننهي الحديث في الأمر خالي رجاءً "

ولم تعجبها مطلقاً نظرة عدم الاقتناع التي رمقها بها فلما يهتم

أساساً إن كان ذاك الماضي لازال يؤثر بها أم لا وإن كانت تنفر

بالفعل من لمسات الرجال غير المتوقعة أو المقصودة ؟

ماذا يتوقعون منها مثلاً ؟ أن تجتاز كل ما حدث وكأنه لم يكن ؟

لم تكن روحها وحدها ما أزهقت تلك الليلة بل وشقيقها معها

احترقاً كما احترق جسد والدتهما أمام عينيهما وكما دُمرت

براءتها وبوحشية أمام شقيقها ... بأي حق يطلبون منها النسيان

وتخطي كل ذلك ؟

هي ماتت وانتهت منذ ذاك الوقت وعليهم جميعهم الاقتناع بهذا

ومهما كانت أسبابهم ودوافعهم فقد كان بإمكانها اجتياز كل ما

مرت به وبقوة حتى الجنون الذي كادت تصاب به وأنجزوا الكثير

وصفقوا لأنفسهم مهنئين وهم يخلصوها من كل تلك العقد

النفسية التي التصقت بها لكن هذه لا ...

لا يمكنهم فعلها كما لا يمكنها تخطيها ولا مساعدتهم في ذلك فذاك

دُفن داخلها وللأبد كما دُفنت جدتها ووالدتها ووالدها من قبلهما

قبضت أصابعها المرتجفة بقوة ونظرت جانباً متجنبة النظر لعينيه

المحدقة فيها بجمود ولم تستطع فهم ولا دراسة أفكاره فهو ثالث

شخص يعلم عنها وعن ماضيها الكثير بعد خالها دجى ومطر

شاهين لكن لم يعد يمكنها الوثوق به كما في الماضي وإن كان

دافع عن سرها ذاك وبقوة وحتى أمام القانون .

تركزت نظراتها وحدقتاها الغائمة بلون غامق فجائي أطفى عليهما

زرقة عميقة لا تشبه لونهما الأساسي بتاتاً وهي تنظر للواقف

بعيداً ومن كان ينظر لهما بتركيز منفصل تماماً عن أحاديث

الواقفين حوله ولم تفهم نظرته المستغربة المتفحصة تلك عمّا

تبحث تحديداً وهو من كان يتجاهلها بتعمد واضح ؟

ويبدو وكما لاحظت أن تساؤلاته تلك جميعها تدور حول الواقف

أمامها الآن والذي يبدو أيضاً لاحظ بوضوح نظرتها تلك بل

وتجزم بأنه كاد يقرأها وهي تعود بنظرها لعينيه ورأت فيهما تلك

النظرة وهو ينقلها بينها وبين الواقف هناك قبل أن يقول ناظراً

لعينيها

" من يكون ذاك الشاب ؟ يبدو يعرفك ؟ "

لم تفهم أكان سؤالاً ذاك أم استجواباً ! وبأي حق يرمقها بنظرة

الاتهام هذه ؟

أعليها أن تكون دنيئة منحطة كزوجها ؟

وماذا يقصد تحديداً ومما يبدو غاضباً ؟

حركت شفتيها متمتمة ببرود

" ذاك شقيق نجيب من والده ، ماذا تظنه مثلا ... عشيقي ؟

أنت لم تنسى حديثك السابق عن عُقد الماضي بالتأكيد "

لم يعلق كما لم يدفع الاتهام عن نفسه بل تنقلت نظراته بين

عينيها في شرود مبهم وكأنه يحاول تذكر شيء ما وقال بعد

برهة وبوجوم

" أهو شقيقه المحامي ؟ ذكر لي أن له شقيق أكبر منه يمتهن

المحاماة ؟ "

نظرت بريبة لعينيه المحدقتين فيها بفضول وترقب حذر لاحظته

بسهولة وقالت بدهاء أنثوي يشبهها

" بل نائب للمدعي العام في محكمة أولد بيلي الجنائية "

واصطادت بصدمة النظرة المرتبكة التي رمقها بها قبل أن

تجحض عيناه في الفراغ بوجوم مخيف وكادت تجزم بأنها نظرة

ذعر تلك التي رأتها في عينيه والتي أخفاها وبشكل سريع

وغامض عنها وهو يحدق فيها مجدداً حين قال بأحرف مشدودة

" ماذا يعلم عن الأمر ؟ هل أخبرته ؟ "

" لا ... ولا يعلم شيئاً "

قالتها مباشرة ولازالت تحاول فهم ما يجري في دماغ هذا الواقف

أمامها والذي لم تعد تراه كما كانت في السابق منذ زرع ذاك

الرجل الشكوك في داخلها حوله وها هي تزداد الآن ...!!

راقبت نظراته المشتتة والتي كانت تتسم بالثقة والكبرياء قبل

قليل ! فمما هو خائف فحتى انكشاف خبايا الجريمة لن يدفع هو

ثمنه بل شقيقها ! أم يخشى أن يُحاسب قانونياً على تستره عن

الحقيقة ؟ وذاك ليس بالسبب الكافي أيضاً !.

قال ينظر لعينيها وبجدية

" لا يجب أن يعلم شيئاً إذاً ... سبق وأخبرت زوجك ذاك بأني لا

أريد التعرف على أفراد عائلته ولا أن يعلموا هويتي ومن أكون

بالنسبة لك "

وتابع بانفعال فجائي وغريب حين رمقته بشك

" من أجل سلامتك وسلامة شقيقك يا زيزفون فتوقفي عن

التحديق بي هكذا وكأني قطة مسجونة في قفص "

رفعت حاجبيها في نظرة تعلم بأنه فهمها جيداً وكأنها تقول له

( ما بك انفعلت فجأة وبدون سبب !! )

فتأفف ونظر لساعته من تحت كم بذلته الرمادية المنشاة قبل

أن ينظر حوله قائلا

" علي أن أغادر الآن فثمة موعد مهم لا يجب أن أتأخر عنه

وزوجك يبدو سيغيب طويلا "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى غادر مبتعداً عنها بل ومن المكان

بأكمله نظراتها المشككة لازالت تتبعه حتى اختفى قبل أن تنظر

للجانب الآخر وللذي لم تحتاج للبحث كثيراً حول تلك الجهة

لتجده فقد ابتعد قليلاً عن المجموعة التي كان يقف معها منذ وقت

ولم يكن سوى وقاص ... وانعقد حاجباها البنيان الرقيقان وهي

تنظر للهاتف الذي كان يضعه على أذنه يبدو يتصل بأحدهم

وينتظر أن يجيب كما يبدو أن صبره بدأ ينفذ غضباً من الذي لم

يجب عليه حتى الآن .. ومن نظراته التي كانت مركزة على

المكان الذي خرج منه خالها للتو علمت ما ينوي فعله فشدت

قبضتاها بقوة تشد على أسنانها وتحركت من فورها ناحيته فعليها

أن توقف ذاك المتهور فوراً .

*
*
*


لامارا, ورد الخال, sweethoney and 62 others like this.
رد مع اقتباس

  #12124 
قديم 10-06-19, 09:21 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

رفعت كم سترتها ونظرت للساعة في معصمها قبل أن تنظر

حولها حيث القاعة الواسعة والفخمة والتي بدأ عدد الأشخاص

فيها يزداد عن توقعاتها وهذا ما سيجعل مهمتها أصعب مما كانت

تريد وتتوقع وجل ما تخشاه أن يَخيب أملها وتخرج صفر اليدين

من هنا فلم يوافق مطر بسهولة لتكون في هذا المكان ورفض

وبشكل قاطع ما كانت تفكر فيه وتخطط له ولم تُصدق أذنيها حين

أعلمها بأنها ستكون عند جسر تشيلسي وأنها ستكون هنا بعدها

بساعات قليلة .

" هذا ما يفعله إلحاح النساء المزعج "

همست بها مبتسمة وهي تنزل كم سترتها مبعدة يدها فمخططها

لازال يحتاج لوقت وبما أنهما بالكاد دخلا فلن يغادر الآن بالتأكيد

إلا إن خان توقعاتها وقرر المغادرة فور وصوله .. ولن تستغرب

أن يفعلها فهو كان صامتاً متجهما طوال الطريق إلى هنا مما يدل

على أن شيء ما لا يروق له في التواجد في هذا المكان وليست

السبب الوحيد بالتأكيد ولن تتعب نفسها في التفكير فيه فذاك ليس

هدفها .

ارتد جسدها للأمام بشكل طفيف فنظرت جانباً لصاحب البذلة

الأنيقة والعطر القوي الذي ابتسم لها معتذراً حين اصطدم بكتفها

وهو يجتازها فاغتصبت ابتسامة متفهمة تراقبه وهو يبتعد لازال

يرمقها بنظرات متسائلة بين الحين والآخر ولن تستغرب ذلك

منه بسبب ملابسها هذه فهي لا تستطيع ارتداء فستان سهرة

جميل كما جميع النساء هنا لأنها لن تتخلى عن حجابها ومهما

كلفها الأمر وعليها أن تكون هنا لذلك ستتحمل تلك النظرات بل

وتتجاهلها فثيابها أنيقة باهظة الثمن وإن كانت لا تناسب المكان

والمناسبة .

ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها .. ابتسامة هي أقرب

للانتصار حين وقع نظرها على الجهة التي يقف فيها سبب هذا

الحفل وقد عرفته سريعاً من ملامحه الارستقراطية التي تميز تلك

العائلة ومن تلك الدمية الجميلة الشقراء العابسة التي يمسك

بذراعها بتملك .. ولن تلومها أبداً فببداية كهذه سيكون الزواج

هو أكثر مشروع فاشل يحاط بتمنيات النجاح .

ولم يكن ذاك ما أبهج سريرتها بل مجموعة الشبان الذين أصبحوا

يقفون حوله هو وزوجته بملابسهم السوداء الغريبة حتى أن لون

شعر كل واحد منهم كان كذلك ويبدو بشكل متعمد فملامحهم

انجليزية ولن يحملوا جميعهم ذات الصفة ! ويبدو أنهم أيضاً

يشكلون فريقاً في شيء ما وقد يكونوا من راقصي الهيب هوب

وأرادوا حضور زواج صديقهم على طريقتهم !!

كما يبدو أنهم من المقربين له وها قد وجدت أخيراً مجموعة شاذة

تشبهها وعليها الاقتراب منهم لبعض الوقت لتزيل الشبهات وتلك

النظرات عنها والتي تجعلها كالحمقاء فهدفها يبدو أنه لم

يصل بعد .

وما أن تحركت من مكانها حتى أوقفتها الأصابع الطويلة التي

التفت حول ذراعها النحيل وما أن نظرت خلفها بل وللأعلى قليلا

وكما توقعت كانت في مواجهة الملامح الرجولية المتجهمة بل

والغاضبة على ما يبدو وإن كان ذاك القناع الجامد يخفي ذلك

وببراعة .

قال بخشونة في أول حديث بينهما يكون هو الطرف فيه

" أليس من اللباقة أن لا تتركي مرافقك ؟ أم يعجبك التسكع

في حفل لا تعرفين فيه أحداً كما أظن ! "

رمشت بأهدابها الطويلة عدة مرات وفكرت سريعاً في أن هذا
الوجه سيصبح أكثر وسامة إن تصدق عليه صاحبه بابتسامة

ما .. وتخيلت نفسها تقول له ذلك بالفعل والآن تحديداً فلم تستطع

منع الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها تخفي ضحكة ما تختبئ

خلف أنفاسها المسجونة في حلقها وعبثت أسنانها بشفتها تمسك

ابتسامتها أيضا وقالت بخفة

" معك حق فهذا أول ما سأقوله لمرافقي حين أجده "

مما جعل حاجباه يرتفعان لتترك أصابعه ذراعها فها هي تعيد

توجيه الضربة له وفي وقت قياسي لتجعل تصرفه هو الذي

يفتقد للباقة !

فمن هذا الذي اختفى وترك الآخر إن لم يكن هي ؟

وكان تعليقه الوحيد أن أدار وجهه للجانب الآخر متأففا بصمت

فهذا ما ينقصه امرأة ثرثارة أخرى طويلة لسان .

بينما راقبته عيناها بصمت تمرر طرف لسانها على شفتها العلوية

وما أن كانت ستتحدث وتريه من إبداعات النساء المزيد حتى لفت

انتباهها شخصان تحركت نظراتها معهما فوراً يتجهان حيث كانت

تخطط هي أن تذهب على ما يبدو فقد كانا واقفيْن بسبب شخص

ما يتحدث معهما وقد تحركا مجدداً من أجل البحث عن وجهة

محددة يقصدانها .. وضاقت عيناها الواسعة تنظر للشاب الطويل

الأنيق والفتاة ذات الفستان الأحمر الممسكة بذراعه شعرها البني

الناعم قد تناثر حول كتفيها وظهرها بنعومة تشبه ملامحها

وابتسامتها المتناقضة تماماً مع ذاك الوسيم العابس وهمست

بحنق طفولي

" الخائنان .. !! "

كيف لهذا أن يحدث فهما كانا أقصر منها في آخر مرة رأتهما

فيها معاً !

لما يتطور كل شيء من حولها عداها هي فقد علقت في ذاك

العمر على ما يبدو وبقيت مكانها فحتى تلك الطفلة الصغيرة

ها قد أصبح لها جسد مثالي وساقان طويلتان نسبيا عكسها

تماماً !

نظرت للواقف قربها والذي يبدو أن المشهد سرق إهتمامه أيضا

غير أن نظرته ازدادت قتامة عن السابق وكأنه غاضب من شيء

ما وبطريقة مخيفة ...!!

أدارت عينيها مجدداً جهة صاحب تلك الوسامة المدمرة ورفيقته

وتنهدت بأسى .

" هاي ... انظر لهذه المفاجأة يا رجل "

استدار شاهر حينها بنصف جسده في حركة سريعة ما أن وصله

ذاك الصوت الرجولي المرح وابتسم من فوره بمجاملة للرجل

الخمسيني والمرأة الشابة الممسكة بذراعه قائلا بنبرة عميقة

متزنة "

مرحبا سيد جوردان ... لم أتوقع أن أراك هنا ! "

واسترسل الرجل الانجليزي من فوره يروي له قصة رحلته التي

لم تكلل بالنجاح وسبب عدم مكوثه في جزر الأوركيني الشمالية

مما أتاح الفرصة للتي تركها خلف ظهره للابتعاد عنه بخطوة

صغيرة فكل ما تخطط له هو الاختفاء مجدداً والتوجه حيث كانت

تنوي قبل قليل .

*
*
*


" وقاص "
شدت كم يد سترته السوداء الفاخرة جهة مرفقه والتي كان

يرفعها بالهاتف لأذنه مناديه باسمه من بين أسنانها فأبعد نظره

عن المكان الذي علق فيه منذ وقت ونظر باستغراب للتي باتت

واقفة أمامه في الوقت الذي فتح فيه الطرف الآخر الخط أخيراً

فهمس والجمود لم يغادر ملامحه

" قليلاً فقط يا زيزفون "

وما أن كان سيبتعد عنها وذاك ما كانت تتوقعه فهو يخطط بالتأكيد

لأن يرسل أحدهم للحاق بمن غادر للتو لكنها لن تتركه يفعل ذلك

لن يدمر كل ما فعلوه لأعوام لحماية شقيقها ودفن في ماضيها

وللأبد .. لن تسمح له بفعلها ومهما كانت نواياه ، رفعت جسدها

ويدها ليده قبل أن ينفذ ما يخطط له ويبتعد عنها وسحبت الهاتف

منها في حركة لم يكن يتوقعها لما كان سمح لها بفعلها وإضاعة

الوقت عليه فإن غادر ذاك الرجل بوابة القصر الخارجية فلن يجده

مجدداً ومهما حاول وذاك ما يعرفه كلاهما .

نظر لها بدهشة وكأنه لم يستوعب حركتها تلك قبل أن يمد يده

لها قائلا بحزم

" أعطني الهاتف يا زيزفون ثمة مخابرة مهمة ثم يمكنك قول

ما تشائين ويمكنني سماعك "

دست يدها والهاتف فيها خلف ظهرها وتراجعت للخلف خطوة

قائلة بحزم

" لن أعطيك إياه لأني أعلم ما ستفعل وأخبرتك سابقاً أن

تبتعد عن كل ما يخصني يا وقاص "

حدق فيها بصمت قبل أن يقول بضيق

" ومن قال بأن الأمر يخصك ؟

لقد فهمت كلماتك السابقة جيداً ووصل ما تريدين قوله ضمنياً "

زمت شفتيها بحنق فهو لم ينسى كلماتها القاسية تلك إذاً ولن

ينساها بالتأكيد وتعلم بأن كرامته كما كبريائه جرحا وبعنف

بسببها لكنه لازال يعجز عن منع نفسه من حشر أنفه فيما

يخصها وإن أظهر عكس ذلك وتعلم جيداً بل وموقنة بأنه

سيستمر في البحث بعيداً عنها ، قالت تموه ذكاء المحامي فيه

كي لا يشك بهوية خالها ذاك وبأنها تبعده عنه تحديداً

" توقف إذاً عن مطاردة أصدقاء شقيقك ذاك ومراقبتهم فالأمر

يخصني أيضاً "

قال بحدة رامياً بحديثه السابق عرض الحائط

" وأي صديق ذاك الذي يأخذ كل تلك المساحة من أحاديثكما

منفردين وكأنكما تعرفان بعضكما جيداً ؟

بل وعربي الأصل ولم أراه سابقاً ولا من ضمن أصدقاء نجيب !

بل وليس في سن يناسب لأن تكون ثمة صداقة بينهما بينما ليس

لدى ذاك الفاشل أي أعمال ليكون له شركاء فيها أو أصدقاء

مشتركين ؟! "

اشتدت أناملها بقوة على الهاتف الذي لازالت تخفيه خلف ظهرها

وقالت بضيق

" عليك أن تعلم أمراً واحداً فقط وهو أن تبتعد عن طريقي

ولا تتدخل فيما يرفض غيرك أن تتدخل فيه "

مد يده لها قائلا بأمر ومتجاهلا كل ما قالته

" الهاتف يا زيزفون "

قالت برفض تبتعد عنه خطوة أخرى

" لا لن أعطيك إياه وذاك الرجل لا أعرفه وحديثنا كان

عابراً عادياً "

خرجت منه ضحكة ساخرة قصيرة لا مكان للمرح فيها قبل

أن يقول "

ولما كنت غاضبة إذاً ...؟ أنا نفسي لم أعرف فيك تلك المشاعر

إلا نادراً ! "

قالت بضيق

" ومن تكون أنت لتقيم مشاعري وانفعالاتي ومنذ متى تعرفني

لتحكم ؟ توقف عن افتعال المشاكل مع شقيقك بسببي لقد سئمت "

كانت تعلم بأنها كمن يحارب الهواء بما تفعل مع هذا العنيد فقد

أشار بيده حيث غادر سبب حديثهما ذاك قائلا بحدة

" هذا ليس عذراً لتمنعيني من معرفة هوية ذاك الرجل فهل لي

أن أفهم السبب ؟ "

كانت هي من ضحك تلك الضحكة الساخرة حينها وقالت

" مغرمة به وأحمي علاقتي معه منك ... أيكفيك هذا ؟ "

قال من فوره وبضيق

" زيزفون توقفي عن التفوه بالحماقات تعلمين جيداً أن ذاك

ليس ما أفكر فيه أو أعنيه "

حاولت أن تموه الحقيقة مجددا فعليها أن تطرد من رأسه فكرة

أنها تحمي هوية ذاك الرجل من الانكشاف وقالت بضيق مماثل

" ليس عليك تصنيف جميع رفاق شقيقك على أنهم مؤذيين ...

أنا قادرة جيداً على حماية نفسي "

مد يده لها مجدداً وقال بحزم

" أعطني الهاتف إذا وسأتأكد من نفسي صدق حديثك هذا ...

ولك أن توجهي لي الإهانات القاتلة حتى الصباح فلن أهتم "

فخرجت مشاعرها عن السيطرة نهاية الأمر وقالت بانفعال واضح

" توقف يا وقاص متى ستفهم ؟ حتى تصبح صفحة جديدة من

رسوماتي ؟ "
نظر لعينيها بصمت واستغراب استطاعت قراءة ما ورائه جيداً

فتأففت بضيق وأشاحت بوجهها عنه جانباً وسقطت يدها بجانب

جسدها وهاتفه لازال فيها وحدث ما توقعته جيداً حين وصلها

صوته ونبرته العميقة التي تبدلت للهدوء فجأة

" ما معنى هذا التهديد يا زيزفون ؟ من هذا الذي قد يقتلني

إن استمررت في البحث عنه ؟ "

نظرت له بسرعة وقالت بجمود

" قدري ... لا أحد سوى قدري الذي يأخذ كل من يفكر في

حمايتي أو الدفاع عني فاتركني وشأني أخبرتك بأني قادرة

على حماية نفسي "
نقل نظره بين عينيها قبل أن يقول بجمود

" لكن قدرك لم يأخذ الرجل الذي ساعدك للخروج من كل

ذاك النفق المظلم كما أظن ؟! "

فاشتدت أصابعها على هاتفه فيها حتى آلمتها وقالت ببرود ناقض

مشاعرها تلك

" ذلك لأنه لا يبحث عن الحقائق ... لا ينبش الماضي ولا يحاول

الوصول لما تسعى له أنت لكان مات مثلهم بالتأكيد ولا تنسى

بأني حذرتك "

لانت نظراته فجأة وقال بتأن

" ولماذا ...؟ لما يعنيك تحذيري وأن لا أنتهي لذاك المصير ؟

لتحميني أم لتحمي شيئاً أجهله ؟! "

أشاحت بوجهها عنه ورفعت يدها لصدرها تتنفس بقوة قبل أن

تمدها ناحيته وقالت بجمود ولازالت تتجنب النظر له

" هاتفك "

فغرضها منه انتهى وسيكون خالها ابتعد بالتأكيد ولن تكشف له

شيئاً الآن والأمور بدأت تنتقل للتعقد أكثر مما يعني بأنها اقتربت

من الانجلاء فهكذا هي حكمة الحياة كلما ازداد السواد قتامة

كان بصيص النور قريباً مثلما كلما ضاقت حبائلها فرجت .

نظرت لعينيه حين قال بنبرة أشد صلابة من نبرتها ولم يرفع

يده لهاتفه ولم يأخذه منها

" لن آخذه حتى تجيبي عن السؤال الذي تجاهلته متعمدة "

سحبت نفساً عميقاً ارتفعت معه تفاصيل صدرها الأنثوي وقالت

تزفره بقوة

" بل لأنه لا جواب لدي فخذ هاتفك أو أنت الخاسر الوحيد

إن بقي لدي "

قال ناظرا لعينيها متجاهلاً يدها وهاتفه فيها كما حديثها

" ترفضين فعلاً أن أموت يا زيزفون ؟ أم لا تريدين تحميل

نفسك ذنب ذلك ؟ "

لم تجب كما لم تنزل يدها ولم تبعد نظراتها عن عينيه فرفع يده

حينها وفي صمت وإن كانت نظرته لا تؤكد البتة بأنه مقتنع

بأجوبتها وإن كانت الصمت ، وما أن وصلت يده له أمسكه

لكن ليس لوحده بل وأصابعها معه وشد عليها بقوة ولازال ينظر

لعينيها نظرة لا تفهم أكانت تعني الإصرار والعناد على ما يرفض

التوقف عن البحث عنه وهي الحقيقة التي يصر على أنها ستكون

سبب براءتها الحقيقي أم تأكيداً على حديثه ذاك وسؤاله ؟

" وقاص "

أبعد يده وهاتفه فيها كما فعلت هي وهي تتنحى للجانب قليلاً

للمرأة التي كانت خلفها ونادته للتو برقة ونبرة هادئة والتي ما

أن أصبحت تقف معهما حتى تبين لها هويتها الحقيقية فانتقلت

نظراتها على جسدها صعوداً وابتسامة ساخرة بطيئة تزين شفتيها

وحدقتاها الزرقاء تنتقل من جسدها الذي تغير وبشكل واضح وإن

لم يصل للرشاقة المطلقة بعد يغطيه فستان عشبي اللون من

الحرير الطبيعي تزينه قطعة كريستاليه لامعة عند الصدر الذي

انكشف أغلبه من فتحته المثلثة الواسعة لينتهي قماشه لقطعتي

كريستال أخريين مستطيلتا الشكل تجمعان قماشه فوق كتفيها مما

زاد تلك الفتحة اتساعا مبرزة ما تحتها كدعوة واضحة لكل من

يراه ! بل وكأن صاحبته لم تستطع إبراز مفاتن أنوثتها إلا الآن

لتسارع لعرضها للعلن ...!!

ذقن أصبح مشدوداً بعد أن أزيل الجلد المتدلي قليلاً تحته

والممتلئ .. شفتان كانتا متباينتا العرض تماماً بسفلى ممتلئة

وعلوية رقيقة لتصبحا بذات الحجم والشكل مشدودتا الطرفين

كبالون صغير منتفخ ومطلي باللون الأحمر اللامع ... أنف مسطح

من الأسفل بينما توقفت عمليات التحسين عند عظمته العريضة

بين العينين اللتان تغير لونهما للأزرق المشوش بسبب السواد

الحقيقي للحدقة المخفية تحت تلك العدسات اللاصقة ورموش

صناعية كثيفة ... وانتهى الأمر عند الشعر الذي تحول للأشقر

الفاتح وقد تخللته وصلات لشعر حقيقي بأطوال مختلفة لتخفي

قصره الحقيقي فتنزل متدرجة حتى منتصف ذراعيها اللتان

لا زالتا تحتفظان ببعض ذاك الامتلاء الغير خاضع لطرق الصقل

الجديدة التي يبدو خضع لها ذاك الجسد !.
نظرت لعينيها ولنظرة الاحتقار والكره التي كانت ترمقها بها

واتسعت ابتسامتها الساخرة وهي تقول ونظراتها تشملها مجدداً

باستخفاف بضحكة ساخرة مكتومة

" رائع يبدو أن الحفل الممل أصبح ينزلق للأفضل وستبدأ

العروض الترفيهية الآن "

" زيزفون !! "

نظرت من فورها لصاحب ذاك الصوت الرجولي الحازم وهو

يسكتها والذي تابع بضيق ناظراً لعينيها

" توقفي عن هذا فجمانة لم تتحدث معك أو تسيء إليك "

نظرت لها مجدداً قبل أن تعود بنظرها إليه وقالت بذات ابتسامتها

الساخرة

" كانت زيزفون من تتلقى الآراء السلبية دائماً وكان لا بأس ...!

من حقها إذاً أن تعامل الجميع بالمثل أليس كذلك يا رجل

العدالة ؟ "

ولم تكترث قط لنظرة الضيق والرفض لكلماتها التي رماها بها

واستدارت ناحية التي شملتها نظراتها الساخرة مجدداً وقالت

بسخرية أشد

" ولا تخف على مشاعرها هكذا فستكون اتخذت حصانة ضد

كل هذا والفضل يرجع لك بالتأكيد "

وغادرت مبتعدة عنهما ما أن أنهت حديثها ذاك ترفع رأسها

بكبرياء أنثوي لم يزدها سوى سحراً قوياً يلتف حولها

كالمغناطيس تاركة خلفها من سحقتها تحت حذائها ذو الكعبين

المرتفعين كالسجادة فذاك ما شعرت به تلك حقاً وكم كرهت أن

اختارت صبغ شعرها بهذا اللون واقتناء العدسات اللاصقة وبهذا

اللون تحديداً فقد قرأت وبوضوح في نظراتها الساخرة تلك بأنها

تفهم محاولاتها البائسة بأن تكون نسخة عنها .. وليس لها أن

تنكر ذلك فصورتها فقط ما كانت أمام عينيها وهي تستعد لحفل

الليلة وكأنها تنوي تقليدها لشد ما يجذب زوجها لها مما أظهرها

بمظهر سخيف وستكون سخرية الجميع مثلها بالتأكيد ...

لكن لا .. هي لن تسمح لذلك بأن يؤثر عليها ولن تنجح تلك

ولا غيرها في تدمير ثقتها الجديدة بنفسها فهي راضية تماماً

عما أصبحت عليه وما كانت تريده وتتمناه منذ عرفت هذا

الرجل .

رفعت نظراتها به وكما توقعت كان ينظر لها ونظرته تلك لم تعبر

عن الرضا البتة ولم تكن لتتوقع غير ذلك لكن هذا أيضاً لن يثنيها

عن هدفها وستستعيده لها فهو زوجها وهي الأحق به من جميع

النساء وكما قالت تلك قبل قليل والتي استطاعت فهمه أكثر منها

هي الحمقاء والتي عاشت معه أكثر مما عرفته هي فهو بالفعل

كان يدعمها ويحاول جاهداً الرفع من معنوياتها المحطمة ويحاول

دائماً إفهامها بأن لا تلتفت لأي رأي غير رأيه مما كان من

المفترض أن يشكل لديها حصانة منيعة ضد آراء الأخرين بها

لترميها وراء ظهرها لكنها الحمقاء كانت العكس تماماً .

جمانة الماضي كانت لتهرب الآن لغرفتها تنحب بين جدرانها

لوحدها بسبب ما سمعته منها .. أو كانت لتحاول استدرار عطفه

وهي تصف له بكلمات متألمة باكية عن مشاعرها المحطمة بسبب

تجريحها ذاك وسيحاول هو مواساتها وتبديد شكوكها بالطبع مما

سيزيدها بكاء وكما ستفعل أي امرأة ضعيفة مهزوزة حمقاء مثلها

فينتهي الأمر بأن يتدمر منها وتفقد حتى شفقته اللحظية تلك ...

لكن جمانة الماضي تغيرت بل وماتت ولن تسمح لها بأن تظهر

مجدداً وتدمر كل ما صنعته ووصلت إليه .

رفعت أصابعها تبعد بها غرتها عن طرف وجهها ولازالت تحدق

به وأفتر ثغرها عن ابتسامة حاولت أن تجعلها كما علمتها

شقيقتها قدر المستطاع أنثوية مغرية وهي تبعد شفتيها لتتحدث

لكنها ماتت وفي مهدها كما تلك الكلمات على أعتاب شفتيها حين

قال الواقف أمامها وبضيق

" لما أنت هنا يا جمانة ؟ "

كانت تعلم بأنه لم يكن يعني الحفل بل أمامه هنا وبأنه لم يقل ما

قال لتلك ودافع عنها أمامها إلا بسبب طبعه الذي يميزه عن جميع

الرجال ، تابع ودون رحمة حين لم تعلق

" إن كنت هنا من أجل أن تتحدثي وأستمع لك فلا شيء

نتحدث عنه "

فجمعت قواها المشتتة مجدداً وقالت وإن بصعوبة

" أنا هنا ليس من أجل أن نتحدث بل من أجلك أنت "

قالتها وبكل جرأة لم تعرفها في نفسها من قبل فلم تبدي له

عبارات التودد المماثلة سابقاً لأنها لم تكن تسمعها منه لكنها

ستتحدث الآن ولن تنتظر أن يبادلها بالمثل فسيتغير كل ذلك مع

الوقت ومهما طال ، حاولت جاهدة أن لا تسمح للدموع بأن

تتسرب من عينيها حين قال وبقسوة

" هل أنت راضية الآن عما صرت عليه ؟ أهذا ما سيجعلك راضية

عن نفسك ! أرأيت ما أوصلتك له تلك الأفكار السخيفة

عن العمليات التجميلية الفاشلة "

شعرت بضربة قاسية وجهت لقلبها وكلماته صفعت وجهها وبقوة

فهو وبالرغم من أنه تجنب وبشكل واضح أن ينتقد شكلها الجديد

كما فعلت تلك قبله إلا أنه آذاها فعلاً برأيه السلبي في مظهرها

الذي تكبدت عناءً كبيراً لتصير عليه ومن أجله قبل الجميع ...

لكنها كانت تتوقع هذا وتعلم جيداً بأنه سيحدث وعليها أن لا تنسى

ذلك فهو غاضب منها ولن تتوقع منه أن ينبهر ويبتهج ويمطرها

بعبارات المديح ويتغزل بها وهو يراقصها كما يفعل الإنجليز ..

كما تعلم بأن دربها سيكون طويلاً بطول معاناتها السابقة مع

نفسها قبل أن تكون معه وهي من خسرته ومن عليها أن تدفعه

نحوها ولتمتلكه وليس لتستعيده فهو لم يكن لها يوماً ، رفعت

يدها وما أن لامست أطراف أناملها ظهر كف يده هامسة

" وقاص.... "

حتي جذبها بعيداً وتصلبت ملامحه وكأنها نار لسعته وقال بضيق

" لا تتلفظي بإسمي مجدداً ولا تقتربي مني فأنت من دمر كل

شيء يوم خيرتك واخترت كل هذه التفاهات عني "

أعادت يدها وضمتها لصدرها تتلقى باقي هجومه القاسي

" أخبرتك سابقاً ومراراً أن التغيير لا يأتي من الخارج وأن

القشور لا تُهم سوى محدودي التفكير وأن ... أو لما أتعب

نفسي بتكرار ما كررته لثلاثة أعوام كالببغاء "

حاولت بصعوبة تنظم أنفاسها كما مشاعرها المتأذية من قسوته

وقالت بضعف

" أعطنا فرصة ... فرصة جديدة ولن نقول أخيرة ... ألست من

كان يطلب ذلك ويشجعه دائماً ؟ "

أبتسم بسخرية قبل أن يقول بحدة ناقضت ابتسامته تلك

" كان ذاك قبل أن تغادري هذا المنزل وتختاري العملية فلن

تلومي أحداً سوى نفسك لأنه اختيارك "

بلعت ريقها كما غصتها وإهاناته معها وقالت بصبر

" أنت غاضب الآن ونحن في مكان غير مناسب للتحدث

فسيكو.... "

فقاطعها بنفاذ صبر ملوحاً بيده

" توقفي يا جمانة بالله عليك فهذه الأدوار لا تليق بك "

قالت بأسى حزين تضغط على وتره الحساس ونقطة ضعفه التي

تعرفها جيداً

" توقف أنت عن إهانتي برفع صوتك هكذا أمام من باتو

يسترقون السمع لنا حلفتك بالله وحافظ على كرامتي وإن

أمامهم ... أنا لا أطلب أكثر من هذا الآن "

وما أن أشاح بوجهه متنهداً بعمق ولاذ بالصمت حتى ابتسمت

بانتصار فهي تعرفه جيداً لن يجرحها أمام شخص ثالث وأيا كان

وكانت الظروف وهذه البداية وستكون جيدة كبداية فقط ولن

تضيّع كل ما علمتها إياه شقيقتها وما سهرت ليالٍ دون نوم تفكر

فيه وتحلله وتقلبه حسب شخصيته فلن تُسلم هذا الرجل المليء

بالمزايا من خارجه لداخله لأي امرأة وهي زوجته ومن تحظى

بمكانة لم تصلها غيرها ، قالت بنبرة حزينة نظرها لازال معلقاً

بملامحه

" عاملني كوقاص الذي أعرفه وإن أمام الناس ثم عاقبني

بما شئت وما تريد حين نكون لوحدنا "

وما أن نظر للأسفل ولاذ بالصمت شع وجهها بابتسامة رضا

واسعة واقتربت منه .. ودون تردد التفت أصابعها حول ذراعه

وقالت تسحبه معها

" والداي هنا ... لقد وصلنا للتو ويريدان رؤيتك "

*
*
*

رغم ابتعادهما إلا أن رأسها كان يستدير للخلف وعيناها لا زالتا

هناك وقالت ما لم تسأل نفسها قبل قوله

" من تلك المرأة غريبة المظهر مع والدك ؟ "

وسرعان ما عضت لسانها موبخه نفسها حين دفعها بسحبه

لذراعه المتمسكة بها لكي تنظر أمامها وتصمت فهي تنسى دائماً

بأنها تدني نفسها خطوة في كل مرة لتصبح في نظره مثلهم وكما

سبق وحذرها دائماً .

وما لم تتوقعه أبداً حدث حينها أن تحركت شفتاه وقال بجمود

" تلك زوجته "

فنظرت له بصدمة توقفت معها عن السير مما جعله يقف أيضاً

وحدقت فيه تلك العينان العسلية بذهول ليس لأنه أجاب وهي لم

تتوقع ذلك أبداً منه بل للإجابة نفسها !

تنقلت نظراتها الذاهلة المصعوقة في ملامح وجهه الباردة ككلماته

تلك قبل أن يتحرر لسانها المتحجر وقالت مندفعة

" زوجته كيف ومتى ...؟ بل ولما ! "

قالت كلمتها الأخيرة تلك بالكثير من الأسى والألم لكنها لم تلحظ

شيئاً من ذلك في عينيه المحدقتان بعينيها ...؟ لا شيء سوى

البرود و... اللامبالاة !! توقعت أن ترى غضباً دفيناً !

ألماً محجوباً عن الجميع عداها فيهما !

توقعت حتى الانكسار وخيبة الأمل التي تستبعدها لكنها لم تتخيل

أبداً أن يواجه الموقف ببرود تام بل وعدم اكتراث وامرأة أخرى

تقف مكان والدته وإن كانت ميتة ! فهي تعي جيداً كم يقدس

ذكراها ويحبها لكنها لم تتخيل قطعاً أن يكون والده ميتاً بالنسبة

له ولهذا الحد المريع !!

تحركت شفتاها المصابتان مجدداً في محاولة لقول شيء آخر لا

تعلمه حتى مما جعل الأحرف تخرج متقطعة مشتتة

" لكن ... لكنه... "

فقاطعها بأن سار مجدداً يسحبها معه متمتماً بضيق

" تحركي وتوقفي عن الثرثرة ماريا فرأسي يؤلمني "

رأسه يؤلمه !

جيد هو أثبت لها على الأقل بأنه يملك جزءاً بشرياً في جسده تلك

اللحظة ... ثم أيؤلمه من ثرثرتها كما يسميها بينما المكان يعج

بالأحاديث والضحكات العالية ؟ تتساءل أحياناً إن كانت دماءً تلك
التي تسري في عروقه كباقي البشر أم سائل أسود يحركه كآلة

صماء !

وصلا حيث يقف رواح وساندرين بجانبه ولهدفهما الرئيسي من

القدوم بالطبع ولن تتوقع منه أن يفعل غير ذلك ، كان يحيط بهما

مجموعة من الشبان بزي موحد جعل منهم محطاً للأنظار فهم

بدوا مميزين بالفعل حتى أن طولهم متقارب بشكل واضح

ومدهش ...! مبتسمين مرحين وحركاتهم وكأنها متناغمة

ومدروسة رغم عشوائيتها !

ولن تستغرب أبداً أن يكون له أصدقاء هكذا فهي تراه يشبه

الواقفة بجانبه تماماً شخصية تحمل الكثير من المفاجآت ويمكنك

توقع الكثير منها بل ويمكنها الانسجام مع أمثال الواقفين حولهما

يتحدون ويضحكون دون توقف .

" المعذرة "

تلك الكلمة الباردة الحازمة التي خرجت من شفتي المرافق لها

جعلت اثنين منهم ينظرا لهما للخلف قبل أن يتنحيا جانباً ليصبحا

مقابلان تماماً لرواح وساندرين وعم الصمت تلك المجموعة وكأن

حضوره وكالعادة يجذب الصمت التام كما الأحداق والنظرات ..!

وكانت ابتسامة رواح أول رد فعل له لكنها لم تجذبها بقدر ما

جذبتها تلك النظرة في عيني ساندرين وهي تنتقل ببرود في

ملامحها ولها أن تتوقع ذلك فأثر تلك الكدمة المخيفة التي كانت

تزين وجنتها لم يختفي بشكل كامل وإن كانت شفيت تقريباً وما

يزيد الوضع سوءاً أيضاً أن الجروح الصغيرة التي سببتها تلك

السكاكين أسفل فكها وذقنها لم تختفي جميعها بشكل كامل أيضاً

ولم تنجح مساحيق التجميل الخفيفة التي وضعتها في إخفاء كل

ذلك حيث أن جرحين منها كانا أعمق من الأخرى التي اختفت

جميعها وتعلم جيداً أن هذا كان سبب تلك النظرة التي وجهها

والده نحوهما أيضاً وإن كانت تستغرب أن لاحظ هذا من بعيد !

فحتى الجرح في يدها استغنت عن الشاش الطبي لتغطيته بشريط

طبي لاصق منذ أيام لتغطيته وحده لأنه بدأ يتماثل للشفاء .

علّق رواح سريعاً ومحاولاً تبديد كل ذاك الجو المشحون وقال

مبتسماً وغامزاً لها بعينه

" فعلتها إذاً ... رأيت أن كلامي كان صحيحاً "

فابتسمت له بارتباك وحضنت يدها الأخرى أيضاً الذراع التي

لازالت تتمسك بها وقالت تنقل نظراتها بينهما

" مبارك لكما .... "

وتابعت وقد استقرت نظراتها على عيني ساندرين تحديداً

" لقد جئنا من أجلكما "

لكن تلك الجميلة العابسة لم تقابل نظرتها ولا ابتسامتها تلك

بالمثل حين قالت ببرود

" هل هذا حقاً ما أردته لنفسك ماري ؟ "

فخيم الحزن على تلك الملامح سريعاً ورغم توقعها لردة فعلها تلك

إلا أن كلماتها جرحتها وبعنف خاصة وهي تناديها باسم تلك الفتاة

التي لطالما ذكرتها بأنها تشبهها فهي من اليأس والضعف أن

انتحرت بسبب حبها لرجل لا يبادلها تلك المشاعر ، وهي لا

تناديها بذاك الاسم إلا لتذكرها بذلك .. ورغم كل ذلك استطاعت ان

تجبر شفتيها على الابتسام وأصابعها تضغط بقوة على ذراع

الواقف ملاصقاً لها كي لا يتحدث وتعلم جيداً بأنه يفهم إشارتها

تلك وقالت وكأنها لم تسمع شيئاً من حديثها ذاك

" أنا حقاً سعيدة .. ومن أجلكما أيضاً "

قالت ذلك بمشاعر صادقة بالفعل فبالرغم من نظرة الجميع

لوضعها معه وبالرغم من التزاماته وعمله وبجميع مخاطره

والمهام التي جعلت حتى من امرأة أخرى شريكة لها فيه إلا أنها

سعيدة حقاً بوجودها بقربه ومعه ولن يفهم أحد مطلقاً معنى هذا

ومعنى ما تشعر به وتحتاجه .

" أتمنى ذلك فعلاً "

كان ذاك فقط ما علقت به الواقفة أمامها ونظراتها الحانقة تنتقل

للفراغ وتعلم بأنها لن تستطيع أن تغضب منها أبداً فهي تفهم

طريقة تفكير ساندرين جيداً وبأنها لا تكرهها بل تحبها وهذا

السبب الأساسي في رد فعلها ذاك لكن وبما أنهما من شخصيتان

متناقضتان تماماً فلن تستطيع أيا منهما إقناع الأخرى ولا تغيير

رأيها أو حتى موافقتها.

قال أحد من اكتفوا بالتحديق والصمت مستمعين لكل ذاك الحوار

المبهم الغامض وهو يرسم ابتسامة

" حسناً ألن تعرفنا بهما يا رواح فيبدو أن صديقات زوجتك

رائعات مثلها "

وأتبع كلماته تلك بضحكة قال من خلالها وهو يغمز لتيم والواقف

بجانب من نظرت له بصدمة

" أم أن حبيبها لن يعجبه ذلك ؟ "

لتموت تلك الضحكة ما أن رمته تلك العينان السوداء بنظرة كفيلة

بإرساله للموت فوراً بينما حاول انتزاع ذراعه منها في حركة

جعلت أصحاب تلك الملابس السوداء جميعهم يتراجعون خطوة

للوراء في رد فعل لا إرادي من معرفتهم لنيته المحتمة بينما

بقي المعني بالأمر واقفاً مكانه ينظر له بصدمة فكانت ردة الفعل

الأخرى والأسرع لرواح والذي مد يده وذراعه بطولها بينهما

وقال بابتسامة ناقضت كل ذاك الجو المشحون

" هيه توقف يا رجل فهم يحتاجون لعددهم كاملاً من أجل العرض

القادم في غوت تالند لهذا الموسم "

وحين لم يرى استجابة من الذي حاول سحب ذراعه مجدداً ممن

كانت تمسكها بقوة وترمقه بضيق غاضب هامسة

" تيم توقف "

فتحرك حينها من مكانه ووقف بينهما وقال بحزم محدقاً في تلك

العينان الغاضبة

" لا تتصرف كالمراهقين يا رجل "

وكان كلامه تذكيراً له أكثر من كونه تحذير بأن ما يفكر في فعله

الآن لن يكون في صالحه أبداً فتحرك من مكانه مغادراً من هناك

يمسك بيد التي سحبها خلفه خطواته الواسعة الغاضبة تجتاز

الموجودين يحدقون بهما فبعضهم تمكن من معرفته بسهولة

وكيف يمكنهم نسيان ما حدث في الحفل السابق الذي انتهى

برصاصة من مسدسه .. بينما ميّز البعض الآخر هويته بسبب

الصور التي جمعته بتلك الفتاة الانجليزية المعروفة وابنة رجل

واحد من أهم رجال البلاد .

كانت وجهته الباب الذي دخلا منه قبل قليل لا يرى شيئاً آخر

سواه أمامه لكن ذاك الصوت الأنثوي الذي وصله من خلف أذنه

تمكن من إيقافه مجدداً ما أن أجبرته على التوقف فوراً بوقوفها

قائلة

" انتظر قليلاً تيم لن نغادر الآن "

فاستدار نحوها وقال بضيق

" وماذا بعد ماريا ؟ مزيداً من الإهانات ؟ أم أن رفقة أولئك

الصعاليك تعجبك وقررت مرافقتهم ؟ "

نظرت له برفض محتج تخفي به أكثر مرارتها وجرحها من

كلماته لكنها لم تستطع منعها من الخروج مع صوتها الهامس

" لم أكن أتوقع أن تلك نظرتك لي ! "

لكن ذلك لم يخفف من غضبه شيئاً وهو يشير برأسه حيث

كانا قائلاً

" أنا أشرح فقط ما أراه أمامي "

فابتلعت إهانته الجديدة مع ريقها الجاف وقالت بضيق

" تفكيرهم يختلف عنا كما حياتهم وعلاقاتهم وأنت تعرف ذلك

جيداً وعشت معهم فيفترض بأنك تتفهم الأمر لا أن تغضب

هكذا ! "

ابتسم بسخرية وقال متهكماً

" ولما أنا فقط من عليه تفهم حياتهم وأفكارهم بينما معك يحدث

العكس دائماً ؟ "

وفهمت فوراً بأنه يذكرها بغضبها وغيرتها المتكررة من النساء

الانجليزيات ، قالت بأسى تنفض يدها المقبوضة الأصابع

" توقف عن رفع صوتك هكذا .. الجميع باتو يحدقون بنا

وأنت تهينني أيضاً بهذا "

فأمسك بيدها مجدداً وتحرك من فوره جهة الباب الزجاجي الواسع

وخرج بها منه قائلا

" سنغادر فوراً إذاً ولا تنسي بأن القرار لي وأنت وافقت "

فمدت شفتيها بعبوس ولم تعلق فهو على حق في هذا .. لكن وما

أن كانا في الشرفة التي دخلا منها حتى أوقفته مجدداً قائلة

" بل أريد رؤية زيزفون أولاً "

وكما توقعت ما أن نظر لها حتى رأت الغضب واضحاً في نظراته

وقال بضيق

" ظننتك طلبت أن تهنئي صديقتك البلهاء تلك فقط لا أن تسلمي

على جميع الموجودين هنا كما كنت تفعلين مع أشجار قرية حجور

سابقاً "

فلوحت بقبضتها قائلة بضيق

" تيم توقف عن تجريحي وعن نفث نيران غضبك بي "

وشعرت بالألم يمزق حنجرتها من كتم عبرة جاهدت بصعوبة كي

لا تخرج لكنها عجزت عن منع الدموع التي ترقرقت في عينيها

العسلية الواسعة تحت ضوء الشرفة القوي في مشهد جعله

يغمض عينيه متأففاً بقوة قبل أن يمسك بذراعها ويرجع بها نحو

الداخل .

*
*
*

لامارا, ورد الخال, sweethoney and 57 others like this.
رد مع اقتباس

  #12125 
قديم 10-06-19, 09:24 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة



*
*
*

مررت أصابعها تحت قلنصوة قميصها تدفع غرتها المقصوصة

للخلف تجمع ما افلت منها خلف أذنيها وابتسمت باعتذار

ابتسامة واسعة ما أن رفعت رأسها ووقع نظرها على العينين

الزرقاء التي حدقت بها فور أن التفت لها الذي أصبح واقفاً

أمامها بعد استدارتها والذي يبدو أنها غرست مرفقها في ظهره

بالخطأ فها قد تم القبض عليها متلبسة فهي وقفت قربهم فقط

لتعطي انطباعاً بأنها جزء من فريقهم .. وإن كانت تعلم بهذا

لكانت اختارت اللون الأسود لتناسبهم تماما ، لكنها لم تخطط قطعاً

لأن تحتك بهم مباشرة ولا أن تتبادل أطراف الحديث معهم ...

شعرت بجسدها يتصبب عرقاً وعلمت بأن هذه الأمسية لن تمضي

بسلام خاصة أنه لطالما ارتبط اسمها بالمشكلات وكم كان يناديها

ذاك العجوز البدين في صغرها ب ( دانيا مشكلات ) حتى التصق

النصف الآخر فقط منه بها في طفولتها التعيسة تلك وبات يناديها

أغلب الأطفال في ذاك المنزل به .. وتذكر جيداً حين كان يقول

أحدهم ( إن نامت المشكلات سيكون حينها بإمكاننا إطفاء النور

ولن نعاقب صباحاً ) وكانت هي المعنية طبعاً فأولئك الفتية

الجاحدون لم يكن بإمكانهم الاعتراف بأنها كانت أشجع منهم دائماً

حتى أنها كانت سبب خلاصهم من ذاك العجوز الكريه ومنزله

المشابه له .

غرست أسنانها في باطن شفتها بقوة في عادة كانت ملتصقة بها

دائماً حين تجد نفسها في ورطة هكذا فالبقية يبدو أنهم انتبهوا لها

أيضاً وأصبحت ضمن الدائرة التي اتسعت لتشملها معهم فقالت

مبتسمة في أول جملة حمقاء قفزت لرأسها

" هاي ... أنتم فريق رائع حقاً ... يعجبني لباسكم "

وشعرت بأنها باتت ترتدي قبعة الأرنب بالأذنين حينها عندما

تشاركوا في ضحكة واحدة بينما قال أحدهم وهو يشملها بنظرة

تقييمية ساخرة

" وأنت كذلك ... وتبدين ضائعة هنا ؟ "

وعادو للضحك مجدداً فشعرت بالأبخرة تتصاعد من رأسها

وقالت بضيق

" هذا لأني أشبهكم بالطبع "

وما أن تبدلت تلك النظرات الممزوجة بالتسلية للحنق من إهانتها

تلك حتى قالت بسرعة وبابتسامة متسعة

" أقصد بأني أملك موهبة مميزة مثلكم "

وأضافت ما أن ارتفعت تلك الحواجب بدهشة وكأنهم متفقون على

كل حركة يؤدونها بالفعل حتى تسرب ذلك في دمائهم !

" ليس مثلكم تماماً أعني فأنتم فريق مؤكد يقوم بعرض ما

وموحد لكني أعمل لوحدي "
يا إلهي ما هذه الورطة الجديدة التي وضعت نفسها فيها وهي من

سبق وعاهدت ذاك العابس على أن لا تفعل هذه الأمور مجدداً

أمام الناس ولا من أجل إمتاعهم مجاناً لكنها في ورطة الآن ولا

يمكنها الخروج منها بغير تلك الخدع البصرية لإلهائهم عنها فأول

ما سيحدث الآن بأن يسألوا الواقف بينهم وابن هذه العائلة إن

كانت من أحد معارفهم أو أصدقائهم ولأن جوابه سيكون النفي

سيكون على زوجته والواقفة بجانبه الإجابة عن ذات السؤال

فيعلم كل واحد منهما حينها بأنها ليست من طرف الآخر كما يظن

وسيكون عليها تقديم نفسها وقتها وبصورة رسمية وهي لا تريد

أن يصدر ذلك عنها بل عنه بما أن أمرها كان مخفياً عن عائلته

حتى الآن .

تبدلت نظراتهم للفضول سريعاً فتنهدت باستسلام وسارت بينهم

حتى وقفت بقرب ساندرين ... وهمست لنفسها

( أرجوك أن تسامحني فالأمر يبقى مجرد خفة يد وخدعاً بصرية

وأنا حقاً مجبرة )

رفعت يديها وفردت أصابعها قائلة بابتسامة

" ما رأيكم ببعض المرح إذاً ؟ "

فبدأ أولئك الشبان بالتصفيق فوراً متحمسين وضاحكين وتباينت

عباراتهم بين مرحب ومشجع بينما نظرت هي للذي كان يكتفي

بالابتسام ناظراً لها .. صاحب البذلة الأنيفة الفاخرة والوسامة

الغريبة الممزوجة بالرقة والفكاهة في مزيج يناسب تماماً

شخصيته التي سمعت عنها .. ولن تستغرب أن يكون له مجموعة

أصدقاء كهؤلاء بل ويبدو بأنه الممول لموهبتهم تلك ، نقلت

نظرها سريعاً منه لزوجته .. للتي كان يلف ساعدها حول ساعده

ممسكا يدها بيده بقوة وكأنها ستُسرق منه أو ستهرب ...!

كان فستانها مبهراً وبلون الكريما من طبقتين من الشيفون الثقيل

المنشى متسع من الأسفل ويضيق تباعا حتى الخصر وقد تم

تطريز حوافه السفلى بأزهار باللون الأحمر الغامق وارتفعت في

منتصفه من الأمام بتناسق رائع وكأنها تتسلقه بنعومة وقد

تداخلت معها وريقات خضراء صغيرة وكان التطريز مشغولاً

بالعقيق الطبيعي المحاك باليد كما يبدو وقد ظهر أيضاً عند جانبي

الخصر صعوداً حتى حواف كتفيه ثم كطوق حول عنقها عند

منتصف ياقته التي ارتفع قماشها مع نحرها فكان محتشماً بطريقة

أنيقة بل رائعة تدل على فخامته وبأنه ليس أي قطعة تشترى من

أي مكان .. ولن تستغرب ذلك مع الثروة الضخمة التي تملكها

هذه العائلة .

وما أن ارتفعت نظراتها لوجهها حتى ابتسمت لتلك الملامح

الجميلة العابسة أو الغاضبة إن صح التعبير ومن الجيد بأنه ليس

الحزن ما كان يغطيها فذاك كان سيدل على ألم كبير بداخلها وهو

أسوأ تعبير قد تراه على وجه عروس فسيكون عبارة عن واجهة

لشيء ما يموت حيث النابض وسط أضلعها ... ولا تفهم طبعاً

سبب هذا المزاج المناقض تماماً لمزاج المتمسك بها بقوة وتملك

لكنها ستسعى جاهدة لتبديده قليلاً فستكون بهذا لم ترتكب خطئاً

تُحاسب نفسها عليه فيما بعد لأنها سبق ووعدته وها هي تنقض

عهدها مجبرة .

رفعت يدها مبتسمة لتسريحة شعرها التي كانت ببساطة عبارة

عن خصلات ملفوفة تغطي ظهرها وكتفيها وتاج تجزم أنه من

ماس قد استقر فوق غرتها المتدرجة جانباً ... أمسكت خصلة

طويلة من ذاك الشعر الأشقر المموج ورفعتها بيدها وكان من

حسن حظها أن جهزت معداتها الخفية سلفاً فهي كانت تتوقع أي

شيء هذه الليلة وكان عليها أن تستعد .

رفعت يدها الأخرى ومررت ظهر سبابتها تحت خصلة الشعر تلك

أمام نظراتهم الفضولية المترقبة ومن صاحبة ذاك الشعر

خاصة ... وما أن وصلت بإصبعها لنهايتها فرقعت بسبابتها

وإبهامها تحتها وكررت ذلك عند المنتصف وعند بدايتها ثم

أفلتتها من يدها وتركتها تعود مكانها .. وما أن استقرت بثقل

كثافتها حيث مثيلاتها حتى تصاعدات فراشات بيضاء صغيرة من

شعرها لترتفع معه التأوهات الرجولية المصدومة بينما نظرت

ساندرين للأعلى من فورها تحني رأسها قليلاً تنظر حيث تلك

المخلوقات الصغيرة التي بدأت تختفي بين تفاصيل الثريا الضخمة

المتدلية من السقف وارتسمت ابتسامة دهشة على شفتيها وها

هي حصدت النتائج المبدئية كما تأملت .

بدأ الشبان من حولها بالتصفيق الحماسي وقال أحدهم

" أرينا المزيد هيا ... يالك من رائعة "

فابتسمت وحركت كتفيها ثم رفعت سبابتها وقامت بعدهم بها

وتوقفت عند رقم معين وقالت برقة للذي ابتسم لها بحماس

" أنت ... أيمكنك الاقتراب هنا قليلاً "

فتحرك من فوره واختار الطريق الأطول ليكون بينها وبين

ساندرين وهذا ما خططت له وتوقعته منه .. نظرت ليديه وقالت

" أتملك خاتماً ؟ "

فرفع يده وكأنه يتأكد أولاً من وجوده وقال مبتسما

" أنا متزوج "

فقالت مبتسمة

" جيد ... اقبض يدك الآن وقم بمدها للأمام "

فعل ما طلبت تماماً فمررت ظهر كفها تحت يده ثم فوقه ثم

ضربتها براحة يدها بخفة وقالت

" افتحها الآن "

وما أن فعل ذلك حتى شهق بصدمة يُقلب يده الفارغة وقد

هس بذهول " لقد اختفى ! "

فأشارت للذي كان يقف بجانبه هناك وقالت

" أنت قف بجانبه هنا لو سمحت "

وفعل ذلك من فوره وبأن اختار الطريق الأقصر عكس رفيقه بأن

مر من خلفها فرفعت يديها وكأنها تثبت بأنهما بعيدتان عنهما

وقالت

" هلا فتشت جيوبك الآن "

فدس يده اليمنى من فوره في جيبه الأول وأخرجها فارغة وما أن

دس الأخرى في جيبه الآخر حتى انفرجت شفتاه بصدمة وهو

يخرج يده قبل أن يرفعها والخاتم فيها فتعالى التصفيق الحماسي

مجدداً ونظرت حولها بخوف فهم بدأوا بلفت الأنظار إليهم

وورطتها ستتفاقم الآن ، نظرت للذي قال مبتسماً

" كم أنت فتاة رائعة ...!! ما رأيك لو انضممت لنا ؟ "

نظرت له بصدمة من فورها ... هذا يبدو قائد الفريق إذاً وها هو

العقاب على نقضها لوعدها ذاك قد آن أوانه ، قالت تنقل

نظرها بينهم

" وفيما سنتشارك فمواهبنا تبدو مختلفة ! "

قال الذي يبدو أنه لا يسمح لغيره بالتحدث

" مؤكد لكن هذا سيضفي تغييراً مميزاً قد يكون سبباً في صعودنا

نحو الشهرة والنجاح "
بلعت ريقها وهي تحدق فيه بذهول فهذا الشاب فقد عقله

بالتأكيد !

ولن تتخيل أن تصبح مطاردة منهم بسبب أفكاره هذه ، فركت

وجنتها بطرف سبابتها وقالت في أول محاولة للخروج من

هذا المأزق

" لأجد من يتبنى موهبتي الفردية أولاً فأنا أفكر في النجومية

مثلكم تماماً "

ولم تكن تعلم بأنها لم تلتقط طعماً بل ألقته لغيرها حين تحدث

رواح هذه المرة موجهاً حديثه لها بينما عيناه ترمق بمكر الواقفة

بجانبه قائلاً

" يمكنني تحقيق ذلك لك وبسهولة لكن دعيني أتأكد أولاً إن كنت

شقراء أو ضاعت منك الفرصة "

وكما توقعت حديثه لم يكن يستهدفها هي بشكل مباشر فلم يخفى

عليه بالتأكيد لون حاجبيها ! وقد تحقق غرضه حين نظرت له

ساندرين بغضب فغمز لها من فوره ضاحكاً .

هكذا إذا هذا هو سبب الأجواء المضطربة بينهما فهو يبدو يتعمد

اغاضتها لسبب تجهله بينما تعطيه تلك الدمية الشقراء مراده

دائماً على ما يبدو ! نظرت له وقالت بابتسامة تشبه ابتسامته

" لا يبدو أنني سأوافق فأنت أيضا لست أشقر "

فخرجت ضحكة ساندرين المكتومة في انفجار منخفض لكن ذلك

لم يجعله يستاء أبداً وكما توقعت وقد حضنها بقوة رغم وقوفها

بجانبه يلف ذراعيه حول كتفيها وضحك قائلا

" يؤسفني أن أخبرك بأني تزوجت وانتهى وقت العبث وضاعت

منك الفرصة "

مما جعل تعليقات رفاقه تنطلق ضاحكين بينما تحاول التي لازال

يحضنها ضاحكاً الفكاك منه فابتسمت وابتعدت تسير للخلف فهذه

فرصتها وعليها الفرار لمكان آخر والبحث عن هدفها الأساسي

من الدخول هنا .

*
*
*

ابتسمت برضا وإن كان قد عاد بها للداخل مجبراً ... بل ويبدو أن

الأمر لم يكن يحتاج لأن يرجعا هناك فهدفهما كان يخرج حينها

من ذات المكان بينما كان نجيب يسير خلفها قائلاً بضيق لم يبدو

على ملامحها الباردة أنها تكترث به

" لا بل عليا بالطبع الخروج معك لن تتركيني خلفك وحيداً

كالأبله "

وتوقف لتوقفها أمامهما مباشرة ليصبح واقفاً بجانبها مواجهاً

لهما أيضاً فابتسمت ماريه من فورها قائلة

" كنا سنرجع من أجلك ... كيف أنت يا زيزفون ؟ "

فابتسمت لها من فورها وإن كانت ابتسامة صغيرة رقيقة لكنها لم

تصل لعمق ورقة التي أهدتها لها وقالت

" بخير ... شكرا لك "

ونقلت نظرها بينهما قبل أن يستقر مجدداً على تلك الأحداق

الذهبية اللامعة وقالت بابتسامة جانبية

" يبدو أن أمورك تسير بشكل جيد ولن يحتاج الأمر أن أطرح

عليك ذات السؤال "

فخرجت منها ضحكة صغيرة بينما التفت ذراعاها حول خصر

الواقف بجانبها واتكأت برأسها على كتفه وقالت

" أجل إنها جيدة كثيراً "

وشعرت بنشوة غامرة وسعادة كبيرة ليس لملاحظة زيزفون فقط

والوحيدة التي يبدو أنها استطاعت أن ترى ما تحت تلك الخدوش

الصغيرة في بشرتها النقية وهي السعادة التي تشع من عينيها

وابتسامتها بل ومن اليد التي أمسكت بذراعها والذراع التي التفت

حول كتفيها وكأنه يؤكد لها في صمت ما قالته عنهما .. وحدث

بعدها ما لم تكن لتتوقعه أبداً وهو الصوت الذي خرج من تلك

الأضلع تشعر به وكأنه سرى في جسدها حين قال

" متأكدة من أن أمورك جيدة هنا يا زيزفون ؟ "

فرفعت رأسها عن كتفه وصوبت نظراتها المصدومة لوجهه

وعينيه وقد نقل هو نظراته الباردة من زيزفون للواقف بجانبها

لا يهتم إن كان سيفهم بأنه المعني بحديثه بل ويبدو أنه تعمد أن

يعلم وقالت زيزفون حينها وبهدوء حذر محدقة في عينيه

" أجل لا تقلق بهذا الشأن وشكراً لك "

فعاد بنظره لها وقال بجدية

" لا تترددي في طلب المساعدة إن احتاج الأمر إذاً فثمة من لن

يزعجني أبداً إرسالهم خلف الشمس وفي لحظات "

فاتسعت تلك الأحداق العسلية بصدمة أكبر وهي تتنقل بين ثلاثتهم

فلم تكن تعلم بأن تيم يعرفها ويبدو جيداً أيضاً ..! بل وما فجأها

أكثر التهديد الذي وجهه للواقف بجانبها ولازالت تجهل هويته

ومؤكد زوجها الذي تحدثت عنه ساندرين باشمئزاز وكره

سابقاً ...؟

لقد كان تهديداً واضحاً والرسالة قد وصلت بالتأكيد فقد اتسعت

الابتسامة الساخرة المستفزة التي كان يرسمها نجيب على شفتيه

وقال ببرود وكأنه لا يهتم لما قيل وسمع

" زيزفون قادرة على حماية نفسها ... سيكون هذا جوابها

فلا تتعب نفسك "

فكان تعليق تيم الصمت على حديثه كما زيزفون أيضاً بينما بقيت

نظرات مارية المشتتة تلتقط ردود أفعال ملامحهم المتشابهة

لحد ما .. البرود الا مبالاة العزيمة والعناد وكأنهما الاثنين شخص

واحد ..! حتى استقرت نهاية الأمر على ملامح نجيب وشعرت

برجفة خفيفة مما جعل أصابعها تلتف حول قماش السترة السوداء

الفاخرة التي يرتديها الذي لازالت تحضن ذراعاها خصره فهي لم

تشعر بالارتياح اتجاهه أبداً فلا تراه يشبه وقاص ولا حتى رواح !

فمثلما لكل واحد منهم ثلاثتهم ملامح مختلفة ووسامة منفردة

فطباعهم تبدو كذلك أيضا وخصوصا هذا الواقف أمامها الآن

فبروده وابتسامته الساخرة التي لم تفارق شفتيه وقناع اللامبالاة

الذي يضعه على وجهه يجعل الناظر إليه يدرك فوراً من أي نوع

يكون هو .

" رقم هاتفي لدى رواح ووقاص لا تترددي إن احتجت شيئاً يا

زيزفون "

كان تيم من كسر ذاك الصمت المشحون مجدداً ونبرته لم تزدد

سوى حزماً وعمقاً وإصرار مما يؤكد بأن تنفيذه لما قال أمر لن

يصعب عليه ولن يحرك فيه ساكناً بينما قابل نجيب ذلك بابتسامة

ساخرة جديدة أما رد زيزفون فكان أن أومأت برأسها في حركة

خفيفة هامسة

" تأكد من أنني سأفعل إن احتاج الأمر "

وراقبته نظراتها وهما يغادران وينزلان عتبات الشرفة الحجرية

المقوسة لازالت ذراعه تحضن كتفي السائرة بجانبه رغم أن

ذراعاها لم تعودا تحضنان خصره ... كانت لتستعين به بالفعل

إن كانت ظروفها التي يجهلها مختلفة فهي لا تملك ولا هاتفاً

تستخدمه وباتت ممنوعة من الخروج أيضاً ... بل وعليها أن تنفذ

ما تخطط له وحدها فانتقامها يخصها هي كما أنه يكفيها

متضررين بسبب حمايتها ونجيب لا تخشاه بل تخشى الشخص

المبهم الواقف خلفه ويحركه فهو لم يكشف عن نواياه كاملة حتى

الآن ولازال ثمة أهداف تجهلها بينما يسعى هو لتحقيقها من

خلالها !.

" لنرجع للداخل "

كانت تلك العبارة لنجيب فسحبت يدها منه ما أن شدها منها

متراجعاً بها خطوة للوراء وقالت بجمود تنظر لعينيه

" لم أخرج لأرجع وأنت لست مُجبراً على مرافقتي "

اتسعت ابتسامته الساخرة المستفزة تلك وقال يشير برأسه

نحو الداخل

" هيا لا تكوني حمقاء وتجعلي من نفسك سخرية لهما وأنت

تفري هكذا كالدجاجة "

شدت قبضتيها بجانب جسدها وقالت بضيق

" ماذا تعني ؟ "

قال بذات ابتسامته الساخرة

" تعلمين جيداً ما أعنيه فقد رأيتك تقفين معهما قبل قليل فلا

تعلني انهزامك بسهولة أمام ذاك المهرج البشع "

قالت محتجة

" أنا لا يعنيني رأي أي كان بي ولا تلك الفاشلة وزوجها لكنت

بقيت بالداخل ولم أخرج "

رفع حاجبيه وقال

" إذا... "

قاطعته بحدة

" لما لا تتوقف ؟ أنا أشعر بالإختناق وأحتاج لهواء نقي أتنفسه

فعد للداخل أو ابقى صامتاً "

وكان تعليقه ضحكة صغيرة ساخرة من سببها الذي قدمته قبل

انفعالها فقالت بضيق

" ليس هو ولا غيره السبب فتوقف عن التسلي بي فلا يمكنني

البقاء في الداخل أكثر من ذلك وإن كنت في قمة الانشراح "

غضن جبينه وقال باستغراب

" تقصدين أن الأمر نفسي أم أني لم أفهم جيدا ؟! "

تأففت بحنق وقالت

" هو كذلك بالفعل فهل يكفيك هذا لترحمني من سماع عباراتك

المهذبة ؟ "

وكانت تفهم معنى نظرته تلك جيداً فهو لم يكن يتوقع أن تفصح

عن أمر كهذا يظهر ضعفها فشخصيتها ليست كذلك مطلقاً لكنها

سأمت من إلحاحه وعباراته التافهة التي يضن أنه يؤذيها بها ..

وهي نفسها لم تكن تتوقع أن تعترف بهذا لأحدهم وبأنها لم تشفى

من أعراض الرهاب الاجتماعي تماماً ولازالت تشعر بالضيق

والاختناق في الأماكن المغلقة المزدحمة ولا يمكنها البقاء فيها

لوقت طويل ، أمسك بذراعها ونزل عتبات الشرفة يسحبها معه

حتى كانا قرب الطاولة الحجرية والكراسي الملتفة حولها تتدلى

فوقها أوراق الشجرة الكبيرة القريبة منها وقال بجدية لا تسمعها

في صوته الساخر البارد إلا نادراً

" يمكنك التنفس بشكل أفضل هنا بينما تخبريني ما دار بينك وبين

خالك وقت مغادرتي جعله يغادر الحفل فجأة ! "

شتت نظرها بعيداً عنه قبل أن تنظر له مجدداً وقالت بنبرة اشبه

بنبرته تلك

" لما عليا أن أكون أنا سبب مغادرته ! ولما لا تسأله بنفسك إن

كان الأمر يعنيك لهذا الحد ؟ "

نظر لها بضيق وقال بحدة

" لا تجيبي عن سؤالي بسؤال يا زيزفون وأريد الآن معرفة

ما دار بينكما ولا تنسي الاتفاق "

أشارت لنفسها قبل أن ترمي بيدها جانباً وهي تقول

" لما أنا من عليها الالتزام ببنود اتفاقك السخيف ذاك بينما

أنت لا ؟ ولم اجب لأن الجواب لديه وليس لدي فهو من غادر

ليس أنا "

عقد حاجبيه وهو يصرخ بانفعال لم تعرفه فيه إلا نادراً أيضاً

" لما اتصل بي إذاً قبل قليل يؤكد بأنه عليا أن لا أكشف هويته

لعائلتي وقال بأن كل ذلك من أجل حمايتك ؟ "

قالت بحدة تتهرب مجدداً من الإجابة فالأمر قطعاً لا يعنيه وهي

من عليها اكتشافه

" لما لم توجه هذا السؤال له هو حين طلب منك هذا ؟ لما أنا

من عليها أن تجيب عما لا يعنيها ولا يخصها ؟ "

أدلى حينها بدلوه وقال باقي ما لديه يصرخ بذات انفعاله

الغريب ذاك

" لأنه لم يكن هذا موقفه سابقاً ! بل وسألني عن وقاص وطبيعة

علاقتك به وكل ذلك تحت حجة حمايتك كما يقول !! "

هكذا إذاً هو يعلم بأن نجيب اكتشف كل شيء ويعلم عن إسحاق

بل ووصلت مخاوفه بأن كشفها أمام هذا المعتوه وبغباء ؟ إذاً

فالأمر أكبر وأخطر مما قد تتصور ...!

نظرت له بتفكير وكل تلك النقاط المبهمة تدور في رأسها قبل أن

تقول بهدوء حذر

" وأنا وجه لي ذات السؤال وكان جوابي بأن لا شيء بيننا وأنه

لا يعلم عما تعلم أنت عنه ولا عن الماضي شيئاً ... وفقط هذا

كل شيء "

وتبدلت ملامحها للجدية وهي تتابع بحدة

" ثم لم يكن اتفاقنا بأن تخبره عما علمت من تلك الأوراق "

حرك رأسه برفض شارد وإن كان ينظر لعينيها وقال بهدوء

مريب

" لم أخبره بل هو من كان متوتراً وقت اتصاله وتحدث عن

حمايتك من القانون وحين سألته بأني لا أعلم عما يتحدث قال

بأنه من الطبيعي أن نكون جميعنا نعلم عن القضية ولم يتطرق

لموضوع شقيقك وبدأ يتملص من الإجابة وكأنه استفاق لنفسه "

نقلت نظراتها بين عينيه بصمت وودت لو تصدقه لكنها لم تعد

تثق بأي كلمة تسمعها ومن أي كان وهذا ما يجعلها تحارب

وحيدة عدواً مجهولاً يبدو أنه كان أقرب لها مما تتوقع !

استمرت في الصمت كما التحديق في عينيه وكأنها تَعبر من

خلالها لدماغه وأفكاره بينما قال هو حين طال ذاك الصمت

المريب والذي لا يفهمه كالعادة

" يبدو بأنه يخشى أن يسعى وقاص خلف الحقيقة ويتأذى

إسحاق هذا ما فهمته ؟! "

وكان تعليقها الصمت بينما لازالت تحدق في عينيه تفكر في

حقيقة أن يكون استنتاجه ذاك صحيحاً لكن لما سيخاف خالها على

إسحاق أو حتى عليها لهذا الحد ! كانت علاقته بهم في الماضي

جيدة لا تنكر ذلك لكنها ليست من القوة بأن يحميهما بشراسة

هكذا أم أنه يريد حماية سر آخر من الانكشاف ! لكن ما هو ومن

يخص تحديداً ! تأفف الواقف أمامها بضجر وقال يمسكها من

مرفقها

" آخر من قد أتوقع يمكنه كشف الحقائق هو ذاك المحامي

الفاشل .... هيا نرجع للداخل فأضنك اكتفيت من استنشاق

الهواء النقي "

أجل فاشل معه حق فهو السبب في وضع كل تلك الحقائق بين

يدي هذا الصعلوك بسبب غبائه ، سحبت يدها منه بقوة

وقالت بضيق

" قلت بأنني لن أدخل هناك مجدداً وقرارك لنفسك يخصك "

ليزخف الغضب لملامحه مجدداً وقد عاد لإمساك مرفقها بل وبقوة

متعمدة آلمتها وقال من بين أسنانه

" لما لا تتوقفي عن التمرد والعناد وكأنك تملكين مثلاً ما يجعلك

بهذه الثقة والقوة ؟ ولا يكن في مخيلتك بأن تهديدات ذاك الطفل

الكنعاني تخيفني "

حاولت سحب يدها منه لكنه غرس أصابعه فيها بقوة أكبر وهو

يشد على أسنانه مكشراً أكثر حتى كانت تشعر بعظام مرفقها

ستتحطم بينما قاومت وباستماته أن لا يظهر ذلك على ملامحها

وقالت بجمود تنظر لعينيه

" أعلم أمراً واحداً فقط بأنه يقول ويفعل وأنت تعلم ذلك وموقن

منه .. وأنا لست بحاجة لأحد يحميني منك ولا من غيرك ولن

أرجع للداخل بل ولن أبقى هنا أيضاً وسأعود لغرفتي "

حينها فقط استطاعت سحب ذراعها منه بقوة تشعر بأنها ضاعفت

ألمها ذاك وغادرت من فورها ليس باتجاه الشرفة التي خرجت

منها بل في اتجاه آخر أبعد من ذلك يقودها لباب آخر للمنزل .

*
*
*

رفع نظره معه وهو يقف وقال

" أويس أنا لم أخبرك بكل هذا لأعكر مزاجك ولا لأراك

وأنت متضايق "

وعلق نظره مع الذي دس يديه في جيبي بنطلون بذلته وقد أشاح

بوجهه جانباً ومتمتماً ببرود لا يشبه ما يشتعل داخله

" أعلم لما أخبرتني ... لأغادر الجامعة من نفسي قبل أن يتم

طردي منها بطريقة لبقة إن كنت محظوظاً بالطبع "

وقف حينها ذاك أيضاً وقال بجدية

" أنت محامٍ ناجح يا أويس ويمكنك اثبات ذلك في أي مكان

بعيداً عن منبع الشائعات هنا .. وهذا بالفعل ما أريده لك "

فرص في مكان آخر ! كاد يضحك أمامه وبهستيرية في وضع

ووقت آخر ما يفكر فيه هو الضحك ، لكن ما فعله حينها أن مد

يده لكتفه وربت عليها قائلاً بابتسامة ساخرة

" أعلم وأفهم ما تريده يا صديقي ولا تقلق بشأني فالقوي

لا يكسره شيء "

وغادر بعدها ذاك المكتب يسير في أروقة مكاتب موظفي الجامعة

رأسه مرفوع وذهنه شارد ذات الوقت فما سمعه منه كان يتوقعه

ومجلس إدارة الجامعة كانوا ليصلوا لذاك القرار لكنه توقع أن

يتركوا له المجال ليدافع عن نفسه وعن والده على الأقل فلا

الوظيفة والراتب يعنيانه أكثر من ذلك لكنه اكتشف بأنهم مجموعة

أطفال نهاية الأمر .

" أستاذ أويس "

وقف مكانه والتفت لصاحبة الشعر البني الغامق والذي كانت

تربطه خلف رأسها والنظارات الكبيرة التي تحيط بعينيها الواسعة

بينما ابتسم له فمها الواسع ابتسامة قرأ فيها التردد كما الحزن

الخفي وهي تقول

" صحيح أنك ستترك الجامعة ولن تُدرسنا مجدداً ؟ "

أبعد نظره عنها يزفر الهواء من رئتيه بقوة ... رائع وها هو

الخبر وصل للطلبة أيضاً وليس طاقم التدريس فقط وهو آخر من

يعلم ، نظر لها مجدداً وابتسم بسخرية رافعاً طرف حاجبه وقال

" هذا ما سمعته أيضاً وهو حقيقي بالفعل "

انحنت كتفاها حينها كما ارتسم الاحباط على ملامحها واشتدت

يداها على المذكرات التي كانت تحضنها وقالت بأسى

" لا بالله عليك أستاذ فمن هذا الذي سيشرح لنا مادة القانون

التجاري بطريقتك أنت ؟ نحن لم ندرسها سابقاً وأصبحت الآن من

ضمن المواد الأساسية بعد قرارات الزعيم مطر الجديدة وما كنا

نتخيل أن كل ذاك العدد من الطلبة قد ينجح فيها قبل أن تدرسنا

أنت إياها "

اتسعت ابتسامته الساخرة تلك أكثر تصف حجم سخريته من كل

ذاك الوضع وقال

" للأسف البعض لم يُقدر لي ذلك مثلكم يا عبير "

تقوست شفتاها بحزن فابتسم لها برقة هذه المرة وقال يجتازها

" سيكون ثمة من هو أفضل مني بالتأكيد "

وغادر الباب الداخلي مجتازاً الطلبة المنتشرين في حديقة الجامعة

التي كافأته بالفعل على مجهوداته ومع طلبة السنة الأخيرة تحديداً

وهو يقفز بهم خطوة واسعة للأمام مع كتاب القوانين الضخم الذي

اضيف لمواد الاقتصاد والتجارة مؤخراً وبعد تغيير القوانين

الوضعية وكلياً بقوانين الشريعة الإسلامية فتناسوا جميعهم ما

فعل وبالإجماع ...! وإن لم تكن تلك الطالبة من المتفوقات ما

كانت لتأسف على مغادرته ولا لتسأله عن صحة ما قيل أساساً .

وصل سيارته وفتح بابها وأمسك بإطار نافذته الحديدي وهو

يلتفت برأسه للخلف ينظر لمبنى الجامعة الضخم يلمع زجاجه

المعتم تحت أشعة شمس الصباح الباكر واشتدت أصابعه على

الحديد البارد هامساً من بين أسنانه

" لو أجدك فقط .... لو أنك تقع في قبضتي لأنتقم منك لوالدي

قبل نفسي "

أبعد بعدها نظره عن هناك مستغفرا الله بهمس وأحرف مشدودة

ونظر لساعته في معصم يده الأخرى فعليه الذهاب لرؤيتها الآن

فوحدها من تنسيه همومه تلك مجتمعة ما أن فقط يراها .

*
*
*

ضاقت عيناه يراقب شاشة الحاسوب المحمول أمامه وما يُعرض

فيها بسبب انعكاس نور بداية النهار من النوافذ الطويلة لمكتبه

الذي يحتل الطابق الرابع والأخير من مبنى القصر الرآسي تراقب

عيناه الجالس في أحد غرف ذاك القصر الضخم في التسجيل

المعروض أمامه والخادمة التي ملأ ظهرها الشاشة بقميصها

الرقيق المصنوع من الكتان قبل أن يبتعد تدريجيا لتصل لطاولة

المكتب الذي جلس حولها شخصان ووضعت صينية الشاي عليها

وانحنت باحترام قبل أن تغادر .

انعكاس صورة جسد ما حجب النور عن تلك الشاشة لوقوفه خلفه

تماماً جعله ينحرف بنظره قليلاً ووصله صوته الحذر

" هذا تسجيل جديد ... أثمة شيء ما مهم فيه ؟ "

تمتم مطر مشير بسبابته نحو الجالسان صوت حديثهم غير مفهوم

لإخفاضه للصوت

" أجل ... انظر للجالس هنا يا قاسم ... لم أكن أتوقع أبداً أن

يكون ثمة صلة تربطه بذاك الجنرال ! هذا يجعلنا نعيد قلب

الأوراق من جديد "

نظر للتسجيل بتفحص هامساً " عمل رائع هذا الذي يقوم به

تيم ... ما كنا لنستطيع الوصول لمنزله هكذا وإن نشرنا

جواسيسنا في لندن بأكملها "

رفع يده وأغلق الحاسوب وهمس بخفوت

" لكني بث أخشى عليه بالفعل يا قاسم "

فنقل نظراته في ملامحه التي لا يظهر له منها سوى النصف

يستغرب أن يسمع هذا ومن مطر تحديدا وجميعهم يعرفون ذاك

الشاب وشجاعته ومهارته ونجاته من الموت مراراً ليعود

لمسببها مجدداً دون أن يخشاه ولا هو نفسه ....!! كما يعلمون

جيداً الصلة القوية والعميقة التي تجمعهما ومكانته الخاصة لدى

مطر من بينهم جميعاً لكنه لم يتلفظ يوماً بهذا ولم يكن يراه سوى

بطل والبطل لا يخشى شيئا ولا يُخشى عليه كما كان يقول !.

قال بريبة ينظر لقفاه لاستدارته نحو طاولة مكتبه

" ما الذي يحدث نجهله يا مطر ؟! "

استدار بجسده مقابلاً له وقال بجمود

" لم يحدث شيء "
وتابع وقد شرد بنظره لقرص الشمس الذي بدأ يرتفع في السماء

لامعاً كزجاج النافذة التي تفصلهم عنه

" لكن قد يحدث قريباً وقريباً جداً ونخسره ولن نجد وقتاً

حينها ولا لنندم فيه "

قال الواقف أمامه بتوجس

" مطر ما الذي يجري ...؟! أرجعه للبلاد إن كان في بقائه

هناك خطراً بسببهم "

نظر لعينيه حينها وقال بضيق

" ليس بسببهم بل بسبب نفسه وإرجاعه هنا ليس حلاً وأنت

تعلم جيداً تبعات ذلك وهو رميه للموت بأيدينا "

حدق فيه باستغراب لبرهة قبل أن يقول

" ماذا تعني بأنه بسبب نفسه ؟! "
تأفف وقال

" عناده على ما يعلم جيداً بأنه ليس في صالحه أعني "

حرك رأسه ساحباً الهواء لفمه دليل الفهم وقال

" آه زوجته تقصد ...؟ ألا زالت معه ؟ "

ضرب بقبضته على طرف طاولة المكتب وقال بضيق

" أجل وذاك العنيد لازال يرفض إبعادها ولن يتوقف عن جنونه

ذاك حتى نخسرهما كلاهما أو يخسر أحدهما الآخر "

نظر لنصف وجهه المقابل له وقال بتوجس مما سيقول

" وما نفع أي محاولة معه إن كان مصراً وأنت تعرفه أعند من

الصخر وقد أقسم مراراً بأنه إن تم إبعادها في غفلة عنه أن

يوقف جميع مهامه هناك لتصبح مهمته الوحيدة البحث عنها حتى

يجدها ... أي لا حل مطلقاً وأنت أكثر من يعرفه بيننا جميعاً مهما

كنا مقربين منه هناك "

مرر أصابعه في شعر قفا عنقه وقال ينظر للأسفل

" يجب أن يكون ثمة حل لن نقف نتفرج هكذا ثم كل ما نتفوه

به مستقبلاً بأنه كان قدره وسيواجهه على أي حال "

تفحصت عيناه ملامحه وقال بهدوء حذر

" أراه يؤدي مهامه وبأفضل شكل إن في تلك المنظمة البريطانية

أو فيما يخص عملنا فمما الخوف ؟ "

قال مطر بضيق وقد رفع نظره به مجدداً

" بل على العكس تماماً فهو السبب في تأخرنا عن بلوغ هدفنا

هناك حتى الآن لأنه يتهرب متحججاً وبشكل واضح فحتى حفلاتهم

التي ستكشف لنا الكثير بات يعتذر عنها بحجج سخيفة سواءً إن

كانت التي يقدمها لهم أم لنا وكل ذلك من أجل تلك الفتاة ومنذ

أصبحت تعيش معه بل ويفتعل الشجارات مع ابنة ذاك الرجل

لأمور تافهة لا تعنينا ولا تعنيه فقط ليتركها بعيداً عنه قدر الامكان

إرضاءً لزوجته تلك ، والأسوأ من كل ذلك أنه إن تم اكتشاف

هويتها الحقيقية فسينتهي من الوجود شخص اسمه تيم كنعان

وفي لمح البصر وابنة الجنرال تلك لابد وأن تفكر في فعلها يوماً

فالنساء يصبن بالجنون ما أن تقترب أي امرأة وبأي صفة كانت

من الرجل الذي تحبه وإن حدث ووضعت تلك الفتاة في دماغها

فلن يهنئ لها بال حتى تزيحها من طريقها ومن حياته وبأي

طريقة كانت ولك أن تتخيل أي طرق تلك التي تتبعها النساء ..

خصوصاً في مركز تلك وصلاحيات والدها "

تنفس بقوة وعمق وقال

" ما أعلمه عنها أنها امرأة مريضة بحب التملك أي أنها في أشد

حالاتها يأساً قد تفكر حتى في أذيته فإما أن يكون لها أو ليس

لأحد كلاعب كرة القدم الذي كانت على علاقة معه وما أن أظهرت

الصحف صوراً له مع فتاة أخرى حتى تعرض لحادث مجهول

التفاصيل بالطبع وفقد مقدرته على ممارسة الرياضة

مدى الحياة "

قال آخر عبارته تلك ونظراته تراقب الذي أمسك خصره بيديه

وقال بجدية

" لست أخشى من تملكها المرضي ذاك بل من أن تكشف هوية

زوجته الحقيقية فإن كان تيم تقمص شخصية ذاك الفتى اليوناني

بدون أي ثغرة يدخل منها الشك فماري دفينست عكس ذلك

وبمعلومات بسيطة من إيطاليا يمكن كشف الخدعة وبسهولة

خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في عائلتها هناك "

شحبت ملامح الواقف أمامه بوضوح وقال

" وحينها من ماريه هارون سيتوصلون لحقيقة تيم شاهر كنعان

ودون عناء "

أومئ مطر برأسه بنعم وقال بجدية أكبر

" ولأجل هذا يجب أن يكون ثمة حل ما للأمر غير إقناع ذاك

العنيد ولا إبعادها عنه مرغماً "

رفع يديه وقال

" كيف إن لم يكن بهاتين الطريقتين ؟ "

تنهد بعمق ولم يعلق بل وأوقف الحديث في ذاك الأمر نهائياً

والتفت لطاولة المكتب الواسعة وفتح الحاسوب مجدداً فاقترب منه

الواقف خلفه حتى أصبح يقف بجانبه يديه في جيبي بنطلون بذلته

ينظر بانتباه لما كان يشرحه له على الخارطة أمامهما وعن

خططهم المستقبلية فيما يخص البلاد لا شيء يقطع حديثه

المسترسل ذاك حتى قال قاسم

" لقد فعلت الصواب فتلك القبائل بدأت تلين على ما يبدو بينما لم

تترك في الحدود ثغرا مفتوحة للمتطرفين .. وقضية متمردي

صنوان ستنتهي قريباً كما بات يرى جميع المراقبين بل

والمقربون منهم "

ضغط زرا ما في لوحة المفاتيح قائلا

" سيكون عليهم أن يخضعوا نهاية الأمر وما أن يكتشفوا بأن

أولئك الشرذمة المتمردين لن يجلبوا لهم ولأنفسهم سوى الخزي

والعار وسيكتب التاريخ ذلك ليلحقهم حتى حفيد الحفيد

سيتخلصون منهم ودون تراجع "

قال ونظره لازال على تلك الشاشة والمربع الذي ظهر فيها "

أجل .. فلو أننا فقط نتخلص من استسلام تلك المدن لهم فسنكون

قطعنا شوطا كبيراً للأمام حينها "

أغلق حاسوبه مجدداً قائلا

" بل ستنتهي حينها جميع مشاكل البلاد ولن تجد تلك الأجندات

الخارجية مكاناً لما .... "

وقطع حديثه صوت رنين هاتفه فأخرجه من جيب سترته ونظر

للاسم على شاشته قبل أن يضعه على أذنه قائلاً

" مرحبا يا تيما "

فنظر له الواقف بجانبه من فوره وبما أن الهاتف كان جهته فقد

كان مسموعاً له وبوضوح ذاك الصوت الأنثوي الذي خرج منه

" صباح الخير أبي ... خفت أن تكون نائماً وأكون أزعجتك لكني

أعلم بأنك تغادر المنزل وقت الفجر "

مرر أصابع يده الأخرى في شعره وهو يقول بهدوء

" أجل يا تيما فما جعلك تتصلين هذا الوقت ؟ "

قالت مباشرة

" اليوم هو حفل افتتاح برج القمة أبي "

قال وقد انحرفت حدقتاه السوداء جانباً وحيث الذي كان يستمع

لها بانتباه بينما عيناه محدقتان به

" أجل أعلم بذلك فهل تتصلين لتذكيري بهذا ؟ "

خرج ذاك الصوت الأنثوي الرقيق مجدداً

" لا بل لأنه ثمة حفل وعروض رياضية يدعمها المشروع من

أجل ذوي الاحتياجات الخاصة سيقام في نادي الفروسية هنا

بالعاصمة وأريد مرافقة الكاسر له إن لم يكن ثمة مانع لديك "

أدار حينها رأسه جهة الواقف قربه ونظر له بينما أشاح ذاك

بوجهه من فوره متأففاً بصمت فابتسم وقال

" وما كان رأي والدتك ؟ "

قالت مباشرة

" لم أسألها بعد أردت أن آخذ رأيك أولاً فإن رفضت فلا داعي

لأن أتحدث معها عن الأمر "

قال من فوره

" حسناً إن وافقت هي فيمكنك الذهاب "

وابتسم ما أن قالت من في الطرف الآخر وبحماس

" شكرا أبي ... أحبك كثيرا .... وداعاً الآن "

وما أن اعاد هاتفه لجيبه نظر للذي كان ينظر جهة النافذة مكتفاً

ذراعيه لصدره عاقداً حاجبيه بعبوس وقال ببرود

" لن تكون طفلاً بالطبع وتغضب من هذا "

فقال ببرود مماثل ولازال نظره هناك

" سيعجبك ما حدث بالتأكيد فأنت والدها ولن ترضى بأن تكون

من سيتعرض للتهميش "

شده حينها من ذراعه وأداره ناحيته قائلاً بحزم

" قاسم هي زوجتك لا نقاش لأحد في هذا لكنها الآن لازالت تعيش

معي ومع والدتها فلن أتصور أن تفعلها مثلاً وتأخذ رأيك أنت

ونحن لا علاقة لنا لأنها بالطبع استشارت زوجها الذي يعيش كل

واحد منهما في مكان "

فك ذراعيه وقال بضيق

" ومن جعل الوضع يبدو كذلك غيركم ؟ "

عقد حاجبيه وأشار بسبابته لوجهه قائلا بضيق مماثل

" أنت لن تنسى بالتأكيد ما اتفقنا عليه عندما خطبتها مني "

فتنفس بضيق وقال

" لا لم أنسى ولا أرى لهذا علاقة بذاك "

قال سريعاً وبجمود

" الموقف لا يستدعي منك كل هذا الغضب إذاً فهل أفهم ما يجري

تحديداً ؟ "

أشاح بوجهه عنه وهمس ببرود

" لا شيء "

فحدق فيه مطر بصمت جعله يبادله ذات النظرة لحظة أن علا

رنين هاتفه هو في جيبه هذه المرة فأهداه مطر ابتسامة جانبية

قابلها بعبوس وأخرجه ونظر لاسمها على شاشته قبل أن يرفع

نظره للذي قال مبتسماً بسخرية

" لن تفكر بالطبع في تركها تتصل دون أن تجيب مدعياً

الغضب كي لا تتلقى عقاباً أسوأ من سابقه "

زم شفتيه بغضب من سخريته وتملقه قبل أن يتمتم بحنق

مبتعداً عنه

" كنت أعلم بأن هذا سيكون مصيري منذ وقعت بين يديك

أنت وابنتك "

وأولاه وابتسامته الساخرة تلك ظهره ووضع الهاتف على أذنه

ما أن فتح الخط قائلاً بجمود

" أجل يا تيما "

فقالت من في الطرف الآخر ودون مقدمات ولا حتى بإلقاء

التحية عليه

" قاسم أريد الذهاب برفقة الكاسر وزوجة خالي رعد للحفل

والعروض الرياضية بعد حفل الإفتتاح وسألت والداي ووافقا "

تنهد بضيق وقال ببرود

" وإن لم أوافق هل سيغير رأيي شيئاً ؟ "

وصله صوتها الرقيق سريعاً

" بالطبع لما كنت اتصلت بك "

وبالرغم من أنها فكرت في أخذ رأيه ولم تهمله بما أن والديها

وافقا بل واخبرته بأنها فعلت ذلك قبل اتصالها به ولم تخفيه عنه

إلا أن غضبه السابق تغلب على كل ذلك وقد تمتم ببرود

" إذاً لست موافق "

وأغمض عينيه وتنفس بعمق حين وصله صوتها محبطاً كئيباً

" لابأس لا مشكلة .... وداعاً "

ودس الهاتف في جيبه واستدار ناحية الذي كان ينظر له بضيق

وقال من قبل أن يعلق

" أنت قلت بأنك لن تتدخل مالم تشتكي هي لك فلا تنسى

هذا أيضاً "

ومنعه باب المكتب الذي انفتح فجأة من قول أي شيء أو التعليق

لدخول عمير وبشر الذي نظر لكليهما قائلا

" هل نغادر ؟ "

فتحرك مطر حينها وقال ووجهته الباب المفتوح

" أمامكم ساعتان فقط ولن أكون بعدها معكم "

تبعوه ثلاثتهم ليحيط بهم من كانوا في الخارج سائرين معهم

وقال بشر مبتسماً يرمقه بمكر

" تركنا لك يومان تسبح فيهما في بينبان أم أنك اعتدت

على إلقاء الأوامر من بعيد ؟ "

ضحك عمير بينما تجاهله مطر تماماً وكعادته ودخلوا المصعد

جميعهم وأخرج حينها قاسم هاتفه من جيبه وكتب رسالة سريعة

( يمكنك الذهاب )

وأرسلها لها .. فسحقاً لقلبه الأحمق فهو لم يستطع تخيلها

مستاءة وتبكي الآن وحيدة .

وما أن كانوا في الأسفل ركب مطر في سيارة قاسم وغادروا

جميعهم تاركين شوارع العاصمة المزدحمة خلفهم ليصبحوا فيما

يماثلها تقريبا عند ضواحيها وساد الصمت رحلتهم تلك ..

وبينما كان صمتاً هادئاً لأحدهم كان مدججاً بالقلق وتأنيب الضمير

للجالس خلف المقود ومن لم تزده تلك الطرقات المتفرعة سوى

توتراً واستسلم نهاية الأمر لمشاعره ويده تخرج هاتفه من جيبه

وعاد لإمساك المقود وهو فيه فهو يعلم جيداً بأنها لن تذهب ولا

بعد رسالته تلك وستكون في المنزل وحدها الآن تسجن نفسها في

غرفتها بعدما قاله لها ... نظر لشاشة هاتفه ولأنه لا يمكنه إبعاد

إحدى يديه بينما يحتاجهما للمقود ويد السرعة في هذه الطرقات

كان لا خيار أمامه سوى فتح مكبر الصوت ، كان سيتصل بالكاسر

لكنه وجد رعد خياراً أفضل وقد أجاب من فوره قائلا بابتسامة

" مرحبا بالصهر الآخر للعائلة ... ما سر هذه المكالمة على غير

العادة وفي الصباح الباكر ! "

رمق الجالس بجانبه بطرف عينيه وقال ببرود

" لا أريد أن أقول اسأل صهركم الأول وابنته كي لا أقضي باقي

عمري في السجن فيبدو أن هذا ما سيكون عليه مصيري "

ضحك من في الطرف الآخر وقال

" كن طيباً إذاً فأنا لا أستبعد ذلك ... بما يمكنني أن أخدمك ؟ "

قال من فوره ونظره على الطريق

" هل أنت في المنزل الآن ؟ "

خرج صوت رعد سريعاً

" أجل وسأغادر فوراً فعليا أن أكون في مبنى البرلمان قبل أن

أنتقل لحفل افتتاح البرج كي لا تغضب مني والدة زوجتك وينتهي

بي الأمر رفيقاً لك في الزنزانة "

ظهرت ابتسامة خفيفة على ملامحه المتجهمة وقال

" أريدك أن تتحدث مع تيما إذاً مؤكد هي في غرفتها الآن "

قال من فوره

" في غرفتها !! لا أظن ذلك صحيحاً "

قال باستغراب

" هل غادرت ؟ "
خرج صوت رعد من هاتفه ضاحكاً

" بل كانت أول من قفز لسيارة والدتها "

تنهد حينها وقال ببرود

" لا داعي لذلك إذا "

قال ذاك سريعاً

" أثمة أمر مهم ؟ لما لا تتصل بها ؟ "

قال يبعد يده عن المقود والهاتف فيها

" لم يعد من داع لذلك .... وداعا الآن وشكرا لك "

وما أن دس هاتفه في جيبه نظر للذي كان ينظر له بطرف عينيه

مبتسماً بسخرية يتكئ بمرفقه على إطار النافذة المغلقة ويضم

قبضته تحت شفتيه متكئ بذقنه عليها فقال بضيق ما أن عاد

بنظره للطريق

" لا تسخر من وضعي ولا تنسى بأنه لديك نسخة مطابقة عنها "

دس حينها شفتيه كما ابتسامته في قبضته التي يتكئ بذقنه عليها

وهو يقول مبتسماً

" لم أتركها تجمح عني يوماً "

شخر ذاك بسخرية وقال يحرك رأسه إيجاباً

" أجل واضح تماماً فأنت غادرت حضنها قبل أن تغادر منزلك

صباحاً "

فضحك مطر رافعاً رأسه للأعلى قليلاً وقال يتكئ به على مسند

الكرسي خلفه

" عليك أحياناً ترك مسافة للمرأة تُشعرها فيها بأهمية غضبها

منك ... لا تنسى ذلك أبداً مستقبلاً "

رمقه سريعاً قبل أن ينظر للطريق مجدداً وأشار بيده قائلا بسخرية

" مستقبلا !! يبدو أنك تعطي ابنتك أصغر من حجمها ومصدق

فعلاً أنها ابنة الرابعة عشرة "

ابتسم وقال يعود لجلسته السابقه

" لا .. وأعلم أن دماء عائلة الشاهين لن تخونها بالتأكيد "

تنهد بضيق محركاً رأسه ولاذ بالصمت وكانت سياراتهم حينها قد

أصبحت خارج ضواحي العاصمة فقال مطر

" ألن تذهب لحفل الافتتاح ؟ أظن أنه ثمة دعوة وجهت إليك "

نظر له قبل أن ينظر للطريق وقال بضيق " لا بالطبع ... ومن

أجل باقي أنواع المساحات التي كنت تتحدث عنها "

ابتسم وقال

" هل أفهم ما يحدث معكما ؟ "

رفع أصابعه عن المقود دون أن يبعد راحتا كفيه وقال بضيق

يمسكه مجدداً

" لأنه عليا أن لا أكون في مكان يجمعني بزوجتك حتى وقت لم

تحدده ابنتك بالطبع ويبدو حتى تأتي بنفسها وتقول لي خذ ابنتي

لمنزلك وعالمك فأنت الزوج الأنسب لها في الوجود "

قال مطر بعد ضحكة صغيرة

" يمكنك التراجع وإنقاذ نفسك فنحن لم نفعل شيئاً بعد "

نظر له نظرة قوية تهدد بالقتل وبلا تراجع وقال

" ذاك حين أفقد عقلي "

فضحك ونظر جهة نافذته ولم يعلق .

*
*
*


لامارا, ورد الخال, sweethoney and 56 others like this.
رد مع اقتباس

  #12126 
قديم 10-06-19, 09:28 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

رفعت قطعة الحلوى وقضمتها بقوة وكأنها تفرغ غضبها فيها قبل

أن ترميها مع مثيلاتها واستدارت مكتفة ذراعيها لصدرها وتركت

ذاك البوفيه الكبير ورائها وحيث اختارت تلك العائلة أن يكون في

قسم منعزل عن صالة احتفالاتهم تلك أو هو كذلك تقريباً فما

يفصله عن ذاك المكان مجرد حاجز خشبي مفتوح الجانبين يمكنك

رؤية كل ما يدور هناك من خلفه .. وهي لجأت له لتكون بعيدة

عن الجميع سوى من أراد تناول شيئاً من هذه الأطعمة بالطبع فما

دخلت هذا المكان من أجله لم تحصل عليه بل وما خططت له

لأعوام طويلة وانتظرته ضاع الآن ، نظرت جانباٌ وشدت ذراعيها

لصدرها أكثر هامسة من بين أسنانها

" تباً لك يا دانيا "

" ها أنت هنا إذاً ؟ "

أجفلت وقد سوت وقفتها تنظر للذي كان ينظر لها بضيق ..

لصاحب تلك العبارة الحازمة كملامحه تماماً فرسمت ابتسامة

جميلة على شفتيها وقالت تدعي السذاجة

" يبدو أنه حان وقت المغادرة "

هو من كتف ذراعيه هذه المرة وهو يقول ببرود

" إن لم يكن لديك مكان آخر تودين استكشافه هنا بالطبع "

فابتسمت ابتسامة من ليس لديه ما يقول وفهم هو الإشارة فوراً

وقال ينظر خلف كتفها

" هيا إذاً فثمة باب هناك يوصلنا للخارج فوراً "

وتحرك من مكانه فقالت تتبعه بنظرها وهو يجتازها

" ألن نودع أصحاب المكان ! "

وقف ونظر لها رافعاً حاجبيه وقال بسخرية

" لم أراك سلمت عليهم وقت وصولك لتودعيهم "

تنفست بتنهيدة قصيرة وقالت

" أردت فقط أن اجنبك الإحراج بسببي "

حرك رأسه متمتماً بذات نبرته الساخرة

" أجل معك حق "

وقال ببرود يشير بيده لتسير أمامه

" يفضل أن أكون خلفك كي لا أصل السيارة وأكتشف حينها بأني

لوحدي هناك "

فحركت كتفيها بضحكة صغيرة وسارت أمامه وتبعها هو يحرك

رأسه بيأس فهذه متى يتعكر مزاجها أو تعترف بأخطائها !

وما أن وصلا للسيارة في الخارج واطمئن بأنها أصبحت داخلها

استطاع حينها أن يجلس خلف المقود ويغادرا المكان ولتبدأ

سيارته باجتياز شوارع بريستول مسرعة حتى كانت خارجة بهما

خارجها حيث تحول الطريق لخط طويل مظلم تحفه ضلال

الأشجار العالية تشق أضواء سيارته طريقها فوقه وحولها ،

وبينما غابت الجالسة بجواره في أفكارها ذاتها والتي قاطعها وقت

وقوفهما قرب بوفيه الطعام كان له هو أيضاً دوامة مماثلة لتلك

الأفكار لكن ليس لشخص لم يلتقيه هناك مثلها بل رآه ووجده

بالفعل .. يحاول فقط فهم ما قد يكون فكر فيه حين رآهما معاً

فابنه ذاك يبدو درّب نفسه أيضاً على أن لا تظهر انفعلاته ولا

أفكاره على ملامحه ! تنهد بضيق هامساً بحركة من شفتيه فقط

" مطر .... ما أبرعك في خلق الفجوات بيننا "

وانتبه حينها للجالسة بجانبه والتي نظرت ناحيته وكأنها شعرت

بأنه قال شيئاً أو سمعت تمتمته الغير مفهومة تلك فمد يده لمسجل

السيارة وأدار زره فانطلق صوت مذيعة الأخبار مرتفعاً ومخترقاً

ذاك الصمت المميت ... أجواء جديدة تبدو لم ترق لمرافقته التي

مدت يدها لذات الزر بعد قليل وضغطت عليه مجدداً ولعدة مرات

ليتغير الصوت لآخر لا يشبهه تماماً مالئاً صوت الموسيقى

سيارتهم المسرعة بأغنية لفيروز عن الصباح بينما ما يحيطهما

من كل جانب هو الظلام التام ! .

مد يده وأغلق المذياع نهائيا فنظرت جهة نافذتها حينها وابتسمت

فعلى الأقل لن تستمع لنشرة الأخبار والحروب والدماء ... ماتت

ابتسامتها تلك وحركت شفتيها بامتعاض ما أن رن هاتفها لمرتين

متتاليتين منذرا بوصول رسائل متتابعة له لكنها تجاهلته ولم

تخرجه أو تراها فهي تعرف جيداً ممن تكون وليست في مكان

مناسب للرد على عباراته الساخرة والشامتة .

بينما لم يحاول الجالس بجانبها ولا التفكير في تلك الرسائل التي

تجاهلتها متعمدة بوضوح واستمرت رحلتهما في صمت يشبه

رحلة ذهابهما رغم الوقت الذي استغرقته حتى توقفت السيارة

تحت المبنى السكني بعد ما يقارب الساعتين من خروجهما من

هناك فارتفع نظرها مع المبنى عالياً وهي تفتح الباب وتنزل

والذي كان يأخذ شكلا مقوساً وبابين زجاجيين في جانبين

مختلفين وتحركت خلفه ما أن أغلق باب سيارته وتوجه ناحية

الباب الأقرب والذي انفتح ما أن وصلاه ودخلت نظرها على

أبواب المصعد التي ظنت بأنهما سيستخدمان إحداها لولا أوقفها

صوته البارد وهو يتجه نحو السلم الرخامي بلون الزيتون

" الشقة في الطابق الأول لا داعي له "

فرفعت حاجبيها باستغراب قبل أن تتحرك في ذاك الاتجاه أيضا

متمتمة

" ومن هذا الذي يترك الطوابق المرتفعة وتلك المناظر التي

تطل عليها هنا ! "

وحركت كتفيها بلامبالاة ما أن وصلت تلك السلالم وصعدت

خلفه وكما قال كان الوصول هناك لا يحتاج سوى لصعود بضع

عتبات ترتفع بشكل حلزوني ليصبحا مواجهان لردهة صغيرة

تنتهي بممر مقوس يفصل الشقق عن بعضها بالترتيب .. ولم

يلفت نظرها فيها شيء سوى توقف الصاعد أمامها لآخر عتبة

فيه فجأة فنظرت من جانب ذراعه ترفع جسدها عاليا تنظر للتي

خرجت من الباب المجاور لباب الشقة أو الملحق الذي يتم

استخدامه لمدبرة المنزل ...!! للمرأة ذات القوام الممشوق

والساقان الطويلتان شديدتا البياض مبرزاً أغلبهما بنطلون

بيجامتها الحريري القصير تمسك خصرها بيديها وشعرها المموج

الطويل قد تمرد على كتفيها وذراعيها العاريان واللذان يكشفهما

قميص بيجامتها الواسع ويكاد الشرر يتطاير من تلك الأحداق

الخضراء المسلطة على الواقف أمامها ... هذه هي غيسانة

شاهين الحالك إذاً ؟ تبدو كما سمعت عنها تماماً .

مررت طرف سبابتها على شفتيها المبتسمة لازالت تراقب من

خلف كتفه كل ما يجري بينما خرج صوت الواقفة هناك غاضباً

مرتفعاً

" مرحباً سيد كروس "

فخرجت ضحكتها رغم كتمها لها بأصابعها فزم الواقف أمامها

شفتيه بقوة وغضب واستدار ناحيتها يمسك خصره بيديه من

تحت سترته المفتوحة فقالت تمسك باقي ضحكتها

" يبدو أنك كنت غاضباً جداً حين اخترت هذا الاسم "

وما أن ازدادت نظرته غضباً رفعت يديها أمام صدرها مبتسمة

لتوضح أنها لم تقصد الاساءة تنقذ نفسها من غضبه الذي لم

يتغير ولا نظرته تلك .. فهذه تسخر منه بل ومن اسم كروس

والذي معناه الغضب إن كتب بإحدى طريقتيه ! وعلم الآن معنى

أن يكون البحر من أمامك والعدو من خلفك ... لا بل أن تكون بين

امرأتين هكذا فهو أسوأ من ذلك بكثير .

مد يده لذراعها وأمسكها منها وسحبها معه نحو باب الشقة الذي

فتحه متجاهلاً الواقفة مكانها تنظر له بغضب وقد صرخت مجدداً

" لما لا تخبرني من هذه المرأة التي تدخلها لشقتك يا قديس ؟ "

وكانت النتيجة أن تجاهلها أيضاً ودخل بالتي لم يترك ذراعها بعد

وما أن أصبحا في الداخل ضرب الباب خلفه بقوة وحينها فقط

أفلتها من قبضته ونظر لها قائلاً بضيق

" اسمعي الآن ولأكون واضحاً فما يتوجب عليك فهمه

جيداً هو ... "

لكنها لم تمهله ليكمل حديثه الغاضب ذاك وهي ترفع يدها بسرعة

وتنزع قبعة القميص عن رأسها وظهر شعرها الأسود الناعم الذي

نزل منساباً على ظهرا وطرفي وجهها تمسك غرتها المقصوصة

بمشبك أبيض مكون من زهرتين مرصعتان بالفصوص ...فسكت

فجأة كما تبدلت نظرته الغاضبة تلك للاستغراب تتنقل بين ملامحها

التي ظهرت له بوضوح أكبر حينها حيث كان تقريباً لا يراها مع

قبعتها تلك أو لم يهتم بذلك !! ووجد نفسه الآن في مواجهة

عينان واسعة برموش كثيفة بطريقة غريبة زادتها اتساعا

وبروزا .. لا بل ما زاد ذلك تناقضهما التام مع حجم الأنف

المستقيم الصغير والشفاه التي رغم صغرها أوضحها بروز حجم

الشفة العلوية فيها عن السفلى قليلاً بطريقة زادتها جمالا .. لكن

ليس ذلك ما جذب انتباهه فقط بل عمرها !! هذه أليس يفترض

بأنها أصغر من زوجة مطر تلك بقليل فقط !! أليس هذا ما علمه

عنها حين تزوجها قبل أعوام طويلة فهل بالفعل يكون هو عمر

هذه !! كان يحدق فيها دون أن ترمش عيناه فأفكاره هي ما

كانت تسبح في دومات بعيدة استفاق لها فجأة ولنفسه فأدار

وجهه عنها وتحرك باتجاه غرفته وقال ببرود وسبابته تشير

للجانب الآخر

" غرفتك هناك وحقائبك فيها "

فراقبته بحاجبين مرفوعين وهو يدخل غرفته مغلقاً بابها خلفه

بشيء من العنف مما جعلها تنظر لمكانه مجفلة قبل أن ترفع يدها

وهفت بها على وجهها متمتمة

" كم هو سريع الاشتعال هذا الرجل

"لكن لا بأس فقد توضح لها ما كانت تصبو تحديداً لمعرفته وقد

توصلت له من انصراف عينيه عنها قبل جسده وفهمت حينها ما

عنته تلك بالقديس .. بل يبدو انها قد أجادت في وصفه فهي

كانت تريد ان تتأكد فحسب .. هي تثق في مطر وبعد نظره

ورجاحته لكن الرجل مع رفاقه شيء ومع امرأة خلف باب مغلق

شيء آخر .. ولا تنكر بأنها كانت تتحضر لرؤية اي معالم أو

بوادر لنظرة ملتوية مقززة او تبدل قذر لملامح وجهه.. لكن

الخجل الطفيف الذي اعتلى ملامحه وهو يشيح بنظره جعلها تشعر

انه بريئ فعلاً رغم استحالة اجتماع لفظتي رجل والبراءة معاً

لكنها رأته فعلاً بطريقة جعلت ردة فعله تبدو لها مسلية وفي

وضع آخر لكانت ضحكت بالفعل .

وذاك ما حدث حينها فسرعان ما فتر فمها عن ابتسامة بل

وخرجت منها ضحكة صغيرة وتحركت ناحية الغرفة التي أشار

عليها ودخلتها مغلقة بابها خلفها .. كانت غرفة شبه فارغة حتى

أن سريرها لا يحوي لحافاً ولا وسائد ويبدو أن كل ذلك في

الخزانة ! توجهت ناحية حقائبها الموضوعة قرب الخزانة

الضخمة ووقفت أمامها ونزعت قميصها أولاً ورمته خلفها بإهمال

ولم يعد يغطي جسدها سوى قميص شفاف بدون أكمام وجلست

متربعة أمام أكبر حقائبها تلك وفتحتها فعليها أن تستحم وترتب

هذه الثياب جميعها قبل أن تفكر في النوم .

*
*
*

أنزل آخر واحد منهم القبعة السوداء عن رأسه المنحني للأسفل

لجلوسه على الأرض مستنداً بركبة واحدة عليها وختم بذلك

عرضهم الرائع الذي قدموه أمام البقية القليلة من المدعوين لذاك

الحفل فتعالى التصفيق الحار وابتسم رواح لهم بفخر فهم رفضوا

اقتراحه بأن يقدموه أمام الجميع لأنه سيكون عرضهم لبرنامج

المواهب البريطاني ورفضوا أن يراه كل ذاك العدد بينما أرادوا أن

يقدموه اليوم وهنا كهدية له ... سبع شبان في أعمار متقاربة

كما الأجسام والطول جمعتهم المصادفة وقت دراسته في جامعته

في اسكتلندا كما جمعتهم هم الظروف القاسية التي عاشوها معاً

في دار للأيتام وتعاهدوا منذ صغرهم فيها على أن لا يتخلى أحدهم

عن الآخر .. وكان ذاك ما فعلوه بالفعل حين حان وقت مغادرتهم

إياها وهم في سن الخامسة عشر فواجهوا الظروف القاسية معاً

إن في المكان الذي تدبروه للعيش فيه أو الأعمال التي كانوا

يبحثون عنها ليتمكنوا من العيش ولا يكون الموت جوعاً

مصيرهم أو بسبب البرد في العراء ولا أن يلتهمهم وحش

الانحراف والانخراط في العصابات .. وبالرغم من أنهم اجتازوا

كل تلك السنوات ورغم صعوبتها وتعاونهم ليكون لكل واحد منهم

حياة خاصة ناجحة إلا أن ذلك لم يجعلهم يفترقوا عن بعضهم أبداً

وكانوا يداً واحدة وفي كل شيء لذلك اختاروا أن يكونوا فريقاً في

شيء ما يجمعهم جميعاً فتكونت فكرة فرقة الرقص هذه وتحولت

من هواية ورغبة في المشاركة لا غير لحلم كبير بأن يحققوا ما

عجزوا عنه طويلاً في سن مراهقتهم وهو إيصال كل معانتهم

وأمثالهم للعالم ، ومنذ اليوم الذي تعرف فيه هو عليهم في

مصادفة غريبة رأوها هم فيما بعد بأنها هبة الله لهم قرر أن يكون

الداعم لهم وساعدهم بما لم يكونوا ليتخيلوه حتى أصبح اسم

فريقهم ذاك معروفاً في أسكتلندا بأكملها مما شجع حلمهم الصغير

ذاك لأن يكبر داخلهم وكانت المفاجأة حين حصل لهم بالفعل على

فرصة لن تعوض للتقدم لذاك البرنامج الذي يشاهده الملايين حول

العالم وفي موطنهم خاصة بل وفي الاتحاد الأوروبي بأكمله

فأصبحت تدريباتهم الشاقة لا تتوقف ليل نهار لينالوا الفوز ومن

ثم الشهرة والنجومية ليس من أجلهم فقط بل ومن أجل كل طفل

يعاني ما عانوه هم .

وقفوا جميعهم وصفقوا لأنفسهم كعادتهم بعد كل عرض يقدمونه

فرفع لهم رواح إبهام يده الحرة مبتسما قبل أن ينظر للواقفة

بجانبه تنظر لهم مبتسمة بحماس والتي ما أن شعرت به ورفعت

نظرها له حتى عادت للعبوس وقالت بضيق تحاول سحب يدها

وساعدها من قبضته

" اتركني ... فها قد انتهى حفلكم ولن أهرب "

قرب وجهه منها وهمس مبتسماً

" ومن قال بأني كنت أخشىى هروبك أو أنه السبب ؟ "

شعرت باشتعالها يزداد بسبب بروده ولا مبالاته بل وابتساماته

قبلها وقالت بحدة

" هل أفهم لما تتزوج بي تحديداً وأنت تكرهني وتنتقدني منذ

كنت طفلة ؟ "
وتابعت تلوح بسبابتها في الهواء

" ولماذا أنا من بين جميع شقراواتك ؟ "

رفع رأسه ضاحكاً قبل أن ينظر لها مجدداً وقال بضحكة

" وأخيراً سمعت هذا السؤال من شفتيك الرائعتين والذي للأسف

لا يمكنني الإجابة عليه "

تأففت في وجهه وحين حاولت سحب يدها مجدداً وكادت تنجح في

ذلك عاد وسحبها ولف ساعده حول ساعدها أكثر وتحرك بها

جهة والديها واللذان ابتسما لهما على الفور فلم يبقى في ذاك

المكان الواسع سوى المقربين من العائلة بالإضافة لأفرادها

الناقصين أساساً بعد مغادرة زيزفون منذ وقت طويل ووقاص

الذي اعتذر منذ قليل وصعد لجناحه بينما بقيت زوجته لأن

عائلتها لم يغادروا بعد وزوجة أبيه والدة نجيب التي ما كان

ليتوقع أن تبقى لهذا الوقت ...!

إذاً لا أحد سوى والدته وزوجة والده والدة ضرار ونجيب الواقف

جهة طاولات الطعام وكأن ما يحدث هناك لا يعنيه ووالدته

ووالدهم وجده اللذان على ما يبدو لم ينتهيا بعد من نقاشاتهما

الطويلة حول المشروع الضخم الذي ينشئونه على جزيرة مينلاند

والذي لم يسرق وقت والدهم فقط بل سرقه بأكمله منهم وكان

مشروعهم الأول بعيداً عن عالم صناعة الطائرات وشركات

الطيران ... حتى أن خاله وزوجته غادرا منذ وقت معتذران لأن

ابنتهم كنانة قد تكون لوحدها في المنزل بينما لم يفكرا مطلقاً في

الاتصال بها أو بشقيقها للتأكد إن كان معها ...! وخاله شاهر

حذى حذوهما حتى أنه بالكاد رآه الليلة بل ولم يودع أحداً

وهو يغادر !.

ابتسم الحارثة وهو ينقل نظره بينهما وقال ما أن استقر

على رواح

" مر الحفل بسلام والحمد لله "

فضحك رواح ووضع يد ابنته في يده وقال

" ها قد سلمتها لك كاملة رائعة كما هي دوماً فعليا أن أجدها

في المسقبل القريب كما هي وتسلمها إلي "

ضحك والدها وشد على يدها الصغيرة بالمقارنة بكفه وقال

" أمانتك في أمان تام كن مطمئناً "

فابتسم ولوح لهم وقال مغادراً

" يمكنني الآن إذا المغادرة وإيصال رفاقي للمكان الذي

سيقيمون فيه هنا في بريستول مطمئناً "

وابتعد عنهم حيث الفتية اللذين أصبحوا يقفون خلف المساحة

الزجاجية الواسعة التي يحتلها باب الشرفة المطلة على الحديقة

المضاءة في الخارج بينما انشغلت والدته مع الخادمات اللواتي

بدأن في تنظيف المكان الواسع متفرقات فيه كل في اتجاه

وسارعت والدة ضرار لمساعدتها .. بينما غادر نجيب أيضاً

ووالدته التي انشغلت بتوديع عائلة جمانة فسحبت حينها ساندرين

يدها من يد والدها ونظرت لهما وقالت والدموع تملأ عينيها

" لقد خذلتماني بكما حقاً "

وتابعت بأسي من قبل أن يعلق أي منهما

" كان حفل خطوبة فقط فكيف أصبحت زوجته فجأة وأنتما

تعلمان جيداً رأيي بالأمر وبه شخصياً !! "

قال حينها الحارثة وبضيق

" لن نكرر اسطوانتنا ذاتها يا ساندي "

فلوحت بقبضتها قائلة بحدة

" لا ذلك ليس عذراً ... لا تتحجج بما حدث هنا سابقاً أبي

فلست طفلة "

خرجت والدتها من صمتها حينها وقالت بما يناقض مزاج كليهما

والمشحون بالغضب

" لا أعلم حقاً ما سبب رفضك لما تتمناه الكثيرات غيرك ؟! "

فنظرت ناحيتها وقالت باستياء

" وهل كل ما يتمناه الناس يمكننا أن نكون سعداء بامتلاكه ؟ "

قال الحارثة بحزم

" يفترض بأن يكون الأمر كذلك "

فنظرت لعينيه وسحبت نفساً عميقا لصدرها فيما يشبه عبرة فتت

أضلعه وقالت بصوت ضعيف كئيب

" يؤسفني إذاً أن اخبرك أن فكرتك تلك خاطئة أبي وقد رميت

بسببها ابنتك للتعاسة مدى الحياة "

وتابعت من قبل أن تنتظر تعليقه والدموع تملأ عينيها مجدداً

" لو كان لي مكاناً غير منزلكما قسماً ما كنت لأرجع له معكما "

لتتبدل ملامحه للحدة وقال بقسوة يشير بسبابته للأرض تحته

" لا مكان لديك غيره سوى هذا المنزل بالطبع ولا تتصرفي

بجنون يا ساندرين كي لا تتحول حياتك لتعاسة حقيقية أنت

وحدك السبب فيها "

واجتازها غير مكترث بنظرة الأسى وخيبة الأمل التي رمقته

بها وهو يسير قائلا بضيق

" اتبعاني بسرعة فلن نترك سائقهم ينتظرنا طويلاً فالمسافة

من هنا للندن ليست بالقصيرة وهو لا يعمل لدينا "

وابتعد حتى غادر من باب الشرفة المفتوح ونظرت هي لوالدتها

التي لم تتبعه بعد تنتظرها وقالت بعتاب آسي

" يعجبك كل هذا أمي درجة أن لا تعترضي أبداً ولا بكلمة

واحدة تعزين بها ابنتك التي تحطم مستقبلها ؟! "

فنظرت لعينيها بصمت حزين لبرهة قبل أن تهرب بنظراتها منها

جهة الباب الذي خرج منه زوجها قبل قليل وقالت تشير بيدها

ناحيته

" تحركي هيا يا ساندي فلا أريد أن يغضب والدك أكثر من ذلك

ولا حديث لي في أمر قد وافق هو ... أعني أنت عليه وتعلمين

ذلك جيداً "

ضربت بقبضتها نحو الأسفل قائلة بحنق

" من يراك لا يصدق بأنك انجليزية ! بل بأنك أنت العربية وليس

هو لانصياعك التام له ...!! أين التحرر والمساواة أمي ؟ "

فنظرت لها بضيق وأشارت بأطراف أصابعها لرأسها قائلة

" لا يوهمك عقلك بأن جميع شعارات هذا المجتمع تُنفذ

أو تفيد .. ولا تنسي بأنك عربية وزوجك كذلك "

فنفضت يديها بقوة صارخة

" لا تقولي زوجك أمي رجاءً وارحموني من هذه الكلمة

الليلة على الأقل "

فنظرت حولها بضيق تخشى من سماع زوجات سلطان أو إحدى

خادماتهم نقاشاتهم الغاضبة تلك وأمسكت بيدها وسحبتها معها

دون أن تعلق أو تضيف شيئاً وخرجت بها من حيث خرج والدها

قبل لحظات ولم تتوقف حتى وصلا للسيارة السوداء المتوقفة

قرب الباب الرئيسي للمنزل وصعدت والدتها وتركت لها الباب

مفتوحاً فجلست على الكرسي أيضاً تدخل فستانها بعصبيه وتأفف

وضربت الباب خلفها بقوة تاركة جزءاً منه في الخارج دون أن

تهتم له ولا للمال الذي دفع ثمناً لشرائه وأشاحت بوجهها جهة

النافذة ما أن انطلقت السيارة قبل أن تتكئ بجبينها عليها تنظر

للطريق بحزن .

*
*
*


اغلق باب غرفة الاجتماعات خلف آخر الداخلين منه وحينها فقط

سحبت مساعدتها الشخصية الكرسي بجانبها وجلست عليه ليبدأ

اجتماعهم الذي تقرر أن يكون قبل دقائق من افتتاح مشروعهم

الجديد والذي سرق ساعات نومها ونهارها طوال الفترة الماضية

وعاهدت نفسها أن تنجح فيه كما أدارت تلك المملكة سابقاً وهذا

ما يجعلها مصدر ثقة من قِبل جميع من دفعوا أموالاً طائلة

لتمويله آملين في أن يعود عليهم بمنافع أكبر فمهما كانت الحقائق

المخفية خلف الممول الأساسي لمملكة الغسق سابقاً وكل تلك

الأسرار المحبطة التي لا يعرفها أحد غيرها في تلك الغرفة وعلى

تلك الطاولة إلا أنها من صنع كل ذلك وبنجاح فالمال وحده لا يفعل

شيئاً إن لم يكن ثمة عقل ذكي يحركه ... أما الآن فلن تخشى من

زيف الجالسين حول تلك الطاولة البيضاوية الكبيرة ببذلاتهم

الرسمية الفاخرة ونظرات الثقة والكبرياء وحتى التعجرف

والغرور لبعضهم ... لرجال استطاعوا بناء أنفسهم ومجدهم في

عالم المال والأعمال وبجميع أنواعه .. وما كان لأحد أن يدعم

مشروعها هذا سوى أمثالهم ومن كان اسم كل واحد منهم يعرفه

القاصي قبل الداني في تلك البلاد .. وبالرغم من أن تعاملها في

السابق كان في أغلبيته مع النساء ولم تجلس يوماً حول طاولة قد

ملأ كراسيها الجلدية المريحة الرجال فقط وبهذا العدد باستثناء

مساعدتها التي كان حضورها أساسياً وحتى إن لم تحتاج لها إلا

أن ذاك التوتر الداخلي لم يظهر على ملامحها الواثقة .. طريقة

جلوسها وأدق حركاتها حتى بالنسبة لتلك الأحداق السوداء

الكبيرة المستديرة والتي يحيطها صفا رموش كثيفة ... بأدق

تفاصيلها كانت أنثى تختلف عن جميع النساء وصولاً لأبسط

الامور وحتى القماش الأسود الناعم الذي احتضن تفاصيل الوجه

البيضاوي الفاتن والذي لطالما اهتمت أن تحكمه حول شعرها

وعنقها فلم تنساق يوماً خلف الصيحات الحديثة للف الحجاب

حتى أصبح أقرب للقبعات البشعة التفصيل منها لقماش ساتر حتى

أضاعوا الغرض الأساسي منه .

نظرت للأوراق تحتها والتي كانت تريح يدها عليها يزين أناملها

خاتم الزواج الماسي والذي سرق نظرها لبرهة وكأنه مغناطيس

جذبها إليه دون شعور ! وما كادت ترفعهما من عليه حتى

أغمضتهما وتنهدت بعمق ما أن انفتح الباب خلفها ودون طرق

ولا استئذان ولا أن يمنع أحد رجال الأمن ولا الحرس المنتشرين

في الأسفل هذا المقتحم من الوصول إلى هنا ! ولها أن تتخيل من

يكون ... بل وكأنه خرج لها من خاتمه .

رفعت نظراتها بالذين وقفوا بالتتابع ما أن كشف لهم الباب عن

هوية الموجود خلفه والذي وصلهم صوته وبحّته الواضحة

والمميزة قبله وهو يتحدث في هاتفه والذي أصبح بإغلاقه للباب

في جيب سترته فوقفت هي أيضاً حينها ودون أن تلتفت له لأنها

تعلم جيداً أي نظرة ستوجهها له حينها وكيف سيرد هو عليها

وأمام الجميع فيكفيها ما حدث سابقاً في اجتماع الجمعية فضيوف

الشرف هذه المرة ليسوا نساء .
كان عليها أن تتوقع هذا منه وإن لم تكن الدولة داعماً للمشروع

ولم يسبق له أن ناقش موضوعه معها ولا في اليومان اللذان

قضياهما في منزل بينبان مما جعلها تستبعد هذا فكيف يجد

رئيس البلاد وقتاً لحضور اجتماعهم هذا أو حفل افتتاح برج في

عاصمة هو المسؤول عن بلادها كاملة ! هذا ما كان عليها أن

لا تفكر فيه أبداً فها قد وجد وقتاً ووصل في الدقائق المناسبة

تماماً !.

كانت تنظر للأسفل بالرغم من وقوفها بظهر مستقيم منتصب ولم

تستطع رفع نظرها بأحد منهم وخطواته الواسعة الواثقة تقترب

من خلفها حتى أصبح يقف بجانبها وكانت مساعدتها هي من

ابتعدت تاركة له الكرسي الوحيد الأقرب لها تمسك بجميع الأوراق

التي كانت تضعها أمامها ويبدو ليقينها بأنها لن تجلس على ذاك

الكرسي مجدداً بينما جلس هو عليه دون أن يرفض أو يمانع مما

سمح للبقية بالجلوس مجدداً وكانت هي آخرهم هذه المرة أيضاً

وكل ما توقعته حينها أن يتحدث لكنه لم يفعل ذلك بل نظر للأوراق

تحتها قبل أن يرفع نظره بها لحظة أن نظرت له أيضاً فابتسم

مومئاً لها برأسه بحركة خفيفة لتكمل ما قاطعه مجيئه فسحبت

أنفاسها ببطء لم يلاحظه أحد وجابت بنظرها في الجالسين حول

الطاولة التي كانت تجلس على رأسها وبدأت بالحديث بثقة لم تكن

تعلم بأن وجوده سيزيد من تعزيزها بداخلها هكذا ! وقالت بثبات

ونبرة أنثوية متزنة محتشمة ذات الوقت

" اخترت اجتماعنا هذا ليس فقط بسبب عدم وجودي هنا الأيام

الماضية بل لندرس جيداً الأمور التي تغيرت ورفضتها ووجدتِ

الموافقة لدى بعضكم بينما لم يطلع عليها البعض الآخر وأهمها

هي وضع لجنة مراقبة وتفتيش لنضمن صلاحية وجودة البضائع

التي سيتم عرضها واستخدامها في المشروع فلم يكن كافياً أن

يوقع أولئك الباعة على بنود تخص الأمر في العقد المبرم معهم

ليتلقى العقوبة فيما بعد فما سيكون مصير من سيتضرر بسبب

تلك الأدوية التالفة أو الأطعمة منتهية الصلاحية وغيرها ؟

فنحن بهذا لن نضمن ثقة الناس فقط بل وتجنب الكوارث قبل

حدوثها وإن كلفنا دفع أموال لم تكن في الحسبان لأولئك

الموظفين الجدد فالمكاسب في المقابل أكثر وأهم إن كانت مادية

أو معنوية فثقة الناس في مشروعنا هو ما نبحث عنه وما سيعود

علينا بالنفع ، أما الأمر الآخر الذي تمت الموافقة عليه جزئياً هو

أن الانتقال للطوابق العليا سيكون بالتصويت بين الشركاء أيضاً

ولن نترك ذلك للأرباح والمنافع المالية التي ستعود على

المشروع فقط فالبعض قد يستحق فرصة أخرى للمنافع المعنوية

التي قدمها للمحتاجين أكثر من كونه در علينا بالنفع المادي

فقط ...."

واسترسلت في حديثها ذاك تعرض كل ما تم اضافته وإلغائه في

بنود ذاك المشروع من أهم الأمور لأقلها أهمية وحتى اعتراضها

على تواجد قنوات التلفاز وقت وجودها هي وحتى تغادر والأمر

الوحيد الذي تحصلت عليه حين قدمت اعتراضها وطالبت بأن

لا تتواجد وسائل الإعلام جميعها .

بينما كان نظرها طوال فترة حديثها ذاك ينتقل منهم للأوراق

تحتها بطريقة لا تُظهر توترها ولا ترددها بل احتشامها عن النظر

لأعينهم ولوجوههم لوقت طويل بينما كان الجميع يستمع

بصمت وانتباه نظراتهم لا تتركها بين مهتم بما تقول وبين موافق

ومعجب بكل ذاك القدر من الذكاء الأنثوي والقيادة الحكيمة

لمشروع مهما عظم حجمه لن يكون اختباراً أصعب من بناء

مملكة كاملة كجمعية للنساء كما يرون .

توقفت عن الحديث فجأة ليس فقط لأن ما لديها قد انتهى بل

وبسبب اليد التي سحبت الأوراق التي كانت تقلبها فترة حديثها

مطلعة على أهم ما كانت تود التحدث عنه وعلمت حينها فوراً بأنه

ثمة ما سيحدث فهي تعرف هذا الرجل جيداً من الفترة التي

عاشتها معه وعرفته فيها بل وثمة ما تخشاه بسبب تلك الأوراق

فأول ما سيقوم به بالتأكيد هو الإطلاع على البنود التي اعترضت

فيها على بعض الأمور ومن بينها تلك التي وجهتها لبعض

الشركاء أو أقواهم دعماً للمشروع بصفتهم الرأس الأعلى في

مجلس الإدارة لاستثناء ذاك الاسم من حصة الأسهم فيه بل ومن

مشروع البرج بأكمله واعتذر الجميع عن فعلها وعن طرد الرجل

الذي دخل عالم المال بقوة من وقت قريب مذهلاً الجميع بذكائه

وحنكته وهو لم يتجاوز الأربعين عاماً وفي وقت قياسي ليكون

أحد أهم رجال الأعمال في البلاد ورأى الجميع بأنه صفقة موفقة

لمشروعهم الضخم الذي يحتاج لأمثاله خاصة وأنها لم تقدم

أسباباً واضحة بل ولم تشرح أسبابها مطلقاً فما الذي ستقوله

مثلاً ...؟!

بأنه لم يتوقف الفترة الماضية عن التردد على مكتبها بحجج

وبدونها حتى توقفت عن المجيء هنا قبل الافتتاح ؟ أو بأنه

تطرق للحديث عن أمور شخصية وصلت لأن سألها عن الفتور

في علاقتها بزوجها وسبب إقامة كل واحد منهما في مكان ؟

وعلمت حينها بأن تلك المشكلة ستطفو للسطح حالاً فإن تغاضى

باقي الشركاء عن رفضها الصامت لوجوده فلن يفعلها الجالس

بجانبها الآن بالتأكيد وذاك ما تعلمه جيداً وإن كانت متأكدة من

جهله لهوية المكتوب اسمه في تلك الورقة من بينهم ... أو ذاك

ما كانت تتمناه فقط فما أن رفع نظره عن الأوراق التي كان يقلبها

بعصبية واضحة رماها أمامه لتنزلق على الطاولة الملساء متفرقة

عن بعضها بشكل مرتب متدرج وطرقت يده بالقلم الذي تركته

مساعدتها على الطاولة وقال بحزم آمر

" أحمد رضوان هذا الاجتماع لم يعد يحتاجك بل

والمشروع أيضًا "

فأخفت حينها عينيها بكفها تفرك جبينها بأصابعها وتنهدت بضيق

وما توقعته حدث أيضاً فما أن وقف ذاك ساحباً كرسيه للخلف أمام

النظرات المحدقة فيه بعضها باستغراب والبعض بترقب لعلمهم

المسبق برفضها لوجوده وإن جهلوا الأسباب ليوقفه الذي رفع

القلم في وجهه قائلاً بحدة

" لو كان هذا قبل أكثر من عشرة أعوام لما خرجت من هنا إلا

وهذا القلم في عينك ... ولتعلم فقط بأنه ثمة خط أحمر واضح

أصبح تحت اسمك ولن تتخلص منه بسهولة "

وما أن أنهى عبارته تلك رمى القلم من يده أيضاً قائلا بضيق

" انتهى اجتماعكم هذا حسبما أعتقد "

فوقف الجميع حينها مغادرين بالتتابع دون اعتراض ولا أن

يناقشوا ما قال وقرر .. ومن هذا الذي يمكنه الاعتراض أو

التحدث بعدما قال هو كلمته ؟ فمهما ارتفعت مكانتهم في البلاد

فكلمته ستكون أعلى منهم فلم يكن ثمة خيار لديهم سوى

الانصياع عدا الجالسة بجانبه بالطبع والتي ما أن رفعت نظرها

بهم وكما توقعت رمقتها تلك النظرات المتهمة للذي غادر آخرهم

وكأنه يقول لها

( أبدعت في خلق الأكاذيب عليه )

ومن هذا الذي سيقنعه بالعكس الآن ؟ بل ولما ستهتم أساساً !

فما أن خرج آخرهم وهي مساعدتها الشخصية حتى وقفت أيضاً

وتوجهت جهة الباب الذي أغلقته بقوة والتفتت للذي وجدته واقفاً

أيضاً بل وينظر لها وقالت بضيق

" مطر ما هذا الذي فعلته ؟ "

استدار بنصف جسده وأمسك مجموعة من الأوراق المرمية على

الطاولة ومدها نحوها يقبض عليها بين أصابعه بقوة وقال

يحركها بعنف

" فعلت ما وجدته مكتوباً في أوراقك أم أخطأت ؟ "

تنفست بعمق نفساً طويلا وقالت بضيق

" وما الذي وجدته ؟ أنت لم تستعلم ولا عن السبب ! "

فرماها مجدداً لكن على الأرض هذه المرة قائلاً بحدة

" وما حاجتي بذلك وعيناه القذرتان تتحدث .... أكنت تنوين

دفعي لقتله ؟ "

نقلت نظراتها المصدومة من الأوراق المبعثرة على الأرض بينهما

لعينيه المشتعلتان غضباً وقالت بضيق

" مطر ما أفعال المراهقين هذه !! "

فنظر جانباً مبتسماً بسخرية أنفاسه الغاضبة تخرج قوية متلاحقة

وقال بضيق مماثل ما أن عاد بنظره لها

" وما ستتوقعين من رجل ينظر أحدهم لزوجته بتلك الطريقة

غير أن يتصرف كمراهق ؟ "

قالت محتجة بضيق

" جميع الرجال ينظرون للنساء ومن الطبيعي أن ينظروا لمن

تتحد... "

فصرخ مسكتاً لها

" توقفي عن ادعاء الغباء أمامي فأنا رأيت جيداً نظراته التي يكاد

يلمسك بها وتعريك من ملابسها .. أنا أفهم نظرات الرجال جيداً

يا غسق "

شعرت بجسدها ارتجف من طريقة وصفه تلك ومما رآه في

نظرات ذاك الرحل الذي تجنبت النظر ناحيته طوال دقائق

اجتماعهم ذاك بينما تابع هو وبغضب متقد

" وبكل جرأة ووقاحة يفعلها أمامي ! قسماً لولا سن ومركز كلينا

لما خرج من هنا يمشي على ساقيه "

حدقت فيه بذهول ولوجهه الذي احمر بشدة من شدة الغضب

وقالت

" مطر بالله عليك أ.... "

فقاطعها صارخاً يشير لها بسبابته

" وأنت حتى متى كنت تنوين الصمت عن ذلك ؟

لما لم تخبريني ؟"

فقالت والضيق لم يفارق نبرة صوتها

" لأنني لم أكن أريد لما حدث الآن أن يحدث وأنا أفهم جيداً

رسالة التهديد التي وجهتها له وأعلم بأنك ستنفذه ... كنت أريد

من الشركاء الاتفاق على إبعاده وشراء أسهمه وينتهي الأمر "

قال بغضب أشد وقد ضرب بسبابته على صدغه

" لكنه لم ينتهي وهم لم يوافقوا فلما لم تخبريني ؟ تحدثي

ولا تصيبيني بالجنون "

فقالت بهدوء حذر تحاول تهدئة غضبه

" سبق وأجبت على سؤالك هذا وكنت سألجأ لك فعلاً إن تعقد

الأمر أكثر فتوقف عن افتعال المشكلات ولينتهي هذا الحفل

بسلام "

فصرخ مجدداً وكأنه لا يسمعها

" هذا وأنت متزوجة !! وممن ...؟

من الذي يعتبرونه رئيساً لبلادهم الحثالة فكيف كان الوضع

حين كان يضن الجميع أنك مطلقة ؟ "

كتفت حينها ذراعيها لصدرها وقالت ببرود تخلله الكثير من الحنق

" كان والدي شراع يغلق الأبواب أمام الجميع حينها وباتفاق

معك بالطبع لأنه وحده من كان يعلم بأني لازلت زوجتك ويخفي

ذلك عني أيضاً "
تجاهل ما قالت مجدداً ورمى بسبابته جانباً قائلاً بحدة

" ذاك ما كان يصل لشراع صنوان ويوقفه عند حده فماذا عما

لم يكن يصل له ؟ ماذا عن أشباه هذا الصعلوك ؟ "

فقالت والضيق قد عاد للسيطرة على صوتها كما ملامحها الجميلة

" مطر توقف عن الجنون فأي امرأة تتعرض لمثل تلك المواقف

وهذه الأمور تافهة لا تلتفت لها النساء "

مرر أصابعه في شعره الأسود الكثيف وتنفس الهواء من صدره

الغاضب في تأفف طويل واقترب منها حيث تقف قرب الباب الذي

أغلقته قبل قليل وأمسك بذراعيها ملصقا لها عليه بظهرها وهمس

من بين أسنانه محدقاً في عينيها

" أنت لست أي امرأة .. أنت زوجة مطر شاهين وأم أبنائه "

فقالت بحنق تنظر لعينيه اللتان تحولتا لحجرين مشتعلين من

الغضب

" مطر هل أفهم أنت هنا لتفسد الحفل أم ماذا ؟ "

فتركت يداه ذراعيها بحركة غاضبة وقال بضيق

" بل لأنه لم توجه لي أي دعوة لأكون هنا بينما وصلت حتى

لزوج ابنتي ...! كان عليا أن أعلم أنه ثمة سبب ما وراء ذلك "

فحركت يدها بعنف قائلة

" أنا لم أدعوه رعد من فعل ذلك من ورائي وأنا لازلت أرفض

الفكرة من أساسها وإن توقفت عن التحدث عنها متعمدة ...

ثم لا أعلم رئيس بلاد توجه له بطاقة دعوى لحضور حفل

برج يُفتح في بلاده !! "

قال بضيق

" غسق لا تتهربي من محور حوارنا الأساسي "

قالت باندفاع

" أنا لا أتهرب "

أشار بسبابته في وجهها قائلا بضيق

" أجيبي عن السؤال إذاً ... ماذا كان موقفك من كل ذلك ؟ "

فصرخت فيه مندفعة ودون تفكير

" وهل تركت لي قلباً يسكنه رجل غيرك لأوافق على أحدهم

أو أسمح بالأمر ؟ "

وتأففت أمام نظراته الساكنة ونظرت للجانب الآخر أنفاسها تخرج

بقوة يعلو معها صدرها وينزل بالتتابع فأمسكت أصابعه بذقنها

وأدار وجهها ناحيته وابتسم مناقضاً كل ذاك المزاج المشتعل

والغضب الذي كان يلقي عليها بحممه قبل قليل وانحني برأسه

نحوها ببطء حتى اختلطت أنفاسه بأنفاسها القوية المنفعله وما أن

تلامست شفتيهما دفعته مبتعدة عنه وهمست ببرود تعدل حجابها

الذي نزل طرفه متدلياً على صدرها

" لا تنسى نفسك يا رئيس البلاد فالبرج بأكمله مراقب "

فابتسم والتفت أصابعه حول أصابعها ممسكا بيدها وسحبها معه

جهة مقبض الباب وقال وهو يفتحه

" إن كانت هذه الغرفة تحديداً مراقبة ما كنتِ لتقولي كلمة

مما قلته "

وما أن كانا خارج غرفة الاجتماعات كان باب المصعد المفتوح

في انتظارهما وما أن دخلاه وأغلقت أبوابه وقفت بعيداً عنه في

الجانب الآخر ورفعت نظرها في إشارة للأعلى بأن هذا المكان

مراقب لا نقاش فيه فلا تفكر في العبث مجدداً فابتسم يتكئ بظهره

على جدار المصعد المقابل لها والذي كان عبارة عن مرآة ممتدة

من أسفله لأعلاه وكتف يديه لصدره وقال بابتسامة ماكرة

" أنت السبب في كل هذا "

فابتسمت بسخرية ورفعت يدها وأشارت بسبابتها بجانب صدغها

للخلف وراء أذنها في إشارة للشعرات البيضاء القليلة في شعره

الأسود الحالك فضحك ولم يعلق وما أن انفتح المصعد علا صوت

التصفيق من الواقفين يملؤون المكان ممن يتبنى البرج مشاريعهم

الصغيرة والتي هدفها دعم نفسها وغيرها ممن يحتاجونها ..

بالإضافة للضيوف الجالسين في أماكن خصصت لهم ومن تم

دعوتهم وأغلبهم شخصيات مهمة في البلاد بالإضافة لرجال الأمن

والحرس الرآسي بالطبع فتحركت من هناك بعد وقوف لحظات

يسير بجوارها صاحب الخطوات الثابتة والرأس المرفوع بكبرياء

لا يشوبه الكبر ولا يليق بسواه ومن كانت الأعين تحدق فيه

بحماس باسم لتواجده غير المتوقع هناك .. والذي التفت ذراعه

كما أصابعه حول خصرها النحيل يشقان طريقاً قصيراً بين صفي

أضواء آلات التصوير تحديداً وصولا للواقفة أمام شريط أحمر

وأعمدة ذهبية مثبت بها .. للطفلة صغيرة بالشعر الشبه أشقر

وبشرة تحمل دماء أهل خماصة بلا منازع تقف بجانبه تحمل

وسادة حمراء مخملية صغيرة وضع فوقها مقص لامع تنظر

لهما مبتسمة ببراءة تشبهها .


*
*
*

لامارا, ورد الخال, الغزال الشارد and 56 others like this.
رد مع اقتباس

  #12127 
قديم 10-06-19, 09:30 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة





*
*
*

اتكأت برفق ونعومة وبالعرض تقريبا على السرير البارد تخبئ

كفها تحت خدها وقد تجمد لمعان كل شيء في تلك الغرفة في

حدقتاها الذهبية الواسعة تنظر بحزن للجالس في الخارج حيث

الشرفة السابحة في الظلام سوى من أنوار الشارع التي انعكست

على الجسد الرجولي الجالس على حافة كرسي من الخيزران

يتكئ بمرفقيه على ركبتيه ثيابه السوداء تشبه وحدها ذاك الدخان

المتصاعد من السيجارة المسجونة بين أصابعه ليس في لونه بل

في قتامة كل ما يتعلق به وذاك مكانه لم يغادره منذ وقت طويل

جلست فيه هنا تنتظره ولم تفكر في الاقتراب منه حيث يسجن

نفسه في عالمه القاتم ذاك فهو لاذ بالصمت طوال طريق عودتهما

من هناك وهي احترمت صمته ذاك وأجبرت لسانها على إيقاف

ثرثرته كما يسميها منذ صغرهما ، وما أن وصلا هنا حتى توجه

ناحية غرفته ودخلها وأغلق بابها خلفه فتوجهت هي لغرفتها

أيضاً واستحمت وغيرت ملابسها واستعدت للنوم لكنها لم تستطع

أن تنام ولا أن ترغم جفنيها المرهقان على أن يطيعانها

ويستسلمان للنوم فاستسلمت لأصوات أنين قلبها العاشق وغادرت

غرفتها ودخلت لغرفته لتجدها فارغة باردة ساكنة لم ينبئها

لوجوده هناك سوى باب الشرفة المفتوح ورائحة السجائر

المتسللة منه فجلست تنتظره ترفض الخروج له وليس لأنها لا

تستطيع أو تخشى أن يرفضها .. وطال انتظارها له كما طالت

عزلته المخيفة تلك مع نفسه وسجائره .

تسربت دمعه من طرف رموشها فأخرجت يدها من تحت خدها

ومسحتها سريعاً وكم شعرت حينها بالندم لأنها أصرت على أن

يذهبا لذاك الحفل .. هي تريد فعلاً أن يتخطى ماضيه الذي يرفض

أن يفارقه وليس لأنه لا يستطيع فعلها فلن تصدق أن شخصاً مثله

يتحكم حتى في أنفاسه وضربات قلبه وهو يصوب سلاحه نحو

هدف ما ليصيبه وبسهولة أن يتغلب عليه ماضٍ لم يبقى منه

سوى الذكريات ... تريده أن يُخرج كل ذاك الحقد من قلبه وأن

يعرف معنى التسامح مع الغير لا مع الذات ليتمكنا من أن يبنيا

حياة حقيقية معاً فهو لن يستطيع أن يحب أحداً مالم يتخلص من

قوى الكره في داخله .. لن يمنح أحداً ذلك ولا .... هي .

رفعت أناملها المرتجفة لعينيها ومسحت دمعة جديدة بللت

رموشها الكثيفة قبل أن تنزل يدها مجدداً وأراحتها على السرير

أمام وجهها وشعرت بقلبها يتمزق لتلك الحقيقة التي لا يمكنها

نكرانها ولا الهرب منها ... هي عاجزة وعن فعل أي شيء من

أجله وما أقسى أن تشعر بذلك نحو من تحب ... تعذره وتفهم

مشاعره وتتألم معه ولتألمه وتشعر بالعجز حيال تخفيف ذلك عنه

أو مساعدته لتخطيه لأنه سيرفض ذلك بل ولن يعترف به ولا بينه

وبين نفسه .

رفعت يدها ومسحت عيناها بسرعة وجلست تبعد شعرها وغرتها

للخلف حين وقف الجالس هناك ورمى عقب السجارة من يده

وداسه بقدمه بقوة وكأنه يسحقه لا يطفئه ! ثم استدار وتوجه

نحو الداخل وأغلق الباب الزجاجي خلفه بسحبة قوية من يده

ودون أن يلتفت له وتوجه نحو السرير الذي لازالت تجلس عليه

وارتمى عليه بجانبها بتنهيدة طويلة قدماه على الأرض وجسده

فوقه ورفع يده لعينيه وضغط عليهما بأصابعه بقوة .. لم يتحدث

ولم يسألها عن سبب وجودها هنا رغم يقينها من أنه كان يعلم

بدخولها منذ البداية ولم تقدم هي التبريرات أيضاً أو تعتذر بل

ضلت تحدق بوجهه وملامحه الجامدة .. شفتاه المشدودتان وفكاه

المتصلبان ولم يبعد أصابعه عن عينيه بعد .. وطال صمتهما كما

حالته تلك ونظراتها الحزينة التي التصقت به .

" لما لم تنامي حتى الآن ماريا ؟ عليك أن تكوني في جامعتك

باكراً غداً "

كان هو من كسر حاجز الصمت السميك ذاك بينهما بينما لازال

يمسك عينيه بأصابعه بقوة فرفعت يدها ومسحت عينيها وأنفها

وأبعدت خصلات غرتها خلف أذنيها ولم تتحدث أو تجيب فأبعد يده

واستدار بجسده جانبا متكئاً على مرفقه وثنا ساقيه لتصبحا فوق

السرير أيضا وقد نصب إحداهما فارتفع جسده بحركته تلك وإن لم

يصل لمستواها ورفع رأسه وحدق بها بينما كانت تنظر هي

للفراغ تضم يديها في حجرها وتمتم ببرود

" لن ينام القط الذي أكل لسانك الليلة بسبب التخمة "

أسدلت رموشها ونظرت لعينيه تزم شفتيها بينما لم تنزل رأسها

قبل أن تهمس ببحة تغلبت على نبرتها الباردة

" ألم يخبروكم في تلك المنظمة أنكم لم تعودوا صالحين

للمزاح ؟ "

فارتسمت ابتسامة خفيفة باهتة على شفتيه لمحتها وهو ينزل

رأسه ونظر للقداحة التي كان يديرها بين أصابعه وتمتم مجدداً

وبذات بروده

" لا لم يخبرونا ... تركوا ذاك الشرف لزوجاتنا "

فتقوست شفتاها ولازالت تنظر له وارتسم البؤس على ملامحها

البريئة الرقيقة وشدت أناملها في قبضة واحدة وضربت بها

ذراعه قائلة بضيق

" بل كان عليهم منعكم من الزواج نهائياً "

وقبل أن تبعد يدها وبسرعة خاطفة لم تستطع ولا هي ملاحظتها

أو تفاديها التفت أصابعه حول رسغها وشدها منه بقوة أوقعتها

على السرير تحتها ورأسها وكتفيها استقرا على معدته مترافقاً

بصوت شهقتها المصدومة وقبل أن تفكر في الجلوس أو الابتعاد

ثبتها بذراعه التي التفت حول كتفيها وانحنى بوجهه ناحيتها

هامساً من بين أسنانه

" من هذا الذي يستحق تلك العقوبة منا ماريا هاه ؟ "

فاستسلمت عن مقاومته التي تعلم بأنها لن تجدي وبأنها لن

تستطع التغلب على ذراعه القوية تلك وحدقت في عينيه القريبتان

منها وابتسمت برقة هامسة

" أنا بالطبع لكنك لن تستطيع تنفيذ ذاك الحكم "

فخرجت منه ضحكة صغيرة مكتومة وانحنى نحوها أكثر وألصق

شفتيه بشفتيها في قبلة شاركته فيها سريعاً لتقطعها بالسرعة

ذاتها وابتعدت عنه لكنها لم تجلس بل زحفت نحو الأسفل قليلاً

لازالت مستلقية على السرير وخصلات من شعرها البني الناعم

بقيت متناثرة على معدته المشدودة تنظر ليديها المجتمعتان وسط

جسدها بينما عاد هو لوضعه السابق ورمى القداحة من يده بعيداً

لتصطدم بالجدار مصدرة صوتاً لرنين معدن ثقيل قبل أن تستقر

على طاولة السرير تحته وعاد الصمت ليسيطر عليهما مجدداً

فنظر لوجهها ولرموشها التي كانت تخفي عينيها عنه لطريقة

استلقائها تلك قبل أن تنتقل نظراته لجسدها وارتسمت ابتسامة

جانبية على شفتيه وهو يمد يده لكتفها وأدخل إصبعه تحت كتف

بجامتها العريض والتي كانت من دون أكمام ومن القطن الناعم

ودفعه للأسفل نحو ذراعها فدفعت يده عنها وأبعدها هو مبتسماً

بينما أعادت هي بيجامتها كما كانت قبل أن تنزل يدها وتعود للعب

بأناملها فوق معدتها ونظرها عليهم وظهر التردد في صوتها

واضحاً حين قالت

" آسفة بشأن الحفل ... فيبدو أنك انزعجت وكله كان بسببي "

أبعد نظره عنها متمتماً ببرود

" لننسى الأمر فأنا لا أرغب في التحدث عنه "

فلاذت بالصمت فوراً وتعلم ما سيكون مصير أي جملة ستتفوه بها

الآن وهو بترها وإيقافها قبل أن تكتمل بل وسينتهي الأمر بأن

يغضب منها كأي نقاش يخوضانه في العادة .

" أنا مسافر في الغد ماريا "

قال ذلك بجمود هو أقرب للجدية فرفعت رأسها للأعلى فوراً

ونظرت له فكان ينظر للفراغ ولم يضف شيئاً واستمرت هي تحدق

به لوقت قبل أن تجلس واستدارت جهته قائلة بريبة لم تستطع

إخفائها في صوتها

" لكنك لم تكن تخبرني سابقاً حتى يوم سفرك ! "

وتنقلت نظراتها باستغراب في ملامحه ولا تفهم ما سبب ما قال

فهو لا يفعل ذلك عادةً وبل برسالة تصل لهاتفها وهي في

الجامعة ! استمرت في التحديق فيه بصمت بينما كانت ضربات

قلبها ترتفع تدريجياً وهي تراقب حركة حدقتاه المتنقلة بشرود في

الفراغ ومرت اللحظات وكأنها دهور حتى قال

" الأمران سيان ماريا "

استطاعت حينها تحرير أنفاسها التي علقت في صدرها وإن كان

جوابه ذاك لم يُزل نظرة القلق المشوشة في عينيها المحدقتان

بعينيه .. وكما توقعت كان ثمة المزيد بل وسبب ما فقد رفع رأسه

وتخللت أصابعه في شعره ينظر للجدار المقابل له خلف السرير

وقال بهدوء لا تعرفه في صوته إلا نادراً

" لا أريد تركك هنا فترة غيابي ماريا "

فتعالت أنفاسها وبالكاد خرج صوتها معها منخفضاً ضعيفاً

" لكنك كنت تفعل ذلك سابقاً !! "

عاد بنظره لملائة السرير البيضاء وقال بجمود سرعان ما عاد

ليسيطر على صوته وكلماته

" رحلتنا هذه المرة قد تستغرق فترة طويلة و أنا..... "

قاطعته بسرعة وريبة

" فترة طويلة كم تعني ؟ "

ففرد أصابعه بفرده ليديه وقال

" لا يمكنني تحديد ذلك لكنها لن تقل عن الأربعة أيام "

رفعت رأسها حينها وسحبت نفساً عميقاً لرئتيها المتشنجتان قبل

أن تنظر له مجدداً قائلة

" طننتك ستقول شهراً بل أعوام ....! "

وتابعت من فورها

" حسناً وما الفرق بين يومين أو أربعة ؟ ثم باب الشقة أصبح

مؤمناً بالأقفال من الداخل وصديقك ذاك مؤكد سيكون هنا قريباً

مني كالسابق "

حرك رأسه رافضاً وقال بحزم

" لا يكفي كل ذلك ماريا فأنا لا يمكنني تركك لمدة أجهلها "

رطبت شفتيها بطرف لسانها وقالت

" لكن أ..... "

قاطعها بضيق رافعاً يده جانباً

" لا تستمري في الجدال ماريا ... هذه المهمة تحديداً تحتاج

لكامل تركيزي بدون نوبات القلق تلك التي كانت تهاجمني في

المهام السابقة "

فزمت شفتيها المتوترتان تنظر له بصمت ... هي لا تفهمه أحياناً

بل لا تفهمه مطلقاً فلما يصر على بقائها هنا معه إن كان يقلق

بسبب تركها وحيدة ! وهل بدأ يفكر فعلياً في أنه قد تهور في

اتخاذ قراره ذاك والإصرار عليه بعناد ؟ أم ثمة أمور جديدة

تجهلها باتت تهدد وجودها معه ؟ إن سألت أو جادلت كما يقول

فلن تحصل على شيء سوى أن تغضبه أكثر لكن ألا يحق لها أن

تعلم ؟ لما يتخذ قرارات فردية دائماً ويغضب إن هي احتجت ؟

تنهدت باستسلام وقالت تنظر ليديها في حجرها والتي كانت

تقبض أصابعها بتوتر

" أتعني بأنه عليا البقاء في منزل عمي الحارثة ...؟ "

قال سريعاً ينظر لملامحها التي تخفيها عنه

" لا ماريا ... لن تعودي لذاك المنزل ، أنا أعلم جيداً أنك لا

تريدين ذلك وأنا مثلك أرفضه "

رفعت رأسها مجدداً وحدقت به بصمت ولا تعلم إن كان بسبب

ساندرين أم مثلها لا يريد أن تواجه تلك النظرات والاتهامات

المبطنة لقرارها الخاطئ بالبقاء معه والتي ستراها في أعينهم

جميعاً وإن لم يكن في كلماتهم وحتى كين الذي لم يعلق مطلقاً

رغم التقائهم في الجامعة وإن كان يتجنبها غالباً ، لم تتحرك

شفتاها ولم تنطق بالسؤال التالي والذي يعلمه كليهما كما لم تترك

نظراتها ملامحه التي بدا عليها الغموض واضحاً حين قال ببرود

لازال يتجنب النظر لها

" كنت أفكر في منزل والدي فهو الخيار الأفضل "

نظرت له بصدمة وعينان متسعتان بذهول ليس لاقتراحه ذاك ولا

لاختياره لذاك الرجل الذي يرفض حتى التحدث عنه بل ...

والدي !!

أقال ذلك فعلاً !

أنطقها هكذا أم أنها تتخيل !

كانت تحدق فيه مندهشة ويبدو أنه استفاق لذلك أيضاً بل وقرأه

في نظرتها تلك فقد رفع نظراته لها وبدا ذاك واضحاً في عينيه

قبل أن يبعدهما عنها مجدداً وقد قال ببرود قاتل

" ذاك الرجل هو الخيار الوحيد أو ... لا انسي الأمر ماريا فثمة

مكان أفضل "

تقوست شفتاها واعتصر الألم قلبها الصغير وشعرت بأنها كالشاة

التي لا يعلمون لأي حضيرة يسوقونها ...!

لطالما افتقدت والداها وأن تكون لها عائلة ولأعوام طويلة لكنها

لم تشعر بالاحتياج لذلك قط كما الآن ... كانت أمور كثيرة ستتغير

حينها ... لكانت الآن ... ، مسحت عيناها بظهر كفها تمنع تلك

الدموع الحمقاء من التسرب منها وهمست ببحة

" وأنا أراه خيار جيد فلما غيرت رأيك ؟ "

رفع نظراته الجامدة لها وكانت تتوقع أن تغضبه جملتها تلك

لاعتقاده بأنها ستستغل الفرصة مجدداً لتقربه منها لكن ما لم

تتوقعه مطلقاً ما قاله حينها بضيق

" لأني نسيت فجأة وجود تلك المنحلة بالإضافة للأخرى الآن ولا

أريد حين أرجع أن أجدك واقفة في مواجهتي ترفضين العودة

معي مجدداً "

فلم تستطع منع انفراج شفتيها بدهشة وهي تنظر له بصدمة ..

لا بل بحنق سرعان ما طفا للسطح وقالت بضيق

" ماذا تقصد بهذا تيم ؟ "

قال بجدية متجاهلاً نظرة ونبرة الاتهام التي وجهتها له

" أقصد ما تعلمينه جيداً وسبق وحدث حين جلبتك من منزل

عم والدك سابقاً "

عادت شفتاها لسحب شهقة صغيرة صامتة وقالت تشير لنفسها

" أهكذا أنا في نظرك ؟ يقرر عنها الغير ! بل ويجعلونها تنفذ ما

يريدون هم وإن كان الأمر يخصها لوحدها ؟! "

لوح بسبابة يده الحرة بالنفي قائلاً بضيق

" بل عنيت أنك تتأثرين ماريا فلا تخلطي الأمور وتهاجميني "

ترقرقت دموع الغضب والمهانة في عينيها وهمست بجمود

" كلاهما سواء ... "

واختنق صوتها وهي تتابع بعبرة مكتومة

" لم أكن أتخيل قط بأنك تراني ضعيفة شخصية يتحكم بها الغير

ويقولبونها كما يريدون ! "

حرك رأسه بضيق وقال

" ماريا قلت لا تخلطي الأمور ولا.... "

قاطعته بضيق أشد

" أنت... "

فصرخ مقاطعاً لها أيضاً

" توقفي عن مقاطعتي ... "

وأضاف بجدية ينظر لعينيها السابحة بالدموع

" أنت تملكين قلباً بداخلك يختلف عنهم جميعاً ماريا وتتأثرين

بسرعة كما أن عواطفك ما تتحكم في قراراتك ... هذا ما عنيت

فقط "

اتقد الغضب في حدقتيها الذهبية الدامعة ومسحت عينيها بظهر

كفها بقوة قبل أن تشير له بسبابتها قائلة بضيق

" ها أنت تتهمني الآن بأني لا أفكر بعقلي مطلقاً وتغضب إن

احتججت ! لما لا تقل عيوبي مباشرة لا داعي لأن... "

قاطعها بضيق مماثل

" لن أحتاج للتلاعب والتمويه إن كنت سأتحدث عما أراه عيبا

بك ... وأنا لم ولن أراها عيوباً "

وما أن كانت ستتحدث قاطعها بحزم غاضب ينقل سبابته بينها

وبين باب الغرفة المفتوح

" لن تنكري ذلك ماريا فإن جاء أحدهم هنا في الغد وأخبرك بأني

أواجه خطراً ما لخرجت معه راكضة دون حتى أن تقفي لحظة

لتفكري في أبعاد الأمر اليس كذلك ؟ "

حدقت فيه بصمت حانق ولم تستطع قول شيء ولا الإنكار فتلك

هي الحقيقة بل كانت ستركض وتسبقه ، قال حين طال صمتها

وقد أشار جهة الشرفة هذه المرة

" أرأيت ماريا ؟ كما أنك لم تنسي قطعاً حين وافقت على المجيء

معي هنا سابقاً وبدأت بجمع ثيابك وما أن تحدثتْ معك سليطة

اللسان تلك حتى غيرت رأيك وانصعتِ لما أرادت هي "

تعالت أنفاسها بغضب قبل أن تهاجمه قائلة بحدة

" أجل ثم فعلت أنت مثلها وجعلتني أغادر معك بكلمات قليلة

منك ... هذه هي ماريه إذاً امرأة بلا شخصية يحركها من يشاء

ويقرر عنها "

وتابعت ولم تأبه للنظرات الغاضبة التي رماها بها حينها

" بل ومتى تُرك لماريه الخيار لتقرر وتنفذ ...؟

هي تُساق مجبرة منذ كانت طفلة لم يهتم أحد برفضها أو

موافقتها "

وتلاحقت أنفاسها الغاضبة ما أن أنهت عبارتها تلك تنظر له من

بين لمعان تلك الدموع السجينة في عينيها فرفع رأسه عالياً

وتنفس نفساً عميقاً يمرر أصابعه في خصلات شعره التي انساقت

بينها بنعومة وإن لم تتحرك من مكانها وقال بجدية ما أن عاد

بنظره لعينيها

" ماريا لا تفسري الأمور كما يخبرك عقلك ... أنا قلت بأنها

ليست عيوباً بك ولا أراها كذلك أبداً بل ولم أقصد ما فهمته

وتتهمينني به "

لوحت بقبضتها قائلة بضيق

" ماذا هي إذاً ؟ رقة قلب كما تقول ! أنا لم أعد تلك الطفلة

تخدعني تيم "

اعتدل جالساً وأمسك وجهها ونظر لعينيها القريبتان منه وإن

كانت تلك القطع الذهبية لازالت تنظر له بغضب وضيق والكثير

الكثير من الألم الذي لم تستطع إخفائه وهمس بتأني

" بلى لازلتِ هي ... لازلت تلك الطفلة وهذا ما أريده أن يبقى

ولا يغيره أحد فقط لأنه قد يراه ضعفاً كما تقولين "

تنقلت نظراتها بين عينيه وهمست ببحة وضعف كانت تعلم بأنه

سيوصلها له وبسهولة

" أثمة من يذكر لأحدهم عيوباً به ويدعي بأنه يحبها فيه ؟ "

تحركت أصابعه على وجهها نزولا وأمال رأسه وقبّل طرف أنفها

وهمس ما أن عاد بنظره لعينيها مجدداً

" بلى حين لا يكون يراها عيوباً ماريا "

فسحبت الهواء لرئتيها وهمست أيضاً ولكن بحزن تنظر لعينه "

لكن الغير يرونها كذلك تيم وأنت بنفسك اعترفت "

حرك رأسه نفياً وقال بجدية

" لا ماريا لا تجعلي هذه الأفكار تسكن رأسك وتؤثر بك "

أرخت جفنيها تخفي الدموع التي عادت لمعانقتها مجدداً فتخللت

أصابعه شعرها أكثر وانحنى نحوها أكثر ووزع قبلاته الخفيفة

على شفتيها لم يكترث ولم يهتم لعدم تجاوبها معه ونظر لعينيها

بعدما حررتها من رموشها الكثيفة التي كانت تخفيها عنه ونظرت

له بينما سيطرت بحة غريبة على صوته الرجولي العميق وهو

يهمس

" ماريا طفلة بلدة حجور أنت ... لازلت هي ولا أريدها أن تكبر

أبداً ولا أن يدفعها أحد لذلك "

فأنزلت رأسها ليست تعلم هرباً من قبلاته واستنشاق أنفاسه

الدافئة والتي توصلها للجنون أم من أن يقرأ في عينيها ضعفها

المعتاد أمام سيطرته عليها بلمسات قليلة .. بهمسة .. بقبلة

صغيرة كطفلة تتعلق به كلما اقترب منها أكثر .

قالت بجمود ما أن أبعد يديه وابتعد هو عنها ولازالت تنظر

للأسفل

" إذاً ما خيارك الآخر الذي تحدثت عنه ؟ "

وصلتها تنهيدته العميقة بوضوح قبل أن يقول بجدية

" لا يمكننا مناقشة الامر وأنت غاضبة "

شدت أصابعها وهمست ببرود تنظر لها

" لست غاضبة "

قال بجدية أكبر ولازال ينظر لها وإن كانت تتجنب النظر له

ولازالت تنظر ليديها في حجرها

" بلى أنت كذلك ولم تغادر تلك الأفكار الخاطئة رأسك بعد وأول

ما ستفعلينه الآن هو اثبات العكس لنفسك بأن تتمردي وترفضي

ما سأقوله وأيا كان "

رفعت رأسها حينها ونظرت له وقالت بضيق

" لن يحدث ذلك لأني لن أملك خياراً غيره كما تعلم جيداً فلا أبوين

ولا أشقاء ولا عائلة لي أجعلها بديلاً إن أنا عاندت وتمردت

كما تقول "

أغمض عينيه وضغط عليها بأصابعه بقوة منزلاً رأسه للأسفل

وزفر نفساً قوياً إن لم تكن متأكدة منه لظنت بأنه يتأفف ...!!

أنزلت رأسها ونظرت ليديها مجدداً وقالت بحزن

" لم أكن أتوقع قط بأنه يمكننا أن نستمر معاً ! ظننتك تحتاج

لامرأة بشخصية تشبهك وأنك ستبحث ... "

" توقفي ماريا ... "

رفعت نظرها له بذهول حين أسكتها يطبق بيده على فمها وقال

بحزم ينظر لعينيها

" اصمتي كفى فأنا لن أبحث عما تتحدثين عنه ولدى أي

امرأة كانت بل ولا أريده... "

وأبعد يده ومرر أصابعها في شعره قائلاً

" آه لا ... لا يمكنني تصور امرأة مثلي تجلس أمامي الآن ...!!

أنا لا يمكنني التأقلم ولا مع رجل يحمل ذات طباعي فكيف

بامرأة ! "

رفعت يدها ومسحت عينيها بقوة ولم تعلق فزحف نحوها قليلاً

وأمسك وجهها مجدداً وقال ينظر لعينيها

" ماريا توقفي عن التفكير بتلك الطريقة وبأنك وحيدة ولا عائلة

لك ... أنت تعلمين جيداً أي ظروف نمر بها الآن وعلينا بالتالي

التأقلم مع ظروفنا تلك لا أن نحاول تحريكها لتتماشى مع رغباتنا

فذلك لن ينجح أبداً "

نظرت لعينيه بصمت لبرهة بينما نظراته تخبرها وبإصرار أن

تصدق ذلك وتقتنع به فأنزلت رأسها وأومأت إيجاباً دون أن

تتحدث ولا أن ترفعه أو تنظر له .. وها هي تنصاع كما سبق

وقال وذاك ما يحصل عليه دائماً بمجرد أن يستخدم سلاح لمساته

وقبلاته ... والآن عليها إذاً أن تنظر للأمر على أنه استسلام

للظروف الراهنة كما أشار لا ضعف منها وبأنه يعجبه ذلك فيها

فيجعله المسيطر دائماً لتسير الأمور كما يشاء لأنها ستصاب

بالجنون لا محالة إن هي استمرت ترى نفسها كذلك في عينيه ،

رفعت رأسها ونظرت له حين قال

" منزل عائلة رواح هو البديل الوحيد "

فتحت فمها وأغلقته عدة مرات وكأنها عاجزة عن إخراج الكلمات

منه قبل أن تهمس باستغراب

" منزل عمتك تعني ؟ "

فعاد لاستلقائه السابق يتكئ بمرفقه على السرير تحته وثنا ساقيه

ينصب إحداها ويثني الأخرى تحتها وقال ببرود

" بل منزل عائلة ضرار السلطان "

زمت شفتيها بقوة قبل أن تحررهما قائلة بحزم

" بل عمتك فلولا انتمائها لتلك العائلة ما كان ليكون خيارك "

فرفع رأسه ونظر لها وقال بضيق ملوحاً بيده

" ماريا لا تبدئي باستخدام أساليب وضيعة للانتقام مني "

نظرت له بصدمة قبل أن تمسك خصرها بيديها وقالت بضيق

مماثل

" توقف انت عن إلصاق أفكارك الوضيعة بي "

" مارياااا "

صرخ فيها بغضب تجاهلته تماماً وهي تنفض يدها جانباً قائلة "

لا يحق لك أن تغضب لأنك من تفوه بتلك الكلمة قبلي ووجهها لي

لا تنسى ذلك "

غرس أسنانه في شفته ورفع يده لذقنها وأمسكه وقد ألتفت

أصابعه حوله وضغطه للأسفل حتى انفرجت شفتاها وشدها نحوه

متمتما بحنق من بين أسنانه

" تبا لهذا اللسان ... وتقولين بأنك ضعيفة لا شخصية لك ! "

أبعدت يده وزحفت للخلف قليلاً قائلة بضيق

"توقف عن استخدام قبلاتك كعقاب لي تيم كم مرة سأقول ذلك ؟ "

فرد يده وذراعه جانباً قائلاً

" عقاب ....!! لا أحد يعاقب الآخر بذلك سواك "

رفعت طرف حاجبها البني الرقيق وابتسمت بسخرية قائلة

" جيد ... شكرا لأنك أخبرتني "

قال يشير لها بسبابته محركاً إياها أمام عينيها

" لن يستمر ذلك طويلا وسترضخين في النهاية ... ولا تقولي

مجدداً بأني من يسيطر عليك ويقرر عنك تذكري هذا جيداً "

نظرت له بصدمة مجفلة قبل أن تقول بضيق وقد عادت لإمساك

خصرها النحيل بيديها

" توقف عن اقحام حديثنا السابق في كل ما سنقول أو لن أنساه

أنا أيضاً "

أشار لها برأسه وقال

" سأنساه إذاً إن كنت ستنسيه "

ونظر بعدها للجدار فوق سريره وكأنه يتعمد تجاهلها يضرب

بأصابعه على فخذه الذي ترتاح يده عليها فابتسمت بحزن

وشردت بنظرها في الفراغ بوجوم كئيب ولا تعلم كيف لها أن

تقضي الأيام القادمة في ذاك المنزل ومع تلك العائلة وهي لا

تعرفهم جيداً فحتى عمته تلك التقتها لمرتين في الحفل وبشكل

عابر بل أنهما الليلة الماضية لم يقتربا منها ولم يسلما عليها ولا

من باب اللباقة لتجد نفسها ضيفتهم في الغد ! نظرت له لتكتشف

بأنه كان ينظر لها بل ويبدو كان يدرس تغيرات ملامحها مع

أفكارها تلك ولن تستغرب أن يكون يعلم جيداً فيما كانت تفكر ...

نظرت ليديها في حضنها وقالت بهدوء حزين

" وهل سترحب تلك العائلة بوجودي بينهم ؟ "

قال من فوره ونظره لم يبتعد عن ملامحها

" بالتأكيد وسأتحدث مع السيد ضرار ومع رواح ليخبر والدته "

تنهدت بضيق ولم تعلق أو ترفع نظرها من يديها ... أجل هو

واثق من ذلك تماماً فتلك المرأة تنتظر الفرصة فقط لتفعل شيئاً

يخصه أو يطلبه إن كانت حتى دخوله لمنزلهم في المناسبات فقط

تسعى له باستماتة ، وتستغرب حتى الآن كيف فكر في الاستعانة

بهم في أمر يريده ! أهذا كله تمسك بوجودها هنا معه بينما

عيشها بعيداً كان سيكون خياراً أيسر ؟! أم أنه .....؟

رفعت نظرها له وقالت بتوجس

" وهل ستتركني هناك في جميع مهامك القادمة ؟ "

" لا "

قالها مباشرة ولم يضف شيئا فحدقت فيه بصمت ... لا تعلم لما

تشعر بأنه ثمة شيء ما في الأمر ولم تقتنع بعد بالسبب الذي

ذكره ! قالت بتردد هو أقرب للتوتر الذي لم تستطع إخفائه في

صوتها كما ملامحها

" أنت تخفي شيء ما عني ؟ "

فتنفس بقوة وضيق قبل يقول بنفاذ صبر

" ماريا بحق الله أبعدي هذه الأفكار الحمقاء عن دماغك فكل ما

في الأمر أنه لم يتم تحديد وقت معين لعودتنا كالرحلات السابقة

وهذا يحدث عادةً لكن ليس دائماً ولأن هازار في فرنسا الآن ولا

يمكنني استئمان أحد غيره ولا رفاقي هنا عليك بل ولا حتى من

يعملون معي في المنظمة لذلك لا يمكنني تركك وحيدة هنا لفترة

أنا نفسي لا أعلم كم ستكون "

ملأت الدموع عينيها وهمست ببحة

" وستعود .... ؟ أقسم لي بذلك "

رفع يده لوجهها ولامس إبهامه وجنتها وقال ناظراً لعينيها

الدامعة

" سأكون هنا عند نهاية الأسبوع على الأرجح ماريا أقسم لك "

أومأت براسها إيجاباً تمسح عينيها والدموع التي لم تفارق

رموشها بظهر كفها وقالت ما أن رفعت نظرها لعينيه مجدداً

" تيم أتعدني بأمر ما وتنفذه ؟ "
تنهد بضيق وقال

" انتقلنا من الطلبات للوعود ماريا ؟ "

مسحت عينيها مجدداً وأنفها أيضاً هذه المرة قائلة

" أجل وهو أمر واحد ولن أطلب غيره "

قال بابتسامة جانبية لازال يرفع نظره لها

" حسناً ما هو ؟ "

نظرت ليديها في حجرها وقالت بتوتر لا بل بتردد

" أنت.... أعني أنا لم أراك تدخن سوى لمرتين منذ أصبحت هنا

في لندن ولم أكن أستنشق رائحتها أبداً في ثيابك ولا.... شفتيك "

وشدت سبابتيها ببعضهما بقوة وهي تقول كلماتها الأخيرة وتابعت

ولم تنظر له بعد بالرغم من أن نظراته لم تفارق ملامحها أبداً

" مما يعني أنها ليست عادة دائمة لديك وأريدك أن تعدني أن

تتوقف عنه نهائياً "

كان جوابه الصمت التام والذي أقلقها أكثر من كونه وتّرها !

وما أن رفعت نظرها له حتى قال وكأنه ينتظرها أن تنظر لعينيه

" لا أستطيع ماريا ... هي ليست عادة دائمة كما تقولين ولا نوع

من الإدمان لكنني لا أستطيع تركها "

اقترب حاجباها المحددان ببطء ونظرت له بأسى حزين وقالت

" أنت لا تريد ذلك وليس لا تستطيع ... لا أصدق بأنه ثمة ما

يمكنه التغلب على عزيمتك و حتى إن كانت مخدرات وليس

مجرد سجائر لا تلجأ لها إلا نادراً ! "

وكان هو من أبعد نظره عنها هذه المرة للجدار المقابل له أعلى

سريره فتنهدت بإحباط قبل أن تقول

" أنت طبيب وتعلم جيداً أضرار ذلك ، ولن نقول بأنه من أجل

هذا بل وليس من أجلي ولا من أجلك ... افعلها على الأقل

من أجل ... "

وترددت قليلاً وهو ينظر لها حينها لكنها تشجعت وقالت دون أن

تهرب بنظرها من عينيه

" من أجل ابنك الذي تصر عليه رغم رفضي "

فأبعد نظره عنها للفراغ وتنفس نفساً عميقاً طويلاً بطول انتظارها

ذاك وقال بهدوء ما أن نظر لها مجدداً

" حسناً سأفعلها من أجله "

ارتسمت ابتسامة صادقة زينت ملامحها الجميلة منتصرة وبقوة

على حزنها وتحول الأمر لشهقة مختلطة بضحكة مكتومة ما أن

شدها من ذراعها لتسقط على صدره وهمس يمسك رأسها بيده

الأخرى يدني وجهها من وجهه

" وعليه أن يأتي إذاً من أجل أن لا تضيع التضحية هباءً "

وما أن حاول تقبيلها دفعته عنها وابتعدت جالسة تنزل قميص

بيجامتها تغطي خصرها العاري وقربت وجهها منه قائلة بابتسامة

ساخرة

" لن يحدث هذا أبداً وبالطبع من أجل التأقلم مع الظروف الراهنة
لا تحريكها كما نريد "

نظر لها بضيق فهذه الطفلة تذكره بكلامه السابق .. بينما تجاهلته

هي ببرود فتأفف قبل أن يرتمي على السرير بجانبها نائما على

ظهره ووضع يديه تحت رأسه ناظراً للسقف وتمتم بحنق
" تباً لك مارياً "
فحركت كتفيها بعدم اكتراث مبتسمة وانتقلت نظراتها من ملاحه

المتفجرة وسامة ورجولة لجسده والقميص القطني الأسود

المشدود عليه مبرزاً عضلاته وخصره النحيل ... وشعرت

بحرارتها ترتفع وجسدها يتعرق ولم تستطع السماح لنظراتها

بالنزول أكثر ... فمن هذه التي تصمد أمام هذا الرجل ولا تنهار

دفاعتها بمجرد النظر له فكيف بقبلاته ولمساته !! لكن .... .

" ما سبب هذه الابتسامة البلهاء وأنت تحدقين في جسدي ! "

أجفلت بشهقة صامتة وشعرت بأنفاسها علقت في حلقها ولم

تستطع ولا أن تبتلع ريقها ونظرت له بصدمة فكان بالفعل ينظر

لها وقال حينها مضيقاً عينيه

" فيما كنت تفكرين ؟ "

لتزداد صدمتها شدة وحدقت فيه بعينين متسعتان قبل أن تقول

بهجوم دفاعي

" حمدا لله أن الأفكار أمر لا يمكن انتزاع ملكيته من أحد وأنها

ملك لي وحدي "

لكن ذلك لم يجعل نظرته لها تتغير وقال يرمقها بطرف عينيه

الشبه مغمضتان

" لكنها ليست كذلك عندما تخص شخصاً غيرك وإن كانت لك

أليس كذلك ؟ "

ضربت كتفه تحتها بقبضتها وقالت بضيق

" ومن قال أساساً بأنها كانت تخصك ؟ "

أخرج أحدى يديه من تحت رأسه ودسها في جيب بنطلونه وأخرج

منه ورقة صغيرة مطوية تبدو قديمة باهتة وقال وهو يفتحها

بأصابع تلك اليد وحدها

" حسناً وماذا بشأن هذا فهي ليست أفكاراً وعلينا أن نعلمها ؟ "

فشهقت بصدمة فور أن انكشف لها الموجود فيها فقد تعرفت

عليها فوراً رغم مرور كل هذه الأعوام فلازالت الكلمات القليلة

المكتوبة بقلم رصاص واضحة حتى الآن ... وبالرغم من أنها

كانت أحرف تنتمي للغة العربية إلا أنها كلمات لا يمكن لأحد أن

يقرأها ويفهمها سوى من كتبها فكيف وهي ابنة الخامسة حين

كتبتها وبالكاد كانت دخلت للمدرسة ، مدت يدها في حركة سريعة

وحاولت اختطافها منه لكنها عبثاً تحاول مع قناص ورجل المهام

الصعبة فقد أبعدها بسرعة فاقت سرعة يدها بمرات فضربت كتفه

بقبضتها وقالت بضيق

" كنت أنت من فعلها إذاً ! وأنا من ظننت بأنها الجنية من

فعلتها ... لقد خدعتني وتلاعبت بي "

نصب ساق على الأخرى ووضعها على فخذه قائلا بابتسامة

ساخرة

" كان عليا فعل ذلك كي لا أسمع ثرثرتك عنها كل صباح لأن

جنيتكم تلك لم تأتي لأخذها "

نظرت له بضيق وقالت تمسك خصرها بيديها

" كان ذلك أفضل من خداعي "

رفع رأسه ونظر لها فوقه وقال ساخطاً

" بربك ماريا لا أصدق أنك وأنت بهذا العمر تصدقين أنه توجد

جنية وبأنها أخذتها بالفعل ! "

قالت ولازالت تمسك خصرها النحيل

" لا بالطبع ونحن نتحدث عن الخداع لا تصديق تلك الخرافة "

قال بسخرية وقد عاد بنظره لورقتها تلك يحركها بين أصابعه

" لم تتحقق أمنياتك المكتوبة فيها إذا ؟ "

" لا شأن لك "

قالتها مباشرة تنظر لوجهه وإن كان لا ينظر لها فرفع جفنيه

ونظر ناحيتها دون أن يحرك رأسه وقال بابتسامة جانبية

" ألا يحق لي أن أعلم ما المكتوب فيها ؟ "

" لا "

قالتها سريعا وبرفض قاطع فرفع رأسه قليلاً وقال فوراً وبمكر "

لا شيء فيها يخصني تعنين ؟ "

جعدت ملامحها وهي تقول

" يا لغرورك البشع ! "

فضحك ضحكة صغيرة مكتومة ونظر للورقة التي فردها جيداً على

فخذه بإبهامه وسبابته وقال

" ما رأيك بأن أحقق لك طلباً مقابل كل سطر فيها ؟ "

نظرت له بصدمة وإن كان لا يراها ونقلت نظرها للورقة التي

قسمتها خطوط طيها لأعوام لأربعة وأغراها العرض وكم تمنت

حينها أن كانت كتبت من ثرثرتها كما يسميها الكثير ذاك الوقت

وليس سطران فقط ، عادت بنظرها له فكان ينظر لها هذه المرة

فرمقته بطرف عينيها بشك ... أيتنازل حقاً ويحقق لها ما قد

تطلبه فقط مقابلاً لترجمتها لتلك الكلمات التي لا تنتمي لأي لغة !

ألم يفكر بأنها قد تستخدم طلبات تعجيزية لتتهرب أم أنه واثق

من أنها ستستسلم للإغراء وتفعلها ؟ بل هل هو واثق من أنها

ستطلب شيئاً تعلم بأنه لن يرفضه ! أيضن أن تلك الأمنية لا

تخصه وبأنها ستكشفها له ؟ فأمنيات الأطفال قد تنحسر غالباً

بأمور سخيفة كالحلوى والألعاب .... لكن أكان سيقدم تنازلات

كهذه من أجلها إن كان موقناً من أنها مجرد أمنيات عادية تافهة

وهو من سيحقق طلبها من قبل أن يعلم ما تكون تلك الأسطر ؟

نقل نظره منها للورقة حين طال صمتها وغرقها في أفكارها وقال

" جيد ... يبدو أنها تحوي أموراً مهمة "

عضت على شفتها وضربت فخذها بقبضتها فها قد أوقعت نفسها

في الفخ ... سحقاً لها كيف نست بأنه داهية لن يُفوت شيئاً من

دون أن يحلله ويفسره ومن قبل أن تنتبه هي له ، قالت بجدية

" موافقة "

فنظر لها رافعاً حاجبيه وارتسمت ابتسامة غامضة على شفتيه

ولم تفهم أيدهشه أنها وافقت أم أنها ابتسامة انتصار تلك لأنه

حدث ما توقع ! نقل نظره منها للورقة وقال يحرك سبابته على

السطر الأول فيها

" حسناً اتفقنا ... ما يكون هذا هنا ؟ "

وما أن رفع نظره لها نظرت له مضيقة عينيها وقالت

" لا لن تخدعني بهذا عليا قول الطلب أولاً "

" حسناً لا بأس "

قالها مباشرة مما بدد أي ذرة شك في نفسها بأنه تعمد فعلها

فتنفست بعمق وقالت

" أبقى في منزل والدك وليس عمتك "

ستستخدم ذات أسلوبه الماكر وها هي تطلب ما تعلم بأنه يمكنه

الموافقة عليه وكما توقعت قال بعد برهة

" موافق "
فرفعت نظرها للورقة وقالت تشير للكلمات بسبابتها

" مكتوب هناك يا جنية الأمنيات أرجوك أرجوك "

ونظرت له بابتسامة متسعة فنظر لها وقال من فوره

" كاذبة "

نظرت له بصدمة قبل أن تشير للورقة بسبابتها قائلة

" تعلم جيداً بأني لا أكذب وإن نظرت للكلمات فستعلم بأن الأخيرة

والتي قبلها متشابهتان تماماً مما يعني بأنها ذات الكلمة "

فنقل نظره منها للورقة ولاذ بالصمت وهذا ما كانت تخطط له

فبما أن الطلب كان ليس بذي أهمية سيعلم بأن ذاك السطر لا

يشكل أهمية لها بينما حين ستطلب أمراً يصعب عليه تحقيقه

سيكون الأمر يستحق بالفعل ، قال وقد نقل سبابته للسطر الذي

يليه والاخير

" حسناً وهذا ؟ فلا اراه يحوي كلمات تشبه التي في الأعلى أي

أن ثرثرتك مع جنيتك تلك انتهت سريعاً على غير العادة "

زمت شفتيها تنظر له بحنق ... متى سينسى هذا الرجل ماضيها

المأساوي معه وسخريته الدائمة منها حينها ؟

لكن لابأس ستنتقم منه على طريقتها بعد قليل ، قالت ترمقه

بطرف عينيها

" تترك مهمتك تلك التي تخص والد لوسي "

واتسعت عيناها بدهشة حين ابتسم وقد نقل نظره للورقة مجدداً

وكأنه كان يتوقع ذلك ! بل أجل عليه توقعه ومن المرة الاولى

فهو يعلم بالتأكيد بأنها ستطلب هذا حتى أنه لم يضع شروطاً منذ

البداية بأن تبعد عمله ومهامه جانباً ! لكن ما أدهشها أكثر هو أنه

لا يرفض فكرة طلبها ذاك على ما يبدو !

فهل سيوافق ؟

هل يفعلها فقط لكي يعلم شيئاً قد يكون تافهاً كسابقه ؟

تشعر بأنها من تُوقع نفسها في فخه طواعية لا أن توقعه

هو في فخها ولا تعلم كيف ! .

ولم تستطع إخفاء الصدمة في ملامحها حين قال مبتسماً ينظر لها

" موافق "

فصرخت من فورها ودفعته من رأسه بيدها قائلة

" لا أنت كاذب ولا يمكنني تصديق ذلك ولن تحقق طلبي ذاك

وإن قرأت لك تلك الكلمات "

فمد يده فوقه ليده وأمسكها قائلاً

" لا تُخلي بالاتفاق وتحدثي هيا ... تعلمين جيداً بأني لا أكذب "

فسحبت يدها منه قائلة

" لن أفعلها ولن أقرأ شيئاً ولا أريد شيئاً "

فقبض على الورقة في يده وهو يقفز جالساً ما أن فكرت فيما

يبدو أنه توقعه جيداً وأمسك بها من قبل أن تغادر السرير يلف

ذراعيه حول خصرها وشعرت بأنفاسه تلفح عنقها بقوة وهو

يقول

" لن تهربي وستتحدثين رغما عنك "

قالت تحاول التملص من ذراعيه والفرار

" لن أفعلها وإن قتلتني "

وكانت النتيجة أن وقعت على السرير على وجهها وهو فوقها

واشتدت ذراعاه حول خصرها أكثر وهمس عند أذنها

" محتالة "

شعرت بجسدها يرتجف بأكمله من قربه ذاك ووضعهما وقالت

تحاول التنفس بصعوبة بسبب وجهها المدفون في ملائة السرير

كما توترها وانفعال عواطفها

" كنتَ ستخادع وكنتُ سأخادع .. ما من واحد منا كان ليوافق "

تسللت يداه تحتها أكثر وهمس عند أذنها

" هي لم تتحقق بعد إذاً ... تكلمي هيا وأقري "
شدت على شفتها بأسنانها بقوة تكاد أنفاسها تتوقف بسبب

ملمس أصابعه على بشرة خصرها العاري وقالت بصعوبة

" لاااا ... وليس قبل زمن طويل جداً "

ابتسم بمكر يبحث أنفه عن عنقها من بين خصلا شعرها

الحريري وهمس بخفوت

" متى مثلا ؟ "

فتعالت أنفاسها أكثر وهمست تحاربه بأن كل ما يريده لن يحدث

" حين يصبح لدينا طفل "

وشعرت بأنفاسه القوية الساخنة على بشرة عنقها الناعمة مهيجه

مشاعرها وبجنون حين ضحك بخفوت وهمس

" هكذا إذاً هذه هي كانت الأمنية .... يالا أفكارك المنحلة تلك "

فانفتحت عيناها بصدمة وتحركت تحته ومن بين ذراعيه بقوة

واهنة قائلة
" ابتعد ولا تتهمني بأفكارك "

ولم يكن من جدوى لإنكارها لأنه لن يقتنع وإن كانت تقول

الحقيقة وسيبقى على ظنونه ... تباً لها يالها من غبية ، كتمت

أنفاسها وتقلصت كل عضلة في جسدها بقوة حين شعرت بنعومة

شفتيه وحرارة أنفاسه أعلى بشرة عنقها وجانب وجهها وبدأت

تضعف وبعجز عن مقاومته وقد بدأت يداه من تحتها تعبث أكثر

بثيابها وكأنها تشعر بملمس يديه على جسدها بأكمله ... كانت

تريد مقاومته محاولة الهرب منه أو حتى ترجيه بأن يتركها لكن

هيجان مشاعرها منعها من ذلك من قول أي شيء ومن المقاومة

وعلمت بأنها خسرت جميع معاركها معه وقد بدأ أنينها المحتج

يخرج كتأوهات لم تعبر عن الرفض بل الرغبة والاستمرار

والمطالبة بالمزيد معلناً باستسلامها مجدداً وهو يعلم ذلك جيداً

ويسلبها من نفسها بمهارة وبطء بينما همس بتأني وأحرف

متقطعة وقبلاته تنتقل لكتفها

" فوسم .. واريسيغ توغ "

فانقبضت أصابعها على القماش الناعم تحتها وضاعت بين تكراره

لتلك الجملة وسط قبلاته وإن كانت لا تفهمها ... لينهي كل ذلك بل

ويوقفه رنين هاتفه المرتفع والملح الذي اخترق كل تلك الأجواء

الحميمية ولم يكن ذاك الوقت المتأخر من الليل ليسمح له بأن

يتجاهله فارتخت ذراعاه عنها وأخرج يديه من تحتها شاتما بحنق

" يالك من سافل كنت من تكون "

فعضت طرف شفتها وجلست ما أن ابتعد عنها ترتب قميصها

الذي كاد ينزعه عنها ونظرت له وهي ترفع شعرها عن وجهها

أنفاسها لازالت قوية متلاحقة تراقبه وقد وقف خارج السرير

ورفع هاتفه ونظر له وتغضن جبينه باستغراب فوراً فغزا الفضول

نظراتها الملتصقة بملامحه فمن سيكون هذا الذي يتصل به في

هذا الوقت ويبدو بأنه لم يكن يتوقعه فيبدو بأنها ليست تلك المرأة
قطعاً ! راقبت بتوجس يده التي رفعها والهاتف فيها ووضعه على

أذنه بينما كانت يده الأخرى تمسك خصره وقال بجمود عاقداً

حاجبيه الأسودان

" مرحبا سيادة الإميرال "

فتأففت بحنق مبعدة نظرها عنه ما أن عرفت هويته فإن لم يكن

تلك المرأة فوالدها ... لا تعلم فعلاً أتمتن لهما لإنقاذها دائماً في

الوقت المناسب أم تغضب لأن ذلك حدث بسببهما تحديدا لا

شخص آخر ؟ وقفت خارج السرير في حين جلس هو على طرفه

الآخر حيث كان يقف وأصبح موليا ظهره لها تنظر له مستمعة

للمكالمة من طرفه فقط وقد قال بعد برهة

" لا هي ليست معي "

جميل هل ضاعت الطفلة المدللة ؟ ضيقت عينيها تراقبه وقد قال

بعد لحظة وببرود

" ستعلم من الصحف صباحاً بالتأكيد "

نظرت لقفاه باستغراب ولم تفهم ما كان يعني ! وتذكرت فجأة

شجارهما السابق في غرفتها حين ذكر لها بأنه كان يعلم أين

أمضت الليل ومع من ولا يحق لها محاسبته فهل ما عناه بأنها

فعلتها مجدداً ؟ استمعت لباقي المكالمة بفضول وما فهمته أنه تلك

الحمراء المدللة غادرت المنزل غاضبة من والدها لسبب لم تفهمه

أو لم يذكره ذاك ولم ترجع حتى الآن وحرسهم يبدو لا يعلمون

أين تكون كما أن ذاك الرجل كما يبدو يحاول أن يتعذر لها بسبب

عبارة تيم تلك بأن الصحف ستكشف عن عشيقها الجديد وهو لم

يبالي بالتبرير ، قال حين يبدو أن من في الطرف الآخر إختار أن

يتحدثا وجهاً لوجه " لست أعلم إن كان بإمكاني ذلك فأنا مسافر

في مهمة غدا وسأحتاج لأيام لأعود "

سكت بعض الوقت قبل أن يتنهد بضيق وقال راضخاً لإصراره

على ما يبدو

" إن كنت من سيتدخل في الأمر فسنرى ما يمكن فعله "

وأنهى المكالمة مودعاً له ورمى الهاتف على طاولة السرير مكانه

السابق متأففاً وأمسك بأطراف قميصه ورفعه للأعلى ونزعه

بحركة سريعة ورماه على الأرض بإهمال واستدار بحركة واحدة

ليصبح نائما على السرير وعدل الوسادة تحت رأسه ونظر لها ما

أن قالت ببرود

" ماتت ؟ "

ابتسم بسخرية يعدل ساعده تحت رأسه وقال

" لا أعتقد بأنه يمكنك الاحتفال بهذا "

كشرت ملامحها الرقيقة وقالت باشمئزاز

" يالها من مقززة كان عليها أن تكون وفية لبعض الوقت

على الأقل "

اتسعت ابتسامته الساخرة تلك وقال
" لا يعنيني ذلك فأنا أيضاً كنت مع امرأة أخرى "

اتسعت عيناها بصدمة وقالت

" ماذا ... !! أهذا فقط ما يجعلك لا تهتم ! أكنت ستنزعج مثلاً

إن لم تكن مع امرأة ؟ "

وأمسكت خصرها بيديها متابعة بضيق

" هل هذا يبيح للغير الخيانة ؟ أكنت لن تهتم إن كنت أنا مع

رجل آخر لأنك مع امرأة أخرى ؟ "

لوى شفتيه بابتسامة رجولية غامضة تشبهه وقال

" أعرفك لن تفعليها وإن فعلتها أنا "

فرمقته بنظرة مصدومة أخرى وأشارت له بسبابتها قائلة

" لا تراهن وتطمئن لتفعلها "

فتبدلت ملامحه للضيق وأبعد يده بعنف صارخاً

" توقفي عن التفكير بهذه الطريقة الخرقاء ماريا ... سحقاً "

وأتبع كلماته تلك بشتيمة يونانية فأمسكت خصرها بيديها مجدداً

وقالت

" سأفهم يوماً ما معنى كل ما تقوله الآن "

فانقلب مزاجه فجأة وكالعادة ودس يده تحت رأسه مجدداً

وقال ببرود

" جيد وسيكون لديك فكرة واضحة حينها كم تثيرين غضبي

واستيائي بحماقاتك "

فأبعدت نظرها عنه تزم شفتيها بغضب قبل أن ترمقه بطرف

عينيها قائلة

" ليس هي فقط بل والكلمات التي تقولها وأنت لست غاضب "

فابتسم بمكر حينها ودس يده الأخرى تحت رأسه أيضاً وقال

" أطفئي النور حين تقررين أين ستنامين "

فبادلته الابتسامة بمثيلة لها وتحركت نحو الجدار قرب باب الغرفة

وضغطت زر الإنارة لتغرق الغرفة في ظلام تام لا يتخلله سوى

النور المنبعث من الباب المفتوح وقالت

" لن أنام هنا بالتأكيد "

فشد اللحاف بحركة عنيفة ورماه على نصف جسده السفلي

متمتما ببرود

"سحقاً لك من امرأة "

فضحكت رافعة كتفيها وغادرت الغرفة واتجهت لغرفتها أطفأت

نورها أيضاً واندست في سريرها وسحبت الدمية القماشية

لحضنها وأغمضت عينيها مبتسمة ولا تتصور كيف ستمضي

الأيام القادمة من دونه وإن كانا مشغولان طوال النهار

ويتشاجران باقيه فهي على الأقل كانت تراه كل ليلية وكل

صباح قبل أن يغادرا .

*
*
*


لامارا, ورد الخال, الغزال الشارد and 59 others like this.
رد مع اقتباس

  #12128 
قديم 10-06-19, 09:33 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*






أبعدت اللحاف عن جسدها وجلست منزلة قدميها الحافيتان

على الأرض لينكشف الجسد الشبه عاري والذي لا يغطيه

سوى قماش قميص النوم الشفاف والذي لم يتجاوز طوله

نصف فخذيها مطت ذراعيها قليلاً بكسل ومررت أصابعها في

شعرها للخلف نزولا لعنقها قبل أن تخرجهما في حركة واحدة

سريعة لينساب بتدرجاته المتناسقة على كتفيها وذراعيها

وابتسمت بنشوة فهو على الأقل لم يعد كالسابق قصيراً وخفيفاً

وإن كان لا يفتقد للنعومة وهذا أمر آخر تغير في جمانة الأمس

، رفعت حمالة قميص النوم على كتفها والتفتت خلفها ونظرت

للنائم هناك .... !! لا بل لمكانه الخالي تماماً منه ونظرت حولها

بعبوس فحتى الغرفة ليست غرفتهما فبعدما ودعت عائلتها

البارحة وصعدت لجناحهما لم تجد سوى حقائبها في انتظارها

لازالت في ردهة الجناح ومؤكد هو من منع الخادمات من

ترتيبها في الغرفة لأنها وجدت بابها مغلقاً بل ومن الداخل

بالمفتاح أي لا مكان لك فيها معي بعد أن انقلبت الأدوار فهو

من كان ينام هنا مبتعداً عنها ومنذ وقت طويل بل ومنذ رفضت

هي العلاقة الجسدية بينهما وانحدرت علاقتهما نحو الهوة

السحيقة التي لم تخرج منها حتى الآن ... لا وبل هي من نامت

هنا لأول مرة وفي ليلة زفافهما الأولى حين اكتشفت أي زوج

هذا الذي اختاروه لها كما اختاروها له وشعرت ولأول مرة في

حياتها بأنها امرأة بشعة وليست عادية الجمال أو مقبولة كما

كانت تعتقد وأمضت باقي تلك الليلة هنا تبكي على هذه الوسائد

البيضاء الكبيرة بعدما تسللت من غرفتهما دون أن يشعر بها

لأنه كان نائماً .. ولم تتساءل قط حينها لما يجهزون غرفتا نوم

في جناح واحد وكأنهم كانوا يتوقعون كل هذا منذ أن علموا من

تكون عروسه المستقبلية تلك ! وكانت لتتوقع بأنه من طلب

هذا من قبل أن يعرفها لولا أنه أخبرها بأنه ليس من أعد

الجناح ولم يراه سوى ليلة دخلاه معاً ... ولا تراه يكذب في ذلك

فلما سيهتم أساساً بهذا ؟

لكن ذاك جميعه عليه أن يتغير الآن ... أجل فهو زوجها لها

هي ومن بين جميع النساء ولن تقول بأنها ستعيده لها لأنه لم

يكن كذلك يوماً ليضيع منها بل ستمتلكه وتعيده لسريرها

وحضنها ومهما طال الوقت .

وقفت خارج السرير وسحبت الروب الحريري قرنفلي اللون

ولبسته وربطت حزامه بإهمال حتى أنها لم تهتم لكتفه الذي

انزلق عن كتفها تاركا إياه مكشوفا وغادرت الغرفة وما أن

أصبحت خارجها نظرت فوراً لباب الغرفة في الجانب الأيمن

ومن قبل ان تترك يدها مقبض باب غرفتها وكان على حاله

مغلق ميت وكأنه لا أحد يوجد خلفه ! نقلت نظرها للجانب الآخر

ونظرت لباب مكتبه المفتوح والذي لم يكن كذلك البارحة هي

متأكدة من ذلك ويبدو أنه قضى الليل فيه بعد أن نامت هي !

تحركت خطواتها عند تلك الجهة فوراً حتي وقفت أمامه فكان

فارغاً لا شيء بداخله سوى الصمت وخشب الديكور البارد ،

أدارت رأسها جهة باب غرفته مجدداً .. إذاً هو هناك فحاسوبه

لازال هنا مما يعني بأنه لم يخرج بعد ... سارت بذاك الاتجاه

هذه المرة ودون تردد وما أن أمسكت بمقبض الباب وأدارته

ابتسمت بسعادة حين فُتح لها فوراً فدفعته ببطء ويد مرتجفة

حتى ظهر لها السرير الذي كان يتوسط الغرفة بملاءته بلون

الكريما والمطرزة بخيوط ذهبية واللحاف المماثل لها والمحشو

بالقطن والذي كان يغطي نصف جسد النائم هناك بينما يترك

صدره عارياً مكشوفا لبرودة الغرفة الواسعة وهو من كان ينام

بقميص داخلي وإن كان من دون أكمام ولم يكن هذا طبعه !!

كان ينام على جانبه الأيمن مقابلاً للباب بينما ارتمت ذراعه

اليسرى فوق الوسادة البيضاء والمزينة الأطراف بالدانتيل بلون

الكريما أيضاً والخيوط الذهبية لتنام تلك الوسادة بنعومة على

صدره وفي حضنه .. وتلك عادة جديدة قد اكتسبها أيضاً ولم

يفعلها يوماً في السنوات الثلاث التي عرفته فيها !!

تركت الباب مفتوحاً ودخلت بخطوات بطيئة تأخذها مباشرة

حيث الجسد الذي لم يفارقه نظرها حتى وصلت عنده وجلست

على حافة السرير ببطء قرب خصره نظراتها لازالت ملتصقة

في ملامحه النائمة بسكينة وعمق .... الملامح التي عشقتها

في ذات اليوم الذي كرهت فيه ملامحها هي واليوم الذي عرفت

فيه معنى أن تكون في حضن رجل يحمل كل صفات الرجولة

داخله وخارجه بينما تفتقد هي لكل ما تعنيه كلمة أنثى وأنوثة

فحتى عذوبة الصوت ورقته اكتسبتها جيهان لتتركها من دون

شيء فكانت تُقارن بها ومنذ طفولتها وفي جميع المناسبات ثم

ويا لا سخرية القدر تتزوج البطة السوداء البشعة برجل فاق

زوج شقيقتها تلك وسامة وثراء ومركز رغم ثراء ذاك

وجاذبيته .

امتدت أصابعها ببطء لتتوقف أمام وجهه مترددة قبل أن

تقبضها وتقف مبتعدة عنه لا تعلم ما السبب لكنها شعرت فجأة

بشيء غريب دفعها بعيداً عنه ! مررت أصابعها في غرتها

وتحركت مبتعدة جهة الشرفة التي دفعت ستائرها السميكة

بكلتا يديها بقوة ليتسلل النور القوي للغرفة الشبه غارقة في

الظلام وسحبت الباب الزجاجي وخرجت للشرفة الواسعة تسحب

الهواء لرئتيها بقوة ولا تفهم لما شعرت بالاختناق هناك ؟

هل أصبحت تواجه صعوبة في الاقتراب منه ؟

يبدو عليها إخبار طبيبتها النفسية عن هذا أيضاً في الجلسة

القادمة ، وصلت لنهاية الشرفة ووقفت هناك واسندت يديها

على حافتها الحجرية العريضة تنظر للحديقة متكاملة التنسيق

أمامها وصوت خرير مياه النافورة الحجرية الضخمة والمقابلة

لها يصلها بوضوح متناغماً مع أصوات الطيور المنتشرة حولها

وغضنت جبينها تنظر هناك باستغراب ... لا بل بغضب

للجالسة على حافة النافورة ترفع قدميها أيضاً فوقها تقابلها

بجانبها تمسك دفتر رسم كبير تضعه على ركبتيها بينما تمسك

في يدها الأخرى قلماً ما ومنشغلة تماماً بالرسم فيه ترتدي

بنطلون جينز مشدود على ساقيها الرشيقتين وقميص من

الشيفون المبطن بألوان ربيعية زاهية لم تزد ذاك الجسد

الأنثوي المتناسق سوى فتنة وجمال زاده خصلات شعرها

المتطايرة مع النسيم رغم الشريط الحريري الذي تربطه به

خلف عنقها ... أما ملامحها فكانت بالكاد تظهر لها بسبب

غرتها الطويلة المتراقصة أمامه عدا بياض ونعومة بشرتها

الظاهرة من بعيد .

زمت شفتيها بقوة واشتعلت نيران الغضب قبل الغيرة في

عينيها فلما تجلس هنا ؟ ألم تجد مكاناً في الحديقة الواسعة

المحيطة بالقصر كاملاً غير هذا المكان !

حتى مساحة النافورة الكبيرة تسمح لها باتخاذ جهة غير هذه

المقابلة لغرفته مباشرة ...!

أهذا هو السبب وراء تمسكه بهذه الغرفة أيضاً !

شعرت بجسدها يرتجف غضباً تحت قماش الروب الحريري

الناعم وشعرت بالألم يدمر أطراف أصابعها التي احتكت

بخشونة حافة الشرفة الحجرية حين اشدتا في قبضة واحدة

ودون شعور منها ورفعت رأسها بكبرياء مبعدة نظرها عنها ما

أن لاحظت بأنها رفعت رأسها ونظرها عن دفترها وادعت النظر

للبعيد بينما راقبت بطرف عينيها كل حركة كانت تصدر عن

الجالسة هناك وكما توقعت التفت رأسها ونظرت ناحيتها نحو

الأعلى فمررت أصابعها في غرتها ونظرت لها بغرور

وابتسامة ساخرة تحاول أن تجعلها ترى جيداً ما كانت ترتدي

وما يؤكد لكل من يراه أي ليلة قضتها في تلك الغرفة ... بينما

النظرات الجامدة للجالسة هناك لم تفارق عيناها أيضاً رغم أنها

توقعت تصرفاً مغايراً منها كأن تتجاهلها أو تقف مغادرة !

وتكللت خطتها بالنجاح التام حين سمعت الخطوات التي اقتربت

من خلفها وابتسمت بانتصار واستدارت من فورها تنظر للذي

وقف على بعد خطوات منها لازال لا يرتدي سوى بنطلون

رياضي مريح وصل طوله لمنتصف ساقيه ولازالت آثار النوم

على وجهه واضحة غاضناً جبينه بحاجبين معقودين ينظر لها

ويبدو خرج من السرير مباشرة ... شعره فقط الذي يبدو رتبه

بأصابعه ومن كانت واثقة من أن الجالسة هناك في الأسفل تراه

وإن كان منشغلاً تماماً عن رؤيتها أو ملاحظتها من بين نباتات

الحديقة وأشجارها بدون تركيز جيد على تلك الجهة ، قال

ولازال مضيقاً عينيه تحت حاجبان معقودان بسبب النور القوي

الذي خرج له فجأة

" ماذا تفعلين هنا ؟ بل وفي الغرفة بأكملها ؟ "

اقتربت منه متجاهلة ما قال ومررت يدها على صدره العاري

قائلة برقة مبتسمة

" لندخل الغرفة أولاً ثم نتحدث "

فغرضها الوحيد كان أن ترى الجالسة هناك هذا فحربها الأولى

ستكون معها فإن أزاحتها من طريقها لن يصعب عليها شيء

حينها ، وما أن رفع يده وأمسك بها يدها وبقوة وفي نيته

إبعادها وهي تعلم ذلك جيداً سبقته بأن شدت أصابعها حولها

مديرة يدها ورفعت نفسها على رؤوس أصابع قدميها الحافيتان

قبّلت خده بسرعة وتحركت من فورها ساحبة إياه معها نحو

الداخل قائلة

" ندخل أولاً وقاص أرجوك "

وما أن كانا في الداخل سحب يده من يدها بقوة كادت توقعها

لكنها استعادت توازنها بسرعة وتوجهت جهة باب الشرفة

وأغلقته أولاً قبل أن تلتفت له لحظة أن ارتفع صوته الغاضب

كما توقعت وهو يشير بإصبعه جانباً "

جمانة ما حدث منذ قليل لن يتكرر مجدداً ولا أريد أن أراك في

هذه الغرفة مفهوم ؟ "

بلعت إهانته مع ريقها وهمست برجاء حزين

" لكن.... "

فقاطعها بحدة من قبل أن تفكر في الاعتراض وسبابته تشير

لها هذه المرة

"سبق وقلتْ أنت من اختار هذا ولا تلومي أحداً سوى نفسك "

تمالكت نفسها فالغضب لن ينفعها في شيء كما الدموع أيضاً

لما كان وضعهما وصل لهذا الحد وقالت بهدوء حزين يناقض

اشتعاله الغاضب

" أعطنا الفرصة للتحدث إذاً ... أرجوك يا وقاص لا تغلق جميع

الأبواب أما.... "

فقاطعها مجدداً وبحدة

" لا شيء نتحدث عنه وانتهى كل ما بيننا منذ اخترت تلك

العملية عليا يا جمانة "

فغزا الضيق نبرتها وقالت باحتجاج

" لكن ذلك من حقي وحصدت نتائجه فعلاً فلما ترفض دائماً ولا

توافق على ما ينقذ زواجنا من الدمار ؟ "

قال بغضب

" من حقك ماذا وأوافق على ماذا ؟ أتري أن هذا ما سيعيد ما

دمرته بنفسك لأعوام ؟ "

قال جملته الأخيرة مشيراً بسبابته على جسدها صعوداً لوجهها

فشعرت بجسدها يرتجف وكادت تفقد توازنها وتنهار أرضاً

وكلماته تطعن قلبها وبقوة وقالت بضعف

" لن تنكر التغيير وإن رفضته يا وقاص ولا أعتقد بأنه ثمة

رجل في العالم يرفض أن تتغير زوجته نحو الأفضل "

ابتسم بسخرية قبل أن تخرج كلماته القوية مجدداً

" تتغير في ماذا يا جمانة ... ؟ في أن تتلاعبي بما خلقك الله

عليه معترضة على خلقه ؟!

أم في أن تتكشفي أمام الرجال بفستان تستحي منه النساء "

صرخت فيه من فورها وبرفض

" لا ليس صحيحاً "

فصرخ بقوة أكبر يشير لها بسبابته

" بلى صحيح ولن تجني من هذا كله شيئاً سوى غضبه عليك

تفهمين هذا ؟ ذاك وحده فقط ما ستجنينه .... وقناع المهرج

هذا بالنسبة لي ماضيك أفضل منه مئة مرة "

شعرت بكلماته كصفعة وجهت لوجهها تماماً ولم تستطع إخفاء

الصدمة في ملامحها بينما تابع هو وبقسوة

" التغيير ينبع من الداخل ... من داخلنا يا جمانة ليس من

تفاهات نضعها على وجوهنا وإن كانت مجرد مستحضرات

تجميل "

بل ولم ينتهي انفجاره ذاك بعد ولازال محدقاً بغضب في عينيها

التي لازالت تقاوم الدموع وباستماتة

" كنت أنتظر أن تتغيري من الداخل .. أن تثقي بنفسك مثلما

كنتِ عليه ثم ما كنتُ لأعترض على العملية التي ستجعل جسدك

يتغير من أجلك وليس من أجلي لكن أن تفعلي ذلك قبلها فهذه

هي نتيجته فراغ من الداخل والخارج ولن تجني من عصيانك

لله وزوجك شيئاً وللأبد ولن تُرضي بهذا أحداً ولا نفسك "

ازداد ارتجاف جسدها حتى بدا واضحاً وانهمرت الدموع التي

كانت تحاربها منذ وقت فيبدو أنها لم تكتسب شيئاً مما حاولوا

أن تتعلمه سوى رفع صوتها الغاضب بدلاً من انعزالها تبكي

وحدها وقد صرخت بالفعل

" أنت لا تساعدني ... ترفض ذلك ولا تريده ليس لجميع

الأسباب التي ذكرتها بل بسبب تلك المرأة "

ولم تستغرب النظرة القوية التي رمقها بها حينها عاقداً

حاجبيه وقال

" أي امرأة تقصدين ؟ "

ارتجفت شفتاها الممتلئتان وها قد خالفت كل ما اتفقوا عليه

سابقاً بأن لا تتحدث عن الأمر معه مطلقاً وما نصحتها به

طبيبتها قبل شقيقتها .. ورغم ذلك أيضاً قالت وبضعف ظهر في

ملامحها قبل صوتها

" تعلم جيداً من أقصد فأنت تغيرت ومع الجميع منذ زواجها

من شقيقك وخروجها من سجنها ذاك وهذا ما تسعى هي له

وها قد تحقق وسريعاً جداً "

وكما توقعت تماماً وحذروها منه فقد انفجر بغضب رافض

صارخاً

" توقفي عن التفوه بالحماقات يا جمانة وبإلصاق فشلك في

الأخرين فعلاقتنا انهارت من قبل ذلك وبكثير وبسببك وحدك

فقط وأنت تعلمين ذلك جيداً أما زيزفون فلا تهتم لما تتحدثين

عنه قيد أنملة ولا تعتبرك وزوجك هذا قبلك موجودان أساساً "

وها قد نزلت دموعها منهمرة وحدث كل السيناريو الذي

حذروها منه وكانت تتجنبه .. لكن ذلك لم يجعلها تتراجع أيضاً

فقد قيل ما قيل وانتهى وعليها إفراغ ما في قلبها قبل أن

يقتلها ، قالت ببؤس لم تستطع التحكم به أيضاً وظهر جلياً

في ملامحها

" لكنك تهتم وترى فيها ما لا تجده لدي فلا تتحدث مجدداً عن

الجوهر والقشور فجميعكم الرجال يعنيكم ذلك "

وراقبته بعينين دامعة وهو يرفع رأسه عالياً وقد مرر أصابعه

في شعره بعنف قبل أن ينظر لها وقال بحدة

" لو كنت كذلك ما انتظرت زيزفون ولا غيرها ولا تزوجت بك

أساساً والنساء الجميلات حولي في كل مكان ومن قبل أن

أعرفها وأعرفك "

لكنها كانت لا تراه سوى تبريراً لا يشبه الواقع فما تراه عيناها

في انفراد تلك الفتاة بما ليس لدى غيرها قبل اهتمامه الواضح

بكل ما يعنيها ينفي كل هذا بالنسبة لها فقالت بأنفاس غاضبة

متلاحقة تشير بسبابتها للأرض بينهما بينما نظرها مركز

على عينيه

" أنكر ذلك الآن وأقسم لي بأن شيئاً من ذلك لا يوجد ...

سأصدقك على الفور إن أنت فعلت ذلك "

بقى ينظر لها صامتاً ولم يزح نظراته عن عينيها ولم يهرب

منها كما لم تلن ملامحه المشدودة ولا الغضب القاتم في

عينيه... لكنه لم يتحدث لم ينكر وإن لم يعترف فرفعت كفها

تمسح به الدموع من وجنتيها بقوة وقالت بجدية أسنانها

تصطك في بعضها من الانفعال

" لا يمكنك نكران هذا وإن كنت ترفض إظهاره لأن مبادئك لا

تسمح لك بذلك لكنك زوجي ولست لها ولا لأي امرأة وأنا

سأحارب وللنهاية "

وما أن أنهت عبارتها تلك غادرت الغرفة تاركة بابها مفتوحاً

خلفها فانهار جالساً على السرير ودفن رأسه بين يديه يشد

أصابعه على شعره بقوة فهو لا ينجح في شيء يفعله في حياته

ووحده التمثال الذي ليس سوى قشوراً للرجل الناجح يخفي

خلفه تاريخاً طويلاً من الفشل وخيبات الأمل .. ووحده بالطبع

الملام دائماً حتى بات ينظر لنفسه كذلك وبأنه السبب فعلاً ،

وقف وبدأ يتحرك في الغرفة كالأسد المسجون يدور وأفكاره

تدور حوله كما عبارتها الغاضبة الباكية تلك .

) لا يمكنك نكران هذا وإن كنت ترفض إظهاره لأن مبادئك لا

تسمح لك بذلك ليس لأنك لا تريد ...مبادئك لا تسمح لك بذلك

ليس لأنك لا تريد..مبادئك لاتسمح لك بذلك ليس لأنك لاتريد )

غرس أصابعه في شعره ورفع رأسه عالياً ينظر لسقف الغرفة

وهمس بصوت خشن خرج وكأنه يختنق به

" بلى أريد وعلى ذلك أن يتغير ... ومن أجل مبادئي فقط ...

فقط لا غير "

أنزل رأسه كما أصابعه التي انزلقت نزولاً لعنقه ونظر جهة باب

الشرفة المغلق قبل أن يتوجه نحوه وسحبه بقوة كاد أن يتحطم

معها وخرج لتلفح النسمات الرقيقة الباردة بشرة وجهه وجسده

الملتهبة وتوجه من فوره لحافة الشرفة ووقف مسنداً يديه

عليها يتنفس بقوة ونظره سقط فوراً على النافورة الحجرية

وكأنه يسحب أنفاسه القوية من مياهها فالنظر لها فقط يجعلك

تشعر بالحياة ... لا بل ثمة أمر آخر نظر له بتركيز أكبر

وأعمق ... للشيء الذي كان يطفو فوق مياهها يتراقص تحت

حبات المياه المتساقطة عليه بقوة وعلم فوراً بأنها مجموعة

أوراق بيضاء مستطيلة الشكل بحجم لا ينفع سوى ليكون لدفتر

رسم ... دفتر رسم !!

ثمة شخص واحد هنا يملك هذا فما تفعله تلك الأوراق هناك

وهل هي فارغة أو أنها ... رسوماتها المنحصرة في أفراد

عائلتها وماضيها !! .

تحرك ودون شعور منه عائداً نحو الداخل بخطوات سريعة

وحمل قميصه القطني وهو يخرج من الغرفة ولبسه وهو يجتاز

ردهة الجناح الذي فتح بابه ما أن وصله وغادره ونزل السلالم

بخطوات راكضة لا يرى أمامه شيئاً سوى الباب الذي توجه

نحوه مسرعاً .

*
*
*

خرجت من غرفتها ترفع شعرها في جديلة وقد ارتدت فستاناً

تجاوز طوله ركبتيها وبكمين طويلان وحرفان انجليزيان كبيران

يتوسطان جسدها باللون الأسود العريض بينما كان الفستان

بلون المشمش ، وقفت منتصف الصالة ونظرت حولها بعبوس

فالمكان لم يختلف عن ليلة البارحة وكأن شمس الصباح لم

تشرق !!

توجهت جهة باب الشرفة الزجاجي الواسع المغطى بستائر

سميكة وفاخرة وأبعدتها فوراً وثبتتها في المكان المخصص

لها عند جانبه ليتسلل النور لصالة الشقة الواسعة .. وما أن

فتحت الباب على اتساعه حتى أنار المكان تماماً بضوء النهار

الطبيعي القوي وتسلل الهواء المنعش لكافة أرجائه وابتسمت

حينها برضا .

وما أن استدارت نحو الأثاث الفاخر مطت شفتيها سريعاً بعدم

اقتناع فلا شيء هنا يجعلك تجلس مقابلاً تماماً لباب الشرفة

الرائعة المفتوح ! فتوجهت من فورها نحو الصالون المغطى

بقماش مخملي بني اللون وأبعدت مقعديه الفرديان وبدأت بدفع

أريكته المقوسة قليلاً بكل قوتها مصدرة صريراً قوياً على

الأرضية الخشبية اللامعة حتى أوصلتها لمكانها المطلوب

ووضعت الطاولة الزجاجية أمامها تسحبها أيضاً وبضجيج أعلى

من سابقه ... وضعت الكرسيان حولها وصفقت لنفسها قائلة

بحماس

" هكذا أفضل .. بل وأجمل بكثير "

وتوجه نظرها سريعاً جهة باب الغرفة الذي فتح فجأة وللذي

خرج منه يرتب بأصابعه شعره المبعثر بسبب النوم يحاول

النظر في المكان حوله بعينين ضيقتين بسبب النور القوي في

المكان ومن نسيت تماماً في غمرة حماسها ذاك بأنه نائم هنا

والذي قال بضيق

" ما هذا الضجيج هنا بحق الله ! "

فأخفت ابتسامتها المحرجة وقالت وقد استدارت حول الأريكة

ترتب الوسائد الملونة عليها

" مكانه أفضل هنا ... لا أعلم من هذا المهندس المبتدئ الذي

وضعه هناك ؟ "

فتأفف وعاد لغرفته بينما تابعت هي ترتيبها لباقي الوسائد كما

التحف فوق الطاولة وما أن انتهت قفزت جالسة على الأريكة

ونظرت مبتسمة لأشجار وخضرة الحديقة التي تظهر لها من

مكانها والشرفة الواسعة النصف دائرية بسياجها الذهبي

والطاولة والكراسي المصنوعة من الخيزران التي كانت

تتوسطها فالجلوس هنا أصبح يشبه الجلوس هناك وهذا ما

كانت تريده تماماً .

استدارت برأسها ما أن انفتح باب الغرفة مجدداً ونظرت للذي

خرج منه هذه المرة يرتدي بدلة سوداء أنيقة ومؤكد هي

الملابس التي سيقصد بها عمله فقد كان يمسك حقيبة سوداء

أيضاً في يده وقد توجه نحو المطبخ ما أن أغلق باب الغرفة

فوقفت وتوجهت هناك أيضاً وما أن دخلت حتى سحبته من يده

جهة الطاولة قائلة

" يمكنك الجلوس هنا وسأعد لك الطعام كتعويض "

فراقبتها نظراته وهي تدور حوله وتسحب له كرسياً هو الأقرب

لمكان وقوفه وقالت وهي تدور حول الطاولة لتصل جهة

المغسلة

" ما الذي تتناوله في الصباح عادةً ؟ "

فتنهد نفساً عميقاً وجلس وتمتم وهو يضع حقيبته فوق الطاولة

" القهوة فقط "

فرفعت نفسها على رؤوس أصابعها بل واستعانت بطرف

الخزانة في الأسفل لتصل للرفوف العلوية نظراته تراقبها

وبصعوبة سحبت إبريق القهوة النظيف متأففة وتمتمت تحبس

تنفسها

"وكأنه لا مكان لغير العمالقة في هذه البلاد"

فابتسم ونظر للأسفل محركاً رأسه بينما ملأت هي الإبريق

بالماء ووضعته على النار ورفعت علبة السكر من الرف

المخصص لها وقالت تغرف منه بالملعقة وتسكب في الماء

" كيف هي قهوتك ؟ "

فتمتم يضم قبضتيه ويتكئ عليها بذقنه مسنداً مرفقيه بالطاولة

" متوسطة "

فتوقفت عن إضافة السكر وأعادت العلبة مكانها ورفعت علبة

البن وسكبت منها وأعادتها سريعاً لترفع الإبريق الذي كان

يستعد ما فيه للفوران ووضعته على المنضدة الرخامية

وأخرجت فنجاني قهوة وسكبت فيهما السائل الأسود الساخن

ورفعتهما وتوجهت نحوه نظرها على يديها وطريقها ووضعت

كوباً أمامه بينما وضعت الآخر في الطرف البعيد من الطاولة

وتوجهت أولاً جهة باب الشرفة في المطبخ وفتحته على

اتساعه وعادت للجلوس حيث وضعت فنحانها مقابلة له

ونظراته المستغربة تتبعها ببرود فما قصة هذه الفتاة مع

الشرفات !

تبدو له تكبر ابنه بأعوام قليلة لكنها بحيوية طفلة بات يتوقع أن

تقلب شقته رأساً على عقب خلال ساعات غيابه في عمله دون

أن تشعر بالإعياء !!

كان نظرها لا يفارق الشرفة يعكس نور النهار أشعته على

شعرها المرفوع للأعلى وغرتها القصيرة ليعطيها لمعاناً ناعما

كما الرموش الطويلة التي تغطي عينيها السوداء الواسعة

وشفتاها تبتسم للا شيء .. للفراغ الذي تنظر له وكأنها تهدي

الصباح تلك الابتسامة ! بينما تحتسي قهوتها ببطء وتلذذ

يجعلك تشعر بالرغبة في الشرب منها ! .

نظر لكوبه والأبخرة تتصاعد منه ورفعه وشطف السائل

الساخن منه في دفعات صغيرة متتالية وبقي أن يتأنى فيها

لتكون اصابته بالعدوى بالفعل !

وضع الكوب ما أن أنهى كل القهوة الموجودة فيه فهي تشبه

قهوته تماماً معتدلة في حلاوتها وكثافة لونها وكأنه أعدّها

بنفسه كما كان يفعل كل صباح ! وقف بعدها وحمل حقيبته

واستدار مغادراً جهة باب المطبخ سارقاً نظرات التي تركها

خلفه وقد همست بعبوس تمسك فنجانها بكلتا يديها

" ألا يتحدث هذا الرجل مطلقاً ؟ "

وما أن وصل للباب حتى تحققت أمنيتها وعلى غير العادة ما أن

استدار نحوها وقال ببرود عاقداً حاجبية الأسودان

" لا تخرجي وتحديداً لا تقتربي من باب ملحق الشقة

والموجودة فيه "

وما أن أنهى عبارته تلك حتى استدار مجدداً وغادر فوضعت

الفنجان من يدها متمتمة بضيق

" ليتك بقيت صامتاً.. "

وما أن سمعت باب الشقة أغلق وقفت وابتسمت وهي ترفع

كوبها متمتمة

" لكن لا بأس فكله بثمنه .. "

وسرعان ما ضحكت ووقفت ورفعت فنجانيهما وتوجهت بهما

نحو المغسلة تغسلهما فأمامها يوم حافل ينتظرها كما تخطط

وليس كما يتوقعه هو بالطبع .

*
*
*

وقف مكانه ما أن أصبح أمام الباب خارج جدران ذاك القصر

قبل أن ينزل عتباته مسرعاً وسار راكضاً عبر الممر المرصوف

بالحجارة حتي وصل لهدفه مقطوع الأنفاس ووقف ينظر

للأوراق التي كانت تحوي رسوماتها بالفعل وتعالت ضربات

قلبه وهو يركض حول النافورة الضخمة ينظر لمياهها النقية

والتي لا يشوب نقائها ذاك سوى الرذاذ القوي لمياهها التي

تخرج وتعود إليها وكأنه يتوقع أن يجد جسدها بداخلها ولأي

سببٍ كان وإن كان لأنه أغمي عليها فجأة فلن يصدق بأنها قد

تتخلى عن رسوماتها تلك والتي لم تكن تفعل شيئاً سوى رسمها

مجدداً ومجدداً وفي ذات الأوراق وعلى نفس الخطوط التي

رسمتها سابقاً ... أمر كم قتل قلبه وروحه حين أدركه .

لكنه وصل لمكان الأوراق مجدداً ولم يجد شيئاً سواهم إذاً هم لم

يقعوا فيها لأنها وقعت معهم فما الذي أوصلهم هنا !! وبدون

أي تردد ولا تفكير منه وجد نفسه داخلها يجمعهم من بين

المياه التي كانت حباتها تتساقط عليه بقوة وقد وصلت المياه

تحته لما فوق ركبتيه وقد تبلل جسده بأكمله كما ثيابه يتحرك

فيها بصعوبة هدفه الوحيد هو التقاطهم جميعاً وكأن هذا

سيعيدها كما كانت أو سيستطيع هو فعلها !!.

رفع آخر واحدة منهم ووضعها مع البقية في يده الأخرى

واستند بساعده على أحد الطوابق الحجرية للنافورة ولازال

يمسكهم بيده الأخرى ينظر للأسفل حيث المياه المتراقصة

بتموجات متداخلة ولازالت مياهها تتساقط فوقه يلتقط أنفاسه

بقوة وقطرات المياه تنزل من طرف أنفه وذقنه وخصلات شعره

وانقبضت أصابعه على الأوراق المشبعة بالماء وأغمض عينيه

بقوة وألم ... أهذا من كان يقول قبل قليل بأنه سيتّبع مبادئه

فقط مستقبلاً !!

من كان يتعهد لنفسه بأن يخرجها من كل هذه الدوامة

السحيقة ! فما الذي يفعله الآن .... ماذا ؟!

أبعد يده بقوة وخرج من تلك النافورة وغادرها موليا ظهره لها

يشعر بصوت خرير مياهها لازال يضرب جسده بينما كانت

وجهته الباب الذي غادره منذ قليل والذي ما أن دخله وعبر

البهو الواسع بعده وقف مكانه ينظر للتي كانت تقف ببداية

ممره الغربي تنعكس صورتها في المرآة الطويلة التي كانت

تستقر على الجدار الآخر خلفها فوق طاولة من الرخام وكأن

على من ينظر لها أن يراها نظره كاملة حتى جديلة شعرها

الشقراء التي تستقر على ظهرها وصولا لنهايته ..! كانت تنظر

لعينيه بجمود نظرة ألفها لكنه لم يعتد الغضب المدفون خلفها

يراه الآن بوضوح وإن لم تحرره !

كان صدره العريص يرتفع ويهبط بقوة تحت قماش قميصه

الضيق المبتل وأنفاسه تخرج قوية متعاقبة وكأنه لم يخرج من

تحت تلك المياه حتى الآن بينما كان جسده بأكمله مبللا يشعر

به قطعة واحدة متجمدة وها قد عاد الدفء ينعشه بسبب

الحرارة التي بدأت بالتسرب خلال عروقه وهو ينظر لتلك

العينين المحدقة به ولازالت أصابعه تمسك بالأوراق التي بدت

وكأنها قطع قماش مشبعة بالمياه .

وقرر أخيراً ذاك التمثال الأنثوي الفاتن أن يثبت بأنه يمت للحياة

بصلة حين أنزلت يدها التي كانت تسندها بالجدار لتستقر بجانب

جسدها وارتفع صوتها مالئاً صمت المكان والذي يبدو لم

يعنيها أن يكون كذلك وإن سمعها الجميع قائلة بضيق

" هكذا أنت دائماً تحتفظ بكل ما هو تالف وتعرفه لا يصلح لك

... بل وبما سبق ورميته بنفسك "

تصلبت ملامحه بل وجسده بأكمله واختفى ذاك الدفء الذي

أنعش برودته قبل قليل وعاد يشعر بضربات رذاذ تلك المياه

على جسده كالسكاكين .. فهي لطالما أشبعته بآرائها السلبية به

حتى استنزفت كبريائه وكرامته تماماً لكنها لم تنعته يوماً بهذا !

فما الذي تعنيه وفعله هو غير جمع رسوماتها التي رمتها

خلفها بغباء رجولي مقيت ...! كل ما فعله أن أخرج تلك

الرسومات التي ارتبطت بروحها وماضيها من حيث كانت

ستتلاشى وتختفي وبأبشع الطرق ...؟ لا بل واتهمته بأنه معتاد

على فعل هذا فماذا تعني تحديداً !

كان ينظر لها بصمت وأنفاسه القوية لازالت تعبث بتفاصيل ذاك

الصدر الرجولي العريض بينما كان هجومها العاصف ذاك لم

ينتهي بعد وقد أضافت من فورها وقبضتاها تشتدان بجانب

جسدها بقوة تنظر لعينيه بغضب خرج عن سيطرتها

" يا لك من مدعاة للشفقة بالفعل "

قالت عبارتها الغاضبة القاسية تلك وبقيت واقفة مكانها عكس

عاداتها القديمة ترميك بما لديها وتغادر وتختفي من حيث

خرجت تاركة ضحيتها تواجه ألم طعناتها وحيدة .. لكنها هذه

المرة يبدو اختارت طريقة أقسى من سابقاتها لتشهد ما تفعله

بضحيتها تلك وقد بدأت أنفاسها هي بخيانتها حينها تخرج

قوية بينما لازالت تلك القطع الزجاجية الزرقاء تنظر لعينيه

الجامدة كالصخر وأصابعه بدأت تخترق الأرواق التي بدأ الماء

ينزل منها لعصره إياها بينها بقوة والتي كان حريصاً قبل قليل

على أن لا تتأذى ولا من طريقة إمساكه بها ..!

وتحرك من مكانه على الفور ووجهته السلم الذي نزل منه

والقريب من مكان وقوفها لكنه لم يصعده مباشرة بل انحرف

قليلاً جهة السلة الأنيفة المصنوعة من الخيزران عند زاوية

التفافه السفلى ورماها فيها بعنف قائلا

" معك حق ... وسأضعها في مكانها المناسب نهاية الأمر "

وصعد السلالم من فوره لم ينظر ناحيتها بل ولم يكن يرى شيئاً
حوله ولا التي كانت تقف منتصف السلم الآخر والذي يصل

الجهة الشرقية من البهو بالطابق الأعلى والتي ابتسمت

بانتصار وهي تصعد عتباته ساقيها العاريتان وحدهما ما كانا

يظهران من سياجة النحاسي المزخرف حتى أصبحت في الأعلى

وارتمت على أول أريكة وصلت لها في صالونات الاستقبال في

الطابق ووضعت هاتفها على أذنها وهمست مبتسمة بأنفاس

مقطوعة بسبب ركضها ما أن انفتح الخط

" مرحبا جيهان "

فقالت من في الطرف الآخر من فورها وبحماس

" ماذا يا جمانة ما بك تتصلين في الصباح الباكر ؟!

يبدو أنه ثمة أخبار مهمة لديك ؟ "
*
*
*

لامارا, ورد الخال, الغزال الشارد and 44 others like this.
رد مع اقتباس

  #12129 
قديم 10-06-19, 09:35 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

دخل المصعد وضغط أزراره ليُغلق بابه من فوره وبدأت

الأضواء الحمراء في اللوح بجانبه تتصاعد تدريجياً لاجتيازه

الطابق بعد الآخر ودس يديه في جيبي بنطلونه ينظر لها

بجمود فلم يكن يتوقع أن يصل لهذه المرحلة في هذا الوقت

القياسي ويطلب منه زيارته في مكتبه الخاص في نورثود مقر

القيادة البحرية وظن بأن تلك خطوة ستحتاج لوقت أطول من

هذا ليتقدم فيها ! وكم أزعجه ذات الوقت أن رفض مطر فكرة

زرع جهاز تنصت فيه لأنها قد لا تتكرر كما كان واثقاً هو فقد

يكون السبب فقط أنه أخبره بأنه مسافر في مهمة ولأنه لا يريد

أن يضيع فرصة حديثهما قبل مغادرته طلب منه المجيء هنا ..

لكنه أيضاً وكما قال مطر كان بإمكانه انتظاره لوقت عودته إن

كان الحديث عن ابنته فقط فيمكنه الانتظار لبعض الوقت لكن

الأمر يبدو تعدى كونه شخص لازال لم يربطه شيء رسمي

بتلك العائلة ... لكن هل يضيعون فرصة كهذه قد يحدث ولا

تتكرر مجدداً ؟ بينما كان رأي مطر أن سلامته أهم من كل شيء

فإن اكتشفوا الأمر سيكون هو المتهم الوحيد بالطبع بينما كل ما

أراده هو تقليص وقت تلك المهمة المتلفة للأعصاب قدر

الإمكان وأن تنتهي اليوم قبل الغد فهو على استعداد لتنفيذ أي

مهمة ومهما كانت مستحيلة عدا التي تحوي نساءً فيها فذاك ما

كان يرفضه دائماً حتى في عمله في المنظمة حيث يتم إرسالهم

أحياناً لحراسة شخصيات شديده الأهمية في البلاد ومن ضمنهم

بعض النساء فلا يمكنه استحمال البقاء بقرب واحدة منهن ولا

لدقائق معدودة كي لا يحطم وجهها بقبضته فلا شيء ممل في

الحياة بالنسبة له كتفاهاتهن حتى في الحديث فكيف بأفكارهن

وتحركاتهن وقت المهمة ؟.

انفتح باب المصعد وخرج منه مخرجاً يديه من جيبيه وسار

بثقة في الممر الطويل والمكان المليء بضباط الشرطة البحرية

والذي لا يدخله سوى من كان في رتبهم أو أرفع منها .. ولم

يجد أي صعوبة في إيجاد وجهته وبعد طرقتين على الباب

الشبه مفتوح وجد نفسه في المكتب الواسع والذي طغى على

ديكوره اللون الأسود والرمادي الغامق كما احتلت جدرانه صور

لقطع وسفن حربية ومعاهدات مبروزة كما الأوسمة والشارات

والرايات البحرية الخاصة بها ليشعرك بأنك في مكتب قائد

للقوات البحرية بالفعل .

اقترب من الذي وقف وخرج من خلف مكتبه الضخم ببذلته

الخاصة سوداء اللون والشارات الذهبية على كتفيه والأوسمة

على صدره ليعطي للمكان هيبته بل يرى ما يحدث هو العكس ..

ابتسم له مقترباً منه بينما غادر الرجلان اللذان كانا يجلسان

معه وتصافحا بالأيدي كالعادة بينما شدت يد الجنرال الأخرى

أيضاً على يده وقال مبتسما

" ظننتك غاضباً بالفعل ولن تأتي "

فقال من فوره وببرود لم يغادر ملامحه بعد

" وأنا أظن أن أمراً أهم من ابنتك يجعلك تطلب رؤيتي هنا "

فضحك وترك يده وقال مبتسماً

" غاضب منها لهذا الحد ؟ أجل استمر هكذا فوحدك من قد

يؤدبها ويغير عاداتها "

وقال حين لم يعلق

" كيف وجدت المكان هنا إذاً ؟ "

فظهرت ابتسامة طفيفة على شفتيه حينها وإن لم تتعدى إحدى
طرفيهما وقال

" مثير للاهتمام بالتأكيد فليس لأي أحد أن يدخله "

ضحك مجدداً وأمسك بذراعه وقال

" ما رأيك بأن تكون فرداً فيه إذاً ؟ "

فتحكم وببراعة في صدمته حينها وقال بابتسامة ساخرة "

سأعتبرها مزحة لطيفة منك "

فضحك ويده تترك ذراعه وقال

" وإن لم يكن مزاحاً هذا ؟ "

فحدق فيه بذهول وهو يدور حول مكتبه مجدداً وقال

" سبق ووجهت لنا مهام سرية من طرفكم ولا أعتقد بأنه

يمكنني تقديم ما هو أكثر من ذلك ولا رتبة أو شهادة تؤهلني
لهذا المكان "

جلس ذاك على كرسيه الجلدي المرتفع ونظر له وقال مبتسماً

" أنت قل فقط أنك موافق وستحصل على كل ذلك بسرعة فتلك

الأوراق البالية ليس ما يحتاجها عملنا بل كفاءة الرجل الكامن

خلفها ومطبوع اسمه فيها "

دس يديه في جيبيه وغضن جبينه عاقداً حاجبيه وهو

يقول بجدية

" لازلت أظنك تمزح سيادة الأميرال "

فابتسم الجالس هناك وقال بضحكة صغيرة

" لازلت تصر على الرسميات وتظنني أمزح ؟

لا يجتمعان أبداً ! "

فبادله الابتسام قائلاً

" سأعتبره عرضاً حقيقياً إذا فلا تتراجع فيما بعد "

ضحك من فوره وقال

" سبق وقلت وافق أنت فقط ثم ستعلم أي نوع من الحديث هو

هذا مزاح أم لا "

نظر له بصمت أخفى معه كل مشاعره وما يدور بداخله فهذا ما

لم يكن ليتوقعه أبداً وكل مخططهم كان أن يتكرر دخوله لهذا

المكان لكن أن يكون فرداً فيه !! هذا ما لم يكونوا ليتوقعوه أبداً

ولا في أبعد أحلامهم ولا يتخيل ما ستكون ردة فعل مطر حين

سيعلم ...؟

هم بهذا يقفزون خطوة أوسع مما تخيلوا للأمام .

بينما فهم الجالس خلف ذاك المكتب الوثير صمته وصلابة

ملامحه بشكل مختلف تماماً فقال وملامحه تنتقل للحذر فجأة

" ليس الأمر كما تتصور فأنا لا أحاول استرضائك بسبب

موضوع خلافك ولوسي "

يسترضيه !! هل يعنيه أمر تلك المدللة المنحلة أساساً ليحتاج

لعروض تستجلب رضاه ؟ وحتى إن كان عرضه من أجل ذلك

فلن يرفض فرصة كهذه أبداً ، قال بجدية

" لست أراك ممن يخلطون بين العمل وأمورهم العائلية

الخاصة "

ابتسم له باسترخاء غاب عن ملامحه لفترة وقال

" ولا أراك إلا تستحق كل ذلك فلا تنسى بأنك ضابط سابق في

الجيش اليوناني "

كاد يضحك لعبارته تلك فهو لم يكن يوماً كذلك رغم الأوراق

الرسمية التي تؤكده كما لم يكن يونانيا ولا انجليزيا .... تدرب

تدريبا خاصاً ومكثفاً أجل لكنه لم ينتمي لجيش تلك البلاد يوماً

وكل ذلك كان ليتمكن من الانضمام لتلك المنظمة الخاصة ولم

يكن يتخيل بأن تصبح تلك الورقة المزيفة تذكرة دخول له لأي

مكان يريدون أن يكون فيه ! قال بهدوء حذر

" وهذا أيضاً لا يخولني لأكون في هذا المكان إلا إن أردت أنت

ذلك "

أومأ له برأسه مبتسماً وقال

" أخبرتك سابقاً أنا لا أنظر لرتبة الرجل ولا للنجوم على كتفه

بل لبطولاته ولعقله .. كما أنه هناك أعداد كبيرة من أفراد

البحرية يعملون في وزارة الدفاع وقسم المعدات الحربية

والدعم وكذلك يعملون بالتبادل مع الجيش البريطاني وسلاح

الجو الملكي فلما تستغرب ذلك وأنت تملك الجنسية البريطانية ؟

فما يمنع من أن تكون في البحرية الملكية إذاً ؟! "

وأضاف وهو يقف مجدداً

" كما أني لا أؤمن برتبة تُنال بسبب سنوات قد تمضي في

تدريب الجنود فقط "

أمال شفتيه بابتسامة لم تُظهر ما يبطن أبداً وقال

" كنت أعلم أن مثل هذه الزيارة هنا لن تكون إلا رسمية "

ضحك وقال

" صدقني إن قلت لك بأنها كانت بشأن خلافكما لكن رؤيتي لك

هنا جعلتني أراك في مكانك المناسب تماماً "

فتبدلت ملامحه للبرود وقال ما كان عليه قوله وليس لأنه يريد

" هل وجدتموها ؟ "

خرج حينها من خلف مكتبه قائلاً

" ظننت هذا السؤال ما سأسمعه منك فور دخولك بل وأن تخرج

للبحث عنها ما أن اتصلت بك ! "

قال بضيق بسبب وجودها في حياته ليس لما سيقول حينها

" لن أبحث عنها لأجدها في حضن رجل آخر "

وتبع نظره الذي قال ما أن وقف أمامه مجدداً

" بل كانت في منزل إحدى صديقاتها "

كان يعلم بأن الأمر ليس حقيقي أبداً لكن عليه التصديق ليس

لأن أمرها يعنيه ولا يهتم لذلك أبداً بل من أجل علاقته بهذا

الرجل والتي يحتاجها لوحدها فقط ومن أجل المهمة التي عليه

إنهائها في أسرع وقت ، قال ببرود

" لكن هذا لم يكن ملجأها السابق ؟ "

تنهد الواقف أمامه بقوة وقال

" أعلم ومن أجل ذلك تشاجرنا ووبختها بعنف لم تعرفه هي

منذ ولدت لذلك لم أستغرب أن تترك المنزل تلك الليلة لكني

ظننتها ستكون لجأت لك في لحظات حزنها ويأسها تلك "

نظر له بصمت ولم يعلق فقرأه ذاك رفضاً للخوض في الأمر

وغضب لم ينتهي بعد فقال ويده ترتاح على كتفه

" أعلم بأنها أخطأت لكنها قالت بأن رحلتهم تلك لم تكن مخططاً

لتنتهي هكذا وأنت رفضت الذهاب معهم فأغضبها ذلك وأفرطت

في الشرب تلك الليلة ويبدو أن ذاك الشاب استغل الأمر ونجح

مخططه "

قال بجمود

" هذا لا يبرر لها .... ماذا إن كنت أنا من فعل ذلك ؟ "

حدق في عينيه وقال مبتسماً

" لكن ما علمته بأنك أبرحت ذاك الرجل ضرباً وقد تم نقله

من الملهى الليلي للمستشفى فوراً "

هرب من نظراته مبتسماً بسخرية ... ياله من ساذج لو يعلم

فقط السبب الحقيقي وراء ضربه له وأنه هو من بحث عنه

وليس العكس .. لا ويرسل له تهديداً بأن قريبته التي تعيش

معه ستتأذى أيضاً إن لم يبتعد عن حبيبته كما يسميها ... ياله

من طفل سيقتلع عينيه قبل أن يتمكن من لمس شعرة واحدة من
رأسها ، نظر لعينيه مجدداً وقال

" ابنتك كانت على علاقة بذاك الشاب سابقاً وحين رمته خلف

ظهرها يبدو لم يقتنع بذلك ولازال يراها ملكاً له "

تنهد بضيق وقال

" لن تحاسبها على أمر كان من الماضي فجميعنا لدينا أخطاء

.. بل هي لم تخطئ إن كانت على علاقة بأحدهم قبلك "

وأضاف على الفور وقد أبعد يده عن كتفه

" هي ترى بأنك ترفضها وهي امرأة وتحتاج لأن يشعرها

الرجل بذلك "

شعر بالاشمئزاز يغزو جسده حتى خشي أن يظهر في ملامحه

وقال ببرود

" لا يمكنني تحقيق ما تريد ونحن لسنا متزوجان قانونياً ...

سبق وشرحت لها ذاك مراراً "

فقال وكما توقع وببرود مماثل

" أعلم بأنك يوناني متدين وثمة أسس تربيت عليها هناك لكن

حياتنا هنا تختلف عنكم "

قال من فوره بإصرار

" بالنسبة لي هي واحدة "

فتنهد بعمق وقال

" أنا أتحدث عنها وليس عنك كما أنها تعتقد بأنه ثمة امرأة

تحبها وأنت سبق واعترفت "

قال بأحرف مشدودة

" تحدثت عن الماضي .... كان حديثاً عابراً وأنت بنفسك قلت لا

أحد يُحاسب على ماضيه "

كم بات هذا الحديث مزعجاً ويشعر برأسه بدأ يؤلمه .. وكان

المقابل له وكأنه قرأ ذلك حيث قال

" ليس هذا حديثنا الآن وهي وعدت أن لا يتكرر الأمر

وستلتزم هذه المرة كن واثقاً فأنا لم أراها متعلقة بشاب مثلك

من قبل وستفعل كل ذلك وأكثر من أجلك فأجب على اتصالاتها

ولا ترفض رؤيتها فهذا يجعلها هستيرية وغاضبة طوال الوقت

ويمكنكما معالجة الأمر بالتحدث سوياً لا بقطع سبل الحوار "

تمتم ببرود

" ما هو أساس حديثنا إذاً ؟ "

قال من فوره

" ما يجب أن نتحدث عنه الآن هو سبب المشكلة الأساسي فإن

لم يُعالج لن تُعالج باقي المشكلات المترتبة عليه "

أظلمت عيناه وتوقع وبكل سهولة عما يريد أن يتحدث بينما

تابع ذاك وكما توقع

" أنت خطيبها ومن حقها أن تعترض على أن تعيش امرأة

أخرى معك "

فلم يستطع منع الغضب الذي ظهر في اشتداد أسنانه وبروز
فكيه حينها وتنفس بقوة محاولاً تهدئة نفسه قبل أن يقول

بضيق

" لا أفهم لما تضع ابنتك قوانيناً لا تتقيد هي بها ...؟

وما علاقة ماريا بالأمر الآن ؟ "

فعقد الواقف أمامه حاجبيه وقال بحزم

" لن يكون بإمكاننا التحدث وأنت غاضب هكذا "

فتنفس بقوة مجدداً وأشاح بوجهه جانباً ... كان عليه أن لا يفقد

أعصابه هكذا لكن الحديث عن إبعاد تلك الفتاة عنه يوصله لهذا

دائماً ورغما عنه ، نظر له وقال بما استطاع استجلابه من

هدوء

" أعتذر ما كان عليا.... "

قاطعه مبتسماً ومربتاً على ذراعه

" لا داعي للاعتذار يا تيم فأنت تعلم جيداً بأني أعتبرك ابن لي

وليس جندياً في منظمة خاصة ولا حتى خطيباً لابنتي الوحيدة

ونحن نتناقش الآن لنصل لحل يرضي كليكما ولسنا نتشاجر

هنا "

فتنفس بعمق نفساً طويلاً ولم يعلق فقال الواقف أمامه يشير

بيده للصالون الجلدي حيث النوافذ الزجاجية الطويلة

" تعال اجلس فحديثنا يبدو طويلاً ورجال المنظمة لن يغادروا

حتى تنضم إليهم كن مطمئناً "

فتنهد بنفاذ صبر وتبعه ... معه حق سيطول الحديث بالتأكيد بما

أنه لم يرضخ لأوامرهم سريعاً ، قال ما أن جلس مقابلاً له

" ماريا ابنة خالتي وهي يتيمة وأنا المسؤول عنها كما أنها

هنا من أجل دراستها فقط ولن أتخلى عن مسؤوليتي اتجاهها

ابداً ولا من أجل رغبات نفسي "

فنصب الذي جلس أمامه ساق على الأخرى وقال بجدية

" لا أحد يمكنه طلب ذلك منك ولا فرضه عليك ونحن نتحدث

عن وجودها معك لا مسؤوليتك اتجاهها "

أدار مقلتيه السوداء جانباً وحدق في الفراغ ببرود ولا يفهم ما

بهم جميعهم لن يهنئ لهم عيش ما لم يقتلعوها من بين أنيابه

اقتلاعاً ؟ ألا توجد امرأة غيرها في هذا العالم يمارسون

مواهبهم الاستبدادية عليها ! سحقا لهم ... لكنه أعند منهم

جميعهم فليكن وجودها معه سبب موته لن يهتم لذلك ولن

يمسك الموت عنه أحد ، نظر له وقال بجدية مماثلة

" ومجتمعنا ومعتقداتنا تختلف عنكم أيضاً وأنا لا يمكنني فعل

ما تلمح له وما تريده ابنتك بسبب أفكارها السوداء "

استند بظهره لظهر الكرسي الجلدي خلفه وقال

" أعلم بأنكم اليونانيون تقدسون العلاقات العائلية لكنك في

انجلترا الآن وكونها ليست معك لا يعني أنك تتخلى عن

مسؤولياتك اتجاهها "

انعقد حاجباه وهو يقول

" ماذا تعني أطردها من منزلي مثلا ؟! "

وتبدلت ملامحه للضيق ما أن قال الجالس أمامه باستخفاف

بالأمر وكأنه لا يعني أحداً

" بل تكون لدى أي أقارب لها ... ظننت لوسي قالت شيئاً عن

عائلة خالتها ؟ "

وطفا ذاك الضيق للسطح ما أن سمع ذلك وقال يشد قبضته

بقوة

" بل على ابنتك أن تنظر للأمر بمنطق لا أن يتحرك كل شيء

كما تريده هي فلا شيء مما تتحدث هي عنه موجوداً بيني وبين

ماريا ، ثم هي مخطوبة وترتدي خاتم زواج ترفض ابنتك

أن تراه "

قال ذاك من فوره وبضيق مشابه

" لما ترفض أنت أن نجد حلاً لكل ذاك الإشكال وهو موجود

أمامنا ؟ "

فحرك يده قائلاً بضيق أشد

" لأن العائلة التي تتحدث عنها هي عائلة خطيبها ولن تقيم

معهم وهما ليسا متزوجان ... الإيطاليون أعتقد أكثر تزمتا منا

اليونان وماريا وخطيبها إيطاليان "

كانت أنفاسه الغاضبة تخرج متعاقبة ينظر للذي مسحت أصابعه

على لحيته وقال ينظر له برأس مرفوع

" عن كين موريللي تتحدث ؟ وهو لا يعيش في منزل العائلة

مع زوج أمه كما أعتقد وأنت كنت تركتها لديهم وقت قدومها

للندن فما تغير الآن ؟ "

اشتدت قبضتاه بغضب وإن لم يظهر على ملامحه وقال بجمود

ظاهري

" للسبب ذاته ولا تجادلني في أمرها سيادة الأميرال فهو منته

النقاش فيه بالنسبة إلي وإن كان المقابل التنازل عن رغباتي

الخاصة كما سبق وأخبرتك "

ابتسم حينها مناقضاً مزاجه السابق وأراح يديه على طرفي

الكرسي الجلدي الجالس عليه وقال

" أخبَرني الكلونيل جايروا أن عنادك يفوق شجاعتك ولم يبالغ

في ذلك أبداً "

وتابع من فوره وبجدية هذه المرة رافعاً أصابع إحدى يديه التي

لازالت ترتاح على مسند الكرسي

" لكني لا أضمن لك سلوك ابنتي العدائي اتجاه كل ما يخصها

وبأنه لا يمكنني إدانتها في هذا فهي تبقى ابنتي "

نظر له نظرة قوية لم يستطع منع تدفقها الوحشي من عينيه ...

ما هذا التسلط والوحشية ... أيهدد بأنها إن تسببت بالأذى لها

فلن يتم إدانتها ولا منه هو نفسه ! وهذا التهديد لها أم له ؟ قال

الذي كتف ذراعيه لصدره هذه المرة ولازال يريح ظهره لظهر

الكرسي خلفه

" ماذا عن السيد غاستوني ميديشي سمعت بأنه انتقل مؤخرا

لبريطانيا أليس كذلك ؟ وهو قريب لها من طرف والدها كما

أعتقد ؟ "

فقال الذي بدأ صبره ينفد بالفعل " أنا لا أبحث عن مكان أضعها

فيه ... ماريا أنا المسؤول عنها قانونياً ولا يمكنني تركها حتى

تنهي دراستها الجامعية وتتزوج "

قال الجالس أمامه من فوره وبنظرة تفكير بالرغم من أنها كانت

مركزة على عينيه

" ماري دفسينت اسمها أعتقد فلما تناديها بهذا الاسم ؟ "

فتنفس بعمق يهدئ نفسه فما علاقة هذا بذاك وبحديثهما !!

ورغم ذلك قال ببرود سارداً القصة الحقيقية لإسم تلك الفتاة

" لأنه اسمها أيضاً فهي ولدت في الكنيسة على يد امرأة اسمها

ماري وتيمناً بالعذراء تم تسميتها بجميع تلك الأسماء حتى أن

الأغلبية في إيطاليا ينادونها مِيريام ، وماريه هو المعنى

اللاتيني له .. وتم تسجيلها قانونياً ماري لأن من ولدتها طلبت

ذلك وأنا أناديها ماريه منذ طفولتنا لأنها تحبه "

قال الذي رفع رأسه قليلاً ولازال ينظر له بتفكير شارد

" أفهم بأنك من اختار لها ذاك الإسم اللاتيني الذي يرمز

لإسمها ؟ "

قال من فوره ودون تردد

" أجل "

فأومأ برأسه بصمت قبل أن يقول

" أنت عشت فيما بعد في اليونان بينما هي في إيطاليا وانتقلت

بعدها إلى هنا كما تم اختيارك كوصي عليها بعد وفاة جدتها

أم أخطأت ؟ "

قال من فوره وبذات بروده

" أجل ولا تسألني لما تم اختياري تحديداً فأنا أيضاً لا أعلم "

فقال وهو يشير له بيده

" لكن تلك التي تربط مستقبلك بها حتى تنهي دراستها وتتزوج

ستمنع زواجكما والذي سيكون الحل الوحيد لجميع المشاكل

المعلقة وأهمها مسألة رفض لوسي لفهم ما تربيت عليه وتتبناه

معتقداتكم "

وقف حينها على طوله ليس فقط بسبب عبارته تلك والتي

تتحدث عن زواجه بابنته المنحلة بل ولأنه بدأ يفقد التحكم

بأعصابه فعلاً ويخشى من ذاك الانفجار الوشيك الذي سيجعل

هذا الرجل الانجليزي المتسلط يفهم كل شيء ويرميه باتهامات

ابنته المتكررة ، دس يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء

الخاصة بالمنظمة التي يعمل فيها وكأنه يمنعهما من الإمساك

بعنقه وخنقه بهما وقال بجمود لم يعد يراهن على الاحتفاظ به

طويلاً

" مسألة الزواج مؤجلة قليلاً إن بوجود ماريا أو من دونه فلا

يمكننا التسرع في اتخاذ قرار كهذا ... علينا أن نعطي أنفسنا

مساحة أوسع لنتمكن من تأسيس حياة ناجحة فيما بعد "

وقف ذاك حينها أيضاً وقال

" أخبرتها بذلك مراراً وبأنك ما كنت لتقرر أن تخطبها وتطلب

منها الموافقة ما لم تكن متمسكاً بها فعلاً فأنا أعرفك لست

ممن يتخذ القرار مرتين ولا ممن يتراجع عنه لكنك تعرف جيداً

أفكار النساء "

سحقا للكاذبة .... هي إذاً من أخبرته بأنه من أراد كل ذلك

ووافق عليه بل وطلبه منها ! لهذا إذا تم التحضير لذاك الحفل

المفاجئ والذي كان فيه مجرد مدعو وجد نفسه فجأة يُلبسها

ذاك الخاتم اللعين ، نظر للساعة في معصمه قبل أن ينظر له

مجدداً حين قال

" أعلم بأن عقلك منشغل تماماً بسفركم ولا تقلق فالكولونيل

على علم بوجودك هنا والمجموعة لن تتحرك حتى تكون معهم

ومهما أخذت من وقت "

وأضاف مبتسماً وفارداً يده جانباً

" وأعلم أيضاً بأنه عليك أن تغادر لهم وسنتمكن من رؤية

بعضنا البعض كثيراً الأيام القادمة ما أن تصبح هنا ... ولن

يعجب الكولونيل هذا الخبر بالتأكيد فأنت رجله الأول "

ابتسم حينها وإن كان بفتور وقال

" بل أراه لن يُعجب الكثيرين وخطيب ابنتك الطبيب الذي لم

ينهي دراسته بعد والضابط السابق في الجيش اليوناني يصبح

في هذا المكان والمركز فمهام المنظمة لا أحد يعلم عنها تقريباً

من أجل السرية في المهام "

قال بذات ابتسامته الواسعة

" لا أحد يحق له الاعتراض فمن سيكون زوج ابنة قائد القوات

الملكية البحرية سيصبح في مركز مهم وإن كان شاباً عادياً

فكيف إن كان بطلاً محارباً ؟ "

وتابع وتلك الابتسامة تزداد عمقاً

" ولوسيندا أول من سيسعدها هذا فلطالما تدمرت من سفرك

الدائم في تلك المهام فعدني أن تتحدثا سوياً وبتعقل ما

أن تعود "

تنهد باستسلام وقال بجمود يرفع يده له

" سنفعل بالتأكيد لكن عليها أن تفهم جيداً بأن ماريا خارج

حديثنا ذاك وبأن ما يمسها يمسني حتى أسلمها لخطيبها

زوجة له "

ضحك وصافحه شاداً على يده وقال

" سأشرح لها هذا أيها المحارب العنيد "

*
*
*

جمعت يديها بحماس ورفعت نفسها على رؤوس أصابعها

تحاول النظر لما أصبح يبعد عنها بسبب تزاحم الواقفين في تلك

الصالة الرخامية اللامعة والواسعة قائلة

" كم هذا رائع يا غدير ... يا إلهي لم أكن أتخيل يوماً أن أرى

الزعيم ابن شاهين عن قرب هكذا ...!! انظري كم هما

مناسبان لبعضهما وكأنهما من عائلة واحدة ! متى سيكون

بإمكاننا الصعود لباقي أقسام البرج ؟ "

كانت تتحدث بحماس تحاول أن لا تفوت نظراتها شيئاً مما تراه

ولا تستطيع الوصول له بسبب الحرس ورجال الأمن المطوقين

لتلك الجهة ... بينما لم تكن الواقفة قربها تعي شيئاً مما تقوله

ونظراتها واهتمامها منصبان على الواقف بعيداً يتحدث مع أحد

رجال القضاء في محكمة العاصمة الكبرى منذ وقت وكل ما

تريد تصيده هو نظراته لغسق شراع صنوان بالطبع بالرغم من

أنه لم ينظر لتلك الجهة التي تقف فيها بتاتاً وكأنه يتعمد ذلك ؟

تعلم بأنها تتصرف كمراهقة حمقاء لكن ورغماً عنها لا تستطيع

منع الاحتراق الذي تشعر به في جوفها بأكمله وليس قلبها فقط

فمهما كان لا مباليا أو مهتما بوجودها وذاك الرجل لا يفارقها ،

وإن لم يظهر ذلك أيضاً على ملامحه وكأنها امرأة عابرة لا

تعنيه إلا أن قلبها الأحمق المتيم به يرى أشياء أخرى قد تكون

تحدث داخله ويخفيها عن الجميع وأن يكون مثلها الآن يحترق

في صمت لا يحب أن يشاركه فيه أحد .

" ألا يفكر في خطبتك فعلاً ؟ "

نظرت بصدمة وكأن أفعى ما لدغتها للتي كانت تنظر لها

مبتسمة وقالت بتلعتم

" ما ..... من تقصدين ؟ "

أبعدت خصلات من شعرها القصير جانباً وقالت بابتسامة واسعة

" ذاك الوسيم الذي أسمه قائد بالطبع فهل ثمة رجل تعمل معه

واحدة مثلك لا يفكر في فعلها !! "

نظرت لها بصدمة وعجز لسانها عن قول أي شيء فهل لاحظت

نظراتها الحمقاء التي لم تفارقه أم أنه مجرد فضول وحديث

عابر !! وما زاد الأمر سوءاً أن قالت تنظر لها بمكر

" أم أنكما تودان الانتظار قليلاً بعد ؟ "

وغمزت لها ضاحكة فشعرت بالدماء تجف في عروقها وقالت

مدافعة حين وجدت صوتها

" ليس بيني وبين قائد ما يصوره لك خيالك وإن كنا نعمل معاً

فهو ليس من النوع الذي تجذبه كل امرأة يراها "

فابتسمت تجمع خصلات شعرها القصيرة خلف أذنيها وصفقت

بيديها تمسكهما معا قائلة

" كنت أتسائل فقط وأراه رائعاً ومناسباً لك ... لا تنزعجي من

صراحتي الغبية غدير أرجوك "

فابتسمت لها بعد مجهود كبير خاضته مع شفتيها المتشنجتان

وقالت

" لم أقصد ذلك واعذري انفعالي يا زهور أنا فقط ... "

وقطعت كلماتها قائلة تدعي اللامبالاة هذه المرة

" لننسى الأمر ثم أنا مخطوبة تقريبا ً "

فحدقت فيها العينان السوداء الجميلة بصدمة وقالت صاحبتها

" حقاً ! ممن ومتى ! ظننتك كنت العكس منذ وقت قصير !! "

هربت بنظراتها الحزينة منها وقالت تنظر ليديها

" أجل لكنه تغير الآن فثمة من كان تحدث مع شقيقي مراراً

وأصر كثيراً فوافقت "

فتأوهت ما أن أفاقت من صدمتها قائلة

" آه يا إلهي غدير لا أصدق بأنه أنت التي تكونين رئيسة قسم

كامل في جامعة من أكبر جامعات العاصمة تتزوجين زواجاً

تقليدياً هكذا ! "

نظرت لها وقالت ما ليست مقتنعة به أساساً ليس بسبب شيء

سوى قلبها الغبي

" وما به الزواج التقليدي ؟ هو ينجح غالباً "

فأدارت مقلتيها بعيداً وفكرت في نفسها وفي أنها لا تختلف

عنها فهي أيضاً مخطوبة لرجل لا تعرفه ! بل وزواجها منه

سيكون خلال يومين ..!! لكنها سرعان ما تجاهلت ذلك ونظرت

لعينيها قائلة بشك

" لا أعلم لما أشعر بأنك لست مقتنعة ! "

فنظرت لها بصمت وخشيت بالفعل من كل ما ستقوله حينها فلم

يعد يمكنها الكذب على الناس أكثر من فشلها في الكذب على

نفسها .. وما أنقدها حينها أن الواقفة بجانبها لم تنتظر ذاك

التعليق بل نظرت للمكان الشبه ممتلئ حولهما قائلة

" أين هو ذاك الجنوبي ؟ كيف يجلب لي دعوى ولا يكون هنا !

بت مقتنعة بأنه يتهرب من لقائي "

فابتسمت بمكر التي كانت تراقبها وقالت تنظر جانباً حيث

صاحب البذلة السوداء يديه في جيبي بنطلونها وقد انظم لقائد

ورفيقه بينما نظره كان عليهما مبتسماً

" ها هو هناك شخص آخر قد يهمك أن تلتقيه "

فانتقلت نظراتها يساراً قبل أن تحدق بصدمة في الذي أشار بيده

لغدير وبادلته هي الإشارة مبتسمة فقالت بصدمة لم تهتم إن

كان قرأها في ملامحها وعيناها

" ما الذي جاء به هنا ! "

فنظرت لها غدير وقالت مبتسمة

" ولما الاستغراب ! لا تنسي بأنه ناشط حقوقي أيضاً ومحامٍ

وأستاذ جامعي ... ثم ظننت بأنه ثمة سِلم ما بينكما

بعدما فعل ؟! "

لوت شفتيها وقالت تنقل نظرها منه هناك للواقفة أمامها

" لا يمكنني إنكار ذلك لكني لازلت أشعر بالمرض ما أن

أراه أمامي "

ضحكت ولم تستطع التعليق حيث سرق نظرها أمر آخر تماماً

ونظرت باستغراب للذي كان ينظر لها من بعيد وبتركيز ولم

يكن سوى قائد الذي أصبح يقف لوحده حينها .. وكمحامية

تدربت على يديه لأعوام وقلبه كعاشقة تنفسته مع الهواء الذي

يدخل رئتيها كانت تستطيع أن تفهمه دون أن يتحدث فكان

وكأنه يتعمد فعل ذلك واثقة من هذا !!

فانتقل نظرها ودون شعور منها إلى الجهة التي لازالت تقف

فيها المسؤولة عن إدارة ذاك المشروع كاملا .. المرأة التي

لطالما قارنت نفسها بها لتخسر في كل مرة وهي ترى كليهما

بعينيه هو ، وسرعان ما انتقل نظرها للواقف ملاصقاً لها ومن

جذب ضيوف ذاك الحفل بدلاً من أن يجذب أولئك الوزراء

الضيوف فمهما كانت أهميتهم فهو أعلى مركزاً ومكانة منهم ،

وما جعل قلبها ينتفض حينها وبشدة النظرة التي رأتها في

عيني ذاك الرجل والموجهة جهة قائد تحديداً وكأنه يحاول تذكر

أين رأى ذاك الشخص أو يستغرب وجوده هنا أو أمراً لا تعرفه

أو تفهمه !! وتذكرت فوراً تلك الاوراق التي كانت في مكتبه

ودعوى الطلاق وعادت بنظرها له سريعاً فهل لأجل هذا تعمد

أن يُظهر اهتماماً مفاجئاً بالجهة التي تقف فيها !

تحركت قدماها ودون إذن منها ولا شعور جهته وكل عصب في

جسدها يحثها على فعل ذلك ودون تفكير وهي تتذكر ما آل إليه

مصير اللواء العقاد سابقاً ومن علم الجميع عن مساعيه

السابقة للارتباط بالمرأة التي تركها مطر شاهين خلفه واختفى

من البلاد فلم يخفى على أحد وإن لم يتم إسقاط رتبة ذاك الرجل

بأنه نُقل عمداً لمعسكرات البلاد الحدودية في الجنوب .. فهذا

ما حدث مع قائد قوات الجيش السابق فكيف بمن لا يراه سوى

محامٍ وإن كثرت نشاطاته الحقوقية في البلاد وخدمت الدولة

كثيراً ؟ فليس لها أن تتخيل أي عقوبة قد يتلقاها من ذاك الرجل

الذي يبدي تملكاً واضحاً اتجاه المرأة التي لم يتركها خلفه

ويهاجر فقط بل واعترف علناً بأن ذلك كان بسبب امرأة

أخرى !!

وها هو وبمركزه كرئيس للبلاد وقائد لجميع قواته العسكرية

يحظر حفلا لافتتاح برج يعد تجارياً وإن كان لأغراض إنسانية

تدعم المحتاجين في البلاد فقط ليكون بقربها بل ولم يتركها

للحظة كما لم تترك ذراعه خصرها .

ما أن وصلت عنده حتى لامست يدها مرفقه ببطء متعمد وهي

تقول مبتسمة

" إن كان رأيك مطابق لرأيي فالمكان أجمل بكثير مما

تصورت "

ولم يبدو لها أنه معترض أو متضايق من لمستها تلك بل

استرخاء ملامحه المشدودة حينها أكد لها بأنها تسير في

الطريق الصحيح بل وأكد أكثر صحة شكوكها حيال الوضع ...

حمقاء أجل تعلم بذلك لكنها أجبن من أن تشعر بأنه في خطر

وتقف هكذا تشاهد وكأن الأمر لا يعنيها ... ستوبخ نفسها في

وقت لاحق تكون فيه أقوى من لحظات صعفها الآن لذلك لن

تستمع حالياً سوى لصوت قلبها الأحمق وستتبعه مغمضة

العينين .

لم تستغرب حينها كما لم تستنكر مبادرته بأن وضع يده على

ظهرها وقال يسيران معاً

" ما رأيك بزيارة لقسم الكتب والمنشورات ؟ .... واثق من أن

اهتماماتنا متشابهة ومن دون أن أسألك "

*
*
*

لامارا, ورد الخال, الغزال الشارد and 48 others like this.
التعديل الأخير تم بواسطة فيتامين سي ; 11-06-19 الساعة 07:16 PM
رد مع اقتباس

  #12130 
قديم 10-06-19, 09:36 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

نظرت حولها وأرادت أن تهرب لأي مكان لكنها حوصرت تماماً

فحتى غدير ابتعدت وتركتها ولم يكن من حل أمامها سوى أن

تبتسم مجبرة وبمجاملة للذي أصبح واقفاً أمامها تماماً وقد قال

مبتسماً

" زهور ... ما هذه المصادفة الجميلة ؟ تبدين في حال ومزاج

أفضل من الماضي بكثير "

أرادت أن تقول بالطبع لأن الكابوس الذي يدعى أويس

عبدالجليل غيلوان اختفى من حياتي لكنها لم تستطع بعد أن قدم

ذاك التقرير الذي كان سبباً في بقائها في جامعتها الجديدة الآن

، لكن ما لم تستطع منع لسانها من قوله كان الأسبق له وهي

تقول بابتسامة جانبية

" تخلصت من كل تلك الشائعات التي التصقت بي والحمد لله

فلما لا أكون في مزاج رائع ؟ "

ضحك وقال ينظر للبعيد

" تركت ذاك لغيرك "

فانقبضت أصابعها لا شعورياً وهي ترى تلك النظرة الشاردة في

عينيه .. نظرة لا تحمل سوى الغضب المكبوت كضحكته تلك

التي لم تحمل المرح مطلقاً فهل ستندم فعلاً على فعلتها تلك ؟

لكنه فعل ذلك بها أيضاً وبدم بارد .. وسرعان ما اكتشفت بأن

أفكارها تلك تنذرها بالخطر فعلاً وما أن قال ونظره لازال

يشرد بعيداً

" كنت لأرضى بأن يمزقوا لحمي وشرفي بأسنانهم ولا يحدث

ذلك باسم والدي الذي مات كمداً قبل أن يموت مقتولاً وبأبشع

الطرق "

بلعت ريقها بصعوبة ولم تستطع إلا أن تشعر بالأسى على ذاك

الرجل فهو واجه ظلماً كبيراً بالفعل ويبدو أن حقد ابنه تعدى

ذاك الظلم بدرجات كبيرة !

وهي لم تنتقم منه بما فعلت بل من ذكرى والده وسمعته

وشرفه كما قال ... حسناً هو لن يعلم بأنها هي وستنسى الناس

ذلك مهما طال الوقت وستستغفر الله على ما فعلت فهو على

الاقل سيسامحها ولن ينتقم منها عكس هذا الغيلواني الممتلئ

بالشر .

قالت بابتسامة جاهدت كثيراً لتكون طبيعية ولتغير مجرى ذاك

الحديث الذي بات يرعبها

" لم أتوقع أن اراك هنا ؟! "

نظر لها وقال بابتسامة ساخرة هذه المرة

" ولا أنت ! "

فشعرت بالحنق من ابتسامته تلك التي رافقت كلماته وكأنه

يستخف بها وبمقدرتها على دخول هذا الحفل لا أن تكون مع

عامة الناس للدخول فور فتح أبواب البرج لهم بعد مغادرة كل

هذه الشخصيات المهمة ورفعت رأسها بغرور وهي تقول

" بلى فخطيبي أحضر لي دعوة في غضون ساعات فقط لأني

رغبت بهذا فهو لا يرفض شيئاً أطلبه أو أتمناه "

فابتسم بابتسامة تشبه سابقتها وهو يقول

" جيد فها هو لم يتركك كما كنت تخشين ؟ "

شعرت حينها بالفوران في دماغها بالفعل من سخريته المتعمدة

والاستهزاء بها وقالت مبتسمة بغرور

" لا أظنه ممن يهتمون لمثل تلك الأمور التافهة .. تفكيره ليس

متعصباً أبداً "

ونظرت بصدمة للابتسامة التي زينت شفتيه فلم تتوقع أبداً أن

يكون هذا رد فعله وهو من فهم بالتأكيد أنها تقصده بالمتعصب

لأفكاره !

استفاقت لنفسها وتبدلت نظراتها للبرود حين تغيرت ابتسامته

للسخرية قبل أن يقول

" وأنا كذلك خطبت فتاة وسنتزوج قريباً "

" حقا !! "

قالتها بابتسامة مندهشة هي أقرب لابتسامته الساخرة تلك وكم

تمنت لحظتها أن ترى تلك التي جعلته يفكر فيها كزوجة له !

من تكون تلك الحمقاء التي وافقت عليه وسلمت مستقبلها

التعيس ليكون معه !!

قالت تهديه هذه المرة ابتسامة تشبه ابتساماته تلك

" جيد وأتمنى بالفعل ان لا تلتفت لما قُلتَ وفعلتَ في الجامعة

سابقاً أمام طلبتك "

قالتها قصداً تعني ما فعله معها سابقاً وأصبح على لسان

الطلبة جميعهم لكنه انتصر عليها وككل مرة وهو يقول مبتسماً

" لا قطعاً فهي لا تهتم بالأمور السطحية التافهة وذاك ما

أحبه فيها "

يا إلهي من يتركها تضرب هذا الجنوبي الوسيم المتعجرف

على رأسه .. لقد انتقم منها بسهولة وهاجمها بذات السلاح ...

لا تحسد قطعاً تلك الحمقاء عليه وعلى الحياة مع رجل بلسان

لاذع مثله ، فكان وكأنه يقرأ أفكارها تلك فقد تابع بابتسامة

رقيقة صادقة هذه المرة

" بل وتعجبني أيضاً قوتها ومواجهتها لكل شيء بشجاعة ...

جميلة أنيقة وذكية خطفت قلبي فور أن رايتها وأنا على

استعداد لفعل أي شيء فقط لتكون سعيدة "

وابتسم ينظر لعينيها وهو يقول آخر كلماته تلك بينما استقبلت

هي كلماته بنظرة حانقة ولا تفهم لما أزعجتها كلماته وتغزله

في تلك الخطيبة ! حمقاء وما علاقتها هي ! هل تحسدها بينما

خطيبها لم يسمعها كلمة تتغزل في مميزاتها هكذا ؟

بل ولم يبدي أي نية في التحدث معها حتى الآن ؟

حمقااااء ....!! هل ستهتم لهذا وهو لم يفعل وأرادها زوجة

فقط ؟ بل وعقد قرانهما إن لم يكن غداً ففي اليوم الذي يليه ؟

نظرت للجانب الآخر حيث قد تحرك أغلب الموجودين هناك

وقالت تبتعد عنه ما أن واتتها الفرصة قائلة بابتسامتها

المشاكسة التي يعشق

" يبدو أن الجولات في الأقسام العليا بدأت وعليا أن لا أفوّت

هذا أبداً .... أتمنى لك السعادة مع تلك الحمقاء "

وابتعدت ضاحكة تسمع ضحكته من بين كل ذاك الضجيج

حولها لتحرك الجميع حينها فهي هكذا دائماً لا يمكنها فرض

سلطتها على لسانها وما كانت ستنعم بيوم مريح إن لم تقل ما

قالته ... وما لا تعلمه بأن من تركته خلفها أيضاً ما كان لينعم

بيوم مريح إن لم يمتع نفسه بلسانها اللاذع ذاك وقد سار في

ذات الاتجاه متمتما بابتسامة

" مرجعك لي يا زهرة الجنوبي "

*
*
*

دخلت خلفها وأغلقت باب الغرفة بقوة قائلة بضيق

" لا أعلم ما هذه الحياة التي نعيشها ؟

ما كل هذا الاضطهاد ! "

نظرت لها يمامة باستغراب وقالت

" ماذا تعني اضطهاد ؟ "

فلوحت بيدها قائلة بضجر

" لا أعلم هي كلمة يقولونها في المواقف المشابهة وفقط

انتهي "

قبل أن تمسك خصرها بيديها قائلة بضيق

" أنت لما لم تسكبي من عيناك دمعتان لعل زوجك ذاك يرق

قلبه ويذهب ويأخذنا معه من دونها "

فحدقت فيها باستغراب قبل أن تقول

" لكني لا أريد الذهاب من دونها .. ثم هي لم تقل بأنه ليس
هناك من يأخذنا بل لن نذهب جميعنا "

فتأففت في وجهها قائلة

" ولما ونحن مدعوون والمخطط لم يكن كذلك حتى تغير

فجأة ! ما في الأمر إن ذهبنا لحفل الافتتاح واستمتعنا أم

محرم علينا كل ما هو ممتع ؟ "

وتابعت بضيق تلوح بيدها

" سمعت والدتي بنفسي تقول بأننا سنحضر وسنمضي يومان

في منزل عائلتها في حوران واليوم أعلنت قرارها الجديد

بحجة أنه سيأتينا ضيوف ! لما لا تعتذر منهم أو تبقى هي

ونذهب نحن بما أن أبان قرر أيضاً أنه لن يذهب ؟ أليس

والدي هذا الذي يكون عضواً في مجلس إدارته وأحد مموليه

وهو هناك منذ الأمس ؟

حتى غيهم غادر صباحاً ليكون معه هناك ... لو كنت أعلم

لذهبت معه "

وتابعت تدور في الغرفة تعد على أصابعها

" خروج ممنوع .. سوق ممنوع .. زيارة الصديقات ممنوع

ممنوع .. هاتف ممنوع وحتى المسلسلات ممنوعة ... "

ووقفت ونظرت ناحيتها وتابعت بضيق تنفض يديها

" ما هذا بحق الله ؟ علينا أن ننتفض وعلى ثورة ما أن

تندلع في هذا المنزل "

فحدقت فيها تلك الأحداق الرمادية باستغراب قبل أن تقول
صاحبتها

" لكننا نذهب للتسوق ! "

قالت بضيق

" أي تسوق هذا الذي تتحدثين عنه يمامة بالله عليك

ومع من ! والدي الذي لا يرجع للمنزل إلا ليلا متعباً يأكل

وينام ؟ أم غيهم الذي يتحجج في كل مرة.... "

وتابعت تقلد صوته الجهوري الخشن

" أخجل أمي من أخذ يمامة والتجول معهم في السوق

وإن كانت بثينة معها "

وعادت لصوتها الرقيق المرتفع متابعة بضيق

" أما أبان فممنوع أن نذهب معه من دون والدتي وهي
مشغولة طوال الوقت إما لديها ضيوف أو هي ضيفة عند

أحدهم ونحن سجينتا المنزل هنا "

قالت التي لازالت تحدق فيها باستغراب

" وفي منزل والدي لم أكن أخرج ولا للسوق مع أحد "

فأمسكت جبينها بأصابعها قائلة بحنق

" آه يا إلهي كم أنا حمقاء لأفكر بأنك قد تعترضين أو تحتجين

بالرغم من أن طلباتك لدى والدتي مجابة .. لكنك غبية لا

تستغلين ذاك أبداً وبشكل جيد "

وتابعت رافعة يديها للأعلى حيث كانت تحدق

" حمداً لله أنا على الأقل ثمة أمل في أن أغادر هذا المنزل يوماً

أنت التي أصبحت سجينته للأبد "

ورمقتها بطرف عينيها عند آخر عبارة قالتها وتابعت بتنهيدة

طويلة

" ترى أثمة أمل في أن أتزوج في وقت مبكر مثلك أنت

وتيما ؟ "

ونظرت لجسدها وفكرت بإحباط في الفارق الشاسع بينهما فتلك

لا يبدو عليها أبداً بأنها تكبرها بعام وعدة أشهر فقط !

فحتى جسدها يصرخ أنوثة متكاملة كامرأة وليس كشبه

طفلة مثلها !

تأففت وتحركت من مكانها واقتربت من التي لازالت تحدق

فيها بصمت وقالت بصوت منخفض تخفي شفتيها بيدها

" اسمعي يقولون بأن كثرة تناول الدجاج ترفع هرمونات

الفتاة فتنضج مبكراً ... ما رأيك بهذه الفكرة لنطبقها ؟ "

فحدقت فيها تلك العينان الواسعة بذهول لم يفسد

جمال انحناء طرفيها الخفيف وقالت

" ظننت أن الدجاجة هي التي تنضج !! "

فشدت شعرها بقوة صارخة

" كنت أعلم بأنه لا أمل في أن تتغيري وبأنك ...... "

وبلعت أحرفها كما تنفسها تمسك فمها بيدها ما أن انفتح الباب

خلفها بقوة وعلى اتساعه تنظر بصدمة للواقفة أمامها تنتظر

أي قذيفة تأتي من خلفها وإن بحذاء والدتها على رأسها ..
وما أن ضحكت الواقفة أمامها برقة تغطي شفتيها بظهر

أناملها حتى نظرت لها بضيق والتفتت خلفها ووقع نظرها

فوراً على الواقف يتكي بكتفه على إطار الباب يثني ساق حول

الأخرى يديه في جيبي بنطلونه وينظر لها مبتسما بسخرية قبل

أن يخرج مفاتيحه يلفها حول سبابته في الهواء وقال بذات

ابتسامته الساخرة

" هل أفهم ما سبب ما كنت تقولين آنسة بثينة ؟ "

فنظرت له بصدمة وقالت وهي تجتازه مسرعة

" لابد وأن والدتي تبحث عني وعليا أن أكون مع تلك

الطفلة المزعجة الآن"

واختفت من الممر راكضة ونظراته تتبعها قبل أن ينظر للتي

كانت تنقل نظرها بينه وبين مكان خروج شقيقته منذ قليل

فاستوى في وقوفه ودخل الغرفة مغلقاً بابها خلفه بضربة من

قدمه قائلاً

" ماذا كانت تقول لك تلك القزمة ؟ "

رمشت بعينيها باستغراب قليلاً قبل أن ترفع سبابتها لشفتيها

وقالت تدير حدقتيها الرماديتان بتفكير

" قالت بأننا إن أكلنا الدجاج كثيراً فسيرتفع شيء ما لم

أفهمه وسننضج سريعاً "

وما أن عادت بنظرها له قالت باستغراب

" ظننت أن الدجاج ينضج وليس نحن ! "

فانفجر ضاحكاً حينها فتبدلت تلك النظرات البريئة المتسائلة

للحنق سريعاً ترمقه بها فضرب بسبابته على أنفها

وقال مبتسماً

" حسناً لا تغصبي فأنت أيضاً تنضجين لكن ليس كسلق

الدجاجة بالطبع "

استمرت في التحديق فيه باستغراب فضحك وقال يشير لنفسه

" أنظري ... أنا مثلا ناضج "

وتابع يشير بإبهامه خلف كتفه

" ابن السائق الذي يوصله للمدرسة معكما ذاك ليس ناضج ..

فهمتهما الآن ؟ "

قالت ننظر لملامحه بتفكير

" تقصد لأنه لديك شارب ولحية ؟ "

ابتسم ومسح بأصابعه على لحيته الخفيفة جداً والمحددة بإتقان

وطريقة شبابية أنيقة وقال مبتسماً

" أجل شيء من هذا القبيل "

وتابع ينظر لها بمكر

" لكن ليس ثمة شارب ولحية سينموان لك بالطبع بل .... "

وتوقف فجأة متنهداً بضيق بسبب الباب الذي انفتح خلفه على

اتساعه ونظر للأعلى متمتماً بضيق

" لا أعلم لما لا تتركون المرء يعلم غيره أصول دينه ؟ "

" أبان ما الذي تفعله هنا ؟ "

التفت من فوره للواقفة خلفه تنظر له بغضب وصاحبة تلك

العبارة الحازمة وقال بابتسامة واسعة

" غرفة شقيقتي أم ممنوع عنها أيضاً ؟ "

فأشارت بسبابتها خارجاً قائلة بضيق

" وشقيقتك ليست هنا فتحرك هيا أنا أنتظرك في الأسفل

وظننتك ستشغل سيارتك وتقربها لباب المنزل وليس تتسكع

هنا في الأعلى "

تحرك نحوها واجتازها يغني لحناً انجليزيا وينظر لها مبتسماً

وكأنها لا تشتعل أمامه !

وما أن غادر حتى تقدمت نحو الداخل قليلاً وقالت للتي كانت

تنظر لها بصمت

" يمامة ألم أحذرك من أن تكونا في غرفة واحدة معاً ؟ "

فأبعدت شفتيها وأطبقتها عدة مرات قبل أن تقول

" آسفة أمي ... لكني لا أستطيع طرده "

أمسكت ذراعيها وقالت بجدية

" بل اخرجي أنت ... وإن كانت غرفتك فاطرديه لك كل

الحق في ذلك "

وتابعت مغادرة من هناك

" بثينة في الأسفل ابقي معها ولا تفترقا أبداً حتى أرجع فلن

أتأخر كثيراً "

*
*
*

مررت أطراف أصابعها على حافة الأوراق تحتها تنظر لهم

بشرود نسيت معه حتى المكان الذي كانت تجلس فيه بل

وتلاشى صوت الواقف أسفل المدرج وقد ملأ القاعة الساكنة

وكأنه لوحده فيها وارتسمت ابتسامة دافئة تزين شفتيها

الناعمة الرقيقة زهرية اللون كما نظراتها المفعمة بالحب

والعاطفة تتذكر ما حدث صباحاً قبل خروجها لجامعتها فهي لم

تلتقي به وقت شرب قهوته اليومية السوداء والخالية من

السكر ولا حين تناولت هي قهوتها والتفاحة التي عليها أن

تكون فطورها وإن لوحدها قبل أن تغادر وبأوامر منه .. لذلك

وقفت تنتظره وسط الشقة تستند بجدار غرفتها مكتفة ذراعيها

لصدرها فلا يمكنها المغادرة قبل أن تراه وهما لن يجتمعا هنا

قبل أيام .

ابتسمت له فور أن انفتح باب غرفته وخرج منها بملابس

عمله السوداء والحذاء الأسود الثقيل والطويل يضع على كتفه

حقيبته التي تحمل شعار المنظمة الذي طبع على ظهر سترته

أيضاً .. وما أن أغلق باب الغرفة ابتعدت عن الجدار منزلة

يديها وقالت وقد تحركت نحوه

" ستسافرون الآن أم في وقت آخر ؟ "

قال ويده تتفقد المفاتيح في جيبه ونظره عليها

" بل الآن "

وقفت حينها أمامه ورفعت نظرها له ومررت سبابتها على

شفتها وقالت مبتسمة

" هل لي بسؤال وتجيب عليه ؟ "

فرفع رأسه عالياً وتنفس بقوة مبتسماً فقالت بضحكة صغيرة

" أعلم ما تريد قوله ( كنا في الطلبات وأنتقلنا للوعود

والآن أصبحنا في الأسئلة ) "

وتابعت برجاء طفولي في ثوب أنثوي رقيق تنظر لعينيه وقد

أنزل رأسه ونظر لها

" لكنه سؤال واحد تيم أرجوك "

فرفع سبابته وأشار لوجهها وما أن كان سيتحدث سبقته

قائلة بعبوس

" لست ملزماً بالإجابة أعلم "

فتمتم حينها ينظر لعينيها

" قولي ما لديك إذاً "

فابتسمت رافعة كتفيها وأنتقل نظرها من عينيه لصدره

العريض أمامها وقالت وأصابع يدها تلعب بزر سترته ونظرها

عليها

" طوال الفترة الماضية وقبل أن أصبح هنا في بريطانيا ... "

وترددت قليلاً في المتابعة وأصابعها تلامس صدره نزولا للزر

الآخر وقالت تديره بأطراف أنامالها ونظرها عليها

" أنت ... أعني كرجل يعيش هنا والنساء و... أنت تعلم

الوضع جيداً ... فكيف يمكن لرجل أن يحصن نفسه من

كل ذلك "

ورفعت نظرها لعينيه عند عبارتها الأخيرة والتي نطقت أحرفها

ببطء أكثر من سابقاتها وحدقت بها تلك العينان بصمت يبدو

متعمداً فقالت برجاء

" لا يكن جوابك الصمت تيم أو أن ترفض الإجابة فسأعلمها

حينها "

فارتسمت ابتسامة ساخرة خفيفة على شفتيه وما أن تحركتا

قليلاً قالت تسبقه باندفاع

" ولا تجب بسؤال فستعلم لما سألتك بعد أن تجيب .. وأعرفك

جيدا لا تكذب "

فسحب نفساً طويلاً لصدره وتعلقت نظراتها بعينيه وكأنها

ستقرأ الجواب في تلك الأحداق السوداء التي تعرف جيداً كيف

تخفي دواخله كمهارته في إصابة الأهداف البعيدة وبدقة

وشعرت بقلبها ارتجف وبجنون حين أمسك يدها التي لازالت

ترتاح على صدره وضغط بأصابعه عليها وقال بابتسامة جانبية

محدقاً في عينيها وبكلمات متأنية

" لأنه ثمة دين يسيرنا أولاً وإن كانت المغريات تنتصر عليه

أحياناً لكنه لا يتخلى عمن لم يتخلى عنه ماريا .. ثم وثانيا لأنه

من له زوجة هو ملزم بالوفاء لها وإن كان كل واحد منهما في

مكان بل ومهما وصل الوضع بينهما للسوء "

ابتسمت حينها ابتسامة ظهرت في عينيها المحدقتان في عينيه

بحب قبل شفتيها وملامحها وسحبت يدها من يده ورفعت كلتا

يديها لعنقه وطوقته بذراعيها وهي ترفع جسدها وقبّلته

بحرارة وشغف سرعان ما شاركها فيه ويداه تتحركان بنعومة

على ظهرها وخصرها النحيل .. وما أن أبعدت شفتيها نزلت

بهما لذقنه وقبلته بنعومة قبلة طويلة رقيقة تغمض عينيها

وهمست مبتسمة برقة دون أن تبعد وجهها عن وجهه ولا

شفتيها عن ذقنه ولا أن تفتح عينيها

" يمكنك الاستمرار كذلك إذاً وكان عليا أن أودعك ورغماً

عن قوانينك الجديدة "

فاتسعت ابتسامته وطوق خصرها بذراعيه بقوة يلصق جسدها

أيضاً بجسده وقبلها قبله لم تقل عن سابقتها لكنه قطعها سريعاً

كقبلة واحدة ونظر لعينيها وقال بصوت منخفض

" إن لم يكن عليا الذهاب الآن تعلمين جيداً ما كنت

فعلت وسأفعل "

وارتفعت يداه لظهرها يشدها نحوه أكثر حين قال كلماته

الأخيرة تلك فعضت طرف شفتها تنظر لعينيه القريبتان جداً

منها تحضن عنقه بذراعيها أكثر وقالت برقة تشبهها

" سنناقش هذا بعد عودتك وفعلياً هذه المرة "

فداعبت أنفاسه الدافئة وجهها وهو يهمس بابتسامة جانبية

" ناقشناه مراراً في السابق ماريا ولم نصل إلا لما يرضيك

وحدك فهل سيتغير شيء الآن فعلاً ؟ "

أسدلت جفنيها قليلاً تخفي عينيها عن عينيه وأومأت برأسها

إيجاباً وهمست بتأني

" سنصل لما يرضي كلينا أعدك "

فطوقها بذراعيه بقوة أكبر يحضنها وقبل طرف وجنتها قبلة

عميقة طويلة قبل أن يبتعد عنها ويتوجه من فوره جهة باب
الشقة قائلاً

" اعتني بنفسك جيداً ماريا "

وغادر تاركاً بابها خلفه مفتوحاً لأنها ستغادر الآن بالتأكيد

فمذكراتها وحقيبتها فوق الطاولة قرب الباب لكنها توجهت

نحوه وخرجت دون أن ترفعهم تنزل عتبات السلالم مسرعة

حتى كانت عند الباب في الأسفل ووقفت مستندة بيدها على

إطاره تنظر للذي كان يفتح باب سيارته وقد التفت ونظر

ناحيتها وساعِده يتكئ على الباب المفتوح فهي لم تستطع منع

نفسها من الركض خلفه تريد أن تُشبع نظراتها به وهي تعلم

بأنه ثمة أيام لا تعلم عددها ستفصلها عن رؤيته مجدداً ، رفعت

يدها ولوحت له مبتسمة وهمست بشفتيها فقط
" أحبك "

فرفع يده لها مبتسماً وركب بعدها سيارته وغادر من فوره

تتبعه نظراتها حتى اختفى خلف الشارع الفرعي وهمست بحب

وعينان دامعة

" يا رب احفظه من أجلي يا رب " .

" مااااري !! "

ارتجف جسدها ورفعت نظرها سريعاً بالواقف أسفل القاعة

والذي كان ينظر لها ممسكاً خصره بيديه ويبدو أنه يناديها منذ

وقت ولم تسمع سوى صرخته الأخيرة بإسمها !

فشعرت بأنها تتحول لكتلة من الإحراج وأعين الجالسين في

المدرج تحتها أصبحت محدقة بها لالتفات رؤوسهم نحوها كما
تكاد تشعر بنظرات الجالسين فوقها تخترق قفاها وقد تعالت

الهمسات الضاحكة بينما قال الواقف في الأسفل لازال ينظر

لها بضيق

" مع من كنتِ نائمة البارحة ؟ "

مما حرر تلك الضحكات المكتومة بل وجعلها تغرق في ثيابها

من الإحراج قبل الصدمة وقد علا الإحمرار القاتم وجنتيها

وتمنت أن ماتت لحظتها ... وكان هناك المزيد في انتظارها بعد

وقد قال أحد الجالسين أعلى المدرج ضاحكاً

" مع خطيبها بالتأكيد "

لتزداد الهمسات الضاحكة ارتفاعاً وكأنها رصاصات يصيبون

جسدها بها ... بل وكان ثمة المزيد مما تستحقه فقد قال

الواقف في الأسفل وهو يتجه ناحية طاولته المخصصة

" إذاً لا تقابليه سوى في عُطل نهاية الأسبوع مستقبلاً "

فشعرت بالمكان بأكمله يدور بها وسط تلك الضحكات المتداخلة

ونكست رأسها للأسفل تكاد تبكي من الإحراج فإن كانوا هم

في مجتمع تلك العبارات بالنسبة لهم كتبادل تحية الصباح فهي

لم تعتد هذا أبداً بل وتستحقه فما الذي تتوقعه منه مثلاً وهو

يراها كالبلهاء تحدق في الفراغ مبتسمة ببلاهة ويناديها

ولا تجيب ؟.

سكن المكان فجأة وكأنه لا أحد فيه بمجرد أن طرق بقلمه على

الطاولة الخشبية وبالكاد سمعت صوته بسبب الضجيج الذي

لازال مستمراً في أذنيها حين قال وهو يجمع أوراقه

" أنت ومارك قدمتما أفضل بحثين ... لقد أحسنتما "

وغادر بعدها القاعة وبدأ جميع الطلبة بالوقوف مغادرين

فوقفت قافزة تقريباً وغادرت مسرعة لم تستطع رفع نظرها

بأحد حتى بعدما أصبحت خارج القاعة .. حتى أن كتفها اصطدم

بأكثر من شخص اجتازتهم دون حتى أن تعتذر ..! ولم تستطع

التنفس بشكل طبيعي حتى أصبحت خارج مبنى الجامعة ولفحت

النسمات الباردة وجنتيها المشتعلتان تشعر بأنهما تكادان

تنسلخان من جلدهما وسارت جهة موقف السيارات مسرعة

تنظر للساعة في معصمها فالوقت لم يتجاوز الرابعة لأن

المحاضرة الثالثة ألغيت ابتداءً من هذا الأسبوع وسيكون عليها

أن تغادر لمنزل تلك العائلة من الآن وبالطبع لأن الشرط ألغي

في قراءتها للسطر الثاني من الورقة فالأول ألغي أيضاً

ولن تبقى في منزل والده .

وقفت مكانها ما أن رفعت نظرها ليقع على الواقف متكئاً

بظهره على سيارته البورش الرياضية السوداء وقد ابتسم لها

من فوره وتحرك نحوها وقال ما أن وقف أمامها

" من أفضل مميزاتك أنك تغادرين الجامعة على الموعد

تماماً "

قالت مبتسمة " كنت سأزور المكتبة لخروجي مبكراً لولا

أني لم أشعر بنفسي إلا وأنا هنا "

ضحك وقال

" سأبلغ حرس الجامعة حينها بأنه ثمة من اختطفك ونتسبب

في مشكلة فالأوامر تقتضي بأن أجدك هنا عند هذا الوقت "

" الأوامر !! "

قالتها تنظر له باستغراب فقال مبتسماً

" ألم يخبرك زوجك ؟ "

حركت رأسها نفياً دون أن تتحدث فقال بذات ابتسامته

" هل كنت تتوقعين مثلاً أن يتركك تغادري من هنا لبريستول

وحدك ؟ "

تنهدت بعمق متمتمة

" بلى ما كان عليا توقع ذلك "

وتابعت تنظر جهة سيارتها المركونة بعيداً

" ولكن ماذا بشأن سيارتي ؟ "

مد يده لها وقال مبتسماً " لا تقلقي بشأنها فكل ما عليك فعله

هو إعطائي مفتاحها وستكون في موقف سيارات منزلكما

خلال ساعات "

نقلت نظرها بينه وبينها بصمت قبل أن تقول

" عليا جلب مذكراتي وحقيبتي منها أولاً "

فقال يشير بإبهامه خلفه

" أعطني المفتاح واصعدي السيارة سأقوم أنا بكل ذلك "

ابتسمت شاكرة إياه وهي تعطيه المفاتيح وتوجهت للبورش

السوداء اللامعة المتوقفة قربها وكان هو قد سبقها لها وفتح

الباب قائلاً بابتسامة

" من أجل اللباقة فقط لا تغرمي بي رجاءً فأنا متزوج "

فضحكت وجلست في الكرسي بجانب السائق وأغلق هو الباب

وغادر جهة سيارتها جلب المذكرات التي وضعتها فيها من

أجل محاضرات الأيام القادمة وحقيبة صغيرة وضعت فيها ثياباً

لها ، وضعهم في السيارة في الخلف وركب وغادرا من هناك

وما أن أصبحا في شوارع كامبريدج الواسعة نظر ناحيتها

وقال مبتسماً بحماس

" ما هي السرعة التي يمكن لقلبك تحملها ؟ "

خرجت منها ضحكة صغيرة وقالت

" السرعة التي يقود بها صديقك وابن خالك "

فضحك ونظر للطريق وقال وقدمه تدوس المكابح تدريجياً

" جيد إذاً فلن نصبح بعد قليل في امرأة متشنجة بسبب خوفها

من السرعة "

وما أن أصبحت سيارتهم خارج شوارع المدينة انطلقت تلك

البورش السوداء تسابق الريح وكان هو من كسر الصمت

القصير قائلاً

" ما هي أخبار جامعتك ؟ "

نظرت له وقالت مبتسمة

" جيدة .. كل شيء حتى الآن يسير بشكل جيد فالصعوبة

كانت في البداية فقط "

قال ونظره على الطريق الطويل الممتد أمامه

" ذاك أمر طبيعي بسبب اختلاف المكان لكن اتقانك للغة

ساعدك في اجتياز ذلك بسهولة "

وانخرط للحديث عن جامعته السابقة في أسكتلندا والتي قضا

فيها أعواماً بعيداً هناك والمواقف التي واجهته فيها وأغلبها

كان طريفاً ومضحكاً جعلها في ضحك مستمر تقريباً وإن كان

متحفظاً قدر استطاعتها .. ولم تشعر بالطريق التي سلكاها كما

للسرعة التي كانت تكاد تنزلق معها عجلات سيارته وتقفز

عنها ، وما أن تراخت سرعة سيارته وهما يجتازان الطريق

الرئيسي لإكسفورد قال بهدوء بدا حذراً جداً

" ماريه أتمنى أن لا تكوني غاضبة من ساندرين بسبب حديثها

في الأمس فهي تحبك لكن على طريقتها الغريبة بالطبع "

فتنقلت نظراتها في ملامحه أو النصف المقابل لها منها وقالت

مبتسمة بتفهم

" أعلم جيداً ما تود قوله وأفهمه وأتفهم موقف ساندرين

وسبب غضبها "

نظر لها وقال بابتسامته المرحة الدائمة

" هذا جيد فهي لا يفهمها إلا من عاش معها وعرفها جيداً

ومؤكد أخذت فكرة كافية عن ذلك من حديثها المستمر عني

والذي لا يخلوا من المديح الرائع "

وضحك عند نهاية جملته تلك فضحكت ضحكة صغيرة وقالت

" بالطبع ولك أن تتوقع كل شيء .. لكن ما لم أفهمه حتى

الآن هو لقب ( ذا الخلية الواحدة ) "

فضحك كثيراً قبل أن يقول ونظره لازال على الطريق

" ذاك لأنه وكما تري أمامك فعائلتنا ومن جدها الأول لا يولد

لهم سوى ابن واحد وهكذا كان ابنه وابنه من بعده والذي يليه

.. وهكذا وصولاً لجدي ضرار والذي كان له ابنان من زوجتان

مختلفتان ثم والدي وأنت تعلمين باقي العائلة "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" أتعني بأنه لا يمكنكم انجاب سوى طفل واحد من كل

امرأة ؟! "

نظر لها سريعاً قبل أن يعود بنظره للطريق قائلاً

" أجل هو كذلك "

فارتفع حاجبيها بدهشة وقالت

" لكن لما ...؟ كيف يحدث هذا معكم جميعاً ! "

ضحك وقال

" أليسوا يقولون لله في خلقه شؤون ؟

وهذا من غرائب خلقه "

لكن نظرات الصدمة التي كانت تحدق فيه بها لم تعطه أي

انطباع بأنها اقتنعت بجوابه ذاك فابتسم وقال وقد عاد بنظره

للطريق

" وثمة ما كان يقال قديما بأنها لعنة ما والبعض يقولون بأنها

عجوز ما دعت على جدنا الأكبر لأنه ظلمها في رزقها لكنك

تعلمين أفكار الناس ومعتقداتها القديمة تلك وأنا أراه أمر

يتعلق بجيناتنا الوراثية فقط "

قالت ولازالت تحدق فيه باستغراب

" وهذا سيستمر في عائلتكم بالفعل ؟! "

رفع أصابعه عن المقود وكأنه يفرد يديه وقال

" هذا ما يبدو لي لكن ثمة دراسه بيولوجية ترجح أن يتغير

ذلك إن حدث وتناسبنا من ذات العائلة "

اقترب حاجباها وقالت بتساؤل

" تناسبتم !! "

نظر لها بطرف عينيه وقال

" أجل وهو أن نتزوج من نسلنا ذاته وليس ثمة فتاة فيه غير

زيزفون حتى الآن "

قالت من فورها

" تعني بأنه يمكن إنجاب أطفال كثر منها ! وبالتالي

يتزوجهم أبناؤكم البقية وتنتهي تلك الصفة المتوارثة ؟ "

أومأ برأسه إيجاباً وقال

" هكذا يقول علماء الوراثة والجينات "

همست تنظر له باستغراب

" هذا أمر غريب حقاً !! "

وتابعت بضحكة صغيرة " والأغرب منه أن تجد لك ساندرين

ذاك اللقب تحديداً "

ضحك وقال

" هذا بسبب الطب الذي تدرسه بالطبع ... وحتى إن لم تكن

كذلك فهي لن تعجز عن إيجاد لقب ما تتحفني به "

نظرت للطريق أمامهم وقالت مبتسمة

" لا أعلم أي أقدار جمعتكما لتكونا زوجان ! "

حرك كتفيه وقال مبتسماً

" الحب السبب بالطبع "

فنظرت له بصدمة وقالت بضحكة دهشة

" تحبها ؟! "

ضحك وقال يرمقها بطرف عينيه

" إن لم أكن أحبها ما كنت لأتزوجها "

فحركت رأسها باستغراب وهمست

" تحبها ...!! لكنها لا تعلم بذلك فلما لم تخبرها وأنتما

تزوجتما !؟ "

قال بابتسامة جانبية " وهل ستصدق ذلك إن أخبرتها ؟ لن

تفعلها وإن أقسمت لها ليلة كاملة لهذا أنا أترك أمر إتمام

زواجنا حتى تتخلى عن عنادها أولاً حينها فقط سيكون

بإمكانها تصديقي "

حركت رأسها باستغراب متمتمة

" ما أغرب أمركما !! "

فقال بضحكة صغيرة

" ليس ثمة ما هو معقد أكثر من التمثال الروماني الذي

تعيشين معه وها أنا أراك لازلت بعقلك ولم تفقديه بعد "

فابتسمت ولم تعلق ودخلا حينها شوارع بريستول فنظرت

لساعتها مستغربة فالطريق التي يفترض أن تستغرق ثلاث

ساعات قطعاها في ساعة ونصف تقرياً !! هو لم يكن يمزح إذاً

حين سألها عن خوفها من السرعة ! ولم يحتج منهما الأمر

للتوغل في شوارع تلك المدينة الكبيرة ليصلا لقصر العائلة

الذي كان يحتاج فقط للدوران حول طريق فرعي والسير خلال

طريق أخرى محفوفة بالأشجار والحشائش الخضراء التي

تغطي الارض على جانبيها قبل أن يصلا للمكان الشبه هادئ

الذي اختاره رأس تلك العائلة تحديداً ليكون مكان سكنهم في

المدينة التي اشتهرت بتجارتهم الكبيرة وهي صناعة الطائرات
.
دخلت سيارته حديقة المنزل بسرعة لم تراها تقل عن التي

كانت في شوارع المدينة حتى وقفت أمام الباب المفتوح

والذي توصل له عدة عتبات رخامية لامعة وكأنه لم يصعد

فوقها أحد لشدة لمعانها ونظافتها !!

فتح الجالس بجانبها بابه ونزل فنزلت من فورها بعده فقال

وهو يدور حول السيارة ليكون في جهتها

" هيا فوالدتي تنتظرك بشوق وأستغرب أننا لم نجدها

هنا في الخارج ! "

وتابع وهو يجتازها صاعداً عتبات الباب بخطوات سريعة

" ولا تقلقي بالنسبة لمذكراتك وحقيبتك ستوصلها إحدى

الخادمات لغرفتك "

فتبعته من فورها فهي تخشى إن تأخرت أن لا تجده ولن تجد

حينها طريقها في هذا المكان الواسع الذي لن تذكره من المرة

الوحيدة التي دخلت فيها من هذا الباب لتكون في المكان الذي

خصص للاحتفالات لأنهما بالأمس دخلا من الشرفة بالطبع .

وكان الأمر كما قال بالفعل فقد كانت والدته في انتظارهما قرب

الباب في الداخل فكيف علمت بوصولهما الآن ! أو يبدو بأنها

تعلم جيداً جنون ابنها في القيادة واستطاعت حساب الوقت

والمسافة بين المدينتين ! كانت كما رأتها في المرتين

السابقتين أنيقة مرتبة لا يمكنك ولا تقدير عمرها الحقيقي

إن لم تعلم بعمر ابنها ..!

امرأة تليق تماماً بأن تكون زوجة لسلطان ضرار السلطان

وكأنه ليس بعدها زوجتان له وإن كانتا لا تقلان عنها لا في

الحسن ولا الأناقة !.

اقتربت منهما فور دخولهما مبتسمة تنظر لها تحديداً واجتازت

ابنها الذي قال ضاحكاً

" انظري لي على الأقل لا أريد أن تحضنيني ! "

فتجاهلته لتصل لها هي وحضنتها من فورها قائلة بسعادة

" ما هذه المفاجأة الرائعة طفلتي الجميلة .... كم أنا سعيدة

بزيارتك هذه لنا "

فبادلتها الحضن باستحياء وأشعرتها سعادتها تلك وكلماتها

بالحرج فهي كانت هنا الليلة الماضية بينما لم تسلم عليها ولم

تودعها لكنها لا ترى أن ذلك يزعجها فذاك العنيد جعلهم

يتلهفون لأي مبادرة تصدر عنه وإن كانت تخص زوجته وليس

هو ! بل حتى أنها لم تعلق على تلك الآثار الخفيفة للجروح

في ذقنها !! ابتعدت عنها وأمسكت بيدها قائلة بابتسامة

" اعتبري نفسك في منزلك هنا وسأوصلك لغرفتك حالاً فمؤكد

أنك متعبة وتحتاجين للراحة "

وسارت بها مجتازة الذي تركاه خلفهما واقفاً مكانه وقد قالت

" وأنت رافقتك السلامة فمهمتك انتهت "

فلم تسمع سوى صوت ضحكته ثم خطواته يبتعد في عكس

الاتجاه الذي سلكتاه مما يعني بأنه غادر مجدداً ... بينما

سارت بها خلال ممر دخلتاه شمالاً لازالت تكرر عبارات

الترحيب بها وقالت ما أن وصلتا لباب فتحته وأدخلتها

الغرفة قائلة

" اخترتها لك هنا بنفسي "

فنظرت حولها للفخامة التي لم تنقص شيئاً عن باقي ذاك

القصر الرائع بينما قالت الواقفة قربها مبتسمة

" مؤكد تشعرين بالجوع .. سأطلب من الخادمات أن يجهزوا
لك الطعام "

قالت مبتسمة بإحراج

" لا داعي لذلك عمتي فقد أكلت بالجامعة "

فابتسمت لها ولامست يدها ذراعها قائلة

" ارتاحي قليلاً إذاً فثمة وقت طويل حتى العشاء وستتعرفين

حينها على باقي أفراد العائلة "

قالت تبادلها الابتسام

" أشكر لك كرمك لكن هل.... "

وقطعت كلامها بتردد قبل أن تتابع

" هل السيد ضرار موجود ؟ أريد أن أسلم عليه قبل

العشاء "

ابتسمت التي فهمت فوراً سبب طلبها ذاك وخجلها من أن تراه

وقتها فقط وهو يُعد سيد هذا المنزل وكبيره وازداد اعجابها بها

أما محبتها فهي تسكن قلبها منذ أن علمت بأنها زوجة ابن

شقيقها الذي كم تتمنى لو تراه هنا مثلها وترى ابتسامته كما

تتمتع بالنظر لهذه الإبتسامة التي حملت كل معاني البراءة

والرقة في الوجود ، قالت مبتسمة

" هو ليس هنا الآن وإن زار المنزل قبل وقت العشاء سأخبره

وسأبلغه في اي وقت يأتي فيه بأنك سألت عنه "

أومأت لها بالموافقة مبتسمة بينما قالت هي تشير لطرف

الغرفة

" وهناك ذاك الهاتف يمكنك استخدامه إن احتجت شيئاً

وستحضره لك إحدى الخادمات في الفور "

همست مبتسمة برقة

" شكرا لك عمتي "

فلم تستطع منع نفسها من احتضانها مجدداً وقالت مبتسمة

بسعادة

" كم أنا سعيدة برؤيتك ووجودك هنا ماريه "

وما أن ابتعدت عنها غادرت الغرفة مغلقة بابها خلفها تهرب

من جنون لسانها كي لا تذكر اسمه وأمنياتها اليتيمة تلك

أمامها فهذا ليس وقته أبداً وقد تجرحها وهي تظن أن هذا فقط

سبب ترحيبها بها ، بينما من تركتها خلفها كانت ما تزال واقفة

مكانها تنظر للغرفة حولها لازالت تمتع نظرها بتلك الفخامة

حيت كانت تدمج اللونين الأحمر والأبيض فصنعت من الخشب

الأبيض اللامع تخلل سريرها خط أحمر تبع حوافه المائلة

ومفارش ووسائد بيضاء اسطوانية الشكل كما الخزانة البيضاء

اللامعة تغطيها نقوش حمراء خفيفة .. بينما طليت الجدران

باللون الأحمر كما الستائر السميكة المجموعة عند جانبي

النافذة الكبيرة التي انسابت عليها وبنعومة .. أما الجزء

السفلي من تلك الستائر فكانت من الشيفون الأبيض الناعم

ويغطي الأرض سجادة بيضاء كبيرة تحت السرير وتحيط به

من كل جانب وحتى ديكور السقف دمج ذات اللونين الأبيض
والأحمر بينما تدلت منه ثريا بيضاء جميلة من القماش ...

أريكة حمراء مقوسة قرب النافذة وطاولة زجاجية موضوعة

أمامها لتكمل جمال تلك اللوحة الفنية الرائعة .

نقلت نظراتها في تفاصيلها مجدداً بإعجاب تخشى حتى دخولها

والجلوس فيها كي لا تفسد جمالها ذاك فبالرغم من جمال

منزلها الذي عاشت فيه في بلادها وشقة زوجها التي تعيش

فيها الآن إلا أن هذا الجمال فاق الخيال بكثير !

وتتساءل لما تحوي مثل هذه المنازل أناساً يعانون وليسوا

سعداء بينما قد تملأ الضحكات بيوتا فقيرة تفتقد لكل شيء ؟!

استغفرت الله بهمس ونزعت سترتها ورمتها على السرير

قربها وتوجهت نحو باب الحمام وخلعت حذائها وارتدت الآخر

الخاص به ودخلته ووجهتها فوراً المغسلة الرخامية الضخمة

المقوسة وفتحت صنبور المياه الذهبي وبدأت بالوضوء فهي

لم تصلي العصر حتى الآن والساعة تجاوزت السادسة بالتأكيد.

*
*
*


*
*
*

نظرت جانباً تبعد خصلة من شعرها عن عينيها وهامت بنظرها

حيث البعيد هناك أسفل المنحدر الصخري حيث يجلسان ...

كان ثمة وادٍ منخفض تكاد ترى بوضوح تفاصيل صخوره

الكبيرة يليه مساحة واسعة من الأشجار الطويلة المتراصة

والحشائش المتداخلة بينها ثم مساحة لا نهاية لها من اليابسة

تكاد ترى الجبال خلفها كسراب باهت من شدة ابتعادها فبعد

ساعات طويلة من السير بالسيارة قرر بأنه عليهما الوقوف

ليصليا الظهر والعصر ويتناولا الطعام فانعطف بالسيارة عن

الطريق المعبد لمكان ترى بأنه أبعد ما كان يمكنه الوصول له

لينزلا فيه ! أنزل بساطاً كان يحتفظ به في سيارته الحوض

وفرشه على الأرض ليجلسا عليه وخمنت بأنهما لم يغادرا

مدن الحالك بعد ولها أن تتخيل كم بقي أمامهما وكم

سيحتاجان من وقت .

رفعت قطعة لحم أخرى ما أن ابتلعت التي كانت تأكلها
ووضعتها في فمها فقد اقتصرت وجبة الغداء تلك على قطع من

لحم الدجاج المشوي الموضوع في قالب بلاستيكي مقسم

لأجزاء وبعض السلطة المقطعة وأصابع من البطاطس المقلية

ورغيفا خبز سيكون قوتهما لساعات قد تتجاوز مغيب الشمس

بكثير ، رفعت نظرها له فكان ينظر لها ويمضغ الطعام فهربت

بنظرها منه حين لم يفعلها هو ولم تستطع مقاومة إغراء أن

تنظر له مجدداً فكانت النتيجة كسابقتها مما جعلها تغص

باللقمة في فمها وسعلت تضرب بقبضتها على صدرها ففتح

قارورة الماء بسرعة وأعطاها إياها فأخذتها سريعاً وشربت

منها وما أن أبعدتها مسحت شفتيها بظهر كفها ثم عينيها

الدامعة وهمست ببحة

" يا إلهي ظننت بأنني سأموت "

وما أن رفعت نظرها له كان ينظر ليده التي يقطع بها قطعة من

اللحم وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة لم تفهم بسبب ما قالت أم

بسبب ما جعلها تغص بالطعام قبل قليل ؟! وشعرت بوجهها

يحترق خجلاً فشغلت نفسها بإغلاق القارورة ووضعتها جانباً

ثم رفعت قطعة بطاطا وأكلتها وقد قررت التوقف عن أكل اللحم

وعادت نظراتها تراقبه وقد اختار هو هذه المرة النظر جانباً

وقد شرد به للبعيد حتى أنه أكمل اللقمة التي كانت في فمه ولم

يأكل غيرها فقالت ونظراتها تنتقل بين ملامحه

" أثمة من يكون عابساً متجهماً هكذا وهو يذهب لزيارة

شقيقته التي لم يراها منذ وقت ؟ "

وحاولت قدر الإمكان أن تجعل جملتها تلك خفيفة ممازحة

ترافقها نبرة باسمة فنقل نظره من هناك ليده التي لازال يمسك

قطعة الخبز فيها وقال بوجوم شارد

" شقيقك فقط من قد يفهم ما أشعر به الآن إن فكر يوماً في

زيارتك "

فاختفت ابتسامتها كما ذبلت ملامحها بشحوب حزين وشعرت

بألم لا يمكنها وصفه ولا فهمه أيضاً يفتك بقلبها وقالت بحزن

" لا يمكنني تصور ذلك وبأن تكون قد خذلت شقيقتك وتركتها

وأنت لم تتخلى عني أنا التي لا أقرب لك ...! لن أصدق وإن

رأيت ذاك بعيني "

رفع حينها نظره لها وقال بجدية

" هل تغفرين له إن التقيته يوماً يا مايرين ؟ "

تنقلت نظراتها بين عينيه ولم تفهم ما علاقة شقيقها ولما يسأل

مثل هذا السؤال ؟ وملأت الدموع عينيها ما أن تخيلت ذلك فقط

وأن تراه أمامها بالفعل وقالت ببحة بكاء

" إن كنت سأغفر له كل ما مررت به منذ تركني ورحل فمن

أجل أمر واحد فقط وهو .... أن جعلني ذلك أكون زوجة لك "

وانزلقت دمعتان على وجنتيها المتوردتان من شدة البياض

وعلقت عبرتها في حلقها فهي لم تستطع منع نفسها من قول

ذلك فلا يمكنه الاستمرار في النظر لنفسه بتلك الطريقة ..

وليعلم بأنها حمقاء تكشف عن مشاعرها كطفلة لا يهم فهي

تعبت بالفعل من حبسها داخلها حتى تقتلها ، أغمضت عينيها

برفق ما أن رفع يده لوجهها ومسح إبهامه الدمعة عن وجنتها

نزولا لشفتيها ووصلها صوته هادئاً عميقاً

" وأنت عزائي الوحيد في الغربة التي أعيشها يا مايرين "

ففتحت عينيها الدامعة ونظرت له وابتسمت من بين حزنها

ودموعها وسبابته لازالت تلامس شفتها السفلى فهذه المرة

الأولى التي يتحدث فيها عن مكانتها في حياته وعالمه ! وها

قد فعلها أخيراً وليته يعلم فقط ما فعله بها بذلك .

أنزلت رأسها فابتعدت يده عنها بذلك فقد شعرت بأنها بدأت

تفقد السيطرة على مشاعرها وكانت ودون تردد ستمسك بيده

وتقبل باطنها وقد منعت نفسها عن فعل ذلك بصعوبة تمسك

أصابعها تشدها بتوتر وعاد الصمت يسيطر على تلك الأجواء

المضطربة والذي لا يشوبه سوى صوت الهواء الذي يضرب

الصخور فرفعت نظرها له حين قال ونظره قد عاد ليهيم في

البعيد حيث كان

" أتعلمي بأن ما خلف تلك الأرض الواسعة يكون مدن ثنان

وأن تلك حدودهم "

نظرت حيث ينظر وهمست بدهشة

" الثنانيون !! "

وكم حمدت الله أن تغير مجرى حديثهما خصوصاً ما قالت هي

فقد نكتسب الشجاعة فجأة لكننا نفقدها وبشكل مريع بعدها

على الفور ولولا ذلك ما كان ثمة ما يسمى الندم .. لكنها لم

تندم ... أجل هي ليست نادمة بما أنها حصدت نتيجة ما ،

شعرت بقلبها ينفعل وبشدة ما أن نظرت له بالرغم من أنه كان

لازال ينظر هناك وقد قال

" أجل فمن هنا وحتى حدود صنوان مع الحالك تكون أراضيهم

واجتياز ذاك الفاصل الترابي ممنوع على الطرفين حسب

اتفاقية توحيد البلاد التي وقعها معهم مطر شاهين قبل

رحيله "

نقلت نظراتها في ملامحه وهو ينظر لأصابعه قبل أن تقول

باستغراب

" كم هو غريب هذا ...!! أن تنقسم البلاد بين شعبين بدون

حدود ولا هوية أمر غريب بالفعل ! "

قال وقد عاد بنظره هناك

" ما كان ثمة حل آخر لهذا لكُنا سنحاربهم لآخر الزمان ..

ووضعهم هنا أفضل بكثير مما هو عليه في الدول المجاورة

فهم يعيشون مأساة حقيقية "

وتابع ونظره ينتقل لعينيها المحدقة به

" وها هو مطر شاهين يحاول دمجهم مع أطياف البلاد

وإعطائهم هوية حقيقية وهذا أمر لم يسبقه له أحد "

فاتسعت حدقتاها الخضراء الباهتة وهمست بما يشبه الصدمة

" يصبحوا مثلنا تماماً تعني ويعيشون معنا ؟! "

أومأ برأسه وقال

" أجل وإن كان لدينا تلفاز لكنتِ علمت عن ذلك من نشرات

الأخبار التي عجت بالحديث عنه وهو يسعى الآن لفعل ذلك

وبكل الطرق ورغم جميع المعوقات "

فنقلت نظرها هي هذه المرة حيث الأرض التي تختفي مدنهم

البعيدة خلفها وقالت باستغراب

" أترى ذلك سينجح ؟ حياتهم ليست مثلنا كما عاداتهم

وتقاليدهم وحتى منازلهم أيضاً !! "

فقال ونظره لا يفارق ملامحها وجانب وجهها المقابل له

تتراقص أمامه خصلات من شعرها الأشقر

" هذا ما سيكون غريباً وصعباً الآن لكن بعد عشرة أعوام

ويزيد سيكون الوضع مختلف تماماً حتى أنك ستجدي بأن

أغلبهم إن لم يكن جميعهم قد اعتنقوا الإسلام فهم لا ديانة لهم

يتعصبون لها ... لو أنه تم دمجهم مع المجتمعات من أعوام

لما كنتِ الآن تستطيعين التفرقة بينهم وبين العرب في البلاد

ولكان لهم نفس الديانة والعادات والتقاليد لكنهم همشوهم

ومارسوا عليهم جميع أنواع الاضطهاد وطُوردوا في كل مكان

وهم من عاش في البلاد من قبل العرب "

فهمست ولازال نظرها هناك

" كم يبدو لي تفكيره غريب ! هو يقرر وينفذ ما يراه في

مصلحة الجميع وإن رفضوا ذلك "

نظر ليديه ينفض بقايا الخبز واللحم منها قائلاً

" ذاك الرجل رائع وفي كل شيء ولن تعرفي الحقيقة الفعلية

لذلك إلا حين تريه أمامك وتتحدثين معه "

ورفع نظره لها بسرعة حين استفاق لنفسه وما قال وكما توقع

كانت تنظر له بصدمة وقد قالت من فورها

" أرأيته أنت وتحدثت معه ؟ "

وقرأ في عينيها فوراً بأنها فهمت سبب مغادرته تلك الليلة

والرجال الذين غادر معهم وربطت الأمور في دماغها بالتأكيد

فقال ما لم يعد يجدي الهرب منه

" أجل فقد كان الفتى الذي أخذ سيارتي ليلة صدمتك بها يعنيه

بطريقة ما لا أعلمها وقد تعرض لحادث بها فسألني عن بعض

الأمور ولا تسأليني عن أي شيء فأنا حقاً لا أعلم "

لكن الأسئلة التي يتوقعها لم تكن جميعها ما يدور في خلدها

حينها وذاك ما كان واضحاً من عينيها التي كانت تكاد تتحدث

نيابة عنها وتعلم وموقنة من أنه كان يفهمها جيداً وقد امتلأت

بالدموع سريعاً وهمست ببحة

" ألا زال على قيد الحياة ؟ "

نظر لعينيها بصمت وكان يعلم بأن ذاك ما ستسأل عنه

وستتوقع أن يكون سأله بخصوصه فوحده من يملك الجواب

لأنه اختفى باختفائه ورجاله وتناقضت الشائعات بعدها بين

موته ورحيله معهم ، تنفس بقوة متنهداً وقال

" بلى لازال على قيد الحياة وهو خارج البلاد "

فوقفت حينها وابتعدت عنه واقتربت من حافة المنحدر أناملها

تغطي شفتيها وشهقتها الباكية تصله بوضوح ودموعها تنزل

دون توقف ولم تكن تتخيل أبداً بأن خبراً كذاك قد يؤلمها

وبشدة هكذا بدلاً من أن تسعد به ! فمأساتها التي مرت أمامها

حينها باليوم واللحظة لم تخلف سوى دماراً وسواداً مخيفاً في

روحها ولم تستطع ولا تذكر لحظاتهما الجميلة في طفولتها

بالرغم من فارق السن بينهما وكل تلك الأقاويل التي تتقاسم

نسبها وحكايتها .

أغمضت عينيها الدامعة بقوة حين شعرت بيديه على ذراعيها

قبل أن تحيط ذراعيه بجسدها وحضنها بقوة فالتفت أصابعها

حول ساعده لازالت دموعها تتساقط من عينيها كما عبراتها

الموجعة وأغمضت عينيها مجدداً حين قبّل رأسها ثم طرف

وجهها يحضنها بقوة أكبر فابتعدت عنه وتركها هو من فوره

واستدارت نحوه وارتمت في حضنه وطوقتها ذراعيه سريعاً

يحتوي بكائها وعبراتها المتقطعة ينظر للبعيد بحزن ويفهم

جيداً مشاعرها وما تشعر به ، مسحت يده على شعرها وقال

ونظره لازال هناك

" هذا ما يفعله خذلان الشقيق وتخليه عن شقيقته يا مايرين

... تعلمين الآن بالتأكيد ما أشعر به ؟ "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت بعبرة

" لا أصدق ذلك ... لا يمكنني أن أتخيلك تفعلها "

أبعد نظره كما وجهه عنها جانباً وقال ببؤس

" بلى وكانت ستموت لو لا الله ثم لو لم يدركها زوجها

ويخرجها من المنزل ولم يكن وجوده هناك سوى مصادفة ...

كانت ستموت محترقة بسببي وأنا من وعدتها أن أرجع

لأخرجها من هناك تلك الليلة "

وشد قبضتيه بجانب جسده بقوة وتابع بقسوة

" لن يشفع لي شيء ذلك ولا أي أسباب ولا فقدي

لسيارتي ليلتها "

نظرت له بصدمة وعلمت حينها باقي خبايا الحكاية ... يا إلهي

ما هذا الذي تفعله هي بالبشر ؟

يالها من لعنة حقيقية ! حركت رأسها بقوة وقالت ببكاء

" بل أنا السبب وليس أنت .. أنا من يفترض بأن يقع عليه

اللوم فلولا ظهوري أمام سيارتك فجأة لكنتَ ذهبت لها

وأخرجتها قبل أن يحترق المنزل .... أنت لم تذنب في شيء بل

كنت تنقد فتاة من قدرها المحتوم وهو الشارع ومنازل

الرجال ... "

وحركت رأسها نفياً وتابعت وبكائها يزداد حدة

" لست أنت المذنب بل أنا التي حللت بلعنتي عليك و.... "

أسكتها ملامساً شفتيها بأنامله وقال ينقلهم لوجنتيها

المتوردتان بشدة يمسح الدموع عنها ينظر لعينيها الدامعة

" أنت قدري يا مايرين ولا أحد يهرب من قدره .. ولعله كما

قال يمان أرسلني الله لك ولذاك الفتى لأنقذكما بينما أرسله

هو لشقيقتي "

راقبته بعينين دامعه وأصابعه لازالت تتحرك على وجنتيها

تمسح الدموع عنها وهمست ببحة

" ولازلت ترى نفسك مذنباً في حقهاً ! ليت الأشقاء

جميعهم مثلك "

انتقلت أصابعه لطرف وجهها ونظر لعينيها وقد عانقت شفتيه

ابتسامة صادقة ولأول مرة منذ غادرا بل ومن وقت دخوله

المنزل ليلة البارحة وقال

" تتمنين أن كنت شقيقك فعلاً ؟ "

فشعرت بضربات قلبها تتعالى بجنون حتى كادت تصم أذنيها

وخشيت أن يسمعها وارتجفت شفتاها بابتسامة خافتة رقيقة

وهمست بعينين دامعة

" ومن أين كنت سأجد رجلاً مثلك أتزوجه إن كنت شقيقي ؟ "

وشعرت بالدماء تتصاعد في جسدها وصولاً لوجهها وجاهدت

نفسها بصعوبة كي لا تبعد عينيها عن عينيه حيث علقتا في

نظرة طويلة عبّرت عن الكثير وإن لم يقولاه وأغمضت

عينيها تتنفس بعمق حين تحركت أصابعه على طرف وجهها

وكاد قلبها يتوقف فهي انتظرت وبلهفة أن يُعلق على ما

قالت .. أن تسمع شيئاً مما رأته في عينيه تلك اللحظة لكنها

لم تتوقع قطعاً ما حدث حينها وهي تشعر بأنفاسه الدافئة

تختلط بأنفاسها وسرت الحرارة في جسدها كالسعير حين

شعرت بملمس شفتيه على شفتيها .. وكانت قبلة صغيرة

رقيقة سرعان ما لحقتها أخرى أعمق منها ثم أخرى وثالثة

ورابعة لا نهاية لها ...

وأصابعه تغوص في شعرها أكثر تشدها ناحيته ويدها ودون

شعور منها كانت تقبض قميصه ناحية صدره حيث كانت

ترتاح قبل قليل ... أكانت حقاً تعلم حقيقة مشاعرها ناحيته ؟

أكانت بالفعل تحب علاقتهما وكما هي ؟ كاذبة ... هي كاذبة

بالتأكيد بعدما عرفت هذا واختبرته ! فهي لم تحبه قط لم

تعرفه أبداً ولم تقترب منه ولا من حضنه وترهات جميعها

كانت تلك .

سحبت الهواء لصدرها بقوة حين أبعد شفتيه موقفاً كل ذاك

الشغف المحموم وأنزلت رأسها فوراً تلمس شفتيها بظهر

أناملها قبل أن تنزل بها لصدرها الذي كان يرتفع وينزل بقوة

فلم تكن تتوقع أيضاً بأن تشعر بكل تلك الغربة والوحشة حين

يبتعد عنها ...!! يا إلهي ما هذا الذي يحدث معها !! أهي

مجنونة به لهذا الحد ؟ ومن التي تعرفه وتقترب منه ولا

تكون كذلك ؟ من هذا الذي يمكنه لومها ولا حتى نفسها ! .

" علينا المغادرة الآن فالطريق لازال طويلاً أمامنا "

كان ذاك كل ما قاله بنبرة ظهر التوتر فيها واضحاً وهو

يتوجه نحو البساط ليرفعه فلبست حجابها بسرعة وسبقته

للسيارة تجمع شتات نفسها وتلملم ارتجاف أطرافها لوحدها

وبعيداً عنه .

*
*
*

انتهت من ترتيب ثيابها التي جلبتها معها وباقي حاجياتها في

الخزانة بعد وقت ليس لكثرتها بل لأنها ترفض تشويه جمال

ذاك المكان ولا بفوضى صغيرة ، ثم انتقلت لمذكراتها

ووضعتها على الطاولة الرخامية بقرب النافذة ووضعت حقيبة

يدها في الخزانة أيضاً وما أن أغلقتها التفتت للباب الذي

طرقه أحدهم قبل أن يُفتح ودخلت منه التي غادرت قبل وقت

قائلة بابتسامة

" عمي هنا ماريه إن كنت تودين رؤيته "

فابتسمت لها من فورها ممتنة لأنها جاءت بنفسها بدلاً من أن

تطلب من إحدى الخادمات إبلاغها وأخذها حيث سيكون ..

أي أنها سترافقها وهذا سيساعدها في التخفيف من إحراج

مقابلته ، رفعت سترتها وارتدتها سريعاً وخرجت خلفها

تُخرج شعرها من تحتها وأغلقت الزر الوحيد فيها وقد كانتا

وصلتا بهو المنزل حينها وتوقعت أن تصعد بها إحدى السلالم

التي احتلت جانبيه الشرقي والغربي لكنها سلكت اتجاه آخر

مستقيم حيث كان ثمة باب مرتفع مزخرف بفخامة وكأنه باب

قاعة احتفالات في إحدى الفنادق ! وطرقت عليه طرقتين

متباعدتين قبل أن تدير مقبضه النحاسي الكبير غريب الشكل

ويُفتح بدفعة منها وكأنه قطعة من الجدار لعلوه واتساعه !

والأغرب من كل ذلك أنه لم يصدر عنه أي صوت وهي من

كانت تتخيل بأن يكون له صرير مرتفع وكأنها بوابة كهف

حجري !!

أنزلت نظرها وابتسمت بإحراج للتي نظرت لها خلفها

وابتسمت مومئة برأسها لتتبعها ودخلت فبلعت ريقها بتوتر
ومسحت يديها المتعرقتان في قماش تنورتها الطويلة

المصنوعة من الشيفون ودخلت خلفها ليقع نظرها فوراً على

الواقف عند أحد أرفف المكتبة التي احتلت أغلب جدران ذاك

المكان الواسع ويبدو بأنه كان يبحث عن شيء ما هناك ..

وراقبته بفضول حيث كان يرتدي بذلة سوداء فاخرة وقد

غطى الشيب أغلب شعره الذي يبدو لم يفقد منه شيء فقلما

ترى رجلاً في عمره يحتفظ بجمال شعره هكذا وإن فقد

لونه ...!

لم تكن ملامحه تظهر لها بشكل جيد لكن جسده الطويل

المستقيم لم يكن مماثلاً لما تخيلت لرجل أحفاده جميعهم

اجتازوا سن الرشد ! هذا يبدو أكثر صحة وحيوية من

مخيلتها والصورة الغبية التي رسمتها له ! كما يبدو بأنه زار

المنزل الآن وسيغادر قريباً .

قالت الواقفة بجانبها مبتسمة

" عمي هذه ماريه هنا تريد أن تسلم عليك "

فبلعت ريقها بصعوبة وضمت يديها لبعضهما حين التفت

برأسه أولاً جهتهما مبعداً نظره عن الأوراق التي كان يقلبها

في يديه فعلقت نظراتها على ملامحه وكأنها تنتظر الفرصة

فقط لتراها ففي كلا الحفلين السابقين لم تجد وقتاً ولا لذلك ...

وما اعتقدته كان صحيحاً فالواقف أمامها بالفعل يستحق أن

يرتبط باسم ضرار السلطان .. ملامحه الارستقراطية والتي

تراه أورثها لأحفاده وخصوصا وقاص .. نظرته التي لا تدل

سوى على الذكاء والفطنة كما الجد والحزم الشديدين زادتها

الخطوط حول عينيه وشفتيه القاسية فلا يمكنك أن تصنفه

ممن اجتاز عمرهم السبعون عاماً بل وليس بإمكانها تخمين

سنه الحقيقي أبداً !! .

استدار بكامل جسده ناحيتهما فتحركت من مكانها حينها حتى

كانت أمامه ومدت يدها له قائلة باحترام

" سعدت بلقائك سيدي وأتمنى أن لا تكون زيارتي مصدر

إزعاج لأحد "

صافحها ممسكا يدها بقوة بالنسبة لكفها التي لا تقارن بكفه

الكبير وقال ناظراً لعينيها

"وأنا سعيد برؤيتك ماريه وهنا منزلك لن تزعجي

فيه أحداً "

ابتسمت له شاكرة وتركت يده يدها وقد قال بذات نبرته

المتزنة العميقة والجادة

" ولا تناديني بسيدي فأنا لا أحب هذه الشكليات بين

أقاربي "

ابتسمت محرجة ولم تتوقع قطعاً أن يصفها بأنها فرد من

عائلته فليست سوى زوجة ابن شقيق زوجة ابنه !

بينما تابع هو بابتسامة تشبه شخصيته وجديته

" أم أنك كزوجك ستعاندين على ذلك "

ابتسمت وقالت ببعض التردد

" لا قطعاً ... جدي وشكراً لك "

فابتسم لها بوقار ونظر جانباً ومال بجسده قليلاً وأمسك بعصا

أنيقة برأس مذهب كان يريحها على خشب أرفف المكتبة لم

تنتبه لوجودها وتحار فعلاً فيما يحتاجها !!

وكم شعرت بالارتياح حين غادر من هناك حاملاً تلك الأوراق

معه وآخر ما قاله بقي صداه في المكان الواسع تشعر به وإن

كان ليس موجوداً

" تصرفي وكأنك في منزلك "

*
*
*


لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 67 others like this.


رد مع اقتباس


  #12132 
قديم 10-06-19, 09:39 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*




وقف أمام باب شقته ونظر لساعته قبل أن ينظر جهة الباب

المجاور لها والذي كان مغلقاً يعلن عن الهدوء التام القابع خلفه

ولازال قلبه ينبئه بل ويحذره من أن صمتها وسلامها هذا ورائه

كوارث الله وحده من يعلمها ... تجاهل كل ذلك مستغفراً الله

بهمس وغرس مفتاحه في الباب أمامه فما يحتاجه الآن وبعد يوم

مرهق في الشركة أن يتناول الطعام وينام فور أن يصلي العشاء

كالعادة ليستعد ليوم آخر يشبه سابقه تماماً .... تماماً !! أهو

واثق من ذلك ؟! لا بالطبع ليس وثمة من بات يشاركه المكان

هنا .. وها هو وكما توقع ما أن فتح الباب وجد نفسه في مكان

بالكاد بات يعرفه وأوله أنوار المكان المضاءة جميعها حتى تلك

المعلقة في زوايا الجدران والمخفية في ديكور سقفه فما الحاجة

لكل هذا النور وكأنها مدرسة أطفال !

تنفس بعمق وأغلق الباب ودخل فليس ذاك وحده ما كان في

استقباله بل ورائحة الأزهار البرية المنتشرة من الفواحات

الكهربائية ... وليس رئتيه وأنفاسه فقط ما تم استقباله بذلك بل

وعينيه أيضاً فباقات الأزهار البيضاء الجميلة كانت في جميع قطع

المزهريات الخزفية الموجودة هناك ، تمتم بضيق وهو ينظر

حوله وكأنه يبحث عن أحدهم

" هذا وقد نبهتها "
فخرجت حينها المعنية بالأمر من باب المطبخ وكأنها سمعته

وقالت مبتسمة وقد رفعت كتفيها

" لا تنظر لي هكذا فأنا لم أخرج ولم أخالف التعليمات "

كانت هذه المرة أيضا ترفع شعرها للأعلى وتضع ذات المشبك

الأبيض فيه لكن فستانها تغير بآخر أطول منه وكماه بالكاد تجاوزا

مرفقيها ، نظر للمكان حوله مجدداً وما أن كان سيتحدث سبقته

قائلة بذات ابتسامتها

" ثمة اختراع قديم يسمونه الطلب عبر الهاتف فيأتيك كل ما

تريده لباب منزلك "

عاد بنظره لعينيها وقال عاقداً حاجبيه

" ومن أين دفعتِ ثمن كل هذا ؟ "

رفعت كتفيها قائلة بضحكة صغيرة

" لم أدفع بالطبع فقد أرسلت بالفواتير لشركتك هناك "

حدق فيها باستغراب في نظرة فهمت منها على الفور بأنه لا يعلم

عن هذا شيئاً فأين ذهبوا إن لم يكن له !

رفعت حاجبيها وقالت بابتسامة مائلة

" ما كانوا ليتركوني وشأني كل هذا الوقت إن لم يأخذوا المال فهل

دفعت لهم ؟ "

نظر لها بصمت لبرهة قبل أن يخرج هاتفه من جيبه واتصل بالتي

أجابت من فورها قائلة

" مرحبا سيد كروس .... هل نسيت شيئاً مهما ! "

قال بحاجبين معقودين وملامح لم يفارقها التجهم بعد

" هل وصلت فاتورة ما للمكتب اليوم ؟ "

وبعد مكالمة قصيرة مع سكرتيرته الخاصة فصل الخط ونظر لها

وقال ببرود

" لا يبدوا أنها فاتورة واحدة ؟ "

ابتسمت ابتسامة من وقع في ورطة كان يعلمها وقالت

" حسناً هو كذلك بالفعل فالمطبخ لم يكن يحوي شيئاً

يمكن طهوه "

تمتم ينظر لعينيها الواسعة

" وماذا أيضاً ؟ "

ابتسمت وحركت يدها قائلة ببساطة

" ملاءات جديدة وبعض الأغطية فقط "

ضيق عينيه في صمت فتنهدت باستلام قائلة
" وبعض الشراشف أيضاً ولا أظنك ممن يكرهون التجديد "

دس يده الحرة في جيب بنطلونه قائلا ببرود

" ليس التجديد وحده ما أراه هنا ؟ "

دارت بمقلتيها في المكان متمتمة بإحباط

" حسناً يفترض أنني عروس هنا وينبغي أن تحيط بي السعادة ..

وهنا يأتي دورك "

وأتبعت كلماتها الأخيرة تلك بابتسامة واسعة تقصد المال الذي

دفعه فقال بابتسامة ساخرة

" السعادة !! عليك أن تعلمي بأن نظرة الرجال لهذه الأمور

تختلف عنكن "
قالت باندفاع تحرك رأسها بطريقة السؤال الاتهامي

"وهل تكون الزوجة الجديدة فقط هي ما تجلب السعادة للرجل؟ "

وانفتحت عيناها فوراً بصدمة مما قالت فهي لم تكن تريد صياغة

السؤال بتلك الطريقة ولا أن يخرج هكذا ! كان عليها أن تقول

كلمة ( المرأة ) بدلا من الزوجة .. فضلاً عن كلمة ( الجديدة )

أيضاً ... لا بل كان عليها الحديث عموماً منذ البداية وليس عن

الزواج تحديداً لكن لسانها وكالعادة يورطها فيما لم تكن تقصده

وكل ما يستحقه الآن هو القطع ... بل وكل ما عليها فعله وكالعادة

أيضاً أن تتجاهل ما قالت ثم تنساه سريعاً وانتهى ....

لكن الواقف هناك يبدو كان له رأي آخر ولم يختر تجاهل الأمر

ولا الصمت كما توقعت فقد قال بحزم مغادراً مكانه

" انا لي زوجة واحدة فقط .. وقد رحلت "

فبلعت شهقتها الصامتة ونظرها يتبعه بذهول متوجهاً نحو غرفته

وتحركت من مكانها نحوه وأمسكت بالحقيبة من يده لحظة وقوفه

بسبب ما فعلت فأخذتها منه قائلة بابتسامة وقد استشعر طلباً

جلياً للسماح في نظراتها له

" لن نختلف في هذا فكلانا يعرف الهدف الحقيقي من هذا

الزواج "

وتابعت تضعها على الطاولة الخشبية المرتفعة بمحاذاة الجدار

الفاصل بين غرفته وزاوية جدار المطبخ قائلة بذات ابتسامتها

" كما أن هذا أقل ما تستحقه امرأة مثلها "

ونظرت له ما أن أنهت عبارتها تلك وكما توقعت كان يحدق فيها

باستغراب بل ويبحث عن الكثير مما تعرف في عينيها وهي لم

تجاهد أبداً في إخفائه وأوله الصدق .. ولن يفهم أبداً بل ولن يعلم

كيف وماذا تعلم عن تلك المرأة ... كما ولن يرى صدق حديثها في

عينيها المبتسمتان فقط بل وصدق معرفتها بها مما جعله يلاحظ

نظرتها المحملة بمعانٍ جعلت التساؤلات تتزاحم في خلده واراد

أن يسأل لكنها ودون أن تعطيه الفرصة للاستيضاح قالت وهي

تشير بيدها جهة باب المطبخ وبذات الابتسامة التي لم تفارق

شفتيها

" العشاء ينتظرك فيفضل ألا تدخل غرفتك حتى تتناوله كي

لا يبرد "

نقل نظره بصمت بينها وبين باب المطبخ المفتوح قبل أن ينزل به

على جسدها حين خرج صوت التنبيه الواضح من أحد جيبي

فستانها المخفيان بتفصيله المسقيم المنساب على جسدها فدست

يدها فيه وأخرجت هاتفها ونظرت لشاشته المضيئة بابتسامة

تحولت لضحكة مكتومة وتوجت بعدها جهة باب غرفتها في

الطرف الآخر ونظره يتبعها فها هي المكالمات والمراسلات

المبهمة مجدداً !

تحرك نحو المطبخ ما أم أغلقت باب غرفتها خلفها بهدوء ووقف

ينظر للطعام الموضوع في طرف الطاولة والأمر الذي لم يعتده

سابقاً .. فهو وبحكم ساعات عمله الممتدة حتى المساء كان

يتناول طعام الغداء في مكتبه والمتمثل في الوجبات البسيطة التي

يوفرها مطعم الشركة للعاملين فيها وتجلبه سكرتيرته له ، وعند

مغادرته الشركة إما أن يتناول العشاء خارجاً وبسبب عمله أيضاً

أو يطلب عشاءً جاهزاً يصله هنا ولم يتناول طعاماً منزلياً هكذا بل

ووجبة تخص بلاده تلك منذ لم يعد يذكر متى تحديداً تلك المرة

التي تناوله فيها في منزل شقيقه قبل أن يصبحا شقيقين صورياً

فقط ومنذ زمن بعيد .. بل وذاك انتهى أيضاً منذ بات يحمل

الجنسية البريطانية وإسم كروس دالريمبل عكس شقيقه ذاك

الذي لازال يعيش بهويته الحقيقية .

سحب الكرسي وجلس وبدأ بتناول الطعام الذي لم يستطع نكران

إبداع من أعده والذي جعله يأكل دون توقف .. بينما كانت تلك

اليدين التي أبدعت في تحضيره تمسك بهاتفها وتجلس فوق

سريرها تحدق عيناها في شاشته والمحادثة المسترسلة

الأسطر فيها

( ماذا حدث معك ؟ هل وجدتها ؟ )
( لا هي لم تأتي للحفل )
( متأكدة !! )
( أجل فقد حفظت وجوه الموجودين هناك جميعهم من كثرة
ما بحثت عنها )
( أخبرتك منذ البداية لكنك عنيدة كالبغل)
كتبت مؤنبة ( واااو .. ياله من تعبير لطيف جداً لتشرح غضبك مني )
( لما لا تعترفي بأنها الحقيقة )
( كان يفترض بأن تكون هناك .. بل كنت متأكدة من ذلك )
( وها هو ذاك لم يحدث يا ذكية )
( كان سيحدث ... كان عليه أن يحدث فلم آخذ موافقة مطر بسهولة )
فعقب من فوره وقد استشعرت غضبه
( لكنني لستُ موافقاً وانت تعلمين ذلك جيداً )
فكتبت فوراً راجية أن يعذرها
( أنا آسفة لكنني لن أرجع حتى أحقق ما جئت من أجله )

كانت تعض طرف أصبعها تنتظر تعليقه لكنه لم يأتي ... ذاك

الأحمق لن يفهمها مطلقاً وخوفه عليها بات يشبه الخوف على

طفلة وكأنه قرر معاملتها بالمثل ! كتبت حين يئست من الانتظار

( لم تسألني عن عالمي الجديد هنا ؟ )

وضحكت ما أن أنهى المحادثة وغادر فلم تتوقع منه غير هذا ولم

يخيب ظنها ، حقاً يبدو أنه لن يتغير ابداً ..!

تركت الهاتف بجوارها وتمددت على ظهرها وقد هامت نظراتها

للسقف بلمحة حزن فهي فعلاً لا تعرف كيف سينتهي كل هذا وما

الذي سيؤول إليه ؟ و قبل ان تلتهمها تلك الدوامة اللا متناهية من

الأفكار رفعت ذراعها الايمن لتغطي عينيها به فلن تسمح ولا

بينها وبين نفسها بظهور هذه النظرة في عينيها .. هي حقاً لم

تتوقع أن ينتهي بها الحال زوجة لزوج تلك المرأة بالتحديد !

لكن هذا ما حدث وانتهى ولا فائدة من الندم عليه .. وما يخفف

الأمر عنها هو ولاءه الشديد لها وهذا ما يسهل عليها الأمر .

وعند هذه النقطة ابتسمت بشجن ترفع ذراعها عن وجهها وقفزت

جالسة وغادرت السرير وقد قررت ان تحسن مزاجها الذي لا

تسمح لشيء بتعكيره مطلقاً ... فغادرت الغرفة ووجهتها باب

المطبخ الذي وقفت أمامه تنظر لقفا الجالس هناك يأكل بصمت

وهدوء واتكأت بطرف وجهها على يدها التي كانت تسندها بإطاره

وابتسمت تراقب حركاته البطيئة المرتبة تلك وتذكرت سريعاً ذاك

الغاضب الصامت الذي رأته في الحفل بالأمس والذي خرج من

صلب الجالس أمامها الآن ... متأكدة من أنه استطاع التعرف

عليها وبسهولة كما حدث معها هي .. وكما يبدو جلياً بأنه لازال

غاضباً منها لكنها تعرف جيداً كيف تتصرف حيال ذلك فذاك الطفل

الصامت البارد لازال في نظرها كما هو لم يتغير وتعلم جيداً سبل

التعامل معه .

استوت في وقوفها ودخلت ما أن وقف الجالس أمامها دافعاً

الكرسي خلفه وقد التفت يتبعها بنظره حين اجتازته نحو الطرف

الجانبي للطاولة قائلة بابتسامة

" يبدو أن الطعام أعجلك ولن أصاب بالإحباط الليلة "

قال بهدوء وهو ينحني نحو الطاولة قليلاً

" أجل شكراً لك "

وتابع يرفع الأطباق منها

" سأقوم بهذا لا تتعبي نفسك "

وتحرك نحو المغسلة من فوره فيبدو بأنه فهم جانباً ما من

شخصية هذه المرأة وهي العفوية الدائمة في حديثها كما

ابتسامتها التي لا تفارق شفتيها .. وهذا نوع آخر من النساء لم

يتعامل معه سابقاً ويبدو له لا يحتاج الحيطة والحذر الغريزيان في

الرجل واللذان يطفوان للسطح سريعاً ما أن تدخل امرأة ما عالمه

وإن بشكل عرضي ... والدليل على أفكاره تلك لم يتأخر عنه كثيراً

فقد قالت ضاحكة وهي تتوجه نحو الثلاجة وتفتح إحدى بابيها

" لابأس لا مانع لدي فأنا لست من مناهضي فكرة العدل بين

الجنسين في بعض الأمور المشتركة فقط بالطبع "

وتابعت بضحكة تمد يدها داخل الثلاجة أكثر

" لكن عليك ان تكون حذراً فمع طباع كهذه لن تحتفظ بلقب

وحيد الزوجة طويلاً .. "

فرفع حاجبيه ينظر لها وقد توقفت يده في الهواء يحمل فيها طبق

السلطة فهو يعلم جيداً بأنها لم تكن تقصد حديثها آنفاً بل حديثه

هو السابق وقت دخوله .. بينما استدارت هي ناحيته ما أن أغلقت

باب الثلاجة وهي تتابع مبتسمة

" وبالمناسبة انت في نعيم فلم يكن للجميع ما كان لك "

وتحركت من هناك مغادرة المطبخ تحمل في يدها زجاجة عصير

صغيرة بنكهة البرتقال ونظراته المستغربة تتبعها فهل يعني هذا

بأنها كانت متزوجة أيضاً ؟! لكن مستحيل فهو تزوجها صغيرة

ومنذ أعوام طويلة !! رفع كأسه كما الملعقة والشوكة أيضاً

بأطراف أصابع يده ووضعهم في المغسلة مع الأطباق متمتماً

بسخط

" أي لغز هذا الذي وضعته في طريقي يا مطر ! "

*
*
*

فتح زر سترته وجلس على الكرسي المقابل له وقال بضيق

" رماح لو أفهم ما هذه الطريقة التي تفكر بها ! "

فحدق به الذي أبعد نظره عن التلفاز الذي وضع هناك أيضاً من

أجله وقال ببرود

" وما بها طريقة تفكيري لا تعجب الجميع ؟

لم تستطع شقيقتك إقناعي بالغضب والصراخ فأرسلتك أنت ؟ "

تنهد رعد بعمق قبل أن يقول بصبر يكاد ينفذ بسبب هذا

العابس العنيد

" غسق لم ترسلني وأنت تعلم جيداً بأن ما تريده هو مصلحتك

وسعادتك يا رماح كما أني أراك أنت من يفقد أعصابه معها

ويرفع صوته لأتفه الأسباب "
وحرك رأسه بيأس منه حين لم يعلق بل وكان ينظر للتلفاز الذي

عاد لتقليب قنواته وكأنها لا يسمعه ! وبالرغم من كل ذلك

أضاف بهدوء

" رماح غسق شقيقتك وإن لم ينجباها والديك وعلينا جميعاً

معرفة ذلك واحترامه كما الانتباه لحالتها "

" حالتها !! "

ونجح في سرقة نظره وانتباهه وإن كان بكلمة واحدة

مستفهمة فقال

" أجل فهي حامل وهرموناتها تتحكم فيها فتجدها غاضبة

متوترة بل ومتقلبة أحياناً وعلينا مراعاتها وتفهما "

فحدق فيه باستخفاف قبل أن يقول مبتسماً بسخرية

" هرموناتها !! "

وتابع وقد تبدلت لهجته كما ملامحه للضيق فجأة

" لا ليست هرموناتها السبب فهي كذلك منذ عاد زوجها ذاك

من مهجره ... لا بل منذ تركها هنا وهاجر "

فحرك رأسه بيأس منه وكان هو من أبعد نظره عنه للتلفاز

هذه المرة متمتماً ببرود

" الحديث معك عبثاً "

فابتسم بسخرية ونظر أيضاً للشاشة الكبيرة المعلقة على الجدار

وقال ببرود أشد

" جيد أنك فهمت هذا أخيراً "

فنظر له وقال بحدة وكأنه ليس ذاك الهادئ البارد قبل لحظات بل

والذي قرر أن ينهي النقاش معه

" لما لا تخبرني ما الخطأ فيما قالت وفي أن تكون معنا

ونحن نعقد قرانك وكأنك لست العريس ؟! "

فنظر له نظرة أقوى من نظرته تلك لا تنبئ سوى بانفجار مدوي

وما أن كان سيتحدث توقف بسبب باب الشرفة المطلة على

الحديقة الجانبية للمنزل والتي تصل بينها وبين غرفة المعيشة

الواسعة تلك ودخل منه الكاسر برفقة تيما كما آستريا ضاحكين

بينما قال الكاسر وهو يعبر بينهما نحو الداخل

" أخبرتك منذ البداية بأنك لن تتغلبي عليها يا آستي "

والتفت لهما وقال ينظر لآستريا مبتسماً بمكر بينما حديثه عن

شخص آخر

" فهذه تبدو كانت تقضي أوقات فراغها الطويل في لندن تلعب

الشطرنج مع صديقها الخيالي "

ضحكت آستريا بينما تجاهلته تيما مشيحة بوجهها عنهما وقال

رعد مبتسماً ينظر لهم

" إن تغلبت عليها لكنت طلقتها فوراً فلست على استعداد للعيش

مع امرأة عقلها يعادل عقل من تحمل جينات مطر شاهين "

كانت الضحكة من نصيب الكاسر فقط هذه المرة بينما رمقته

الأحداق الأنثوية الملونة للمعنيتان بالأمر بضيق أما عينا رماح

فكانتا لازالتا ترمقانه من طرفهما ببرود ، اقترب الكاسر من

الأريكة ورمى جسده عليها وتنهد قائلا

" شارفت الشمس على المغيب ووالدتي لم ترجع بعد ؟! "

وتابع ملوحاً بيده بضيق

" كيف تأمرنا بالعودة من حفل نادي الفروسية باكراً

وتتأخر هي ؟ أين مطر شاهين عن زو.... "

وبتر عبارته تلك ينظر مبتسماً كمن وقع في فخ للتي أصبحت

فجأة واقفة عند باب الغرفة الزجاج المدعم بالخشب تكتف

ذراعيها لصدرها وكم حمد الله أن نظراتها الباردة تلك والتي تنبئ

بانفجار وشيك يناقضها تماماً وكما يعرفها منذ صغره لم تكن

موجهة له بل لشخص آخر فنظر له أيضاً ولم يكن سوى رعد

والذي لم تترك له فرصة أساساً ليعلق أو يسأل وقد قالت بضيق

" هل أفهم لما تطلب مني أربع بطاقات دعوى ويحظر ثلاث نواب

الحفل فقط ؟ من كانت الرابعة من نصيبه ولم يكن هناك ؟ "

فوقف على طوله وقال ببرود

" أفهم من تعابير وجهك بأنك تعلمين الجواب لذلك لن نناقش هذا

هنا والآن يا غاسق "

وختم جملته تلك يشير بعينيه لما تفهمه جيداً وهو وجود ابنتها

لكنها تجاهلته قائلة بضيق

" إن كنت أريد دعوة تلك المرأة لدعوتها بنفسي "

وابتسمت بمكر لنظرة الصدمة التي ارتسمت في عينيه وهو ينقل

نظره منها لزوجته التي كانت تنظر له بصدمة أشد .. بل بما يشبه

عينا جثة مات صاحبها مذعوراً واستقر نظره على الواقفة عند

الباب ينظر لها بضيق بينما كانت هي ترمقه مبتسمة بسخرية

فهل تعاقبه بتلك الكذبة في وجود آستريا أم تتحداه بأن يذكر من

يكون الشخص الحقيقي وهو قاسم ولا تهتم ! لكنه قال ما ينجيه

من كل ذلك ينظر لعينيها بغضب

" غسق ليس هذا وقت المزاح السخيف .. ثم من غير اللائق أن

لا توجه له دعوة "
ففكت ذراعيها بقوة تشد على شفتيها قبل أن تقول مغادرة

" وما أروعك وهو يرمي دعوتك تلك جانباً ولم يحظر "

وغادرت والنظرات التي سيطر على أغلبها الاستغراب تحدق
بمكانها الخالي منها وحتى آستريا التي فهمت من باقي حديثهما

بأنها لم تكن امرأة ! عدا نظرات رعد الحانقة بالطبع بينما رماح

وحده من كان في وضع مختلف تماماً بل ومزاج تبدل للتسلية

فوراً وهو يخص بنظراته تلك شقيقه تحديداً وقال مبتسماً

بسخرية ما أن لمحه تنفس نفساٌ طويلاً غاضباً

" عليك أن تعذرها فهرموناتها السبب في هذا "

فنظر له بحدة بينما انتقلت نظرات الاستغراب في عيني الكاسر

وشقيقته له يحدقان فيه ببلاهة ..! وكان مصير نظرات آستريا

الأرض خجلاً قبل أن تغادر من هناك مسرعة ولحق هو بها

متمتماً بضيق

" عائلة فُقد فيها الأمل فعلاّ "

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 63 others like this.
رد مع اقتباس

  #12133 
قديم 10-06-19, 09:41 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

نظرت لنفسها للمرة الأخيرة في المرآة قبل أن تتوجه جهة باب

الغرفة ولا تفهم أبداً لما عليها أن تتعرف بأفراد عائلتهم خلال

العشاء ؟ هل التصقت بهذه العائلة عادات الإنجليز حتى أصبحوا

يتمسكون بها ! هي تستبعد ذلك تماماً لكنها لا تفهم حقاً ما هو

السبب الأساسي ؟
خرجت مغلفة الباب خلفها وقد اختارت أن ترتدي ملابس أقل كلفة

فاختارت تنورة من الشيفون هذه المرة أيضاً تضيق عند وركيها

وتتسع تباعاً نحو الأسفل ملامسة الأرض وبلورة مغلقة من

الحرير مع عقد من الورود البلورية الأنيقة وتركت شعرها

مفتوحاً .. ولن تختار بالطبع فستاناً كالإنجليز ولا بنطلوناً احتراماً

لذاك الرجل قبل ابنه الذي يتجاوز عمره عمر والدها إن كان حياً

فهي تشعر بالفعل بالرهبة اتجاهه وله هيبة مميزة تفرض عليك

احترامه .

وقفت مكانها ولم تتحرك خطوة من عند الباب تنظر باستغراب

للباب الأقرب لغرفتها في ذات الممر الطويل وإن كان يعد بعيداً
عنه أيضاً وللخارجين منه أحدهما سار في الاتجاه الآخر من فوره

قائلاً ببرود ويداه في جيبي بنطلون بدلته

" تحركي يا زيزفون فالرفض ممنوع "

بينما قالت التي خرجت خلفه تنظر ناحيته وبضيق

" لا أحد يملي عليا ما أريد وأفعل لا أنت ولا جدك ذاك "

لكن المعني بالأمر سار دون اكتراث لما تقول وكأنه واثق تماماً

من أنها ستنفذ أوامره !

مررت أصابعها في غرتها وابتسمت بإحراج ما أن نظرت تلك

العينان المشحونة بالحنق والاستياء ناحيتها وسرعان ما تبدلت

تلك النظرة للإستغراب ففهمت فوراً أنها لا تعلم بأنها هنا أو بأن

غرفتها تكون في هذا المكان فاقتربت منها بخطوات بطيئة قائلة

" آسفة لم يكن قصدي التطفل فقد خرجت قبلكما ... كيف أنت

اليوم يا زيزفون ؟ "

قالت جملتها الأخيرة تهديها إحدى ابتساماتها الرقيقة الرائعة

وهي تصل عندها وتقف أمامها بينما قالت المقابلة لها بملامح

اكتساها الهدوء فجأة وإن كان أخفى خلفه الكثير من البرود

" مرحبا ماريه ... أنت إذاً ضيفة العائلة ؟ "

ابتسمت أكثر وقالت تجمع يديها

" أجل وأتمنى أن يجعلك هذا تغيري رأيك في فكرة حظور

العشاء "

وتابعت دون أن تنتظر تعليقها الذي لم تتوقعه أساساً

" سأكون سعيدة بوجودك فأنا لا أعرف الأغلبية هنا تقريباً

والبعض التقيتهم مرة أو اثنتين فقط "

تحركت حينها من مكانها قائلة ببرود

" لا أرى ذاك شرفاً عظيماً وستندمين فيما بعد "

فضحكت بخفة وسارت بجانبها قائلة

" لا تخفين كرهك لهم مطلقاً ! ثمة الكثيرين في هذا العالم

يتمنون عائلة "

ابتسمت بسخرية وقالت تنظر لوجهتهما في بهو المنزل

الذي وصلاه

" والدان وأشقاء أجل ...ليس ثمة من يحلم بأطراف زائدة كتلك "

فاختارت الصمت ولم تناقشها في ذلك أكثر فلهجتها كانت تحمل

كرهاً عميقاً ظهر واضحاً في كلماتها بصورة أخافتها .. والسبب

الآخر أنهما كانتا بقرب باب غرفة الطعام حينها ولاحظت بأنها

تفضل أن لا تدخل أولاً لوقوفها المفاجئ ولم تفهم لما ولم تتساءل

بل دخلت هي وتركتها تدخل خلفها .. وكما توقعت كانت ثمة

عائلة كاملة تجلس حول تلك الطاولة الكبيرة المليئة بالأطعمة التي

ترتبها الخادمات فوقها وشعرت بتوترها يزداد ما أن اتجهت

الأنظار جميعها نحوهما .. بل تقريباً جميعها فثمة من لم ينظر

لتلك الجهة بتاتاً وكان وقاص الذي كان منشغلاً بوضع الطعام في

طبقه وقبل أن يبدأ الجميع وأولهم جده !

وفهمت حينها لما هذا العشاء فلا يبدو لها أن الجميع هناك سعيد

بوجوده في المكان وأن الأجواء متوترة لحد كبير ...! أي أن هذه

الأمسية هي الأقل إخراجاً لجعل ضيفتهم تلتقي بهم جميعهم

معاً ... ومما يعني أن هذه العائلة الصغيرة نسبياً لا تجمعهم أي

علاقات كما أي مكان في هذا القصر الواسع !.

نظرت للواقفة بجانبها لبرهة والتي احتفظت ملامحها بالجمود

والبرود التام قبل أن تنظر ناحيتهم وألقت التحية بأدب مبتسمة

فلا أحد منهم يبدو مستعداً لمصافحتها أو استقبالها !

أو هكذا هيء لها فقد وقفت والدة رواح رغم التقائهما سابقاً

وتبعتها على الفور والدة ضرار الجالسة بقربها تبعهما وقاص من

فوره .. وما شجعها على الإقتراب أكثر هو وقوف سلطان والذي

قال مبتسماً وهو يستدير حول كرسيه

" أنت إذا زوجة تيم ؟ هل يمتزج الماء والزيت بالفعل !! "

وضحك وتصافحا تنظر له محرجة الملامح كما الابتسامة الخفيفة

التي تزين شفتيها .. وما زاد الأمر رواح الذي وقف أيضاً رغم

رؤيته لها نهاراً وقال ضاحكاً

" صدِّق أن ذاك حدث فعلا ! "

فشدت أصابعها على كفه الكبير وقالت مبتسمة بإحراج

" سررت بلقائك سيدي "

فترك يدها وقال يلوح بيده جانباً وبابتسامة مداعبة

" لا تقولي هذه الكلمة .. لا تشعريني بأني عجوز فأنا لم يولد

لي أحفاد بعد "

فضحكت برقة ولم تعلق فهذا الرجل يبدو لا يختلف عن ابنه رواح

أو أن ذاك ورث هذا من والده دون إخوته ! وعليها أن لا

تستغرب هذا فإن لم يكن بهذه الطباع ما كان ليستطيع العيش مع

ثلاث نساء هو الرجل المشترك بينهم ..!

تبادلت السلام كما التحايا مع جميع من لم تلتقيهم هناك وإن كان

ثمة تحفظ واضح لاحظته جيداً من نجيب ووالدته .. ونظرات لم

تفهمها بل واستغربتها من المرأة الجالسة بجانب وقاص والتي

تبدو زوجته !!

وتذكرت على الفور حديث ساندرين عنها سابقاً والتي لم تخفي

كرهها لها بسبب ظنونها في الماضي بأنها تحاول استمالة

زوجها ... لكن ألم ترى خاتم الزواج الآن في يدها !

أم لم تسمع عبارة والد زوجها حين ناداها بزوجة تيم !!

أم لأنها تعلم بعلاقتها بساندرين وقرابتهما !!

هي لا تفهم فعلاً نظرة الكره والازدراء التي رأتها في عينيها !

جلست في الكرسي الذي سحبه لها وقاص بينما شكرته هامسة

بابتسامة وعاد للجلوس بجانب زوجته التي تابعت كل ما يجري

بنظراتها القوية فأصبح يفصلها عنها كرسي واحد شاغر مما زاد

توترها وتحفظها وكم تمنت أنّ وقاص لم يفعل ذلك والذي لا تراه

سوى من باب اللباقة والذوق بل وتراه ينظر لها كما لساندرين

كشقيقة صغرى له ولا تفهم طريقة تفكير هذه المرأة !

وكيف لها أن تتخيل بأن تفكر في النظر لغير ذاك الرجل

الذي تتنفس عشقاً له !

بينما كان يجلس عند رأس الطاولة الرجل الأكبر في العائلة وهو

ضرار على يساره وقاص ثم زوجته تليها هي وبجانبها أصبحت

تجلس والدة ضرار التي استبدلت مكانها السابق ويبدو من

أجلها ... بينما جلس على يمينه ابنه سلطان يليه رواح فوالدته

وزوجة والده وابنها نجيب وبجانبه زيزفون .

بدأت الملاعق والشوك كما الصحون بالتحرك ما أن رفع ضرار

ملعقته وقال رواح مبتسماً يضع قطعة لحم في طبقه

" ماريه ما أكثر شيء أعجبك في منزلنا المتواضع هذا

عدا وقاص بالطبع "

وختم جملته تلك بضحكة بينما عيناها كادت تخرج من مكانها

محدقة فيه بصدمة وحواسها جميعها تحركت ناحية الجالسة قربها

والتي كانت وكما توقعت تنظر ناحيتها ولها أن تتوقع نوع تلك

النظرات .. ولا تفهم ذاك المتهور تعمد قول ذلك ليغيض زوجة

شقيقه تلك أم كان الأمر مجرد مزاح عفوي بسبب سحب وقاص

الكرسي لها ؟ تحمحمت وبدأت بالأكل الذي لا تشعر بأنها تتذوق

منه شيئاً وكم حمدت الله أنه لم يعلق أحد على ما قال ... بينما

الأجواء كانت حينها أسوأ مما تظن فبينما كانت والدة رواح

ترمقه بضيق كان هو يأكل مستمتعاً وكأنه لم يتفوه بشيء !

وبينما كانت الابتسامة الساخرة لا تفارق شفتا نجيب الذي كان

ينظر لشقيقه بأنف مرفوع كانت الجالسة بجانبه تحرك الأرز

والسلطة في طبقها وكأنها تخلطهما ببعض ..! وبينما كانت جمانة

تضرب بطرف حذائها الأرض تحتها بعصبية كان وقاص يأكل

وكأن شيئاً لا يحدث حوله حاله حال جده .. بينما كان سلطان

يرمق بتهديد زوجته التي كانت تمسك ضحكتها بصعوبة في

الطرف الآخر تحاول شغل نفسه بطعامها أيضاً .... أجواء كانت

ستنقلب على رأس شخص واحد وفي أي لحظة وذاك ما فهمته

المعنية بالأمر سريعاً وهي ( جمانة ) فقررت أن تقلب هي الفكرة

تلك عليهم وعشائهم معه حين رفعت يدها ولامست بها يد الجالس

بجانبها ببطء والتي كان يريحها بجانب طبقه بينما يأكل بالأخرى

حتى التفت أصابعها حولها تنظر له مبتسمة ما أن نظر ناحيتها

بسرعة وقالت برقة استجلبتها بكل قوتها وبصوت تعمدت أن

يصل للأبعد بينهم هناك

" فلتفكر أي امرأة في الاقتراب منه فقط لأقتلها بأظافري "

وكان رد الفعل الأول من ماريه التي غصت باللقمة في فمها

وبدأت تحاول كتم سعالها الخفيف وأخذت كوب الماء سريعاً من

والدة ضرار الجالسة بجانبها تسمي بالله عليها بينما كتم رواح

ابتسامته بأصابعه نظره على شقيقه وقاص والذي كان ينظر للتي

لازالت تنظر له مبتسمة وأجبر شفتاه على رسم ابتسامة بطيئة

متشنجة وهو يهمس لها بما يضمن أن لا يسمعه أحد

" أبعدي يدك جمانة كي لا أحرجك وأمام الجميع "

فماتت ابتسامتها وأبعدت يدها ترسم ابتسامة جديدة تكمل بها

المشهد الذي خططت له بينما ماتت ابتسامته التمثيلية تلك أيضاً

ونظره ينحرف عنها نحو الجالسة هناك وهي زيزفون ومن لم

يكن يتوقع أن تكون بذاك الوضع تنظر له تحديداً ولم تتجاهله

وكل شيء حولها كالعادة ...!! كانت نظرة جامدة بجمود ملامحها

تحرك الشوكة أمام فمها فتحركت حدقتاه سريعاً نحو الجالس

بجانبها وهو نجيب وقد مال برأسه نحوها وهمس في أذنها بما

لم يسمعه أحد غيرها

( لا تعلني الهزيمة أمامهما يا فاتنة )

قبل أن تنتقل شفتاه لوجنتها وقبّلها مبتسماً وغرضه كما تعلمه

ويعلمه جيداً هو الذي وقف ورمى الملعقة من يده في الطرف

البعيد من الطاولة وغادر تتبعه نظرات زوجته التي وقفت أيضاً

ضاربة يديها على الطاولة بغضب وغادرت المكان خلفه تتبعها

ابتسامة نجيب الساخرة كما نظراته قبل أن يقف أيضاً وقال مغادراً

" أمسية طيبة للجميع "

وأتبع جملته تلك بضحكة عالية وهو يغادر غرفة الطعام فغرضه

قد تحقق كما يرى لتتبعه والدته التي وقفت متمتمة بما لم يفهمه

أحد وكان واضحاً بأنها ليست عبارات ودودة مطلقاً لتحدو

زيزفون حدوهما سريعاً بعدما رمت المنديل من يدها بإهمال وهي

تستدير مغادرة بينما تنقلت نظرات ماريه المستغربة بين البقية

وتمنت أن غادرت أيضاً لكنها لا تستطيع فعل ذلك وأكبر رجلين

في العائلة لازالا جالسين وهما ضرار وابنه .

وكادت أن تغص بريقها هذه المرة حين وقع نظرها على رواح

الذي غمز لها مبتسماً فأمسكت ابتسامتها بأصابعها وأنزلت رأسها

وشغلت نفسها بالطعام مجدداً بينما وقف هو ودار حول الطاولة

يحمل صحنه في يديه وجلس في الكرسي الذي كانت تجلس

جمانة عليه وهمس لها مبتسماً وهو ينحني نحوها قليلا

ً " ها قد خلصتك من أكبر مزعجين ( جمانة ونجيب)

وسنستمتع الآن بطعامنا "

ورفع أحد الأطباق قائلاً بابتسامة وهو يسكب لها منه

" تذوقي هذا فوالدتي تعده بنفسها ولن تذوقي مثيلاً له أبداً "

فابتسمت ورفعت طبقها له .. هذا المتهور المجنون لقد تسبب

وبعبارة واحدة منه في مغادرة نصف الموجودين !

والأغرب من كل ذلك أنه لم يعلق أحد من البقية المتبقية على ما

فعل بل ولم يتلقى أي عبارة توبيخ ولا من جده !!

*
*
*

فتحت عينيها ما أن وصلها صوت مناداته لها في نومها العميق

الغير مريح وابتعدت عن النافذة تتثاءب ونظرت حولها خارج

السيارة حيث تبدل كل ذاك الظلام لأضواء تتلألأ من بعيد بأعداد

كبيرة وكأنها نجوم ملونة تناثرت على الأرض !!

ونظرت له بجانبها فوراً وما أن قال ونظره على الطريق المتعرج

الذي ينزلانه بدورات قصيرة خطرة

" وصلنا الحميراء ... إنها المدينة المضيئة هناك "

فنظرت مجدداً حيث تلك الأضواء وهمست بذهول

" ظننتها أصغر من هكذا بكثير ! "

فقال ويداه تديران المقود بقوة مع حركة السيارة على

الطريق المتعرج

" كيف تكون أقل من هذا وهي إحدى المدن الكبرى في البلاد ؟

حتى أننا في أغادير كنا نأتي بالحافلات الصغيرة لمدارسها

ومعاهدها .. كما توجد فيها جامعة كبيرة للعلوم السياسية

والإقتصاديه وأخرى للطب هي الثانية في البلاد "

كانت تنظر له مستمعة لحديثه بصمت فلازالت تستشعر كآبة ما

في صوته وتجهماً واضحاً في ملامحه فهما لم يتبادلا أطراف

الحديث منذ غادرا ذاك المكان الذي تناولا فيه الطعام .. بل وادعت

النوم بعدها حتى أن كذبتها تلك تحققت بالفعل ونامت دون أن

تشعر بنفسها ولم تستفق إلا الآن على صوته ينادي بإسمها .

وما هي إلا لحظات وأصبحت سيارتهم تسير وسط شوارع المدينة

وعلمت حينها بالفعل عمّا كان يتحدث وهي ترى المحلات

التجارية والمطاعم والمقاهي على جانبي الطريق المزدحم

والمباني المتفاوتة بين البساطة والرقي العمراني نظراتها تتبع

بدهشة كل ما تراه أمامها فهذا العالم يختلف تماماً عن تلك القرى

الزراعية التي يعيشون فيها .

وبعد مسافة لابأس بها وسط ذاك الزحام الذي تنظمه الإشارات

الضوئية دخلت سيارتهم شارعاً طويلاً متفرعاً لمنازل كانت

جميعها عبارة عن فيلات وقصور صغيرة لم تكن تخفي الأضواء

داخلها ولا حولها شيئاً من تفاصيلها الرائعة ابتداء بأبوابها

الخارجية الكبيرة التي مزجت النحاس بالزجاج وأسوارها العالية

المغطاة بالنباتات وصولا لأبنيتها المرتفعة بطوابقها وشرفاتها

حتى وقفت سيارتهم عند إحداها بل وتراها أجملها وأكثرها

اتساعاً بثلاث طوابق مضاءة صعوداً وقال وهو يفتح بابه وينزل

" هيا انزلي لقد وصلنا "

فنظرت حولها قبل أن تفتح الباب وتنزل أيضاً يدها تمسح على

عباءتها السوداء بينما نظرها يتبعه وهو يدور حول السيارة

متجها للباب الضخم المغلق وتمسكت يداها بحزام حقيبتها وهي

تتبعه ونظرها يرتفع عالياً للمنزل القابع أمامها تعجز عن منع

نظراتها من التمعن في تفاصيلة الرائعة فإن كان هذا شكله من

الخارج فكيف سيكون داخله !

ولم يتأخر عنها الجواب كثيراً فما أن فتح لهما الحارس الباب

والذي تعرف على يمان سريعاً بل وتبادل معه أطراف الحديث

وهو يفتح لهما الباب حتى كانت أمام حديقة رغم صغر مساحتها

بالنسبة لذاك المنزل إلا أنها كانت من الجمال والترتيب أن جعلتها

تبحث عن ورقة صغيرة أو غصن ما على الممشى الحجري

المتسع وسطها ولم تجد شيئاً ولا حتى ذرات غبار !

فسارت تراقب ذاك الممشى بذهول حتى كانا عند المسبح الذي

تلألأت مياهه الصافية تحت الأنوار الموزعة في كل مكان

وارتفعت نظراتها له تشعر بأنها في أرض خارج بلادها

ولا تعرفها !

وما الذي تعرفه هي عن بلادها غير تلك القرية الزراعية أقصى

جنوبها والتي ولدت وعاشت فيها ولم تغادرها يوماً .

وقفت فجأة لوقوفه وانتقل نظرها من المسبح الذي أصبح خلفهما

تقريباً لباب المنزل القابع فوق عتبات رخامية نصف دائرية

أمامهما .. بل وواجهة زجاجية معتمة ممتدة بطول الجدار !

ليسرق نظرها مجدداً الذي فتح الباب ونزل العتبات من فوره

قائلاً بابتسامة

" كنت اشتريت هاتفاً يا رجل لعلمت بوقت وصولك "

وراقبته نظراتها الفضولية بدهشة فقد كان شاباً يبدو في عمر

يمان بملابس أنيقة للغاية .. بنطلون جينز أسود لم يكن يشبه أي

واحد رأته سابقاً ! وقميص أبيض بأزاز سوداء كما ياقته

وأطراف كميه أيضاً وحذاء رياضي شبابي أبيض بخطوط

سوداء ... كانت عيناه سوداء واسعة كلون شعره المصفف بعناية

ولحيته الخفيفة والمحددة بطريقة شبابية مميزة وبشرة بيضاء

فعلمت فوراً بأنه سيكون صديقه وزوج شقيقته الذي تحدث

عنه ... والذي ما أن اقترب منهما حتى تراجعت للخلف ونظرت

للأرض بينما تبادل هو ويمان حضناً رجولياً طويلاً أكد العلاقة

العميقة بينهما وضربت قبضته على ظهره وقال مبتسماً

" يا لك من خماصي متعجرف ... ألا تتواضع لنا مطلقاً يا ابن

الجنوب الجديد ؟ "

فابتعد عنه وقال يضرب على عضلة صدره بقبضته

" لما لا تحدد لي نسباً واحداً أكسر رأسك به ؟ "

فضحك وقال

" أتركنا على خماصة إذاً فلا مقدرة لي على الجنوبيين "

وقال وهو يحثه للدخول

" تفضلا هيا قبل أن تخرج لنا والدتي بنفسها "

وضحك عند آخر كلماته وهما يصعدان عتبات الباب فتبعتهما

بخطوات بطيئة لتترك مسافة بينهم .. وها قد علمت جزءاً من

شخصية زوج شقيقته تلك فهو يبدو كما قال عنهم مختلفون عن

أي فكرة قد يرسمها الناس لهم ! بل ويبدو شاباً مرحاً وليس

وسيماً وأنيقاً فقط !! .

وما أن أصبحوا في الداخل حتى فغرت فاها بدهشة لم تستطع

تمالكها وهي ترى ذاك الداخل العمراني للمنزل الذي أدهشها من

الخارج .. فلم يعد يمكنها تحديد ما صنع منه كل شيئ في ذاك

المكان وكأن الأرضية والجدران والأسقف جميعها من الرخام

تعكس لمعان أضواء الثريا الموزعة في سقفه المرتفع قد تدلت

قطعها الكريستالية كجواهر شفافة تجعلك تري صورتها في كل

جدار وأرضية وزاوية ...!!

مشهد ألهاها ليس فقط عن رؤية الأثاث والتحف الفاخرة

واللوحات التي زينت المكان بل والمرأة التي اقتربت منهما

مرحبة ولم يختاروا أن يفصلوهما ليدخل هو لمجلس الرجال بينما

تكون وحدها في الداخل !!

وهذا ما جعلها تستفيق من ذهولها وهي تنظر باستغراب للمرأة

التي كانت تلبس حجاباً وعباءة طويلة بأكمام طويلة أيضاً

ومطرزة بخيوط من الحرير من شدة جمالها وأناقتها كرهت ليس

عباءتها المطرزة البسيطة فقط بل والعباءة السوداء قديمة الطراز

التي كانت تلبسها فوقها .

هذه إذاً جوزاء شاهين الحالك المرأة التي لطالما سمعت عنها ولم

تراها ؟ المرأة التي تزوجت رجلاً من كبار عائلات صنوان في

معاهدة هدنة قديمة في أمل ميت لتوحيد قُطري البلاد وانتهى بهم

الأمر للطلاق عند أول خلاف بين صنوان والحالك وحُرمت من

زوجها وابنيها لترجع زوجة له ما أن توحدت البلاد أخيراً ...

المرأة التي رفضت من رجال الحالك أشهرهم وأعلاهم رفعة

ومكانة في قبائلهم بعد طلاقها لتبقى قصة عجيبة تتناقلها

الناس !! هي تستحق اسمها ونسبها بالفعل وفي أعلى خيالها لم

تكن تتوقعها هكذا !

ابتسمت محرجة ما أن حضنتها قائلة بابتسامة

" أنت زوجة يمان إذاً ! أنت أجمل من مخيلتي بكثير "

وضحكت وهي تبتعد عنها وتنظر لها قائلة بابتسامة

" متأكدة من أنك من الحالك ؟! "

فضحك أبان وقال

" ومن الجنوب أيضاً أمي "

فقال يمان حينها بهدوء

" مايرين والدتها إيرلندية وهي صحفية دخلت البلاد وقت الحرب

الأهلية وتعرفت بوالدها وتزوجته "

فنقلت نظرها منه لها وقالت بضحكة صغيرة

" هنا يكمن السر إذاً ؟ "

فابتسمت لها وأنزلت نظرها للأسفل لتحديقهم جميعهم بها

وشعرت بالحياء والخجل فهذه السيدة تبدو تعامل يمان كابنها

تماماً ! وإن كانا صديقي طفولة فلن تستغرب ذلك ، وما زاد

الأمر سوءاً أن ابنها أيضاً بقي واقفاً معهم وإن كان يقف بالجانب

الآخر ليمان ، ما تعلمه عن مدن الشمال أن حياتهم وعاداتهم

مختلفة عن الجنوب وحتى في حدود اختلاطهم برجال العائلة

فزوجة شقيق الزوجة كوضعها الآن لابأس في أن يلقي عليها

التحية أو يحادث زوجها بوجودها دون أن يكون بينهم جلسات

سمر بالطبع ... وأنه في وضع هذه المراة كوالدة لزوج شقيقته

ولأن ابنها في عمره يعد تبادل التحايا والحديث معها من واجب

الإحترام والتقدير عكسهم في الجنوب المرأة لا تتحدث إلا من

خلف الباب ولا يراها الرجال إلا وهي تعبر الشارع .. إذا ما

استثني العاملات كالممرضات والمدرسات وكذلك الأطباء

والمدرسين بل والبائعين أيضاً .

قالت جوزاء مبتسمة ويدها تلامس ذراعها بل وكأنها تقرأ

أفكارها تلك

" يمان في مرتبة أبان وغيهم بالنسبة لي بل وأعز

كما يمامة أيضاً "

وتابعت تنظر له مبتسمة

" وإن كان له شقيقة أخرى لما اخترت غيرها لابني الآخر .. بل

وإن كانت لي ابنة في سن مناسب للزواج ما تركته لامرأة

أخرى أبداً "

فلم تستطع منع نفسها من النظر لها بصدمة حينها وذاك ما

أشعرها بالغرق في ثيابها من الحياء حين ضحكت جوزاء وابتسم

يمان بينما قال أبان ضاحكاً

" أمي كدت تقتلين الفتاة من الصدمة "

وما أنقد الموقف أو ما زاده سوءاً فلم يعد يمكنها تحديد ذلك ؟

هو خروج يمان من صمته وقد نظر لها قائلاً بابتسامة

" ما كان لامرأة في الوجود أن تستحمل ظروفي وتقنع بي

وبها كمايرين "

فلم تستطع فعل شيء سوى الهرب من نظراته كما نظراتهم

جميعاً تنظر ليديها الممسكتان بحزام حقيبتها بقوة تشعر بأنفاسها

ستتوقف وبأنها قد تموت اللحظة .. وما أنقذها من كل ذلك هو

انتقال تلك الأنظار جميعها للفتاة التي ظهرت عند أعلى السلالم

النصف دائري والذي يربط طابقي المنزل يرتفع منه سياج ذهبي

أنيق وبعتبات رخامية تلمع تحته كالزجاج ... الفتاة ذات الفستان

الأنيق بلون الحناء طبعت عليه أزهار بيضاء كبيرة وجميلة

والذي لم يتجاوز طوله نصف ساقيها وبأكمام قصيرة لم تتجاوز

المرفقين زاده لون بشرتها البيضاء وشعرها الفاتح ..

الفتاة التي وقفت أعلاه تنظر ناحيتهم بصدمة سرعان ما تحولت

لدموع وقد همست شفتاها الرقيقتان

" يمان !! "

قبل أن تقفز عتباته صارخة ببكاء

" يمااااااان "

وقد واصلت ركضها في بهوه الواسع حتى ارتمت في حصنه

وما أن وصلته تبكي بنحيب موجع بينما طوقتها ذراعاه من فوره

ودفن وجهه ودموعه الصامتة أعلى رأسها منحنٍ له ..

شقيقته الوحيدة التي لم يراها منذ فترة كم يشعر بأنها طويلة

وموجعة ... شقيقته التي لم يفترق عنها يوماً واستَحمل كل ما

عاناه من أجل ذلك ... تلك الصغيرة الحزينة المكسورة التي كم

يراها تغيرت الآن فلم تعد ذاك الشبح الميت لفتاة دمر براءتها

كل شيء فلا ثيابها الأنيقة هذه تشبه تلك الثياب البالية الفقيرة

ولا وجهها الدائري الممتلئ وخداها المتوردان ينتميان لتلك الفتاة

النحيلة التعيسة سجينة جدران منزل والدها ... حتى جسدها

النحيل تغير عن السابق وامتلأ قليلا وتغير ... هذه هي الحياة

التي أرادها لها دائماً .. هذا ما كان يريدها أن تكون وأن تصبح

عليه لكن بوجوده .. بسببه .. ومعه لا أن ينقذها الغير من الجحيم

الذي لم يستطع هو يوماً أن يخرجها منه ويحقق ما عجز عنه

لأعوام وهي وصية والدته الوحيدة له قبل أن تموت ، لكن

من أين له أن يوفر لها كل هذا حتى إن أخرجها من هناك ؟ .

اشتدت أصابعها على قماش قميصه تحضن خصره بقوة

وقالت ببكاء

" لماذا تركتني ولم ترجع يا يمان ؟ كم اشتقت لك وأحتاجك "

فالتفت ذراعاه حول جسدها أكثر وهمس بصوت أجش لم يستطع

أن يخفي فيه بكائه الصامت

" سامحيني يا يمامة ... سامحيني يا شقيقتي فقد خذلتك بي لكنه

كان رغماً عني أقسم لك "

فتعلقت ذراعاها بخصره أكثر وحركت رأسها برفض دون أن

تتحدث فلم تترك لها عبراتها الموجعة والمتلاحقة المجال لذلك في

مشهد أبكى جوزاء التي كانت تمسح دموعها باستمرار كما بثينة

والواقفة تراقب من الأعلى دون أن يراها أحد .. وراقبتهم نظرات

أبان الحزينة رغم الابتسامة التي كانت تزين شفتيه بينما كان

وضع مايرين مختلف تماماً وعنهم جميعاً ..

فهي لم تجتز صدمتها بعد ولم تكن ملامحها تعبر عن أي شيء

غير ذلك فنظرات الدهشة من تلك الأحداق الخضراء لم تفارق

الجسد الصغير النحيل الذي تعلقت صاحبته بزوجها باكية ! أهذه

تكون شقيقته ؟! هذه الفتاة متزوجة وزوجها يكون هذا الشاب

المكتمل الرجولة !! من يشرح لها ما يحدث هنا ؟! هذه تبدو لم

تتجاوز الخامسة عشرة بل ولم تبلغها حتى ! هذه لا يمكن أن

تكون زوجة ولا امرأة ولا حتى خطيبة لذاك ولا لأي رجل

فكيف تكون زوجته !! .

كانت تحدق فيهما بذهول بينما أبعدها يمان عنه يمسح بطرف كم

قميصه عينيه ونظر لها وقال مبتسماً

" يكفي بكاء فأنا حي ولم أمت "
تعلقت عيناها به فوقها وهمست وسط شهقاتها المتلاحقة

" ظننتك مت فعلاً "

فخرجت منه ضحكة صغيرة ونظر للتي لامست يده ظهرها قائلاً

" هذه زوجتي يا يمامة ألن تسلمي عليها ؟ "

ابتسمت لها مايرين في رد فعل لا إرادي بينما راقبتها تلك

الأحداق الرمادية الواسعة باستغراب لبرهة قبل أن تنظر لشقيقها

مجدداً وقالت باستغراب تخلل ملامحها الحزينة الباكية

" تزوجت !! "
كان رد فعلها مفاجئاً للجميع بينما كان جوابه أن ابتسم وأومئ

برأسه إيجاباً فتغضن جبينها واقترب حاجباها البنيان الرقيقان

وتبدلت ملامحها للحزن وترقرقت عيناها بالدموع وقالت ما لم

يتوقعه أو ينتظره أحد

" لكنك وعدني سابقاً أن أحضر حفل زفافك ؟ "

فامتدت يداه لها وحضنها مجدداً وقبّل رأسها يشعر بالعالم بأكمله

يضيق في عينيه فهو سبق ووعدها بذلك بالفعل حين كانت

تترجاه باكية أن يتحدث مع والدها يتركها تحضر حفلات الزفاف

مع زوجته ولم يكن له أي حيلة في ذلك فهو يعلم سلفاً جوابه

وهو الرفض التام فوعدها بأن تحظر حفل زفافه وترتب له

بنفسها بل وتختار من ستكون زوجة له لكن تلك الوعود جميعها

تبخرت كسابقاتها فلم يكن لزواجه حفلاً من أساسه ولم يختر ولا

هو زوجته ولا يعرف ما يقول لها وبما يجيب ؟.

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 62 others like this.
رد مع اقتباس

  #12134 
قديم 10-06-19, 09:43 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

رفعت قدميها مع جسدها فوق الأريكة واتكأت بذقنها على راحة

يدها تسند مرفقها بطرفها المرتفع جانباً وتنهدت بعمق تراقب

عيناها شاشة التلفاز أمامها فبالرغم من أنها شاهدت هذا بالأمس

إلا أنها لم تستطع منع نفسها من مشاهدته مجدداً هذا الصباح

فهي ومنذ أعوام تدمن مشاهدة قنوات وأخبار بلادها هناك والذي

لا تراه سوى في تلك الشاشة التي لا تروي من حبها وشوقها له

شيئاً ... والآن تحديداً ها هو احتفال افتتاح أعلى برج فيها وأكبر

مشروع خيري فيه بعد مملكة الغسق وتتوقع أن يكون الأول في

العالم العربي كاملاً والمسمى ( برج القمة ) فقد انصب اهتمام

القنوات الإخبارية ليس على عرضه كمشروع خيري فقط بل

وكحفل احتضن شخصيات مهمة في البلاد إن كان من بعض

الوزراء كوزير الصحة والتعليم والثقافة أو نواب في البرلمان ..

لكن ما احتل رأس القائمة وقد سرق الأضواء سريعاً هو وجود

مطر شاهين ... لا بل ليس هو بشكل خاص فذاك اقتصر حضوره

على آلات تصوير الصحفيين عند بداية الاحتفال واختفى باختفاء

زوجته منه أما القنوات التلفزيونية التي سُمح لها بالتواجد لاحقاً

فقط وبأوامر صارمة فثمة ما اجتذبهم كالنحل للعسل وهو زوج

شقيقته الوحيدة ورجل الأعمال المعروف والذي يكون أحد رؤساء

مجلس إدارة ذاك البرج وبرفقته ابنه الأكبر والذي تراه وللمرة

الأولى بالزي الرسمي .. بالبذلة السوداء والقميص الناصع

البياض وربطة العنق التي عكست لون شعره البني وعيناه

الواسعة في أناقة وطريقة وقوف وهو يدس يده في جيب بنطلونه

مثلت بالفعل انتمائه لذاك المجتمع الراقي المرفه .. وبالرغم من

كل تلك القنوات وآلات التصوير الموجهة نحوهما إلا أنه لم يكن

ينظر ناحيتها مطلقاً وكأنه اعتاد على هذا وألفه ! ليظهر بمظهر

وثقة وطريقة وقوف ينافس بها نجوم السينما والتلفاز ! .

أدارت عينيها بعدها وتنفست بعمق متمتمة

" أعانك الله على قلبك يا كنانة "

" كنانة !! "

التفتت برأسها فقط للواقفة خلفها والتي قالت بضيق

"ما الذي قلته للرجل جعلة يلغي حفل الزفاف الذي سيقام هنا؟ "

حدقت فيها بصدمة وصمت عجزت معه حتى عن التحدث ... رائع

هذا خبر جديد ومفاجأة أخرى هي آخر من يعلم بها ! بأي حق

يلغي حفل الزفاف الذي تريده هي وطلبته ؟! بل والشيء الوحيد

الذي طالبت به بما أنه لا حفل زفاف هناك إلا بعد وقت لم تفهمه !

ولما قراراتها هي وحدها ما يتم إلغائها ودون علمها أما ما تقوله

وتقرره والدته لا يقبل النقاش ولا التغيير ؟ كما يبدو أن والدتها

كانت في مكالمة هاتفية مطولة مع والدته ليزفوا لها هذا الخبر

الرائع .

نجحت وببراعة في إخفائها ضيقها واستيائها بل وغضبها

المكبوت وعادت لجلستها السابقة متمتمة ببرود

" لم أقل له شيئاً ولا علم لي بهذا "

قالت الواقفة خلفها تمسك خصرها الممتلئ بيديها

" ومن قال وعلم إذاً ؟ كيف تغادرين من هنا دون حفل زفاف

يجتمع فيه الأصدقاء والعائلة ولتلبسي على الأقل فستان الزفاف

كغيرك من الفتيات ..؟ أنت لست أرملة ولا مطلقة

تتزوجين هكذا "

فتنهدت بصمت ولم تعلق بينما قالت التي تبدو لم تهتم لذلك

" كيف يلغي الحفل هكذا وبدون سبب ؟ "

فلوحت بكفها بجانب وجهها وقالت دون أن تنظر لها خلفها

" هذا السؤال توجهينه له أمي وليس لي فأنا لا أعلم شيئاً

عن هذا "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" لا تعلمين كيف يا كنانة ! ألا تتحدثان مثلا ؟ "

رفعت عينيها للأعلى وتنفست نفساً طويلاً متضايقاً قبل أن

تتمتم باختصار

" لا "

بينما حدقت الواقفة خلفها في قفاها باستغراب قبل أن تقول

" ولما لا وهذا ما يفعله جميع المخطوبين ؟

فكيف بالمتزوجين ! "

فأمالت رأسها قليلاً ناحيتها وقالت تحرك يدها بضيق

" أمي هو كان هنا من فترة قريبة نتحدث عن ماذا مثلاً ؟ "

قالت تلك ومن فورها وبضيق مماثل

" عن كل ما يقوله من في مثل وضعكما تنتظركما حياة تخططان

لها بالطبع "

عادت بوجهها للأمام وابتسمت بمرارة .. تخطط !! تخطط معه

لماذا وفي ماذا وهي المهمشة المهملة ومنذ البداية ؟ بل وما من

داع ليكلف نفسه بذلك فثمة من يخطط ويقرر عنهما معاً ، رفعت

جهاز التحكم ووجهته جهة التلفاز وأغلقته قائلة بجمود

" لم نتحدث ولا يعنيني شيء من كل هذا "

قالتها كاذبة تخفي بها ألماً جديداً يسببه لقلبها فهي وبالرغم من

كل شيء تشعر بالمهانة لتجاهله لها هكذا ولا تفهم أي نوع من

العقاب هذا ! ثم عليها أن تتلقى وحدها نيران غضب والدتها

واحتجاجها بينما هي أكيدة من أنها لم تقل من هذا شيئاً لوالدته

وكل ما قالته لها ( حسناً ... لا بأس .... ولا مشكلة في هذا )

بينما تسمع هي كل عبارات الرفض الغاضب ورأيها الحقيقي

في الأمر .

قالت الواقفة خلفها ودون تردد

" تحدثي معه إذاً واسأليه فهو لم يخبر والدته عن السبب "

فرمت الجهاز من يدها ووقفت تنظرت لها بصدمة قائلة

" أتحدث معه !! "

قالت من فورها وبحزم

" أجل فأنت زوجته وأكثر من يحق لها مناقشة هذا معه "

رمت يدها جانباً قائلة برفض غاضب

" لا أمي عذراً لن أفعلها وأستمع لأسباب أعلم جيداً بأنه لن

يغيرها أو يتراجع عنها "

فحدقت فيها بذهول قبل أن تقول مندفعة

" كنانة هل أفهم ما بكما ! هل تشاجرتما قبل مغادرته

من هنا ؟! "

فبادلتها النظرة بواحدة مشابهة لها ... يا إلهي هذا ما كان

ينقصها الآن ! وتعرف والدتها جيداً إن لبست ثوب المحقق فلن

تنزعه حتى تثبت شكوكها إن كانت موجودة أم لا ... قالت

برفض قاطع

" لم نتشاجر أمي "

فقالت التي تبدو لم تقتنع بذلك

" إذاً لما لا تتحدثا وترفضين التحدث معه ؟ "

فأبعدت نظرها وشتتته عنها قبل أن تنظر لها مجدداً قائلة

" أنت تعرفين طبيعة عمله وحياتهم وتجاراتهم فلن يجلس هكذا

لا شيء لديه سوى التحدث معي ... وأنا أتفهم هذا "

وكذبت مجدداً تظهر عكس ما يشتعل به قلبها فلن تستطيع نكران

ذلك في نفسها وبأن طرق تجاهله القاسية لها هكذا تسبب لها من

الألم الكثير .. ولن تتوقع غير ذلك بعد الحديث الأخير بينهما قبل

مغادرته ، وكم ودت لو قالت لها ( لا تهتمي كثيراً بالأمور التي

يراها أمثالهم صغيرة أمي فهم لا يعيرونها اهتماماً ) لكنها لا

تستطيع قول ذلك ولا كل ما تشعر به في داخلها لأنه ثمة أمور

على عائلتها أن لا تعلم بها لتبقى سجينة قلبها حتى تقتلها ،

وليس ذاك السبب الوحيد في ذلك بل ولأن الواقفة أمامها تفصلها

الأريكة الواسعة عنها كانت قد غادرت دون أن تعلق على ما قالت

وكم حمدت الله على ذلك لأنها باستجوابها ذاك كانت ستوصلها

لنقطة الإنهيار بالتأكيد وتنفجر بكل ما تكبته ولا تستطيع قوله .

تأففت نفساً طويلاً شعرت به خرج من أعماق روحها وغادرت

المكان أيضاً ووجهتها غرفتها التي أغلقت بابها خلفها بقوة

وتوجهت جهة هاتفها رفعته وجلست على حافة السرير تقلب في

قائمة الأسماء فيه ... لن تتصل به ولن تفعلها وإن قام بإلغاء

حياتها بأكملها وليس حفلاً لن يُنقص في أموالهم الطائلة شيئاً ،

وقفت عند اسم ساندرين واتصلت بها ... هي بحاجة للتحدث مع

أحدهم بالفعل وعن أي شيء ولا تعلم لما اختارت تحديداً تلك

السليطة اللسان ! ويبدو بأنها تبحث فقط عمن يعيش تعاسة

كتعاستها ويفهم ما تشعر به وإن لم تتحدث عنه .

"ماذا تريدين ؟ "

كان سؤالها سريعاً وما أن فتحت الخط بل وبنبرة باردة كالجليد

فتنهدت بأسى قائلة

" اسمي هو كنانة قيس كنعان وأقسم بأنه ليس كنانة ضرار

السلطان فلا تنفثي نيران غضبك بي ساندي أرجوك يكفيني

ما بي "

قالت من في الطرف الآخر من فورها وبنبرة حادة

" ولأني أعلم بأنه ثمة ما بك سبقتك كي لا تنفثي أنت نيران

غضبك بي "

وتابعت بعدها وقد تغيرت نبرتها للحنق فجأة

" لا أفهم ما بنا تعيستان هكذا ؟ "

فتنهدت مجدداً هامسة بأسى

" أتظنين أنه ثمة لعنة ما أصابتنا ! "

وحدقت بصدمة ما أن هاجمها ذاك الصوت الحاد الذي خرج من

هاتفها لأذنها مباشرة

" لا توجد لعنة في الحياة كالهازانيين إن دخلوا حياتك أحالوها

لجحيم "

فتجاهلت أنها منهم في مواجهة هجومها الذي لا تكترث فيه لها

كالعادة وقالت بسخط

" لكن لعنتي ليس للهازان علاقة بها "

وكان جوابها سريعاً بل وأقسى من سابقه وهي تقول مندفعة

" أنت منهم إذاً فأنت ملعونة لا تحتاجين لمن يسقط بلعنته عليك "

فتنهدت بضيق وقالت

" ساندي بالله عليك لا تُحملي ثلث شعب كامل نتائج أفعال

شخص واحد منهم بك "

فقالت من فورها وبضيق

" بلى جميعهم هكذا والقصص تتحدث والتاريخ يؤكد ذلك ويبدو

من وضعك المزري أن رجال صنوان مثلهم ... "

وتبدلت نبرتها للإستياء الساخط وهي تتابع

" الحالك وحدهم المختلفون على ما يبدو والدليل أمامي في

والدي .. لو أننا تزوجنا منهم لعشنا السعادة ما حيينا مع رجل

يغدقك بالدلال وينفذ جميع طلباتك ويبقى وفياً لك للأبد "

أدارت عينيها جانباً وتمتمت ببرود

" ووالدي كما تصفين تماماً "

وكما توقعت قالت ومن فورها

" مستحيل لن أصدق وإن رأيت بعيناي بما أنه من الهازان "

ففردت كفها جانباً وكأنها تراها وقالت

" عليك أن تصدقي ساندي فذاك ما أراه بعيناي "

فقالت ومن فورها

" ثمة دماء ما مختلطة في نسل والدك إذاً فلن يستحمل حروب

والدتك مع الجراثيم سوى رجل بقلب من فولاذ "

فرفعت رأسها وتأففت بصوت واضح قبل أن تقول بضيق

" لما لا تستوعبي بأن صراحتك تكون جارحة ومؤذية

أحياناً ساندي "

وصلها صوتها الحاد سريعاً

" تفضلين المجاملات والنفاق مثلاً ؟!

عذراً صديقتي لا يمكنني أن أكون كذلك "

وكما توقعت فالاعتذار من شفتي تلك الفتاة عما تتفوه به دون

رقيب ولا رادع أمر من الخيال فقالت تغير مجرى الحديث بأكمله

" ترى ما وضع ماريه ؟ تبدو الأفضل حالاً بيننا "

فقابلت حديثها ذاك بضحكة ساخرة قصيرة قبل أن يصلها صوتها

الساخر أيضاً

" أفضل حالاً منا !! كنت لأستبدل ابن عمتك الفاشل ذاك بأي رجل

في الوجود عدا ابن خاله البارد المتعجرف الذي لست أفهم ما

يعجب تلك الغبية به غير وسامته التي لا تنفع المرأة في شيء "

قالت ببرود تتعمد تذكيرها بوضعها

" يكفي أنها تحبه ويمكنها الوثوق به أليس كذلك ؟ "

وكما توقعت هاجمتها فوراً

" ستري بعينيك ما سيفعله بها كتلة الغرور ذاك وقولي ساندرين

قالت ... وأنت مثلها يا أم ثقة "

فتأففت وقالت

" اتركينا من الحديث عن كل ذلك ولنخرج معاً .. أحتاج ليوم من

ايامنا الرائعة تلك التي كنا لا نحمل فيها هماً سوى متعتنا "

فابتسمت وكما توقعت وتعلم عن شخصيتها قد قالت من فورها

" لا مانع لدي مطلقاً "
لكن تلك الابتسامة سرعان ما ماتت واختفت ما أن تابعت تلك

بتهديد

" لكن تذكري فقط بأنه إن التقينا بابن عمتك مصادفة كما تقولان

دائماً فلن أخرج معك ما حييت "

فتأففت بضيق وقالت

" سنلغي الفكرة إذاً فأنا لست على استعداد لاستحمال نيران

غضبك إن حدث والتقيناه بالفعل لأني صدقاً لا أعلم كيف يعلم

عن مكاننا ويظهر لنا هكذا فجأة ! "

وصلها صوتها قائلة بلا مبالاة

" حسناً كما تشائين فأنا أساساً لدي رحلة تنظمها منظمة الإغاثة

التي أعمل فيها سأتجهز لها وأذهب وأترك كل شيء ورائي

وأستمتع بالفعل هذه المرة "

وأنهت الاتصال معها مودعة لها وكأنها هي من اتصلت بها

وليس العكس !

نظرت للهاتف في يدها بحنق قبل أن ترميه على السرير ووقفت

وتوجهت نحو الخزانة تخرج ثيابها منها فستخرج لوحدها ليست

بحاجة لتلك المزعجة .

*
*
*

نزلت عتبات الباب الرخامية تنظر للساعة في يدها ...

محاضرتها تبدأ عند التاسعة وهي خرجت باكراً لأنها لا تريد أن

ينتظرها السائق كثيراً ويبدو أنها هي من ستنتظره ولا تعلم أي

وسيلة اتصال به وأين تجده مثلا ؟

تحركت خطواتها نحو صوت خرير المياه الواضح والذي كان

يقترب أكثر كلما تغلغلت بين أحواض الحديقة المنسقة حتى

وصلت النافورة الحجرية الضخمة وسبب كل تلك الأصوات

الرائعة المتداخلة مع غناء العصافير الصغيرة حول الأشجار

الموزعة في المكان بتناسق .. لكن ما جعل خطواتها تتوقف

حينها ليس كل ذاك المشهد الرائع بل الجالسة فوق أحد المقاعد

الحجرية الموزعة بشكل دائري قرب نافورة المياه تمسك دفتراً

وقلماً في يدها ومنشغلة تماماً فيما تخطه فوق تلك الورقة

البيضاء الكبيرة فابتسمت لا شعورياً ولا تفهم فعلاً المشاعر التي

تنتابها كلما رأت هذه الفتاة ...؟ هي تصغرها بعام واحد لكنها

تشعرها دائماً بأنها أكبر منها بكثير ....!

شخصيتها نظرتها ذكائها طريقة تفكيرها وحديثها بل وجميع

تصرفاتها وإيماءاتها تجعلك ترى فيها امرأة قوية ذكية مدهشة

وفي كل شيء فكيف إن أضفت له سحر جاذبيتها الرائع وحسن

ملامحها الخماصية الشقراء ...!! إنها الصورة الحية للمرأة التي

كانت تراها تناسب تيم شاهر كنعان قبل أن تُشوش تلك الصور

بسبب حديثهما الأخير وهو يعترف بأن انسجامه مع امرأة مثلها

ضرب من الخيال ..!!

ابتسمت محرجة ما أن رفعت الجالسة هناك رأسها ونظرت جهتها

فاقتربت منها قائلة

" آسفة إن كنت أزعجت خلوتك ... لقد اجتذبني صوت المياه "

وجلست بجوارها ما أن وصلت ولم تنتظر منها تعليقاً فقد باتت

تفهم نوع شخصيتها جيداً .. إنها تشبه التمثال الفرعوني الموجود

لديها كما يسميه رواح ، قالت تنظر للنافورة أمامها

" غريب أن تكون مثل هذه النافورة الرائعة الجمال هنا وليست

قرب مدخل المنزل ! "

فقالت التي لازالت منشغلة بما تفعل

" الناس هنا تفكيرهم مختلف عنا ... هم صمموا هذا خصيصاً

لتكون مقابلة للشرفة الواسعة لغرفة الشاي ليقابلهم هذا المنظر

وهم يحتسونه صباحاً لا أن يستعرضوها للداخلين للمكان "

فضحكت برقة ورفعت كتفيها قائلة

" معك حق تفكيرهم يختلف عنا لكنها تحفة فنية تستحق بالفعل

أن يراها من يزورهم "

وتابعت من فورها وبدهشة ما أن وقع نظرها على الخطوط غير

المكتملة في دفترها

" ترسمين يا زيزفون ؟ لم أكن أتوقع أنه لديك موهبة رائعة

كهذه ! "

فطال صمتها قبل أن يخرج صوتها في تمتمة باردة

" أنا لا اراها موهبة "

فحدقت فيها بدهشة وقالت تشير بسبابتها لورقة دفترها تلك والتي

لازالت تستقر في حجرها

" هي كذلك بالفعل ...انظري كم تبدعين في تصوير النافورة... "

وانقطعت كلماتها وهي تشير بإصبعها لمنتصف الرسمة الناقصة

" لكن لما هذا الخط هنا !! "

فأغلقت الدفتر حينها ووضعت يديها عليه وحدقت في النافورة

قائلة

" لأني ألغيت الرسمة ... لم أعد أريد متابعتها "

فهمست بذهول

" ولكن لما ....!! "

وسرعان ما تبدلت ملامحها للفضول قائلة تنظر لنصف وجهها

المقابل لها

" هل ترسمين صوراً لأشخاص ؟ هل يمكنني رؤية ذلك ؟ "

فنظرت للجانب البعيد فاختفت جميع ملامحها عنها بذلك ووصلها

صوتها الجامد جمود أحجار تلك النافورة

" لم تعد هناك ... لقد اتلفت "

فحدقت فيها باستغراب قبل أن تهمس

" ما.... "

وبلعت كلماتها مع سحبها لأنفاسها بعمق وفضلت الصمت وأن لا

تتحدث في الامر الذي بدا واضحاً أنه يزعجها الحديث فيه وتنقلت

نظراتها في تفاصيل الحديقة الجميلة والأزهار الملونة وقالت بعد

صمت شعرت بأنه كان طويلاً بالنسبة لشخصيتها العفوية وإن

كانت واثقة من أن الجالسة بجوارها على العكس تماماً

" زيزفون هل أسألك عن أمر ؟ "

وما أن أدارت وجهها ناحيتها ونظرت لعينيها قالت دون أن تنتظر

إذناً لفظياً منها

" أتري أننا كبشر ننسجم مع من لا يشبهوننا ...؟ في شخصياتنا

أعني ؟ "

فارتسمت على شفتيها ابتسامة جانبية قبل أن تقول

" أنت وزوجك تقصدين ؟ "

ابتسمت محرجة فلم تتخيل أن تربط الامور هكذا ! أم أن حديث

عمها البارحة السبب ؟ نظرت لحركة قدميها على الأرض

" حسناً يمكننا اعتبار ذلك كمثال "

فقالت مباشرة وببرود تبعد نظرها عنها لدفترها المغلق

" أنا أرى بأنه ليس لامرأة في الوجود أن تنسجم معه "

فحدقت فيها من فورها وبصدمة قبل أن تقول بضحكة

" لما جميع الآراء سلبية ناحيته ؟ "

نظرت لعينيها وقالت بابتسامة جانبية

" لو استطاع الجميع رؤيته بعينيك لاختلف الأمر بالتأكيد "

فحدقت فيها بصمت بينما تابعت هي تبعد نظرها عنها للنافورة

أمامها متمتمة بجمود

" وهو يعي ذلك جيداً ولا أراه يهتم للأخرين ولرأيهم "

تنهدت بعمق ونظرت حيث باتت تنظر هي وقالت بهدوء حزين "

هو يحتاج فقط لمن يفهمه ... أنا لا أفهم فقط معنى اختلافاتنا ...

الأمر معقد كما يبدوا لي ! "

حركت كتفيها وقالت ولازالت تنظر للقطرات المتطايرة من

رذاذ الماء

" هي ليست بالمعادلة المعقدة ... أنت ببساطة فتاة رقيقة لا تحمل

تعقيدات الحياة ولا تتحملها بينما زوجك رجل استقلالي وقوي
قادر على حمايتك مما تعجزين أنت عن مواجهته وهنا

يكمن السر "

نظرت لها باستغراب لبرهة قبل أن تقول

" تقصدين أنه لا يحتاج لامرأة استقلالية يمكنها حماية نفسها

بعيداً عن الاعتماد عليه ؟! "

وتابعت من فورها وما أن نظرت لها تلك الأحداق الزرقاء

المستديرة

" إذاً بهذا تكونين أنت آخر امرأة قد تستطيع إرضاء غروره؟! "

فنظرت لها بصمت قبل أن تحرك شفتيها متمتمة ببرود

" نحن نتحدث عنكما وليس عني "

فابتسمت قائلة

" حسناً أنت اتخذتني كمثال وأنا أفعل ذلك معك أيضاً "

ولم تستغرب أن أبعدت نظرها للبعيد دون أن تعلق على ما قالت

فابتسمت وقالت تنظر لملامحها الشاردة في الفراغ

" وبهذا فأنت تحتاجين لرجل يغدقك برقته وحنانه وليس لرجل

يبحث عن امرأة تحتاج لحمايته والاعتماد عليه ؟ "

وفاجأتها بالقسوة التي بدت واضحة على ملامحها وقالت بجدية

ولم تنظر لها

" بل أنا لا أحتاج الرجال بجميع أنواعهم ولا أريدهم "

فحدقت في ملامحها باستغراب قبل أن تنظر لمياه النافورة بحزن

وقالت

" لهذا أرى أن زوجك ذاك لا يناسبك تماماً "

" أسمع أحدهم هنا يسيء الحديث عني "

انتفضت واقفة تنظر بصدمة للذي خرج من خلفها ينظر لها

مبتسماً بسخرية ولم تستطع قول شيء ولا مجال لذلك فقد تابع

يشملها بنظراته المستنقصة

" ولن أستغرب هذا من واحدة زوجة لذاك المغرور المتشدق "

" نجيب ...!! "

كان التعليق من زيزفون التي وقفت تنظر له بضيق فتحركت

حينها ماريه مبتعدة بعد أن قالت بصوت منخفض

" بعد إذنكما ... "

وما أن ابتعدت خطواتها حتى اختفت عنهما نظر لها وقال بضيق

" توقفي عن النظر لي بتلك الطريقة وكأني ابنك فهي من أساء

لي أولاً وكان عليك إسكاتها لا إسكاتي "

قالت من فورها وبضيق مماثل

" لو أنك سمعت حديثها من أوله لعلمت بأن الأمر لم يكن كما

فهمته فحديثها كان عني وعنها لا عنك ... ثم هي ضيفتكم في

جميع الأحوال "
تأفف وقال يدس يديه في جيبي بنطلونه الجينز

" اتركينا من تلك الطفلة الآن وأخبريني أين هو خالك ؟ "

ففردت ذراعيها ويديها وقالت بحنق

" وما يدريني عنه أين يكون وأنا سجينة هنا ؟ "

فحرك مرفقيه ويديه لا زالتا سجينتا جيبيه وقال بضيق

" لقد غير مكان سكنه ولا يجيب على هاتفه كما أنه لم يغادر

إنجلترا ! فما خطبه وما الذي تحدثتما عنه في الحفلة جعله

يختفي هكذا فجأة ؟! "

تنفست بقوة دون أن تبعد نظرها عنه متمتمة ببرود تخفي به

التوجس الذي غرسه فيها

" لا أعلم ولست أهتم وما تحدثنا عنه هو ما سبق وأخبرتك به "

فتمتم أيضاً ينظر لها بشك

" لست مقتنعاً "

فأدارت وجهها جانباً هامسة

" ليست مشكلتي "
فضيق عينيه ينظر لها بتفكير قبل أن يستدير هامساً بجمود

" سأعلم بطريقتي إذاً ما تخفيانه أنتما الإثنين "

وغادر من فوره بخطوات ثقيلة واسعة فتأففت وحملت دفترها عن

الكرسي بعنف ولم تهتم للقلم الذي سقط منه على الأرض

وتحركت مغادرة من هناك أيضاً وبخطوات غاضبة سرعان ما

توقفت وبشكل مفاجئ بسبب التي ظهرت أمامها فجأة معترضة

طريقها بشكل متعمد وتبادلتا نظرة متشابهة في القوة كما

الشراسة والاستعداد للهجوم بينما كانت جمانة من تحدثت أولا

قائلة بحدة

" هل أفهم ما الذي تفعلينه هنا كل صباح ؟ "

*
*
*

مسحت بالمنشفة سطح الطاولة اللامعة بانسجام تدندن لحناً خافتاً

وبحركات خفيفة راقصة بينما تحمل في يدها الأخرى المزهرية

الخزفية الجميلة التي كانت تستقر بنعومة عليها ، وما أن رفعت

نظرها للمرآة المعلقة فوقها تأخذ شكلاً دائريا بحواف مائلة قابلها

فيها وجهها وعيناها ذات الرموش البارزة بوضوح فهي كانت

تلف شعرها بمنديل خاص يغطيه من الأمام بينما ينزل ذاك الشعر

الأسود على ظهرها منساباً من الخلف وخصلات منه ترتاح

بنعومة على كتفيها فابتسمت لنفسها تراقب البروز الخفيف في

شفتها العلوية وهو يزداد جمالاً غريباً بابتسامتها وأهدت نفسها

قبلة هامسة بابتسامة

" صباح الخير حلوتي دانيا "

وضحكت من فورها ونظرت للمزهرية التي أعادتها مكانها

ومسحت حواف الطاولة التي كانت تحتل المساحة الصغيرة قرب

باب الشقة .. وما أن وصلت الدرج أعلاها لفت انتباهها انه من

النوع الذي يحتاج مفتاحاً لفتحه .. غرزت أسنانها في شفتها

السفلى في محاولة لإخماد ثورة فضولها فما قد يكون موجوداً فيه

ويحتاج أن يوصد لأجله ؟ لا تستطع نكران أن كل ما فيها

يدعوها وبقوة لفتحه .. حسناً وما في الأمر فهي لم تفتح درجاً

ولا باباً منذ أصبحت هنا ... وابتسمت بحمق فمنذ متى هي هنا

وكلها يوم وليلتان !! لكنه لم يمنعها أو يحذرها من هذا أليس

كذلك ؟ ثم هنا ليست غرفته ولا مكتبه هذه مجرد طاولة قرب باب

الشقة مهملة لا أهمية لها سوى لتعليق المفاتيح التي لا تراه

يستعين بها من أجل فعل ذلك ... وبما أنه غادر قبل قليل قاصداً

شركته فلن يشهد أحد محاولاتها الفاشلة هذه .

وتحت ضغط تلك الافكار كانت تمرر عليه المنشفة مراراً وتكراراً

وبمبالغة وكأنها ستزيل قشرته الخشبية اللامعة تلك ..! وخرجت

ضحكتها وهي تسحبه من مقبضه نحو الخارج قائلة

" حسناً لا فائدة من المقاومة .. ثم هو سيكون موصداً على

كل حال .. "

لكن ويا للمفاجأة .. بل الصدمة التي زحفت سريعاً لملامحها فقد

انسحب معها بسلاسة وكأنه يرحب بها لتكشف عن أسراره ! بل

وكأنه لم يصدق أن يجد من يجبره على البوح بها من شدة ما

أثقله الكتمان طويلاً ..!!

وما إن نظرت لداخل الدرج المفتوح والذي كان عرضه بعرض

الطاولة النصف دائرية حتى غضنت جبينها باستغراب فكل ما كان

يحويه صورة فوتوغرافية مقلوبة وورقة بيضاء ملفوفة فقط لا

غير ...!!

فرفعت يدها وفركت أصابعها ببعضها في الهواء وكأنها

تستشيرها تفعلها أم لا ؟ تفعلها أم لا ؟ حسناً .. فات أوان التعقل

الآن فقد أغمضت عينيها ومدت يدها نحو الصورة سريعاً

وأخرجتها وقلبتها ونظرت لها بعينين اتسعت تدريجياً أو للرجل

الموجود فيها ... غضنت جبينها تنظر لملامحه بتمعن .. هذا هو

بالتأكيد ويبدو قبل أعوام عديدة ومؤكد في الفترة التي وصل فيها

هذه البلاد وحين كان ابنه لازال طفلاً صغيراً ... ملامحه لازالت

كما هي بل ونظرة الحزن العميقة التي تختبئ خلف جمود تلك

الأحداق السوداء ... النظرة التي يبدو لم تغيرها السنين ..!

لم تمحوها كما لم تضمد جراحه وعلق كل شيء في ذاك الزمن

والوقت والتاريخ الذي ترك فيه منزله وعائلته الصغيرة

وبلاده ... بل وأحلامه جميعها كما يبدو .

والأغرب من كل ذلك كان الشعور الغريب الذي اعتراها والذي لا

تعرف حتى كيف تصنفه او تفسره !! وكأن هناك ما يجب ان

تنتبه له في ملامحه ولا تفهم ما هو ولما ..؟!

ومع عِظم حيرتها هذه قلبت الصورة وأعادتها مكانها وامتدت

أصابعها لا شعورياً للورقة الملفوفة بشكل اسطواني فما سر

وضعه لصورته القديمة تلك هنا وما الرابط بينها وبين هذه

الورقة ؟!

رفعتها وفتحتها بيديها الاثنتين وانفتحت عيناها بدهشة رافقتها

شهقتها المتفاجئة وقد ارتفعت ضربات قلبها حتى شعرت أنه قد

صم أذنيها فلم تعد تشعر بما حولها وهي تنظر لوجه المرأة

المرسوم فيها بقلم الرصاص ولملامحها التي استطاعت التعرف

عليها بسرعة ودون عناء ... هذه زوجته ؟!

أجل إنها هي وكما تذكرها تماماً وكأنها تراها أمامها الآن !

من هذا الذي رسمها بهذه الدقة ؟ ليس هو بالتأكيد فلم تعلم عنه

بأنه يجيد الرسم ولا يظهر ذلك عليه فهل قام بوصفها لشخص

رسمها له ؟

هل استطاع أن يوصل له ملامحها بكل هذه الدقة !!

هل حقاً هو يعيشها داخله وبهذا الشكل ؟ ام أنها عبقرية الرسام

الذي استطاع التوغل وببراعة ورقة شديدتي الرهافة والحساسية

لدواخل هذا الرجل لتنعكس بمعانيها العميقة في فراغ الورقة

البيضاء ...؟!

وعند هذه النقطة لم تستطع منع نفسها من أن تمرر أصابع يدها

على ملامحها بينما تمسك الورقة بيدها الأخرى و قد ملأ الحزن

عينيها كما الدموع التي ترقرقت فيها سريعاً تنظر لتلك الملامح

الجميلة الفاتنة والعينان المبتسمتان بحنان فاق جمالهما الآسر

وتساءلت بمرارة لما تخرج لها هذه المرأة من كل شيء لتشعرها

بالذنب أكثر ؟

قسماً بأنها الظروف من حكمت هذا وليست هنا لتأخذه ولا لتأخذ

مكانها.

زمت شفتيها تمنع شهقتها الباكية من الخروج وبللت دمعتها

رموشها الكثيفة وهمست ببحة

" لكن ما أعدك به أن أفعل شيئاً من أجلك ... أي شيء وإن

حققت حلمك وجمعتهما معاً كأب وإبنه ... أو... "

وارتسمت على شفتيها ابتسامة اكتسحت ملامحها الحزينة

وعيناها الدامعة وهي تتابع همسها لها

" أو انتقمت لكما منه... "

وأدنت تلك الورقة وملامحها المبتسمة فيها لشفتيها وقبلتها

مغمضة العينين بحزن وانتفضت مفزوعة حتى كادت تسقط تلك

الورقة من بين يديها ما أن سمعت صوت الخطوات المقتربة من

الباب تتبعها ضجة المفاتيح التي ستعلن في اي لحظة عن دخول

آخر شخص يتوجب ان يراها الآن !!

وبسرعة شديدة هي نفسها لم تكن تعلم أنها تملكها أعادت الورقة

الى الدرج وأغلقته في ذات اللحظة التي انفتح فيها الباب فأمسكت

منشفتها تفرغ انفعالها وتأثير ضربات قلبها القوية فيه تنظر

للجسد الذي أصبح يقف مقابلاً لها والذي وكما توقعت لم يستغرب

وجودها هناك فما علمه عنها هذان اليومان بأنها والغبار

أعداء ...! لكن ما لفت انتباهه أكثر وجعل حاجباه يقتربان

باستغراب هو طريقة وقوفها و ... ! هناك شيء ما غريب في

نظراتها التي لاحظ انها تتحاشى الالتقاء بعينيه !

هو حقاً يريد أن يسأل لكنه شعر بأن الأمر سيحرجها ففضل ألا

يفعل .. و عوضاً عن ذلك فعل ما نسيه وعاد من أجله وهو

يجتازها ودخل غرفة مكتبه فتش في أحد الأدراج عن الملف الذي

عاد من أجله وخرج مغلقاً الباب خلفه ونظره على التي لازالت

تنظف الطاولة ذاتها !! سار حتى اصبح بقربها ودس يده في

جيب سترته ونظراته تتابعها وهي تتشاغل بتنظيف ما قامت

بتنظيفه سابقاً و لا زالت تتجنب النظر له وأخرج منه مجموعة

أوراق نقدية ووضعها على الطاولة قائلاً

" هذه من أجل عامل التوصيل "

والتوت شفتاه بابتسامة جانبية حين علم انها فهمت ما يرمي اليه

من الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت على شفتيها رغم استمرارها

في عملها دون ان تعلق .. حتماً حدث شيء ما فقد توقع أنها لن

تفوت الفرصة لترميه بإحدى تعليقاتها العفوية المعتادة بل

وابتسامتها المشاكسة التي لا تفارق شفتيها لكنها لم تفعل !

بل وكان متأكداً من أنه لمح حزن ما في ابتسامتها تلك !!

ولم يعد يراهن على أنه يفهم هذه المرأة كما كان يظن ويعتقد !

تركت أصابعه الأوراق النقدية وغادر مغلقاً باب الشقة خلفه

محرراً بذلك تلك الدمعة التي احتجزتها طويلاً .

*
*
*

لامارا, رغد تبوك, الغزال الشارد and 57 others like this.
رد مع اقتباس

  #12135 
قديم 10-06-19, 09:45 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

شملتها نظراتها ببرود وها هو كل من برزت له أنياب هنا عليه

أن يدربها عليها هي ؟ لا ووصل التدخل امكان جلوسها ووقوفها
وأين تكون ...! ابتسمت باستخفاف قبل أن تقول بسخرية محدقة

في عينيها الغاضبة

" لم أكن أعلم بأنه ثمة قانون جديد يمنعني ! هل انتقلت الأوامر

هنا من الرؤساء للجنود ؟ "

فاتسعت عينيها ولم يزدها ذلك سوى غضباً وصرخت تشير لها

بسباتها التي يزينها خاتم مكون من قطعتين تربطهما سلسلة

قصيرة

" أنت هو الشخص المنبوذ هنا ومن لا حكم له .. وإن تكرر هذا

مجدداً ورأيتك تجلسين هنا فعمي من سيكون الفصل بيننا "

فأهدتها ابتسامة ساخرة جديدة جعلتها ترجع لمهدها بل وكان
لديها المزيد فما أن تحركت شفتاها خرجت منها الأحرف بقوة كل

شيء فيها رغم برودها بينما نظراتها تنتقل على جسدها صعوداً

" لما لا تتعلمي أن تطوري من شخصيتك أيضاً ولا تختبئي خلف

الغير دائماً كالأرنب "

فتعاقبت أنفاسها الغاضبة تشد قبضتاها بقوة انقطع معها ذاك

السلسال الرقيق الذي يصل بين الخاتمين في مفصلي سبابتها قبل

أن تصرخ فيها مجدداً

" لن أستغرب هذا الأسلوب السافل من أمثالك "

وكان ذلك ما أشعل شهبا زرقاء وامضة في تلك الأحداق بلون

السماء فوقها وخرجت من برودها صارخة فيها بالمثل حينها

"ابتعدي عن طريقي إذاً قبل أن تري أسلوباً أكثر سفالة من ذلك "

لكن ذلك لم يزد من تلك المعركة سوى حدة والطرف الأول فيها

يعود للهجوم مجدداً وصراخها يتعالى أكثر هذه المرة حتى بززت

عروق نحرها النابضة

" ابتعدي أنت عن وقاص يا حفيدة الخماصية فأنا لن أستسلم

بسهولة إن كان ذاك ما يخبرك به عقلك "

ليستعيد الطرف الآخر وضعه السابق ما أن تحدد سير تلك

المعركة وتلك الشفاه الجميلة تعود للابتسام بسخرية بينما خرجت

الأحرف مشدودة من بينها

" أبتعد عنه ! يؤسفني أن أخبرك بأني لم أقترب منه لأبتعد ....

ولعلمك فقط هذا أمر يتوجب عليك شكري عليه فهو كرم مني

اتجاهك "

لتتسع تلك العينان السوداء المحفوفة بصف رموش اصطناعية

مكومة بذهول بينما كانت ستأكلها بها وهي تقول

" ماذا تقصدين بهذا ؟ "

لكنها وكالعادة قابلت ذلك بكل برود واستخفاف وهي توفع رأسها

بشموخ قائلة

" ظننت ذكائك أيضاً تحسن عن السابق "

مما جعل ذاك الغضب يستعر مجدداً وإن تكبدت صاحبته وبكل

جهد إخفائه بينما تكاد أظافرها أن تمزق لحم كفيها من الشد

عليهما بقوة وقالت بفكين متصلبين

" لن أجاري جاهلة سوقية مثلك ... وعليك التوقف عن استخدام

هذه الأساليب الطفولية السخيفة لمطاردة رجل متزوج "

فضحكت .... أجل ضحكت في وضع ما كانت لتتخيل أن تضحك

فيه ! لكنها لم تكن ضحكة مرحة طبيعية لم يعرفها أحد في ذاك

المكان فيها بل ضحكة هدفها فقط والذي تحقق سريعاً هو اثبات

غريزي لقوتها أمام خصم هي لا تراه قوياً أساساً لكنها خرجت

بأوامر من دفاعات دماغها على ما يبدو .. بينما استلم لسانها

القاتل زمام الأمور مباشرة وما أن نظرت للعينان المحدقتان فيها

بغضب تشير بالدفتر في يدها جانباً

" إن كنت أريد زوجك ما كنت لأجلس هنا كطفلة سخيفة كما

تقولين بل لكنت ذهبت له في غرفته "

فارتجف غضباً ذاك الجسد المشدود في سترة جلدية قصيرة

وأنيقة وبنطلون ضيق وقصير وخرجت الكلمات من شفتيها

الممتلئة مرتجفة بغضب أيضاً

" لن أستغرب هذا من أمثالك و.... "

لتوقفها التي لازالت تحارب في أرضها وبقوة قائلة بضيق

" توقفي بات هذا الحديث المزعج يشعرني بالصداع "

فاصطكت تلك الأسنان البيضاء بغضب وصاحبتها تهمس من بينها

" أنت.... "

وكان لها ذات المصير حين قاطعتها بغضب هذه المرة

" قلت اصمتي "

وصرخت في وجهها راميه بيدها جانباً والدفتر فيها

" ولعلمك فقط فوقاص لي ... ملكي ومن قبل أن يعرفك "

واجتازتها مغادرة دون أن تضيف شيئاً ولا أن تهتم لتعليقها على

ما قالت تاركة تلك العينان المحدقتان بها تكادا تخرجان من

مكانهما من الصدمة .

*
*
*

ابتسمت بحنان تستمع بانتباه لحكاياتها وكلماتها الأقرب للطفولة

في براءتها ورقتها ... بل من قال بأن هذه طفلة في الثالثة عشر

من عمرها ! هذه تحمل عقل وقلب امرأة فطوال فترة حديثهما معاً

لم تتطرق أبداً لذكر شيء عن ماضيها القاسي البشع ذاك بل ولم

تذكر والدها ولا زوجته بالسوء قط !

وإن لم يكن يمان لمّح لها سابقاً عما مرا به وهذه الفتاة تحديداً

ولولا ما علمته من والدة زوجها ذاك قبل قليل لما كانت لتتخيل

بأن تكون قد مرت بكل ذلك !!

من يعرف هذه الفتاة عن قرب وحده من يستطيع فهم كم هي

مختلفة ! كم هي امرأة وكم هي رائعة !!

ولن تتوقع غير هذا ممن يكون شقيقها يمان فالمرأة ليست

بعمرها ولا نضجها بل بعقلها وقلبها بالفعل فكم من طفلة كانت

بعقل امرأة وكم من امرأة كانت بعقل طفلة ...!!

هي آمنت بتلك الحقيقة الآن بل وتراها نموذجاً حياً أمامها .

كان العشاء في ذاك المنزل يشبه فخامته ورقيه ويشبه كرم تلك

العائلة وتواضعهم الذي فهمته الآن على حقيقته حين اقتربت

أكثر من تلك المرأة العظيمة ابنة العظماء وابنتها ، وبالرغم من

أنها لم تستطع أكل إلا القليل من تلك الأطعمة التي تحتاج لعشرة

أمثالهم ليأكلوا نصفها فقط إلا أنها كانت أمسية مميزة بقلوبهم

وأحاديثهم وضحكاتهم .. وكما توقعت من تلك المرأة جوزاء

شاهين الحالك فكرمها ورقيها يشبهان حزمها وشدتها فسرعان

ما كانت الفتتان وبأوامر منها في غرفة ابنتها حينما كان وقت

مراجعة الدروس الصيفية كما يبدو بينما كانت ثمة مساحة أوسع

لهما ليتحدثا معاً وكم أذهلها كمّ الحقائق التي كانت تجهلها عن

حياة تلك الفتاة وكل ظن تلك المرأة أنها تعلم وبأن يمان

أخبرها .. وكم شعرت بالأسى حيالها فكم عانت من ظلم

واضطهاد نهايته محاولة حرقها حية في وقائع تقشعر لها الأبدان

وتبين لها بأنها ليست وحدها من كانت تعاني فثمة من هو أسوأ

منها ... لا بل هي لم تكن أسوأ منها فقد كان شقيقها بجوارها

يساندها وإن كان عاجزاً عن إيجاد حل لها أما هي فلم تجد ولا

ذاك الشقيق .. كانت تناجي فقط طيفه في ظلام جدران ذاك المطبخ

البارد الذي تنام فيه بينما يعيش هو في مكان ما من هذا العالم قد

يكون قريباً جداً لها ويتجاهل ما تمر به ويعرفه جيداً وهي فتاة

وحيدة لا حيلة لها في مواجهة وحوش غيلوان وكل تلك الألسن

وبشاعة البشر التي التهمت لحمها وعرضها حية .
" يمان أصبح لديه منزل في الجنوب الآن ؟ "

ابتسمت وأومأت لها إيجاباً تنظر لعينيها الجميلتان والشبيهتان

بتلك العينان التي تعشق .. فهذه المرة الرابعة تقريباً التي تسألها

فيها إن كان يملك بالفعل منزلاً يخصه هناك ! بل وليست عيناها

فقط ما تشبهانه هي أخذت من ملامحه الكثير غير أنها بشعر بني

مجعد بفوضوية طفولية مميزة تشبه براءتها ورقتها وجمالها

بينما شعر شقيقها أكثر نعومة وأغمق ، فكم تذكرها به بل وكم

تشتاق له الآن ولم يفترقا سوى لساعات !!

تشتاق لتفاصيل حياتهما البسيطة تلك جميعها وحتى الغرفة

الفقيرة التي ينامان فيها كل في طرف وجدار !

صعدت الدماء الحارة في جسدها وصولاً لخديها اللذان توهجا

بحمرة واضحة وهربت بنظرها للأسفل ما أن تذكرت تلك

اللحظات المجنونة والقبلات التي تبادلاها أعلى الجرف الصخري

وشعرت بالخجل من نفسها واندفاعها الأحمق فكيف سينظر لها

الآن ! لكن سرعان ما بدد تلك المخاوف تذكرها لكلماته لوالدة

زوج شقيقته حين ذكرت رغبتها في تزويجه لابنة لها وتعليقه

على ما قالت وارتجف قلبها أكثر من السابق .

" وهل أصبح يدرس الطيران ؟ هل سيكون طياراً ؟ "

رفعت نظرها لها وحدقت فيها باستغراب بينما تابعت هي برجاء

حزين قائلة

" هو كان يريد ذلك لكن والدي رفض فهو يدرسها الآن بالتأكيد

أليس كذلك ؟ "

حركت رأسها نفياً بملامح حزينة أمام تلك النظرات البريئة

المستجدية فهذه المرة الأولى التي تذكر فيها شيئاً سلبياً عن

والدها ! بل والأولى التي تعرف فيها هي هذا الأمر !!

وكابدت دموعها باستماتة حين قالت الجالسة أمامها بحزن

وعينان دامعة

" هو كان يريد ذلك كثيراً ... لم نكن نملك المال لكن أبي رفض

نقود المدرسة "

ابتسمت بحزن ومرارة وفهمت ما تعني ولا تستطيع استيعابه ...

هي المنحة الدراسية بالتأكيد ... يا إلهي كم قاسى ذاك الشاب

وخسر أيضاً ؟ نظرت من بين الدموع التي ملأت عينيها للتي قالت

بأمل حزين

" غيهم طيار .. هو يقود الطائرة دائماً لكنه لا يحب ذلك .. بثينة

أخبرتني بأنه كان يريد أن يسافر ويعمل مع الجيش هل يستبدل

ليمان مكانه ؟ هو لا يريده "

أمسكت يدها بكلتا يديها وملأت الدموع عينيها أكثر حتى أشبعت

رموشها فهذه أصغر مما تتوقع فعلاً !

بل ومن سنها الصغير أساساً ؟ قالت ببحة وحزن

" لا يمكنه استبدال مكانه فتلك سنوات كثيرة من الدراسة

يا يمامة "

فانسابت الدموع من عينيها وهمست ببكاء

" ألن يكون طياراً أبداً ؟ "
رفعت يديها لوجهها وقالت تمسح الدموع عن وجنتيها

" قد يكون كذلك يوماً ما .. بل وقد يكون أفضل من ذلك بكثير "

فأومأت موافقة وشع وجهها بابتسامة وكأنها أخبرتها بأنها

ستحقق ذلك لها !

عادت لإمساك يديها مجدداً وقالت تنظر لعينيها الفضية الجميلة

" نحن لا نعلم الخير في الأمر يا يمامة فكم من أمور نكرهها

لكنها تحمل الخير لنا ... "

وتابعت تبتسم برقة من بين حزنها

" ثم لو أنه أصبح طياراً ما كان ليسكن الجنوب ولا لألتقيه

وأتزوج به "

فتبدلت نظرات الجالسة أمامها للفضول سريعاً وقالت

" كيف التقيتما ؟ "

ابتسمت بحياء وقالت

" لقد صدمني بسيارته ليلة احترق منزلكم وأخذني للمستشفى

وسُرقت سيارته تلك الليلة لذلك تأخر عنك ولم يكن هناك "

نظرت لها بتفكير عميق وظنت بأنها تحاول تفسير الحادث وسبب

تأخره لكن ما كان يحدث في عقلها الصغير عكس ذلك وقد

فاجأتها بأن قالت بفضول

" وهل يتزوج الرجل المرأة التي يصدمها بسيارته ! "

فلم تستطع إمساك نفسها عن الضحك وقالت في محاولة مستميتة

لإيقافه

" لا بالطبع لكنه كان سبباً لذلك "

واختفي كل ذاك الضحك لتحل محله ابتسامة حزينة حين أمسكت

هي بيدها هذه المرة وبكلتا يديها الصغيرتان معاً قائلة برجاء

حزين

" هو سيكون سعيداً أليس كذلك ؟ أنت ستفعلينها ؟ "

فأومأت برأسها بنعم وقالت تضغط على يدها بيدها الأخرى التي

جمعتها مع يديهما

" سأفعل يا يمامة .... سأسعى جهدي لفعل كل ما يجعله سعيداً "

ابتسمت لها بامتنان وانفتح حينها باب الغرفة وأطل منه رأس

بثينة التي قالت مبتسمة

" ألم تناما بعد ؟ كنت أعلم بهذا يا مخادعتان .... "

وتابعت تنظر ليمامة بمكر وهي تدخل مغلقة الباب خلفها

" لهذا أردتِ أن تنام معك ؟! "

وضحكت وصعدت السرير معهما قائلة بضحكة

" لو تعلم والدتي عنا فسنعاقب عقاباً بشعاً في الغد يا يمامة "

فضحكت يمامة وقالت

" لن نخبرها "

ضحكت أيضاً وقالت ونظراتها تنتقل بينهما

" أنتم من أين تحصلون على هذه الأحداق الملونة ! "

وأمسكت خصرها بيديها وتابعت بضيق

" حتى تيما ابنة خالي مطر عيناها زرقاء بالرغم من أن والداها

وجداها ليسا كذلك ! بل وجميعكن متزوجات عداي ! "

ابتسمت يمامة بينما نظرت لها مايرين باستغراب فابتسمت بمكر

ونظرت لها قائلة

" قالت والدتي بأنها كانت ستزوج يمان من ابنتها فما بي أنا !

لما لم تفعلها ؟ "

فاتسعت تلك الأحداق الخضراء بصدمة فضحكت بثينة وقالت

" كنت أمزح فقط ... لا تنظري لي هكذا "

وتشاركن الضحك معاً وبدلاً من أن تنام مايرين مع يمامة كما

أراردت تلك وأصرت أن تنام معها في غرفتها لم ينم أحد من

ثلاثتهن تلك الليلة حتى الصباح .

*
*
*

رفعت شعرها الرطب وجمعته وأمسكته بمشبك كبير وهي تتوجه

جهة سريرها ورفعت الهاتف الذي كان مرمياً عليه وصوت رنينه

وصلها من قبل أن تخرج من الحمام ، نظرت لإسم المتصل قبل أن

تفتح الخط ووضعته على أذنها وهي تجلس على حافة السرير

وقد انكشف فخذها العاري من روب الاستحمام القصير بسبب

جلوسها إحدى قدميها تحتها والأخرى على الأرض وقالت

مبتسمة

" مرحبا يا جليلة ولا تنسي بأني لازلت غاضبة منك "

فانطلقت من في الطرف الآخر قائلة باندفاع هجومي

" من يحق لها الغضب من الأخرى يا ناكرة الصداقة الطويلة

التي شهدت حروب البلاد وتحريرها وحروبها الجديدة ! "

ابتسمت ترفع خصلات غرتها الرطبة خلف أذنها وقالت

" وما الذي فعلته يغضبك بينما أنت التي لم تكن بجانبي

بالأمس ؟

ولن نتحدث عن رفضك العمل معي كمساعدة لي "

قالت من في الطرف الآخر من فورها وبسخط

" غسق بالله عليك وكأنك لا تعرفين الوضع جيداً ؟

فكيف أعمل معك وأنا نصف عزباء نصف متزوجة وسيكون

عليا أخذ الإذن من ذاك الرجل أولاً لأكون هناك وهذا ما لن

يحصل أبداً .. ولا أظنه سيوافق عليه وأنا أرفض مناقشة هذا

معه أو سماع صوته "

تنهدت بضيق متمتمة

" وحتى متى ستهربين منه ومن حقيقة أنك أصبحت زوجته ؟ "

وتابعت من فورها تغير مجرى الحديث الذي لا طائل من

النقاش فيه

" حسناً ماذا بالنسبة لحضور الحفل ؟

ما هي أسبابك وقائد كان هنا ؟! "

فتمتمت تلك من فورها وببرود

" للسبب ذاته "

تنهدت بعمق وقالت

" جليلة أنت تضيعين الوقت ليس إلا فاقتنعي بواقعك "

فكانت من في الطرف الآخر من غير مجرى الحديث هذه المرة

وقد قالت بحماس

" مؤكد لم تري الإحتفال في ميدان الفروسية ولم تكوني هناك

أعرفك جيداً فهل رأيته في التلفاز ؟

هذا هو الأمر الوحيد الذي جعلني أموت تحسراً لأني لم

أكن هناك "

ضمت ساعدها لصدرها ودست يدها تحت مرفق يدها الأخرى التي

كانت تثبت بها الهاتف على أذنها وقالت ببرود

" تبدين كطفلة وأنت تتهربين من حديثنا السابق "

ووصلها بوضوح صوت تأففها الطويل قبل أن تقول باستياء

" أنا لم أتهرب منه بل تحدثت عما اتصلت من أجله فلا تعكري

لي مزاجي به غسق حلفتك بالله "

وقاطعتها من قبل أن تفكر في التعليق والتحدث قائلة بابتسامة

" لكنهم تغلبوا عليك هذه المرة فلم أصدق عيناي وأنا أرى

صورتك في جريدة العوسج اليوم !! "

تنهدت بضيق وقالت

" تملصت بجميع الطرق لكنهم كانوا أعند مني وبصعوبة وافقوا

على أن يقتصر الأمر على الصحافة فقط ثم تركت لهم المبنى

وما فيه وصعدت لمكتبي "

قالت تلك ضاحكة

" كان هذا كافياً والتقطوا المهم منه فما نريد بالباقي "

حدقت في الفراغ باستغراب هامسة

" ماذا تقصدين ؟ "

وصلها صوتها سريعاً وباستغراب مماثل

" ألم تري جريدتهم اليوم ؟ "

نظرت للطاولة قرب باب الغرفة وقالت

" لا فبالكاد استيقظت واستحممت .. كنت متعبة ولست أعلم

كيف نمت لكل هذا الوقت ؟ "

ضحكت وقالت

" لازالت الساعة التاسعة يا دجاجة ! وبما أنك لم تريها فقد

تركوا لصورتكما عموداً كاملاً لتحتلا الصفحة بأكملها بطولها

وعرضها وأنتما تقطعا معاً الشريط الأحمر "

تنهدت بضيق ولم تستغرب ذلك بل كانت تتوقعه فهي رفضت

مراسلي التلفزيون لكنها لم تستطع منع الصحافة أيضاً وتم رفض

ذلك ومن الجميع ... بينما وصلها صوت ابنة خالتها المتحمس

قائلة بابتسامة كانت واضحة فيه

" ظننته إعلان ما عن مسلسل جديد سيتم عرضه ... ما كل هذا

التناغم والانسجام !

لقد بدوتما رائعين وكنجوم السينما تماماً "

وقفت وقالت بضيق ولازال نظرها هناك حيث الصحف الموضوعة

على الطاولة

" جليلة ..... !!! ما أسخفك وتلك الجريدة معك "

فضحكت وقالت

" وماذا تتوقعين من السخافة ... أعني الصحافة أن تختار لتترك

مثل ذاك المشهد وتستبدله بغيره ؟

إن كنت مكانهم ما وضعت غيرها بل وفي الغلاف أيضاً بدلاً

من صورة البرج وخبر افتتاحه "

كانت تحدق هناك بصمت واستغراب بينما تابعت تلك بضحكة

جديدة

" ثم ما أن تري تلك الصورة سيتغير كلامك هذا ... يا إلهي

ما الذي لا يبدع فيه ذاك الرجل ولا يليق به ؟ "

فزمت شفتيها بضيق وقالت

" لا تنسي بأنك متزوجة يا أم لسانين وبأنك تملكين نسخة

أخرى عنه وبأنه ابن الحالك أيضاً "

فنجحت في قلب مزاجها ذاك سريعاً فقالت بضيق مماثل

" لا أعلم من منكما نقلت العدوى للاخرى أنت أم والدتي !!

من أخبركم بأني نسيت أمره لتذكروني به طوال الوقت ؟ "

تنهدت بضيق وتوجهت ناحية باب الشرفة الزجاجي قائلة

" لا تأخذي موقفاً سلبياً من الرجل وتجعليه يكرهك فيما بعد

وهو من تقدم لخطبتك من نفسه يا جليلة "

فوصلها صوتها فوراً وببرود

" فليفعلها ويخلي سبيلي لا مانع لدي "

حدقت في السماء البعيدة عنها بصدمة وقالت

" مطلقة مرة أخرى يا جليلة !! لن تستحملي تبعات ذاك الأمر

هذه المرة فلا تستهيني به "

قالت تلك من فورها

" الأمران سيان ... بل وبقائي مع رجل أسوأ من ذلك بالنسبة

لي "

حركت رأسها بيأس منها وأمسكت بحزام المنشفة الملفوفة حول

جسدها قائلة

" لو أني أفهمك فقط وما تعنين وما تخفينه عني ؟ واعلمي من

الآن بأني لن أسامحك حين سأعلم ورماح معك بالطبع لأنه

وبسبب وعدك له ترفضين التحدث "

وصلها صوتها حزيناً محبطاً

" لا فائدة من الحديث عن الماضي يا غسق لأنه لن يجدي

في شيء "

تنهدت وقالت تولي ظهرها لمنظر أهم أحياء العاصمة الراقية

" لا أريد أن تكوني تعيسة يا جليلة وأخشى أن تتضرر مشاعرك

مجدداً وتكونين أنت السبب في ذلك وتكتشفين الحقيقة حينما

يكون الأوان قد فات "

وكما توقعت قالت تلك من فورها

" لن أخسر أكثر مما خسرت ولن يُذبح قلب ويموت وهو ميت

أساساً فقد اعتدت حتى أن أكون علكة في أفواه الناس فما

سأخسر أكثر وفيما سأتضرر ؟ "

فتنهدت بأسى ويأس منها وقالت تتكئ بظهرها على الباب

الزجاجي خلفها

" لعل الإيجابي الوحيد في الأمر أنك ستصبحين هنا ونكون

قريبتان من بعضنا "

فتمتمت من في الطرف الآخر ببرود

" ولست أرى ذاك الإيجابي الوحيد سيطول "

فتنهدت نفساً طويلاً وقالت

" ما أعندك ....! حسناً متى تقرر حفل الزواج أم أنه مفاجأة

بالنسبة لك كعقد قرانكما ؟ "

فوصلها صوتها المتضايق سريعاً

" لا أعلم ولست أهتم وأتوقع ذلك في أي وقت وفي كل صباح

لتدخل والدتي عليا الغرفة وتخبرني بأنه في انتظاري في

الأسفل ... ليتني أموت قبل ذاك اليوم "

قالت بضيق أشد أصابعها تشتد على الهاتف فيها بقوة

" جليلة توقفي عن التفوه بالحماقات يكفي ترفضين أن يكون لك

حفل زفاف كغيرك ...! ما أعندك وأغباك وهو من يريد حفلاً لك

في أفضل مكان في العاصمة !! "

فقالت تلك بمرارة عبّرت عن كل ما بداخلها

" وما الذي أفعله بحفل زفاف ستحتشد له الناس فقط ليروا التي

التهمتها الألسن والشائعات لأعوام وهي تتزوج ؟ "

ووصلها صوت تأففها القوي قائلة من قبل أن تتحدث

" وداعاً الآن يا غسق لقد عكرت لي مزاجي بما يكفي .. واذهبي

وانظري للخبر في الجريدة فوق صورتكما ولا تنسي بأني

غاضبة منك من الآن "

أبعدت الهاتف تنظر له باستغراب قبل أن يتحول كل ذلك لحزن

فهي لم تستطع قول الحقيقة لها والتي تجهلها وبأن زواجها ذاك

أقرب مما تتخيل وليس تتوقع ، تنهدت مستغفرة الله وتحركت من

مكانها ونظرها على مجموعة الصحف الموضوعة على الطاولة

هناك تمسك شعرها الرطب الذي انزلق من بين أسنان مشبك

الشعر وجذبته جهة كتفها ورفعت جريدة العوسج تحديداً فهي

الأشهر في البلاد وإحدى الصحف المهمة عربياً .. وكانت بالفعل

صورة البرج المضاء والألعاب النارية تخرج منه تلمع وسط

الظلام حيث تم التقاطها من مكان الاحتفال بنادي الفروسية

القريب منه فهو ما احتل الصفحة الأولى واسمه يعلوا باقي

الأخبار فقلبت صفحاتها بسرعة حتى وجدت صورتهما والخبر

الذي تحدثت عنه وكانت بالفعل قد احتلت عموداً كاملاً وهما

يقومان معاً بقص الشريط الأحمر لافتتاح صالة البرج الأرضية ..

وبينما كان هو يقف بجانبها كانت ذراعها تحيطان بها تمسك يديه

بيديها يتوجان معاً ذاك الحدث ... وانفتحت عينها بصدمة

ممزوجة بالغضب حين فهمت ما كانت تقصد جليلة بغضبها منها

ما أن قرأت الخبر أعلاها تحت إسميهما المكتوبان بالأحمر

العريض وقد كُتب بخط أسود منسق

( افتتاح برج القمة وإعلان خبر انتظارهما للمولود الجديد )

فرمت الصحيفة من يدها قائلة بضيق

" مطر ... فعلتها إذاً ولا أحد غيرك سيفعلها "

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 61 others like this.
التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 10-06-19 الساعة 10:01 PM
رد مع اقتباس

  #12136 
قديم 10-06-19, 09:46 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة



*
*
*




حضنت الجريدة بل صورتهما فيها وكأنها لم ترى ذاك مباشراً

بالأمس وقالت بسعادة

" ما أروعهما وهما معاً ... يا رب احفظهما لي يا رب "

فضحك الجالس على السرير بقربها وقال مبتسماً بسخرية يتكئ

على ذراعيه

" يا لك من طفلة ! لا أفهم كيف لوالدك أن يزوجك وأنت لازلت

تحضنين صورة والديك ! يا له من تقشف عاطفي هذا الذي

تعيشينه "

لوحت بالجريدة في يدها ونظرت له وقالت بأسى واستياء

" أجل تقشف عاطفي لم تعرفه أنت لتفهمه .. فبينما كنت تنام في

حضن والدتك هنا كنت أنام أحضن طيفها في السرير البارد ..

وبينما كان جدك وأعمامك يغدقونك بكل ذاك الدلال كنت أنا أشتاق

للحظات أرى فيها والدي لأنه يضحي بكل شيء وحتى وقته

لتعيش هنا بسلام "

رفع يديه عالياً وقال ينظر للسقف يمسك ضحكته

" وأنا أحمد الله لذلك لكنت الآن أحضن الجدران مثلك "

رمته بالجريدة التي استقبلها ضاحكاً وقالت بضيق

" ما أسخف مزاحك يا طفل .... فانظر أنت لسنك أمام الرجال

لتعلم بأنك طفل عكسي تماماً "

أمسك الجريدة من طرفيها ورفعها بينهما يحركها وكأنها تطير في

الهواء وقال باستهزاء

" لا أعرف واحدة تصف نفسها بأنها امرأة وستدخل الثانوية

العام المقبل ! "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بتملق

" والدتي حين تزوجت كانت تدرس في الثانوية "

قال ولازال يحرك الجريدة بينهما مبتسماً بسخرية

" كانت في التاسعة عشرة يا ذكية "

نظرت له بضيق وما أن كانت ستعلق أوقفها رنين هاتفها الذي

أخرجته من جيب تنورتها وما أن نظرت للاسم على شاشته حتى

عضت طرف شفتها تمسك ضحكتها فهي لم تتصل به كما لم

يفعلها هو وها قد استسلم أخيراً ، وقفت وأدارت ظهرها للذي قال

ضاحكاً

" لو أفهم فقط ما يعجبه بك ؟ "

فسارت حتى وصلت لباب الغرفة والتفتت له وأخرجت لسانها

وخرجت من فورها ضاحكة بل وراكضة كي لا يلحق بها لأنه قفز

باتجاهها متوعداً .

وما أن وصلت غرفتها وأغلقت بابها خلفها كان هاتفها قد عاود

الرنين مجدداً ففتحت الخط ووضعته على أذنها فوصلها صوته

الحانق فوراً

" لو لم أكن أحمقاً ما اتصلت بك أبداً "

فأمسكت ابتسامتها بأسنانها وقالت

" وإن لم أكن أنا حمقاء ما أجبت عليك أبداً ... ثم أنت قلت أن

أجيب على اتصالاتك لا أن أتصل بك "

وتابعت من فورها وقد تحولت نبرة صوتها للضيق

" وإن لم أكن أحبك كحمقاء لكنت غضبت منك للأبد بسبب

ما قلت بالأمس حين اتصلت بك من أجل الحفل "

فوصلها صوته البارد الجاف سريعاً

" لن أتحدث عن ذاك تحديداً كي لا تنامي الليلة باكية "

فأمسكت خصرها النحيل بيدها الحرة قائلة

" قل ما لديك وأعدك بأن لا أفعلها "

" تعالي لمنزل والدك "

قالها مباشرة وبحزم آمر فحدقت في الفراغ بصدمة قبل أن تشتد

أصابعها على خصرها أكثر وقالت بضيق

" بل كان عليك أن تقول متى ستأتي لمنزل والدك ؟ "

وكما توقعت كان تعليقه التالي أشد حزماً وحدة وقد قال

" تيماااا .... قسماً أن تجديني في غرفتك مجدداً ولن أغادر

من دونك هذه المرة "

فنفضت يدها قائلة باستياء

" لا هذا ليس اتفاقنا "

قال بضيق مماثل

" وليس من ضمن اتفاقنا أيضاً أن لا تزوري منزل والدك

مجدداً "

قالت بأسى غزا ملامحها قبل صوتها

" قاسم لا تكن قاسٍ ومجحف هكذا "

" قاسٍ !! "

قالها سريعاً وباستهجان فقالت من فورها وبضيق

" أجل وأنت لا تمنحني الفرصة التي اتفقنا عليها مطلقاً "

قال بحزم

" لا تتهربي من موضوعنا الأساسي "

قالت مباشرة
" أنا لا أتهرب وهو موضوعنا ذاته "

تجاهلها قائلاً بأمر حازم

" سأكون في منزل العائلة وسأنتظرك ... وداعاً "

عبست ملامحها الجميلة وهي تنظر للهاتف في يدها بعدما أغلق

الخط دون حتى أن ينتظر تعليقها ! رفعت كتفيها وهي تبتعد عن

الباب مبتسمة وغادرت الغرفة ووجهتها الغرفة الأقرب لها ..

طرقت الباب وفتحته ما أن سمعت ذاك الصوت الأنثوي المنخفض

يسمح لها بالدخول وأغلقته ونظرها على الجالسة على حافة

السرير تحضن رأسها بيديها قبل أن ترفعه ممررة أصابعها في

شعرها للخلف لينزل متدرجاً على كتفيها تتبعه غرتها الطويلة ..

وبالرغم من أن شعرها كان جافاً كانت ماتزال تلبس روب

الاستحمام ! قالت بقلق تنظر لملامحها الفاتنة الشاحبة

" أمي تبدين متعبة ؟ "

وتبعتها بنظرها وهي تقف متمتمة

"هكذا أكون صباحاً ثم يتغير كل هذا .. لقد اعتدت تقريباً "

تبعتها بنظراتها وهي تتوجه للخزانة وتخرج ثياباً لها منها وقالت

" ستذهبين للبرج ؟! "

قالت وهي تسحب بابها مغلقة إياه

" أجل عليا أن أكون هناك .. أنا بخير لا تقلقي "

وتوجهت جهة باب الحمام وأغلقته قبل أن تسمع تعليقها ! بل وما

جاءت من أجله ولتستأذنها للذهاب لمنزل والدها .

*
*
*

رتبت خصلات شعرها القصير تنظر لنفسها في المرآة قبل ان

تنزلق نظراتها علي فستانها القصير والذي لم يتعدى طوله

ركبتيها من الامام بينما وصل لنصف ساقيها من الخلف ، التفتت

لوالدتها الواقفة خلفها قرب باب الغرفة تنتظرها وقالت تلامس

خصلات شعرها بيدها

" ما رأيك أمي أم أضع مشبكاً لشعري ؟ "

قالت مبتسمة

" أنت رائعة كيفما كنت يا زهور فبسرعة المرأة تنتظرك في

الأسفل وأنت تأخرت كثيراً "

قالت تنحني للجانب قليلاً وترفع قدمها ليدها تعدل حزام حذائها

المرتفع

" هي المرة الأولى التي أقابل فيها والدته بل وفرداً من عائلته "

فاقتربت منها والدتها قائلة

" وإن يكن فالأمر لا يحتاج كل هذا "

قالت وهي تستدير للمرآة الطويلة مجدداً تعدل خصلات شعرها

عليها

" كيف لا يحتاج وهي تراني للمرة الأولى ؟ "

وتابعت تمسح بطرف سبابتها تحت جفنها

" وماذا عن باقي عائلته ؟ ألم تأتي شقيقاته أو زوجات

لأشقائه ؟ "

قالت الواقفة خلفها تنظر لها في المرآة

" لا فلا أحد له .. هو ابنها الوحيد "

نظرت لها أيضاً في المرأة وقالت باستغراب

" الوحيد !! "

قالت من فورها

" أجل فوالده توفي منذ زمن ولا أبناء لها غيره "

استدارت نحوها مجدداً وقالت بحزن

" وأعمامي وعائلاتهم وعماتي ؟ ألم يحظر منهم أحد ؟! "

تنهدت بضيق وقالت

" لا ... فهم لازالوا يُحمّلون والدك الذي رباك مسؤولية عدم

إخبارهم وأخذ رأيهم قبل أن يوافق عليه وكأنهم يهتمون لأمرك

مثلاً وما يصلح لك ولا يصلح ؟! "
أخفضت كتفيها متمتمة بإحباط

" لكنه ترك لهم الرأي وأن يسألوا عنه كيفما يشاؤون ! "

أمسكت يديها في وسطها وقالت ببرود

" وهذا لم يكفيهم فحين لم يجدوا به عيباً. يعيبه تحججوا بعائلته

التي لا تربطه بها سوى صلة الدم والجميع في الجنوب

يعلم ذلك "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" وما بها عائلته ؟! "

شدتها من يدها وتحركت بها من هناك قائلة

" لا شيء مهم في هذا وليس وقت الحديث عنه .. تحركي يا

زهور فلن نتركها وحدها أكثر من هذا "

فأوقفتها بوقوفها وقالت

" أمي عليا رؤيته بما أنه أصبح هنا .. لن يُعقد قراننا هكذا

دون أن أعرفه وأتعرف عليه "

أمسكت بيدها مجدداً وقالت تسحبها معها

" هو اتفق مع والدك على كل هذا فأسرعي هيا "

تحركت خلفها تتمتم بحنق

" لا أفهم ما هذا الذي اتفقا عليه وكيف ومتى سأراه مثلاً ؟! "

نزلت السلالم خلفها وكانت ضيفتهم تجلس في بهو المنزل عكس

ما توقعت أن تكون في غرفة الضيوف وهذه ليست عادة

والدتها !! تباطأت خطواتها ما أن أصبحت في الأسفل تنظر

باستغراب للمرأة التي وقفت ما أن قالت والدتها

" وهذه زهور ابنتي "

بل وتوقفت خطواتها تماماً وهي تنظر لتلك العينان السوداء

الواسعة التي كانت تنظر للفراغ وليس لها وكأنها لا تستطيع

تحديد مكانها ! بينما مدت يدها للأمام قائلة بابتسامة دافئة

" تعالي يا زهور ... اقتربي لأراك بطريقتي "

فشعرت بسكين قاسي غرس في صدرها وتلاحقت أنفاسها وهي

تكتشف وللمرة الأولى بأن والدته ضريرة لا يمكنها الرؤية !! ولا

تفهم ما هذا الذي جعل ضربات قلبها ترتجف فجأة وعقلها الباطن

يرفض وبشدة ربط أحداث وحقائق ما تجهلها ! مما جعلها

تتحرك من مكانها تجر خطواتها نحو اليد التي لازالت ممتدة

نحوها حتى أصبحت تقف أمامها تماماً نظراتها الحزينة المغمورة

بالعاطفة تتنقل في ملامحها الجنوبية لتحاكي جذور تلك القبائل

حتى في غرتها السوداء الكثيفة الناعمة والتي تحف حاجبيها

تظهر من تحت الوشاح الذي يغطي رأسها منسدلا على كتفيها

والعينان السوداء الواسعة التي لم يزدها اللون الأسود الذي

اكتحلت به سوى اتساعاً وجمالاً وعلِقت الكلمات في حنجرتها

المتيبسة وتلك اليد البيضاء ترتفع لوجهها ولامست ملامحها

برفق هامسة بعينين ترقرقت فيها الدموع سريعاً

" حمداً لله الذي أراني عروساً لأويس قبل أن أموت ويموت

هو وحيداً "

فاتسعت عيناها وتوقف العالم من حولها عدا الأرض التي دارت

تحتها وبقوة كادت ترميها عليها مما جعلها تستند بوالدتها

والواقفة قربها كي لا تقع وارتفعت يدها لشفتيها تنظر للواقفة

أمامها بصدمة وهمست من تحت أصابعها المرتجفة

" أويس !! "

وراقبت بعينين ذاهلة ملامح التي نزلت يدها لكتفها وقد قالت

بحزن عميق لم تسمع معه همسها المصدوم ذاك

" لم أتخيل يوماً أن يغير رأيه ويقرر الزواج .... كم أنا ممتنة

لك يا زهور يا ابنتي "

ولم ينتهي عذاب صدماتها هناك وتلك اليدين التي تستدل طريقها

في الظلام الذي لا يراه سواها ترتفع لوجهها وأمسكت به بكلتا

يديها قائلة برجاء حزين وعينان مغمورة بالدموع شاردة في

ملامحه وإن كانت لا تراها

" أسعديه أرجوك بنيتي فهو لم يسعد يوماً ولم يعرف معنى

السعادة الحقيقية وإن ابتسمت شفتاه ولم أستطع أنا منحه سوى

المزيد من الألم كلما نظر لعجزي ولمسببه "

فانجرت الدموع من عينيها هي حينها بل ودخلت في نوبة بكاء

قوية لازالت تمسك تلك العبرات المرتفعة بأناملها المطبقة على

شفتيها وشعرت بأنها تدور في حلقة مفرغة بل شعرت بكل شيء

حولها وحتى الجدران البعيدة تطبق على جسدها بل رئتيها تمنع

الهواء من التسلل لهما ولم يعد يمكنها رؤية شيء بسبب الدموع

المتدفقة من عينيها ولا سماع أي شيء حولها سوى نحيبها

المكتوم ولا صوت وكلمات والدتها المستفهم باستغراب ولا كلمات

التي كانت تسمي بالله عليها بقلق وإن كانت تسمعها ولا تراها

فهي لم تكن معهما سوى بجسدها المرتجف فقط بينما رمي عقلها

بعيداً وبعيداً جداً لكل تلك الاحداث التي جمعتها بذاك الرجل

وأقساها كان الطريقة التي انتقمت منه بها لتجرح ليس روحه

فقط وذكرى والده بل وهذه المرأة أيضاً .. تتذكر كل ما فعل من

أجلها بصفته أويس غيلوان وبصفته الخطيب المجهول الذي لم

يكن يسعى سوى لإرضائها وإسعادها وتذكرت فوراً كلماته في

الحفل قبل يومين

( بل وتعجبني أيضاً قوتها ومواجهتها لكل شيء بشجاعة ...

جميلة .. أنيقة وذكية خطفت قلبي فور أن رأيتها وأنا على

استعداد لفعل أي شيء فقط لتكون سعيدة )

وعند ذلك لم يعد يمكنها التحمل أكثر فركضت جهة السلالم باكية
وصعدت عائدة من حيث جاءت .

*
*
*

رمت القلم فوق مذكرتها ومررت أصابعها في غرتها البنية ترفعها

للأعلى قبل أن تتحرر متدرجة على جانبي وجهها وأدارت هاتفها

تنظر للساعة فيه ورفعته وفعلت ما تفعله في كل مرة يغادر فيها

وهو الاتصال به فقط لتسمع المجيب الآلي يخبرها بأن الرقم

مقفل ... أمر تعرفه مسبقاً ورغم كل ذلك لازالت تحاول في كل
مرة !! دفعت الهاتف بعيداً عنها وتنهدت بأسى تتكئ بذقنها على

راحة يدها فكم من مشاعر تحملها لذاك البارد لا يبادلها إياها

أولها أنها تشتاق له ما أن يبتعد عنها ويمضي يوم لا تراه فيه

بينما هي متأكدة من أن ذلك لا يعنيه أبداً .

تأففت ووقفت تبعد كل تلك الأفكار عن رأسها وتوجهت جهة باب

الغرفة فكم تشعر بالملل هنا فلم تخرج من غرفتها سوى لتناول

وجبة العشاء التي لم يكن جميع ساكني المنزل موجوداً فيها كليلة

البارحة فلا وقاص وزوجته ولا زيزفون وزوجها كانوا موجودين

على مائدة العشاء تلك وأمضت باقي الوقت سجينة غرفتها ولم

تستطع مغادرتها تفادياً للقاء من ليست فقط لا ترغب في رؤيتهم

بل وواثقة من أنهم لا يرغبون في ذلك أيضاً .. لكن وفي هذا

الوقت تستبعد أن تلتقي أحداً منهم فكما فهمت غرف الجميع في

الأعلى ولا يبدو أنهم يحبذون تركها إلا لمغادرة المنزل ! فتحت

الباب بهدوء وخرجت تغلقه خلفها بالهدوء ذاته وسارت في الممر

الفارغ الساكن والذي لم يكن البهو الواسع الفخم بأقل هدوءً منه

وكأنه لا أحد يعيش هنا ! أخذتها خطواتها فوراً ناحية المكان

الذي دخلته مرتين سابقاً وخصص للحفلات على ما يبدو ليحتل

القسم الأكبر من الطابق السفلي .. ومن أجل الوصول له سارت

في رواق طويل مغطى بسجاد أحمر فاخر وقد عُلقت على جدرانه

مصابيح تأخذ شكل أزهار من الكريستال اللامع أضاءت فيها

المصابيح الصغيرة كالبلور معلقة في حاملات فضية منحنية

بنتوءات تشبه الأوراق .. ولوحات ضخمة رائعة زينت تلك

الجدران جعلت رأسها يستدير معها وهي تسير ببطء وكم شعرت

بأنه طويل عن المرة الوحيدة التي سلكته فيها سابقاً ويبدو بأن

ثرثرة ساندرين السبب حينها !

وما أن وصلت تلك القاعة الواسعة ودفعت بابها المرتفع ودخلتها

حتى نظرت لتفاصيلها بدهشة فقد بدت لها مختلفة بالفعل عن

السابق حين كانت تعج بالضيوف فبدت الآن واسعة هادئة

بأنوارها الخفيفة التي اقتصرت على الأضواء المخفية المصممة

مع ديكور السقف بينما سبحت الثريا الضخمة في الظلام التام

تلمع قطعها الكريستالية بطريقة مبهرة تحت الضوء الخافت كما

زجاج اللوحات الفنية الكبيرة المعلقة على الجدران مما يشعرك

بالانبهار وشفافية المكان وجماله وكم يختلف عن ذاك الوقت الذي

كان يعج فيه بالضيوف وضحكاتهم وأحاديثهم المتداخلة المرحة .

انتفضت بخوف والتفتت للوراء فوراً ما أن شعرت بالخطوات التي

اجتازت الباب الضخم خلفها وبالكاد استطاعت أن تتنفس بشكل

طبيعي ما أن تبينت هويته .. وكم حمدت الله أن كان هو وليس

شقيقه ذاك فقالت مبتسمة بإحراج

" آسفة لتطفلي .. أردت فقط أن أرى المكان وهو فارغ "

قال وقاص مبتسماً

" لا داعي للإعتذار ماريه يمكنك التنقل هنا حيث وكيف تشائين ،

أنا فقط وجدت الباب مفتوحاً واستغربت ذلك "

استغرب ذلك !! هي من عليها أن تستغرب هذا وأن يسلك ممراً

غير وجهته ليصل إلى هنا ؟! فهل هو معتاد على تفقد المكان

والحركة فيه ليلاً ؟ حتى أنه لازال يرتدي بدلة رسمية ويمسك

حقيبة في يده أي أنه سيكون عاد للتو ! نظرت حولها وقالت

مبتسمة

" المكان وهو فارغ هكذا أروع بكثير من السابق "

ضحك ضحكة عميقة قصيرة وقال

" لن يشاركك الكثيرين في هذا الرأي وسيحكمون عليك بأنك فتاة

انطوائية "

عبست ملامحها الرقيقة بأسى فهل هذه صفة جديدة كانت تجهلها

وعليها تقبلها أيضاً ؟ لكنه سرعان ما بدد تلك الشكوك وهو يقول

مبتسماً

" وأنا أراك عكس ذلك تماماً فأنت فتاة تملك هالة قوية حولها

تجذب المرء للتحدث معها ولاستكشافها أيضاً "

تلون خداها بإحراج وقالت بضحكة صغيرة

" لن أعتبر هذا تغزلاً أبداً ؟ "

ضحك كثيراً وقال

" لا بالطبع أرجوك فتيم من المقربين لي "

وتشاركا في ضحكة مرحة وقال

" كل ما عليك هو أن تفكري كالانجليز بأنه مجرد رأي حول

شخصيتك "

رفعت كتفيها وقالت مبتسمة

" هل تقصد بهذا بأن النساء العربيات يفهمن الرجال بشكل

خاطئ دائماً ؟ "

قال مبتسماً
" لن ننكر أن البعض منهن بلى ... تستجيب للعفوية بسرعة

وسرعان ما تظن بأن الرجل متيم بها "

تنفست بقوة تحرك رأسها بإحتجاج رافض فابتسم قائلاً

" كيف وجدت إقامتك هنا ؟ أتمنى أن تكون فكرتك عن كل شيء

مشابهة لهذه الغرفة "

قالت مبتسمة برقة

" بلى القصر بأكمله رائع وشعرت بالفعل وكأنني وسط عائلتي "

قالتها بصدق متغاضية عن كلمات نجيب التي ترى نفسها جزء

من السبب فيها .. ونظرات زوجته تلك التي قد تعذرها كون هذا

الرجل المميز زوجاً لها .. ونظرات والدة نجيب التي تشعر بأنها

موجهة للجميع وليس لها وحدها أو أنها جزء من شخصيتها !

وتابعت بذات ابتسامتها الرقيقة التي تشبهها في كل شيء

" فقط ما ينقصه كما يبدو لي بعض الاطفال أو الكثير منهم

بالنسبة لحجمه "
رفع حاجبيه بدهشة مبتسماً وقال

" أطفال !! "

دست يديها خلف ظهرها وحركت كتفيها قائلة بابتسامة

" أجل فهو كئيب نوعاً ما وأرى أن الأطفال هم ما يحتاجه كل

منزل لتشعر بالحياة تدب في أركانه "

فأمال شفتيه بابتسامة وقال

" أوافقك الرأي لكني أراه أمراً مستحيلاً في هذه العائلة أن يصبح

ممتلئاً بالأطفال بالنسبة لحجمه وبا.... "

وانقطعت كلماته بسبب التي دخلت من الباب المفتوح لتقف فجأة

تنظر لهما ولم تكن سوى زيزفون ... فابتسمت ماريه من فورها

ابتسامة سرعان ما خفتت حتى اختفت ونظرها ينتقل بينهما

وشعرت على الفور بأن الأجواء بدأت تنتقل للإضطراب وكل واحد

منهما قد أشاح بنظره بل وبوجهه سريعاً عن الآخر !! بينما تابع

وقاص حديثه السابق وقد انتقلت لهجته للبرود فجأة ! بل بما هو

أقرب للسخرية ينظر للبعيد قائلاً

" لكن قد يفعلها نجيب قريباً ويحقق ذلك وتنجح خطته الجينية

الحمقاء تلك "

وغادر ما أن أنهى جملته تلك مجتازاً الواقفة عند الباب والتي

انقبضت أصابعها على الورقة التي كانت تمسكها بها وكأنها

تخفي انفعالاً ما فيها قبل أن ترفعها ناحيتها وقالت ببرود

" لم أجدك في غرفتك فتوقعت أن تكوني في غرفة الشاي

أو هنا ... هذه من أجلك "

فرفعت يدها وأخذتها منها فوراً تنظر لها باستغراب ولم تترك لها

مجالاً لا لتسأل ولا حتى لتشكرها وهي تغادر المكان أيضاً ! نظرت

للورقة الملفوفة التي تجعد طرفها بين أصابعها تقلبها باستغراب

خالطه الكثير من الفضول وفتحتها من فورها لتتسع عيناها

بدهشة هامسة

" يا إلهي ... ما هذا !! "
وهي تنظر لخطوط قلم الرصاص المتداخلة والمظللة في شكل

صقر فارداً جناحيه تفاصيله تظهر بوضوح وبشكل مبهر وكأنه

حقيقي أمامها بينما تخللت خطوط جناحيه فراغ واسع لم يكن

ورقة بيضاء خالية بل عينان بشريتان استطاعت فوراً أن تتعرف

عليهما ولمن تكونا وهو تيم !! بل وبأدق تفاصيلهما وحتى النظرة

القوية المسيطرة الباردة وكأنه ينظر لها فهمست مجدداً بدهشة

" ما أروعها !! "
وحضنتها دون شعور منها وكأنها تحصنه هو فهي صورت

شخصيته بالفعل وكم تشعر بأنها تشتاق له ، هي فعلتها إذاً من

أجلها لأنها سألتها عن رسوماتها سابقاً ؟ نظرت للباب المفتوح

ولم تستطع ولا اللحاق بها لغرفتها وشكرها خشية أن تلتقي

بزوجها هناك فهي لا تعلم بعد حدود علاقتهما المضطربة كما يبدو

لذلك قررت فقط العودة لغرفتها فتجوالها في المكان يبدو لم يكن

أمراً صائباً .

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 56 others like this.
رد مع اقتباس

  #12137 
قديم 10-06-19, 09:48 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

نظر جهة باب الحمام وللخارجة منه تلف حول جسدها منشفة

الاستحمام الخاصة بينما تناثر شعرها المبلل على كتفيها تنظر له

باستغراب ويعلم بأنها لم تكن تتوقع أن يختار النوم عندها الليلة ،

دس يده خلف رأسه يتكئ به على ظهر السرير ونصب ركبته ومد

يده الأخرى ناحيتها قائلاً

" تعالي هيا "

لكنها لم تتحرك من مكانها واستمرت في تحدق فيه بجمود فقال

بابتسامة جانبية

" حسناً جيد لا تتحدثي تعالي فقط فهذا ما أريده "

" لما أنت هنا يا سلطان ؟ "

كان سؤالها قوياً وليس أحمقاً كما سيظن أي رجل في مكانه

الآن .. وبالرغم من ذلك قال وببرود وهو ينزل يده

" هل تسأل امرأة زوجها عن هذا ؟! "

شدت المنشفة على جسدها قائلة بضيق

" أجل حين يكون في وضع كوضعك بل ووضعنا جميعاً فلما لم

تكن جاهزاً حين طلبت سابقاً أن نتحدث ؟ بينما الآن فلديك من

الوقت ما يكفي ! "

فاستوى في جلوسه في رد فعل دفاعي وقال بضيق مماثل

" بالله عليك يا امرأة لا تسمعيني موشح ضرتيك فبسبب ذلك

فررت من كلاهما .. ستجعلونني أكره أولادي بسبب كثرة الثرثرة

على رأسي "

لكن ذلك لم يجعلها تتراجع عمّا كانت تريد قوله ومنذ وقت تنتظر

فقط أن يترك مشروعهم ذاك ويصبح هنا فانفجرت بغضب

" وضرار ابنك بل وابني فمن سيتحدث عمّا يخصه ويعانيه

غيري ؟ "

فرد يده ناحيتها وكأنه يستحثها على الكلام قائلاً

" رائع وما هذا الذي يعانيه ابنك أيضاً ؟ فأنا لا أسمع سوى هذه

الكلمة عنهم منذ أتيت "

قالت من فورها وعيناها تمتلئ بالدموع حسرة على ابنها الوحيد

البعيد عنها

" وما في وضعه لا يكون معاناة وهو منفي في تلك المدرسة

البعيدة ؟ "

فتعالى صوته صارخاً أيضاً حينها

" ذاك المكان الأنسب لإبنك وأنت تعلمين ذلك جيداً "

فارتجف صوتها بعبرة رفضت أن تتجاوز حلقها وقالت بأسى "

إن كنت أعلم ما احتججت ... ابني يمكنه الدراسة هنا وأمام

ناظري فما الداعي لذ.... "

فقاطعها برفض غاضب يشير بسبابته للأسفل

" هنا !! أتري هذا المنزل بات ينفع ولا للتنفس فيه ليناسب

ابنك ! فأي دراسة هذه التي سيركز فيها هنا ؟ "

شدت قبضتها جهة صدرها تنظر له بعينين دامعة تزم شفتيها

بقوة فقال بحزم من قبل أن يحدث ما يتوقعه ويعلمه جيداً

" ضرار يحب دراسته ومتفوق فيها ولا يهتم إلا بتحقيق طموحاته

من خلالها ، وإن بقي هنا فسنكون في نجيب آخر بالتأكيد "

ونظر لها بقوة وكأنه يقول لها وأنت من سيكون سبب ذلك

بتسميم أفكاره ناحية أشقائه .. وكما توقع أيضاً فقد ادعت

ومتعمدة الغباء وبأنها لم تفهم من ذاك شيئاً فتلك طباعها لا تهتم

إلا بما تريده فقد قالت صارخة بانفعال لم يخفي حجم رفضها

لمقارنتها بضرتها تلك

" ولما ابني تحديداً من تخاف عليه وتبعده ؟ ماذا سيحدث

مثلاً إن .... "

فقاطعها بصوت أعلى وهو يغادر السرير صارخاً

" ضرار ابني أيضاً وأعلم مصلحته وما ينفع له أكثر منك

ولا تناقشيني في الأمر مجدداً "

وغادر الغرفة بل والجناح بأكمله ضارباً بابه خلفه بقوة وسار في

أروقة الطابق مجتازاً الصالون المخصص له ونزل السلالم الذي

يربطه بالمكان الغارق في صمت الأموات أكثر من الذي يليه ! أو

هكذا اعتقد فقد توقف في منتصفه فجأة ينظر للذي خرج من

جهة الممر الغربي والموصول بصالة الاحتفالات ولم يكن سوى

وقاص ووجهته باب المنزل الذي يبدو دخل منه منذ قليل فثيابه

لازالت ذاتها لم يغيرها !! بل وبخطوات واسعة قوية يتقنها

الرجال وحدهم في أوقات الغضب المكبوت ..! تلاه صوت صرير

عجلات سيارته مما يؤكد كل ذلك فتنهد بضيق مغمضاً عينيه

اللتان ما أن فتحهما حتى ارتفع حاجباه فوقهما يراقب التي

خرجت أيضاً ومن ذات المكان وبخطوات شبه راكضة لتقف فجأة

وفي منتصف طريق سيرها ونظرت جهة باب المنزل الذي تركه

من غادر قبل قليل مفتوحاً وصوت هدير سيارته المبتعدة لازل

يسمع وإن كان بعيداً .. صاحبة القوام النحيل الممشوق والشعر

الفاتح والحضور الغامض .. فهل خرجت خلفه لتدركه لذلك كانت

مسرعة وتوقفت تنظر هناك ؟! أم أنها أرادت فقط معرفة وجهته !

راقبها بصمت وهي تلتقط أنفاسها قبل أن ترمي شعرها الأشقر

الطويل من كتفها خلف ظهرها وتابعت سيرها لكن في اتجاه

معاكس للجهة التي كانت تنظر لها حتى اختفت خلف ممر غرفتها

في الجانب الآخر فاشتدت قبضة يده التي كان يمسك بها سياج

السلم الخشبي وزم شفتيه بقوة وبدأ بضربها عليه مضمومة

الأصابع قبل أن يصعد العتبات مجدداً وبخطوات واسعة .

*
*
*

تنهدت بضيق تنظر للجالسة على طرف السرير وفي بكاء لم

يتوقف منذ وقت وقالت

" زهور المرأة قد تظن بأنك تبكين شفقة على وضعها وبهذا

ستظهرين بمظهر سيء أمامها "

قالت ببكاء تضرب بكفها على صدرها

" بل أبكي شفقة على حالي أمي وعلى أفعالي "

فتنهدت بضيق وقالت

" هو من طلب أن لا نخبرك ولا يريد إجبارك على أي شيء

ويصر على أن يكون الرأي لك وإن رفضته فما يبكيك في هذا ؟ "

لوحت بيدها قائلة ببكاء أشد

" ليس هذا ما يبكيني أمي ليس هو "

قالت الواقفة فوقها بنفاذ صبر

" ما سبب كل هذا البكاء المخيف إذاً إن لم يكن بسبب هويته ؟! "

وراقبتها بضيق وقد مررت أصابعها في شعرها القصير للخلف

بعنف قائلة ببكاء غاضب

" ليس لدي ما أقوله أمي فارحميني أرجوك "

فضربت بيديها على بعضهما وسط جسدها وقالت

" لا يمكنني تحقيق ذلك لك فالرجل ينتظر رأيك ليعقدوا قرانكما

ويصر على سماع موافقتك أولاً فقولي ما لديك ثم يمكنك البكاء

كيفما تشائين "

غطت شفتيها بظهر أناملها وحركت رأسها إيجابا هامسة ببحة

بكاء

" موافقة أمي ... موافقة "

وليس أمامها سوى الموافقة لا تعلم من أجل والدته أم من أجله

أم بسبب ما فعلت ؟ لكن ما تعلمه جيداً بأنه لا سبيل للرفض بعدما

قالته والدته ورؤيتها لدموعها وسماعها لرجاءاتها الحزينة وبعد

كل ما فعله من أجلها وما قال في آخر مرة تقابلا فيها ولا سبيل

لتكفير ذنوبها غير ذلك ... وتحار فعلاً أهو السبب الحقيقي أم

لأنها تعلقت فعلياً بذاك الخطيب المجهول والذي تبين لها الآن من

يكون ؟ وبالرغم من أن رفضها هو ما سينهي جريمتها تلك

ليمضي كل واحد منهما في طريق وتنساها وللأبد ومهما طال

الوقت لكن لسانها أبى أن ينطق بتلك الكلمة ولا تعلم فعلاً ما الذي

ستوقع نفسها فيه إن هو علم بالحقيقة وفي أي يومٍ كان وما

سيئول له مصير زواجهما حينها وهو ابن غيلوان الذي لا يُظهر

غضبه الحقيقي شيء كقصة والده تلك ! كما لا يُخرج الوحش

الكامن داخله شيء مثلها ... لكنها تستحق كل هذا فهي من رسم

مستقبل نفسها بنفسها .

بينما غادرت والدتها مبتسمة ما أن سمعت منها تلك الكلمات

الهامسة الباكية لترجع بعد لحظات وقد وجدتها على الحال الذي

تركتها عليه فتحركت نحوها وأوقفتها قائلة

" هيا يا زهور ويكفيك بكاء لا سبب له ! "
وما أن وقفت على طولها حضنتها قائلة بسعادة

" مبارك لك بنيتي "

وأمسكت وجهها بيديها وقالت تنظر بعينين دامعة لعينيها

المجهدتان من البكاء

" ما أسعدني في هذا اليوم الذي انتظرته منذ حملتك رضيعة بين

ذراعاي "

وكل ما خرج منها صوت ضعيف هامس ببحة

" أصبحت زوجته ؟ "

قالت تمسح الدموع من وجنتيها

" أجل فما كانوا ينتظرونه هو موافقتك فتوقفي عن البكاء هيا

ولتنزلي لوالدته مجدداً فهي لا تتوقف عن السؤال عنك "

حركت رأسها بانصياع وفي صمت وتوجهت جهة المرآة ونظرت

لشكلها فيها .. عيناها المتورمتان من البكاء والكحل الذي سال

منهما في بقعة سوداء مخيفة وخطان قصيران وكأنها دمية

مصاصي دماء !! مسحت عينيها جيداً بالمناديل المخصصة لإزالة

مواد التجميل وأزالت أثار الكحل جميعها ولم تضع آخر غيره ..

وبما أن أحمر الشفاه ثابت اللون ولم تفقده أو تفسده ابتعدت عن

المرآة وتركت الغرفة أيضاً ونزلت السلالم قاصدة المرأة الجالسة

هناك والتي لن تراها إن كانت متزينة أو حتى مشعثة وقد

استيقظت من النوم للتو وكم تشعر بالأسى لحالها ولم تفهم حتى

الآن ما السبب في ماضيها ذاك المرتبط بفقدانها لبصرها

كما قالت ؟ ما تعرفه وباتت متأكدة منه أنه ثمة مآسي كثيرة

لدى هذه العائلة مرتبطة بماضيهم البشع ذاك !.

ما أن وصلت عندها حتى مدت تلك يدها لها قائلة بابتسامة

" تعالي اجلسي بجانبي يا زهور "

ففعلت ما طلبته منها من فورها وحضنتها تلك بذراعها هامسة

وكأنها تحدث نفسها

" حمداً لله ... حمداً لله "
فاتكأت على كتفها مغمضة عينيها تستنشق رائحتها الغريبة

المميزة ! وفهمت حينها لما قالت ما قالته سابقاً .. هي تبدو كانت

تحاول إقناعه بالزواج وهو كان يرفض لذلك تُظهر كل هذه

السعادة .. وهذا ما يحدث مع كل أم ترى ابنها يدفن نفسه في

حزن الماضي فتتأمل في أن استقراره مع زوجة وعائلة قد ينسيه

كل ما عاناه ويُخرجه من كل تلك الهوة التي يدفن نفسه فيها .

وثبت واقفة كالملسوعة ما أن قالت والدتها من بعيد

" تعالى ادخل يا أويس "

وشعرت بضربات قلبها تعدو في سباق طويل وكأنها لم تراه ولم

تعرفه سابقاً ! وسرعان ما شغلت نفسها بمساعدة والدته على

الوقوف ما أن فكرت تلك بفعلها متجنبة النظر له وخطواته تقترب

منهما وشعرت بمشاعر متضاربة اتجاهه لم تفهمها ولم تعرفها

سابقاً ! بل تشعر بأنها جمعت جميع تلك المشاعر التي عرفتها

ناحيته وبشخصيتيه المعلومة لها والمجهولة .. أو هكذا كانت

تظن حتى وقف قربها وشعرت بيده وذراعه تحيط كتفيها وأصابعه

تلتف حول ذراعها العاري الذي ارتجف لملمس أصابعه حاله حال

باقي جسدها ولازالت تنكس رأسها للأسفل وما أن قالت والدتها

ضاحكة

" لم تتوقف عن البكاء اليوم واحترنا في أمرها جميعنا ! "

حتى انهارت حصونها مجدداً وأخفت عيناها في ظهر كفها وعادت

دموعها للتمرد على عينيها واتكأت على كتفه ما أن شد ذراعه

حول كتفيها أكثر يدنيها منه وقبّل رأسها وهمس بصوت متزن

عميق

" اتركوها فأنا ظلمتها وأخطأت في حقها مراراً "

فلم يزدها ذاك سوى بكاءً وتعلقاً به وذراعاها تلتفان حول خصره

وطغى الندم فوق أي مشاعر أخرى انتابتها حينها بينما لامست يد

والدته كتفه وقالت بصوتها الحنون الدافئ

" مبارك لكما بني وأراني الله أبنائكما قريباً ... فقط لا

تتأخرا بهم "

وقالت آخر كلماتها بابتسامة مداعبة فضحك أويس وقال ناظراً

للتي لازال رأسها يتكئ على كتفه .. بل وقد دست وجهها فيه

محرجة

" عليك بها إذاً فوالدها اشترط أن تحدد هي كم من وقت تحتاجه

وكيف تريد حفل زفافها وأين ... بالنسبة لي كنت لآخذها معنا

الليلة وستحملين حفيدك خلال أشهر "

وتشارك ووالدته والدتها أيضاً الضحك ما أن ركضت مبتعدة

عنهم وصعدت السلالم من فورها فقال مبتسماً ونظره يتبعها

حتى اختفت

" أمي لقد أحرجتها "

فضحكت وقالت
" أنت من فعلها وليس أنا ... رجال هذا الوقت كم تغيروا

عن السابق ! "

فابتسم وفرد يديه ناظراً للواقفة بجانبها وكأنه يقول لها أعجزتني

عن الرد فضحكت وقالت

" ألن تغير رأيك وتبقيا للعشاء معنا ؟ "

نظر لساعته وقال

" في المرة القادمة فالطريق يأخذ وقتاً وسنصل ليلاً بالرغم

من مغادرتنا الآن "

*
*
*

دخلت من باب المنزل ورمت حقيبتها كما حجابها على الأريكة

وسألت الخادمة التي توجهت نحوها مبتسمة

" أين هو قاسم ؟ سيارته في الخارج فمؤكد لازال هنا "

قالت مبتسمة

" في غرفتك سيدتي .. هو هنا بالفعل ومنذ وقت طويل "

فتحركت من فورها في ذاك الإتجاه وما أن وصلت باب الغرفة

المغلق وقفت أمامه تقضم ظفرها مبتسمة فإن حسبت الوقت من

اتصاله بها صباحاً فقد مرت ساعات كثيرة .. لكن الأمر لم يكن

بيدها فهي انتظرت والدتها لتستأذنها ثم رعد حتى عاد ليجلبها

إلى هنا لأنه سيغضب بالتأكيد إن هي جاءت في سيارة الحرس

وهي كذلك لن ترضى بذلك ولا والدتها ووالدها من قبلها .

أدارت مقبض الباب ببطء وفتحته ليقع نظرها فوراً على الواقف

أمام النافذة مولياً ظهره لها والذي التفت ناحيتها من فوره

وأمسك خصره بيديه وقال بضيق عاقداً حاجبيه الطويلان

" آمنت الآن أني بالفعل رجل أحمق "

فخرجت منها ضحكة صغيرة وهي تركض نحوه وحضنته فور

وصولها له ذراعاها تحيطان خصره بقوة تدفن وجهها في صدره

وقالت مبتسمة

" اشتقت لك "

ليتبخر كل ذاك الغضب والاستياء الذي بدأ يتلاشى أساساً منذ وقع

نظره عليها وداعبت أصابعه شعرها قبل أن تسقط حصونه

ويحضنها بقوة مبتسماً وهمس من بين أسنانه

" من الذي يتحدث عن الشوق يا كاذبة أنا أم أنت ؟ "

أبعدت وجهها عن صدره ونظرت لعينيه وقالت مبتسمة

" أقسم أني اشتقت لك "

فتأوه مبتسماً وأمسك وجهها بيديه لتتحول تلك الابتسامة للحنق

وأبعد يديه عنها متأففاً ما أن انفتح باب الغرفة فاستدارت من

فورها ناحية الذي دخل منه وقد قال مبتسماً

" علمت أنه ثمة امرأة جميلة دخلت المنزل الكئيب منذ قليل ؟ "

فابتسمت له بحب وركضت نحوه وارتمت في حضنه قائلة

بابتسامة

" جدي ... كم اشتقت لك "

فضحك وقال وأصابعه تلاعب خصلات شعرها

" كاذبة كوالدتك تماماً "

فقال من تركته خلفها ببرود مكتفاً ذراعيه لصدره

" قالت كذبة مشابهة منذ قليل ... وها قد شهد شاهد من أهلها "

فضحك دجى بينما تمسكت هي بحضنه بقوة وقالت مبتسمة

" اشتقت لك أنت فقط جدي .. تصدقني أليس كذلك ؟ "

وقالت آخر كلماتها تلك تنظر مبتسمة للواقف بعيداً ينظر لها

بضيق يدس يديه في جيبيه بينما ضحك دجى وقال

" أعرفك لا تكذبين أبداً إلا إن تغيرت طباعك مؤخرا بسبب

أحدهم "

وضحك فوراً على نظرات قاسم التي اختلطت بين الصدمة

والاستياء والتي تبدلت للحنق فور أن دخل شخص آخر من باب

الغرفة وكان مطر فقال بضيق يرفع يده جانباً

" ومن بقي أيضاً ؟ أين عمك الآخر لم يأتي ؟ "

ليدخل صقر حينها بالفعل قائلاً بضيق تمثيلي يمسك خصره بيديه

" أسمع أحدهم يذكرني ! "

فتحرك قاسم حينها ووجهته الباب وقال مجتازاً لهم

" بما أنكم مجتمعون أريد زوجتي في منزلي وأوجدوا لمشاكلكم

حلاً "

وخرج من فوره فنظر مطر لصقر وقال

" كنت أبحث عنك لما لا تجيب على هواتفك ؟ "

وغادرا من فورهما يتناقشان فيما لم يهتم من تركاهما خلفهما به

وقال دجى بضحكة ينظر للتي كانت ترفع نظرها له مبتسمة

ولازالت تنام في حضنه

" أيتجاهل الجميع ذاك الرجل بإجحاف هكذا ؟ "

قالت بضحكة صغيرة

" لا أظن أن عائلة الشاهين سيسلموا حفيدتهم لأي رجل

بسهولة "

ضحك وقال يسير بها نحو السرير

" أعانه الله عليك وعلينا ... لن أستغرب هذا ولن تختلفي عن

والدتك وجدتها "

فابتعدت عنه بابتعاده حينها وقالت تراقبه وهو يقترب أكثر من

السرير وحده بينما أمسكت خصرها بيديها

" ولما لم تذكر جدتي أيضاً ؟ "

فابتسم وارتمى على السرير بتنهيدة طويلة وقال ينظر لها

مبتسماً بمكر

" لا أميمة كانت مختلفة وليس ثمة امرأة مطيعة مثلها في

الوجود ... تلك جيناتكم لوحدكم "

فسحبت الكرسي وجلست عليه أمامه وقالت بحماس

" أخبرني إذاً عن والدتك جدة والدتي وفيما نتشابه بالفعل ؟ "

ابتسم وقال

" سأخبرك بما أعلمه عنها فأنا لم أراها سوى لمرة واحدة في
حياتي "

حدقت فيه بدهشة قائلة

" مرة فقط ! "

وكم شعرت بالحزن من أجله فهو عانى ما لم تعانيه هي التي

كانت ترى نفسها الأتعس على الإطلاق حين حُرمت من رؤية

والدتها لكن ما قاساه هذا الرجل أسوأ بكثير فهو حرم من والدته

ثم زوجته ثم ابنته بل ومن حريته أيضاً وهويته ، قالت بفضول

خالطه الكثير من الحماس

" وكيف كانت وما الذي تعلمه عنها ؟ "

ولم تستطع ابتسامته حينها إخفاء حزنه ما أن قال

" أتري والدتك الآن ؟ هي تشبهها في الكثير من ملامحها غير

أن تلك الخماصية بعينين زرقاء وشعر فاتح "

ارتفع حاجباها الرقيقان هامسة

" هي خماصية ؟! "

قال من فوره

" أجل ومن أين سيكون لك لون عيناك هذا إذاً وأنت من عمق

قبائل الحالك ؟ "

شدت يديها في حجرها في قبضة واحدة وقالت بفضول

" لكن لا أنت ولا والدتي كذلك ؟ وما أعلمه أن تلك قبائل تورث

صفاتها بقوة ! "

رفع كتفيه وقال

" لا تنسي أن السلالة اختلطت بالحالك .. وستجدي تلك الصفات

في عائلتك مستقبلاً وإن كان زوجك من الجنوب أيضاً "

نظرت له مبتسمة بحماس وقالت

" أخبرني عنها أكثر فيبدو من حديثك في البداية أنها

امرأة قوية "

ضحك وقال

" قوية فحسب ! لو تعلمي فقط كيف تزوجت بجدك شاهين "

فحركت رأسها مبتسمة بحماس ليتابع فابتسم وقال

" عائلتها هم الشهبان وهي عائلة ارتبط اسمها لأعوام طويلة

بالمتسللين عبر الحدود والمتاجرين بذلك أيام الحرب الأهلية

في البلاد "

اتسعت عيناها بصدمة هامسة

" قُطاع الطرق تعني !! "

قال من فوره

" لا هم ليسوا كذلك .. لم يكونوا ممن يسرقون المتسللين عبر

الحالك والهازان ويقتلون من أجل ذلك .. هم كانوا يحفظون تلك

الحدود شبراً شبراً ويتحركون خلالها وكأنها شوارع مدنهم في

خماصة فيساعدون من يريد التسلل من هناك مقابل المال "

قالت باستغراب

" أتعني أي متسلل ومهما كان غرضه ؟ "

ابتسم وقال

" أجل فتلك ليست من خصوصياتهم كما يرونها حتى إن كان ذاك

المتسلل قاتلاً أو قاطع طريق فهم يأخذون المال على مهمتهم تلك

وينصرفون ، حتى أنهم يتعرضون لهجمات قطاع الطرق دائماً

وحروباً دامية تنشب بينهم حين يتعرض أي منهم للآخر "

قالت بتفكير

" هم خارجون عن القانون إذاً وإن اختلفت نواياهم ؟ "

حرك رأسه إيجاباً وقال

" أجل لكن ذلك تغير فيما بعد فتلك العائلات من أهم من ساعد

والدك حين حرر الهازان من قبضة ابن راكان وجنوده "

حركت هي رأسها حينها لكن بحيرة وقالت

" كم غريبة هي قصتهم تلك وحياتهم المحفوفة بالمخاطر !! "

ابتسم وقال

" بل والأغرب من كل ذلك وما لا تعلمينه بعد بأن نسائهم مثلهم

تماماً بل وفتياتهم أيضاً "

قالت بصدمة

" النساء !! "

ضحك وقال

" أجل ويتدربون على ذلك منذ صغرهم والطفل فيهم يحفظ خط

الحدود منذ نعومة أظافره والفتيات كذلك ، بل وبعضهن أشد

مهارة من الرجال وهذا كان سبب تعرف والدي بوالدتي تلك "

صفقت بيديها بحماس مبتسمة وقالت

" يبدو ثمة حادثة مثيرة جمعتهما "

فضحك على حماسها ذاك وقال

" ليست الحادثة الأمر المثير في الامر بل ما حدث بعدها "

وتابع مبتسماً ينظر لعينيها المحدقتان فيه بفضول وحماس

" كان جدك شاهين كما أعمامك وكما أشقائه وجميع عائلتنا

يحاربون كل تلك الجماعات وبجميع مسمياتها ويقودون

مجموعات من الجنود لذاك الغرض لِما كانت تسببه كل تلك

الجماعات والخروقات من مشاكل وقتل ونهب وخلط في الأنساب

وكان والدي في إحدى العمليات تلك وأغاروا على مجموعة

منهم كانت تعبر حدود الحالك ونجح بعضهم في الفرار ممن كانوا

الأمهر في التسلل والهرب وقتلوا اثنين واعتقلوا المجموعة التي

استخدمتهم ، ولحاقهم بالفارين لم يخرج بنتيجة تُذكر سوى

القبض على فتى جريح كما كانوا يظنون والذي رغم إصابته كاد

أن ينفذ بجلده والتي لولاها ما استطاعوا الإمساك به ليكتشفوا

فيما بعد بانه ليس سوى فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من

عمرها "

اتسعت عيناها بذهول وابتسمت بحماس قائلة

" وكانت تلك والدتك ؟ "

أومأ إيجاباً وقال

" أجل ولأن جميع رجال تلك العائلة أو الخارجين في تلك المَهمة

ملثمين كعادتهم دائماً كان يصعب معرفة من يكونون بل وحتى

جنسهم وكان والدي تحديداً من أمسك بها "
وتابع بضحكة صغيرة " والمثير في الأمر هو ما قالته له وهو في

غمرة صدمته بما يرى أمامه ومن كانت عكس ما كان يظن "

قالت بفضول

" ماذا قالت وهي الأسيرة لديهم حينها ! "

قال مبتسماً

" لقد قالت له وبكل قوة وكأنها ليست الأضعف حينها

( إن قتلتني سيلحق بك الثأر ما حييت وإن انتهكت عرضي

فستلحق بك لعنتي لإبن الإبن )

وحين قال لها

"وماذا إن لم يكن مصيرك لاهذا ولا ذاك قالت وبكل ثقة"

( ستتزوجني وسيتحدث التاريخ عن سلالتك فيحكم رجالها

البلاد وتحكم نسائها الرجال ) "

وضحك من فوره فقالت بضحكة دهشة

" تبدو كانت واثقة من أنه وقع فريسة حسنها وبأنه ليس ممن

يقتلون ولا ينتهكون الأعراض ؟ "

قال بهدوء باسم

" أجل كانت واثقة من نفسها كثقتها بالواقف أمامها .. وأي رجل

هذا الذي كان سيقاوم قوتها وثقتها وحسنها الفريد من نوعه ؟

فحتى حين رأيتها في تلك المرة الوحيدة وأنا شاب يافع كانت

بحسن لم تراه عيناي فكيف وهي أصغر من ذلك بكثير ؟ "

قالت بفضول

" وكيف علمت بأنه ليس من ضمن خياراته أن يرجعها

لعائلتها ؟ "

ضحك وقال

" ذاك شيء تفهمونه أنتم النساء وليس نحن "

فاحمر خداها خجلاً وقالت تغير مجرى الحديث

" ولن يكون تزوجها بتلك الطرق الغير شرعية سابقاً وبدون

علم وليها وتوقيعه بالتأكيد ؟ "

ابتسم وقال

" أجل وتلك حكاية طويلة قد نتحدث عنها في وقت آخر فهي

تزوجت وبطرق مختلفة من ثلاث رجال آخرين من الحالك وأنجبت

طفلا من كل واحد منهم ولم يُنسب أي أحد لوالده عداي "

حدقت فيه بصدمة وقالت

" لكن كيف ولما ؟! "

حرك رأسه بعجز قائلاً

" لا أعلم ولا أملك جواباً ! وما أنا واثق منه أنها لن تتزوج

بطرق غير شرعية أبداً .. ورغم ذلك منحت أبنائها لقب عائلتها

هي عائلة الشهاب "

دارت مقلتاها الزرقاء بعيداً عنه بتفكير قبل أن تنظر له مجدداً

قائلة

" وماذا عن أبنائها أولئك ؟ هم أشقائك جدي أليس كذلك ؟

أتعرف من يكونون وأين ؟ "

تنهد بحزن وقال

" نعم بل عائلات من مات منهم فزهراء تزوجت من رجل نسب

لوالدته أيضاً لأن والده رفض الاعتراف به وبأنه ابنه بالرغم من

زواجه من والدته وأنجبا توأمان رائعان واجها مصاعب كثيرة

دمرت حياتهما لأعوام .. أما سلافة فأنجبت ابناً وابنة لا يقلان

عن ابني خالتهما في شيء وكلا شقيقتاي توفيتا واحدة مريضة

والأخرى محترقة في جريمة لم تُفهم ملابساتها حتى الآن ..

وشقيقي بشير لم يتزوج ولا عائلة له ويبدو لي أنقذ نفسه

وسلالته "

قالت بملامح حزينة بائسة

" يا إلهي .. لما يكون مصيرهم جميعاً هكذا ! "

وتابعت ولهجتها كما ملامحها تنتقل للاستغراب

" بل كيف استطاعت أن تخطف قلوب الرجال هكذا لتتزوجهم

الواحد تلو الآخر ! بل لن أستغرب هذا إن كانت والدتي تشبهها "

ضحك وقال

" بالفعل وإن تركها والدك حرة بعده لكانت تزوجت كلما طلبت

الطلاق من زوجها الأسبق "

قالت بضحكة صغيرة

" وهو يعلم ذلك جيداً لهذا أحكم قبضته عليها "

فقال مبتسماً بمكر

" وها قد تحققت رؤية جدتك تلك بالفعل "

فضحكت وقالت

" لا جدي هي لم تصدق في أننا نحكم الرجال "

هز رأسه ينظر لها نظرة تفهمها وقال

" بل صدقت وأبنائكما سيكونون كذلك وستنجبان رجالا أقوياء

عظماء يحكمون البلاد "

وتنهد بحزن وقال بوجوم ينظر للفراغ

" بل وقد حدثت جميع خياراتها التي طرحتها أمامه فقد لحق

بسلالتهما الثأر أيضاً كما اللعنة التي تبدو شملت جميع

سلالتها تلك "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" أي لعنة تعني جدي ؟ "

نظر لها وقال بعبوس

" أعني أن أحفادها جميعهم يعانون وقاسو كثيراً ولا أفهم السبب

خلف كل ذلك !! "

قالت والاستغراب لم يغادر ملامحها بعد

" وأين هم جدي ؟ أليسوا عائلتنا ؟ كم ستسعد والدتي إن

علمت بذلك "

فتنهد بعمق نفساً طويلاً خرج من أعماقه الموحشة وقال

" ألم أخبرك بأنها لعنة تحيط بنا ؟ فليس بإمكاني ولا الاقتراب

منهم ولا أنتما ولوقت الله وحده من يعلمه "

غزا الحزن ملامحها الجميلة وقالت تضم يديها جهة صدرها

" كم أنا متشوقة لمعرفتهم والتعرف عليهم .. ولا أصدق بأنه لي

عائلة أخرى ! "

أمسك بيديها وقال ناظراً لعينيها المحدقة فيه بحزن

" تضرعي لله بالدعاء إذاً ليجمعنا جميعنا سوياً ولأعوض

أبناء شقيقتاي كل ما حرموا منه "

*
*
*


لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 52 others like this.
رد مع اقتباس

  #12138 
قديم 10-06-19, 09:49 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

دخل خلفه لغرفة مكتبه وقد التفت له وقال من فوره

" حريق جديد نشب في مزرعة أخرى ولقبيلة غيلوان مجدداً "

فأشاح بوجهه جانباً وأمسك خصره بيديه ولم يعلق فقال صقر

" الأمر يتكرر يا مطر ولا شكوى حتى الآن من أصحاب المزارع

والمتهم ذاته ! "

نظر له وقال بجدية

" لا يمكنني تصديق ذلك ولا حتى التفكير في فعلها ! كيف

لمجموعة فتية مجهولين أن يقوموا بذلك ! ولما لم يتم

التبليغ عنهم ؟ "

كتف الواقف أمامه ذراعيه لصدره وقال

" ما تحصلنا عليه هو أنه ثمة أوامر من شعيب غيلوان تحديداً

أن لا يقوم أحد بالتبليغ عن أي حادث مشابه ! وثمة حديث أيضاً

عن أنه يقوم بتعويض المتضررين من ماله ..!! أي أن الأمر

يخصه من أي جانبٍ كان .. وبما أنه لن يتم التبليغ عن تلك

الحوادث فلا يمكن للشرطة ولا لأي جهاز من أجهزة الدولة

التدخل ولا التحقيق في الأمر "

نظر له بضيق وقال يشير بيده جانباً

" لكن ما يحدث في تلك القبيلة والعائلة تحديداً يعنيني شخصياً "

فقال صقر وبلهجة قوية آمرة

" راقب الأمر عن كثب إذاً وفي صمت وسيتضح لنا كل شيء

فيما بعد ولاتزج رجالاً قد يفقدون أرواحهم على أيدي أولئك

الهمجيين تحت مسمى الجواسيس .. ولا تستهن بشعيب غيلوان

ولا بأبناء قبيلته يا مطر "

أولاه ظهره وهمس من بين أسنان

" تلك العائلة لن تستمر فزاعة ترهب الناس تعجز حتى الدولة

عن قطع أذنابها "

فقال من خلفه وبحزم

" بنزاهة يا مطر لا تنسى ذلك ... أعلم بأنك قادر على زجهم

جميعهم في السجون بأمر واحد منك كرئيس للبلاد أو حتى كرتبة

أقل من ذلك دون أن يعترض أحد لكنك عادل وتأبى أن يقول أبناء

شعبك

( مطر شاهين سجن رجالاً لا تهم قانونية ولا عسكرية
ضدهم )

رجل سيقف صامتاً أمام كبار مشائخ قبائلهم حين يأتوك وفداً

يسألون عن تهمهم وعن عدلك وإنصافك "

فاستدار نحوه مجدداً وقال بضيق فارداً ذراعيه جانباً

" وهل يكبلني غير هذا ؟ هذا وحده ما يجعلني عاجزاً حتى عن

حماية زوجتي وابنتي دون أن أكون أول من يؤذيهما "

وتابع يشير بسبابته جانباً

" فسأواجه ذات السؤال من كبار مشائخ قبائل الجنوب
( من أجل ماذا تفعل كل هذا أيها الزعيم العادل ) "

وصرخ بحدة يرمي بيده جانباً وبعنف

" سحقاً للعدالة التي تطال الجميع عداي "

وتنفس بحرقة وغضب مكبوت فأمسكت يد عمه بذراعه وشد

عليها قائلاً بهدوء ينظر لعينيه الغاضبة

" سيكون ثمة حل لكل هذا فقط الآن أعطي أوامرك لجهاز

المخابرات فعلى الخلايا المنتشرة هناك أن توقف نشاطها حالياً

حتى تنتهي مسألة حرق المزارع وتتوقف ، ولا تفكر في البحث

عن السبب ورائها وتُعرض رجالاً للخطر تحتاجهم عائلاتهم أكثر

منا "
فسحب نفساً طويلاً لصدره لعله يطفئ الحريق الذي يشعر به هناك

وحرك رأسه موافقاً فقال صقر

" أخبرني ماذا بشأن زيارة مطار الجنوب العسكري ! لقد .... "

وقطع كلماته فجأة ونظر لقاسم الذي دخل من الباب المفتوح بعدما

دفعه ليُفتح على اتساعه قائلاً

" مطرعلينا أن نتحدث فأنا لا أراك تقريباً ولن أراك قريباً أيضاً "

فعاد بنظر لعمه وقال وكأنه لا يسمعه

"سأرى من يتكفل بذلك لأني مغادرللندن خلال اليومين القادمين "

فنقل صقر نظره لقاسم الذي قال بضيق

" مطر أنا أتحدث معك ! "

قبل أن يعود به لابن شقيقه وقال

" هل هي زيارة رسمية ؟ "

فتأفف ذاك مكتفاً ذراعيه لصدره بينما قال مطر من فوره

" لا هي زيارة سرية وليس مطر شاهين من سيدخلها "

حدق فيه باستغراب وقال

" ولما وفي هذا الوقت تحديداً وأنت تعلم خطورة دخولك

بشخصيتك المزورة السابقة يا مطر بعدما ظهرت للعلن

مجدداً ؟! "

قال باختصار ونبرة باردة

" لأمور طارئة ومهمة لا تقبل التأجيل أكثر من ذلك "

قال ينظر لعينيه

" لكن الأمر يحتاج لبعض الترتيبات فشخصيتك تلك تحتاج حتى

للحية أطول وتسريحة شعر مختلفة فكم سيكون هذا الوقت الذي

حددته بيومين ! "

مرر أصابعه في شعر قفا عنقه ينظر حيث النوافذ المطلة على

الخارج وقال بجمود

" تلك الأمور لا يصعب تغييرها وإن بأشياء مزيفة "

فتنهد الواقف أمامه بعجز من عناده وقال

" على زيارتك تلك أن لا تطول إذاً فلا تنسى بأنه ورائك التزامات

لا يغطيها غيرك من اجتماعات داخلية وخارجية وقمة عربية

مرتقبة أيضاً .. هذا غير استقبال بعض وزراء الدول واجتماع

العالمية للنفط و..... "

قاطعه بجدية ناظراً له

" أعلم عمي .. لا تذكرني بما أعلمه جيداً ورحلتي لن تطول هو

يوم واحد فقط وسأكون هنا مجدداً "

فتنهد بعمق وقال يجتازه مغادراً الغرفة

" حسناً وتذكر فقط بأنه ثمة حرس سيرافقونك على ذات الرحلة

ورغماً عن رأسك العنيد هذا "

وخرج يراقبه الواقف هناك في صمت والذي أغلق الباب بضربة

واحدة من يده بعده ونظر للذي كان ينوي الخروج بعده وقال

" لن تغادر من هنا حتى نتحدث يا مطر "

فدس يديه في جيبي بنطلونه وقال ببرود

" إن كان فيما تحدثت عنه في غرفة تيما فلا حديث بيننا

بخصوصه وأنت تعلم ذلك جيداً "

حدق فيه بذهول وقال

" ماذا تعني بهذا ؟! "

قال من فوره وبذات بروده

" أعني بأنه حسبما فهمت فثمة اتفاق بينكما بشأنه .. أي أني
خارج الموضوع وتفاهمك مع زوجتك وليس معي "

قال بضيق

" مطر بالله عليك من عقلك تتفوه بهذا ! "

وكان هو من قال حينها وبضيق أشد

" لم أعلم عن نفسي يوماً بأني مجنون "

فتنفس بعمق وقال بلهجة حادة

" أثمة من يتفاهم مع امرأة بشأن زواجهما ويترك والدها ! "

كتف ذراعيه لصدره وقال بجمود

" أجل حين تكون تلك المرأة ابنة مطر شاهين ... وعليك أن لا

تُخل بالشروط التي اتفقتما عليها يا قاسم وكن رجلاً عند كلمتك "

فقال يشير بيده جانباً وحيث نوافذ المكتب المرتفعة

" وأنا كذلك لكن أن يرتبط الأمر بقرار من امرأة لن توافق عليا

أبداً معناه أن نعيش على حالنا هذا لأعوام "

وتابع وقد أشار له برأسه

" وابنتك تحبك كما تحترمك ولن يستطيع غيرك إقناعها

وإن مجبرة "

فأشاح بوجهه عنه جهة تلك النوافذ التي عكست حمرة الشفق

خلف المباني البعيدة ودس يديه في جيبيه قائلاً بجمود

" وأنا لا أراك طفلاً بل رجل راشد لن يصعب عليه إقناع فتاة

في الخامسة عشرة بما يريد "

فحدق فيه باستغراب سرعان ما تبدل للضيق وقال

" يقول هذا من لا يعرف عناد من انجب من صلبه وليس أنت "

نظرله وقال بجدية

" إذاً لا تخل بالاتفاق بينكما يا قاسم وأنا واثق من أن ابنتي لن

تظلمك .. وتذكر جيداً بأني في صفها متى ما لجأت لي في أمر

يخصكما وإن كانت الظالمة "

نظر له باستهجان وما أن كان سيتحدث معترضاً قاطعه مشيراً

بسبابته لوجهه

" تذكر حديثنا يوم خطبتها مني يا قاسم وبأنك وافقت .. فأنا لن
أسلمها لك وهي بهذا العمر وأدير ظهري متناسياً الفارق بينكما

وبأني قد أظلمها وإن بتزويجها صغيرة ممن هو أصغر منك"

وتابع وقد نزل بسبابته للأرض بينهما وبذات لهجته القوية

الحازمة

" ولا تنسى أيضاً بأننا وكما سبق وقلت لازلنا في أول الطريق

ولم يشاع ولا خبر زواجكما بعد ويمكنك التراجع وتطليقها الآن

إن أردت ولن يتغير شيء في علاقتي بك ... "

وتابع بجمود وقد أعاد يده لجيب بنطلونه

" ولن أحار في أمر ابنتي وإن علم الجميع بطلاقها فلا يمكنك

حصر عدد خاطبيها وأغلبهم لم يروها يوماً ومطلبهم فقط ابنة
يعلمون أنها ابنتي "

فاحمر وجه الواقف أمامه غضباً وأشار لوجهه بسبابته

وقال بحدة

" أنت هو من إن تطرق مجدداً لموضوع الطلاق وطابور الحمقى

الذين لا مطمع لهم سوى نسبك فسينسى بأن له ابن عمة اسمه

قاسم "

وأولاه ظهره وتابع بغضب ووجهته الباب المغلق

" وابنة لك أيضاً اسمها تيما لأني لن أغادر بدونها وإن غادرت

بها مجبرة أو حتى اختطفتها اختطافاً "

وفتح باب المكتب بقوة وحركة عنيفة وغادر من فوره تاركاً خلفه
الذي حرك رأسه مبتسماً وتحرك من هناك أيضاً وقد همس

بابتسامة وهو يجتاز الباب

" ابنة والدتك أنت يا تيما يحدث فقط ما تريد "

*
*
*

وقفت أمام باب الغرفة تمسك مقبضه بيدها مترددة حتى في إدارته

لتعلم إن كان يمكنها فتحه أم لا .. لقد كان يومها في البرج مرهقاً

وطويلاً ولم تكن تستطع مغادرته في غير هذا الوقت فهو يومهم

الأول بعد الافتتاح وقررت زيارة غرفة عمتها قبل حتى أن تدخل

غرفتها ولا أن تغير ثيابها فهي انشغلت بالأمس كما اليوم وما

علمته بأنها لم تخرج من غرفتها سوى لتناول وجبة الغداء الذي

لم تكن هي متواجدة فيه وبأنها لم تتحدث مع أحد لا ذاك الحين

ولا باقي النهار .. ولن تستطيع تجاهلها ولا تجاهل ما حدث

وتتفهم مشاعرها كما موقفها ولن تنسى أبداً بأنها من قام

بتربيتها والاعتناء بها طفلة مع والدها شراع .

فتحت الباب ببطء فور أن طرقته طرقتين متتاليتين ليقع نظرها

مباشرة على الجالسة على حافة السرير تمسك يدها الصورة التي

سرعان ما خبأتها تحتها لكن ما عجزت عن إخفائه هي الدموع

التي مسحتها من عينيها بقوة فنظرت لها بحزن وامتلأت عينيها

بالدموع سريعاً فهي تعلم ما تكون تلك الصورة وتذكرها جيداً فهي

الصورة الوحيدة التي جمعت بين شراع صنوان وأبنائه الأربعة

ومن ضمنهم الكاسر الذي لم يعد له مكان بعدها بل وجبران أيضاً

رغم وجوده على قيد الحياة ... صورة قديمة بالأبيض والأسود

احتفظت هي بها لأعوام ولوحدها رافضة إعطائها لأي منهم

وهي أولهم بسبب بكائها على شقيقها الوحيد ذاك .

مسحت هي أيضاً الدموع من عينيها وتحركت نحوها بينما لم

ترفع الجالسة هناك رأسها ولا نظرها لها حتى جلست أمام ساقيها

ودفنت وجهها كما ذراعيها في حجرها وانطلقت العبرة التي لم

يكن بإمكانها سجنها وقالت باكية

" عمتي لا تغضبي مني ولا تُحمليني نتائج ما حدث أرجوك

فمحبتي لك أكبر من أن أستحمل هذا "

ورفضت أن تبتعد عنها كما أبت عيناها التوقف عن ذرف الدموع

تكرر رجاءاتها بأن لا تغضب منها حتى شعرت بتلك اليد تمسح

على رأسها فرفعته حينها ونظرت لها بل ولعينيها الدامعة وقالت

ببكاء

" عمتي أقسم أني حاولت معه كثيراً وكنت مستعدة لفعل أي شيء

لكن والدي شراع من كان يرفض ولم أكن راضية أبداً عن الخلاف

بينهما ... عمتي جبران لا يحبني وليست مشاعر حب تلك التي

يحملها اتجاهي لما كان فكر في تدمير حياتي مع ذاك الرجل في

الماضي ولا كانت لتتحول لكره وحقد اتجاهه الآن "

مسحت يدها على شعرها وقالت بهدوء حزين وبحة بكاء

" يكفي يا غسق "

فحركت رأسها برفض وقالت

" لا ليس يكفي عمتي وعليك أن تفهمي حقيقة الأمر فمن يحب

شخصاً لا يمكنه كرهه أبداً ولن يتمنى له التعاسة وإن لم يكن

معه ... أنا زوجة لذاك الرجل ومنذ كنت في العاشرة من عمري

عمتي وإن جهلنا ذلك فزواجي بجبران ما كان ليتم وإن وافقت أنا

عليه كما تعلمين جيداً وتعلمين صدقي حينها وإن وافق عليه

والدي شراع "

وشعرت بقلبها ينتفض بقوة آلمتها حين قالت الجالسة فوقها

بدموع انزلقت على وجنتيها ببطء

" لكننا نخسره يا غسق ... قلبي يحترق عليه ومن أجله "

فأمسكت بيدها بلكتا يديها وضمتها ملصقة لها في شفتيها

وقالت ببكاء " وأنا لست أفضل حالاً منك عمتي وقد جربت مراراً

حتى أني كنت سأذهب له ولليرموك وبطلب منه واكتشفت حينها

أنه ما فعل ذلك إلا انتقاماً من مطر شاهين حتى أنه ساوم بأستريا

وطلبني مقابلاً لها بادئ الأمر ! جبران لا يحبني عمتي وهو بات

يعلم ذلك جيداً .. كما أصبح انتقامه لكرامته كرجل وليس

لمشاعره فهدفه أصبح مطر شاهين وليس غسق "

ورفعت رأسها ونظرها لها وراقبتها بعينين دامعة وهي تُنزل

رأسها كما نظراتها الحزينة فقبّلت يدها وقالت ببكاء

" عمتي أرجوك لا أريد أن أخسرك كما خسرناه ... لم يعد

يمكنني استحمال فكرة أن أفقد فرد آخر من عائلتي التي لم أعرف

عائلة لي غيرها لأعوام طويلة "

وازداد بكائها حدة ما أن أصبحت الجالسة فوق السرير تجلس

بجانبها على الأرض وقد شدتها لحضنها تحضنها بقوة تمسح

يدها علي شعرها تشاركها البكاء وإن في صمت فهي تفهم

مشاعرها وتعلم بأن ما تشعر به اتجاه ذاك الرجل لا يمكنها منح

مثله لسواه ولا أن يتقبل قلبها فكرة العيش مع رجل غيره .. ومن

الظلم لومها على ما تغلبها نفسها عليه ، ولا يمكنها أيضاً نكران

أنها حاولت مراراً ورفضت دائماً الفتور القوي الذي نشأ بين

جبران ووالده فور عودتها من الحالك .. لكن قلبها يتألم لحال ابن

شقيقها الذي خسروه حياً ورؤية ذاك الرجل المدعو مطر شاهين

أو سماع اسمه يذكرها بذلك وبأن دخوله لحياة هذه العائلة كان

السبب في كل ما حدث .. لكن الواقع يفرض نفسه كما قالت فهو

زوجها منذ كانت طفلة .. زوّجه بها والدها الذي أنجبها وبرضاً

تام منه وما كان لقوة على وجه الأرض أن تلغي ذاك الرباط غير

مطر شاهين نفسه وإن رفضت غسق ذلك ، وجبران أخطأ في

تفكيره بأن يدمر حياتها وأن يساوم بها وكأنها قطعة سلاح

وليست الفتاة التي تربت معهم وحمّلها والدهم أمانة لهم

وقت موته .
أبعدتها عن حضنها ومسحت الدموع عن وجنتيها وهمست ببحة

حزينة تجاهد نفسها لرسم ابتسامة صغيرة

" مبارك حملك يا غسق .. كم أتمنى من الله أن يعوضك بهذا

الطفل عن كل ما عشته من فقد وحرمان في الماضي "

أمسكت يدها وقبلتها ودستها في حضنها وقالت بحزن تنظر

لعينيها الدامعة

" وهذا جل ما أتمناه عمتي فهو ما بات يمكنني تحمل كل شيء

من أجله وإن بقيت في هذا العلم بمفردي ، الشعور به ينمو

بداخلي يعطيني القوة للمضي بالرغم من كل ما قاسيته .. إنه

المعنى الجديد للحياة بالنسبة لي عمتي "

امتلأت عيناها بالدموع وحضنتها يتكئ رأسها على صدرها

وقالت بحزن يدها تمسح على شعرها بحنان

" أنت عانيتِ كثيراً يا غسق والله لن ينساك بنيتي وسيعوضك

ومهما طال الوقت " .

*
*
*

اتكئ بمرفقيه على السياج الحديدي يضم يديه ونظره للأسفل حيث

تنعكس الأنوار حوله على سطح المياه الغارقة في الظلام وكآبة

ملامحه كما جمود نظراته ينبئان بمزاجه حينها .. وكيف وهو

يسترجع شريط حياته كاملاً منذ أصبح يعلم من يكون وقاص

سلطان ضرار السلطان ومنذ استطاع نطق اسمه كاملاً بفخر كأي

طفل في عمره وصولاً لهذه اللحظة والتي يفترض بأن يكون له

فيها طفلاً ينطق اسميهما المرتبطان ببعضهما فقد أصبح في

التاسعة والعشرين ولم يمتلك شيئاً ولا ذاك الطفل الذي كان

سيرضى به رغم ظروف زواجه السيئة .

نظر جانباً وتنهد بضيق ليس بسبب أفكاره تلك فقط بل وبسبب

رنين هاتفه في جيبه .. هذه والدة رواح بالتأكيد فالوقت تأخر

ومؤكد كعادتها جالسة تنتظره في بهو القصر .. أو أنه جده وذاك

ما لا يريده ولا يتوقعه أيضاً فعلاقتهما عانت مؤخراً من الفتور ما

جعل عاداته تلك جميعها تتغير ، دس يده في جيب سترته وأخرجه

ونظر للإسم على شاشته بضيق فيبدو أن زوجة والده تلك وجدت

هذه المرة طريقة مختلفة لملاحقته ، فتح الخط ووضعه على أذنه

قائلاً بهدوء

" مرحباً أبي "

قال من في الطرف الآخر من فوره

" وقاص أين أنت الآن ؟ "

فتنهد بضيق وكلمة الآن التي ختم بها جملته تلك جعلته يوقن من

أن اتصاله ليس ليسأل ما به تأخر ومتى سيعود .. السؤال الذي

بات يسمعه كثيراً مؤخراً ... قال من فوره وبذات نبرته الهادئة

" هنا في بريستول "

قال ذاك من فوره وكما توقع

" في أي مكان فيها أنت ؟ "

تنهد بعمق قبل أن يقول

" عند جسر كليفتون "

فقال ذاك من فوره

" حسناً وداعاً الآن "

وها هي كلمة الآن تجيب عن نفسها مجدداً ، وكما توقع فلم

تمضي دقائق طويلة قبل أن يسمع صوت سيارة ما تقف قربه ثم

بابها يُفتح ويغلق بهدوء والخطوات البطيئة الثابتة تقترب منه

حتى وقف صاحبها بجانبه وبذات وقفته ونظر له قائلاً بجدية

" ما الذي يضايقك ويجعلك تفر من المنزل دائماً يا وقاص ؟

علمت بأن خلافاتك كثرت مع نجيب مؤخراً فما السبب ؟ "

تمتم ببرود وقد نظر للجانب الآخر

" وكانت أخبرتك بالسبب أيضاً ومن وجهة نظرها بالطبع فالجميع

هناك يعلم عداي على ما يبدو "

فتنهد بعمق وأمسك بكتفه وأداره نحوه لينظر له وقال بحزم

" وقاص أعلم أن علاقتكما كانت سيئة ومنذ الصغر لكنك كنت

دائماً تعامله بعقل الشقيق الأكبر منه سناً ولم تكن تسمح أبداً

خلافاتكما أن تصل لما عليه الآن ولدرجة الشجار بالأيدي ! فما

الذي تغير بك ؟ "
رفع نظره للأفق البعيد ولم يعلق فقال سلطان بجدية ولازال محدقاً

بنصف وجهه

" تغيرت كثيراً يا وقاص مؤخراً والجميع يلحظ ذلك "

نظر له حينها وقال بضيق

" وقاص لم يتغير بل أنتم .... لما تبحثون عن العيب بي وهو

بكم ؟ "

فحدق فيه بصمت وجمود قبل أن يقول بضيق مماثل

وجميعنا على خطأ وأنت الصواب ؟ أي عقل هذا الذي يقتنع بهذه

المعادلة ! "

فكانت النتيجة أن عاد بنظره كما جسده نحو سياج الجسر ونظر

للبعيد بصمت فقال بجدية ينظر له

" كانت حياتك تسير بشكل جيد يا وقاص وكنت تتحكم في كل

شيء حولك فما بك الآن فقدت كل ذلك ! "

نظر له مديراً رأسه ناحيته ولازالا مرفقاه يتكئان على السياج

الحديدي وقال بضيق امتزج بالكثير من المرارة

" ليس لأن حياتي كانت تسير بشكل جيد أبي وليس لأني كنت

راضٍ عنها فلم يكن وقاص سوى الإبن المطيع الذي يحاول أن

يضع مصلحة الجميع قبل مصلحته .. بل وحتى آرائهم وأوامرهم

لذلك كان المثالي بالنسبة لكم وكنتم راضين عنه "

وتابع وقد استدار بكامل جسده نحوه وأشار لنفسه قائلاً بضيق

" أما الآن وحين أراد أن يتوقف عن الصمت والرضوخ وحين

قرر بأن يعلن العصيان على كل ما يرفضه وأن يقول عن الخطأ

بأنه خطأ بات لا يعجبكم ! حين أراد أن يمارس حقه كمخلوق

بشري يشعر ويتنفس مثلكم تماماً أصبح الإبن العاق الذي يثير

المشكلات ويفتعلها ولم يستطع أحد تحمله أو فهمه ولا مكافأة

على سنوات عمله كقسيس لدى الجميع "

نظر له بذهول وقال بحدة

" ما هذا الذي تقوله وتفكر به يا وقاص ؟ من تقصد بهذا !

رقية التي لا تراك سوى ابن لها ولا تنام حتى تطمئن وتعلم أين
تكون ؟

أم رواح الذي باتت خلافاته أيضاً تطفو للسطح مع جدك

من أجلك ؟

ولن نتحدث عن والدة نجيب ولا ضرار ووالدته فوضعك معهم

كسابقه لم يتغير .. أم أنك تعني جدك بهذا ؟ "

قال بضيق نافضاً يده

" بل الجميع فحتى رواح ووالدته يكرران ذات العبارات التي بتّم

تتحفونني بها وإن كانت مشاعرهما نحوي لم تتغير لكنهما أيضاً

لا يريان سوى وقاص الماضي الذي يعتبرونه الرجل المثالي

والنموذجي "

وضرب بيده على صدره متابعاً بحرقة

" وقاص الذي مات هنا قبل أن يقتلني أبي .. وقاص الذي

أوصلني لأقسى مراحل التعاسة .. وقاص الذي كان يموت ليعيش

في قلوبكم ، لكنه بشر وقد اكتفى من أداء ذاك الدور وتعب منه "

أمسكت يده بذراعه وقال بحزم ينظر لعينيه التي لا يراها عيني

إبنه الذي يعرفه أبداً

" وقاص توقف عن قول ذلك فلا أحد بات يراك كما

تصف نفسك "

قال من بين أسنانه

" بلى ووقاص القديم مات ... مات أبي عليكم الاقتناع بهذا

جميعكم والرضا به "

" تحبها ؟ "

كان سؤاله قوياً ومفاجئاً جعله ينظر له بصدمة توقف معها كل

شيء حولهما وحتى صوت المياه القوي وهدير السيارات التي

تعبر قربهما مسرعة من وقت لآخر وعجز لسانه عن التحرك

فقال سلطان مجدداً وبإصرار وأصابعه تشتد على ذراعه أكثر

" أجب يا وقاص تحبها ؟ "

فسحبها منه وقال صارخاً باحتجاج رافض

" أبي توقف رجاءً ليس أنت أيضاً ... توقفوا عن مضاعفة مأساة

تلك الفتاة بسببي "

نظر له بصمت لوقت كان يتلقف فيه ابنه ذاك أنفاسه الغاضبة

ممرراً أصابعه في شعره الذي تبعثر بسبب حركته الغاضبة تلك

وقال بجمود

" عن زوجتك كنت أتحدث فمن كنت تقصد أنت ؟ "

فنظر عاليا حيث السماء السوداء ومرر كفيه على وجهه قبل أن

ينظر له وقال بجمود

" لا تقل بأنك لا تفهم وأن ذاك لم يصلك أيضاً "

فقال بجمود مماثل ينظر لعينيه بتركيز

" بلى وصلني لكن ليس من رقية فلا تحاسبها على ذلك "

فأمسك خصره بيديه وأشاح بوجهه جانباً وقال ببرود

" أعلم ممن وما الذي تصبوا له تلك المرأة تحديداً "

فقال الواقف أمامه بضيق

" وقاص نحن بهذا نزيد شروخ العائلة لا نداويها وذاك

ليس حلاً "

نظر له وقال بضيق أشد يشير برأسه للبعيد

" الشرخ بيني وبين زوجتك تلك لن يداويه أي شيء ولن أنسى

لها أبداً بأنها السبب في العداء المتأصل بيني وبين شقيقي "

حرك رأسه متنهداً بيأس وقال بجمود

" أنت لم تجب على سؤالي ذاك بعد ؟ "

قال من فوره وبحزم

" أنت تعلم الجواب جيداً "

قال بجدية

" لما تزوجتها إذاً ؟ لماذا وافقت يا وقاص ! "

فانفجر بكل ما يكبته لأعوام وبات لا يخفيه مؤخراً ولا يهتم

بإخراجه

" لأني لم أهتم يوماً بأن أبحث عن مرأة أتزوجها من أروقة

الشوارع ولا واحدة أجلس معها في المطاعم والنوادي لأرى

نفسي إن كنت مقتنعاً بها كزوجة أم لا ... وافقت على اختيار

جدي لأني كنت مقتنع تماماً بأنه ثمة مشاعر يمكنها التواجد بين

الزوجين بعد زواجهما ولم أتخيل يوماً بأن اختيار جدي سيكون

من وجهة نظره كرجل أعمال فقط ! أن لا يفكر ولا للحظة في

رؤية الفتاة التي اختارها لي ! وبالرغم من كل ذلك رضيت ..

قبلت وسكت نهائياً بل وحاولت التأقلم وتقبلت واقعي وماذا كانت

النتيجة ؟ "

وتابع بسخرية تنطق مرارة فارداً ذراعيه جنباً

" لم أتخيل يوماً بأن ذاك النوع من الزواج لن يكون ناجحاً

وبجميع معتقداته ! وبأنه عليا أن أكون كرواح المتهور المجنون

كما تصفون لأكون سعيداً وراضٍ عن نفسي ولأبني حياة ناجحة "

قال الواقف أمامه وبضيق

" لا تراهن على ذلك فأنت لم ترى تلك الحياة بعد وأولها أنه

يتزوج بعناد ممن ترفضه تماماً "

فقال بذات ابتسامته الساخرة وكأنه لا يهتم بما قال

" سترى إذاً وأرى "

شد قبضتيه بجانب جسده بقوة وقال بحدة

" وقاص توقف عن الجنون وعد لعالمك السابق فكل شيء يمكن

تغييره حتى زواجك وزوجتك التي أراها تسعى لذلك فعلاً "

فكان تعليقه كسابقه بل وأقسى على كليهما وهو يقول بسخرية

" تسعى !! تسعى بماذا أبي ؟ لا تعاملني كطفل لا يرى ويعي ما

يدور حوله "

لكنه قال وبحزم رافضاً للاعتراف بذلك

" وهل ترى عدائك للجميع وهروبك الدائم من المنزل هو الحل ؟

وبأنه ما سيجعلك تشعر بالراحة والإستقرار ؟! "

فأمسك برأسه الذي بات يؤلمه وبشدة وقال بضيق

" أبي يكفي رجاءً أنا لا أريد التحدث عن كل ذلك "

قال بأمر حازم

" عد معي للمنزل إذاً ونم وارتاح ثم نتحدث لاحقاً "

حرك رأسه برفض ينظر للرصيف تحته ممسكا خصره بيديه

وتمتم ببرود

" لا أبي لا يمكنني العودة ومواجهتها مجدداً "

قال باستفهام

" من منهما تعني ؟ "

رفع نظره له كما يديه جانباً فارداً ذراعيه وقال بضيق

" وفيما سيفيد جوابي وأنت تجيب عليه سلفاً بينك وبين نفسك

ولن تصدق غيره ؟ "

وما أن قال عبارته تلك غادر من أمامه وركب سيارته تاركاً إياه

واقفاً مكانه ولم يسمع بعدها سوى صوت صرير عجلاتها المرتفع

وهو يغادر مسرعاً فمسح بكفه على وجهه مستغفراً الله قبل أن

يمرر أصابعها في شعره ونظر للسماء عالياً هامساً بتنهيدة عميقة

" ليتك فقط قلت إن كنت فعلاً تحبها لكنت طلقتها من نجيب

ورغماً عن أنفه من أجلك فقط "

*
*
*


لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 50 others like this.
رد مع اقتباس

  #12139 
قديم 10-06-19, 09:51 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

رفعت نفسها على رؤوس أصابعها تفتش في أغراضها أعلى

رفوف الخزانة المفتوحة بينما اتكئ دجى على ظهر السرير يتكئ

برأسه على يده التي يدسها خلفه ثانياً مرفقه يستمع مبتسماً

لأحاديثها التي سرعان ما تنتقل للطفولية والعشوائية وهي تحدثه

عن كل ما حدث وفعلت الأيام السابقة وأهمها حفل افتتاح البرج

وقال مبتسماً

" وأين هو تركك تأتين هنا بمفردك على غير العادة ؟ "

قالت بضحكة صغيرة ولازالت توليه ظهرها منشغلة بالتفتيش بين

العلب الصغيرة المصفوفة في الرف العلوي

" غادر منذ الصباح برفقة عمي رعد لمبنى البرلمان وبأوامر

من والدي بالطبع .. ولك أن تتخيل شكل كليهما اليوم "

ضحك وقال

" بالطبع يمكنني تخيل ذلك .. سيكونان كقناعي المسرح تماماً "

فضحكت ولم تعلق بينما انتقل نظره هو للذي وقف أمام باب

الغرفة فجأة ونظر ناحيته ببرود نظرة فهمها جيداً معناها

( ألن تفارقها أبداً )
فتجاهله ونظر للتي كان يخفيها عن باب الغرفة والواقف أمامه

باب الخزانة المفتوح وقال يكتم ضحكته

" يبدوا لي قاسم مستاء جداً اليوم ؟ "

ونظر بمكر للذي نظر له متوعداً بينما قالت التي أخرجت علبة

وفتحتها تفتش فيها

" ولما الاستياء ؟ هو من يجلب ذلك لنفسه "

فضحك دجى بصمت بينما انتقلت نظرات قاسم المستاءة ناحيتها

وإن كان لا يرى سوى قدميها البيضاء الصغيرة وقال دجى وقد

عاد بنظراته الجانبية الماكرة له

" وما توصلتما له بشأن زواجكما متوقف التنفيذ ؟ "

حركت حينها يدها ولازالت تحدثه مولية ظهرها له وتمتمت ببرود

" لا شيء بالطبع وثمة اتفاق بيننا عليه أن لا يخل بشروطه

أبداً "

فقال من فوره يكتم ضحكته

" لكنه رجل يا تيما والرجال لا صبر لهم "

وضحك ما أن لم تعلق وقد أنزلت نظرها ورأسها لما في يديها

بينما كانت ضحكته تلك ليس بسببها فقط بل وبسبب الذي هدده

بقبضته ناظراً له بغضب فضحك مجددأً وقال يبرر ما قاله

" كنت أقصد أنه في عمر لا يسمح له بتضييع المزيد من الوقت "
فقالت بلامبالاة تعيد غطاء العلبة بعدما اكتشفت بأنها ليست ما

تبحث عنه

" وما علاقتي أنا به ؟ "

نظر لها قاسم بصدمة بينما عاد دجى للضحك وتابعت هي تحرك

يدها بعشوائية وكأنه أمامها وليس خلف ظهرها

" أنا لازلت صغيرة والوقت أمامي طويل لأنجب أبناء

وأراهم يكبرون "

فجلس دجى ضاحكاً وأشار له بيده ليتريث ويبقى مكانه ما أن

تقدمت قدمه نحو الداخل وقال ينظر لحفيدته

" لكن بهذا أنت تظلمينه يا تيما "
فقالت التي أنزلت علبة أخرى وفتحت غطائها

" أنا لم أظلم أحداً والنساء أمامه في كل مكان فليتزوج متى ما

شعر بالظلم والملل "

ففتح فمه بدهشة تمثيلية ونظر لقاسم وأشار بقبضته وكأن سكيناً

فيه يغرسه في قلبه ضاحكاً بصمت على شكله بينما قال موجهاً

حديثه لها

" من قلبك تقولين هذا الكلام ؟ "

قالت بضحكة ترفع جسدها مجدداً لتعيد العلبة مكانها

" لا من الخزانة بالطبع "

فضحك ونظر بطرف عينيه للذي لازال يقف هناك مكانه ملامحه لا

تبشر بالخير بتاتاً وقال

" وما يقول قلبك إذاً وليس الخزانة ؟ "

قالت مبتسمة تُنزل علبة أخرى صغيرة وبيد واحدة

" أنت تعلم جيداً ما يقول "

وما أن نزلت مستوية على قدميها حتى صرخت ضاحكة بسبب

الذراعان اللتان التفتا حول خصرها النحيل وارتفعت قدماها عن

الأرض ما أن رفعها عالياً وسقطت علبة الدبابيس من يدها وتناثر

ما فيها تحتهما ودار بها نحو الذي كان يراقبهما مبتسماً فقالت

مستنجدة

" جدي أرجوك أخبره ينزلني "

فتقدم بها نحوه بينما حديثه كان موجهاً لها قائلاً بضيق

" وما الذي يقوله قلبك تحديداً لنحدد مصيرنا الآن ؟ "

فضحكت وصرخت مستنجدة مجدداً

" جدي .... أرجوك "

قال دجى مبتسماً

" أنزلها يا قاسم "

فتجاهله واشتدت ذراعاه على خصرها ما أن قال بضيق أشد

من سابقه

" لما لا تكونوا عادلين معي وإن لمرة واحدة ؟ "

ابتسم دجى وقال ونظره معلق بعينيه

" حينما يصل الأمر لحفيدتي لا أكون عادلاً إلا بالوقوف

في صفها "

أنزلها حينها محرراً خصرها من قبضته وقال بضيق

" ليس لأنه لا والدان لي أعامل بإجحاف هكذا ! "

ضحك الجالس أمامهما وقال يشير بكفه المفرودة جانباً

" عليك أخذها والفرار بها للجنوب إذاً حيث جدتك وعماتك

وأعمامك لتجد لك منصفاً "

فقال مغادراً الغرفة بخطوات قوية غاضبة

" هذا ما يبدو عليا فعله بالفعل "

فضحك وتبعه بنظره حتى خرج ونظر للتي كانت تقف مكانها

حيث تركها تمسك خصرها بيديها وتنظر لمكان خروجه بضيق

وقال بهدوء معاتب

" تيما عليكما إيجاد حل يرضي كليكما في هذا "

نظرت له وضربت قدمها بالأرض محتجة وقالت

" لا جدي هذا ليس عدلاً مطلقاً فاتفاقنا كان على أن توافق

والدتي أولاً ولن أرضى بأن يخيرني بينهما لأني سأقتل قلبي

حينها وأختارها هي .. وهو يعلم هذا جيداً "

عقد حاجبيه وتبدلت نظرته للحزم وهو يقول

" وما التقدم الذي أحرزته معها إذاً أم واقفة مكانك تنتظرين

أن تغير رأيها من نفسها ؟ "

قالت باعتراض

" لا لست واقفة مكاني أنتظر وعليه أن يصبر فلن أخرج من هنا

إلا وهي راضية تماماً وعليه منحي بعض الوقت فهو يخل

بالاتفاق الذي سبق ووافق عليه من وقت قريب "

قفز حينها دجى واقفاً خارج السرير وقال مغادراً أيضاً

" تفاهما فيما بينكما إذاً ولا تحتكما لي مجدداً فأنا فعلاً لا أريد

أن أظلمه لأني لا أستطيع إلا أن أكون في صفك "

وغادر الغرفة تاركاً بابها مفتوحاً بعده فقالت بضيق تنظر لمكانه

الخالي منه

" أنا هي التي تظلمه مثلاً ؟! "

وتأففت وانتقلت للدبابيس المبعثرة على الارض تجمعها

متمتمة بضيق

" سينتظر ورغماً عنه أو منزل خالي رعد مكاني الجديد

ولن أغادره "

*
*
*



تنهد بضيق من عناده وقال

" يمان متى سيلين هذا الرأس العنيد تحديداً ؟ "

قال متجاهلاً مجدداً ما يقول

" أخبر والدتك تستعجل زوجتي فلن نصل قبل مثل هذا الوقت

من يوم غد على هذا الحال "
قال بصبر وأمل أخير في أن يغير رأيه

" الطائرة يمكنها إيصالكما خلال دقائق وسيارتك معك أيضاً

أفضل لكما من المغادرة وقت مغيب الشمس هكذا "

نظر له بضيق وما أن كان سيتحدث انفتح باب المجلس المشترك

مع المنزل وظهرت أمامه التي نظرت لعينيه باستجداء حزين

وسرعان ما ركضت نحوه وحضنت خصره بقوة تخفي وجهها في

صدره فابتسم أبان بانتصار فها قد جاء من سيجعله يغير من

قرارته المجنونة .. لكن تلك الابتسامة سرعان ما اختفت حين

قالت تشد ذراعيها حوله بقوة باكية

" يمان خدني معك ... لا تتركني مجدداً أرجوك "

فلامست يده رأسها ورفع نظره بالذي كان ينظر له رافعاً حاجبيه

وقال بهدوء

" أين آخذك يا يمامة ؟ "

فقالت باكية تشد ذراعيها حول جسده أكثر

" ألم يصبح لديك منزل ؟ لما تتركني هنا إذاً ! "

حضنها بقوة وقبل رأسها قبل أن يبعدها عنه ونظر بحزن لعينيها

الدامعة وقال

" يمامة أنت متزوجة الآن و.... "

فقاطعته تنظر له بعينين تتقاطر منها الدموع دون توقف

" أبان لن يرفض .. هو لن يرفض ذلك فخذني معكما أرجوك "

فأعجزه ذلك عن التحدث بينما ارتفع نظره للذي خرج من صمته

قائلاً بحزم يمسك خصره بيديه

" ومن قال بأني سأوافق ؟! "

فالتفتت برأسها ونظرت له بعينين حزينة دامعة لكنه كان ينظر لها

بقوة عاقداً حاجبيه وقال بحدة

" مكانك هنا يا يمامة ولن تغادريه والقرار في ذلك لي وحدي "

فنزلت دموعها مجدداً وقال يمان بضيق ينظر له

" ليس بهذه الطريقة تشرح لها الأمر "

فرفع نظراته الغاضبة له وقال بضيق أشد

" ليس ثمة طرق أخرى وعليها أن تفهم أمراً واحداً على الأقل

مما تعنيه كلمة أنها متزوجة "

فعارضه قائلاً بحدة ظهرت في نظراته قبل صوته

" وإن يكن زوجها .. هذا لا يعني أن تعاملها بهذه الطريقة ، ثم

لم يجبرك أحد على الزواج ممن تعرفها جيداً وتعرف سنها "

فصرخ فيه ماداً سبابته يحركها نحوه بتهديد

" يمان اتركني في صمتي أفضل لك ولي ولها "

فنظر له باستغراب قبل أن يقول غاضباً

" ولما تصمت ؟ قل ما لديك هيا "

نظر له نظرة محارب شرس وما أن كان سيتحدث قاطعته

الواقفة بينهما وهي تفرد ذراعيها ويديها بينهما قائلة ببكاء

" يكفي أرجوكما لا تتشاجرا بسببي .. لن أغادر من هنا

فقط توقفا "

فانتقلت نظرات شقيقها المشتعلة لها وقال بضيق

" توقفي أنت عن الخنوع يا يمامة وعن إذلال نفسك "

فحدقت فيه عيناها الدامعة بصدمة بينما كان التعليق من أبان

الذي قال بغضب

" ما هذا يا يمان ؟ أتعلمها التمرد على زوجها ! وتريد أن

أتركها أن تذهب معك ؟ "

فنقل نظره له وقال بغضب مماثل بينما سبابته تشير لها

" بل على يمامة الخاضعة المطيعة دائماً أن تتغير وأن يساعدها

الجميع على ذلك وأولهم أنت لا أن تستغل هذا فيها .. وعليها

أن تكبر امرأة تملك قرارت نفسها فيما يخصها وحدها "

فاشتد غضب الذي قال يشد قبضه بقوة وكأنه يمسك نفسه عن

الهجوم عليه بها وصرخ

" لازلت أتجاهل مقصدك من كل ما تقوله يا يمان .. ولا تنسى

بأننا لم نتشاجر يوماً لنفعلها الآن بعدما أصبحنا عائلة واحدة "

وما أن كان الواقف أمامه سيتحدث بل سيصرخ الند بالند سبقه

قائلاً بغضب

" يمامة لن تغادر من هنا إن كان هذا ما ستقوله وهي زوجتي

والكلمة لي وحدي "

انفتح باب المجلس على اتساعه حينها ودخلت منه جوزاء التي

نظرت لهما قائلة بضيق

" ما بكما ؟ ما الذي يحدث هنا ! "

وكان التعليق من أبان الذي نظر لها وقال بحدة يشير بيده للأرض

المغطاة بالسجاد الفاخر

" أمي رجاءاً كم مرة سأخبرك بأن هذا المكان اسمه مجلس رجال

وأن لا تقتحميه هكذا وكأنه جبهة قتال ! فثمة من سيدخل في

أي لحظة "

توجهت للباب الزجاجي وأغلقته بالمفتاح وتوجهت نحوهما

قائلة بغضب

" أنا أكبر منك ومن شلة رفاقك تلك وأكسر رأسك ورؤوسهم

جميعكم ولن تعلمني أنت كيف أتحرك في منزلي ... وما أغلقت

الباب إلا كي لا يسمع ما سأقوله الآن أحد "

نظرا لها بصمت وإن تفاوت ما تحت ذاك القناع .. فبينما كان

ينظر لها أبان بحنق لم يستطع يمان رفع نظره بها خجلاً منها

ومما يحدث في منزلها كما قالت ، أما الطرف الثالث والأنثوي

فكانت عيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع تمسك فمها بيدها بينما

تابعت هي بذات غضبها غير مهتمة بمن نظر أم لم ينظر تحرك

سبابتها بينهما " يمامة ابنتي لا سلطة لا لك ولا له عليها

ومن لديه كلام غير ذلك فليقله الآن "

كان أبان بالطبع وكالعادة من يحاول ودون خوف التمرد لكنها

وكالعادة أيضاً أسكتته من قبل أن يحاول فعل ذلك صارخة فيه

بحدة وسبابتها تشير لوجهه تحديداً

" أنت تحديداً تصمت وتعلم جيداً لما "

فلاذ بالصمت يزم شفتيه بقوة وغضب ويعلم جيداً كما تعلم هي

بأنها إن تحدثت فسيصمت وللأبد وليس الآن فقط بل وسيخسر

صديق طفولته وأقرب أصدقائه له فما كان منه إلا أن غادر ضارباً

الباب الخارجي للمجلس خلفه لكن ما لم يستطع منعه هو لسانه

وهو يصرخ مبتعداً

" قسماً إن خرجت زوجتي من هنا فلن أدخل هذا المنزل

حتى ترجع له "

وابتعد نظراتها الغاضبة تتبعه قبل أن تنقلها للذي قال بصوت

منخفض ونظره لم يرفعه

" آسف سيد.... "
فقاطعته سريعاً وبحزم وحاجبان معقودان بشدة

" لا تقل سيدتي يا يمان ... أنا لست سيدة على غيرك لأكون

سيدة عليك "

لم يعلق كما لم يرفع رأسه فقالت بحزم

" وارفع رأسك ولا تخجل أبداً من أن تكون سنداً لشقيقتك ولا

تسمح لرجل وكان من يكون أن يُنزل من قيمتك هذه في حياتها "

فرفع رأسه حينها كما نظره الذي لازال يظهر فيه الخجل

والاعتذار واضحاً وقال

" لم يكن أبان مخطئ أنا فقط .... أنا لا أريد ليمامة أن تكبر

على ما تربت عليه عند والدي وزوجته "

فأشارت برأسها موافقة وإن كانت ملامحها الغاضبة لم تلين

وقالت بجدية

" وأبان مخطئ فما قيل ما كان يجب أن يقال وأمامها تحديداً ..

ولا تقلق بذاك الشأن فلن تكبر وتكون إلا امرأة كما تريد وتتمنى

لشقيقتك أن تكون "

وتابعت وقد نقلت نظرها منه للتي كانت تنقل نظرها بينهما باكية

" وأنت يا يمامة .. آخر ما كنت أتوقعه أن تكرهي البقاء مع

والدتك وترفضيه ! "

فركضت نحوها باكية وحضنت خصرها بقوة فضمتها بذراعيها

بينما خرج صوتها الرقيق الباكي

" لا أريد لشقيقي أن يبتعد عني مجدداً ولا أراه "

فمسحت يدها على شعرها وقالت تنظر للذي كان ينظر لشقيقته

بحزن

" وشقيقك لن ينقطع عنك كالسابق يا يمامة وسيتكفل والدك

أيوب بهذا ويكون هنا كلما أردت رؤيته "

فنقل نظراته لها وما أن كان سيتحدث والرفض واضح في ملامحه

سبقته قائلة

" لن ترفض هديتي لك يا يمان ونحن نملك ما لن يؤثر فيه ثمن

سيارة جديدة لك .. أو ستقبل بركوب الطائرة في كل مرة "

فتنفس بعمق قبل أن يقول

" لم أستطع قبولها ولا من الزعيم مطر واحترم هو ذلك فلن

أستطيع قبولها أبداً "

قالت من فورها

" ذاك مطر وليس أنا ومن تكون شقيقتك زوجة لإبني "

فقال باحترام وبكل ما استطاع استجلابه من هدوء

" كل ما تفعلينه من أجل يمامة لا أعترض عليه فهي زوجة إبنك

أما أنا فلا أستطيع أرجوك لا تحرجيني بالرفض أكثر من ذلك فأنت

في مقام والدتي بالنسبة لي "

تنهدت بيأس منه فإن لم ينتصر عليه مطر كما قال فلن تفعلها هي

مهما حاولت ، قالت في محاولة أخيرة

" ستدفع ثمنها مقسطاً إذاً وحسب رغبتك أنت ومقدرتك وإن

استغرق دفعه مئة عام "

وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة بإصرار

" لا تجادل أكثر يا يمان فلا عذر لك الآن .. والسيارة الجديدة لن

تساعدك في الوصول هنا بسرعة فقط بل وفي عملك في الجنوب

أيضاً وفي سداد ثمنها بشكل أسرع "

فتنهد بعمق وقال

" أنت تعلمين جيداً أين أعيش فأي مبرر سأقدمه لامتلاكي لها

وأنا أعلم جيداً أي سيارة تلك التي ستوفرونها لي ؟ "

قالت من فورها

" هذه ليست مشكلة وسيسلمك عمك أيوب أوراقاً تخص

تقسيط ثمنها ولا حجة لك "

هو من تنهد بيأس هذه المرة ونزل بنظره لشقيقته التي لازالت

متعلقة بحضن المرأة التي هو متأكد من أنها كانت لها الأم التي

لم تعرفها يوماً وهو من أجلها مستعد لفعل أي شيء ... كما يعلم

جيداً بأنه لن يستطيع تقديم شيء لها مما تجده هنا كما تأكده بأنها

لن تتذمر من حياته هناك أو ترفضها إن غادرت معه وإن عرفت

الترف هنا .. لكنه لن يستطيع أيضاً أن يقدم لها مسقبلاً كهذا
وزوجاً كأبان وهو من عرفه ويعرفه جيداً .

*
*
*

خرجت من باب المنزل راكضة ونادته تنزل العتبات

" قاسم انتظر "

فترك باب السيارة الذي كان يفتحه للتو والتفت لها فوقفت أمامه

وقالت مبتسمة بالرغم من الملامح العابسة التي قابلها بها

" لولا أني حمقاء كقلبي تماماً ما كنت تبعتك "

قالتها تذكره بكلامه السابق لكن شيئاً من ذاك العبوس لم يتغير

ولازال نظره مركزاً على عينيها فتبدلت ملامحها للأسى وقالت

برقة سرعان ما انتقلت للجواهر الزرقاء الواسعة في عينيها

" لا تكن قاسٍ هكذا "

فرفع رأسه وتنفس بقوة قبل أن ينظر لها وقال بكل ما استطاع

استجلابه من جمود

" لا تستخدمي معي هذا الأسلوب الذي تعلمين فاعليته جيداً لأني

اكتسبت حصانة ضده "

أبعدت خصلات غرتها التي تطايرت أمام عينيها وهمست مبتسمة

تنظر لعينيه

" كاذب ويمكنني إتباث ذلك لك الآن "

فرفع سبابته أمام وجهها وقال بتهديد

" لا تقتربي مني وها أنا أحذرك "

فعبست ملامحها الجميلة بينما ركب هو سيارته وقال ببرود يغلق

بابها ودون أن ينظر لها

" أخبريني حينما ترضى عني سمو الأميرة غسق التي يبدو أني

أتزوجها هي وليس أنت "

فلوحت بقبضتها للأسفل بحنق تراقب سيارته وهي تبتعد .. ذاك

العنيد متقلب المزاج كما الوعود يريد أن يمارس أساليبه القوية

في الضغط عليها لكنها أعند منه .. فسرعان ما حركت كتفيها

بعدم اكتراث واستدارت للخلف لتعود أدراجها لولا أوقفها رؤيتها

للذي كان ينزل عتبات الباب حينها يُخرج مفاتيحه من جيب

بنطلونه وقد قال بجمود وهو يجتازها

" حجابك تيما .. لا تخرجي من دونه "

فاستدارت معه وقالت تتبعه

" لكن لا أحد هنا أبي ولن يقترب أحد إلا للضرورة "

قال وهو يفتح باب سيارته

" وعن الضرورة أتحدث "

وتابع وقد استدار نحوها يمسك الباب بيده

" ما به قاسم يبدو غادر غاضباً ؟ "

فحركت كتفيها ولوحت بيدها قائلة

" سيرضى حينما سيتعب من هذا "

فابتسم دون أن يعلق وما أن التفت مجدداً ليركب السيارة نادته

مسرعة

" أبي "

فاستدار نحوها ونظر لها بصمت فقالت بتردد

" ماذا بشأن .... أعني هل سترجع والدتي إلى هنا ؟ "

أومأ برأسه بنعم دون أن يتحدث فابتسمت بسعادة قائلة

" متى ؟ "

استدار للباب الذي فتحه أكثر وقال وهو يجلس في الكرسي

خلف المقود

" في وقت قريب جداً يا تيما "

وأغلق الباب فراقبته مبتسمة وهو يتراجع بالسيارة للخلف فأشار

لها بسبابته نحو باب المنزل يحركها فضحكت وحيته بيدها

وركضت من فورها حيث أشار .

*
*
*

حمل الأوراق التي قضا هو ووالده ليلة البارحة بطولها يعملان

عليها في مكتبه وأغلق باب الجناح وهو يخرج منه ينظر لهاتفه

وللرسالة التي وصلته وابتسم ما أن قرأ حروفها

( آسف أبي بشأن ليلة البارحة فقد قلت كلاما كثيراً ما كان

يجب أن يقال لك )

وحرك رأسه بيأس مبتسماً ما أن قرأ السطر الأخير أسفل الرسالة

( ولازلت أيضاً على إصراري فوقاص القديم مات وانتهى )

دس هاتفه في جيبه وسار في الاتجاه الذي قاده للسلالم لينزل

مغادراً من هناك ... لا يعجبه وضع وقاص ولا حاله أيضاً لكنه لا

يملك شيئاً يفعله من أجله فهو رجل عاقل راشد يعي جيداً ما

يقول ويفعل ولم يعرفه يوماً صاحب قرارات متهورة ولن يتغير

ذاك فيه مهما أبدى من رفض لشخصيته القديمة ، غير أنه يحار

في أمر والده أكثر من ابنه ذاك فلم يكن يتخيل يوماً بأن يسمح

لعلاقتهما بالوصول لما وصلت له الآن وهو من يحبه أكثر حتى

منه هو ابنه !! وبالرغم من جميع محاولاته للتحدث معه ليلة

البارحة بشأنه إلا أنه كان يمنعه من التحدث عن الأمر في كل مرة

بل ورفض أن يبقى هنا لمحاولة إيجاد حلول لكل تلك المشاكل

العالقة بين أبنائه وأصر على أن يعود لمشروعهم هناك في

الجزيرة وكأنه لا يهتم بكل ذلك ويعجبه ما آلت له الأمور !.

خرح من باب المنزل ونزل العتبات في خطى سريعة وما أن سار

جهة الممشى الحجري ومقصده مرآب السيارات وقف مكانه ينظر

للتي خرجت من الجهة المؤدية لنافورة الحديقة تحضن دفتر

رسم كبير وتمسك قلماً في إحدى يديها ووقف كلٌ منهما مقابلاً

للآخر ينظران لبعضهما بصمت ... لم يلتقيها سابقاً سوى لمرات

معدودة ولم يتشاركا حديثاً قط فهي كانت معزولة في جناحها

المخصص في الأعلى حتى بعدما تزوجها نجيب والجميع يظن

بأنها مجرد فتاة خرساء تعاني من مشاكل عقلية .. وحين تكشفت

حقيقتها وأصبحت تعيش ضمن أفراد العائلة كان هو مسافراً ولم

يأتي سوى في مناسبات معينة لأن وقاص رفض استلام المشروع

وكالعادة يُبعد نفسه عن أعمالهم جميعها ورواح منشغل بشركة

الطيران الجديدة التي يراها تناسب مجال دراسته وتطلعاته .. أما

والده فمنذ عاد من هناك للمرة الأولى ووجد المشاكل التي بدأت

بالظهور بعده قرر أن لا يغادر مجدداً بالرغم من أن بقائه لم يغير

فيها شيئاً بل ويراها تفاقمت أكثر !.

كانت أفكاره تدور حولها تحديداً بينما حدّقت عيناه في ملامحها

متفحصاً بصمت .. هذه الفتاة جميلة فعلاً وجمالاً لا يشبه عائلتهم

بالرغم من وسامة رجالها فقد استمدته من تلك الخماصية بالتأكيد

لكن ثمة ما يجذب فيها أكثر من كل ذلك يجعلك تحار ما هو ! ولن

يكون إلا قوتها وثقتها بنفسها التي تظهر جلية في كل شيء فيها

حتى في نظرتها الجامدة التي لا تخفي العداء فيها بتاتاً كما الذكاء

وسرعة البديهة فالأعمى فقط من لا يستطيع رؤية كل ذلك بها

ومن أول وهلة ومن دون أن يتحدث معها أيضاً ، خرج عن

صمته أخيراً وقال بابتسامة صغيرة

" مرحباً يا زيزفون "

قالها بكل ما استطاع من لباقة وهدوء لكن ذلك لم يغير من

نظرتها شيئاً بل وتحركت مجتازة له من دون أن تجيب وكأنها لا

تراه وليس فقط لا تسمعه لتوقفها يده التي أمسكت برسغها موقفاً

إياها ونظر لعينيها التي حدّقت فيه بحنق وقال ولازال يحافظ على

هدوئه

" أيمكنك وضعي في خانة غير أعدائك هنا ؟ "

فنظرت لعينيه بصمت لبرهة قبل أن تسحب رسغها من يده قائلة

بجمود

" لا يمكنني وضعك في خانة لا وجود لها عندي فجميعكم أعداء

بالنسبة لي "

اتسعت عيناه يحدق فيها بذهول فما قيل عنها حقيقي بالفعل ! بل

ولم يوفوها حقها ..!! تبدلت نظرته للحنق فجأة وقال مركزاً نظره

على عينيها

" بما أنه هذا اختيارك فأنا أحذرك فأبنائي خط أحمر "

قالها بقوة وعداء مماثل لما تهديه إياه بجوهرتيها الزرقاوتين

الباهتتين فهذه الفتاة باتت تملك مصير اثنين من أبنائه مهما أنكر

العقل ذلك ويمكنها بسهولة أن توقد حرباً بينهما يقتل فيها

أحدهما الآخر ودون تردد وذاك ما لا يريده لأبنائه كرفضه لأن

يعيشوا تاريخه المؤسف في تعدد النساء ولا من أجل أن يكون

لهم أكثر من طفل ، بينما كان رد فعل الواقفة مقابلة له أن

ابتسمت بسخرية ابتسامة تقول له وبكل وضوح

( ها قد ظهرت مشاعرك الحقيقية اتجاهي )

ولم تتجاهل الرد عليه هذه المرة كما توقع من شخصيتها بل

فاجأته أن قالت وذات الابتسامة الساخرة تزين شفتيها

" يبدو لي أن من أخبرك بكل ما يحدث من ورائك نسي أن

يضيف بأن ذاك بأكمله ليست زيزفون السبب فيه ... "

وتبدلت نبرتها للجمود سريعاً وهي ترفع رأسها بشموخ متابعة

" بل ولا يعنيني أيضاً لا أبنائك ولا ما سيصلون له لأدمر أحدهما

بالأخر .. ولم أطلب من أحد الاقتراب مني "

فنظر لها بصمت ولم يعلق فغرضه لم يكن أبداً الشجار معها ولا

أن يدخلا في حوار مشابه لهذا ويبدو أن الحديث معها لا جدوى

منه كما سبق وقالت رقية ، وكان موقفها هي مشابهاً إذ غادرت

في صمت ولم تضف حرفاً .. وما تركته يقال مثلاً ! تحرك أيضاً

حيث وجهته التي أراد وحرك رأسه بأسى متمتماً

" يا لها من حفرة سحيقة هذه التي أوقعت نفسك فيها يا وقاص

إن صدقت ظنونهم "

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 52 others like this.
رد مع اقتباس

  #12140 
قديم 10-06-19, 09:52 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة



*
*
*

أبعدت يدها وقالت بضيق " جليلة هكذا لن ننجح أبداً .. توقفي

عن الحركة والتذمر ، كم مرة سنعيد كحل عينيك ؟ "

أبعدت يدها الأخرى عنها ووقفت على طولها قائلة بضيق

" قلت بأني لا أريد هذا وليتوقف أطفالكم عن الصراخ في الخارج

رأسي سينفجر "

قالت إحدى الجالسات حولهما في الغرفة وبعد ضحكة صغيرة

" وكيف نوقف كل ذاك العدد عن الصراخ ؟ وحدهم من يمكنه

التعبير عن فرحتهم بزواجك "

بينما قالت التي تجلس على كرسي طاولة التزيين مبتسمة

" لا أعلم كيف تفكرين يا جليلة ؟! لو كنت مكانك لتركته يقيم لي

حفلاً تتحدث عنه الناس لأعوام طولية "

فتمتمت ترمقها ببرود

" لو كنتِ مكاني فعلاً ما فعلتها "

دخلت حينها والدتهم من الباب المفتوح ونظرت لها وقالت

بابتسامة واسعة

" كنت أقول دائماً بأنك أكثر من يشبهني "

فضحكن بناتها المجتمعات وزوجة ابنها بينما قالت إحداهن

" هذا فقط لأن جليلة أجملنا "

فتجاهلتها وضحكاتهم الجديدة معها وقالت تنقل نظرها بينهن

" قائد وصل منذ قليل إن أردتن رؤيته "

وكان ذاك زر التشغيل الذي جعل الجميع حولهما يتحرك فيما عدا

زوجة شقيقه بينما اقتربت هي من ابنتها حتى وقفت أمامها

وأمسكت وجهها مبتسمة بحنان فامتلأت تلك العينان البنيتان

بالدموع وهمست صاحبتها ببحة

" سامحكم الله يا أمي على كل هذا "

فتبدلت نظرتها للوم مفعم بالحنان والرقة وقالت معاتبة

" ليس ثمة أم تكره ابنتها يا جليلة "

فنزلت من عينيها أول دموعة عاندتها طويلاً وخنقت العبرة

كلماتها الهامسة

" كنت أظن هذا أمي كنت.... "

واختنقت أنفاسها في شهقة بكاء مكتوم فضمتها لحصنها واتكأت

هي بوجنتها على صدرها وتسربت الدموع من عينيها بعد صراع

دام لساعات بينما قالت التي مسحت على شعرها بحنان

" لن أتمنى لك أقل مما تمنيته لشقيقاتك بل ولنفسي فأنت

ابنتي قطعة من كبدي "
فقالت بهمس باكي

" لكنك رميت بي لمصيرك السابق أمي وتعلمين ذلك جيداً "

أبعدتها عنها وأمسكت بذراعيها العاريتان بسبب فستانها وقالت

تنظر لعينيها الدامعة

" لا لن يكون وضعك كوضعي حينها ولا عمير كزوجي السابق

ولا داعي للخوف من أمور قد لا تحدث أبداً "

لكن ذلك لم يغير من الواقع الذي تراه أمامها شيئاً وقالت ببحة

بكاء

" سيحدث وسأرجع هنا مطلقة وستري ذلك بعينيك .. هذا إن لم

يكن لي طفل سأحرم منه أيضاً فالرجال متساوون في هذا "

مسحت يدها على ذراعها وقالت بتفهم لما ترى أن ابنتها تخشاه

وهو وضع كوضعها السابق

" لن أصدق أن رجلاً يرأس مخابرات البلاد كاملة ثمة من يتحكم

به أو بقراراته !! "

ابتعدت عنها خطوة للوراء وتحررت من يدها ونظرت لها

وقالت باكية

" لكنهم متشابهون أمي .. جميعهم متشابهون "

فقبضت يديها معاً وقالت بحزن

" جليلة لا تحكمي على الأمور من تجارب الأخرين ومهما كانوا

مقربين لك بنيتي "

فأشاحت بوجهها جانباً ولاذت بالصمت تحضن نفسها بيديها لا

شيء يتحدث سوى الدموع المنسابة على وجنتيها فما نفع

الحديث وكل ما ستقوله لن يلتفت له أحد ؟ فكم شرحت كل ذلك

وأعادت ودون جدوى ، كما تعلم جيداً بأن الواقفة أمامها الآن لا

حيلة لها في الأمر مثلها تماماً وحتى إن اعترضت واحتجت فلن

يستمع لرأيها أحد ، ثم هي كغيرها.. كزوجها وأبنائها وبناتها لا

يرون في كل هذا سوى فرصة لا تعوض ورجل يقاس بمركزه وما

لديه فقط ولن يهتم أحد لرأيها ولا مشاعرها .

تحركت من أمامها ورفعت الغطاء المخصص وفي صمت فاقتربت

منها والدتها كما زوجة شقيقها يساعدانها في ارتدائه ليخفي

فستانها الطويل المنتفخ ووجهها أيضاً بقبعته المطرزة فقد

سلموها للمجهول ولا حل أمامها سوى الرضا به .

*
*
*

اضجعت على السرير متنهدة نفساً طويلاً متعباً وغاص رأسها في

الوسائد الناعمة تحته وأغمضت عينيها برفق وتعالت أنفاسها

يعلو صدرها معها ويهبط بقوة فأقل مجهود كان عادياً لا يؤثر بها

أصبح يشكل تحدياً كبيراً لطاقتها الجسدية الآن وكأنها فقدت

نصف صحتها وقدرتها ! نزلت بيدها أسفل خصرها وهمست

وحاجباها يعقدان برفق

" كوالدك تماماً "

وسرعان ما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها كان لها مفعول

السحر على تلك الملامح الجميلة المتعبة وفتحت عينيها ببطء

ونظرت جانباً حيث يدها الأخرى بجانب وجهها على الوسادة

وهاتفها فيها وتبدلت تلك الابتسامة لأخرى ممتزجة بلمحة حزن

خفيفة تنظر للإسم على شاشته ولا تفهم تحديداً كيف عبثت

أصابعها به في لمسات غير مقصودة حتى وصلت هنا وكأن كل

شيء في هذا العالم يقودها له ! وسرعان ما حاصرتها تلك

المشاعر التي لا تفتأ تتركها للحظات لتعود وتجذبها نحوه بقوة

كمراهقة صغيرة تشتاق لحبيبها كلما تذكرته وهو لا يغيب عن

أفكارها بتاتاً ! وكم كرهت هذا الشعور الذي لطالما عرفته

واختبرته فهي من قاست من أكبر مشاعر الفقد والاحتياج إليه

واشتياقها سابقاً والذي تعلم بأنه الآن لن يفارقها لأشهر نحو رجل

تدرك جيداً بأنه ومهما أبدى اهتماماً كبيراً بها إلا أن مشاغله

وأولوياته أكثر من كل ذلك بكثير فهو منذ كان وأصبح مطر

شاهين الذي تعرفه الناس ليصبح المقربون له هم من يجهلونه !

يحتاجون إليه ولا يجدونه لأنه لا يجد وقتاً لهم وهذا ما اعترف به

سابقاً وبنفسه ومنذ عرفته قبل أعوام ولم ينكره كما لم ينكر بأنه

يصعب عليه تغييره مادام الوطن يحتاجه .. وهل سيتوقف الوطن

عن احتياجه له !

نظرت للسقف فوقها وغرست أسنانها في طرف شفتها حين

وصلها صوت الرنين في الطرف الآخر فها قد فعلها قلبها أو

أصابعها أو كلاهما لا يهم فذاك حدث وانتهى .

" غسق !! "

أبعدت يدها من تحته ومسحت بها طرف عينها والدمعة التي
تمردت على رموشها الطويلة ما أن سمعت ذاك الصوت الرجولي

العميق ببحته المميزة والتي زادته قوة وخشونة بل فخامة

ونظرت للجهاز الأبيض الأصم الذي يوصلها به بأنفاس عادت

تضطرب وتتعالى ... ويلومونها في هذا الرجل ! يريدون وبكل

بساطة أن تنتزع قلبها من صدره لا صدرها لأنه لديه وتسلمه

لرجل آخر ! كيف تفعلها وهي التي عجزت عن ذلك لأعوام ! عن

انتزاعه فقط من قلبها دون أن تهبه لغيره فكيف تفعلهما معاً !!

فبالرغم من كل ما عانته بسببه وضرباته الموجعة لها الواحدة

تلو الأخرى لازالت تضعف تتلاشى وتنصهر بكلمة منه ..

بلمسة .. بقبلة .. بل وبمجرد أن تراه أمامها أو حتى تسمع

اسمه .

" غسق لا تغلقي الخط ... تسمعينني "

خرج صوته من ذاك الجهاز آمراً حازماً مما جعل يدها تقف في

الفراغ بينها وبينه وكأنه قرأ أفكارها بالفعل بل وردود أفعالها !

قبضت أناملها وأعادت يدها مكانها وعيناها لازالت تراقب هاتفها

وكأنه يراها من خلاله وخرج صوته مجدداً بأمر حازم لكنه لم

يخلوا من تلك الرقة الرجولية التي لا يتقنها هكذا سواه

" غسق لا تجعليني أترك طريق أرياح وأعود أدراجي الآن "

فتسربت الدموع الرقيقة تسبح وسط مقلتيها الواسعة مجدداً تنظر
لمصدر صوته ذاك الذي تعشق وهمست بخفوت حزين بالكاد
يسمع

" أحبك "

وأغمضت عينيها بقوة أصابعها تشتد بقوة على قماش قميصها

القطني القصير جهة رحمها وعضت باطن شفتها تفلتها من قبضة

أسنانها ببطء وتعالت أنفاسها كما الصمت بينهما وفتحت عينيها

محدقة بالسقف فوقها ما أن قال بهدوء معاتب رقيق

" غسق ليس بهذه الطريقة يجرمون في الرجال ؟ "

فأمسكت ابتسامتها بأسنانها ونظرت لهاتفها على الوسادة بجانبها

وقالت بصوت منخفض زينته بحة أنثوية رقيقة

" تبدو في سيارة .. هل أنت بمفردك ؟ "
خرج صوته من فوره

" ليس هذا ما كنا نتحدث عنه وما تعلمين جوابه جيداً "

لم تعلق تنظر لهاتفها مبتسمة بحزن بينما خرج صوته منه مجدداً

" أخبرتك سابقاً بأنك جبانة ؟ "

فانعقد حاجباها الرقيقان وخرجت من صمتها قائلة برفض رقيق

" لست جبانة "

قال من فوره

" بل جبانة وتنسين دائماً بأننا زوجان ورفعنا الحواجز يا غسق "

انقلبت على جانبها مقابلة لهاتفها ذاك تتكئ بطرف وجنتها على

ذراعها وكأنها تخفي حمرة الخجل فيها ولاذت بالصمت ..

وبماذا ستعلق مثلاً فهي تفقد قدرتها على أي شيء ما أن تتذكر

تلك اللحظات التي جمعتهما منذ عاد مقتحماً عالمها مجدداً سواءً

تلك الليلة في منزل عائلتها القديم أو الوقت الذي قضياه في منزل

البحر ... حسناً وإن ارتفعت الحواجز بينهما ؟ وإن كانت تخطت

كل ذاك معه فهي تبقى أنثى يمتزج الحياء الفطري بمركبات

جسدها وطبيعتها .. بل وطبيعة علاقتهما المتأرجحة .

خرج صوته حين طال صمتها وكان عميقاً متزناً حمل الكثير من

الرقة الرجولية الفخمة

" يرضيك هذا الوضع يا غسق ! متى سترحميني من

الشوق لك ؟ "

دفنت حينها وجهها في ذراعها وكأنه أمامها بالفعل وقالت

" كنا معاً منذ يومين في البرج أم نسيت ؟ "

فوصلها صوته سريعاً

" ليس عن ذلك أتحدث وتفهمين ما أقصد جيداً "

ارتسم الحزن على ملامحها الشاحبة ورفعت وجهها عن ذراعها

وهمست بأسى تنظر لذاك الجهاز الأصم بعينان دامعة

" كنت قادراً على ذلك لأربعة عشر عاماً "

وطال صمته بطول عذابها تلك اللحظات قبل أن يخرج صوته

مجدداً وحازماً هذه المرة

" كنت قادراً !! اتركيني في صمتي عن تلك الأعوام أسلم لكلينا

لأني أعلم جيداً نتيجة الحديث عنه ومن جانبك تحديداً "

وهي تعلم النتيجة أيضاً وتوافقه الرأي فلن تحتمل مزيداً من

تمزيق جراحها النازفة وآمنت بالفعل بأنها تحتاج لشجاعة لم

تكتسبها يوماً لتستطيع فعلها ولتسأله فقط عن تلك الأخرى التي

سبق وتحدث عنها أمام الجميع فكيف بمن سمعت صوتها مراراً ؟

وتتساءل أحياناً هل الجميع مثلها أم أنها وحدها من تهرب من

انكشاف الحقائق أمامها ...!! الحقائق التي تعلمها سلفاً وتخشى

فقط من سماعها من شفتيه .

" هل أفهم أن كل هذا نوع من العقوبات المجحفة بسبب رفضي

لذهابك للعمران اليوم ؟ "

كان صوته معاتباً هذه المرة وإن لم يخلو من حزمه المعتاد

فابتسمت بسخرية وقالت

" لا بالطبع فأنا لازلت أصمت عن أمور كثيرة مشابهة تتعمد أنت

إزعاجي بها "

جاء تعليقه سريعاً بل وبجمود بدا واضحاً في صوته

" وابنة خالتك ستكون هنا وسيكون بإمكانك زيارتها في منزل

زوجها كما تشائين .. أما منزل عائلتها هناك فلن تدخليه واليوم

تحديداً "

سحبت نفساً عميقاً لصدرها ليس بسبب تجاهله لما لمحت له فقط

واقترب حاجباها الرقيقان بضيق وقالت

" مطر يفترض بأننا أكبر وأنضج من التصرفات الطفولية !

فوثاب لن أراه وإن كنت هناك "

لاذ بالصمت ولم يعلق وفضلت هي الصمت أيضاً وأن لا يتحدثا

عن الموضوع أكثر .. لا تعلم خشية من أن يستنتج أو أن يكون

يعلم مسبقاً عماّ بينها وبين قائد مؤخراً ؟ لكنه إن كان يعلم فلن

تكون هذه ردة فعله ! لن يتخذ الصمت كرد فعل ووضع المشاهد

حتى ينتهي كل شيء وكل ما توقف منذ أيام وباتت عاجزة عن

اتخاذ أي قرار بخصوصه وتركت جميع أسئلة قائد الأخيرة معلقة

في صفحة بريدها الخاص ولم تستطع ولا الإجابة عليها وإن كان

ما يخططان ويسعيان له سيستمر أم سيتوقف نهائياً ؟ .

قالت بهدوء تبتعد عن الحديث في كل ذلك

" اتصلت لأطلب منك أمراً ما لكن يبدوا أنك خارج حوران "

قال من فوره

" كنا في فزقين ومتجهون حالياً لمدن أرياح وسنقضي الليلة

هناك فاجتماع الدول المنتجة للنفط بات قريباً واستضافة البلاد له

أمر يصب في صالحها ولا نريد أي مشاكل تعرقله خصوصاً في

الوضع الراهن "

تنهدت وقالت

"وفي الغد ؟ "

وكما توقعت كان جوابه جاهزاً ومماثلاً لسابقه

" سأكون في مدن ثنان عليا تسوية بعض الأمور المهمة هناك

فعلى قضيتهم الشائكة أن تنتهي قبل العام الجديد "

فزمت شفتيها بضيق قبل أن تقول

" لن أسألك عن بعد غد فسيكون ثمة ما يشغلك أيضاً ... أرأيت

نفسك يا مطر ؟ أنت لا تتغير أبداً ولا أمل يرجى منك "

كانت تريده أن يكون معهم وقت عقد قران رماح لكنه وكالعادة

لا تعرف أخباره وتحركاته سوى من التلفاز وكأنه ليس ثمة آلاف

الرجال تحت إمرته يمكنهم القيام بكل ذلك عنه ! وصلها صوت

تنهده العميق قبل صوته قائلاً

" الوطن يحتاجني يا غسق "

" ونحن نحتاجك "

قالتها مباشرة ودون تردد بل وأضافت من فورها

" الوطن يحتاجنا جميعاً ونلبي نداءه مادمنا نحبه لكن ذلك لا يعني

بأن نضحي من أجله بكل شيء حتى بمن نحبهم ويحتاجوننا "

" أتبيعين وطنك يوماً ما يا غسق ؟ أتفعلينها ! "

كان سؤاله مباشراً وقاتلاً أيضاً وفهم كلاهما أن حديثها انحرف

عن مساره الطبيعي ولم يعد وجوده الآن مقصدها بل كل ما حدث

في الماضي ... امتلأت عيناها بالدموع وهمست ببحة وحزن

" أجل فثمة من لا يمكنني العيش بدونهم ولن تغنيني وحدة البلاد

عنهم ليسعد الجميع وأبكي أنا وأموت وحيدة ..... أنا لا يمكنني

أن أكون مثلك "

فخرج صوته معبراً عن ضيقه هذه المرة

" متى ستتوقفون تحديداً عن تشبيهي بآلات الحرب ؟ أنا بشر

مثلكم تماماً يا غسق وقسماً لا أستطيع أن اغمض عيناي ليلاً لأنام
وإن لساعة واحدة إلا حينما أفكر فقط بأنك وابنتي بخير

وموجودتان في هذا العالم "

انقبضت أصابعها على لحم ذراعها الشديد البياض وانزلقت

دمعتها اليتيمه من طرف رموشها لصدغها تسقي الوسادة تحتها

وقالت بأسى حزين

" هذا لا يكفي يا مطر وكم أخشى من اليوم الذي لا يجد أحدنا فيه

الآخر ... فعلى من سنلقي باللوم حينها ؟ "

ونظرت من بين دموعها للجهاز الذي خرج منه صوته عميقاً

منخفضاً زاد بحته المميزة تلك عمقاً ووضوحاً

" ومطر يفهم ذلك ويخشاه .... مطر شاهين أيضاً يريد التحرر

من كل هذا يا غسق لكن ليس الآن .. ليس ونحن نكاد نخلص

البلاد ممن يتسببون بكل ما تمر به الآن .. وبعدها مطر نفسه

وبنفسه سيترك كل هذا من أجلكم قبل أن يكون من أجله "

فارتسمت ابتسامة حزينة على شفتيها زينت ملامحها الكئيبة

المتعبة وهمست

" ثمة أمل إذاً في أن تتغير أفكار إبن شاهين القديمة ؟ "

وعلمت فوراً بأنه فهم ما كانت تقصد وقد قال بلمحة ابتسامة

ظهرت جلية في صوته

" ثمة أمل كما تغيرت تلك الصخرة وذاك الجدول ليتحول لشلال "

فانزلقت دمعة جديدة من طرف رموشها الطويلة وقالت ببحة "

أنت السبب في تغيرها جميعها "

فقال سريعاً وما لم تتوقعه

" أعلم ذلك جيداً "

فابتسمت بحزن وانقلبت على ظهرها مجدداً وحدقت في السقف

تمرر ظهر يدها تحت ذقنها تسحب أنفاسها لصدرها بقوة ووصلها

صوته المتوجس حينها

" ما بها أنفاسك لا تنتظم أبداً يا غسق ! أأنت متعبة ؟ "

فغرست أسنانها في طرف شفتها وأصابعها تنقبض لا إراديا على

فستانها أسفل معدتها مجدداً فها هو يقرأ حتى حركة أنفاسها

ويتابعها ! كم يتعبها هذا الرجل ويعبث بقلبها ويضع عقلها في

دوامة لا نهاية لها ! نظرت للهاتف قرب وجهها قبل أن تقول

بابتسامة صغيرة حزينة

" هذا ابنك .... يكاد يصيبني بالجنون "

وأرادت أن تختم عبارتها بكلمة ( بك ) لكنها لم تستطع هذه المرة

فثمة حاجز مرتفع جداً لم يتخلصا منه بعد وهو هشاشة ثقتها

به ... حاجز لم تعد موقنة تماماً إن كانا سيجتازانه ؟ مسحت

عيناها وابتسمت ما أن قال بضحكة صغيرة

" كوالده تماما ً ..... مؤكد هذا ما ستقولينه ؟ "
فخرجت منها ضحكة قصيرة متعبة وقالت

" أكذب إن قلت بأني لا أكررها دائماً "

ضحك مجدداً ولا يعلم بأن تلك الضحكة الرجولية العميقة

والممتزجة ببحة صوته المميزة كفيلة وحدها بإرسالها للجنون ..

ولن تتطرق لباقي تفاصيله كي لا تذهب هي له الآن ، أمسكت

أناملها بالهاتف ورفعته أمام وجهها لحظة أن خرج منه صوته

قائلاً بابتسامة

" لن أستغرب شيئاً منه إن كانت شقيقته هكذا "

غضنت حبينها باستغراب هامسة

" ما بها تيما ؟ "
وارتسم الاستغراب على ملامحها أكثر ما أن قال بضحكة

" لا شيء بها .... هي بخير تماماً وكوالدتها هي أيضاً "

*
*
*

نقلت نظرها بينهما وقالت بضيق ما أن استقر على دجى الجالس

متكئاً على ظهر السرير

" جدي توقف عن الضحك ... هذا عوضاً عن أن تقف في

صفي ! "
ونقلت نظراتها الحانقة سريعاً للكاسر والذي كان يجلس متربعاً

فوق السرير أيضاً وقالت

" وأنت ما جاء بك هنا ؟ والدتك في منزلكم هناك "

ضحك مجدداً ونظر جهة دجى متجاهلاً لها ولكل ما تقول وعاد

يقلدها حين أصيب وكانا في طريقهما للمستشفى وكانت تتصل

بمن لم يجب عليها حينها بينما عاد دجى للضحك الذي لم يستطع

منع نفسه عنه فرفعت الوسادة من حجرها ورمتها بغضب على

الذي أمسكها ضاحكاً وقال

" أتحدى أن تتصلي به الآن ويجيب "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بحدة

" بلى سيفعلها "

ضحك ضحكة ساخرة لم تزدها إلا اشتعالاً ونظر جهة دجى وقال

" إن أردت أن ترى ما حدث يومها الآن فتحداها لتفعلها "

فنظر لها جدها وضحك ولم يعلق فضربت بقبضتها على فخذها

وقالت بتحدٍ

" وماذا إن أجاب ؟ "

كان الجواب من الكاسر الذي قال بتحدٍ مماثل مبتسماً

" أعدك حينها أن لا أحكي ما حدث يومها لأحد غيره "

وعاد للضحك وما زادها اشتعالاً مشاركة جدها إياه ذلك وإن لم

يعلق على كل ما قيل فأخرجت هاتفها من جيب بيجامتها هامسة

بضيق

" ستريا إذاً "

ونظرت لشاشته وهي تقلبها بإصبعها بحركة غاضبة حتى وصلت

لإسمه .. وشعرت بموجة عارمة من الإحباط ما أن وقع نظرها

على الساعة أعلى الشاشة فمؤكد تلك الدجاجة التي تعمل طوال

النهار نائمة الآن وزد عليه مغادرته من هنا غاضباً قبل ساعات

فلن يجيب بكل تأكيد .. لكنها سبق وحذرته ولن تسامحه أبداً إن

فعلها مجدداً ، ضغطت بإصبعاها على اسمه ولم تستطع إبعاده

بسرعة وكأنها تهرب باكتساب المزيد من الوقت لكن الأمر حدث
وانتهى فسرعان ما ظهر صوت رنينه في الطرف الآخر واضحاً

لتشغيلها لمكبر الصوت .. وكانت ستعلن هزيمتها حين كاد

الاتصال أن ينتهي لكن وبمعجزة ما كما تراها سمعت الصوت

المميز لانفتاح الخط في الطرف الآخر وكانت لتتوج انتصارها ذاك

بابتسامة شامتة لولا أوقفها الصوت الرجولي الكسول بفعل النوم

أو النعاس لا تعلم ؟ حين خرج من هاتفها متذمراً

" تيما تبا لك .... تختارين دائماً هذه الأوقات السيئة التي أكون

فيها في السرير لوحدي "

فانفتحت عيناها من الصدمة ودست هاتفها لا شعورياً في

اللحاف تحتها قائلة بحدة وإحراج

" اصمت يا وقح "

ولم تسمع بعدها سوى ضحكة الكاسر وهي تخرج من تلك الغرفة

راكضة والتي كانت غرفة جدها وسلكت الممر المشترك باتجاه

غرفتها تنظر لهاتفها وصوته يخرج منه منادياً بإسمها فألغت

مكبر الصوت ووضعته على أذنها قائلة بضيق

" جدي كان يسمعك بل والكاسر أيضاً ... كيف سأنظر لعينيهما

مجدداً ؟ "

فقال من فوره وببرود غزا بحة صوته الكسول

" اتركي الجميع يعلم ما تفعلينه بي "

دخلت غرفتها ضاربة بابها خلفها بقوة وقالت

" لن أثق في وعودك مجدداً "

وصلها صوته سريعاً

" أنا لم أخن العهد بل أنت من فعل "

همست بصدمة تشير لنفسها " أنا !! "

قال بضيق

" أجل أنت فهلا أخبرتني ماذا فعلت من أجل هذا ؟ هل تحدثتما ؟

هل تحاولين فعلاً إقناعها بالأمر أم تنتظرين معجزة ما أن تحدث

وتجعلها توافق على رجل لم تتردد في إظهار كرهها له

علانية ؟ "

فنفضت يدها قائلة بضيق مشابه

" قاسم لا تظلمني وتحكم على أمر أنت لا تعلمه "

قال من فوره

" لا أعلمه لأنك لا تخبرينني شيئاً عنه .. تهملينني وتتجاهلينني

هكذا وبكل بساطة "

" اصمت ... "

قالتها بحزم بينما تابعت بحدة

" تعلم جيداً بأني أحبك ومنذ اللحظة التي التقيتك فيها "

خرج تأوهه واضحاً وقال وقد تغير مزاجه الحانق فجأة للبؤس "

أقسم بأنك أبرع من تختار أوقاتاً سيئة لقتلي ... وقسماً إن كنتِ

هنا أمامي الآن ما تركتك تنامين خارج هذا السرير البائس "

انفتحت عيناها بصدمة وقالت

" قاسم يكفي "

تأفف وقال بضيق

" سحقاً لقاسم .... أخبريني الآن ما الجديد في الأمر أو نفذت

كل ذلك "

ابتسمت تغرس أسنانها في طرف شفتها فكم تعشق تلك الكلمات

التي يستخدمها وقد تأثر بها بسبب حياته الطويلة في انجلترا

وقالت والابتسامة لازالت تزين شفتيها

" ثمة تقدم بسيط بل مهم فهي لم تعد غاضبة مني بسبب ما حدث

ولم تتحدث عن الأمر لكننا لازلنا نحتاج للمزيد "

فتنهد بصوت واضح قبل أن يقول بسخط

" المزيد والمزيد ...!! والمزيد من الصبر يا قاسم "

فعبست ملامحها الجميلة بحزن وهمست

" علينا أن نضحي قليلاً إن كنا نرى الأمر يستحق أليس كذلك ؟ "

وصلها صوته سريعاً

" اتركيني أحاول أنا إذاً "

" لا .. "
قالتها سريعاً وباندفاع وما أن سمعت تنهيدته الطويلة علمت بأن

الأمر ينحدر للسوء وبأنه سيغضب منها مجدداً فقالت

" لن ننتظر طويلاً بالتأكيد لكن علينا أن نصبر لبعض الوقت "

فتنهد مجدداً لكن ليس بحدة هذه المرة وقال

" أمري لله ... تعلمين جيداً بأني أحبك ومنذ اللحظة التي

رأيتك فيها "

لوت شفايها وتمتمت تمسك خصرها بيدها الحرة

" لا ليس كذلك فأنت لم تكن تخفي كرهك لي أبداً حتى

علمت الحقيقة "

وصلها صوته سريعاً

" حمقاء .... من هذا الذي كان على استعداد للبحث عنك وهو

لا يعلم إن كنت انجليزية أم فرنسية ؟ بل وإن كنتِ تحبين الرجل

الذي كنت تلبسين خاتمه المزيف ذاك "

فاقترب حاجباها بأسى وقالت ولازالت تمسك خصرها بأصابعها

" لكن ذاك اختلف فيما بعد وحين علمت من أكون ! "

قال من فوره مدافعاً عن نفسه

" لا بالطبع فأنا خطبتك من والدك قبل أن أعلم منه حقيقة

ما حدث هناك "

اكتسى الحزن ملامحها وهمست بأسى

" لما كنت تقسو عليا إذا ! "

تنهد بعمق وقال

" لا أعلم لما ! ما أعلمه بأني كلما غضبت من تمردك وقوتك في

الرد علي حينها لجأت لجرحك بكلماتي التي كنت أتألم منها أكثر

منك "

رفعت قبضتها في ضحكة صامتة وقالت بابتسامة واسعة

" كان رعد على حق إذاً "

وكتمت على فمها بيدها تغلقه بها مبتسمة حين قال باستغراب

" على حق في ماذا وما علاقة رعد الآن ؟! "

أبعدت يدها وقالت مبتسمة
" لا شيء ... حكاية أخرى تذكرتها الآن "

قال بعد صمت لحظة

" أخبريني إذاً ما الذي جعلك تتصلين بي الآن فلن يكون السبب

اشتياقك لي فلم تفعليها سابقاً "

فابتسمت تغرس أسنانها في طرف شفتها وقالت

" وإن كان كذاك بالفعل ؟ "

قال من فوره

" كاذبة .. فما علاقة جدك والكاسر إذاً ؟ "

ضحكت وقالت

" تصبح على خير "
وأغلقت الخط مبتسمة وحضنت الهاتف بقوة هامسة

" كم أحب هذا الرجل "

*
*
*


*
*
*

فتحت باب الغرفة وخرجت مسرعة بسبب جرس الشقة الذي لم

يتوقف عن الرنين وفتحت الباب دون أدنى ذرة تراجع أو تفكير

فمن في الخارج يبدو لا يمكنه الانتظار وهي لم يسبق وزارها أحد

هنا ولا تعرف أحداً سوى المجاورة لهم في ملحق مدبرة المنزل

والتي لم تراها بعد تلك الليلة حين عادا من الحفل ! وما توقعته

أو خشيته حدث فعلاً وهي ترتد للخلف بقوة حتى كادت أن تقع

بسببها على الأرض حين اندفع جسد المرأة ذات الشعر الطويل

المموج وسقطت على الأرض صارخة أمام نظراتها الذاهلة

وأمسكت فمها بيدها بصدمة تنظر للتي أصبحت تتلوى على

الأرض صارخة بألم تمسك معدتها بذراعيها وكأن ثمة ثعبان ما

شديد السمية قد لدغها ! وما أن اجتازت صدمتها ركضت نحوها

في خطوتين واسعتين وجلست قرب رأسها وأبعدت خصلات

شعرها الطويل عن وجهها صارخة فوق صوت صراخها الذي

لازال يخرج من فمها المفتوح على اتساعه

" غيسانة ما بك ! ما الذي حدث لك ؟ "

لكنها لم تجب بشيء لازالت تصرخ بألم نظرها معلق في السقف

وعيناها تكادان تخرجان من مكانهما محمرتان نابضتان كعروق

عنقها ولم تتوقف عن الصراخ وقد بدأت ترفس بساقيها وبدأ

بعض الزبد الأبيض يخرج من طرف فمها فهزتها من كتفها

صارخة ببكاء

" ما بك غيسانة تحدثي ؟ "

وكانت النتيجة كسابقتها فوقفت وركضت باتجاه غرفتها ورفعت

هاتفها سريعاً تكاد توقعه من يديها المرتجفتين وهي تحاول البحث

عن رقم هاتفه وصوت الصراخ الأنثوي في الخارج لا يزيدها إلا

توتراً ، كان رقمه مخزن لديها سلفاً وكم حمدت الله أنها فعلت مثل

هذه الخطوة سابقاً ومن قبل أن يتقرر وجودها هنا فمطر كان

مصراً على هذا من أجل الضرورة القصوى كما يسميها .. وضعت

الهاتف على أذنها بينما فتح من في الطرف الآخر الخط فوراً

فقالت صارخة ببكاء

" تعالى بسرعة .. أرجوك أسرع فغيسانة ليست بخير "

وسمعت بوضوح صوت الكرسي الخشبي الذي وقع عنده بينما

وصلها صوته بقلق ويبدو بأنه يتحرك مسرعا بين أشياء تعيق

سيره في خط مستقيم

" ما بها ؟ ماذا حدث "

قالت وبكائها لا يزداد إلا حدة

" لا أعلم ما بها إنها تموت .. تعالى بسرعة أرجوك فهي ستموت

لا محالة "
وصلها صوته المرتفع باستعجال

" أنا قادم ... اتصلي بالإسعاف بسرعة فقد يتمكنوا من

الوصول قبلي "

ففصلت الخط منه وفعلت ما قال فوراً فكيف لم تفكر في هذا ! وما

أن أخذوا منها عنوان الشقة ومكانها فصلت الخط ورمت الهاتف

وخرجت راكضة باتجاه التي لازالت على وضعها السابق وجلست

بجوارها مجدداً وأمسكت بيدها التي سرعان ما تمسكت بها أيضاً

وقالت ببكاء تمسح على شعرها

" ستصل الإسعاف سريعاً فهم قريبون من هنا ... اصمدي قليلاً

غيسانة أرجوك "

وما قالته حدث فعلاً فلم يمر وقت طويل قبل أن تسمع صوت

صفير سيارة الإسعاف الواضح والمميز فتركتها وركضت خارح

الباب وصرخت من أعلى السلالم القصير للذين ظهروا لها من

الأسفل

" بسرعة ها هي هنا .... تعالو بسرعة "
فركض طاقم المسعفين للأعلى فوراً ولم يكن الأمر يحتاج لأن

تخبرهم فصوت صراخها فعل ذلك قبلها .. وما أن دخلوا المكان

تحلقوا حولها وحاول أحدهم فحصها سريعاً بينما جلب آخران

حمالة ووضعوها عليها فركضت خلف آخر من خرج منهم وكان

الذي قام بفحصها تحديداً وأمسكت بكم قميصه الطبي جهة ذراعه

موقفة له وقالت ما أن توقف ونظر لها

" ما بها ؟ "

فقال وهو يركض نازلاً خلف من غادروا للتو

" يبدوا تسمماً ما وقد يكون بسبب أحد الأدوية "

فاتسعت عيناها بصدمة تنظر له حتى اختفى خلف جدار السلالم

الحلزوني وركضت من فورها جهة باب غرفتها المفتوح والذي

وقفت أمامه تنظر للمكان الذي تراه لأول مرة وسرق نظرها

سريعاً علب الأدوية المتناثرة على الأرض فأمسكت فمها في

شهقة مصدومة .

*
*
*

انقبضت أصابعها لا شعورياً ما أن توقفت سيارة شقيقها ونزل

منها بعد ثلاث ساعات متواصلة من السير من العمران وحتى

العاصمة حوران جنوب البلاد .. وإن أضافت لها ازدحام الشوارع

هنا أصبح وقت وصولهم فيما يقارب منتصف الليل وهم غادروا

من هناك وقت مغيب الشمس ، كانت رحلة يسودها الصمت التام

ولن تعزي ذلك لطباع شقيقها قائد شديد الصمت فقط بل وتراه

يتعمد ذلك لأن الحديث سيأخذهما لأن يسمع عبارات لومها

الحزين وذاك ما يعلمه جيداً ويرفضه ، لو كانت الرحلة برفقة

شقيقها وسام لاختلف الأمر كثيراً لكنه جبان أيضاً تهرّب من هذا

لأنه لن يجد جواباً لأسئلتها ولا لعتابها الباكي .. ولن تلومهما

كليهما فلم يملكا يوماً الخيار في تقرير ما يخص شقيقاتهما فقط

لأنهم أشقاء من الأم .. حجة وجدها وثاب سابقاً ليخرسهما بها

وللأبد بل وبطريقة مهينة وجارحة لم ينسوها هم شقيقاتهم

ليَنسياها هما .

انقبضت أصابعها على بعضها أكثر حين انفتح بابها وتعالت

ضربات قلبها مع أنفاسها تنتظر بتوتر أكثر من كونه رفضاً

الأصابع واليد الرجولية التي ستمسك بيدها لتساعدها على

النزول .. يد لن تكون لوالدها ولا أشقائها ... يد رجل غريب عنها

ولأول مرة وإن ارتبطت به بمسميات أباحها الشرع كما القانون

ليكون أقرب لها منهم جميعاً ، لكن ذلك لم يحدث ! فلا العطر الذي

وصلها حينها عطره ولا اليد الدافئة التي أمسكت يدها بيده ! بينما

أحاطت ذراعه الأخرى بكتفيها ووصلها صوت شقيقها قائد

وهو يهمس

" هيا انزلي يا جليلة "

هل ترك هذه المهمة لشقيقها أيضاً ! ألم يجد رئيس جهاز

المخابرات وقتاً ولا لاستقبالهم وأصدر أوامره ليجدها في انتظاره

ما أن يتفرغ الليلة ؟! انقبضت أصابعها على يد شقيقها وهي تُنزل

قدمها للأرض ثم تستوي واقفة خارج السيارة .. فما الذي يعنيها

في كل ذلك ؟

شعرت بالبرودة تتسلل من تحت الغطاء الأبيض الطويل الذي

يحجبها عن العالم كما يحجبه عنها وخطوات شقيقها تقودها خلال

الطريق الذي لا ترى منه سوى موقع قدميها بعض الأحيان قبل

أن يُحجب عنها كل ذاك الهواء ما أن احتوتهم جدران ما وصمت

مميت لا يكسره سوى صوت خطوات كعب حذائها المرتفع ! تلاه

مصعد بدأ يصعد بهما نحو السماء ...! أجل نحو السماء وهو

يرتفع دون توقف وموقنة من أنهما وصلا لمكان قد فاق الطابق

العاشر فأين هما تحديداً !!

توقف المصعد أخيراً وانفتح الباب أمامهما وبعد خطوات قليلة

خارجه سمعت صوت مفاتيح يخرجها من جيبه قبل أن يُدار قفل

باب ما أمامها وفتحه على اتساعه وأدخلها مغلقا إياه خلفه

وانتهى كل ذاك الصمت المميت حينها ما أن رمى مفاتيحه

لتصطدم بسطح طاولة خشبية قريبة وقال مبتسماً

" يمكنك رفع هذا الشيء الآن عن وجهك والتنفس بحرية "

وكان ذاك ما فعلته حينها بالفعل ودون تردد بأن رمت قبعة الغطاء

للخلف عن وجهها وسحبت أنفاساً نقية لصدرها لا شعورياً

ونظرت للمكان حولها باستغراب فهذه شقة شقيقها في العاصمة

هي متأكدة ! نظرت له ما أن قال فارداً يديه ومبتسما

" أعلم ما السؤال الذي يجول بذهنك الآن "

سحبت نفساً عميقاً لصدرها قبل أن تحرره متمتمة ببرود
" ولن يكون بالتأكيد ( هل هربت بي منه ؟ ) "

فضحك من فوره ضحكة عميقة قصيرة ومكتومة كما عرفتها عنه

دائماً وقال

" لا بالطبع بل زوجك من أراد هذا وستقضين الليلة هنا وتنامين

بسلام من دونه "

وتابع بضحكة يرفع يديه جانباً ينظر لها وهي تنزع الغطاء الثقيل

الذي أتعبها أكثر من الفستان

" انظري إلينا إذاً ...؟ زوجة ضائعة وزوج ضيع زوجته

واجتمعنا "

اقترب حاجباها ببطء تنظر له باستغراب فرفع كتفيه وقال مبتسماً

" يبدو أنه يعلم جيداً عدم تقبلك للزواج منه "

شدت قبضتيها بقوة بجانب جسدها وخرج صوتها متضايقاً

" لو كان يعلم ذلك أو يفهمه لما كان تزوجني أساساً "

وأدارت وجهها جانباً وهي تتابع بابتسامة ساخرة بل متألمة

" أو ما نفع قول كل ذلك "

فتنهد بعمق واقترب منها وأمسكت يداه بذراعيها ونظر لوجهها

الذي لازالت تشيحه عنه ولازال الأسى يرتسم واضحاً على

ملامحه وقال بنبرة عميقة متزنة تشبه ملامحه كما شخصيته

" من منا يختار قدره يا جليلة ؟ جميعنا تحركنا أقدار الله ومشيئته

إن أحببنا ذلك أم كرهناه وإن وقف الجميع معنا ضده فما يريده

الله سيكون ولا أحد منا يعلم الخير من الشر في ذلك غيره "

نظرت له وقالت بعبرة مكتومة والدموع تترقرق في عينيها

الواسعة والمحددة بالكحل الأسود اللامع

" هذا يكون كلامكم جميعكم عندما تعجزون عن إيجاد تبرير

مقنع لصمتكم ... فلما لا نفعل كل ما نستطيع فعله ثم نسلم

لأحكام الله ؟ "

كانت ترفض الحديث في الأمر بل وقررت أن تصمت نهائياً وها

هي تفشل وفي أول مرة يثار فيها الموضوع ، قال بجدية ناظراً

لعينيها الواسعة الدامعة

" لو أفهم ما في الرجل يجعلك ترفضينه ! فأنا لم أجد ولا ثغرة

أدخل له منها لأواجه والدك وشقيقك وثاب يا جليلة ؟ توقفي عن

اتهامنا بالتخاذل فذلك لم يحدث ... ولا أجد لك مبرراً بالفعل ! "

فتعالت أنفاسها وقالت بشهقة بكاء

" العيب بي وليس به ... "

وتابعت ببكاء مرير تشير بسبابتها لصدرها

" أنا لا أستطيع يا قائد فثمة شيء ما انكسر هنا اسمه رجل لذلك

لا أستطيع .. افهموني أرجوكم "

فاشتدت أصابعه على ذراعيها العريان والمخضبان بالحناء وقال

بحزم ناظراً لعينيها الباكية

" جليلة ما هذا الذي تخفينه عنا ويبدو حدث في الماضي ؟! "

ابتعدت عنه وأولته ظهرها وهمست ببحة تمسح الدمرع عن

وجنتيها بظهر كفها

" لا شيء ... لا أخفي شيئاً ..... وهل يخفى شيء في هذه

البلاد ؟ "

فأمسكت يده بكتفها وأدارها ناحيته حتى أصبحت مقابلة له مجدداً

وقال بجدية

" لن تقنعيني بهذا الآن فأنا لازلت حتى اللحظه أحاول تفسير

خبايا قصة زواجك من رماح شراع وما سببه وكيف تتمسكين به

بعد الحادث بينما يختار هو تطليقك !! "

" لا شيء ... لا شيء "

رددتها بهمس باكي تحرك رأسها نفياً ترفض النظر لعينيه فهي

تعلم الطريقة التي يفكر بها عقل المحامي لديه والجدال والرفض

لن يزيده سوى يقيناً بشكوكه .. وكما توقعت فقد قال وهو يرفع

وجهها ممسكا بذقنها لتنظر له

" وما السبب إذاً فلن يكون زواجك منه ..!! ما سبب رفضك يا

جليلة للزواج ؟! "

نظرت لعينيه من بين الدموع التي لم تعد ترى معها شيئاً تقريباً

وقالت بحرقة ويدها على صدرها

" أخبرتك بأنه الموت هنا يا قائد فلا تسأل أكثر وأنت أكثر من

اختبر هذا ويعرفه "

" ليس صحيحاً "

قال تلك الكلمات بعنف مبعداً يده عن ذقنها فكان ردها أعنف

وهي تقول

" بلى فلما لم تتزوج حتى الآن ؟ "

فحدق في عينيها بصمت وكأنه يبحث عن الجواب فيها عن سؤاله

قبل أن يطرحه وهمس باستغراب

" هل أفهم من هذا بأنك تحبين رجلاً آخر ! "

حركت رأسها بالنفي سريعاً وقالت بحرقة وألم

" لا .. وليته كان كذلك لكنت ذهبت له وأخبرته بذلك فإما أتزوجه

هو وإما يرفضني ويموت في داخلي للأبد وأرتاح "

فأشار لنفسه بيده وقال بحدة

" لماذا تقارنين نفسك بي إذاً ؟! "

قالت من فورها وبألم تنظر لعينيه

" أنا لم أقارن أنا فقط أردتك أن تفهم معنى أن تتألم في داخلك

حتى يفقد الشيء معناه بالنسبة لك ونهائياً "

نظر لها تلك النظرة التحليلية التي تفهمها جيداً وتعرف تبعاتها
فأبعدت نظرها عنه بل ووجهها الذي أشاحته جانباً وقالت تسبقه

" أنا متعبة يا قائد وأحتاج بالفعل لأن أنام قليلاً "

فتنهد مستسلماً ليس لأنه يصدق عذرها بل لأنه يعلم جيداً بأنها

لن تخبره بما يريد معرفته فقال بجمود يشير بيده بعيداً

" غرفتي هناك وهي الوحيدة المجهزة هنا .. يمكنك النوم فيها "

وتابع مغادراً نحو الجهة الأخرى

" إن احتجت شيئاً فأنا سأكون في غرفة المكتب .. لديا بعض

الامور التي سأقوم بها ولن أنام "

واختفى عنها وراء الباب الذي أغلقه خلفه فنظرت لحقيبتها التي

وضعها على الأرض حيث كان يقف وحملتها وتوجهت جهة

الغرفة التي أخبرها عنها والتي ما أن أغلقت بابها خلفها حتى

سقطت تلك الحقيبة الصغيرة من يدها على الأرض تحتها وتبعها

الغطاء الأبيض المطرز الذي كانت تمسكه في يدها الأخرى

واستند ظهرها بالباب خلفها وأمسكت فمها وعبرتها بيدها ما أن

تسابقت الدموع تنزلق من عينيها مجدداً وهي التي سبق

وعاهدت نفسها أن لا تبكي أو تهتم .. لكنها فشلت في كل ذلك .

*
*
*

مررت المشط بقوة في شعر الجالسة أمامها غير مكترثة لبكائها

الطفولي المرتفع تمسك صدغيها بيديها الصغيرتان وارتفعت

عيناها الواسعة الدامعة تنظر برجاء واستنجاد صامت لجدتها التي

دخلت المكان فجأة تنظر لهما باستغراب قبل أن تقترب قائلة

بضيق

" مهلك يا بثينة لما تفعلين بابنتك هذا ؟ "

لكنها لم تكترث لها تشد ذاك الشعر الأسود الناعم بقوة ولازالت

تمرر المشط فيه بعنف وما أن قالت الصغيرة باكية تحاول

الخلاص والركض لها

" جدتي .... "

حتى غابت كلماتها في حلقها الصارخ ببكاء ما أن ضربتها

بقبضتها الممسكة بالمشط في ظهرها صارخة بغضب

" قلت اجلسي ولا تتحركي أبداً حتى أنتهي أو أحرقت لك

هذا الشعر وارتحنا كلتينا منه "

فازداد بكاء تلك الطفلة حدة بسبب ألم ظهرها من جهة والأم في

شعرها من جهة أخرى لكن يد جدتها كانت المنقذ لها وهي تمسك

بذراعها وتسحبها منها قائلة بحدة

" اتركي الفتاة ما بك تفرغين غضبك بها ؟ "

فنظرت لها متيبسة بصمت للحظة قبل أن تبرر بانفعال مبالغاً فيه

" هي السبب في هذ الغضب .. لا تتوقف عن الحركة وكأن

شعرها ينساب مع المشط كالماء "

قالت الواقفة أمامها تحضن حفيدتها الباكية

" لا بل هو كذلك بالفعل وشكله أمامك يشهد فلا تتحججي بها "

حدقت فيها بصدمة قبل أن تقول برفض غاضب

" ماذا تقصدين بهذا أمي ؟ "

" تعلمين جيداً ما أقصده "

قالتها بالسرعة والقوة التي وجهت بها ابنتها السؤال لتحتج تلك

من فورها بانفعال

" لا لست أعلم .. وإن كان بسبب حفل الزواج الذي لم يدعوننا

له فأخبرتك بأني لا أهتم وقلت ما قلت من أجل احترامك فقط كعمة

له وقريبته الوحيدة "

قالت المقابلة لها بضيق تبرر به الموقف مجملاً

" لا ليس من أجل ذلك أتحدث فسبق وقلت وها أنا أكررها مجدداً

فعائلة جليلة لم يقيموا حفلاً ليتم دعوتنا له وعمير عزيمته تخص

الرجال فقط وأعتقد أن الأمر يخصهما وحدهما "

قالت بسخرية تغطي بها قهرها وحرقتها

" بالله عليك أمي ... عمير وفهمناها ابن شقيقك ومحبتك له فوق

إهانته لك بأن يرفض أن يكون ثمة حفل تحضره ... "

وحركت يدها أمام وجهها وهي تتابع

" نسااااء العائلات الراقية المبجلة في البلاد والذين لا تراهم هنا

والذين هم مدعوون الآن في عشاء في أهم وأفخم صالات

المناسبات في العاصمة .. "

وتابعت بضيق تشير بيدها جانباً

" لكن تلك العائلة وتلك المغرورة ترفض لما حفلاً تبرع ابن

شقيقك بأن يتكفل بتكاليفه كاملة .. إن أرادت أن يكون في العمران

طارت الناس لها هناك لتحضره وإن أرادته هنا في حوران كان

لها ما ستتحدث عنه الناس لأعوام ! بل واقترح حتى منزله هنا
إن أرادت سمو الأميرة ذلك وهي تتكبر على كل هذا ! لا ويلغي

حفل النساء كاملاً لأنها رفضت ولا يحتج ! قسماً لم ترى عيناي

رجلاً يتعرض وعائلته للإذلال من امرأة كما يحدث معنا ! "

كانت تتحدث بما لم يعد يمكنها كتمانه أكثر كي لا يقتها بينما كانت

عينا والدتها تتسع تدريجياً بسبب ما تسمع وانفجرت نهاية الأمر

صارخة فيها بينما سبابتها تغطي شفتيها

" اصمتي .. قسماً إن سمع عمير كلمة من هذا فقط يا بثينة أن

يكون حسابي معك عسيراً ولن أفوتها لك كالمرة الماضية .. "

وتابعت بحدة تشير بسبابتها جانباً

" ألا يكفيك أن ابنك والذي لم يتجاوز العاشرة بعد أخذه معه وكأنه

رجل من عائلته ولا شيء يربط اسميهما ببعض "

فقالت بضيق لم تكترث بغضبها ولا تهديدها كما يبدو

" وهذه إهانة أعظم من سابقتها أ... "

لتقاطعها التي صرخت مجدداً

" قلت اصمتي قسماً أن الحديث معك عبثاً "

فضربت بيدها على فخذها صارخة بحرقة

" أمي أخبرتك منذ البداية أن ذلك لا يعنيني .. ..

هو من أجلك فقط "

فصرخت فيها بالمثل

" لما غاضبة إذاً ومزاجك مشتعل منذ الصباح تفرغينه في

المسكينان اللذان لا ذنب لهما ؟ "

فحدقت فيها بصدمة صارخة باحتجاج

" أمي هل أفهم ما تلمحين له ؟! "

وحدقت بذهول في التي لوحت بسبابتها ناحيتها قائلة بحدة "

تفهمين جيداً يا بثينة وتوقفي عن إلقاء اللوم على الأخرين فيما

سببته بنفسك لنفسك .. وزوجة عمير واجب علينا جميعنا

احترامها كبيرنا قبل صغيرنا "

فلم يزدها سماع اسم تلك وما قالته والدتها سوى اشتعالاً وقالت

غاضبة

" تقولين هذا ولم تصل بعد أمي فماذا بعد أن تصبح هنا ؟ ستري

بعينيك أي إذلال سنعيشه بسببها وكيف ستجعل ابن شقيقك مدللك

ذاك يطردنا من منزله هذا "

" إن حدث وكان هذا فسنكون نستحقه حينها بالتأكيد "

وجهت لها تلك الجملة التي تعنيها وتفهمها ابنتها جيداً ومقصدها

منها فانفجرت حينها باكية وخرج ما لم يعد يمكنها السيطرة عليه

أكثر وصرخت ببكاء تضرب بكفها على صدرها

" أمي الرحمة أرجوك أنا ابنتك ولست عدوة لكم ... تعلمين جيداً

كم هو قاسٍ هذا الأمر على قلبي وتعلمين أيضاً ما قاسيته

ومررت به "

ليجعل ذاك المنظر الواقفة هناك تبعد حفيدتها المتعلقة بها

واقتربت من ابنتها وجلست بجوارها وحضنتها في صمت يشبه

بكائها الصامت ذاك فهي تفهم مشاعرها وما تكتمه في داخلها

اليوم تحديداً وتعلم أن ما مرت به في زواجها السابق كان قاسياً

عليها وعلى زوجها ذاك أيضاً ولن تنكر هذا فكلاهما لم يستطع

الانسجام أو تقبل طباع الآخر، و كل ما تتمناه أن تكون تعلمت

ابنتها ذاك الدرس جيداً وأن تُخرج من رأسها أيضاً فكرة أن

الشاب الذي أحبها وتعلق قلبه بها في الماضي لم يعد لها الآن

وإن كانت مشاعرها ناحيته لم تتغير .

" عمتي "

ابتعدت عنها تكتم بكائها بيدها تغلق فمها بقوة ما أن وصلهما

الصوت الرجولي الجهوري منادياً في الخارج ووقفت المعنية

بالأمر بينما سبقتها حفيدتها راكضة قبلها ما أن سمعت صوته

بينما بقيت التي تركتها خلفها تمسح دموعها بكفها بقوة تسمع

حديثهم بوضوح بل ذاك الصوت الرجولي تحديداً وهو يستقبل

طفلتها الصغيرة قائلاً بابتسامة

" مرحباً بأميرتي "

وابتسمت بحزن وحسرة زادتها العبارة التي تليها

" من هذا الذي أبكى ملاك عمير ؟ "

ليتدخل صوت والدتها في الوقت المناسب قائلة

" مرحباً بني هل انتهى عشاءكم ؟ "

قال بعد قبلات كثيرة متتالية لوجنة الطفلة الضاحكة بين ذراعيه

" تقريباً عمتي فقد غادرت وتركتهم "

ضحكت وقالت

" معك حق إن بقيت هناك فلن تحضر زوجتك أبداً وتلك سيئة

في حقها "

فاشتدت أصابعها في قبضة واحدة قوية ودون شعور منها

وضربات قلبها ترتفع بتسارع قوي وهي تسمع كلمات والدتها

التالية متسائلة

" لا أراها هنا هل هي في السيارة أم لم تصل بعد ؟ "

فكان جوابه سريعاً لم يترك لها المجال ولا لتخمينه

" لا عمتي وصلت وهي مع شقيقها ولن أحضرها هنا الليلة "

فوقفت على طولها يدها على صدرها تنظر للباب مبتسمة بعد كل

ذاك البؤس والدموع والنهار الحافل بالتوتر والغضب والأعصاب

المشدودة .. فما معنى أن لا يحضرها هنا ويتركها مع شقيقها ؟

كم تمنت لو أن والدتها سألته أكثر وعلمت عن السبب الذي هي

أكيدة بأنه لن يفصح عنه ؟ بل لو أنها ترى الآن وجه تلك

المتكبرة وهي تتلقى الخبر فما أعظمها من إهانة هذه التي تتلقاها

أي امرأة في مكانها الآن فليس ثمة رجل يفعلها إلا لأسباب تخصه

ولن تكون أسباباً إيجابية أبداً !!.

كان باقي حديثهما عن ابنها الذي جاء بصحبته ثم صوته يتحدث

في هاتفه متوجهاً نحو الأعلى وما هي إلا لحظات ودخلت والدتها

قائلة

" سأهتم أنا بإبنيك ونومهما وأغير ثياب .... "

فتحركت وتركتها واقفة مكانها مشدوهة لم تستمع ولا لحديثها

لنهايته ! بل ولم تتركها تكمله وهي تجتازها قائلة بابتسامة

واسعة ناقضت تلك الملامح الباكية

" لا عليك أمي سأهتم أنا بكل ذلك "

*
*
*

*
*
*

نزل من سيارته ضارباً بابها باستعجال وركض جهة باب المبنى

السكني وصعد السلالم بخطوات واسعة ووقف مكانه يتلقف

أنفاسه ما أن ظهرت أمامه التي خرجت من باب غرفة الملحق

تمسك في يديها علبتي دواء بلاستيكية ونظراتها الغاضبة موجهة

لعينيه تحديداً وجفناها محمران بشدة من كثرة البكاء فقال من بين

أنفاسه مستغرباً حالتها تلك

" ماذا حدث ...؟ هل جاءت سيار.... "

وتوقفت الكلمات في حلقه حين رفعت يديها تشد على أسنانها

بقوة ورمته بعلبتي الدواء لتصطدما بصدره قبل أن تتدحرجا تحت

قدميه وصرخت فيه بغضب

" تباً لك من رجل ... بل ولكما كليكما "

كان ينظر لها بعينين متسعتان وقد تابعت بذات صراخها الغاضب

" أبهذا تُرضون غروركم الرجولي المقيت ؟ أهذا ما تفعلونه

بالنساء ؟ "

وأشارت بسباتها جهة باب الغرفة التي خرجت منها للتو قائلة

بصراخ أشد

" أهذا مكان تعيش فيه امرأة شقيقها يكون رئيساً لبلاد بأكملها ؟

أهذا ما يليق بمخلوق بشري يا وحوش ؟ "

وتابعت صراخها الغاضب دون أن تهتم لصمته

" لا أصدق أن مطر شاهين ومن يفكر حتى في أطفال بلاده يعامل

شقيقته بهذه الطريقة !! "

وأشارت له بسبابتها صارخة

" وأنت ... أنت تشاركه في كل جرائمه هذه !! كيف سمح لك
قلبك وإنسانتك كيف ؟ "

همس محدقاً فيها بغير تصديق " ماتت ...؟! "

شدت قبضتيها بجانب جسدها وقالت ببكاء غاضب

" ليتها فعلتها ... ليتها تفعلها وتكون ماتت بالفعل ... ليس

لترتاح من عذابها هذا بل ليحاسبكما القانون قبل خالقكما على

موتها بسببكما "

تركها حينها ونزل عتبات السلالم مسرعاً يُخرج هاتفه من جيبه

وركب سيارته مجدداً ووجهته المستشفى الذي ستكون فيه

بالتأكيد يحرك المقود والهاتف لازال في يده وأنفاسه لازالت

تخرج قوية يتذكر كل كلمة قالتها من تركها هناك بعدما أفرغت

جام غضبها به .. فلما يكون متهماً ؟ بأي حق تنعته بكل تلك

النعوت وترميه خارج حدود الإنسانية ! لم يختر هو شيئاً مما بات

وصار إليه بل واستلم مهام غيره ليحاسب بأبشع الطرق هكذا ! .

نظر لشاشة هاتفه وفعل ما كان متردداً في فعله فيكفي حتى هنا ،

كتب أحرف الرسالة بسرعة قبل أن تُضيء الإشارة الخضراء

وأرسلها فذاك وحده من عليه أن يجد حلاً لكل ما ورطه به إن

كان الآن أم قبل كل تلك الأعوام .

*
*
*





قفزت مغادرة السرير ترتب قميصها المنساب فوق البنطلون

الأنيق المصنوع من الكتان ما أن سمعت باب الجناح يُفتح فهو لم

يزر غرفته بل والقصر بأكمله منذ قرابة اليومين وتركها تشتعل

هنا تبحث عن أجوبة للسؤال العالق في قلبها يكاد يحوله لرماد

بسبب الدوامة التي رمتها فيها تلك المجنونة وغادرت بكل برود

وكأنها لم تقل شيئاً ...! كما أنه دخل المنزل تلك الليلة وذاك ما

أخبرتها به الخادمة التي سألتها لكنه غادر فجأة ودون حتى أن

يصعد هنا لغرفته ولم يرجع من حينها ! ولن تستبعد أن تكون تلك

المدعوة زيزفون السبب أيضاً .

فتحت باب الغرفة وخرجت نظرها على الذي سار جهة غرفته

دون حتى أن ينظر ناحيتها فتبعته قائلة

" وقاص "
لكنه فتح باب الغرفة ودخل ضارباً إياه خلفه دون أن يكترث

لندائها بينما فتحت هي الباب ودخلت خلفه دون اكتراث أيضاً

لتجاهله فهو لم يغلق الباب بالمفتاح ولازال وقاص الذي تعرفه

سابقاً وإن كان غاضباً منها غضباً لا يشبه سابقاته هذه المرة ،

نظرت لقفاه وهو ينزع سترته وقالت بجدية

" وقاص ثمة ما علينا التحدث عنه "

لم يعلق أيضاً كما لم ينظر ناحيتها وقد رمى السترة على السرير

الواسع وبدأ بفك ربطة العنق فقالت بضيق

" وقاااص "
استدار نحوها حينها وبعدما رمى ربطة العنق بعنف حيث السترة

التي سبقتها وقال بحدة

" كم مرة سأعيد وأكرر بأنه ليس ثمة حديث بيننا ... "

وتابع ضاربا يديه ببعضهما

" لم يبقى شيء .. أي شيء يا جمانة ووحدك المسؤول

عن هذا "

فكتمت جرحها من كلماته وقالت بحدة

" أنا لست هنا لأسمع منك ما بت أحفظه جيداً "

فصرخ فيها من فوره

" ماذا تريدين إذاً ؟ "

فارتجف صوتها الحاد المرتفع وهي تصرخ به أيضاً

" جئت لأسألك عن أمر أريد جواباً واحداً له "

نظر لها بصمت وأنفاسه الغاضبة لم تنتظم بعد فسحبت نفساً

عميقاً لصدرها قبل أن تقول بجدية

" هل تزوجت يا وقاص ؟ "

تبدلت نظراته الغاضبة للإستغراب وإن لم يغادر الضيق عيناه

والحاجبان المعقودان فوقهما وهمس بجمود

" تزوجت !! "

شدت قبضتيها بقوة وقالت تنظر لعينيه

" أجل ... أثمة امرأة زوجة لك غيري يا وقاص ؟ "

نظر لعينيها باستغراب لوقت قبل أن يقول بضيق

" ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ! أنسيت بأنني أحمل الجنسية

البريطانية كما أني أعمل كرجل قانون فيها ؟ "

قالت من فورها تنفض يدها

" ووالدك يحمل الجنسية البريطانية أيضاً وبطريقة ما ها هو

متزوج من ثلاث نساء "

فقال بضيق وقد أشار بيده جانباً

" والدي ليس نائباً للمدعي العام ولا محامٍ أيضاً "

حركت رأسها بعنف وقالت

" جدك سيجد لهذا حلاً كما استطاع سابقاً أن يخرج حفيدته تلك

من المصح النفسي وكأنها لم تدخله "

اشتدت قبضتاه لا شعورياً وقال بحدة

" ما الذي تريدين الوصول له تحديداً يا جمانة ؟ "

قالت من فورها وبإصرار

" ما أريده هو جواب لسؤالي ولا تسألني لما سألت حتى

تجيب أولاً "

قال بضيق

" وأنا سبق وأجبت بأني لن أتلاعب بالقانون الذي أمارسه ...

فمن هذا الذي غرس هذه الفكرة في دماغك ؟ "

أرادت أن تقول الحقيقة لتبين له من تكون تلك المجنونة التي

يدافع عنها لكنها لن تكسب شيئاً بذلك ولن تخبره أبداً بما قالت

ونصحتها شقيقتها فقد تكون بالفعل مجرد خطة دنيئة منها وأن ما

تريده بها هو أن تخبره فعلاً ، قالت بحزن برعت في رسمه على

ملامحها وإن كان مصدره القلب فعلاً وإن اختلفت الأسباب أيضاً "

وضعنا هو ما غرسها في قلبي قبل عقلي فانظر منذ متى لم

يجمعنا سرير واحد ... أنت رجل ولن أصدق بأنك لن تحتاج ..."

قاطعها بحدة

" جيد أصبحتِ تنتبهين لمتطلباتي كرجل وللثغر التي كنت

تتركينها في علاقتنا "

امتدت يدها لذراعه ولامست قماش قميصه الأبيض الناعم وقالت

تنظر لعينيه برجاء

" أريد لذلك أن يتغير يا وقاص فساعد كلينا لنحقق هذا وسأكون

لك طوال الوقت "

ضحكة ساخرة كانت ردة فعله شعرت بها كسكين ساخن غرس في

قلبها قبل كبريائها .. ولم يكتفي بذلك فقط بل تركها واقفة هناك

ودخل الحمام ضارباً بابه خلفه بقوة وأغلقه بالمفتاح هذه المرة

وكأنه يخشى أن تدخله خلفه ! مسحت عينيها الدامعة بقوة فلن

تبكي مجدداً كما قررت بل وهمست بحزم تنظر لباب الحمام

المغلق والذي خرج منه صوت تدفق المياه في حوضه الواسع

واضحاً

" سأفعلها يوماً يا وقاص وأشاركك إياه كزوجين لطالما حلمت

أن نكونهما "

وغادرت بعدها الغرفة بل والجناح بأكمله ووجهتها السلالم التي

نزلتها ترتب خصلات شعرها التي أصبحت طويلة فجأة وكما

أرادت وتمنت طويلاً .. وكانت وجهتها مكاناً محدداً فنيرانها

المشتعلة لم تخمد بعد رغم علمها بكذب تلك كما يقينها من

صدق وقاص .

*
*
*

فتحت باب غرفتها ووقفت أمامه تنظر باستغراب لشقيقها قائد

الذي خرج من غرفة مكتبه أيضاً بينما رنين جرس الباب المتقطع

لم يتوقف أبداً وكان لازال بملابسه التي جاء بها سوى أنه نزع

السترة كما ربطة العنق .. بينما ارتدت هي بيجامة حريرية طويلة

بلون الكريما كانت ضمن الأغراض التي أعدتها في حقيبتها

الشخصية الصغيرة تلك وقد تركت شعرها البني الطويل الناعم

يرتاح على ظهرها بانسياب وكثافة جعلت بعضاً منه يتمرد على

كتفها الأيمن وغرتها المقصوصة تكاد لا تجد مكاناً معه وكأنها

بالفعل عروس نامت مع زوجها لا لوحدها .. فحتى عيناها

الواسعة المجهدة من كثرة البكاء لم يزدهما ذاك إلا بريقاً غريباً .

تبادلا نظرات مستغربة فكلاهما لا ينتظر أحداً ولا يتوقعه الآن

وفي منتصف الليل وهما قد وصلا قبل قليل ولم يخبرا أحداً

يعرفانه عن مكانهما ! تحرك قائد ووجهته باب الشقة الذي يفصله

عن بهوها ردهة صغيرة تحوي مجلس رجال وحمام صغير خاص

به وعاد بعد قليل ونظر لها وقال سريعاً وهو يعود هناك

" ادخلي قليلاً يا جليلة "

فدخلت الغرفة من فورها وأغلقت بابها خلفها ووقفت عليه ولم

تعد تسمع أو تعلم شيئاً مما يحدث خلف الباب .. وما هي إلا

لحظات وطُرق الباب خلفها ووصلها صوت قائد قائلاً بابتسامة

بدت واضحة في صوته

" تعالي اخرجي يا جليلة "

ففتحت الباب ببطء ونظرت باستغراب للطاولة التي أشار لها

عليها قائلاً بابتسامة

" تعالي فثمة عشاء غير متوقع وصل للتو "

حدقت فيه باستغراب قبل أن تعود بنظرها لعلب الطعام الخاصة

بأحد المطاعم وقد رسم شعاره كما إسمه عليها وعلبة أخرى تبدو

لكعكة من أحد أهم معامل العاصمة مطبوع عليها كلمة

( أورنيلا )

وهو اسم ذاك المعمل الإيطالي المختص في صناعة الكعك

والحلوى وهو اسم إيطالي يطلق على زهرة الرماد المشرقة ..

وفي طرفه رسم تخطيطي لزهرة مكونة من ساق وثلاث وريقات

ملونة ترمز لذاك المحل الفخم تحديداً كحال علب الطعام

والمشروبات .

عادت بنظرها له وقالت

" أنت طلبت كل هذا ! "

قال وهو يقترب منها

" أخبرتك بأنه عشاء غير متوقع "

وأمسكها من يدها وسحبها جهة الطاولة الزجاجية بيضاوية

الشكل وجلس على الأريكة وقال يثني كمي قميصه الأبيض ونظره

على علب الطعام أمامه

" هذا زوجك لم ينسى هذا بينما نسيته أنا ! "

ورفع نظره لها وقال بابتسامة جانبية ناظراً لعينيها المحدقة

فيه بجمود

" أم أنك لن تتناولي هذا فقط لأنه من دفع ثمنه ؟ "

فأشاحت بوجهها جانباً وكتفت ذراعيها لصدرها متمتمة ببرود "

لا رغبة لي في أكل شيء "

بدأ بفتح العلب أمامه لتفوح رائحة الطعام الشهي في المكان فوراً

لاهتماهم تلك المطاعم بضمان إيصاله ساخناً وقال منشغلاً

بما يفعل

" ستأكلين ورغماً عنك فأنا أعلم جيداً بأنك لم تتناولي

شيئاً اليوم "

نظرت له وما أن كانت ستتحدث رفع نظره لها وقال بأمر حازم

" جليلة لا تغضبيني منك فهو لن يعلم إن أكلت من هذا الطعام

أم لا "

قالت بضيق

" وما علاقة حديثنا بعلمه أو جهله ؟ قلت بأنه لا رغبة لي

في تناول.... "

قاطعها وهو يقف متوجهاً جهة المطبخ قائلاً

" سأجلب الأطباق والملاعق وستأكلين وإن أطعمتك بنفسي "

فتأففت بضيق نظراتها الحانقة تتبعه وقد عاد سريعاً يحمل ما

ذهب لأجله وجلس وقال

" لا تختبري صدق تهديداتي لأني قسماً أفعلها "

فتأففت مجدداً وجلست مرغمة بينما تولى هو المهمة كاملة في

نقل كل تلك الأطعمة الدسمة المميزة للأطباق ورمى أغلفة العلب

في المطبخ كأي رجل أعزب إعتاد ولأعوام أن يفعل كل ذلك بنفسه

، وما أن جلس حتى بدأ بتناول كل ما تصله يده وكأنه ينوي

بالفعل تذوق كل تلك الأطعمة ! بينما اكتفت هي بمراقبته بادئ

الأمر قبل أن تتنهد بضيق ورفعت الملعقة وبدأت بتناول ما كان

في الطبق أمامها وسرعان ما اكتشفت السبب الذي جعل شقيقها

يأكل هكذا بانسجام بل وبنهم أمام كمية الطعام التي كانت تعرفه

يأكلها فالطعم هو السبب ويبدو استحق ذاك المطعم اسمه وشهرته

بالفعل .

رفع نظره لها وابتسم ما أن وجدها تأكل وقال وهو يستبدل بعض

الأطباق لتصبح قريبة منها

" لن تتناولي مثل هذا الطعام دائماً صدقيني "

وضحك وقال وهو يرفع قطعة لحم خروف طرية

" بلى فقد نسيت بأن زوجك سيكون بإمكانه شراء مثل هذا

كل ليلة "

فتنهدت بضيق وقالت ببرود تنظر للطبق الذي تأكل منه

" هل ستقنعني بأنك لم تتناول طعام هذه المطاعم سابقاً ؟

أعلم بحجم المال الذي توفره لك وظيفتك كمحامٍ وكرئيس

لجنة محققين خاصة "

ابتسم وقال وهو يمسح يده في منديل ورقي ليخرج هاتفه الذي

علا رنينه حينها

" لا أنكر ذلك لكن قلة من الناس فقط يمكنهم التعامل دائماً مع

مثل هذه المطاعم لأنها مكلفة بصورة لا تتوقعينها "

عادت للأكل ولم تعلق لأنه أخرج هاتفه من جيب بنطلونه حينها

وأجاب عليه وهو يمضغ اللقمة في فمه قائلاً بابتسامة

" لم أتوقع هذه المكالمة مطلقاً ! ... أتطمئن على أن مالك

لم يهدر سدى ؟ "

ورفع نظره لشقيقته والجالسة أمامه والتي كانت وللغرابة تتناول

طعامها دون حتى أن ترفع نظرها له ! لا يفهم تجاهلاً للمكالمة

الواضح جيداً ممن تكون أم أنها لم تنتبه وتظنه أحد موكليه ؟!

والخيار الأول يبقى الأرجح لديه بالتأكيد .. ضحك ما أن قال من

في الطرف الآخر معلقاً على حديثه السابق بل وتحدثه وهو

يمضغ الطعام

" لا يبدو أنني أحتاج لأن أخشى من ذلك "

فعلق ضاحكاً ونظره لازال يراقب التي لازالت أيضاً تتجاهل

كل ذلك

" بالطبع لن تقلق وأنا موجود ... كما أنني خيار أفضل من أن

تأكله القطط المشردة غداً "

وكما توقع قال من في الطرف الآخر فوراً

" لست عنك أسأل ولا لأجلك اتصلت فهل أكلت هي أم لا ؟ "

ابتسم وقال يمسك ضحكته ونظره لازال يراقبها

" لا تخشى من ذلك أيضاً فهي تأكل وها هي جالسة أمامي ...

إن كنتَ تجلس مكاني الآن لتركت الطعام وأكلتها هي "

وضحك فور أن رفعت نظراتها المصدومة به قبل أن تهب واقفة

وغادرت من فورها باتجاه غرفته فأبعد الهاتف وقال منادياً

بضحكة

" تعالي تناولي طعامك يا جليلة وسأغادر أنا وهاتفي "

لكنها لم تسمع حرفاً مما قال وقد أصبحت في لمح البصر داخل

الغرفة مغلقة الباب تقف عليه وظهرها ملتصق به تشعر بدفعات

هائلة تُرجف جسدها لا تعلم من الإحراج أو الغضب أم كلاهما

معاً ؟ وتحركت نحو السرير متمتمة بغضب

" ما أوقحكم الرجال فعلاً "

واندست تحت الأغطية الناعمة لازال صوت شقيقها وضحكاته في

الخارج يصلها وإن كانت لا تفهمه فها قد استطاع ذاك الرجل

وفي وقت قياسي أن يجد له مكاناً فسيحاً بين عائلتها وأشقائها

تحديداً ولا تفهم ماله ومركزه السبب أم أمور أخرى قد يفهمها

الرجال فقط ؟ قد تصدق أن يصدر ذاك التصرف الاستغلالي من

شقيقها وثاب لكن شقيقاها التوأمان وقائد تحديداً تستبعد ذلك

بعد السماء عن الأرض .

دفنت وجهها في وسادتها تهرب من فكرة تعلم بأنه لا مهرب لها

منها وبأن من يفترض بأنها في منزله الليلة ستكون معه وفيه

غداً ولن تغير هذه الساعات في الواقع شيئاً ... لو يعلم فقط كم

باتت تكره الرجال جميعهم وكيف تحطم ذاك التمثال الذهبي

المسمى رجل في داخلها ما كان ليفكر ولا مجرد التفكير في

الزواج منها .

أغمصت عينيها بقوة وكل ما تريده الآن أن تنام فقط وتترك كل

شيء تحت وسادتها حتى الصباح على الأقل .



*
*
*

قضت رحلة رجوعهما للجنوب أيضاً نائمة لكن ليس تهرباً هذه

المرة بل لأنها كانت بالفعل تحتاج لأن تنام بعد سهرها هناك

ليلتين متتاليتين فبعدما نجحت جوزاء فيما عجزوا عنه جميعهم

وأقنعته بقبول السيارة الجديدة الحديثة وإن كان لم يقبل بها إلا

بعد توقيع عقد تقسيط ثمنها الباهض كدين في عنقه .. حتى أنه

ترك لأبان سيارته القديمة وأوراقها ليبيعها ورفض إلا أن يدفع

ثمنها كدفعة أولى في السيارة الجديدة .. وبعد كل ذلك قبِل أن

يقضيا ليلة البارحة أيضاً معهم بما أن رحلة عودتهم لن تستغرق

كل ذاك الوقت الذي استغرقاه وقت وصولهما من الجنوب

للحميراء فهذه السيارة يمكنها اجتياز تلك المسافة في نصف

الوقت الذي كانت تحتاجه سيارتهم السابقة فهي وإن كانت أفضل

قليلاً من سيارته الأساسية التي تحطمت في ذاك الحادث

المجهول بالنسبة له كصاحبه الذي التقاه تلك الليلة إلا أنها لم يكن

يمكنها اجتياز بعض المدن الجبلية ذات الطبيعة الوعرة والطرق

المتعرجة مما جعله يسلك مضطراً طريق وسط البلاد مروراً

بالقرب من العمران لأنها أكثر يسراً وخضعت للصيانة والتجديد

عكس الطرقات الريفية المتطرفة مما جعل رحلتهما أطول وهذا ما

تغير الآن فقد سلك الطرق الأقرب مروراً بمدن خماصة وصولاً

لقرى الجنوب الوسطى فهذه السيارة الجديدة المرتفعة وذات الدفع

الرباعي تستطيع اجتيازها وبسهولة .. فبينما احتاجت رحلة

الذهاب لنصف يوم خرجا فيه وقت الفجر ليصلا ليلاً للحميراء لم

تستغرق رحلتهم الآن سوى ست ساعات لم يتوقف فيها سوى

ليصليا الفجر الذي خرجا قبل بزوغه فوصلا لطرقات أباجير

الترابية عند الساعة التاسعة ونصف صباحاً وهو وقت دوامه في

الشركة الزراعية التي يعمل مهندساً فيها هناك .

وكانت حركة السيارة في تلك الأراضي الزراعية الرخوة هو ما

جعلها تفتح عينيها وجلست تمسد عنقها بألم قبل أن تنظر حولها

من خلال زجاج السيارة وهمست باستغراب

" وصلنا !! "

وقف بالسيارة أمام باب المنزل حينها وقال وهو يفتح بابه وينزل

" أجل فقد استغرنا نصف الوقت لذلك لم تشعري به "

نظرت حولها باستغراب مجدداً وفتحت باب السيارة ونزلت منها

أيضاً وتبعته حيث باب المنزل الذي كان يفتحه وسحب السلسلة

الحديدة منه ودفعه نحو الداخل وابتعد لتدخل قبله فدخلت ودخل

هو بعدها يغلق الباب بينما توجهت هي للغرفة من فورها

ووضعت حقيبتها على فراشها وتحركت نحو الخزانة وفتحتها

وبدأت بفك أزرار عباءتها بينما سمعها وحواسها جميعها تتبع

الذي دخل الغرفة أيضاً وتوجه ناحية حقيبتها فتحها وأخرج منها

ثيابه التي غسلتها الخادمات هناك ولم تراها سوى نظيفة مكوية

.. أخذها وغادر الغرفة من فوره وسمعت بعدها صوت باب الحمام

الحديدي ومؤكد سيستحم سريعاً قبل أن يغادر لعمله ، نزعت

عباءتها كما حجابها أيضاً وفكت شعرها الغجري الطويل وغادرت

الغرفة ووجهتها المطبخ فلن تستطيع تغيير ثيابها حتى تستحم

أيضاً ، دخلت المطبخ ونظرت حولها تفكر فيما قد ينفع ليأكله قبل

أن يغادر خصوصاً أنهم لا يشترون الخبز الجاهز هنا ولا يوجد

عجين لديهم بسبب مغادرتهم المفاجأة تلك بالرغم من امتلاكهم

لبراد صغير مؤخراً كان ما اشتراه بجميع الأموال التي ادخرها

فترة الشهرين الماضيين ولم يشتري ولا هاتفاً لنفسه أو ثياب

جديدة .. بالرغم من أن ما تحتاجه هي بالفعل أن يمتلك كليهما

هاتفاً لتطمئن عليه كلما تأخر بل وخرج من هنا فلا تريد براداً

ولا طعام حتى .

نظرت حولها مجدداً كالضائعة لا تعلم ما تعده فحتى العجن وإعداد

الخبز الآن سيأخذ وقتاً وهو لن ينتظره بالتأكيد ، توجهت نحو

الثلاجة خيارها الوحيد وفتحتها ونظرت لما يوجد داخلها قبل أن

تلتفت خلفها لسماعها باب الحمام يفتح فها هو حتى الاستحمام

أنهاه في وقت قياسي ! أخرجت طبق الجبن فلا وقت أمامها ولا

لتعد له كوب قهوة ... بل هي التي أضاعت الوقت واقفة مكانها

كالبلهاء ! أغلقت باب الثلاجة بوركها بعدما أخرجته وطبق

الزيتون الأسود في يدها الأخرى وتحركت نحو صحن التقديم

الحديدي ووضعتهما فيه وحملته ووقفت مكانها ما أن حجب نور

الباب الجسد الذي وقف فيه ومن كانت تريد الإسراع لتدركه ولم

تكن تتوقع أن يأتي بنفسه هنا ! نظرت لعينيه وهو يدخل وقالت

مبتسمة بإحراج

" بحثت عن شيء تأكله ولم أجد فلا خبز لدينا وأنت لن تنتظر

حتى أعد وا.... "

قاطعها وهو يقترب حتى وقف أمامها قائلاً بهدوء

" لا داعٍ لهذا يا مايرين ... أعلم جيداً بأنه ليس ثمة

ما يؤكل الآن "

تعلقت نظراتها بعينيه التي لم تترك عينيها لحظة وقالت بإصرار

وأصابعها تشتد على أطراف الصينية الممسكة بها

" عليك أن تأكل شيئاً .. لن تخرج بمعدة خاوية فستتأخر في

العودة من الشركة ومن المزرعة بسبب غيابك اليومين الماضيين

.. أعرفك جيداً لا تقبل شيئاً بدون مقابل "

تركت حينها حدقتاه الرمادية عينيها ونظر للصينية في يديها

ورفع يده وأخذ قطعة جبن وسمّى بالله هامساً وهو يأكلها وأتبعها

بأخرى وهو لازال يمضغ الأولى وأخذ بضع حبات من الزيتون في

يده وقبض عليها بأصابعه وأنزلها وقال مبتسماً وقد رفع نظره

لعينيها مجدداً

" هذا يكفي شكراً لك يا مايرين "

فحركت الصينية حركة خفيفة وقالت بعبوس

" وهذا تسميه إفطار ! "

فأومأ برأسه بنعم مبتسماً دون أن يتحدث فتنهدت بيأس منه ولم

تعلق أيضاً وتحركت من أمامه ووضعت الصينية حيث الطاولة

الخشبية القديمة قرب المغسلة الحديدية وما أن استدارت وقفت

بشهقة خفيفة وكم حمدت الله أنها لم تخرج واضحة ولم يسمعها

فقد وجدته أمامها تماماً ولا تعلم كيف لم تشعر به وهو يتبعها

حتى وقف خلفها ! شعرت بضربات قلبها ترتفع صارخة بعنف ما

أن علقت نظراتهما وطال صمته الذي لم تستطع ترجمته سوى

بأنه لعبة للعبث بمشاعرها حد الجنون ! علقت أنفاسها في حلقها

بل وكاد يغمى عليها بالفعل ما أن رفع يده ولامست أصابعه

طرف وجهها برقة بالكاد شعرت بوجودها معها مما جعلتها تسدل

جفنيها ببطء لكنه سرعان ما أبعدها تاركاً إياها تتخبط في

مشاعرها مجدداً فأنزلت رأسها تنظر ليديها ورطبت شفتيها

بطرف لسانها ووصلها صوته الهادئ

" لا تتعبي نفسك بإعداد الغداء فلن أكون هنا قبل المغيب "

رفعت نظرها به حينها وهمست ببحة وصوت بالكاد وجدته في

حنجرتها المتشنجة

" وهل ستبقى بدون طعام حتى وقت العشاء ؟ "

قال ناظراً لعينيها

" سأتناول الغداء مع العمال فهم يطهون الطعام بأنفسهم فلا

يمكنني ترك المزرعة اليوم "

وتابع بابتسامة كاد يقتلها بها

" لا يساوي شيئاً أمام طعامك لكنه يفي بالغرض بطريقة ما "

فابتسمت وهربت بنظرها من عينيه تنظر للأسفل وشعرت بخديها

يشتعلان من الإخراج بينما قال هو ودون أن ينتظر تعليقا منها

وبصوت ظنته منخفضاً أو هكذا سمعته !

" يمكنك متابعة نومك والراحة... "

وكاد يغمى عليها هذه المرة بالفعل ما أن تابع بهمس باسم

" فلا أريد أن أجدك نائمة مساءً حين أعود "

وكم تمنت لحظتها أن وجدت شيئاً قربها تسند نفسها به فقد

شعرت للحظات بأن الأرض تحتها تدور وتتحرك بها حتى أن

جسدها تصلب ولم تستطع ولا تحريك أي شيء فيه .. ولم ينتهي

الأمر عند ذلك وغادر كما كانت تظن بل كان ثمة المزيد الذي لم

تكن تتوقعه فلم يغادر من هناك حتى تركها مشدوهة تنظر لمكانه

الخالي منه بصدمة بعدما انحنى نحوها يرفع وجهها له ممسكاً

بذقنها وقبّل شفتيها ... قبلة كانت سريعة لكنها كانت أيضاً عميقة

قاتلة ومهلكة وكأنها لم تختبرها مرة سابقاً ! فرفعت أصابعها

المرتجفة لشفتيها ولامستها برفق ترتسم عليها ابتسامة متوترة

بطيئة تغلبت على كل مخاوفها وتوجسها مما ستحمله لها الليلة .



*
*
*

لامارا, ورد الخال, الغزال الشارد and 74 others like this.
رد مع اقتباس

  #12143 
قديم 10-06-19, 09:56 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

توقفت عن السير بين أحواض الحديقة فجأة وابتسمت ما أن

رأتها جالسة حيث توقعت وتمنت فاقتربت منها على الفور بينما

رفعت تلك رأسها وتوقفت عما كانت تفعل ونظرت للتي جلست

بجوارها على المقعد الحجري قائلة بابتسامة

" توقعت أن أجدك ترسمين هنا "

وتابعت كالعادة دون أن تنتظر تعليقها الذي تعلم بأنه لن يأتي

وقالت مبتسمة

" أردت شكرك على الرسمة التي رسمتها من أجلي ... كانت

رائعة ومن أجمل الهدايا التي تلقيتها "

قالت زيزفون وهي تغلق دفترها

" المهم أنها أعجبتك "

قالت مبتسمة

" بلى إنها رائعة "

واستدارت بجسدها ناحيتها وهي تضع دفترها بجانبها على

الكرسي وقالت بفضول

" أدهشتني فكرتها واحترت لما اخترتِ ذاك الطائر تحديداً !

هل بسبب لقبه ؟ "

قالت تنظر للنافورة والمياه المتساقطه منها

" لا ... ألم يخبرك سابقاً بأن لقب ذاك الفتى اليوناني تيموثي

ليس فالكون ؟ "

حركت رأسها نفياً تنظر لها باستغراب فنظرت لها وقالت

" لاحظي أيضاً بأنه ليس لقباً يونانياً بل هو انجليزي يخص عائلة

والدة ذاك الفتى من والدها بالتبني "

همست باستغراب

" لم أكن أعلم !! "

نظرت للبعيد خلف مياه النافورة وقالت ببرود

" يبدو لا يهتم بإطلاعك على حياة ذاك الفتى بالرغم من أنه

عاش لأعوام كثيرة ضمن أملاك عائلته "

ونظرت لها مجدداً وهي تتابع

" لإب ذاك الفتى هو دوناتوس وبسبب عائلته المعروفة في

اليونان تحفظوا عن استخدامه له في عمله هنا وكان نصف

السبب بطلب منه هو تيم نفسه "

حدقت في عينيها باستغراب للحظات قبل أن تقول بفضول

" يبدو أنك تعلمين الكثير عنه ! هل تعرفان بعضكما منذ زمن ؟ "

حركت رأسها نفياً قبل أن تبعد نظرها عنها للنافورة مجدداً وقالت

" لا فأنا التقيته لثلاث مرات فقط وجميعها خلال الأشهر الأخيرة

ومن ضمنها الحفلين اللذين أقيما هنا "

فحدقت فيها بصمت واستغراب تنظر لنصف وجهها المقابل لها

بينما تابعت هي بشرود

" ثمة شخص أخبرني الكثير عنه ومن قبل أن أراه ... لقد

أخبرني بكل ما يخصه كتيموثي دوناتوس وكتيم كنعان وحتى

عنك أنت زوجته "

فاتسعت عيناها بذهول وهمست

" عني أنا !! "

نظرت لها حينها وقالت

" أجل وهو يحبه كثيراً ويرى فيه بفخر كل ما صنعه بنفسه

ليكون رجلاً هكذا ومستعد لفعل كل شيء من أجل حمايته وكأنه

ابن حقيقي له "

حدقت فيها لاستغراب قبل أن تنظر للأرض بشرود وأرادت أن

تسألها عن هوية ذاك الرجل لكنها ترددت لمعرفتها بشخصية

زيزفون الكتومة أولاً ولأنها لاحظت بأنها تجنبت عمداً ذكر اسمه

ثانياً فهل المعني بحديثها هو مطر شاهين !! أيكون هو العامل

المشترك بينهما وعلاقته بها قوية كعلاقته به تماماً ؟!

نظرت لجانب وجهها وقالت بتوجس

" زوجك يعلم حقيقة شخصيته أليس كذلك ؟ أخشى أن يفعل شيئاً

يضره بسبب حديثهما في الحفل فهو يبدو غاضباً منه وبشده "

نظرت لها وقالت بسخرية محدقة في عينيها

" لا بالطبع لن يستطيع وزوجك يعلم ذلك جيداً فهو يملك ما لا

يمكن لأحد أن يُدخل ذرة شك صغيرة في جنسيته اليونانية تلك لا

هنا ولا في اليونان وإن جلب أوراقاً تثبت بأنه تيم كنعان "

شعرت بالارتياح حينها وإن لم تفهم ما عنت بذاك الشيء القوي

الذي يجعله يتقمص شخصية ذاك الفتى اليوناني بقوة هكذا !

وقالت بابتسامة رقيقة تشبهها

" لقد خشيت فعلاً من أن يتسبب له بمشكلة ما "

وتابعت من فورها وباستغراب هذه المرة

" لكن لما لم يستخدم لقبه اليوناني ذاك بما أنه لا يمكن لأحد

اكتشاف حقيقته به ؟! "

وراقبت بفضول التي حركت كتفيها دليل عدم إلمامها بالأمر لكنها

علقت أيضاً ونظرها عاد هناك

" أعتقد بأنه يرفض تشويه لقب تلك العائلة حال تم اكتشاف

حقيقته فلا يتسبب لهم بفضيحة هناك لأن فرد منهم ليس سوى

جاسوس عربي "

حدقت فيها بذهول ليس للسبب الذي ذكرته بل لتحليلها الواقعي

للأمر بذكاء هكذا ! هي تذهلها فعلاً وفي كل مرة تتحدث معها فيها

لتكتشف أكثر بأنها مختلفة وعن الجميع !! أبعدت نظرها عن

ملامحها ونظرت للبعيد بشرود هامسة

" أنت .... "

وتوقفت عن الحديث فجأة ونظرت جهة التي خرجت حينها من

الجانب المقابل لها حتى وقفت مقابلة لهما وكانت جمانة التي

عرفتها سريعاً وإن لم تراها بعد ذاك العشاء يوم وصولها فنظرت

زيزفون أيضاً لذاك الجانب وحيث الواقفة تنظر لها بحقد قبل أن

تنظر للجالسة بجانبها وقالت ببرود

" هلاّ تركتنا لوحدنا قليلاً "

فنقلت نظرها بينهما قبل أن تسند يديها بالمقعد تحتها وهي تقف

لولا أمسكتها يد زيزفون التي أعادتها جالسة مكانها قائلة ببرود

أشد

" لا شيء نتحدث عنه وماريه لن تغادر من هنا "

رفعت حينها جمانة أنفها بغرور وقالت

" لن يعجبك بالتأكيد أن تسمع ما سيقال "

" لا يهم "

قالتها ببرود قاتل تنظر لها نظرة تشبه نظرتها تلك وإن كانت

جالسة ... جملة ونبرة كما نظرة جعلتها تشتعل فوق اشتعالها ولا

تفهم لما تفقد حصانتها الجديدة أمام هذه المرأة فقط دون الجميع

وفي كل مرة !! فسيكون عليها إذاً أن تتخطى ضعفها أمامها

لتستطيع تخطي جميع عقدها القديمة التي صنعت منها امرأة

فاشلة ضعيفة وبشخصية مهزوزة .

وقفت حينها ماريه متجاهلة نظرة زيزفون الرافضة ما أن رفعت

نظرها بها وقالت لها مبتسمة

" كنت سعيدة بجلوسنا معاً وسنجد وقتاً آخر بالتأكيد فثمة

ما ليس عليا سماعه وإن وافقت أنت ذلك يا زيزفون"

وغادرت بعد ذلك مجتازة التي لم تنظر أيا منهما للأخرى .. وما

أن ابتعد صوت خطواتها الواضح على الممشى المرصوف

بالأحجار قالت جمانة ونظراتها المتعالية لم تفارق تلك العينان كما

المقلتان الزرقاء الفاتحة والصافية والتي كانت تبادلها النظرة

بتحدٍ واضح

"هل أفهم لما أتحفتني بتلك الكذبة التي نسجها خيالك المريض؟ "

فكان رد فعلها ضحكة لم تتوقعها ...! لا هذه ليست ضحكة فلم

يكن أي أثر للمرح فيها ولن تكون سوى نوع آخر من السخرية

منها فشدت قبضتيها بقوة وغضب بجانب جسدها وقالت بحقد

سيطر على كلماتها كما نظراتها

" هل ستنكرين بأنك كاذبة لنواجه كذبتك بالحقيقة الآن ؟ "

قالتها وإن كانت لن تفعلها كما قررت سابقاً بأنها لن تخبره

واكتفت بانتظار تعليق التي وقفت على طولها حينها ليبرز قماش

فستانها الرقيق المصنوع من الشيفون السميك الناعم يُظهر

انحناءات خصرها كما الجمال الأنثوي لصدرها وكتفيها ومزايا

جسد متناسق لطالما حلمت هي به وتمنته كما تلك الخصلات

الشقراء الطويلة المتراقصة مع النسيم الخفيف .. العينان

الواسعة الملونة بزرقة لن تمنحها إياها العدسات اللاصقة ومهما

كانت الشركة المصنعة لها وملامح لا تزيدها ثقتها المتفجرة

ونظراتها القوية سوى جمالاً وفتنة .. وعلمت بأنها ستخوض

حرباً خاسرة معها المرة تلو الأخرى مادامت تقارن نفسها بها

لذلك على ذاك أن يتوقف فهي المنتصرة عليها طالما أنها زوجته

ووقاص وكما قال لطالما عمل ورأى النساء الشقروات الحسنوات

لذلك إزاحة هذه الحشرة من طريقها لن يكون بالمهمة الصعبة

مادامت تملك العقل المدبر وهي شقيقتها جيهان وقوة ونفوذ

والدها وصداقته العميقة بضرار سلطان الكلمة العليا في هذا

المنزل وعلى الجميع وأولهم وقاص حفيده الذي لم يعصي له

أمراً يوماً .

كانت زيزفون من تحدثت حينها وكما توقعت لتوجه ذات السلاح

نحوها حين قالت بابتسامة ساخرة

" سألته عن ذلك إذاً ؟ "

لم تستطع أن تنكر ولا أن تعلق أيضاً وكم كرهت نفسها الضعيفة

حينها فهي تتصرف أمامها كأرنب مذعور يرفعون السلاح في

وجهه ما أن تتحدث بتلك الكلمات المختصرة التي تعلم كيف

تنتقيها وتختارها موجزة ذكية معبرة وقاتلة تصيب هدفها في

العمق فتركت لها المجال لتتابع بذات سخريتها وكأنها لا تنتظر

أساساً أو تهتم بتعليقها

" هل وصل بك الغباء لذاك المنحدر السيء "

نظرت لها بغضب وكم حمدت الله أنها لم تفعلها وتخبره بكل شيء

وبأنها استمعت لنصيحة شقيقتها كما أتاح لها غيابه هو ذلك

لكانت قد تفعلها بالفعل وبكل غباء كما قالت وإن كانت تجهل

مقصدها الفعلي من ذلك ! قالت تشد قبضتيها بقوة

" نحن لا نتحدث عما قلت أنا بل عما قلت أنت "

وتابعت مبتسمة بسخرية تحاول أن توجه لها نفس الصفعة

" فأنا لم آخذ مكانك بعد في ذاك المصح النفسي لأتصرف

بغباء كما تقولين "

لكن غرضها ذلك لم يتحقق ولم تترك لها أي فرصة لتحتفل

بانتصارها الوهمي ذاك ما أن قالت بابتسامة ساخرة جديدة أقسى

من سابقاتها

" لا بالطبع لأني أنا من يأخذ مكانك لا أنت "

ووجهت لها تلك الصفعة المؤلمة وبنجاح مما جعلها تشتعل

وتفقد كل ذاك الدرع الفضي الذي حصنت نفسها به وقالت بغضب

واندفاع عشوائي

" لن تكوني زوجته ... لن تحلمي بهذا المكان أبداً ولن

يفعلها وقاص "

كانت تنظر لها بانفعال وأنفاس غاضبة مضطربة لكن ما قابلها

من الواقفة أمامها كان العكس تماماً وهي تهمس بسخرية محدقة

في عينيها المشتعلة غضباً

" لنترك الحقائق تتحدث إذاً كما تقولين "

فحركت يدها بانفعال غاضب صارخة

" ليس ثمة حقيقة سوى ما تراه عيناي الآن ولن يسمح لا والدي

ولا عمي ضرار بذلك "

وتلاحقت أنفاسها الغاضبة تراقب التي رفعت دفترها وقالت

بسخرية ما أن استوت واقفة تمسكه بكلتا يديها

" هل أخبرتك سابقاً بأنك فقط غبية ؟ "

وتحركت من فورها حتى وقفت أمامها تماماً ونظرت لعينيها

وقالت بثقة وكلمات أبرد من الجليد

" لذلك وليكن معلوماً لديك فقط بأنه ليس زوجي لأني من يرفض

ذلك وحين أريد .. ستري بعينيك كيف ستأخذ كل واحدة منا مكان

الأخرى "

وغادرت مجتازة لها ما أن أنهت عبارتها القوية تلك تاركة إياها

ترتجف غضباً وحنقاً لم تستطع معه ولا التحرك من مكانها أو

رفع عينيها عن الفراغ المحدقة به فها هي تنتصر عليها بالرغم

من قوة موقفها كزوجة له لن يقبل أحد بتخليه عنها ! ولا تفهم

هل اكتسبت ثقتها تلك من خلال تأكدها من مشاعره نحوها أم من

أمور أخرى تجهلها هي ؟!!

*
*
*

تأففت واستوت جالسة تعدل قميص بيجامتها الحريرية ورفعت

خصلات غرتها خلف أذنيها فها قد شارفت الشمس على المغيب

وقائد لم يأتي بعد ! فما أن استيقظت صباحاً حتى اكتشفت بأنه

غادر الشقة وكل ما تركه لها رسالة بخط يده على طاولة المطبخ

يخبرها فيها بأنه غادر من أجل محاضراته في الجامعة والتي لا

يزورها إلا هذا اليوم من كل شهر ومن ثم سيزور مكتبه الخاص

.. كان عليها أن تتوقع بأن ذلك سيأخذ منه النهار بطوله فحتى

الطعام طلب منها الاتصال بالرقم الذي تركه لها وهو للمطعم الذي

يتعامل معه كلما كان هنا لتتصل بهم من أجل وجبة الغداء وتركها

هكذا سجينة الجدران ...! لكن أليس سجنها هذا أرحم لها ؟

على الأقل لا رجل معها فيه .

تأففت ووقفت مغادرة السرير وما أن تحركت من مكانها باتجاه

الباب وقفت فجأة وبحركة لا إرادية ما أن سمعت قفل باب الشقة

يفتح فهذا قائد بالتأكيد ... تحركت مجدداً ناحيته وفتحته على

اتساعه قائلة بضيق

" ما أروعك من زوج .. كنت ... "

وتوقفت عن الحديث فجأة تنظر بصدمة للواقف عند باب الردهة

الفاصلة بين الباب والشقة وللواقفة بجانبه وجميع علامات

الاستغراب وعدم التصديق ترتسم على ملامحها بينما قال هو

مبتسما ومشيراً بيده لها بينما يوجه حديثه للواقفة بجانبه

" أرأيت بنفسك بأنني لست أمزح وبأن شقيقتي هنا ولن تجدي

الشقة فارغة "

فأشارت لها أيضاً وقالت بصعوبة كمن يصارع الموت

" هذه نادتك بأنك زوجها يا قائد !! "

بينما تحركت جليلة نحوهما بخطوات سريعة واسعة حتى أصبحت

واقفة أمامهما وقالت توجه حديثها لشقيقها بينما سبابتها تشير

للواقفة بجانبه

" قائد من هذه التي تدخل شقتك وإن كانت شقيقتك هنا ؟! "

لكنه لم يجب لأنه نظر للواقفة بجانبه مميلاً طرف وجهه وكأنه

يقول لها

( أتاك الدليل يا غدير ؟ ها هي اعترفت بنفسها بأنها شقيقتي ؟ )

فتلعثمت وقالت بانفعال تخفي به توترها

" وكيف كنت سأصدقك وزواجها البارحة يعرفه القاصي

قبل الداني في هذه البلاد ؟ "

" قائد !! "

قالتها جليلة تنظر لشقيقها باستهجان فضحك وأمسك اليد اليمنى

لكل واحدة منهما ووضع أيديهما في بعض وقال ناظرا لشقيقته

" هذه غدير يا جليلة وهي مساعدتي الخاصة في مكتبي هنا

وأستاذة جامعية في جامعة عين حوران ذاتها التي أعطي

محاضراتي فيها وزميلة دراسة قديمة كما أن شقيقها من أقرب

الأصدقاء المقربين لي "

وتابع ينظر للأخرى مبتسماً

" وهذه جليلة يا غدير وأنتِ تعرفينها جيداً وإن لم تريها سابقاً "

نقلت جليلة نظرها بينهما باستغراب بينما قالت غدير مبتسمة تشد

على يدها

" سررت بلقائك يا جليلة فكم كان لدي الفضول لأراك "

همست حينها مبتسمة بتكلف

" وأنا كذلك "

وسحبت يدها منها ونظرها على قائد الذي قال ويده على كتف

الواقفة بجانبه

" سأتركها أمانة لك إذاً يا غدير "

وما أن نظرت له جليلة باستهجان ضحك وقال

" أعني أنه ثمة أمور تعرفوها أنتن النساء لتعيدك كما كنت

البارحة قبل أن ترتدي بيجامتك هذه فلا يمكننا الذهاب لصالون

تزيين كما تعلمين كي لا نقرأ الخبر في الصحف غداً "

وما أن فتحت فمها للتحدث كان قد أصبح ظهره لهما وقال مغادراً

جهة باب الشقة

" سأكون وزوجها هنا خلال ساعتين أو ثلاثة فلا تأخذكما

الأحاديث وتنسيا ما عليكما فعله "

وغادر مغلقا الباب خلفه تاركاً أسئلتها معلقة بين حلقها والفراغ

وترك نظراتهما في مواجهة أخرى متباينة جذرياً فبينما كانت

نظرات غدير ودودة باسمة كانت جليلة لازالت تحتفظ بنظرتها

المستغربة المتوترة مما جعل ابتسامة الواقفة أمامها تخبو

تدريجياً وقالت

" أفهم جيداً ما تفكرين فيه وجميعه غير صحيح يا جليلة "

قالت بإحراج

" لا أقصد ما تفهمينه لكنني استغربت فقط ! "

فابتسمت وقالت

" استغربت وجودي هنا أم معرفتي به ؟ "

أبعدت نظرها عنها قبل أن تنظر لها مجدداً وقالت ما لا يمكنها

ولا مجاملتها فيه

" لن أكذب عليك فقد استغربت أن دخلتِ مع رجل أعزب شقته

وإن قال بأن شقيقته معه فيها !! "

وشعرت بالندم على ما قالت ما أن رأت التعبير على ملامحها

وكأنها صفعتها على وجهها بل واتهمتها في شرفها وبأنها تدخل

شقق الرجال دون تحفظ أو تفكير فقالت موضحة

" أعني ... أنا قلت ذلك من باب أني امرأة مثلك و.... "

قاطعتها بهدوء استغربته فيها بعدما رأت من شحوب ملامحها !

" أتثقين في شقيقك يا جليلة ؟ "

قالت تحاول الشرح مجدداً

" آنسة غدير أنا.... "

قاطعتها بأدب مبتسمة

" أتثقين فيه يا جليلة ؟ "

قالت ولازالت تستغرب تعاملها الودود معها

" بلى وأكثر من نفسي "
ابتسمت لها وإن كانت ابتسامة باهتة قليلاً عن سابقاتها وقالت

" أنا إذاً أثق به أكثر من ثقتك أنتِ فيه وفي نفسك "

فألجمتها تماماً بذلك بل وأضافت مبتسمة

" إن كان رجلاً غيره وكائناً من كان ما كنت لأصعد لشقته وإن

رأيت بعيني امرأة فيها قال بأنها شقيقته .. بل وإن كنت أكيدة

بأنها شقيقته فعلاً ، وإن كان لي أن أثق في شخص بعد شقيقي

فسيكون قائد فقط وأنا هنا بعلم شقيقي وموافقته وبنفسه من

أوصلني إلى هنا وتركناه ينتظر قائد في الأسفل "

فترددت متلعثمة قبل أن تقول معتذرة

" أنا آسفة لم أكن أقصد كل ما قلت أو فهمته وصدقيني خشيت

عليك من أفكاري تلك أكثر من خوفي على شقيقي فهو يبقى

رجل ولن يمسه شيء "

فلامست أصابعها يديها المقبوضتان في بعضهما والأصابع

الرقيقة المخضبة بأزهار الحناء الرائعة وقالت بابتسامة صادقة

" لا عليك يا جليلة فأنا أفهمك وأتفهم موقفك والخطأ خطأه

لكان أخبرك مسبقاً بقدومي "

شعرت بالارتياح من الصدق في نبرة صوتها وابتسامتها وبأنها

بالفعل لا تحمل في قلبها شيئاً اتجاهها وكانت صادقة في كل ما

قالت مسبقاً ، قالت مبتسمة

" إذاً أنتما زملاء دراسة وعمل ؟ "

ضحكت وقالت

" أجل وفي اليوم الذي يقضيه هنا من كل شهر يكون كل واحد منا

في وجه الآخر طوال النهار "

ضحكت ولم تعلق بينما قالت غدير مبتسمة

" لقد أخبرني الكثير عنك سابقاً أنت دوناً عن كل شقيقاته

ويبدو يحبك كثيراً "

ابتسمت وقالت

" وأنا كذلك فشقيقاي من والدتي بالنسبة لي شيء مختلف

عن باقي أشقائي جميعهم "

وتابعت بذات ابتسامتها تتفرس في ملامحها

" تبدين من خماصة إن لم أكن مخطئة ؟ "

ضحكت وقالت

" بلى ولم أستطع يوماً التنكر عن أحد .. فما سرنا في هذه

البلاد ! "

ضحكت أيضاً وقالت

" السر يكمن في الحروب والتقسيم في الماضي فلم تتداخل

أنساب البلاد واحتفظ كلٌ بشطره وجيناته كما الحال في الحالك

تماماً تعرفهم دون أن تتعرف عليهم وسنحتاج لجيلين أو ثلاثة

مستقبلاً لنصنع شعباً جديداً يمزج بين القبائل ويصنع هوية

موحدة للبلاد "

شاركتها الرأي قائلة

" معك حق فكيف والزعيم مطر يحاول وبكل جهده دمج العرب

مع الثنانيين ؟ سيخلق تداخل غريب وجيل جديد الله وحده يعلم

جيناته ستصل لأي مرحلة ! "

ضحكت ولم تعلق وقالت تشير لها بيدها نحو الداخل

" تفضلي تركتك تتحدثين واقفة ونسيت أن أدعوك للدخول "

ابتسمت وسارت معها في صمت حتى كانتا عند الصالون الذي

توسط المكان وأشارت لها قائلة بابتسامة مرحة

" هيا اجلسي سأبحث في ثلاجة ذاك العجوز العازب لعلنا نجد

قارورة عصير "

ضحكت وقالت

" لا داعي لكل هذا يا جليلة ولنبدأ في تجهيزك فقد يسرقنا

الوقت "

قالت متوجة جهة المطبخ

" ما يزال أمامنا ما يكفي فلنجلس قليلاً "

ودخلت المطبخ وفتحت الثلاجة التي لم تفتحها سابقاً فهي لم

تتناول شيئاً بعد عشاء البارحة الذي استفاقت ليلاً لتفرغه من

معدتها ولم تنم بعدها حتى الآن .. وجدت بعض علب العصير كما

كعكة البارحة التي يبدو أن قائد أيضاً لم يأكل شيئاً منها وها قد

وجدت كل ما تبحث عنه فحديثها مع تلك الفتاة لم ينتهي بعد حتى

تفهم وضعهما جيداً فهي تعلم بدماء قلب شقيقها الأحمق ذاك أين

تسكب لكن هذه الفتاة ! لم تنسى بعد تلك النظرة التي رأتها في

عينيها حين ظنت بأنها زوجته ! كانت صدمتها بأن تكون الشقة

فارغة وبأنه يستغلها ستكون أقل من تلك فوضعها في حياة

شقيقها مريب بل وعلاقتهما أيضاً فهي من تعرفه جيداً ثمة حدود

عريضة يضعها بينه وبين الجنس الآخر تتمثل في علاقات

سطحية وإن كانت تحت مسمى الزمالة والعمل لكن هذه تراها

مختلفة تماماً حتى أن أحدهما قادر على قراءة صمت الآخر من

شدة عمق علاقتهما !! وشخصية قائد ليست كذلك أبداً حتى أن

شقيقاتها يقلن دائماً بأنهن لا يرينه يضحك ويمزح كثيراً إلا في

وجود جليلة ومعها وها هي رأت قائد ذاك مع هذه الفتاة أيضاً !!

حتى أنها في عمرها تقريباً وليست متزوجة بالرغم من جمالها

وشخصيتها وقوة حضورها ولباقتها التي تُظهر جيداً أي مستوى

تعليمي وثقافي وصلت له ! فلما لا تتزوج واحدة مثلها

حتى الآن ؟!

ما باتت شبه أكيدة منه الآن هو مشاعر هذه الفتاة اتجاه قائد لكن

ثمة أمر آخر عليها أن تعلمه ولن ينجح ذلك وهي تقوم بتجهيزها

خرجت تحمل في يديها صينية تقديم وضعت فيها علبتا العصير

مع كأسين وطبق وضعت فيه قطعة كبيرة من تلك الكعكة وشوكة

، وضعت الصينية على الطاولة أمام التي همست بابتسامة شاكرة

إياها وجلست على الأريكة مقابلة لها وقالت مبتسمة بينما

نظراتها لا تفارق ملامح التي كانت تنظر للطبق الذي ترفعه من

الصينية برفق وبيد واحدة

" لقد وجد قائد إذاً فرصة تناسبه ليعرفنا ببعضنا "

قالت التي ضحكت تقطع بالشوكة من الكعكة ونظرها على ما تفعل

" لن أستغرب هذا منه .. لقد استغل مسألة أني لن أصدق بأنك

قد تكونين هنا وزواجك بالأمس "

رفعت علبة عصير الليمون التي أحضرتها لنفسها وقالت تفتحها

ونظرها على يدها

" كل ما في الأمر أن ليلة أمس كانت متعبة لكلينا فاختار تأجيل

الأمر لليوم "

ورفعت نظرها بها ما أن ضحكت وقالت تضع الشوكة في

طرف طبقها

" قلة من الرجال هم من يقدمون ذاك التنازل للمرأة على

حساب أنفسهم "

فأخفضت نظرها مبتسمة بألم ورفعت كأس العصير لشفتيها

وشفطت منه شفطه كبيرة تهرب من التعليق على الأمر فشعرت

بتلك المياه الحامضة تنزل كالسكين على معدتها الخاوية ووضعته

في الصينية بملامح متألمة فقالت المقابلة لها بقلق

" جليلة هل أنت بخير ؟! "

سحبت منديل ورقي من العلبة المذهبة الموضوعة على الطاولة

ومسحت بها شفتيها هامسة

" بخير لا تقلقي "

وتابعت تضع المنديل في الصينية تعود لموضوعها الذي جلست

هنا من أجله

" احتال عليك إذاً ذاك المحامي الخبيث بعدما ضمن إيصال شقيقك

لك هنا ؟ "

ونظرت للتي ابتسمت بتلذذ للطعم الفاخر في فمها والمتمثل في

مكونات تلك الكعكة وقالت

" بالفعل ولأني أعلم بأنه لا يكذب أبداً كنت موقنة من وجود

امرأة هنا لكن أن تكون أنت لم أصدق ذلك ولا خيارات أخري

في عقلي "

وأتبعت جملتها تلك بضحكة صغيرة فابتسمت بانتصار وقالت حين

وصلت للحوار الذي خططت له منذ البداية

" كان عليك توقع ذلك وإن كانت غسق ابنة خالته "

ولاحظت بوضوح توترها وهي تنزل نظرها للطبق في يدها قبل

أن ترسم ابتسامة متوترة أيضاً لم تستطع إخفاء شحوب ملامحها

بها وقالت مبتسمة

" أجل كان عليا توقع ذلك "

فأدارت مقلتيها جانباً وتنهدت بضيق واشتدت قبضة أصابعها

وهمست من بين أسنانها المطبقة

" قااائد ... يا لعين "

فهذه إما أنها لاحظت ذلك عليه أو أنه سبق وأخبرها به من باب

الصداقة والزمالة بالطبع وكسر قلبها وهذا هو المرجح ... ياله

من مغفل أعمى بصر وبصيرة ! أثمة من لا يمكنه رؤية مثل هذه

الفتاة التي تصلح زوجة لأي رجل يبحث عن المثالية ! والكارثة

أن يكون يعلم بمشاعرها نحوه ويستمر في تعذيبها بكلمة زميلة

وصديقة !! بل ولا تراه سوى ليوم أو اثنين من كل شهر ؟

الأحمق المغفل حتى متى سيبقى سجيناً لمشاعره اتجاه ابنة خالته

تلك التي تتنفس عشقاً لرجل آخر ؟ كم هي غريبة هذه الحياة

فبينما هذه تحبه هو يحب أخرى تحب آخر والآخر ذاك الله وحده

من يعلم ما يخبئ من مفاجآت وهو يعترف بخيانته لها سابقاً.

*
*
*

أراح يده على الحاجز الزجاجي أمامه ينظر للنائمة في الداخل

على سرير طبي طنين الجهاز الموصول بجسدها يسمعه هناك

وإن كان صوتاً بعيداً خافتاً كأفكاره حينها فلما فعلت كل هذا وهي

موجودة لديه ! كانت فعلتها منذ كانت في عهدة شقيقها وكان

موجوداً هنا ؟! .

تنهد بعمق نفساً طويلاً واتكأ بجبينه على ظهر يده تلك ينظر لها

بعين واحدة فها قد مرت ساعات على وجودها هنا وهكذا وعلى

وجوده في هذا المكان أيضاً منذ ليلة البارحة وكلمات الغاضبة

التي تركها خلفه لا تفارقه فلما يكون الملام وما ذنبه هو في كل

ما يحدث ! ألا يكفيه ... ؟

يكفيه تحملاً لاتهامات ابنه في والدته لتظهر له هذه المرأة أيضا ً

، استوى في وقوفه ومسح وجهه بيديه مستغفراً الله وممرراً

أصابعه في شعره للخلف وصولا لقفا عنقه قبل أن ينظر جهة

الباب الذي فُتح وللممرضة التي خرجت منه فتوجه نحوها من

فوره قائلاً

" كيف أصبحت الآن ؟ "

قالت التي وقفت مقابلة له

" هي لم تفق بعد والطبيب يقول بأنه عليها أن تفتح عينيها خلال

ساعات أو سيتم نقلها حينها لمشفى مختص "

حرك رأسه بشرود واجم وهمس

" أجل أخبرني بذلك لكن ... "

وقطع كلماته وقال محدقاً في عينيها

" كيف للتسمم الدوائي أن يفعل هذا ! "

فردت يديها وقالت ترفع كتفيها

" لا تنسى بأنه أكثر من نوع سيدي وبأن عددهم كبير .. كما أن

واحداً منهم له أثار سلبية كبيرة على جهازها العصبي وهو ما

سبب لها حالة التشنج تلك ، لكن الطبيب يأمل بأن وضعها سيتغير

والساعات القادمة وحدها ما ستحكم بذلك "

أومأ برأسه شاكراً إياها بهمس بينما غادرت هي من فورها

ونظره علق بها بشرود ... مشكلة إن لم تفق فسيكونون في

مشكلة جميعهم فهنا فقط يمكنهم حماية أنفسهم من فتح تحقيق

بشأن ما حدث معها .. ونقلها لمشفى آخر معناه مصيبة ستطال

الجميع هنا في هذه البلاد وليس هو وحده .

التفت فجأة ينظر بعينان غاضبتان وحاجبان ينعقدان ببطء للذي

خرج من آخر الممر متوجهاً نحوه وبخطوات سريعة وإن حسب

عدد الساعات منذ رسالته تلك لعلم بأنه ركب الطائرة ما أن

وصلته وبأنه هنا فور أن لامست طائرته أرض هذه البلاد ، تحرك

نحوه أيضاً وما أن أصبحا في مواجهة بعضهما صرخ في وجهه

" انظر أين وصلت بنا أفكارك وقراراتك ؟ كنت مارست تجبرك

على نسائك بعيداً عني "

صرخ فيه بالمثل

" شاهر توقف "

لكن ذلك لم يجعله سوى يشطاط غضباً وصرخ مجدداً

" لن أتوقف فانظر أنت ما الذي أوصلني له جنونك وأفكارك

الغبية "

" شاااااهر "

كانت صرخته تلك أعلى من صوته الغاضب ذاك بل وجعلت بعض

الأبواب تفتح لتطل منها الرؤوس والاجساد الفضولية لكن كل ذلك

لم يوقفه أبداً وهو يلوح بيده في وجهه قائلاً بغضب

" تباً لك وإن كنت رئيس بلادي وزعيمي ومن أنقذ حياتي يوماً

وحياة ابني من بعدي .. تباً لك يا مطر "

وأشار بسبابته خلفه حيث تلك الغرفة التي تنام فيها شقيقته

ولازال ينظر له وقال بحدة

" انظر ما الذي أوصلتنا له أفكارك ؟ وتخيل ما الذي سيحدث إن

قرر الطبيب نقلها لمستشفى آخر ؟! ولا تفكر في تركها هنا حتى

تموت بحجة حمايتك للبقية لأني من سيبلغ عنك حينها "

قال بحدة مماثلة ينظر لعينية بغصب

" توقف عن التفوه بالحماقات فكل شيء يمكن إيجاد حل له

بعيداً عن التهور "

" ما أبرد قلبك يا رجل "

قالها صارخاً في وجهه ولاذ بالصمت يتلقف أنفاسه بقوة ينظر

لتلك العينان السوداء الغاضبة بغضب أشد منه وشد على أسنانه

بقوة وهمس من بينها يرفع قبضته المشدودة بينهما وهو

يتابع قائلاً

" أقسم بأنه ليس ثمة رجل خالٍ من المشاعر مثلك ولا تستحق أن

تكون مسؤولاً عن النساء .. قسماً لم ترى عيناي رجلاً يدمر

نسائه مثلك فانظر ما تفعله بهن ؟ "

وتابع بحدة عادت للسيطرة على صوته يشير بسبابته خلف كتفه

" واجزم بأن التي تركتها في المنزل خلفي هناك أن تكون بماضٍ

مظلم مدمر بسببك أيضاً فهذا ما تفعله بهن فقط .. ولن أسلمها لك

بعد الآن ولن تكون مسؤولاً عنها "

وجهه اتهاماته له وبكل قسوة ودون اكتراث وآخرها تقصيره

اتجاه الفتاة التي تركها في شقته ولا يعلم عن ماضيها شيئاً لكن

تعليق مطر كان بارداً ناقض كل ذاك الاشتعال وهو يقول

" لم يكن هذا حديثك في رسالتك تلك ؟ "

فلم يجعل ذلك مزاج شاهر الغاضب يتغير وهو يصرخ فيه بعنف

" كان وتغير الآن ويفترض أن يكون هذا قرار كل من يمتلك أن

يبعد النساء عنك فلم يبقى سوى ابنتك وقسماً أن دورها سيكون

القادم .."
وتابع بحدة يشير له بسبابته

" وحينها فقط ... فقط يا ابن شاهين ستعرف معنى أن تتحطم

من داخلك وأنت تراها محطمة وبقايا امرأة "

فأشاح بوجهه جانباً ولم يعلق بالرغم من أن الغضب لم يغادر

ملامحه بعد يمسك خصره بيديه بينما تابع الواقف أمامه جلده

وبقسوة يلوح سبابته في وجهه

" أقسم إن كانت لي سلطة عليها ... قسماً إن كنت مكان جدها

ويمكنني أخذها منك بالقانون لكنت فعلت ذلك وطبّقت عليك

قوانينك الجديدة التي تصوغها في محاكم الدولة لتكون عادلاً مع

شعبك ظالماً مع من هن أقرب لك "

وما أن أنهى عبارته تلك اجتازه مغادراً لتوقفه الأصابع التي

التفت حول ذراعه وأداره ناحيته ونظر لعينيه نظرة قوية وقال

بفكين متصلبين

" ثمة ما عليك معرفته إذاً وما جعلني أكون هنا غير رسالتك تلك

لتريني انت العدل مع نسائك بعد أن تعلم ما علمت يا شاهر يا

ابن كنعان "

*
*
*


لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 65 others like this.
رد مع اقتباس

  #12144 
قديم 10-06-19, 09:57 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

" أويس لا أراك غادرت لحوران اليوم بني ؟! "

تجاهل سؤالها ذاك بأن جلس أمامها على الأرض وأمسك يدها

ووضعها على حافة الطبق أمامها قائلاً

" أمي المعكرونة هنا أمامك تماماً "

وحركها ناحية الطبق الآخر قائلاً

" هنا السلطة الخاصة بك بدون خيار وهذا محشي

الباذنجان هنا "

وشعر بالارتياح حين ابتعدت عن سؤالها السابق قائلة بابتسامة

" سلمت يداك بني .. أنت تتعب نفسك معي وتفعل ما ليس

من واجباتك "

تنهد في صمت ويعلم جيداً ما سيكون جوابها إن هو اعترض ولما

سيقودهما الحديث نهاية الأمر وككل مرة فقال مختصراً كل ذلك

" سلمك الله أمي وبالعافية "

لكنها لم تنتهي على عكسه تماماً فقد قالت مبتسمة تحاول رفع

المعكرونة بالشوكة في يدها

" ولن يدوم هذا الحال بعد أن تصبح زوجتك هنا بالتأكيد "

فحرك رأسه مبتسماً وقال

" بالتأكيد سيتغير أمي فستصبح هذه مهامها هي "

أخرجت الشوكة من فمها وقالت تنظر لمكان صوته باستغراب

" لا بني الفتاة لديها دراسة كما أن حياتها مختلفة عن كل هذا "

فرد يديه وقال باستياء

" وأنت ترفضين الخادمات أمي فهل سأقوم أنا بخدمتكما

كليكما مثلاً ! "

ابتسمت قائلة

" لا بالطبع ويمكننا الاستعانة بخادمة قليلاً "

نظر لها باستغراب هامساً

" خادمة ! أمي من تقول هذا أم أنا واهم؟! "

ضحكت وقالت

" حسناً للضرورة أحكام بني "

فحرك رأسه ينظر لها بشك قائلاً

" هاه للضرورة أحكام أمي !! لكني كنت أحتاج لذلك أكثر من

زوجة ابنك وأنا أتركك هنا لوحدك يوماً كاملا وأخدمك بنفسي

والمنزل أيضاً ! "

تابعت أكلها ولم تعلق فقال بابتسامة جانبية

" يبدو أنني فهمت السبب الآن ... أكنت تفعلين ذلك متعمدة

يا أم أويس ؟ "

ابتسمت وقالت ترفع المعكرونة وتضع يدها تحت يدها الأخرى

لتلتقط ما قد يقع منها

" أنت لم تترك لي خياراً غيره .. كنت أريدك أن تتزوج وتنسى

كل تلك الحكاية القديمة ويصبح لديك عائلة وأحمل أبنائك "

كتف ذراعيه لصدره وقال يرمقها ببرود

" ومخططك لم ينجح للأسف ودفعت أنا الثمن "

وضعت الشوكة وقالت مبتسمة

" كان لدي أمل دائماً في أن تتعب من خدمتي وتتزوج وإن لذاك

السبب فقط "

اتسعت عيناه وقال مستنكراً

" أتعب من خدمتك أمي !! "

قالت مبتسمة

" ألمهم أن ذاك حدث الآن .. إن كنت أعلم بأنها من ستغير

أفكارك تلك جميعها لكنت ذهبت لها لنفسي ومنذ أعوام "

ضحك وقال يرفع حبة باذنجان محشية ويضعها في يدها

" وأين كنت ستجدينها وأنا لم أعرفها إلا مصادفة بالرغم من

أني كنت أدافع عن قضية زواج صديقتها وصديقي لأعوام ؟ "

قالت مبتسمة تأخذها منه

" لكل شيء أوانه الذي قدره له الله بني .. المهم الآن متى

ستجلب أثاثاً للمنزل ؟ "

نظر لها باستغراب وقال

" أثاث ماذا أمي !! "

قالت ما أن انتهت من مضغ القضمة التي أخذتها مما في يدها

" أثاث يوضع في المنازل بالطبع من أجل هذا المكان

الشبه فارغ "

نظر للمكان حوله قبل أن ينظر لها متمتماً ببرود

" وما الداعي لذلك ؟ "

نظرت له أمامها وإن كانت لا تراه وقالت باستياء

" أويس من عقلك تقول هذا ! أنا لم أرى المنزل منذ أعوام

وأعلم بأنك جددت كثيراً فيه لكني أعلم أيضاً بأنك تتركه شبه

خالٍ من أجلي وهذا ظلم في حق زوجتك بني "

غضن جبينه وعقد حاجبيه قائلاً

" وما الظلم في هذا أمي ! "

وتابع يشير برأسه جانباً

" لديها غرفتها يمكنها اختيار ما تريده من أثاث وتحف سأشتريه

لها ولتملأها للباب ... باقي المنزل لن يتغير فيه شيء ولا

يخصها "

قالت برفض محتجة

" كيف هكذا يا أويس ؟ هل ستأكل وتجلس على الأرض أو تبقى

سجينة غرفتها ! وضع عائلة الفتاة المادي يبدو جيداً جداً كما

فهمت فلما تعيش في هكذا وضع ؟ "

تنهد بضيق وقال يمسك شوكته ويغرسها في صحن المعكرونة

" أمي أنت أهم لدي من أي امرأة في الوجود وإن كان قلبي معلقاً

بها ولن أعيش إلا بما يساعدك ويرضيك .. أعجبها وضعي هذا

اتفقنا لم يعجبها منزل والدها الفخم مكانها تعود إليه "

قالت باستنكار

" ما هذا الذي تقوله يا أويس !! "

لوح بالشوكة في يده وقال بحزم قاطع

" هذا ما لدي أمي ولن أغير نظام حياتنا هنا وأقيدك بالبقاء في

غرفتك طوال اليوم فقط لأسعد زوجتي وكانت من تكون وعليها أن

تتأقلم مع ظروفي كيفما كانت "

تنهدت بيأس منه فقال مبتسماً يناقض مزاجه المستاء ذاك يغرس

شوكته في قطعة جزر ويرفعها بها

" ولا تقلقي بشأن هذا فأنا متأكد من أنها ليست من ذاك النوع

السطحي الذي تعنيه هذه الأمور وأنت تعرفت عليها بنفسك "

وقربها من فمها قائلاً "

كلي هذه أمي "

ففتحت فمها قليلاً وأكلتها وقالت مبتسمة تمضغها

" وما الذي عرفته عنها وهي تبكي منذ رأتني وحتى غادرنا ! "

ضحك وقال يرفع قطعة خيار من طبقه

" ليس بسبك كانت تبكي بل بسببي "

قالت مبتسمة

" ظلمتها كثيراً بني وما كان عليك اللعب بها هكذا "

حرك يده جانباً والشوكة فيها وقال مبتسما

" ما كانت لتوافق إن لم أفعل كل ذلك .. أعلم نوع شخصيتها

جيداً ... وكل ما فعلته خططت له منذ البداية ومنذ لقائنا الأول

في جامعتها "

وأكل قطعة الخيار وتابع يغرس شوكته في أخرى

" كنت أريدها أن تعرفني بجميع وجوه شخصيتي أمي وتقبل بي

وهي مقتنعة بطباعي تماماً "

ابتسمت بحب وقالت

" وفقكما الله بني وأراني أبنائكما سريعاً "

ضحك وقال

" هذا كل ما يعنيك في الأمر ... الأبناء ؟! "

ضحكت أيضاً وقالت

" وسعادتك قبل كل ذلك بني "

التفت للخلف ما أن سمع صوت طرق قوي على الباب الخارجي

للمنزل وقال وهو يقف

" وسعادتي معها أمي وإن لم ننجب أبناء فتذكري هذا جيداً ولا

تورطيني في الزواج من أخرى حينها لأني لن أوافق "

وتابع متجها نحو باب الغرفة

" تناولي الطعام أمي فأنت لم تأكلي شيئاً "

فابتسمت بحنان تنظر للمكان الذي اختفى منه صوت خطواته

وقالت بحب

" وفقكما الله بني ولا فرق بينكما أبداً "

*
*
*

نظرت للباب أمامها وسحبت أنفاسها اللاهثة بالتتابع وعادت

للضرب عليه بالحجر بقوة فهي وصلت مزارع تلك العائلة

بخطوات شبه راكضة تلتفت حولها كل حين فالشمس شارفت على

المغيب ولن تصل منزلهم قبل حلول الظلام على هذا الحال ..

وإن شعر بها والدها واكتشف بأنها لم تكن في المستشفى

فسيقتلها لا محالة ولن تجد فرصة مواتية كهذه فقلبها ليس

مطمئناً ولن ترتاح ما لم تعلم ما حدث مع مايرين خلال هذه الفترة

بعدما أخذها ذاك المتحجر فهي لن تسامح نفسها أبداً إن أصابها

مكروه بسبب كذبتها تلك أو قتَلها المدعو شعيب فهي لن تستبعد

ذلك منه ومن شقيقاه وجميع أبناء عائلته .

بحثت عن حجر آخر أكبر من سابقه ورفعته وبدأت بالطرق به

مجدداً ودون توقف ولا بعد سماع ذاك الصراخ الرجولي الغاضب

القادم من الداخل بسبب كل ذاك الضجيج الذي أحدثته حتى انفتح

الباب أمامها على اتساعه وتحولت النظرات الغاضبة في عيني

الواقف أمامها للاستغراب وهو يكتشف أن الطارق ليس سوى

امرأة ! حدق فيها بتركيز لوقت قبل أن يقول

" من أنت وماذا تريدين ؟ "

مطت شفتيها بضيق وودت أن أجابت عليه بما يبرد حر قلبها

لكنها لن تجني شيئاً حينها وسيغلق الباب في وجهها ولن يفتحه

لها مجدداً لذلك رمت الحجر من يدها وقالت تنفض التراب

من يدها

" أنا فجر "

نظر لها لبرهة قبل أن يقول بامتعاض

" آه فجر تلك "

قالت بضيق تغلب عليها هذه المرة

" لا هذه .. وأريد أن أعلم ما حدث مع مايرين ؟ لقد أخذوها أبناء

عمومتك من المستشفى وإن حدث لها شيء فأنت المسؤول عنها

أمام الله يا سيد أويس لا تنسى ذلك فهي لا ذنب لها فيما حد... "

صرخ مسكتا لها

" اصمتي ... ألا وقت للراحة أبداً تحتاجه حنجرتك ؟ ثم قلت لك

سابقاً بأني لا أعرف فتاة تدعى مايرين ولا أعترف بها "

قالت باحتجاج

" بلى تعرفها وتعرف ما قد يحدث لها بسببهم فلما تكون أنت

وهم وقدرها عليها ؟ ليرحمها أحدكم وتذكر بأن الدماء التي تجري

في عروقها دمائك "

أجفلت من نظرته تلك وعلمت من اشتعال سواد حدقتيه بأنها

تجاوزت حدها بل وأخطأت كالعادة بأن ذكرت تلك المسألة التي

توصله للجنون وهي تذكره بما اتهم به والده ويرفض هو

الاعتراف به فصرخ فيها يكاد يقفز عليها ويخنقها

" كم مرة سأقول بأنها ليست شقيقتي وليبتعدوا بفضائحهم

عني وعن والدي .. حتى متى سيموت والدي وتفقد والدتي

بصرها ؟ كم مرة سأذكر ذلك ؟ "

انكمشت على نفسها تضم يديها لصدرها وتمتمت بخوف

" للللكن سسسكرتيرتك لم تقل ذلك يييومها قالت أأن .... "

قاطعها بغضب

" أي سكرتيرة تتحدثين عنها فلا سكرتيرات لدي ...

هل هذه كذبة جديدة ؟ "

قالت من فورها وبندفاع

" بلى ليست كذبة وهي من اتصلت بي بعد اتصالي بك سابقاً

مباشرة وقالت بأنها سكرتيرتك وبأنك من أعطاها الرقم لتكون

حلقة الوصل بيننا وسألتني عن قصتها وأنا أخبرتها ثم وعدتني

بأنها ستحاول إقناعك و... "

قاطعها صارخاً بصدمة

" متى حدث ذلك ؟ "

رمشت بعينيها قبل أن تقول

" أخربتك بأنها اتصلت بي بعد مكالمتك فوراً وقالت بأ.... "

لوح بيديه بجانب رأسه قائلاً بضيق

" اشش يكفي أعلم ما قالته "

وتابع ماداً يده لها

" هاتي رقمها .. هل هو لديك ؟ "

تراجعت للوراء خطوة وقالت

" ليس قبل أن تخبرني أين هي مايرين ؟ "

خرج لخارج الباب أكثر وقال ولازال يمد يده لها

" هاتي الرقم وسأخبرك بما تريدين .. بسرعة "

خبأت حقيبتها خلف ظهرها ولازال حزامها على كتفها وقالت

متراجعة للخلف أكثر

" أخبرني أين هي وماذا حدث معها وسأعطيه لك "

حرك أصابعه وقال بضيق

" تزوجت فهاتي الرقم ولا تجعليني آخذه منك بالقوة "

فتنهدت بارتياح حامدة الله بهمس فعلى الأقل لم يقتلوها .. لكنها

لا تأمن شر أفكارهم أبداً ، قالت بريبة " من تزوجت ؟ "

تأفف وقال بنفاد صبر يمد يده لها أكثر
" من الشاب الذي صدمها وهو مستأجر عندي فأعطني
الرقم بسرعة "

قالت بحماس وسعادة وكأنها لم تسمع من حديثه سوى أوله

" حقاً تزوجته هو ؟ يا إلهي حمداً لله أنهم لم يزوجوها لعجوز

أو أحد عمالهم السود "

نظر لها باستغراب ففتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها منها قائلة

" لأجل هذا الخبر السعيد فقط سأعطيه لك من دون مقابل "

كشر متمتماً

" يالك من جشعة ! أهذه تكون أخلاق الأطباء ؟ "

ضحكت ضحكة ساخرة وقالت تفتش في هاتفها

" وما أخلاق المحامين الذين يدافعون عن المظلومين ؟ "

نظر لها بضيق وقد فهم فوراً ما كانت ترمي إليه واستل الهاتف
الذي مدته له بقوة من يدها ونظر للرقم فيه عاقداً حاجبيه قبل أن

تتسع عينيه بصدمة فهو يعرف هذا الرقم ويحفظه جيداً كاسمه .

*
*
*

وضعت الحقيبة التي نزعتها من كتفها على الطاولة وجلست تنظر

مبتسمة للتي جلست أمامها وقد قررتا الخروج معاً اليوم تعويضاً

عن تلك المرة التي خرجت فيها لوحدها وقالت بابتسامة

" أخبريني إذاً ما سر رحلة المنظمة تلك وأين ستكون ؟ "

قالت ساندرين تحرك يديها بحماس

" لأدغال كاليه الفرنسية .. ستكون رحلة رائعة مليئة بالمغامرات

والمفاجآت أيضاً "

ضحكت على حماسها وقالت

" ولن تخلوا من إنقاذ الحيوانات البرية بالتأكيد ؟ "

قالت ضاحكة

" لا لن تكون هناك سوى حيوانات مستعدة لافتراسنا في

أي لحظة "

حدقت فيها بصدمة فضحكت وقالت

" أمزح يا غبيه ... إنه ملجأ كبير للمهاجرين يطلقون عليه اسم

أدغال وسنقوم بأمور كثيرة مهمة ومشوقة هناك "

فتجعدت ملامحها وقالت

" وهذه تسمينها رحلة وتستمتعين بها ! "

حركت رأسها ووجهها الذي قربته منها قائلة بنزق

" هذه أمور لا تفهمها جاهلة مثلك ملتصقة بالمطارات والطائرات

طوال الوقت "

فزمت شفتيها بضيق قبل أن تحررهما قائلة

" أجل فالاستمتاع يكمن في الالتصاق بالحيوانات المشردة مثلك "

فتجاهلتها ونظرت للنادل الذي وقف عند طاولتهما مبتسماً وقالت

بابتسامة مماثلة

" نريد طبق فلافل وكبسة دجاج أيضاً وكسكسي بالسمك وطبق

ملوخية كبير لكنانة "

كتب ما طلبته مبتسماً وغادر من فوره بينما قالت كنانة ضاحكة

" من سيأكل كل هذا ويدفع ثمنه ؟ "

ضربت بكفها على صدرها وقالت مبتسمة

" أنا من سيدفع يا شحيحة زوجة الثري ومن سيأكله أيضاً

لا تخافي "

قالت بابتسامة مائلة

" حسناً يا زوجة الثري لا تتركي مما طلبتِ شيئاً ولا أجد نفسي

أفتش حقيبتي ككل مرة لأوفي حساب الغداء لأن المال الذي لديك

لا يكفي بالطبع "

لوحت بيدها لامبالية وسرعان ما تغيرت ملامحها للحدة وقالت

تهددها بسبابتها

" اسمعيني جيداً كوينو مزاجي في أفضل حالاته ومستعدة لأكل

كل ذلك لكن إن ظهر لنا ابن عمتك الآن كالعادة فلن تلومي

إلا نفسك "

نظرت لها بصدمة قبل أن تقول مندفعة

" أنا التي إن ظهر لنا الآن فلن أخرج معك مجدداً وسأقطع

علاقتي بك نهائياً "

قالت ببرود تشيح بوجهها عنها

" أجل هذا أفضل لأنك إن لم تفعليها فعلتها أنا "

فمدت شفتيها بعبوس تراقبها بينما كانت هي تستقبل أطباق

الطعام مبتسمة بحماس وما أن غادر النادلان رفعت ملعقتها

وقالت

" لا أعلم من أين أبدأ ؟ لكنني بالتأكيد سأنتهي منها جميعها ....

من الرائع أنه ثمة مطاعم عربية هنا "

فاتكأت الجالسة أمامها بذقنها على راحة يدها وقالت تنظر لها

" أنا أحياناً لا أفهم شخصيتك المعقدة ساندي رغم الصداقة

الطويلة التي تجمعنا ! "

قالت مبتسمة بسخرية تغرف من طبق الأرز في صحنها

" بالطبع لن تعرفي شيئاً عن أحد وأنت لم تتعرفي ولا على ابن

عمتك ذاك حين التقيته أول مرة بعد عودته من دراسته في

جامعته باسكتلندا ! "

رفعت ملعقتها أيضاً وقالت ببرود

" هو من تغير شكله كثيراً وليست غلطتي .. بل ولم أراه منذ

الخلاف بين عائلتينا فكيف كنت سأعرفه حينها ! ... ثم أنا لا

أتحدث عنه بل عنك "

فقالت منشغلة بطبقها الذي كانت تأكل منه بشهية مفتوحة

" يمكنك تحليل شخصيتي كما تشائين بينما آكل "

فراقبتها باستغراب قائلة

" أنت غريبة أطوار حقاً !! من يراك الآن لا يصدق بأنك من

كانت تصرخ غاضبة قبل أيام وتم عقد قرانها دون علمها ! ما أن

انتهى الحفل حتى رميت كل شيء وراء ظهرك كما أرى وكأنه

لم يحدث ! "

نظرت لها وقالت تلوح بالملعقة في يدها

" لأنه بالفعل لم يحدث شيء وسرعان ما يمل ابن عمتك ذاك

ويرميني خلفه ويمضي ويرجع كل شيء كما كان "

حدقت فيها باستغراب هامسة

" واثقة تماماً !! "

قالت بجدية

" أجل لأني أعرفه أكثر مما تعرفيه أنت بل ووالدته التي

أنجبته أيضاً "

حركت رأسها بعدم اقتناع ورفعت كتفيها قائلة

" إن كان كذلك ما تزوجك ! كان رماك سابقاً كما تقولين "

قالت تسكب المزيد من الأرز في طبقها

" سيفعلها وإن أصبح لدينا طفل وليس عقد زواج بالي فقط

وقولي ساندرين قالت "

تنهدت بعجز متمتمة

" وسترجع حياتك كما كانت حقاٌ !! "

أخرجت الملعقة من فمها وقالت تمضغ ما فيه

" بالتأكيد فلن تنتهي حياتي بسبب رجل كذاك ولا عشرة من

أمثاله ... أنا لا يكسرني شيء ولا أحد ولست انهزامية مثلك "

كتفت ذراعيها لصدرها ونظرت جانباً متنهدة بضيق بينما قالت

التي لوحت بملعقتها نحوها بتهديد

" وحذاري كنانة من أن يعلم ابن عمتك ذاك عن الرحلة أو

قطعت لسانك وليس علاقتي بك "

نظرت لها بصدمة وقالت

" وهل وحدي من قد تخبره ؟ ماذا إن فعلها والدك مثلاً ؟ "

قالت ببرود وقد عادت للانشغال بطعامها

" والدي لن يفعلها وسبق وأخذت منه عهداٌ بذلك .. ثم زير

النساء ذاك مسافر ولن يعلم إن لم يخبره أحد عمداً "

" مسافر ؟! "

قالت ذلك تنظر لها باستغراب فرفعت كوب العصير وشربت منه

وقالت وهي تضعه مكانه يمينها على الطاولة

" أجل ولحسن حظي فالطلب على طائرات شركته الفاشلة تلك

في ازدياد لذلك يسافر كثيراً مؤخراً "

ضيقت عينيها تنظر لها بريبة وقالت

" أراك تجمعين المعلومات عنه سيدة ساندرين ! ثم ما هذه

الشركة الفاشلة التي يزداد الطلب عليها ! "

حدقت فيها باستياء قائلة

" بل والدي من أخبرني .. هذا ما ينقص أن أتقصى عن أخبار

ذاك الدبور "

كتفت ذراعيها لصدرها وقالت

" ولما تهددين وتتوعدين وهو مسافر ولن يكون هنا ولن يظهر

لنا فجأة ؟ "

قالت تشير لها بالملعقة في يدها

"لأني لا أثق بكم آل الهازان جميعكم وتوقفي عن التحقيق معي "

فانحنت نحوها قليلاً تسند ساعديها على الطاولة تحتها وقالت

مبتسمة بمكر

" بل ثمة ما سأسأل عنه أيضاً ... لما أخبرتني عن الرحلة

إن كنت لا تريدين أن يعلم ؟ خطة رائعة ساندي "

نظرت لها بصدمة وكادت تغص بالطعام فرفعت كوب الماء

وشربته دفعة واحدة ووضعت الكوب الفارغ بقوة وقالت بضيق

" حمقاء طوال حياتك ولن تتغيري أبداً .. فما الذي سأجنيه إن

علم غير أن يرفض الرحلة وأموت بحسرتي ؟ أقسم إن فعلتها

كنانة دققت عنقك "

أجفلت تنظر لها باستخفاف وقالت

" لا بالله عليك أخفتني "

حركت يدها بلامبالاة وقالت

" دعينا من كل هذا الآن وأخبريني ما الترتيبات لحفل الزفاف؟ "

فأبعدت نظرها عنها وابتسمت بسخرية متمتمة

" هه ... الترتيبات أنه لا حفل مطلقاً "

نظرت لها بصدمة وقالت

" ماذا ! ولكن ما علمته من والدتي عن طريق والدتك بأنكم

ستقيموا.... "

قاطعتها ببرود وقد عادت للطعام الذي لم تأكل منه إلا القليل

" لا شيء من كل ذلك ... لقد ألغي "

لكن تلك الأحداق الزرقاء كانت لاتزال تحدق فيها باستغراب

وقالت صاحبتها

" ولكن لما تم إلغائه !! أليس .... "

فقاطعتها مجدداً تقطع اللحم بملعقتها بحركة عنيفة

" لننهي الحديث في الأمر ساندي لأنه يشعرني بالصداع "

فكشرت تنظر لها وتمتمت باستياء

" يا لحظك المشابه لحظي "



*
*
*


لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 66 others like this.
رد مع اقتباس

  #12145 
قديم 10-06-19, 09:59 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

فرك جبينه بأصابعه وقال بضيق ما أن أبعد يده

" أمي أنا ألغيت الحفل وانتهى لن نناقش هذا كلما تقابلنا "

قالت الواقفة مقابلة له بضيق

" غيهم ما هذه الطريقة الجديدة في التحدث مع والدتك ! إن كان

أبان ما كنت لأستغربها منه "

نظر لها باستنكار وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة بذات ضيقها

" معك حق فأنا الحمقاء لكنت تركتك بنفسك أخبرت زوجتك لما

نلجأ للوسائط ؟ "

قال بضيق

" الأمران سيان وما كنت لأخاف من قول ذلك لها "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" لكن لما بني ؟ لا مبرر لما فعلته مطلقاً فحفل الزواج من حقها

ولا أظنه ينقصنا مال أو سيؤثر ذلك في ثرونا ! "

أشار بيده قائلاً بنفاذ صبر

" أنت ستقيمين لها حفلاً هنا وهم احتفلوا هناك بعقد قراننا

وانتهى أمي هل سنقيم حفلاً كل حين ؟ "

قالت بحزم

" لا أفهمك غيهم فهذا لم يكن رأيك سابقاً فلم تعترض بل وقلت

وبالحرف الواحد لتختار أي فندق تريده في لندن وليقوموا بدعوة

من يريدون والآن تقوم بإلغاء كل ذلك ! ما هذا الذنب الذي

ارتكبته تعاقبها عليه ؟ "

نظر لها بذهول وقال

" أمي لا تنسبي لي تهماً ثم تبدئي بتصديقها ..

بل والتسويق لها "

ضربت ظهر يدها بكف الآخر تشدهما لوسطها وقالت

" لما حدث هذا إذاً ؟ "

تأفف وقال بضيق

" لأن خالي مطر من أمر بهذا أمي ... أنتن النساء لا يرتاح لكن

بال ما لم تخرجن الرجل من ثيابه "

قالت تنقل سبابتها بينهما

" نحن أم أنتم ؟ "

وتابعت بضيق تشير له بسبابتها مجدداً

" بل أنت تحديداً فليس جميع الرجال يمتازون بصفة الصمت

الرائعة هذه وعليك أن تفهم جيداً يا غيهم بأن هذا لا ينجح

مع النساء "

نظر جانباً وتنهد بضيق فحركت رأسها بيأس منه وقالت

" وما شأن خالك مطر يلغي حفل زواج لم يقرره هو ولا نحن ! "

كتف ذراعيه لصدره وقال ببرود

" لم أتجرأ على أن أسأله هذا السؤال أمي فلن يطلب ذلك إلا

من أجل سلامة كنانة وعائلتها بالتأكيد "

نظرت له باستغراب قبل أن تقول باستياء واضح

" لا أفهم غيهم فاشرحها لي ! ما علاقة الحفل بسلامتهم وإن

انتشر خبر زواجكما فهم يعيشون هناك بهويتهم الحقيقية كما

أعلم ؟ "

تنفس بعمق وقال بصبر وقد دس يديه في جيبي بنطلونه الجينز

" لا تنسي بأنهم يحملون لقب كنعان أمي "

وضعت يدها على فمها بتفكير فكيف نسيت هذه المسألة !

وسرعان ما أبعدتها وقالت ونظرها معلق بعينيه

" لكن ما ذنب الفتاة في كل هذا فالحفل من أجلها بني ؟ "

رفع كتفيه وقال

" لا شيء بيدي وتعلمين أوامر شقيقك جيداً فما كنت لأرضى بأن

يُلغى الأمر الوحيد الذي طلبته لكنها الأوامر أمي وسلامتهم

أهم بالتأكيد "

نقلت نظراتها في ملامحه باستغراب وقالت بعتاب

" كنت اتصلت بها إذاً وأخبرتها ؟ لما تضعني ووالدتها ونفسك

في هذا الموقف ؟ "

حرك كتفه الأيمن كما رأسه في ذاك الاتجاه ولازالت يداه سجينتا

جيوبه وقال بجمود

" كانت والدتها ستهول الأمر حال علمها بمخاوفهم من ماضيهم

مع ابن راكان ، تحدثت مع والدها في الأمر فكان رأيه أن لا يعلما

مطلقاً "

قالت بريبة

" لكنك وضعت نفسك في موقف سيء معها ...! كنت تركتني قلت

بأنه رأيي وليس رأيك ؟ "

أمال شفتيه بلا اهتمام وتمتم ببرود

" أنا سيء في نظرها لن يغير هذا في الأمر شيئاً "

فحدقت فيه بصمت قليلاً قبل أن تقول بهدوء حزين

" لو كنت فكرت في هذا قبل أن نعقد قرانكما لكنت ألغيت الخطبة

كاملة وبحثنا لك عن عروس أخرى وما كنا لنعرض حياة الفتاة

أو عائلتها للخطر بسببنا ... كيف فاتني التفكير في هذا الأمر ؟ "

لكن نظرته التي رمقها بها لم تشبه نظرتها تلك البتة تخبرها

وبكل وضوح بأنها إن لم تكن والدته لأسمعها كلاماً لن يعجبها

أبداً لكنه قال بحزم وهو يوليها ظهره مغادراً

" أنا من كان سيرفض التراجع عن كل ذاك أمي فلا تفكري

فيه .. هي زوجتي وهذا ما لن يلغيه ولا شقيقك ذاك "

وابتعد ناحية باب المنزل نظراتها الصامتة تتبعه وما أن فتحه

وخرج تركه مفتوحاً بعده لأنه ثمة من تقابل معه أمامه وكان

داخلاً منه حينها ومن لم تراه منذ ذاك النقاش القوي أو الشجار

المزدوج له معها ومع يمان قبلها فسار دون أن ينظر ناحيتها

وبخطوات سريعة واسعة ووجهته السلالم فهمست من بين

أسنانها

" وغاضب أيضاً سيد أبان ! معك حق تماماً "

بينما تابع هو صعوده بخطوات واسعة توقفت ما أن وصل

لمنتصفه وكان في مواجهته وجه أنثوي آخر أصغر سناً وأكثر

رقة ونعومة وعينان لا تحمل ذاك الحزم ولا القوة بل الحزن

الممزوج بالأسى فكان مصيرها ذاته بأن أبعد نظره عنها وتابع

صعوده حيث الطابق الثالث من ذاك المنزل ومكان اقامته وشقيقه

وحيث صمم ليكون سكناً منفصلاً لكل واحد منهما ليستقرا فيه
مستقبلاً .

بينما تبعته تلك الأحداق الرمادية وهو يتابع صعوده وتقوست

شفتاها بحزن فها هو غاضب منها بينما كان من حقق لها طلبها

وجلب شقيقها إلى هنا ، نظرت للأسفل من أعلى السلم وتبعت

نظراتها الخادمة التي تحركت يساراً وما أن اختفت خلف الحاجز

الزجاجي رفعت نظرها نحو الأعلى قبل أن تركض تلك العتبات

أيضاً حيث اختفى ذاك الغاضب قبل قليل .

*
*
*

نزع قميصه وما أن كان سيرميه جانباً وقفت يده في الهواء وهو

يلتفت برأسه للباب الذي خرج منه صوت طرقات خفيفة جداً

فلبسه مجدداً وقال

" ادخل "
فانفتح ذاك الباب حينها وببطء شديد حتى ظن بأنها نسمة هواء

ما تلك التي كانت تدفعه ! وأمسك وسطه بيديه ما أن اكتشف

هوية تلك النسمة الرقيقة ينظر لها ببرود فقالت تمسك الباب بيدها

وكأنها تختبئ خلفه

" أنا آسفة أبان أرجوك لا تغضب مني "

قالتها بكلمات حزينة رقيقة شبه باكية لكن ذلك لم يجعل ملامحه

تتغير بل وأولاها ظهره ناحية الطاولة ونزع قميصه مجدداً

وبقي بالقميص الداخلي فقط ورماه جانباً ونظر لصورتها في

المرآة يراقبها فيها وهي تدخل من الباب قائلة برجاء حزين

" لم أكن أعلم بأنكما ستتشاجرا بسبب ما قلت .. أقسم بذلك "

فرفع المشط ورماه مجدداً قبل أن يستدير ناحيتها وقال بضيق

" حسناً جيد .. دعيني أجعلك تفهمين أمراً يمامتي "

وتابع يمسك سبابته بسبابة يده الأخرى بينما يفرد الوسطى فقط

وكأنه يحسب بهما

" ثمة أمران هما حق للزوج على زوجته وواجب ناحيته يمامة ..

ولن نتحدث عن الجانب الأول والأهم كي لا يغمى عليك الآن "

وتابع يمسك أصبعه الوسطى هذه المرة وينظر لعينيها المحدقتان

فيه بصمت

" أما الأمر الآخر فهو بأنه عليك إطاعته وتنفيذ ما يقول وتجنب

ما قد يغضبه بل وأن لا تفعلي شيئاً من دون علمه ولا رضاه "

تحركت حدقتاها الفضية الواسعة بين وجهه ويديه يظنها تفسر

ما قال وتفهمه لكنها صفعته ككل مرة حين قالت ببراءة تشبهها

" لكن هذه خمسة أمور وليست واحدة ! "

فحرك رأسه ونفض يديه واقترب منها فقالت تنظر له مجفلة

" ويمان لم يطلب مني فعل ذلك بل أنا من قال له أ.... "

فقاطعها ما أن وقف أمامها تماماً يشير بسبابته على باطن كف

يده الأخرى أمام وجهها

" أنت ورقة بيضاء يمامة تفهمين هذا ؟ والجميع يريد الكتابة

فيها وبالطريقة التي تعجبه "

وتابع بضيق ضارباً بظهر أصابعه في كفه تلك

" فليتركوا لي على الأقل سطراً واحداً شاغراً أكتب فيه ما أريد ..

فهل أطلب المستحيل بهذا ؟ "

رمشت بعينيها قليلاً قبل أن تهمس باستغراب

" عما تتحدث ؟ أنا لا أفهمك ! "

أمسك خصره بيديه وقال بضيق

" أتحدث عن أن ما تقوله أمي مجاب بالنسبة لك .. وإن قال لك

يمان خالفي ذلك فستفعلين فوراً أما أبان فأوامره جميعها

مرفوضة "

قالت تنظر له باستغراب

" لكنك لم تطلب مني شيئاً سابقاً ! "

أدار وجهه قليلاً ونظر لها بطرف عينيه مفكراً فهي على حق

تماماً ، فرقع بإصبعيه وأشار لها بالسبابة منهما وقال بابتسامة

جانبية

" إذاً إن طلبت منك أمراً تفعلينه ؟ "

قال سريعاً

" ولن تعود غاضباً مني ؟ "

ابتسم وقال

" بالطبع "

قالت بابتسامة واسعة

" موافقة إذاً "

ابتسم بحماس وقال

" حسناً رائع "

قالت بعد صمت لحظة

" وما هو طلبك ؟ "

ابتسم واتكئ بذراعه على كتفيها وقال يميل وقفته بينما كان ينظر

لوجهها

" سنؤجل هذا الأمر قليلاً ولا تنسي هذا اتفقنا ؟ "

ابتسمت وأومأت برأسها موافقة وقالت تنظر لتفاصيل الغرفة

حولها

" غرفتك غريبة !! "

ضحك وأبتعد عنها وقال

" وما الغريب فيها ؟ كان بالأحرى أن تقولي سيئة "

ابتسمت ونظرت له قائلة

" لا هي ليست كذلك لكنها لا تشبه غرفتي ولا غرفة بثينة ولا

حتى غرفة والديك ! "

ضحك وقال يشير بسبابته جانب وجهه

" بالطبع هي لن تشبه غرفتك ولا غرفة بثينة لأنكما فتاتان بينما

أنا رجل أما غرفة والداي فمصيرنا لها لن نستعجل الآن "

حدقت فيه باستغراب قبل أن تبعد نظرها عنه وقالت تنظر لصورة

الملاكم الكبيرة والملصقة على الجدار

" ومن يكون هذا ؟ هل هو صديقك "

ضحك وقال ينظر حيث تنظر

" لا هو ليس صديقي بل وليس عربياً أيضاً "

نظرت له وقالت باستغراب

" من أين تعرفه إذاً ؟ ولما تعلق صورته ! "

ضحك وقال

" أعرفه من التلفاز فهو ملاكم مشهور .. واعلق صورته لأني

أحب لعبه وأشجعه "

نظرت للصورة مجدداً وقالت تشير لها بسبابتها

" أتعني ذاك ما يضعه في يديه ؟ "
نظر لقفازات الملاكمة الحمراء في الصورة وقال مبتسما

" أجل فذاك نوع من الرياضة وهم يفعلون هكذا... "

وبدأ بتوجيه اللكمات لها في الهواء تراقبه مبتسمة وضرب

بقبضته أنفها متعمداً فأمسكته ضاحكة وفرد هو أصابعه قائلا

بابتسامة

" هذه يسمونها ملاكمة حلوتي "

ضحكت ولوحت بقبضتيها تحاول تقليده لكن الأمر لم ينجح وكانت

كمن يطرد حشرة في الهواء بقبضتيه فضحكا معاً وقالت تفرد هي

أصابعها هذه المرة

" ظننت الأمر سهلاً لكنه على العكس تماماً "

وتابعت بحماس وهي تنقل نظرها للصورة مجدداً

" إنه رائع حقاً "

فضيق عينيه وقال يرمقها بطرفها

" تعنين لعبه أم شكله يمامتي ؟ "

نظرت له وقالت مبتسمة

" بل ما يفعل أعني فأنت أجمل منه بكثير "

فضحك من فوره وأمسك وجهها المبتسم بيديه اللتان سرعان ما

أبعدهما مع موت الابتسامة الواسعة عن شفتيه واستدارة رأسها

هي نحو الباب خلفها حين وصلهما ذاك الصوت المرتفع مناديا

من بعيد

" يماااااامة "

فقفز سريعاٌ فوق الأريكة ونظر لها من خلفها وقال مهدداً بسبابته

" أنت من جئت هنا وبملء إرادتك يا صغيرة لا تنسي هذا ولا

تخبريها شيئاً عما دار بيننا أو غضبت منك وللأبد هذه المرة "

وركض مسرعاً جهة باب الحمام الذي دخله مغلقاً بابه خلفه

ووقف قربه يسند يده بالجدار يستمع لما يحدث هناك وصوت

والدته المصدوم ما أن دخلت

" يمامة ما الذي تفعلينه هنا ! "

فأدار مقلتيه متنهداً بضيق بينما وصله صوتها الرقيق مما جعله

يبتسم فوراً

" جئت أبحث عن أبان لأعتذر منه فهو غاضب بسببي "

فرفع إبهامه حينها ضاحكاً بصمت بينما قالت جوزاء بضيق

" وتعتذري منه لما ؟ أنت لم تخطئي في حق أحد لتعتذري ..

ولينفجر هو ما علاقتك به ؟ "

شد على أسنانه حينها كما شد قبضته أمامها بقوة وكأنه يتمنى

توجيه تلك القبضة نحوها بينما قالت يمامة

" لكنه زوجي أمي .. أليس له عليا حقوق ؟ "

فلوح بقبضته تلك في الهواء ضاحكاً فها قد نجح الدرس الأول بل

ووجد مكاناً ما لسطره ذاك .. وكما توقع قالت والدته حينها

وبضيق

" لا ليس له عليك شيءالآن وحين يكون زوجك فعلاً ستعلمين

هذا وتتعلمينه فلا أسمعه منك مجدداً يمامة مفهوم ؟ "

زفر الهواء من أنفه بضيق وعلم بأنه خسر المعركة لكنها قالت

ما لم يتوقعه كليهما كالعادة

" إذاً هو موجود أمي وحقيقة ؟ "

فاتكئ برأسه على الجدار مبتسماً يدس يديه في جيبي بنطلونه

وكم تمنى لحظتها أن رأى تعابير وجه والدته خصوصاً وهي

توجه لها هذا السؤال وهمس مبتسما بمكر

" أنكري ذلك إذاً يا جوزاء شاهين الحالك يا مربية الأجيال "

وكما توقع هي تهربت من ذلك وكل ما فعلته أن أمسكت بيدها

وأخرجتها من هناك قائلة

" اخرجي من هنا هيا ولا أراك في هذا الطابق مجدداً يمامة

مفهوم "

ففتح حينها الباب وخرج ووقف ينظر بضيق للباب الذي تركاه

خلفهما مفتوحاً أو لمكانهما الخالي منهما يمسك خصره بيديه

وكشر متمتماً

" سنرى يا ابنة الحالك "

وابتسم ما أن نظر جانباً حيث صورة الملاكم تلك وغمز بعينه

قائلاً

" لم تنتصر عليا أبداً هذه المرة "

واستدار نحو صورته بكامل جسده وقلد حركته رافعاً قبضتيه

بقرب ذقنه وقال بابتسامة ساخرة يوجه قبضته نحوه

" كنت مزقت صورتك هذه إن قالت بأنك أكثر وسامة مني "

وضحك وتوجه جهة الخزانة ليخرج ثيابه ويستحم .

*
*
*

ما أن غادرت من عنده حتى سارت راكضة لكن ليس في الاتجاه

الذي جاءت منه بل دارت حول المنزل حتى كانت أمام الباب القديم

الملحق به ففي غمرة فرحها بأنهم زوجوها به وليس بعجوز أو

عامل لديهم نسيت خطتهم تلك وما ستكون نتائجها إن هو

اكتشفها فعليها أن تطمئن عليها قبل أن تغادر من هنا فلن يكون

بإمكانها زيارة هذا المكان دائماً فها قد بدأ الظلام يتسلل للمكان

المخيف ولا يمكنها التجول في مزارع هذه العائلة ليلاً ، وصلت

الباب الحديدي وبدأت بطرقه بقوة بأقرب حجر وجدته فإن خرج

لها ذاك الشاب تعلم ما ستقوله له لتبرر وجودها هنا وإن فتحته

لها مايرين فسيكون أفضل وذاك جل ما تتمناه ، استمرت في

الطرق ولم يفتح أحد وهذا ما تستغربه ! بل وهذا معناه أن ذاك

الهازاني ليس هنا أو أنهما كلاهما خارج المنزل ! .

رفعت رأسها عاليا وصرخت منادية

" مايريييييين "

وكررت الصراخ بإسمها منادية فإن كانت هنا لوحدها فستعلم

بأنها هي وإن كانت ليست هنا فلن يسمعها أحد بالتأكيد ، ابتسمت

بسعادة ما أن سمعت ذاك الصوت الأنثوي خلف الباب المغلق

" فجر أهذه أنت ؟ "

ابتسمت وقالت بحماس وبصوت مرتفع تنظر لشق الباب أمامها

وحيث خرج لها ذاك الصوت

" أجل هذه أنا ولم أصدق أذناي حين علمت بأنك تزوجت من ذاك

فضي العينين تحديداً وركضت نحو منزلكما مسرعة "

فخرج لها صوت الواقفة خلفه مبتسمة أيضاً

" أجل لقد حدث ما خططت له تماماً يا فجر وكانت ستكون كارثة

إن لم يأتي يومها فقد طلبوا من أويس أن يتزوجني بما أنه ينكر

بأن أكون شقيقته وكادوا أن يدمروا مستقبلي تماماً مع رجل لا

يحب ولا سماع اسمي "

شدت على أسنانها بقوة وقالت بحقد

" الوحوش المجرمين .. لتعلمي فقط يقينهم من أنك لست

شقيقته "

وتابعت من فورها تلامس حديد الباب البارد بيدها

" اتركينا منهم الآن وأخبريني ما هي أمورك وذاك الشهم

الوسيم ؟ "

وأتبعت جملتها تلك بضحكة سعادة ما كانت لتتخيل أن تجد لها في

حنجرتها مكان اليوم وهي تتوقع أبشع السيناريوهات وما يمكن

لعقول أولئك المجرمين تطبيقه ودون تردد ولا أن يرف لهم جفن

، خرج لها صوتها الباسم من خلف ذاك الباب الحديدي القديم

" بأفضل حال يا فجر ولم أعرف حياتي السعادة بعد رحيل هازار

إلا الآن بعدما أصبحت هنا معه وزوجته "

ضمت يديها لصدرها مبتسمة بسعادة تلاشت تدريجياً ما أن

تذكرت السبب الأساسي لمجيئها لباب هذا المنزل وقالت بتوجس

" لكن .... ماذا بشأن كذبتنا تلك هل اكتشف الأمر ؟ "

قالت الواقفة خلف الباب بتوجس أشد بل وبخوف

" لا لكني لا أراه بعيدا أبداً يا فجر ولست أعلم ما يمكنتي فعله

حينها ؟ "

قالت من فورها " لا تفعلي شيئاً فقط تصرفي على أنك لا تعلمين

شيئاً مما يتحدث عنه إن تكلم وسيظن بأنه خطأ في التشخيص أما

إن بقي صامتاً فستكون أنا من سيلجأ لها ليفهم ما حدث وحينها

أعلم بما سأخبره وسننقد الوضع مايرين ثقي بي المهم الآن أنك

بخير ولا تمنعيه عنك مجدداً خوفاً من اكتشاف سرك وافعلي ما

أخبرتك به "

وابتسمت بحزن ما أن قالت الذي يحجبها عنها ذاك الباب الحديدي

" أنا خائفة حقاً يا فجر وخوفي كله من أن أخسره "

فقالت ولم تنتبه للذي أصبح يقف خلفها على بعد خطوات ينظر

لها باستغراب بل بصدمة من وجودها قبل حديثها التالي والذي لم

يسمع ما كان قبله

" لا تخافي يا مايرين خطتنا ستستمر ناجحة كما كانت ولن

يكتشف الأمر "

وتابعت من فورها بجديه تقرب وجهها من شق الباب المغلق

" مايرين ثقي بي دائماً وافعلي فقط ما قلت ولن يكتشف الحقيقة

صدقيني أنت فقط لا تظهري له بأنك تعلمين عن أي شيء ...

وداعاً الآن "

وغادرت من فورها بخطوات مسرعة بل وراكضة تهمس لنفسها

بنشوة سعادة

" ولأول مرة في حياتك يا فجر لا تكونين نذير شؤم على تلك

الفتاة "

ولم تنتبه للذي اختبئ خلف صهريج المياه ينظر لها وهي تبتعد

راكضة عيناه تشتعلان بحرارة غضب حارقة وأصابعه تقبض

بقوة على الكيس البلاستيكي فيها وقد همس أيضاً

" يا مغفل يا يمان ... كانتا تستغفلانك لتلصقا بك ما فعله غيرك "

*
*
*

وضعت الأوراق والمذكرة التي ستأخذها معها معاً وجمعت

أغراضها في حقيبة يدها وكان آخرها هاتفها الذي تراجعت عن

وضعه معهم في آخر لحظة ورفعته أمام وجهها وفتحت صورته

التي ملأت شاشته الواسعة وابتسمت بحب وشوق من فورها فقد

التقطتها له قبل سفره الأخير وقبل مغادرتها للجامعة صباحاً

وكان حينها يشرب قهوته جالساً على طرف طاولة المطبخ ودون

علمه ... تعلم بأن هذا جنون وبأنه قد يشكل خطراً عليه حال

وجدتها تلك المجنونة في هاتفها أو حتى في الجامعة أو أي مكان

ما إن هي فقدت هذا الهاتف لكنها لم تستطع يومها منع نفسها من

فعلها خصوصاً هيئته وطريقة جلوسه قرب باب الشرفة الذي

تسلل منه ضوء النهار قوياً .. وها هي باتت سلواها الوحيده في

غيابه ولم يعد يمكنها إحصاء المرات التي تراها فيها !

قبلتها مغمضة عينيها وهمست برقة وحب

" أحبك بكل ما أملك من قدرة على ذلك "

انتفضت بفزع ودست الهاتف في حقيبتها ما أن سمعت تلك

الطرقات على باب غرفتها واستدارت نحوه فور أن فتحه ذاك

الطارق فهي لم تغادر غرفتها منذ يوم أمس بل منذ تلك المقابلة

مع زوجة وقاص فيبدو أن هذا القصر الرائع حياة ساكنيه

لا تشبهه !.

ابتسمت بارتياح للتي أهدتها ذات الابتسامة وكم شعرت بالسخف

بسبب ردة فعلها تلك ما أن سمعت صوت الطرقات على الباب ولا

تعلم حتى متى ستعيش ذاك الكابوس الذي يهددها بفقدانه وأن

تكون هي السبب فيه ؟ قالت الواقفة عند الباب مبتسمة

" صباح الخير ماريه ... هل تناولت طعامك أم ستغادري

كاليومين الماضيين بدون فطور ؟ "

جمعت يديها مع بعضهما وقالت محرجة

" لست معتادة سوى على فنجان قهوة وتفاحة صباحاً وخجلت

من طلبهما عوضاً عن الفطور الذي يقدم في المطبخ "

كانت تقول الحقيقة بالفعل بل وتلك أصبحت عادتها منذ باتت

تشارك ذاك الرجل حياته وشقته بل ومنذ اشترط عليها أن تأكلها

وإن هي قبل أن تغادر زاد عليه أنها عادته فأصبحتا فطورها

اليومي ، قالت الواقفة هناك مبتسمة

" والتفاح لدينا بجميع ألوانه كيف تخجلين من طلبه من

الخادمات ماريه ! "

قالت بابتسامة محرجة

" حسناً لن أغادر اليوم دون إفطار "

ابتسمت لها وقالت

" وهذا ما أرجوه لكن قبل ذلك ثمة شخص هنا جاء لرؤيتك "

نظرت لها باستغراب سرعان ما اضطربت معه ضربات قلبها

بجنون فمن يكون هذا الشخص وفي هذا الوقت ! بالكاد استطاعت

أن تجد صوتها الذي بدا واضحاً بأنه لم يعد على طبيعته وقالت

بصعوبة

" هل تيم بخير ؟ "

نظرت لها باستغراب وقالت

" مؤكد هو بخير صغيرتي ... من تحدث عنه الآن ! "

بلعت ريقها وهمست ببحة

" من هذا الذي يريد رؤيتي الآن إذاً ! "

قالت بتوجس بسبب ردة فعلها

" إنه والده "

فعلا صدرها في شهقة قوية فاقتربت منها وأمسكت وجهها

قائلة تطمئنها

" ماريه ما كل هذا التشاؤم ! ماذا في الأمر إن جاء

والده لرؤيتك ؟ "

أمسكت رسغ يدها وقالت ببحة تعاند دموعها كي لا تنزل

" أين هو ؟ "

أمسكتها من يدها وسحبتها معها قائلة

" في غرفة الضيوف ... تعالي لتتأكدي بنفسك من أنه لا شيء

مما تفكرين فيه له وجود لكان أخبرني قبلك "

لكن تطمينها ذاك لم يواسي شيئاً من ألم قلبها حينها فهي تعلم

بأنه سيتوقف عن العمل ونهائياً إن حدث له مكروه ولا مفر

أمامها سوى أن تواجه الحقيقة ، وصلت بها لغرفة واسعة تكاد

تعادل اتساع بهو ذاك القصر لكنها لم تنتبه لشيء من جمال ذاك

المكان وتفاصيله ونظرها منحصر على الذي وقف ينظر لها في

صمت مريب فملأت الدموع التي عاندتها طويلاً عينيها وقالت

ببحة بكاء

" ما به تيم ؟ "
نقل نظراته المستغربة بينها وبين شقيقته التي حركت كتفيها دون

كلام وما أن عاد بنظره لعينيها قال

" هو بخير ماريه "

بلعت ريقها بصعوبة وهمست بعبرة مكتومة

" أقسم لي بذلك "

قال من فوره

" أقسم أنه بخير وهو في غواتيمالا وسيرجع لبريطانيا خلال

يومين على الأرجح "

مسحت عينيها وأنفها بظهر كفها قائلة ببحة

" لما أتيت لرؤيتي إذاً "

ابتسم وفرد ذراعيه قائلاً

" أثمة من تسأل والد زوجها هذا السؤال ! أرأيت هذا يا رقية ؟ "

قالت التي ضحكت من فورها تنظر للواقفة بجانبها لازالت تمسح
دموعها

" حضيت باستقبال مماثل قبل قليل ما أن أخبرتها بأنه ثمة

من يريد رؤيتها "

وتابعت بضحكة وقد عادت بنظرها لشقيقها

" حتى كادت تُدخل كل تلك الشكوك لعقلي أيضاً "

تحرك حينها من مكانه واقترب منها حتى وقف أمامها مباشرة

وأمسكت يديه بذراعيها وقال

" هو بخير ماريه وأنا لم آتي من أجل أي أمر يخصه "

نظرت له باستغراب خالطه الكثير من الفضول فأبعد يده عنها

وقال بهدوء حذر

" ثمة من عليك رؤيته "

عادت حينها ضربان قلبها للجنون كما الدموع لملء عينيها

فقال سريعاً

" ماريه لقد أقسمت لك بأنه بخير ألا تصدقين يميني ؟ "

أومأت برأسها إيجاباً ولم تستطع التحدث بسبب العبرة التي

لازالت عالقة في حلقها بينما تابع هو

" أعلم بأن الوقت ليس مناسباً لكن ما كان يمكنني المجيء

في غيره فلا وقت أمامنا "

تنقلت نظراتها بين عينيه في حيرة وهمست ببحة

" ومن يكون هذا وماذا يريد مني ؟! "

قال من فوره

" ستعلمين بكل شيء ما أن نصل وستجدين الأجوبة الكاملة

عن أسئلتك "

نقلت نظرها بينه وبين شقيقته التي كانت تقف في صمت وقالت

ما أن استقر نظرها عليه مجدداً

" لكن ... لديا محاضرة بعد قليل "

قال بهدوء

" أعلم ولا تقلقي بشأن كل ذلك "

قالت تشد كمي كنزتها الصوفية الخفيفة المفتوحة

" سأجلب حقيبتي "

" ماريه "

وقفت ما أن وصلها وصوته واستدارت ناحيته فقال مبتسماً

" لا تأخذي معك جميع أغراضك فستكونين هنا خلال ساعات "

أومأت برأسها بحسناً وغادرت من هناك كالمنومة مغناطيسياً

لازالت لا تفهم ولا تستوعب شيئاً تتبعها نظراتهما حتى غادرت

الغرفة ونظرت حينها شقيقته له وقالت بحزن

" متأكد من أن ما تفعله هو الصواب يا شاهر ؟! "

تنهد نفساً عميقا ً يتذكر فقط الكلمات الأخيرة لذاك الرجل عن ظلم

النساء وهمس يحرك رأسه بشرود

" لا أعلم حقاً لكن التفكير في العواقب يجعلك تؤمن بأنه الحل

الوحيد "

نظرت له بحزن وما أن اجتازها ليخرج من هناك أمسكته من

ذراعه موقفة له وقالت محدقة في عينيه ما أن نظر لها

" شاهر ... أنت تبني حاجزاً جديداً بينك وبين ابنك بهذا ... ماذا

إن اكتشف الحقيقة ؟ "

أغمض عينيه لبرهة وكأنه يجبر نفسه على عدم التفكير في غير

ذلك وقال ما أن فتحهما ونظر لها

" لن يرضى بإبعادها عنه وإن أخذناها وأجبرناه ... هو من لم

يترك لنا حلاً غيره "

وغادر وتركها بينما تمتم هامساً وهو يجتاز الباب

" كسرتني بها يا مطر ولنرى ما ستدفعه ثمناً لذلك فالله لا أحد

أعدل منه "

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 59 others like this.
رد مع اقتباس

  #12146 
قديم 10-06-19, 10:00 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*

لفت حجابها وثنته مثبتة إياه دون دبوس ورفعت هاتفها ونظرت

له تسرق نظرها جهة باب الغرفة وكأنها تحار في أيهما تختار

تتصل أم تذهب ! وختاماً قررت أنها ستفعل كليهما فدست الهاتف

في جيب سترتها الطويلة وغادرت الغرفة ونزلت السلالم مسرعة

وما أن وصلت باب المنزل وأمسكت بمقبصه أوقفها صوت التي

نادت من خلفها

" غسق !! "

فاستدارت نحوها بينما اقتربت تلك حتى وقفت أمامها وقالت

باستغراب

" أين تذهبين الآن وفي هذا الوقت يا غسق ؟! "

نظرت للخارج وحيث بدأت ظلمة الليل تزداد شدة قبل أن تنظر

لها مجدداً وهمست بابتسامة حزينة

" لزوجي عمتي "

فحدقت فيها باستغراب هامسة

" ألا ينتظر ذلك حتى الصباح ؟ "

ملأت الدموع عينيها وحركت رأسها بالنفي هامسة

" لا عمتي ولا دقيقة بعد "

أمسكت وجهها بيديها وقالت بحزن تنظر لعينيها الفاتنة

السابحة في الدموع

" شفا الله جراحك بنيتي "

حضنتها بقوة وهمست بحزن

" أحبه عمتي ولم أستطع تجاوز ذلك مهما حاولت وإن من أجل

نفسي قبل الغير "

مسحت يدها على رأسها وقالت وعيناها تمتلئ بالدموع أيضاً

" لا شيء بيدنا جميعنا سوى الدعاء من أجله ... جمع الله

شملكم أبناء شراع مجدداً "

وأبعدتها عنها من فورها وقالت تمسك يدها

" هيا اذهبي له يا غسق وتذكري أنه لولا الله ثم تضحيات

النساء ما نجحت حياة الأسر فهكذا خلقنا الله ..

تضحي الواحدة منا بسعادتها كاملة كي لا تُحرم من رؤية

ابتسامة طفل من أطفالها "

حضنتها مجدداً وفي صمت قبل أن تستدير وتخرج وركبت

سيارتها وغادرت من فورها .. وما أن اجتازت البوابة الخارجية

نظرت في المرآة الجانبية وتنهدت بضيق ما أن لمحت السيارتين

السوداوان اللتان تبعتاها وكم تحسد بسطاء الناس على حياتهم

فكم كانت من أمور ستتغير إن كانوا جميعهم منهم ...

همست مستغفره الله واستدارت بسيارتها جانباً وأوقفتها

ما أن علا رنين هاتفها بنغمة تعرفها جيداً وهي طريقة

تواصل خاصة بينها وبين ابن خالتها كانت تضمن أن لا تخضع
للمراقبة ، أخرجت الهاتف من جيب سترتها ونظرت لشاشته

وسرعان ما بدأت سبابتها بالتحرك عليها وأرسلت له

( أوقف كل شيء يا قائد وسنتحدث فيما بعد )

تعلم معنى إشارته تلك جيداً كما تعلم بأنها أغبى امرأة في الوجود

لكن الأمر يستحق أليس كذلك ؟ أليس هذا ما يقوله الجميع

وآخرهم الموجود بين أضلعها ؟ لامست يدها الأخرى جسدها

وحيث ينمو ذاك الجنين داخلها وأغمضت عينيها هامسة بحزن

" من أجلك بني ؟ .... لا بل من أجلي أيضاً "

واتكأت برأسها للأعلى على مسند كرسي السيارة وأغمضت

عينيها برفق فكل ما عاشته من تناقضات في مشاعرها الأيام

الماضية كان كالسراب بعد مكالمتهما الأخيرة والتي كان آخر ما

قاله فيها ولازالت تسمعه في أذنها حتى الآن

( سأنتظرك ليلة غد في غرفتنا يا غسق وسنتحدث ولن تنامي إلا

في حضني وراضية تماماً .. بل ولن تطلع شمس الصباح علينا إلا

وجراح كلينا قد شفيت بالكامل )

وها هي تضعف مجدداً .. تستسلم وترضخ لتنازلاته بتقديم

المبررات والتوضيح كما يريد .. وها هي أيضاً ستفتح الجروح

النازفة علها تداويها .. تعطيه الفرصة مجدداً لعله لا يخذلها من

جديد وستتركه يشرح ويبرر ما كانت جل ما تخشاه أن يزيد

جرحها ألماً .

" سيدتي هل الأمور جميعها بخير ؟ "

فتحت عينيها واستوت في جلوسها ومدت يدها للأمام تدير مفتاح

السيارة لتشغيلها مجدداً هامسة للواقف قرب نافذتها

" بخير "

وتحركت مجدداً ولم تتوقف سيارتها هذه المرة إلا وهي أمام باب

المنزل الذي اجتازت بوابة سوره التي فتحت لها ما أن وصلتها ،

نزلت منها وصعدت عتبات السلم بخطوات سريعة حتى كانت في

الداخل وسألت الخادمة التي كانت واقفة تنظر لها باستغراب

" مطر هنا ؟ "

قالت بعد صمت برهة

" لا سيدتي هو لم يرجع منذ غادر صباحاً "

تحركت حينها نحو السلالم المحاذي للباب وصعدته ولم تتوقف

حتى كانت أمام باب غرفتهما .. فتحت حقيبتها وأخرجت المفتاح

منها وغرسته في قفله وفتحته فوراً ودخلت تعيده للحقيبة

وأخرجت هاتفها فهو أخبرها بأنه سيكون في مدن ثنان اليوم

ومؤكد أصبح هنا في العاصمة الآن .. اتصلت به وغضنت جبينها

باستغراب ما أن سمعت الصوت الرجولي الذي أجابها والذي لم

يكن صوته

" مرحباً سيدتي "

أبعدت الهاتف عن أذنها ونظرت لشاشته وكأنها تتأكد من أنه

رقمه بالفعل ! لكن لم يكن سابقاً ثمة ضوابط أمنية على رقمه هذا

لأنه يخص عائلته والمقربين منه !! أعادت الهاتف لاذنها وقالت

" أين هو مطر وما به ! "

قال من في الطرف الآخر سريعاً

" لا شيء سيدتي هو بخير اطمئني "

قالت والاستغراب لم يغادر ملامحها بعد كما صوتها

" لما تجيب أنت على هاتفه إذاً ولا تحول المكالمة له مباشرة

كالعادة ؟ "

قال سريعاً وباحترام

" السيد مطر مسافر سيدتي وألغى جميع اتصالاته ولا يمكننا

إيصالك به "

نظرت للفراغ بشرود وحيرة فأين سيكون سافر وهو لم يخبرها

عن ذلك ضمن مخططه بالأمس حين سألته ! بل أكد لها بأنه

سيكون هنا في انتظارها !! بل ونشرات الأخبار لم تتحدث عن

شيء مماثل فأمثاله يُعلن عن جميع تحركاتهم الخارجية مسبقاً !!

همست بريبة

" ولما لا يستقبل أي اتصالات ويترك هواتفه هنا !! أين سافر

تحديداً ؟ "

" لا يمكنني ذكر ذلك لك سيدتي فالأوامر تمنعني "

شعرت بقبضة قوية أطبقت على قلبها وقالت بصعوبة

" أي أوامر هذه التي تمنعك وأنا زوجته ؟ "

" آسف سيدتي فالأوامر لم تستثني أحداً "

قالت بضيق وإن كان يناقض ما يحدث داخلها
" أنا لم أطلب منك إيصالي به بل أين يكون فما في الأمر

إن علمت ! "

وصلها صوته سريعاً

" الموضوع سري للغاية سيدتي ولا يمكنني إعطاء أي

معلومات لك ... الأمر ليس بيدي ولست سوى عبد مأمور

سيدتي فاعذريني "

أغلقت الخط ونظرت حولها بشرود وكأنها انفصلت عن العالم

تماماً تبحث عن طريقها في مكان مظلم لا ترى معه شيئاً !

وتعالت ضربات قلبها بشكل موجع فما معنى أن يغادر البلاد لمكان

ما وفي سرية تامة وعن الجميع غير أن يكون سافر للبلاد التي

كان يعيش فيها سابقاً ! لكن ماذا بشأن حديثه البارحة وانتظاره

لها هنا الليلة ؟ انهارت جالسة على طرف السرير خلفها ومررت

يدها ببطء على صدرها الذي اضطربت أنفاسه بانفعال قوي

وهمست بكلمات متأنية من بينها

" مطر لا تفعلها بي مجدداً أرجوك "

وقفت ومسحت عينيها وأنفها بظهر كفها ونظرت جهة درج

طاولة السرير وفتحته بسرعة وأخرجت الهاتف الذي لازال في

مكانه فيه وبيدين مرتجفة فتحته وفتشت فيه .. لم يكن ثمة اتصال

من تلك المرأة وذاك ما أنقذها قليلاً من الوصول لحالة الإنهيار ..

لكن المفاجأة كانت في انتظارها حين فتحت أيقونة الرسائل

ووجدت رسالة وصلته قبل ساعات من رقم مدون فيها تحت

رموز أيضاً ففتحتها بأصابع مرتجفة وعينان غاصت سريعاً في

بحر من الدموع حتى أنها بالكاد استطاعت قراءة أحرفها

( مطر غيسانة حاولت الانتحار وهي في حالة سيئة الآن ..

تعال فوراً وخلصني من نسائك ومشاكلهن )

فرمته بطول يدها صارخة ببكاء

" لا ليس مجدداً ... ليس هي "

وانهارت جالسة حيث كانت تنظر من بين دموعها لحطام الهاتف

الذي ازلق تحت طاولة التزيين وبالكاد يُرى من تحتها وأمسكت

فمها وعبرتها قبل أن تضرب بيدها على فخذيها صارخة ببكاء

" حمقاء ... صدقته مجدداً ووثقت به يا حمقاء "

كانت تضرب فخذيها بقوة وتبكي وتصرخ بهستريا
" لا ليس هي ... ليس مجدداً ... لا تقتلني بها يا مطر "

وأمسكت فمها وبكائها الموجع تفكر في الموجودان في الأسفل

ووقفت بعدها وغادرت الغرفة تسحب خطواتها سحباً مستندة

بيدها على الجدار بينما تمسح يدها الأخرى دموعها التي ترفض

التوقف قبل أن تنزل بها لجسدها بل لرحمها حيث كانت تكاد تفقد

قدرتها على الاتزان بسبب التقلصات القوية فيه ونزلت بجسدها

على الجدار ببطء حتى جلست على عتبات السلم وانكمشت على

نفسها تمسك خصرها بقوة هامسة ببكاء

" لا تتخلى عني بني أرجوك ... لا تفعلها أنت أيضاً "

ورفعت نظراتها المشوشة سريعاً بالتي ظهرت منتصف السلالم

تمسك ظرفاً ورقيا في يدها والتي نظرت لها بصدمة قبل أن

تركض نحوها وجلست أمامها قائلة

" سيدتي هل أنت بخير ؟ "

أخرجت إحدى يديها ومسحت بها عينيها وحاولت الوقوف هامسة

" بخير "

" لكن سيد.... "

قاطعتها تحاول الوقوف على طولها هامسة بصعوبة

" ساعديني لأصل لغرفتي في الأسفل ولا تخبري أحداً عن

وجودي هنا "

ساعدتها لتنزل عتبات السلم حتى أصبحت في الأسفل ثم سارت

وحدها مبتعدة عنها فنظرت للمغلف بين يديها ثم لها وهي تختفي

عنها خلف الممر وتحركت من مكانها بعد لحظات تفكير ولحقت

بها ودخلت الغرفة التي تركتها خلفها مفتوحة واقتربت منها حيث

تجلس على السرير رافعة رأسها للأعلى وعيناها مغمضتان

وقالت

" سيدتي هل أحضر لك شيئاً ؟ هل نطلب الطبيب ؟ "

فهمست بصعوبة وهمس بالكاد سمعته

" لا .. سأكون بخير فعليا المغادرة من هنا "

نظرت لها باستغراب ثم للمغلف في يدها قبل أن تنظر لها وحزمت

أمرها قائلة

" سيدتي أنت طلبت سابقاً أن نعطيك أي طرد يصل من لندن وهذا

وصل من فترة قريبة ولا عنوان عليه ولم نعطه لأحد

وأنت كنتـ .... "

فتحت عينيها ومدت يدها لها هامسة ببحة

" أعطني إياه "

مدته لها وقالت بتوجس وتوتر

" سيدتي لا تخبري السيد مطر بأني من أعطاك إياه فأنا طلبت من

الحرس أن لا يخبروه عنه لنعطيه لك "

حركت لها رأسها دون أن تتحدث وأخذته منها بينما غادرت تلك

من فورها مغلقة الباب خلفها .. نظرت له بين يديها قبل أن ترفع

أصابعها المرتجفة لطرفه تمزفه ببطء دموعها عادت تسقي

رموشها بنهم وقلبها يخبرها بأن المزيد ها هنا .

*
*
*

دفع الباب الذي كانت تحاول إغلاقه حتى عبر نصف جسده منه

وقال يدفعه أكثر

" توقفي عن الجنون يا حفيدة الخماصية واتركيني أدخل "

لكن محاولاتها المستميتة لإغلاقه لم تتوقف وإن كان نصف جسده

أصبح يمنع ذلك وقالت من بين أسنانها تدفعه على جسده متعمدة

" قلت بأني لا أريد رؤية أحد ولا التحدث معك .. غادر الآن "

لكنه كان أكثر عناداً وإصراراً منها وبدفعة قوية جعلها تتراجع

للخلف وقال يضرب الباب على اتساعه

" جبانة ... لما تغضبك بدينة تافهة مثلها ؟ "

أشارت بإصبعها صارخة

" لا علاقة لك واخرج من غرفتي فوراً "

فابتسم بسخرية وقال

" جميل ... ما هذا الذي قالته لك أغضبك هكذا ؟ بل وجعلك

سجيبة غرفتك منذ الأمس؟! "

" لا علاقة لك "

قالتها بحدة تنظر له بقوة فرفع يده ولوح بالأوراق فيها أمام

وجهها مما جعل خصلات شعرها القصيرة تتطاير حوله وقال

وذات الابتسامة الساخرة تزين شفتيه

" إذاً ثمة علاقة لك بهذه "

نظرت لها في يده بتفكير قليلاً قبل أن تمد يدها لتأخذها فأبعدها

عنها بسرعة خاطفة وقال

" لا ليس هكذا بسهولة "

فشدت قبضتها بقوة وقالت بحنق

" ظننت بأنني قدمت المقابل سلفاً "

نظر لها في يده بتفكير وقال

" معك حق في هذا "
وتابع ناظراّ لعينيها وعلى شفتيه ذات الابتسامة التي تجعلك

ترغب في تمزيقه بأسنانك

" لكن ثمة أمر آخر مهم "

وقلبها لينزلق منها في يده الأخرى قرص صغير ورفعه بأصابعه

أمام وجهها وقال بابتسامة ماكرة

" ألا يعنيك هذا ؟ "

فنظرت له ببرود تخفي انفعالها الحقيقي بسبب ذلك وقالت

" إن كان المقابل أن تعلم سر اختفاء خالي فلا أعلم أكثر مما

أخبرتك .. وإن كان ما قالته زوجة شقيقك ذاك فلا شيء مهم

أتحفك به "

ضحك كثيراً رافعاً رأسه للأعلى حتى تحولت نظرتها له

للاستغراب فما الذي قالته يدعي كل هذا الضحك ! نظر لها ما

انتهت نوبة ضحكه تلك وقال بابتسامة جانبية يحرك القرص

بجانب وجهه

" بل ما أريد معرفته هو ما علمه وقاص "

نظرت له باستغراب هو أقرب للاستهجان فقال بتفكير

" أفهم من نظرتك هذه بأنك لا تعلمين ؟ "

فرمقته ببرود متمتمة

" وأفهم من سؤالك هذا بأنك أنت تعلم ؟ "

تنفس بعمق وقال ببرود مماثل

" لو كنت أعلم ما سألتك "

فتأففت وقالت بسخط

" وما يدريني أنا وأنا لا أراه ولا أتحدث معه "

فانفتح فمه رافعاً رأسه قليلاً وقال

" آه تشاجرتما إذاً ؟ فهمت الآن "

نظرت له بضيق وقالت تشد قبضتيها بجانب جسدها بقوة

" ماذا فهمت ؟ "

مد لها الأوراق والقرص معها وقال

" لا تهتمي كثيراً ... والآن خذيها لأنك تستحقينها بالفعل

يا حليفتي "

وأطلق ضحكة عالية وهو يغادر الغرفة وتركها تحدق في مكانه

باستغراب فما هذا الذي فعلته يستحق وماذا كان يقصد بما علمه

شقيقه وهي تعلمه !!

تأففت وضربت باب الغرفة بقوة فما الذي يعنيها من كل ذلك ؟

نظرت للأوراق في يدها والتي سلمها إياها حسب اتفاقهما

المتبادل كما يسميه وبطلب منها فيما يخص أسهمها في شركتهم

والتي كان هو من أخبرها عنها سابقاً ... وابتسمت ابتسامة لا

تعبر سوى عن الحقد والتعطش للانتقام .. أخرجت من بينها

القرص الذي لا تفهم ما غرضه منه ولا تهتم فكل ما تعلمه

ويعنيها بأنه أصبح بإمكانها فتح حاسوب ذاك العجوز والذي

يطمئن لتركه في مكتبه بعض الأحيان وستبدأ لعبتها الحقيقية التي

ماطلت فيها كثيراً ولم تكن تتخيل بأن شبيه الرجال ذاك هو من

سيساعدها فيها ! .

توجهت جهة الخزانة وفتحت بابها بقوة ووضعتها فيها وأخرجت

الورقة الملفوفة الناعمة وفتحتها والتي تكاد تكون كقطعة قماش

بيضاء كبيرة تزينها خطوط سوداء في تقاسيم وأشكال غير

مفهومة سوى لمن رسمتها تحديداً ، رفعتها بكلتا يديها لمستوى

وجهها ومزقتها بقوة مصدرة صوتاً واضحاً يدمج تمزق القماش

والورق ... ولم تكتفي بذلك فقط بل مزقت كل شق فيها أيضاً

وكل قطعة تمزقها ترفعها وتعاود تمزيقها متمتمة بغضب

" أليست هذه هي مهمتي الأساسية هنا ؟ للجحيم إذاً ولن

أنفذ سوى مهامي التي دخلت أنا من أجلها "

رمت آخر قصاصات من يديها على الأرض حيث امتلأت بأشلاء

تلك الورقة الممزقة ونظرت لخزانتها مجدداً وأخرجت الأوراق

تنظر لها بين يديها وابتسمت بانتصار .. وما أن خطت خطوتين

بعيداً عن تلك الخزانة وقفت متسمرة مكانها بسبب باب الغرفة

الذي فتح فجأة وبسرعة جعلتها تجفل بصدمة تنظر للذي لم يفعلها

سابقاً هكذا ودون أن يطرقه ! ولم يكن سوى وقاص .... والذي

زاد على ذلك أن أغلقه ضارباً إياه بقوة وهو من لم يفعلها من

قبل أيضاً ..! بل وما جعل عيناها تتسعان بصدمة هو إغلاقه للباب

بالمفتاح الذي نزعه من مكانه ورماه بطول يده جانباً لينزلق تحت

باب الحمام المغلق ونظر لها ويده لازالت ممدودة جانباً بعدما

طارت تلك القطعة المعدنية الرنانة منها .

*
*
*

دس يديه في جيبي بنطلون بذلته السوداء وتأفف نفساً طويلاً

ينظر للفراغ فقال الواقف أمامه

" علينا أن نجد حلاً سريعاً لهذا سيد قاسم وقبل المؤتمر الجامع

والمقرر ودون الاستعانة بالزعيم مطر هذه المرة فلا وقت أمامنا

ولا يمكننا الاتصال به "

نظر حوله مفكراً قبل أن ينظر للواقف أمامه وأمسك كتفه بيده

قائلا "

لنتحرك إذاً فلا وقت أمامنا والتأخير ليس في صالحنا ولا في

صالح الجميع "

أشار له ذاك برأسه مشجعاً بابتسامة رجولية واثقة فرد له

الاشارة بمثيلتها وإن لم تحمل كل تلك الثقة التي طمأن بها ذاك

نفسه ، وما أن استدار جهة الباب وقف مكانه لأنه انفتح فجأة بل

وبقوة بينما قال الذي لا زال يمسك مقبضه بيده

" كارثة يا قاسم "

فشحبت ملامحه ينظر للذي يعلم جيداً بأنه لن يقول تلك العبارة

عبثاً أو لأمر لا أهمية له وهمس ونظراته الوجلة تلتهم تلك

الملامح المتصلبة

" ماذا حدث يا عمير ؟ "
لكن ذاك ترك مقبض الباب بحركة عنيفة وغادر فلحق به مسرعاً

وخرج خلفه ينظر له وهو يعبر الرواق الطويل يناديه بينما تابع

ذاك طريقه قائلاً بصوت غاضب يُخرج من جيب سترته هاتفه

الذي علا رنينه

" مصيبة حدثت أمام أعيننا ولن يسامحنا مطر عليها أبدا ً "

فأسرع خلفه بنظرات وجلة ودس يده في جيبه يخرج هاتفه الذي

علا رنينه أيضاً ونظر لإسمها فيه فنقل نظره منه للذي لازال

يسير أمامه ويتحدث في هاتفه صارخاً بغضب لم يركز ولا فيما

كان يقول ولم يستطع تجاهل اتصالها ذاك فالتجربة علمته .. فتح

الخط ونظره على الذي نزل السلالم مسرعاً دون حتى أن يستعين

بالمصعد ! بينما لم يترك له صوتها الباكي مجالاً لتقرير وجهته ما

أن وصله قائلة

" قاسم تعالى أرجوك بسرعة "

لتتجه خطواته الراكضة حيث غادر ذاك أمامه ونزل عتبات

السلالم بسرعة قائلاً

" ما بك تيما ماذا...."

لكنها لم تترك له مجالاً لينهي حديثه أيضاً متابعة ببكاء

" الشرطة هنا ولا أعلم ما أقول لهم ... تعالى قاسم أرجوك "

فصرخ يجتاز الموجودين في صالة الطابق الأرضي راكضاً

" أين أنت يا تيما ؟ "

واتسعت عيناه بصدمة أشد وهو يجتاز باب القصر الرئاسي حين
قالت ببكاء

" في المستشفى .... تعالى بسرعة قاسم أرجوك "

*
*
*

لامارا, الغزال الشارد, sweethoney and 58 others like this.
رد مع اقتباس

  #12147 
قديم 10-06-19, 10:05 PM
الصورة الرمزية فيتامين سي
فيتامين سي فيتامين سي غير متواجد حالياً
مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة




*
*
*


ضمت يديها قرب شفتيها تتمتم بكلمات باكية هي نفسها لم تعد

تفهمها تصل للباب وترجع نحو الداخل كالضائعة لم تعد تعلم ما

يمكنها فعله فأن تتجاوز الساعة الحادية عشرة فالأمر لم يعد

مطمئناً مطلقاً فهو لم يسبق له أن تأخر حتى هذا الوقت فما أن

تغيب الشمس حتى يصبح هنا ولم يكن يتركها ليلاً لوحدها ! بل

وأعماله في المزرعة تنتهي ذاك الوقت أيضاً وكم تخشى من

مغبة اقتنائه لتلك السيارة الجديدة التي لا يمتلكها هنا سوى كبار

عائلة غيلوان وأمثالهم فقد يحاول أحدهم حتى قتله ليسرقها.

وعند تلك الفكرة جن جنونها فأن تفقده معناه أن تفقد كل شيء

بالنسبة لها وليس الأمان والمعيل فقط تعني بل والرجل الوحيد

الذي اضطربت له ضربات قلبها وتعلقت به لأسباب لم تعد للأمور

المادية ولا المعنوية علاقة بها فكل ما تريده أن يكون قربها وإن

لم يوفر لها من كل هذا شيئاً .. فكانت من الجنون لحظتها أن

وضعت حجابها على رأسها وفتحت باب المنزل وخرجت منه

فغيابه لن يكون بدون سبب .. تعرفه جيداً لا يفعلها ولن تجد

جواباً عن كل هذا سوى لدى شخص واحد وإن طردها أو صرخ

في وجهها بل وإن ضربها فلن تتراجع ولن تتركه حتى يعلم لها

أين يكون فهو يملك هاتفاً على الأقل ... منذ المغيب وهي تُصبر

نفسها وتقنعها بالتريث لكن تعاقب الساعات الواحدة تلو الأخرى

جعلها تستمع لشيء ما ليس عقلها ولا حتى قلبها بل ما فاقهما

جنوناً يحثها على الركض وسط المزارع أيضاً للبحث عنه .. لكن

وجهتها كانت أقرب من ذلك وهي تدور حول المنزل الواسع لتصل

لجانبه الآخر وللباب الحديدي الأفضل حالاً من ذاك الذي تركته

خلفها وأوله طلاءه الأسود الجديد وبدأت بالطرق عليه بكف يدها

في ضربات تزداد قوة وارتفاعاً بالتدريج كلما شعرت باليأس من

أن يجيب عليها أحد أو يخرج لها ولم تتمنى حياتها أن ترى وجه

أويس غيلوان أمامها كما اليوم والآن فهو خيارها الوحيد

وستفعلها وتترجاه هذه المرة ليبحث عنه ويطمئنها عليه قبل أن

تفقد عقلها وقلبها معه .

أبعدت يدها وتعلقت نظراتها الباكية بالباب ما أن سمعت قفله يفتح

من الداخل .. نظرات تغلب عليها الأمل الكسير أكثر من التردد

والرهبة وهي تنتظر أن ترى عيني ذاك الرجل الغاضبة أمامها

الآن وتلك النظرة التي لا يخص غيرها بها .. لكن أيا من ذلك لم

يحدث والباب يفتح ببطء لكنه توقف فجأة أيضاً ولم يفتح على

اتساعه ! وحدقت باستغراب بل بصدمة في شقه المفتوح ما أن

خرج من خلفه صوت امرأة منخفضاً هادئاً بلمحة حزن واضحة

" من هنا ؟ "

فملأت الدموع عينيها وأمسكت فمها بيدها ما أن اكتشفت من

تكون تلك .. ومن ستكون غيرها ؟ هذه آخر امرأة في الوجود

تتمنى رؤيتها فإن كانت تتألم حد الموت ما أن ترى عينا إبنها

المتألم والذي يعبر عن كل ذاك الألم بالغضب والحقد ما أن يراها

فكيف بهذه المرأة ...؟

" من هنا ...!! "

خرج لها صوتها مجدداً فمسحت عينيها بقوة وما أن كانت

ستتحدث قالت الواقفة خلف الباب

" إن كنت قادم من أجل أويس فهو ليس هنا "

فاتسعت عيناها بذعر فها قد فقدت أملها الوحيد والشخص الذي

قد تلجأ له لمساعدتها في معرفة مكانه أو على الأقل إن كان

بخير ... خرج صوتها المبحوح حينها

" وأين أجده يا خالة ؟ "

كانت تريد معرفة إن حدث شيء ما على الأقل لتعلم أين سيكون

يمان خاصة إن كان ابنها هنا في أباجير لكن صمت الواقفة خلف

الباب طال كثيراً ولن تلومها في هذا فهي ما كانت لتتوقع قطعاً أن

تأتي امرأة للسؤال عنه خاصة في مثل هذه القرى الريفية ... فأن

تسأل امرأة عن رجل في منزله يعد أمراً غريباً وإن رآها أحد فلن

ترحمها الألسن فماذا إن كان في وضع مثل وضعها ؟ .

" من أنت ؟! "

كان ذاك السؤال ما توقعت أن يخرج لها من خلف الباب

الحديدي .. وإن كانت صاحبته تبصر لكانت أخرجت رأسها

لتراها بالتأكيد ، وكم كانت الإجابة شديدة على نفسها فماذا ستقول

وبماذا تجيب ؟ فركت قبضتيها ببعض وتوترت شفتيها قبل أن

تقول

" أريده في أمر مهم يا خالة .. هل هو هنا في أباجير ؟ "

وشعرت بضربات قلبها تضطرب وهي تنتظر جوابها رغم تجاهلها

المتعمد لسؤالها ذاك فجل ما كانت تخشاه أن لا يكون هنا فمن

ستلجأ له حينها ؟ انتظرت بتوتر لكن الجواب كان مخالفاً لجميع

ظنونها حين قالت التي لازالت تتوارى عنها خلف الباب

الشبه مغلق

" من أنت ؟ "

فتنفست بعمق ونظرت للظلام حولها وحضنت نفسها لا شعورياً

وشعرت بالخوف يتسلل لقلبها وهذه المرأة تبدو مصممة على

معرفة من تكون هذه التي تسأل عن ابنها في هذا الوقت من الليل

.. لكنه محامٍ أيضاً ويفترض أن لا تستغرب هذا أم التوقيت

السبب !! نظرت للباب مجدداً ورطبت شفتيها بطرف لسانها

وتنفست بعمق قبل أن تقول بصوت منخفض حزين

" أنا مايرين "

وأمسكت يدها بقلبها لا شعورياً ما أن كان الصمت المميت ردة

الفعل الأولى للواقفة خلف الباب وملأت الدموع عينيها فهي تتفهم

وضعها ذاك وما شعرت وتشعر به وموقنة تماماً بل ومؤمنة بأنها

أكثر ما يجعلها وابنها يشعران بالألم وبجرح الماضي الأليم

وبمأساتهما التي كانت هي إحدى نتائجها التي لم تختفي كما حدث

مع والدتها والرجل الذي اتهم بهما ... لكن ما ذنبها هي ؟ فيما

أجرمت وهي التي لم تختر مصيرها حتى إن كانت ابنته فعلاً فكيف

وهما يصران على براءته ؟ أول ما توقعته حينها بل وأهونه أن

يُغلق ذاك الباب الحديدي في وجهها بقوة لكن أيا من ذلك لم

يحدث وهي تحدق بصدمة في شق الباب الذي اتسع قليلاً وخرج

منه ذاك الصوت الحنون المفعم بالحزن والعاطفة

" تفضلي ادخلي يا مايرين "

وامتلأت عيناها بالدموع سريعاً بل وانسابت تسقي وجنتيها فهي

لم تكن تخشى من رؤية ما تراه في عيني ابنها فيها بل كانت

تخشى العكس وأن تقتلها بمعاملتها بالطيب وها هو ما كانت

تخشاه وتستبعده ذات الوقت حدث ! وكم تمنت لحظتها أنّ قدماها

لم تقتربا من هذا الباب فأن تعيش حياتها تظنها تكرهها كإبنها

كان أرحم مئة مرة على قلبها من هذا بالرغم من تمنيها ودائماً

أن راعى الجميع وأولهم هذه العائلة وضعها وبأنه لا ذنب لها

فيما حدث .. وإن كانت تمنت الموت سابقاً وعلى مرور كل تلك

الأعوام فهي تمنته مضاعفاً لحظتها وهي تسمع تلك النبرة

الحنونة المتفهمة من شخص آخر غير فجر من أهل بلدتها تلك

فكيف أن تكون من هذه المرأة تحديداً ؟

حضنت نفسها وقالت بحزن

" لا يمكنني الدخول يا خالة ولا البقاء هنا .. زوجي غادر منذ

الصباح الباكر ويفترض أن يرجع للمنزل وقت مغيب الشمس

لكنه لم يأتي حتى الآن ولا أحد لي غير ابنك هنا يبحث لي عنه

أو يخبرني خبراً يخصه "

قالت تلك من فورها وإن لم تخرج لها بل وبنبرة قلق

" وأويس غادر بعد أن طرق أحدهم باب المنزل وخرج له

وقت المغرب ولم يرجع حتى الآن "

فازداد بذلك خوفها بل وظنونها ومخاوفها بأن ما تخشاه سيكون

وقع ورفعت أناملها لشفتيها هامسة ببكاء

" يا إلهي أين سأجده الآن "

قالت الواقفة خلف الباب تطمئنها

" قد يكون في مكان ما قريب من هنا يا مايرين وسيرجع في

أي وقت "

لكن ذلك لم يخفف من خوفها وقلقها عليه شيئاً وقالت ببكاء تغلب

على صوتها أيضاً

" هو لم يفعلها سابقاً ولا يتركني وحيدة ليلاً هكذا ودون أن

يخبرني ! أنا قلقة عليه يا خالة ولا أحد لي "

خرج لها صوتها مجدداً

" ثمة عجوز يعيش هنا في مزارعنا ويمكنك الإستعانة
به وسيساعدك "

اتسعت عيناها الدامعة وقالت بوجل

" عجوز ؟! لا يا خالة لا أستطيع سيغضب يمان و... "

فقاطعتها تلك سريعاً

" هو من الجنوب هنا وأويس يوصيه عليا حين يبات في حوران

ويثق فيه كثيراً وسيبحث لك عنه أو يعلم خبره "

مسحت عيناها ودموعها بقوة وقالت

" وكيف سأجده وسط المزارع المظلمة ؟

لا يمكنني الابتعاد عن هنا "

قالت من فورها

" ثمة طريقة علمني أويس إياها لأصل له إن لزم الأمر فاتبعيها

وستجدي نفسك أمام غرفته بما أنك ترفضين الدخول وانتظار

أويس حتى يأتي "

حركت رأسها بالنفي وكأن عقلها الباطن يرفض الفكرة فلن تتوقع

سوى أن يقتلها إن وجدها في منزله وإن كانت والدته من

أدخلها ... نظرت للظلام الواسع خلفها قبل أن تنظر للباب

مجدداً وقالت بصوت متردد ضعيف

" و.... وكيف أصل له "

خرج لها صوتها سريعاً

" من أمام الباب هنا تسيرين في اتجاه مستقيم مئة خطوة ولن

تجدي أي شجرة في طريقك وعند المئة ستكون على يمينك تماماً

شجرة فستق كبيرة تسيرين يساراً خمس وعشرون خطوة ستكون

أمامك حينها شجرة فستق أخرى تتركينها على يمينك وتسيرين

خمسون خطوة أخرى تجدي نفسك أمام سور صغير يمينه باب

حديدي هو باب غرفته سيساعدك ويبحث لك عنه وأنت ارجعي

هنا بذات الطريقة واذهبي لمنزلك لا تبقي وحيدة في

المزارع ليلاً "

حركت رأسها بحسناً وكأنها تراها وتحركت من فورها حيث قالت

تسير وتحسب خطواتها وتمسح دموعها ذات الوقت بينما نظراتها

تجول حولها كل حين تراقب أشباح الأشجار في ليلة هجرها حتى

ضوء القمر تشعر بأنها والمرأة التي تركتها خلفها سواء لا شيء

تسير فيه سوى السواد الشبه تام شفتاها المرتجفة تحسب الرقم

تلو الآخر قبل أن تقف متسمرة عند العدد لا تعلم كم يكون تنظر

يساراً حيث الضوء الباهت البعيد وسط ذاك الظلام الموحش

وغضنت جبينها باستغراب فهذا ليس ضوء سيارة فما سيكون !!

تحركت خطواتها ببطء في ذاك الاتجاه تسير بخطوات حذرة خافتة

تراقب خيال الرجل الذي بدأ يتضح لها شيئاً فشيئاً وبقعة الضوء

الصغيرة المنبعثة منه وما يبدو أنه ضوء هاتف محمول !

اختبأت خلف أبعد شجرة عنه وحيث كان ذاك الخيال البعيد مولياً

ظهره لها ... يمان لا يملك هاتفاً فهل سيكون هذا أحد العمال ؟

لكن ما الذي يفعله في الليل هنا ومنازلهم بعيدة ؟! كانت تراقبه

بعينين وجلة فضولية ذات الوقت قبل أن تقفز في مكانها تكتم

صرختها بيدها ما أن شعرت بشيء ما قفز على وجهها رمته

بيدها الأخرى ويبدو لم يكن سوى جرد ليل لكن مع خوفها فقدت

السيطرة على نفسها .

اتسعت عيناها بذهول ما أن استدار ذاك الخيال ناحيتها ومؤكد

حركتها القوية تلك السبب وها قد شعر بوجودها وانقلبت الأدوار

وباتت هي المراقبة منه .. بل والأسوأ من ذلك أن ذاك الخيال

والضوء الصغير معه سارا باتجاهها مما جعلها تجفل راكضة في

الاتجاه الآخر بل وخطواتها تلك ازدادت سرعة واتساعاً ما أن

سمعت صوت ركض تلك الخطوات خلفها تشعر بذعر لم تعرفه

حياتها وتمنت أن لم تعتب قدمها خارج باب المنزل .. لكن الندم

فات أوانه الآن وهي لا تعرف ولا هوية مطاردها ذاك .. بل وبأن

خطواتها الراكضة تلك توجهت بها نحو أراضي شعيب غيلوان

وأشقائه .

*
*
*

فتحت باب الغرفة بهدوء ودخلت ليقع نظرها على الجالسة

منكمشة فوق الأريكة بينما نظرها يهيم بحزن في الخارج تتكئ

بطرف جبينها على زجاج النافذة فتنهدت بيأس تحرك رأسها
واقتربت منها قائلة

" زهور حتى متى ستستمر هذه الحالة معك ! "

رفعت حينها يدها ومسحت عينيها تعدل من جلوسها ولم تعلق كما

لم ترفع نظرها بها فتنهدت مجدداً وقالت

" زهور لو كنتِ رفضته لكان أفضل لك من إجبار نفسك عليه

وأنت لا تريدينه "

فحركت رأسها برفض دون أن تتحدث فتنهدت الواقفة فوقها

بضيق قائلة

" لم أفهم معنى جوابك هذا فكلمة لا تحمل أحياناً المعنيان معاً

يا زهور ! "

همست حينها ببحة ترفع خصلات شعرها القصير خلف أذنيها

" أعني لم اجبر نفسي أمي "

فحدقت فيها باستغراب وقالت تنظر لرأسها المنكس للأسفل

" ماذا بك إذاً هذا حالك ووضعك منذ يوم عقد قرانكما ؟

! هل تشاجرتما ؟ "

حركت رأسها مجدداً هامسة

" لا أمي "

وما أن كانت ستتحدث سبقتها قائلة بعبرة مخنوقة وقد رفعت

رأسها ونظرها بها

" كم هو مؤسف وضع والدته أمي "

تنهدت بحزن وقالت
" والأكثر أسفاً وحزناً هو حكايتها التي تسببت بما هي فيه الآن "

نظرت لها باستغراب وقالت

" حكايتها السبب !! "

قالت التي حركت رأسها بتنهيدة عميقة حزينة

" أجل فهي فقدت بصرها حزناٌ وبكاءً على فراق زوجها رحمه الله

.. بل وحياتها وابنها تبدلت للسواد والحزن منذ ذاك الحين "

نزلت دموعها وأخفضت رأسها تمسك عبرتها بيدها فجلست

والدتها بجوارها وأمسكت بكتفها قائلة

" ما عليك فعله الآن ليس البكاء ولا الشفقة على وضعها بل أن

تكوني الزوجة الصالحة له وأن تقومي بمهامه ناحية والدته فهو

كان يغسل حتى ثيابها بنفسه وقبِل بالحياة في الجنوب من أجلها

وأنت من سيشاركه كل ذلك يا زهور "

لم تستطع قول شيء سوى أن حركت رأسها إيجاباً تمسح

دموعها ولم ترفع رأسها فمسحت يد والدتها على ظهرها قبل أن

تتنهد قائلة

"كم عانى ذاك الشاب حتى أنه سيخسر وظيفته كأستاذ بجامعته "

رفعت رأسها ونظرت لها بعينين مجهدة من كثرة البكاء

وهمست باستغراب

" يخسر عمله !! "

أومأت برأسها إيجاباً وقالت بحزن

" أجل هذا ما فهمته من والدك عبدالرحمن فثمة من قام بنشر

قصة والده في الجامعة وسرعان ما أصبح الخبر على

جميع الألسن "

حدقت فيها بعينين متسعة قد ملأتها الدموع مجدداً بينما

تابعت هي باستياء

" وأولئك المتحجرين قالو بأنه لا يليق بهم أن يكون أستاذاً ويقوم

بتدريس طلبة لديهم بسبب ماضي والده وما بات يقال عنه ...

يتشدقون بعبارة سمعة الجامعة وينسون أنفسهم ! "

وضربت كفيها ببعضهما تجمعهما أمام شفتيها وقالت بحسرة

وحزن تنظر للفراغ

" سيخسر ذاك الشاب أي وظيفة مماثلة بسبب هذا .. بل وحتى

القضايا التي توكل له كمحامٍ ... لو أعلم فقط من هذا الذي فعل

تلك الجريمة الشنعاء وأخرج القصة من مقابر الجنوب وأوصلها

هنا ! فلم يكن يعلم عنها أحد والناس هناك بدأت تنساها مع مرور

الأعوام ... لقد دمروا مستقبله كمحامٍ وأضاعوا سنوات دراسته

وعمله "

فلم تستطع منع دموعها من التسابق على وجنتيها وقالت

بصعوبة

" فقد كل شيء أمي ؟! "

نظرت لها وقالت بحزن

" هذا ما نراه نحن ..هو لا يرى سوى بأنه ثمة من أجرم في حق

والده ووالدته وهو ينشر قصتهما لتكون في أفواه الجميع

ويكسره ذلك أكثر من كل ما فقده "

ووقفت وقالت تمسح على خصلات شعرها القصير الناعم

" وعليك يقع حمل تخفيف ذلك عنه فوالدته قالت بأنه كان يرفض

الزواج نهائياً ومنذ أعوام حتى التقاك وأحبك ... عوضيه بنيتي

عن كل ما قاساه ويعانيه وكوني بجانبه في محنته فهو قوي

وسيجتازها إن كنت معه وهو يحتاجك الآن أكثر من أي وقت "

وغادرت الغرفة مغلقة الباب خلفها وتركتها في ألم أقسى مما

كانت فيه وهي تحضن رأسها بيديها تنكسه للأسفل وفي ببكاء

مستمر قطعه صوت رنين هاتفها الملح فرفعت رأسها ونظرت

لاسمه على شاشته من بين دموعها فارتسمت ابتسامة حزينة

على شفتيها المشبعة بالدموع فهذه المرة الأولى التي يفعلها بعد
زواجهما بينما ترددت هي كثيراً في فعلها .. مدت يدها له ورفعته

بينما تمسح يدها الأخرى عيناها بقوة .

*
*
*

وقفت وتحركت في الغرفة بتوتر فغدير غادرت مع شقيقها منذ

وقت وها هي الساعة أصبحت الحادية عشرة ونصف ولم يأتي

وهو من قال بأنه سيكون هنا خلال ساعتين أو ثلاثة من وقت

مغيب الشمس ! حتى أنه لا يجيب على اتصالاتها التي لم تتوقف

!! تنهدت بقوة تفرك جبينها بأصابعها ولا تعلم ماذا تفعل وكيف

لها أن تجده هنا وبمن تستعين ؟ فحتى غسق لم تجب عليها

لتطلب منها الاتصال بزوجها فوحده من قد يخرج بخبر عنه من

تحت الأرض وإن كان خياراً سيئاً وفاشلاً خصوصاً إن كان ذاك

الرجل يعلم عن مشاعر شقيقها نحو زوجته وخطبته لها سابقاً بعد

طلاقها منه .. لكن لا حل أمامها ولا تريد الاتصال بوسام فهو

يسكن في مدينة بعيدة وسيركب سيارته ويأتي تعرفه جيداً .

تنهدت مستغفرة الله ووقفت مقابلة للمرآة وابتسمت بسخرية ما

أن نظرت لنفسها فيها ... عروس يا جليلة ! يا للسخرية ... !!

أنت التي سبق وأقسمتِ أن لا يدخل حياتك رجل آخر ها أنت

تلبسين وتتزينين لأحدهم كفتاة في العشرين من عمرها !

أشاحت بوجهها جانباً وزمت شفتيها متنهدة بضيق تطرد تلك

الأفكار من رأسها فهي استطاعت وبصعوبة أن تقنع غدير أن لا

تلبس فستان الزفاف ذاك مجدداً بينما أصرت عليه تلك وكأنه

حفل زفافها هي ! فاستسلمت لها نهاية الأمر ولبست فستان

سهرة أقل فخامة من تلك الخيمة المتنقلة التي كانت مجبرة على

الخروج بها من منزل والدها ، وإن كان الأمر بيدها لذهبت

له ببيجامتها تلك ذاتها التي كانت تلبسها ومنذ البارحة .

تأففت نفساً طويلاً واستغفرت الله تحضن نفسها وأصابعها تشتد

بقوة على لحم ذراعيها العاريان فما عليها التفكير فيه الآن هو

شقيقها قائد أين ذهب ولما لا يجيب على هاتفه ! كان من عادته

أن لا يجيب على هاتفه سريعاً وقد يترك الرد عليه لوقت لاحق

لانشغاله لكن اليوم والآن تحديداً فتأخره في الرد أمر غير مطمئن

لها بل وتأخره في القدوم أيضاً ! وآخر ما قد تفكر في فعله هو

الاتصال بذاك الرجل الذي لم يأتي على الموعد أيضا ً ! .

تحركت جهة النافذة المطلة على معالم العاصمة التي بدت من ذاك

الارتفاع مشهداً مميزاً وأضواء مبانيها وسياراتها تلمع في الظلام

ترسم صوراً واضحة لكل مبنى فيها وكأنها تسبح في ضوء

النجوم ... !!

وقفت تنظر لذاك الجمال الاصطناعي بشرود واجم مكتفة ذراعيها

لصدرها قبل أن يتحول شرودها ذاك لابتسامة ساخرة ما أن

تذكرت حديث غدير الأخير معها قبل أن تغادر حين أمسكت

بذراعيها وقالت ناظرة لعينيها بتركيز

" لما أشعر بأنك لست سعيدة بهذا الزواج يا جليلة ؟ "

فلم تستطع أن تنكر ذلك .. أن تنفيه ولا أن تتهرب منه كما عجزت

عن الهرب من عينيها فما كان منها إلا أن ابتسمت بمرارة هامسة

" لن يستغرب هذا من يعلم كل ما قيل ويقال عن جليلة يونس "

فتنقلت نظراتها بين عينيها بصمت قبل أن تقول باستغراب

" لكن زواجك بهذا الرجل سيخرس كل تلك الأفواه وسريعاً يا

جليلة وأنت تعلمين ذلك بالتأكيد ويفترض بأنه يسعدك !! "

فبلعت غصتها وهمست بمرارة أشد وأقسى من سابقتها

" يُخرس الأفواه أجل لكنه لا يداوي جراح القلب يا غدير "

فلم يزد ذلك الواقفة أمامها سوى استغراب بل وذهول وقالت

" أتقصدين بأنك لا ترغبين الزواج به ! لكن لما وهو... "

وبلعت كلماتها ولاذت بالصمت حين أشاحت الواقفة أمامها

بوجهها عنها تنظر للأرض وعلمت بأنها تتجاوز الحدود بهذا

وتتطفل على خصوصياتها وبوقاحة وكان من حقها أن تخرسها

ومنذ البداية ، قالت بابتسامة اعتذار

" أنا آسفة أتدخل فيما لا يعنيني فعلاً "

وراقبت بنظرات اعتذار واضحة التي رسمت ابتسامة جاهدت

وباستماتة لرسمها على شفتيها وهي تنظر لها قائلة

" أبداً يا غدير من قال هذا ؟ أنا ... "

وسكتت قليلاً قبل أن تتابع تحاول جاهدة توضيح موقفها ذاك لها

" أنا فقط أرفض التحدث في الأمر ومع الجميع ودون استثناء
صدقيني "

فأبعدت هي نظرها عنها حينها وقالت بنبرة حزينة تشرد بنظرها

للأرض

" معك حق ويفترض بأني أكثر من يعلم معنى ذلك ويفهمه "

فكانت نظرات الاستغراب من نصيبها هذه المرة وقالت

" ماذا تقصدين بهذا يا غدير ؟ "

فهربت بنظرها منها وقالت تنظر حولها

" لا شيء مهم واتركينا من الحزن والمآسي الآن ولنفكر في

طريقة لجلب حذاء آخر يناسب هذا الفستان "

نظرت لها باستغراب وقالت " ألم تتحدثي مع شقيقك كما

أخبرتني ؟ "

فتنهدت بابتسامة خافتة ونظرت لها قائلة

" آه أجل كيف نسيت هذا "

لكن الواقفة أمامها لم تستسلم ويبدو فهمت شيئاً ما من حديثها

ذاك ومقارنة نفسها بها فقالت بريبة

" أخبريني إذاً عنك أنت ... لا يبدو لي أنك مرتبطة بالرغم من

مزاياك التي يبحث عنها جميع الرجال ؟! "

وراقبت بفضول التي ترددت قليلاً في الإجابة قبل أن تقول

" لم أكن كذلك بالفعل لكن ثمة .... "

وتوقفت فجأة تنظر جهة هاتفها الذي ارتفع رنينه حينها وتوجهت

نحوه ليقطع اتصال شقيقها حديثهما ذاك نهائياً .

تنهدت بعمق وابتعدت عن النافذة متمتمة

" أتفكرين حقاً في فعلها ودفن قلبك مع رجل لا تحبينه

يا غدير ؟! "

وما أن وقع نظرها على هاتفها المرمي على السرير عادت

هواجسها ولعبت بها الظنون مجدداً فها هو لم يتصل حتى الآن !!

توجهت نحوه ورفعته وعاودت الاتصال به لتتسع عيناها بصدمة

ما أن خرج صوت المجيب الآلي يخبرها بأن الرقم الذي طلبته

مقفل فشعرت بخوفها يتعاظم حتى آلمها صدرها الذي وضعت

يدها عليه في حركة لا إرادية وهمست بخوف

" ماذا حدث معك يا شقيقي !! "

وملأت الدموع عينيها سريعاً وما أن فكرت في الاتصال بشقيقها

وسام توقفت أصابعها المرتجفة وابتسمت تنظر لباب غرفتها حين

سمعت قفل باب الشقة يدور ثم بابها يفتح ويغلق مباشرة لكن تلك

الابتسامة ماتت سريعاً وهي تستمع للخطوات التي كانت تقترب

منها فهذه ليست خطوات شقيقها وحذائه لا يصدر كهذا الصوت

الواضح !! .

*
*
*

نظرت للطريق المحفوف بالأشجار من نافذتها ولا تفهم حتى الآن

أين يأخذها لتخمن من هذا الذي في انتظارها ! لو كان شخصاً

آخر وليس والد زوجها ما كانت لتوافق على الذهاب معه وكائناً

من يكون لكن هذا الرجل وحده من عليها الوثوق به بعد ابنه ..

لكنها متخوفة أيضاً من هذه الرحلة الطويلة مجهولة الوجهة

والهدف ! وماذا أيضاً إن علم تيم وبأي طريقة كانت عن هذا ؟

بل وتغادر من دون اذنه وهو من نبهها مراراً على عدم الخروج

سوى لجامعتها .

نظرت ليديها تشدهما بقوة في حجرها وقالت بهدوء حذر

" إن علم تيم فسيغضب مني "

" لن يعلم ما لم تخبريه أنت "
تمتم بذلك ببرود فنظرت سريعاً لجانب وجهه المقابل لها

باستغراب فهو يبدو واثقاً من أنه لن يرجع الآن وفي أي لحظة

ويعلم بأنها ليست في جامعتها ولا منزل عمته ! أي أنه يعلم

الكثير عن رحلته تلك وأكثر مما تعلم هي وأخبرها ابنه ...!

وبما أخبرها أساساً سوى بأنه مسافر لأيام غير معلومة ؟

قالت بذات هدوئها

" أتعلم ما نوع مهمتهم في غواتيمالا ؟ "

قال مباشرة ودون أن يبعد نظره عن الطريق أمامه

" تحرير مختطفين أسرى لدى جماعة من المتطرفين دينياً هناك

يريدون الضغط على حكومتهم لتحقق مطالبهم "

فارتفعت يدها لصدرها لا شعورياً وهمست بخوف

" مهمتهم خطرة جداً ؟ "

حرك كتفيه قائلاً

" في العادة لا تهتم البلاد لمختطفيها هناك فكم من صحفيين

وسياح وحتى رجال أعمال تم اختطافهم من قبل جماعات مختلفة

ولأغراض مختلفة أيضاً ولم تصل قصصهم ولا للإعلام لكن

هؤلاء مجموعة من السفارة أي أشخاص أكثر أهمية من أن

يتجاهلوهم وتلك المهمة لا يوكل بها أي شخص "

نقلت نظراتها في ملامحه بشرود حزين ... لهذا إذاً لم يحدد

موعداً لرجوعه لأنه لا وقت محدد لانتهائها ؟ بل ولأجل هذا

قال بأنه عليه أن يكون بكامل تركيزه فيها ، قالت والدموع تملأ

حدقتيها الذهبيتان ببطء

" ولما يعرض نفسه للخطر من أجل أناس ليسوا حتى من بلاده !

ما نفع عمله في تلك المنظمة سوى تعريض نفسه للمخاطر ؟ "

قال بهدوء بل وبكل بساطة

" هذه ليست المرة الأولى التي يغادر فيها لمهمة مشابهة ماريه

بل وثمة ما هو أخطر منها بكثير وتيم يُعد أحد أهم قناصيهم

وأشجع رجالهم واسمه في رأس القائمة في جميع المهام

المشابهة "

زمت شفتيها بقوة تنظر لنصف وجهه وقد انزلقت أول دمعة من

عينيها تحرق وجنتها ببطء وقالت بضيق

" كيف يمكنك أن تكون بكل هذا البرود عمي ! وكأنه ليس ابنك

ذاك الذي يواجه خطر الموت في كل مرة !! "

نظر لها حينها ولأول مرة وكأنه كان يتهرب من مواجهة عينيها

وقال بجدية

" هو ابني ماريه كما تقولين تماماً ولن يشعر به أحد مثلي لكن

ذلك لا يعني أن لا يكون رجلاً لا يهاب شيئاً ولا الموت .. كل رجل

يريد لإبنه أن يكون هكذا ويفخر بإبن كهذا والبكاء والدلال تلك

مهمتكم أنتن النساء وما أراه يفسد نصف شباب العالم "

أبعدت نظرها عنه ليديها في حجرها تشد على شفتيها بقوة شدها

على أصابعها التي ابيضت مفاصلها فهي كانت وقحة معه بما

قالت لكنها لا تستطيع الاعتذار لأن جزء من الذنب يقع عليه ..

حتى أنه رد لها الدين مضاعفاً بما قال .. لكن ما عجزت عن

التحكم به أيضاً هو لسانها حين تمتمت ببرود لازالت تنظر ليديها

" وهو ربته امرأة عمي "

وسرعان ما عضت على باطن شفتها فما بها هكذا على غير

العادة ! أكل هذا بسبب توترها ورفضها الباطني للذهاب معه من

دون علم ابنه فباتت تهاجمه وبوقاحة ! لكنه أهانها أيضاً بل

وتعمد جرحها وسخر من دموعها وحكم من الآن على الطريقة

التي ستربي بها أبنائها ! توقعت منه تعليقاً قاسياً وأن يفهم بأنها

تُذكره بأنه ليس هو من رباه وذاك ما لم تقصده أيضاً بحديثها

لكنه قال وبهدوء لم تتوقعه

" تلك لا امرأة مثلها في الوجود أبدا ً "

فأدارت وجهها جهة النافذة وتنفست بعمق فما هذه الصفعة

المزدوجة التي وجهها لها ؟ وكما توقعت ما كان للحديث أن يقف

عند ذلك ولا لتلك المعركة أن تتحول لهدنة بسهولة فقد قال

وبلهجة قاسية هذه المرة

" ولن أستغرب موقفك العدائي مني ماريه ليس فقط لأنك من

عاش معاناة تيم معه كما تقولين دائماً بل ولأنك تقفين في صفه

وإن كان مخطئاً وإن لم تعرفيه قط في طفولته "

نظرت له بصدمة فكان ينظر لها ولم تقرأ في نظرته تلك لا

الغضب ولا الإصرار على ما يقول بل الاتهام وذاك أبشع من

سابقيه فأبعدت نظرها عن عينيه للطريق أمامهم وتنفس بعمق

نفساً طويلاً زفرته بقوة قبل أن تقول بجمود

" أعلم بأني كنت مخطئة في الكثير مما قلت وعليا الاعتذار لكن

أبداً لن يفهم أحد ولا أنت ولا جميع من عرفتهم ما يعنيه لي تيم

وما عناه منذ أعوام وما الطريقة التي أنظر بها لما مر به وما

خلّفه فيه .. لن تفهموا أبداً ومهما شرحت وقلت "

توقعت منه هجوماً شرساً كسابقه لكنه فاجأها مجدداً فنظرت له ما

أن قال بشرود واجم في الطريق أمامه

" ولن يفهم أحد أيضاً ما أشعر أنا به وما مررت به .. لن يفهمه

إلا شخص علمه واختبره ماريه وعرف معنى أن يقتل قلبه

ويضحي بأغلى من لديه فقط من أجل حمايته ومن أجل أن

لا يحرم منه للأبد "

فملأت الدموع عينيها سريعاً ليست تعلم بسبب ما قال ونبرة

الأسى في صوته أم بسبب ما قالت هي حينها وبحزن

" لكنك حرمت نفسك منهما عمي .. حرمت نفسك من عمتي حياة

وللأبد وهذا ما أراه يحدث مع تيم .. فما النفع إذاً من تضحيتك

وتضحيتها هي أيضاً وهي تأمرك بالابتعاد كي لا تموت ولتكون

في مسقبل ابنك وهو رفضك في مستقبله ولم تكسب شيئاً سوى

خسارتهما ؟ ماذا جنيت من تضحيتك تلك غير قلبين محطمين

أحدهما تحت التراب والآخر دفن معه "

اشتدت أصابعه على المقود بقوة وقال بجمود ونظره لازال على

الطريق الضيق المحفوف بالحشائش أمامه

" أخبرتك أن لا تحكمي على جميع قراراتي تلك ما لم تقفي في

موقفي ماريه وتجدي نفسك أمام خيار واحد وهو الابتعاد عمن

تحبين كي لا تخسريه وللأبد لأنك ستفعلين ذلك مثلي تماماً ودون

تردد "
انفرجت شفتاها وترقرقت الدموع في عينيها لكنه لم يترك لها

مجالاً لقول أي شيء وهو يفتح باب سيارته قائلاً

" وصلنا ماريه هيا انزلي "
فنظرت حولها باستغراب فهي لم تنتبه ولا بأن السيارة توقفت !

مسحت عيناها بقوة وفتحت الباب ونزلت أيضاً وارتفع نظرها مع

ارتفاع المبنى القابع أمامها فهذا ليس كأي منزل ريفي وكما

يظهره المكان الذي وصلاه والذي لم يكن يمت للمدن المزدحمة

بصلة ! هذه فيلا ريفية بطابقين تقف شامخة بياضها الناصع

يتحدى أشعة شمس الربيع الدافئة ، نظرت للذي وقف بجانبها

وقال ونظره على الباب الذي فتحه رجل ببدلة خدم أنيقة

" وتأكدي ماريه بأني لست غاضباً من أي كلمة قلتها وأفهم

ما تظنين بأني لا أفهمه عن مشاعرك "

وتحركت خطواته ما أن أنهى عبارته تلك نظراتها تتبعه باستغراب

قبل أن تلحقه خطواتها سيراً خلفه فما عناه ويعنيه بكل ما يقول !

يبدو أن الجواب تحمله جدران هذا المكان الغامض وستفهم

حينها أكثر مما تريد !

لم تنظر حولها ما أن دخلا المكان الساكن بأثاثه القليل ويبدو لا

أحد يسكنه بشكل دائم فتفكيرها كان منصباً على سبب وجودها هنا

والشخص الذي قطعا كل هذه المسافة فقط ليراها ويتحدث معها

!! انحنى لهما الرجل ذو البزة البيضاء المرتبة وقال باحترام

" اتبعاني سيدي فالسيد غريفيث في انتظاركما "

فنقلت نظرها منه للواقف بجانبها باستغراب فهي لا تعرف ذاك

الاسم ولم تسمعه سابقاً ! كان السؤال واضحاً في عينيها وإن لم

تنطق به لكن جوابه لم يكن سوى بأن وضع يده على ظهرها وقال

يسير بها يساراً

" هيا ماريه فهذا الرجل لا يحب الانتظار كثيراً وليس في صالح

كلينا أن يفقد أعصابه "

سارت معه كالتائهة تنظر حولها بضياع فمن يكون هذا وما الذي

سيغضبه وماذا يريد منها ! لا تفهم لما تشعر بالخوف وثمة شيء

ما في داخلها يرفض رؤية ذاك المجهول أو سماعه !.

وصلا لباب فتحه أمامهما الخادم الذي سبقهما بخطوات وانحنى

مبتعداً على الفور نظراتها تتبعه بدلاً من أن تركز على المكان

الذي أصبحت بداخله حينها .. وما أن انتقل نظرها للجالس خلف

طاولة مكتب ضخمة يمسك طرفها بيديه حدقت فيه باستغراب وهو

يستوي واقفاً وراقبته بتوجس وهو يرفع يده ونزع بها القبعة

المخملية فوق رأسه ونزع بالأخرى لحيته التي وصل طولها لآخر

عنقه فانفتحت عيناها بصدمة كما شفتيها التي همست بذهول

" مطر شاهين !! "

*************

المخرج ~~

بقلم / طموحه ولكن (أميمه راجح)

رسالة خذلان

تجاوزت عن كل شيء واستندت على الحب وحده واعتمدته قوتي وعتادي وطويت الماضي كله لأجلك وفتحت قلبي المثخن بجراحك لك وحدك وعدت من جديد العاشقة التي تمتلئ بحضورك ويضنيها الشوق في غيابك فكنت بجوارحي ومشاعري وحشاشة قلبي ملكا لك حتى في غيابك الطويل وحين عدت بعد كل هذي السنين عدت تحمل في صدرك رائحة لإمرأة أخرى شاركتني فيك دون تضحية وأنا التي خسرت كل شيء لأكسبك وكان سهم خيانتك وحده الذي إمتلكته منك.
تبا لك يا مطر.
غسق الفارغ فؤادها

نهـــــــــــــــاية الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

5K 65 4
القصة مكونة من ٢٧ جزء قصة انتقااااام اشباح الماضى التى تجعل المرء عاجز امامها ... عاجز امام تلك الالام و تلك المعتقدات.... لا يقبل التخلى عنها ظنن...
14.5K 340 41
تدور الأحداث عن راقصه شرقية تُدعى " دينا " ألتي اشتهرت ب " داليدا " ترقص سرًا لتعيل نفسها وابنها بعد وفاة زوجها ، في إحدى الحفلات ألتي تُقام يتم الك...
105K 2K 12
آنين .. لجين .. ولين ثلاث فتيات جمعتهم المصادفة ليصبحن صديقات لم يفترقن عن بعضهن لثماني سنوات واجهن فيها المصاعب الضغوط المشاكل والتحديات ثلاث فتيات...
12.2K 301 11
الملخص : هل يمكن أن يقود الآسر إلى الحب و السعادة ؟ سؤال خيالي ... و حلم بعيد مستغرب ... لم يكن هذا ما يشغل بال سندي و هي تتحرق غيظاً للخروج من قصر أ...