أيها السحرة! احذروا الفرسان

By FiannaLaoshi

324K 33.4K 46.6K

حتى بعدما أغرق الطوفان أرضهم، لم يستسلم البشر و عزموا على إقامة حضارة جديدة ، و حتى بعدما مُسخت الحيوانات، و... More

تقديم
أين ابتدأت القصة
الفصل الأول : ظلام دامس
الفصل الثاني: الطلاب الجدد.
الفصل الثالث : الإختبار
الفصل الرابع : كَذَّاب
الفصل الخامس : الغزو الليلي
الفصل السادس : دعوة إلى مسكن جديد
الفصل السابع: الناي
الفصل الثامن : الشخص الذي لا يفهم.
الفصل التاسع : ليس بمنعدم المشاعر
الفصل التاسع (2) : ساحر الماء
الفصل التاسع (3): استعادة السحر
الفصل العاشر : زيارة الأمير
الفصل الحادي عشر : لقاؤهما الأول- حكاية ويليام
الفصل الثاني عشر : قبرُه - حكاية ويليام
الفصل الثالث عشر : من هو يوداليت - حكاية ويليام
الفصل الرابع عشر : عضعض، عظمي، عظمة - حكاية ويليام
التجمعات البشرية
الفصل الخامس عشر : مهرجان حرق الأمنيات - حكاية ويليام
الفصل السادس عشر : الكتب السحرية
الفصل السابع عشر : تدريب بمخفر الشرطة/صباح سيء
الفصل الثامن عشر : تدريب بمخفر الشرطة/ظهر يوم مزعج
الفصل التاسع عشر : تدريب بمخفر الشرطة/مساء كارثي
"القاطفون" طائفة حملة العهد
الفصل العشرون : من كانت ذات مرة بشرية
الفصل الواحد و العشرون : قلب بارد،
الفصل الثاني و العشرون : دم حار.
الفصل الثالث و العشرون : الانقلاب الشمسي (أمنيات).
الفصل الرابع و العشرون : الانقلاب الشمسي (احتفال).
(ღ˘⌣˘ღ)
الفصل الخامس و العشرون : حكاية الفارس العظيم (1)
الفصل السادس و العشرون : حكاية الفارس العظيم (2)
الفصل السابع والعشرون: حكاية الفارس العظيم (3)
الفصل الثامن و العشرون : طي صفحة الماضي.
الفصل التاسع و العشرون : المتعاقد (1)
الفصل ثلاثون : المتعاقد (2).
الفصل الواحد و الثلاثون : ما خفي داخل الأنفس(1).
الفصل الثاني و الثلاثون: الشخص الذي يفهم...
الفصل الثاني و الثلاثون: ...ليس الأكثر لطفا.
الفصل الثالث و الثلاثون : الرحلة المدرسية (الدخيل).
الفصل الرابع و الثلاثون : الرحلة المدرسية (ليلة موجعة).
الفصل الخامس و الثلاثون : الرحلة المدرسية (كارثة جديدة).
الفصل السادس و الثلاثون : الرحلة المدرسية (الصيد).
الفصل السابع و الثلاثون : الرحلة المدرسية (صاحب القناع).
الفصل الثامن و الثلاثون : الرحلة المدرسية (أليكس ضد يوداليت)
الفصل التاسع و الثلاثون : الرحلة المدرسية (دفع الثمن).
الفصل الأربعون : الرحلة المدرسية (تصالُح).
الفصل الواحد و الأربعون : الرحلة المدرسية (يُوي).
الفصل الثاني و الأربعون : الرحلة المدرسية (رالين أليف).
الفصل الثالث و الأربعون : الرحلة المدرسية (ويليام ضد يوداليت -1-)
الفصل الخامس و الأربعون : الرحلة المدرسية (أرواح الغابة)
الوداع الأول
الفصل السادس و الأربعون: الرحلة المدرسية(الشر المستطير_الماحقون)
الفصل السابع و الأربعون : الرحلة المدرسية (الخيانة)
الفصل الثامن و الأربعون : الرحلة المدرسية (تعاقد الأمير 1)
الفصل التاسع و الأربعون : الرحلة المدرسية (تعاقد الأمير 2)
الفصل الخمسون : الرحلة المدرسية (كفاح الأميرة)
الفصل الواحد والخمسون : الشطر المطموس من التاريخ
الفصل الثاني والخمسون : القاطفون
الفصل الثالث و الخمسون : مالك السّحر الغريب.
طوال الوقت كان ساحرا.
الفصل الرابع والخمسون: الملكة الثانية، الملك الثالث.
الفصل الخامس والخمسون: طفلة في الظل.
الفصل السادس والخمسون: العودة.
الفصل السابع والخمسون: الوداع.
ملكة الأفاعي.
الفصل الثامن والخمسون: عائلة -1-
الفصل التاسع و الخمسون : عائلة -2-
الفصل الستون: الخصام.
الفصل الواحد والستون: تبادل الأجساد -1-
الفصل الثاني والستون: تبادل الأجساد -2-
الفصل الثالث والستون: ما تحت الأرض
الفصل الرابع والستون: ملكة الأفاعي
الفصل الخامس والستون: رقصة الأفعى.
الفصل السادس والستون: تألّق الزهرة الذابلة
الفصل السابع والستون: خدم الأمير.
الفصل الثامن والستون: الفراق.
الفصل التاسع والستون : مخرج.
صراع العرش.
الفصل السبعون: مدخل.
الفصل الواحد والسبعون: معازيف عفاريت الليل.
الفصل الثاني والسبعون: لحن البساطة السعيدة.
الفصل الثالث والسبعون: عشيرة آستيال.
الفصل الرابع والسبعون: إقراض السحر.
الفصل الخامس والسبعون: قصة براين -1-.
الفصل السادس والسبعون: قصة براين -2-
الفصل السابع والسبعون : قصة براين -3-
الغصل الثامن والسبعون: قصة براين -4-
الفصل التاسع والسبعون: قصة براين -5-
الفصل الثمانون: لقاء وفراق.
الفصل الواحد والثمانون: خطاب الملك.
الفصل الثاني والثمانون: مواجهة الملك.
الفصل الثالث والثمانون: الطريق السريع 13.
الفصل الرابع والثمانون: ليلة الثالثِ عشر.
الفصل الخامس والثمانون: حدود عاطفية.
الفصل السادس والثمانون: غضب.
الفصل السابع والثمانون: عائلة منكسرة.
الفصل الثامن والثمانون: انقاذ شيلينغ.
الفصل التاسع والثمانون: ماذا حل ببراين؟
الفصل التسعون: كعك محلى.
الفصل الواحد والتسعون: مشروع نهاية السنة.
الفصل الثاني والتسعون: اركض -1-
الفصل الثالث والتسعون: اركض -2-
الفصل الرابع والتسعون: أمل لم يُدرك...
الفصل الخامس والتسعون: ...ملأ لا يُجير...
الفصل السادس والتسعون: ... ألم يطغى.
الفصل السابع والتسعون: تلك الشمس تسطع في العاصفة.
الوداع الثاني
الفصل الثامن والتسعون: عدو من الماضي.
الفصل التاسع والتسعون: للمُذنِب مَعاد.
الفصل المئة: الكَمُّ الذي أُعطِيَ،
نفض غبار + تسريب.

الفصل الرابع و الأربعون : الرحلة المدرسية (ويليام ضد يوداليت -2-)

2.7K 287 567
By FiannaLaoshi

بعد نصف ساعة تقريباً من المشي، تراءت لهم البحيرة أخيرا خلف صف من الشجيرات الصغيرة.  فأشار لهم أوسكار بالابطاء و الانتباه ، "الوحوش قد تتواجد عند ضفاف منابع المياه فخذوا حذركم! "


و كم تملكه غيظ شديد عندما تحدث ويليام مباشرة خلفه متدخلا ، "جميعا توقفوا أماكنكم، أنا و أوسكار و روزوالد سنتأكد من أن المكان آمن أولا! "

روزوالد لم يعترض أو يتردد في اللحاق بويليام، بينما أوسكار زفر بقوة و لحق به مرغما أيضا،  تاركين خلفهم الباقين ينتظرون.


"...و لما لم يعرض علي أنا أيضا القدوم؟"، أسفل أنفاسه تمتم ريجي، فإذا بلوكا تضحك ساخرة، "و كيف تريده أن يطلب منك مرافقته بعد المهزلة التي أقدمتَ عليها؟"


استفزّته و ود لو يردّ عليها من غضبه. لكن انتباهه لنظرات ابنته المؤنّبة نحوه جعله يزمّ شفتاه و يقصد شجرة للوقف خلفها، منتظرا عودة الآخرين دون التورّط في شجار آخر.


كان يظن أن فتاته الصغيرة تخشى منه الدّخول في شجار ثم أذيّة سمعتها بطريقة ما من جديد،  و لم يكن يدري عن أنها في الحقيقة كانت تنتظر منه الدخول في شجار و الفوز به ! انسحابه الذي ظن الأب ان ابنته أرادته، كان في الواقع فعلا ذليلا و مخيِّباً جدا بالنسبة لها!

على أسنانها صكّت و رمت نظراتها بعيدا غاضبة، 'إنه حقا عديم الفائدة! '

صحيح أنها لم تنطق هذه العبارة إلا في أفكارها، لكنّ وقعها كان قاسٍ لدرجة أن ضميرها أنّبها في الحين و اللحظة ، حتى أنها عبست بوضوح و برز الحزن على ملامح وجهها..

"لا أقصد التدخّل فيما لا يعنني لكنه يبقى والدك... مهما فعل أنتما عائلة و الذّكريات بحلاوتها و مرراتها تجمعكما معا، كلاكما تبدوان مُحبطين، و هذا محزن جدا... "

متفاجِئة التفتت ايليز نحو سينا، ساحرة الماء التي كانت واقفة بقربها و تنظر للبحيرة في الأفق بنظرات حزينة، "أظن أنه من الجميل جدا أن نأخذ بأيدي أفراد عائلتنا عندما يحرجون أنفسهم بدل الاستياء منهم، أن نساندهم فيما يواجههم من محن و أن ندعمهم دائما و ندافع عنهم، لو ارتكبوا غلطا نقف إلى صفهم في الملأ، لكن عند خلُوِّنا معا نؤنّبهم ثم نرشدهم... أظن العلاقات من هذا النوع جميلة جداً ..."


غيّرت سينا منحى نظراتها نحو إيليز، فإذا بها تتفاجأ بالفتاة تنهال عليها بحضن قوي.  تسمّرت ساحرة الماء مكانها، و حالما استشعرت اهتزاز جسد إيليز زاد ارتباكها!  الفتاة كانت تبكي و تنتحب بصوت منخفض، "آسفة جدا سينا.. آسفة جدا على كل ما نطقت به من كلمات مؤذية، أعتذر و يمكنك ألا تسامحني لو أردتِ... لكنني لازلت سأبقى آسفة و نادمة طوال عمري على ما نطقت به... لقد أخطأت، أخطأت كثيرا في حقك و حقه... "


سينا ليست من النوع الذي يحتجز الأحقاد و الغضب في نفسها، إن قلبها صاف و هادئ كبركة صغيرة من الماء. لا تريد العيش إلا في سلام و تُحِبُّ لو يكون الجميع سعداء.  لهذا تملّكتها غبطة شديدة عندما أُصلحت الأمور بينها و بين ايليز!  حتى أنها مباشرة بعدما فُصل الحضن، و قبل أن تمسح ايليز دموعها حتى!  أخذت سينا بيدها و ابتسمت سعيدة لها، "الآن دعينا نذهب لنصالحك مع والدك! "

احمر وجه ايليز خجلا، و سينا لم تمنحها الوقت للرفض! بل سحبتها مسرورة كما لو أنها هي من ستصالح شخصا طال خصامها معه،  ثم إلى ريجي أسرعا بالركض معا، واحدة تجر الأخرى خلفها.

يوداليت مثل آناليا و لوكا كان شاهدا على كل ما حصل، على الشجرّة البعيدة عُلًِقت نظراته على الأب الذي يحتضن ابنته الباكية بينما سينا تراقبهما منشرحة الصدر... المشاعر التي تولّدت داخله لم تكن أفضل المشاعر بتاتا.

'على الأقل اكتشفتُ أنني لا أسعد عندما يسعدُ الآخرون... ' ، لقد تذكّر سطراً من الوصايا التي كتبتها ماريا له، أخبرته فيه أن يحب للناس ما يحبّه لنفسه و أن يَسعد لسعادتهم... و هذا السَّطر بالضبط كان متأكدا جدا أن ماريا كتبته فقط لتسخر منه.

"العلاقة الجيّدة بين الآباء و الأبناء هي الأفضل حقاً... أنا سعيدة لكونهما تصالحا رغم أن الأستاذ ريجي أخفى عنا حقيقة أن واحدة من طالباتنا هي ابنته"


بعد سماع كلام اناليا التفت يوداليت منفجعاً نحوها، ابتسامتها الراضية جعلته مستنكرا! عديمة الذوق متهكِّمة الوجه الفاقدة لأعصابها طوال الوقت آناليا سعيدة و تبتسم لأجل أشخاص آخرين؟!  و كما لو أنها أحسّت بما يفكر فيه عنها، التفتت إليه في انقلاب سريع من الابتسامة للعبوس و التأنيب الغاضب، "أما بالنسبة لك فالأفضل أن تبتعد عن سينا!  الطّالبة مجتهدة و مجدّة و لطيفة و ذات أخلاق عالية جدا عليك! لا أريد رؤيتك مجددا تحوم حولها أفهمت؟!  أخشى أن تؤثِّر أفعالك السيّئة و جهلك المقفع على فتاة جيدة مثلها! "


"ا.. و ما دخل أستاذة بالعلاقة بين صديقين خارج المدرسة ؟ " رفع حاجبه مبديا تحديّا لكلامها.  هو عادة ما يتركها تصرخ و تثرثر فوق رأسه دون أن يلقي لها بالا، لكنّه هذه المرة لم يستطع... الضغط حوله و المشاعر السّلبية التي يختبرها حاليا تجعله متوتِّرا و في فوضى عارمة.

"يا قليل الأدب!!!" ، رغم أنه لم يعد يستطيع التركيز فيما يقوله، لكنه نجح بإطلاق سهمه نحو الهدف تماما.  لقد كان محقا، و هي تعلم ذلك و تكرهه كثيرا... فأسوء ما قد تخبر به أستاذا أن يتوقف عن حشر أنفه و يهتم بعمله فقط، ألا و هو التّدريس.

رمى الشّعلة الأولى على القش بكلامه، و لوكا سكبت البنزين على النار بضحكها على الأستاذة... و بالنسبة لآناليا، أن تكون أضحوكة للغير أمر مرتبط بصدمة من ماضيها. إنها تقبل بكل شيء إلا هذا... تقبل بكل شيء إلا أن تصبح أضحوكة!  دماؤها التي صارت تغلي من الغضب جعلت خفقان قلبها يزداد حدّة، فإذا بها ترفع راحة يدها عاليا و تنزل بها قاصدة خذّ الفتى أمامها!

كانت تنوي صفعه! لكنه تراجع برأسه بسرعة للخلف مسبِّبا في جعلها تكاد تفقد توازنها و تسقط.  لوكا شهقت متفاجئة، و كارلوس الذي كان جالسا على صخرة بعيدا عنهم بقليل استقام من مجلسه  هو الآخر.

'كيف استطاع تفادي يدي بسرعة!؟ ' ، آناليا لم تستيقظ من صدمتها إلا على صوت يوداليت المستهزئ، "ماهذا؟!  لا تستطيعين حتى التصويب جيداً! "

الشعور المزعج الذي منحه تصالح الأب و ابنته ها هو ذا يوداليت صار يغطّي عنه بالاستمتاع بإغضاب و إغاظة أستاذته،  "فاشلة في كل شيء حرفيا و آخر أستاذة مفضّلة عند الجميع ! حرفيا الكلّ يتحدث بالسّوء عنك خلف ظهرك!  حتى سينا التي تقولين عنها طالبة مجتهدة لا تحبّ حصصك و لا التّفاعل معك!  تحتاجين للعمل كثيرا على إصلاح نفسك"


لقد كان يضحك، و كان يعلم أيضا أنه يتمادى و لن ينتهي استفزازه لها على خير و لن ينفعه في شيء أصلاً... لكنه لا يستطيع إغلاق فمه و إيقاف لسانه... رؤيتها تلهث و تعتصر نفسها أثناء صكها على أسنانها أعجبه كثيرا!  هي غاضبة و هو يستمتع بذلك كثيراً... حتى جاء كارلوس و مسح الابتسامة عن وجهه.

قُرب آناليا وقف ساحر الابتكار ذاك، ممسكاً إيّاها عن التقدّم و إيذاء يوداليت صار يحاول تهديئها، "ل-لا تُلقي بالاً لكلام طف-طفل!  إن-إنه لازال مراهقاً و رأيه الطّفولي هذا ل-له لوحده!  ل-لا أحد يراك هكذا أ-أستاذة!  الط-طلاب يحترمونك! و قد رأي-يت هذا بأم عيناي! "

إنه يفسد متعته! كارلوس يفسد متعته! برؤية آناليا تجهش فجأة بالبكاء مخبّئة وجهها بين راحتي يديها ، علم أنه فقد الغطاء الذي كان يستعمله لحماية نفسه من المشاعر التي أيقظها صلح الاب و ابنته !

"لماذا دائما تفعلون هذا بي؟!  أنا أقوم بكل ما بوسعي لكن لماذا لا أحد يهتم!!  فقط بعض من الامتنان و الاحترام هو ما أريده!! " ، انهارت آناليا،  جاءت سينا تركض إليها هي و إيليز و الأستاذ ريجي.. روكا خشية أن يتم إشراكها في الأمر ذهبت لتواسيها و تمثّل أنها إلى صفّها!  الصراخ الباكي و الحارق لها أفزع يُوي حتى أنه أنزل أذنيه هلعا و صار يحاول تخبيء وجهه و جسده وسط أحضان يوداليت...لقد قامت الفوضى.

فوضى سواء في الخارج أو في الداخل، هذا كان يوداليت بعدما تراكمت عليه المصائب... لكنه رغم ذلك بقي متماسكاً،  حتى لو كانت النبرة الغاضبة واضحة في صوته، "و ما دخلك أنت؟!  أرى أن وقوف ذاك الغبي إلى صفك أكسبك بعض الثقة! "


في استنكار قطب كارلوس حاجبيه، ترك الآخرين يواسون آناليا خلف ظهره و قصد يوداليت... في نفس الوقت الذي كان فيه الآخرون عائدين إليهم.

لقد وصلهم صوت صراخ آناليا و بكائها بفضل هدوء الغابة، و خشية أن تجذب وحشا قرروا العودة بسرعة لإيقافها و معرفة ما يحدث... بينما ويليام كان بالفعل يتوقع أن يوداليت هو ما يحدث.


في الوقت الذي كانوا يسرعون فيه خطاهم إليهم، انتبه ويليام لكارلوس واقفا أمام يوداليت... شعورٌ مُقلق راوده ففضّل الركض فجأة ، مفاجئاً بذلك أوسكار و روزوالد!  و قد كان قراره في محلّه ...

كارلوس أمام يوداليت وقف، ثم بارد النظرات دنى إليه في هدوء، "بعد كل شيء، أظن أنك تستحق العودة لتلك الغرفة... "


عبارة نطقها بسلاسة دون تلعثم،  و على وقع كلماته المسمومة تلك تقلّصت حدقتا عيني يوداليت. فأسقط يُوي من بين أحضانه و في رمشة عين مد يده نحو الخنجر المختوم داخل الغمد على خصر كارلوس .

الأكبر كان يراه يسحب الخنجر من الغمد على خصره، لكنّه لم يستطع الإقدام على فعل شيء فالفتى كان سريعا لا تكاد العين تلتقط تحرّكاته حتى!

سحب الخنجر و نحو عنق كارلوس وجّهه، ما عاد يهتم لما أو من حوله!  سيسفك دماءه و يُجبر الحياة على مغادرة جسده! لقد حزم قراره،  سيتخلّص منه الآن و حالا!!

تيّار هواء كان آخر ما شعر به يوداليت قبل أن يجد فجأة ويليام أمامه بدل كارلوس.... الأمير بذراعه صد ذراع يوداليت و جمّد هجومه.

"أخبرتُك أن تبقى بعيدا عنه..! " ، وسط أسنانه المصطكّة تحدّث ويليام مخاطبا كارلوس، بينما هذا الأخير تسمّر مكانه، بالتفكير أن طفلا كاد يقتله حقا!!

لم يقضي يوداليت سوى ثوان من الزمن قبل أن يستوعب أن من أمامه هو ويليام، فعاد ينغمس مجددا وسط الغضب الشديد، "اغرب عن وجهي!!  لا تعترض طريقي!! "

للخلف تراجع رغبة في تجاوز ويليام ليقصد كارلوس مجددا، لكن و كما المرة السابقة، اعترض الأمير طريقه من جديد، "لن أسمح لك!!  يوداليت، عد إلى رشدك!! "

صبر بما يكفي على تدخّلات ويليام حتى وصل به الغيظ أَوجَه و برزت علامات الامتعاض على وجهه.  فإذا به يغيّر طريقة إمساكه لمقبض الخنجر و يوجهه مباشرة نحو ويليام هذه المرّة!


سرعته كانت كبيرة، حركاته كانت مدروسة... لم يكن يلوّح بالخنجر عبثا إنما كان يعرف أين و كيف يتوجَّه لهدفه. لكن و لسوء حظّه هدفه كان فارسا، و فوق ذلك أحد الأقوياء في المملكة... حتى و إن كان ويليام يعاني من الأعراض الأوّلية للسّم، إلا أن إمساك معصم يوداليت و إزاحة ذراعه جانبا ثم الإسرع بشد ياقته باليد الأخرى لم يكن بالأمر الصعب جدا عليه!  إذ أنه قرّب وجهه من خاصة الأصغر و صرخ به "يوداليت!!  توقف عن هذا اللّعب التافه!! "


"لعبة؟؟  إنك وحدك من تراها لعبة!! " ، ويليام لم يزده إلا هيجانا بكلامه، و رغم أنه كان الأضعف إلا أن الأمير ما كان يجب أن يستهين بقدراته و يعتقد أنه حاصره.  فقبل أن يدري، قام الأصغر بشقلبة سريعة و مفاجئة للخلف راكلا ذقن ويليام بقدمه أثناء ذلك!

حتى بالنسبة لفارس فقد كان ذلك مؤلماً! جعله يتراجع واضعا يده على ذقنه ، فاستغل الأصغر الفرصة بالإسراع مجددا قاصداً كارلوس!

لقد كاد يقترب منه، كاد ينجح أخيرا! كان يرى الرُّعب يتقلَّب داخل عينيه فكان متأكداً من قُرب نجاحه!  فإذا به فجأة يشعر يبَدٍ على رأسه!  بقوة دفعته للأسفل حتى اصطدم صدره و سائر جسده مع جانب وجهه بالأرض القاسية.

بمجرد صدمه بالأرض أسرع ويليام بوضع ركبته على ظهر يوداليت ثم لَوَى يده التي لازالت ترفض ترك الخنجر خلف ظهره مثبّتاً إيّاه عن الحركة. و رغم كل ذلك، لم يستسلم يوداليت رغم استحالة قدرته على النهوض، "ابتعد عني!!  ما لك دائما تحشر أنفك فيما لايعنيك؟!  الأمر بيني و بينه فلما تتدخّل أنت؟! "

صراخه و هيجانه الذي اضطّر ويليام للتدخّل لقمعه أفزع سينا، الفتاة مثلها مثل الآخرين لم تكن تفهم ما يحدث.  أولم يكونوا قبل قليل يحاولون مواساة أستاذتهم؟  ما بال يوداليت فجأة يحاول قتل كارلوس ؟!

"اترك الخنجر !! " ، دون أن يسمح له بالحركة أكثر زاد ويليام تثبيتا للأصغر. حتى انضم فجأةً للشّجار فردٌ غير متوقّع!

يُوي الصغير وقف يُزمجر أمامهما، عيناه ترسلان نظرات غاضبة تخترق ويليام و ذيله منتصب للأعلى في عدوانية. كلّما كَشّر ظهرت أنيابه الصّغيرة و برزت مخالبه القصيرة... لقد كان صغيرا جدا على حماية يوداليت، و كما لو أنه يعلم ذلك فلم يُقدم على الهجوم و اكتفى بإرسال زمجرات تحذيريّة لمن يُؤذون صاحبه.

"و هذا ما ينقصنا الآن! " ، في غفلة عن يُوي جاء أوسكار و ركل الرالين الصغير كما لو أنه كرة قدم!  أمام عيناي يوداليت و ويليام المصدومين أُرسل الرالين الصغير طائرا بسبب الركلة و خُبِط بالأرض بقوة!

"يُوي!!! " ، صرخ يوداليت أثناء محاولته الافلات و النهوض... تلك كانت أول مرة لويليام يسمع فيها صراخا مرتعبا من الأصغر!  و مع ذلك أبى إفلاته.

"أيها المعتوه ابتعد عني!!  اتركني!! " ، و مجددا قصده الأصغر بالسبّ و الشتم.. و مجددا ويليام رفض، "اترك الخنجر أولا!! "

"لاا!!! " ، قبضته كانت مشدودة على الخنجر كما لو أن حياته تعتمد عليه، و الأسوء أنه لم يتوقف عن الحركة و المقاومة مهما حذّره ويليام، "إن لم تتوقف ستؤذي نفسك! "

يوداليت لم يكن يرى إلا يوي الصغير يصارع للنهوض خوفا من أوسكار الذي كان قاصدا إيّاه... ذلك الخوف و الهلع لا يجب أن يشعر به شخص ممن هم تحت رعايته، ذاك الخوف لا يجب أن يذوقه أحد منهم!


فإذا بمنظر يوي يعيد إليه مشاعر غير سارّة من الماضي، أنساهُ الدّهر أمرها بعدما نعم بالأمان في أولدروين ثم تحت رعاية ماريا.. لكنه أبدا لم ينسى طعمها.

في الوقت الذي كان الفتى أسفله يُسحب داخل دوامة من المشاعر المظلمة، كان ويليام يصرخ بأوسكار حتى برزت عروق عنقه و البحّة في صوته،  "ابتعد عنه!!!  لا تقترب من ذلك الرالين!! أقسم أنك إن مسسته بسوء ف-"

عن الإرداف في حديثه عجز... يد يوداليت التي كان يمسكها، سمع فجأة صوت طقطقة صادرا منها. في الوقت الذي أنزل رأسه اتسعت عيناه عند رؤيته لكتف الأصغر يُخلع من مكانه!  في الحين و اللحظة نزع ويليام يده محررّا يوداليت... الأصغر حرفيا فصل عظامه دون اكثرات و كان ليتابع التحرّك رغم ذلك!

في الوقت الذي تحرر فيه أخيرا، نهض مسرعا و قصد يُوي.  لحضنه أخذه ثم وقف يوجّه قمة خنجره نحو أوسكار... مضطرب الأنفاس و متعرق الجبين توعّد الفارس القوي أمامه بينما هو في حالة مزرية، "هذه الرّكلة التي قدّمتَها له، أقسم لك أنني سأردها لك أضعافا مضاعفة.. "

و لم يجد أوسكار من ردة فعل إلا هز طرف شفته مستنكرا وقاحة الفتى، بينما ويليام وقف عاجزا عن الكلام من قدرة تحمّل يوداليت المرعبة... إنه بذراعه المفصولة كان يحمل الوحش الصغير، 'هذا حرفيا يستحيل أن يكون بشريا عاديا.. '

لوهلة هدوء غريب عمّ الأجواء، لا أحد قد انتبه نظرا لانشغالهم جميعا بالجلبة القائمة،  لكن ايليز التي كانت قرب والدها تراقب ما يحصل انتبهت لما غاب عن أذهانهم.. فقصدت سينا تهمس لها، "ألا تجدين الأمر غريبا؟ نحن وسط غابة تعجّ بالوحوش، و رغم الجلبة التي سبّبناها لم نجذب أيا من الوحوش إلينا.. "

أخيرا تنبّهت سينا للأمر أيضا فاجتاحها شعور مقلق... أخوها أخبرها أثناء توديعه لها قبل الرحلة أن تنتبه للمناطق التي تختفي فيها الوحوش ، فذلك لا يعني إلا وجود مفترس أعظم في الأرجاء.

على الأقل سينا و إيليز علمتا عن حدوث شيء غريب، بفضل ذلك استعدادهما كان أفضل من الباقين... لكن ذلك كان دون فائدة ، فالشيء الذي كان يتربّص بهم لن يتغلّب عليه الاستعداد و التيقّظ.

هبّت عصفة ريح و حرّكت ما حولهم من الأشجار ، فإذا بها تنفض بذور لقاح صغيرة سوداء اللون. لها أجنحة شفافة صغيرة تساعدها على الطّيران عبر الجو.

من الأشجار حولهم سافرت البذور الطائرة نحوهم، ببطء تتراقص يمينا و يسارا كأنها رضيع في المهد.  العدد كان كبيراً و كان من المستحيل لهم عدم الانتباه عليها، فإذا بالجميع يرفعون رؤوسهم محدّقين بهذه البذور التي تكاد تنزل فوق رؤوسهم.

يُوي أطلق هسهسة بين ذراعي يوداليت مثيرا انتباهه... الرالين الصغير كان يهسهس على البذور الطائرة؟  و ما أن اقترب بعضها منه حتى انفلت من ذراع يوداليت و نزل على الأرض بسرعة، ثم أخذ يخدش ساق الأصغر طالبا منه أمرا عجز الفتى عن فهمه.

إحدى هذه البذور نزلت تتمايل أمام ويليام، لأن حواسه أقوى من باقي البشر، فبسرعة أبصر الأجنحة على البذور الطّائرة هذه، فأسرع بالتراجع للخلف فزعا مغطيا خلال ذلك أنفه و فمه بيده .

"غطوا أنوفكم و أفواهكم بسرعة!!!" صرخ بأعلى صوته،و الاستجابة لم تكن سريعة من أحد. فبدل تنفيذ أمره التفتوا جميعا نحوه بحثا عن تفسير، و كم أثاروا أعصاب ويليام بفعلتهم تلك.

كان ليصيح من جديد و يشرح هذه المرة السبب، لكنه انتبه ليوداليت وسط كم هائل من البذور تحيطه و هو واقف ليس في هذا العالم،  يحدّق فقط بيوي الذي يكاد يُجنّ أيضا من ترديد تحذيراته!

دون تفكير أو تريّث، ركض ويليام نحو الأصغر و غطى فمه و أنفه بيده. ذاك كان مفاجئا له و خانقا جدا، لكن قبل أن يبدي ردة فعل أسرع ويليام بسحبه بعيدا .

في نفس تلك اللحظة مدّت لوكا أصبعها محاولة تفحّص تلك البذور بلمسها، "ما هذه الأشياء؟  لما تملك أجنحة؟ هل هي كائنات حية؟ "

اقتربت متجاهلة تحذير ويليام، و رغم أن الأمير صرخ مجددا بها "توقفي!!  لا تقتربي منها!! " ، إلا أنه كان متأخرا جداً.

بمجرد اقتراب لوكا من البذور الطائرة، انسلّ البعض منها داخل فمها بينما استنشقت البعض الآخر خطأًً. فإذا بها تتراجع للخلف خطوة تسعل و تعطس!  كل النظرات المترقِّبة صارت عليها، خصوصا بعدما تسمّرت مكانها و اتّسعت نظراتها.


للأرض كانت تحدق مركّزة و قاطبة لحاجبيها... ردة فعلها هذه أثارت استغراب الجميع، إلا ويليام الذي شحبت ملامحه من الهلع، لقد أراد أن يسارع بالشرح لهم بدل الصيّاح عليهم بالهرب، لكن الكلمات أبت الخروج عبر لسانه... سابقا أفكاره كانت في فوضى لدرجة أنه لم يعرف كيف يفسّر لهم خطورة ما حولهم.

و في النهاية هذه كانت النتيجة،  لوكا فجأة صارت مضطربة الأنفاس تتفحص جسدها، مصعوقة تتحدث بسرعة في هلع "ماهذا؟!  ما الذي يحدث؟؟  ما هذا؟؟!! "

تصرفاتها الغير الطبيعية أقلقتهم، فتراجعوا للخلف بضعة خطوات إلا أوسكار الذي حاول التقدم نحوها، "لوكا؟  ماذا هناك؟؟ "

"مؤلم!!  مؤلم!!!! مؤلم!!! " ، دخان كثيف صار ينبعث خارج فاهها مزامنة مع صياحها المتزايد و العالي ! أرعبتهم جميعا خصوصا أنها نزلت على قوائمها الأربعة أرضا تصرخ و تصيح.

فإذا بهم يرون جلدها ينتفخ و ما أسفله يضيء،  نظراتها المرعوبة و الغارقة وسط الدموع كانت آخر ما رآه أوسكار قبل أن تنفجر النيران من أسفل بشرتها و خارج فمها و تأخذ بالتهامها!

زميلته التي كانت بخير قبل لحظات صارت كرة مشتعلة من اللهيب، الهلع أصابه فصار هو الآخر يصيح إلى جانبها، "ماء!! ماء!!! من ساحر ماء هنا؟؟!!!"

سينا كانت تعيش إحدى أسوء لحظات عمرها آنذاك، لم تكن لها فكرة عما يجب عليها فعله للمساعدة. لكن نداء أوسكار أخرجها من دوامة التّوتر إلى واقع مربك أكثر! ذَكّرها أنها ساحرة الماء الوحيدة و أكثر من هو قادر على المساعدة حاليا.


حاولت التّقدم رغم أنها لم تكن متأكدة مما يجب عليها فعله، لكن ايليز سارعت بسحبها للخلف، في نفس الوقت الذي صاح فيه ويليام ناهرا إياها "ابتعدي عنها!  جميعا ابتعدوا و غطوا أنفوكم و أفواهكم! "

"ما الذي تثرثر به؟!  إنها تحترق !! إنها تحتاج المساعدة!! " ، و رغم أن أوسكار كان غاضبا و ساخطا على ويليام، إلا أنه بدوره ابتعد عن لوكا و غطى أنفه و فمه بيده... على الأقل اتّبع أمر الأمير و لو أن ذلك حدث دون وعي منه.

"لا فائدة! هذه ليست بذورا إنما طفيليات تعيش على بعض أنواع الأشجار! عند استنشاقها تحرق الجسم من الداخل للخارج لهذا لا فائدة من الماء!! فقط غطوا أنفوكم و أفواهكم !!"

لوكا ما عاد يظهر منها إلا جسد متفحّم وسط اللهيب، جامد عن الحركة و متصلّب على الأطراف الأربعة أرضا. بقدر ما كان ذلك مؤلما للناظرين، فقد كان مرعبا و مهوّلا أيضا.


حتى يوداليت بدوره تسمّر مكانه مصدوما، و لربما لولا يد ويليام التي تغطي فمه و أنفه لنسي فعل ذلك بنفسه.  حتى أنه من انشغاله بالمنظر المُفزع لم ينتبه ليُوي الصغير الذي كان ينادي بصوت حاد قصد جذب انتباهه له!

لكن الشخص الوحيد الذي التفت للنظر نحوه في النهاية كان ويليام،  فقطب حاجبيه ينظر للرالين الصغير يركض حتى يقترب من البحيرة، ثم يعود من جديد مناديا و طالبا انتباه يوداليت، دون القدرة له على الإقتراب كثيرا بسبب الكم الهائل من تلك المخلوقات حولهم.

عند النّظرة الأولى فهم الأمير مقصده،  يُوي يريد منهم الإسراع نحو البحيرة!    باعتباره أحد سكّان الغابة فقد كان الأدرى عن الطّرق المثالية للتصرف في مواقف كهذه، رغم أنه كان صغيرا إلا أنه كان أكثر خبرة من ويليام الذي درس عن هذه المخلوقات في الكتب و المخطوطات فقط.  لهذا لم يتردد الأكبر بسحب يوداليت معه أثناء صياحه للباقين "نحو ضفاف البحيرة!!  أسرعوا!!"


ريجي سحب ابنته معه، نفس الشيء بالنسبة لآناليا التي أشارت لسينا باللحاق بها،  خلفهم روزوالد و كارلوس أسرعا بالركض أيضا.  و الأخير المغادر كان أوسكار... قبل لحاقه بهم ألقى نظرة أخيرة على زميلته المحترقة، إن بقي هناك سينتهي به المطاف مثلها لهذا ركض مسرعا و ما في أفكاره إلا عبارة واحدة 'إن لم نخرج من هذه الغابة ، سينتهي المطاف بنا مثلها! '

عند ضفاف النهر وقفوا ، لا أحد منهم نزع يده عن أنفه و فمه خشية أن تكون تلك المخلوقات قد لاحقتهم.  لكن ويليام الذي راقب تصرفات يُوي السعيد أثناء قفزه حول أرجل يوداليت علِم أنهم تجاوزوا الخطر. فنزع يده أولاً ثم نظر نحو الباقين، "نحن بأمان الآن.. "


النظرات المرعوبة على وجوههم أضاقت صدره، خصوصا سينا و ايليز...كن تبدين مرتعبات جدا و ذلك عادي نظرا لصغر سنّهما،  حتى كارلوس و آناليا الأكبر سنا فقد كانا مجزوعين و شاحبي الوجه أيضا... لا أحد يستحق رؤية مشهد مرعب كذاك، و لوكا لم تكن تستحق ميتة شنيعة كتلك... تنهيدة عميقة تنهدها ويليام فأبانت عن مدى البؤس الذي كان يتحمّله.

لقد نجو من موت مرعب توّاً، و عكس الآخرين الذين كانوا يلتقطون أنفاسهم و يحاولون استيعاب الأمور حولهم، أوسكار لم يضيّع الوقت و أسرع إلى ويليام ساحبا ياقته، "إلى أين أحضرتنا بالضبط؟!  ما هذا المكان اللعين الذي قدتنا إليه؟؟!! "

إنه يحاول لومه... عن ياقته نزع ويليام يد أوسكار بقوة، مستنكرا تصرف الأكبر الطفولي عقد حاجبيه، "ما أدراني أن مخلوقات كهذه متواجدة هنا؟  لقد قرأت عنها في الكتب فقط و قيل أنها لا تنتشر إلا في عمق الغابات!"

لأنه يدافع عن نفسه اغتاظ أوسكار!  إنه يلومه و يتوقع منه أن يتقبل اللوم بصدر رحب، لهذا قرر تأنيبه في موضوع آخر، "لوكا ماتت!  أشنع و أقبح ميتة!  أولا تشعر بالأسف أو تأنيب الضمير لما حدث لها؟! "

"أشعر بالأسف و الحزن! لكن ما الذي يمكنني فعله؟ "، صرخ ويليام هو الآخر. إنه مثله مثلهم مصدوم و مرتعب و حزين جدا، لكنه مضطر لإخفاء كل ذلك بما أنهم فاشلون في تحمل المسؤولية و هو الوحيد الذي يستطيع قيادتهم.


الجدال مع أوسكار شغله عن الانتباه مجددا لتصرفات يُوي المريبة، الرالين الصغير هذا قد أسرع بالاختباء وسط أحضان يوداليت.  ارتعاش جسده و رفضه إخراج رأسه أثار استغراب ذي الشعر الأبيض، لكنّه فهم أن خطرا يتربّص بهم مجددا.

صدفة التفت وراءه نحو البحيرة، فإذا به يستغرب من لونها الأسود، 'كانوا يريدون أخذ الماء من هنا؟  يع!!'


من بعيد كانت تبدوا زرقاء صافية،  و تذكّره للأمر لم يأتي إلا متأخرا جداً ...


بحيرة الحِبر تلك لم تكن للشرب أو التنزه، لا وحش كان يقربها لأن كل وحوش الغابة يعلمون عن من يعيش داخلها و يتفادون جميعا إزعاجه.  كم كان يرقد بسلام في الأعماق حتى جاء البشر المزعجون، فترك مرتعه منزعجا و خرج من المياه محتجّا.


يوداليت فغر فاهه،  من بقربه بعدما سمعوا صوت انبعاث شيء من المياه التفتوا وراءهم مجزوعين... كوليبس كبير الحجم، أسود العظام كريه الرائحة، الطحالب العفنة تتدلى عبر هيكله العظمي، منها ما يسقط عودة للبحيرة و منها من يتشبت به أثناء قيامه.


جمجمته بطول انسان بالغ كأوسكار، بينما طول جسده و أطرافه كان غير معلوم، فالكوليبس هذا رفض الإستقامة في وقفته و فضل البقاء وسط البحيرة منحني الظهر يحدق بهم.

سقط الدم عن وجوههم فاصفرّت من الهلع، كوليبس بهذا الحجم يستحيل أن يذبحه فارس وحده! 


آناليا للخلف تراجعت، شفتاها ترتعدان من الرعب، و لو استطاعت تحريك أقدامها لركضت هربا دون أن تنظر للآخرين خلفها.  لقد كان المفروض أن تكون هذه رحلة تعليمية، فلما يصيبهم كل هذا؟  بالنظر لسينا أمامها و إيليز اللتان تكاد دموعهما تنهمر من الرعب، و بالنظر لروزوالد الذي تراجع للخلف و كارلوس الذي صار يرتعش، ثم أوسكار الذي هو الآخر تراجع للوراء و أميرهم مصدوم الملامح... آناليا أيقنت أنهم جميعا مثلها، و لا أحد منهم سيقدر على القتال و النجاة...


انهيار طاقتها جعل ركبتاها تخران أرضا بها، ظنت الجميع تعرض للخيانة من طرف جسده مثلها،  لكن ريجي أثبت العكس...

"اختبئي خلفي ايليز!!  سأقوم بالقضاء عليه إذا اقترب منا!! " ،  من الرعب لم يستطع التحكم في علوّ صوته، فصرخ عن غير قصد مخبّئا ابنته وراء ظهره. 

فعلته تلك جعلت ويليام و أوسكار و حتى روزوالد يلتفتون نحوه مستنكرين و غاضبين في آن واحد!  لقد خالف أول قاعدة يتم تلقينها للفرسان و السحرة... عند مواجهة الوحوش إياك و الصراخ، فالضجيج يحفّزها على الهجوم.

و ذلك ما كان، الكوليبس سريعا تحرك راكضا وسط البحيرة، متوجّها حيث يقف الأستاذ ريجي بالضبط. لا أقدامه و لا سيقانه كانت بارزة خارج الماء، و ذلك دليل على عمق البحيرة.. كما أنه كان يركض على أربع.

الدماء التي صارت تُضخ عبر عروق الأستاذ ريجي بقوة جعلته يسرع بحمل ابنته و الهرب بها متفاديا الهجوم ، و ترك خلفه سينا وحيدة وجها لوجه مع ذاك المنظر المهوّل القادم إليها.

الكوليبس الضخم يخبط المياه بيديه العظميتين ، فاتح لفمه و قاصد إياها يصرخ و يزمجر. ذلك كان منظرا مرعبا كفاية ليصل بها الفزع حده الأقصى، فأضحت مكانها جامدة شاحبة الملامح.

شهقت و نست الزفير، فالوحش في زمن قياسي صار أمامها وجها لوجه. يده العظمية نحوها متوجّهة قصد سحقها ،  و هي عالقة مكانها ترتقب مصطكة الأسنان ما سيحل بها.

فإذا بها تشعر فجأة بجسد يأويها بين أحضانه و يقفز بها متفاديا اليد العظمية التي خبطت الأرض حيث كانت و رجّتها رجّا.

الصدمة لم تترك ملامحها، لكن بمجرد استيعابها لما حدث فجأة، رفعت رأسها بسرعة نحو هذا الذي أنقذها... لقد كان ويليام.

على ركبته راكع بقربها بينما هي جالسة على الأرض، مصدومة تحدّق به... لولاه لماتت في الحين و اللحظة،  و التفكير بأن شبرا كان يفصل بينها و بين الموت  جعل الدموع تفرّ منهمرة بسرعة من عينيها.


ويليام الذي كان يحمل سيفه في قبضته،  يراقب أوسكار و روزوالد اللذان يحاولان باستماتة قتال الكوليبس.  الخسارة واضحة لمن ستكون، و الفوز للكوليبس لا محالة، و إن استمروا على هذه الحال فالموت سيكون من نصيبهم.

"هذا الشيء لا يمكن لفارس قتاله وحيدا.. " همس ويليام، ثم أنزل نظراته نحو سينا "..أرجوكِ ، ساعديني بسحركِ!"

كم يؤسفه أنه يطلب مساعدة من فتاة مرعوبة و مصدومة، لم تقاتل يوما وحشا و لا خرجت لساحات معركة من قبل،  لكنه لم يكن يملك خيارا آخر... السّحرة الوحيدون المتواجدون غيرها عديموا الفائدة، سواء كارلوس أو آناليا... و حتى ريجي لا يمكنه التأثير بسحر الأوهام خاصته على كوليبس بتلك الضخامة!


"حسنا! "

ردُّها فاجأه،  بسرعة مسحت دموعها و أخذت نفسا عميقا،  أسرعت بالنهوض تاركة إياه يتتبعها بنظراته مندهشا، بينما هي أجبرت نفسها على التحرّك رغم خوفها، "سأدعمك بسحري... لا تقلق يا سمو الأمير سأساندك! "

كم كان ممتنّا لكلماتها... نهض هو الآخر مستلّا لسيفه و مبتسما لها، "حاولي سحبه إلى داخل البحيرة من جديد... لا تقتربي، ابقي بعيدة. "

أومأت له قبل أن يرحل راكضا نحو الكوليبس... لقد صارت مصمّمة على إعطاء كل ما لديها لمساعدته في القتال. و هذه الدّفعة من الشّجاعة سببها لم يكن إلا شعورها بارتعاش ذراعيه عند إمساكه لها سابقا.

'إنه خائف أيضا... لكنه يقاتل رغم ذلك و لا يُظهر لأحد شيئا... ' ، لقد كانت تحترم الأمير قبلا بفضل مكانته الإجتماعية و أعماله البطولية، لكنها الآن صارت تحترمه و تقدّره كشخص.

أوسكار لم يجرؤ و يقترب من الكوليبس، كل هجماته كانت عن بعد و قد كانت عديمة الفائدة.  لا تؤذي الوحش و لا تسبّب له أي ضرر. روزوالد عكسه اقترب كثيرا و مع ذلك لم يتمكّن من قطع الكوليبس إلا قليلا.

حتى جاء ويليام، بعد قفزة عالية بلغ قمّة جمجمة الكوليبس. سينا أفسحت له المجال بتقييد أيدي الكوليبس داخل البحيرة بفضل سحرها،  لقد جعلت الفتاة الماء يربط الكوليبس الضخم عن الحركة.  و بعد شقلبة هوائية غرس ويليام سيفه وسط الجمجمة مسببا شقّا أوجع الوحش حتى دَوّى مُزعزعا الأشجار حول البحيرة!

يمينا و يسارا صار يهزّ رأسه من الألم ، ويليام كان متشبّتا و يدفع بسيفه عميقا مستعملا كل طاقته.  لقد كان يهدف لشق جمجمة الكوليبس إلى نصفين و قد كان في طريقه لينجح بذلك! لولا أن قوة الكوليبس الشديدة و حركته المستمرّة تغلّبت على تحكّم سينا بمياه البحيرة، فاستطاع الوحش تحرير يديه و التحرك من مكانه من جديد!

هز رأسه عاليا بسرعة حتى كاد ويليام ينزلق لولا تشبّته بمقبض سيفه العالق وسط الجمجمة.  و أمام مرأى من الجميع، وسط نظراتهم المفزوعة و صياح سينا من الصدمة، ألقى الكوليبس بنفسه عودة للبحيرة.


أثناء انهيار هيكله الضخم صكّ ويليام على أسنانه برؤية نفسه متوجّها للاصطدام بسطح البحيرة.  هذه المرة لم يكن يمقدوره فعل شيء سوى حبس أنفاسه و الاستعداد للقادم كيفما كان.


اصطدام الهيكل العظمي بالسطح المائي خلَّف موجات عالية صفعت أوسكار و روزوالد و دفعتهما للخلف، أما الباقون فقد كانوا أبعد بعض الشيء و لم يصبهم إلا بعض الرذاذ المائي.

عمّ السكون الأجواء بعدها... هدأ السّطح المائي للبحيرة ، و كم كان هدوءً مخيفا و مرعبا. خصوصا أن اللون الأسود كان لازال يغشاه، دليلاً على كون الكوليبس الضّخم مازال قريبا من السّطح و مازال يرفض العودة لسباته في الأعماق.

لا الأمير ظهر و لا الكوليبس عاد، وسط ترقّبات الجميع تقدّم ريجي محاولا دفع ابنته للخلف، "ابقي هنا، سأذهب أنا لأتفحّص ما يحصل هناك! "


أراد ادّعاء البطولة من جديد، و ذلك جعل ابنته تتمسّك به ناهرة إياه ، "لا!! ابقى هنا!! لا تقترب! ستموت لو ظهر الكوليبس من جديد!! "

ملامحه بسرعة أبانت عن عدم رضى... لقد ترجم قلق ابنته عليه كانتقاص لها من قدره، و ذلك لم يعجبه بتاتاً.  و عن طريق الصدفة رفع رأسه فتقاطعت نظراته مع كارلوس الواقف قريبا جدا منهما... من نظرات ريجي المريبة نحوه استغرب ساحر الابتكار.

بين الجميع كان أقرب شحص للضّفة هو يوداليت، بعدما فقد الخنجر الذي كان يحمله صار من الواضح أخيرا أن خطبا ما بذراعه، لم يكن قادرا على تحريكها...  متدلّية تركها أثناء إمساك كتفه المخلوع بيده الأخرى.

يُوي كان مختبئا خلف ساقه، بعين واحدة يحاول إلقاء نظرة على البحيرة أثناء انكماشه على نفسه.


حتى مر فجأة من أمامهما كارلوس. دون أن يأبه بأمر يوداليت وقف عند حافة الضفة و انحنى يتفحّص الماء بعينيه.  تصرّفه أثار استغراب و استنكار كل من انتبهوا لفعلته، إلا يوداليت الذي ابتسم بعد برهة... كارلوس جاء بقدميه إليه؟  فلما لن يغتنم الفرصة؟

بسرعة سحب نايه المعلّق على خصره، إنه قد ينسى أي شيء و كل شيء إلا الألحان التي سمعها ، حتى لو مضت عليها سنين من الدهر!   و لأنه لم يقدر على تحريك ذراعه الأخرى فقد اعتمد على يد واحدة في حمل الناي. استجمع كل أنفاسه، ثم نفخ فيه أبشع و أفظع لحن!

في تلك الأثناء داخل البحيرة، ويليام كان في أسوء حال ممكنة.  مرتخي الجسد و مستسلما للمياه التي تسحبه ببطء نحو الأعماق،  اصطدامه بسطح الماء بتلك القوة زعزع طاقته الجسدية،  إضافة لكون السّم أضعفه بشدة.  و هو يحدق بالكوليبس الذي يكاد يقترب منه فاتحا فمه و مستعدا لعضّه و سحق جسده، صار بينه و بين نفسه يتساءل ما إذا كانت هذه هي النهاية فعلا.

فجأة، خُيّل له سماع صوت غريب جدا... أقرب لعزف بعيد بأميال عنه.  مستحيل أن يخترق الصوت الوسط المائي و يصله، لهذا كان موقناً أنه خيال.  لكن تحرّك الكوليبس المفاجئ أمامه مبديا انزعاجا واضحا،  و تراجعه بسرعة نحو السطح جعله يتأكّد من العكس.

صوت العزف كان لناي،  و ويليام الذي استطاع تمييزه اتسعت عيناه بعدما طغى على تفكيره شخص واحد، 'يوداليت!!!'

هذا الفتى الذي عزف على نايه تلقى ردود فعل مختلفة، منهم من صرخ به كأوسكار مؤنبا إياه، و منهم من التزم الصمت مظهرا الامتعاض كآناليا، لكنهم جميعا غطوا آذانهم بأيديهم.

إيليز نحو والدها بقربها التفت أثناء تغطيتها لأذنها تسأله، "أبي!  ما مشكلة هذا المجنون؟؟ أيحاول إيقاعنا في ورطة؟!"

"ه.. هاه؟  أ-أبي؟ " ،و كم كانت ردة فعل ريجي و نبرة صوته غريبة، حتى بالنسبة لابنته .

في نفس الوقت الذي صاح فيه كارلوس عند الضّفة غاضبا، "ما الذي تفعله أيها الوغد؟!! "

بدل أن يعطي يوداليت جوابا، انبعث من البحيرة الكوليبس الضخم.  ظلّه غطّى كارلوس فما كان هذا الأخير بحاجة للالتفات حتى يعلم أنه في ورطة، كما أنه لم يستطع نزع نظراته المصدومة عن ابتسامة يوداليت المظلمة نحوه .


و في الحين و اللحظة، توجّه الكوليبس بأسنانه نحو الرجل الأقرب إليه، دون تردد منه قضم النصف العلوي لجسده و ابتلعه في لقمة واحدة.

تطايرت الدماء ملطِّخة العشب و ضفاف البحيرة. وسط الصّرخات المفزوعة لآناليا و تسمّر سينا مكانها تراجع روزوالد للخلف مصدوما،  من الجثة التي لازال نصفها ملقى على الأرض نقل نظراته إلى الفتى ذي الشعر الأبيض. لقد كان يتأمّل المنظر! مقارنة مع الفتاتان اللتان ألمّ بهما الفزع، و اللتان تكونان في نفس عمره، فيوداليت ردة فعله كانت غريبة جدا و غير طبيعية...

روزوالد كان يدري أنه غير طبيعي، لكن بعد ردة فعله هذه زاد يقينا أنه يشبهه... لكن مختلفا عنه بنفس الوقت.

أثناء بكائها أسرعت إيليز بالتّشبت بوالدها مرتعشة من الخوف، في هذه اللحظة بالذات أرادت حضنا منه و كلمات لتطمئنها و تهدّءها... لكنها لم تحصل على شيء منه.

"ا-ابتعدي!  ل-ليس لائقا فعل ه-هذا! "

على وقع هذه الجملة دُفعت إيليز عن الحضن الذي ظنّته للشخص الذي دائما ما يأويها. مصدومة رفعت بصرها فإذا بها ترى كارلوس واقفا أمامها...

أخذ منها الأمر وقتا طويلا لتستوعب.... كلمات والدها قبل قليل، تصرّفاته، طبيعته المتسرّعة و تهوّره. جميعها أمور جعلتها تدرك أخيرا ما حصل، فإذا بها تلتفت مجزوعة نحو الجثة.  في نفسها تتوسل و تتمنى أن يكون استنتاجها خاطئا.

لكن الواقع يكسر الأحلام و الأمنيات المستحيلة لا مجال لتحقّقها، بمجرد أن تزهق روح لا يمكن أم تعود،  و إيليز رغم صغر سنها إلا أنّها أُجبِرت على عيش أحد أقسى أنواع الألم.

الملابس للجثّة كانت نفس خاصّة والدها...

منعته عن الرّحيل فاستعمل سحره لخداعها، سرق مظهر كارلوس القريب منه و منحه مظهره في المقابل. لقد كان يهدف لتشويه الواقع عنها هي فقط، لكن لأن سِحره اضطرب بعد تمزيق ويليام لكتابه سابقا،  فقد انتهى به المطاف يؤثر بسحره على كل الحاضرين...

صراخ إيليز المحروق و محاولتها الركض منتحبة نحو الجثة منادية والدها أثار انتباه الجميع إليها.

الفتاة كانت تركض مصدرة جلبة بحضور كوليبس خطير!  آناليا صارت تصيح محاولة نهرها عن فعل ذلك خشية سقوط روح أخرى، لكن الشخص الذي تدخّل فعليا و منعها عن الإلقاء بنفسها للتهلكة كان روزوالد.

الفارس القوي هذا أمسك الفتاة، بينما هي الدموع تملأ عينيها، كشلال تنهمر وسط نحيبها المُمزّق، "والدي!!  والدي!!  والدي!!! "

'لما هي تنادي كارلوس بوالدها...؟؟ ' ، سؤال طغى على أذهان الكلّ قبل أن يستوعبوا أيضا وجود كارلوس و غياب ريجي... و الأشد صدمة بينهم كان يوداليت.


الفتى من جثة ريجي نحو كارلوس الواقف بعيدا صار ينقل نظراته المرّة تلو الأخرى، 'كيف..؟؟؟ ' ، إنه لم يستوعب السبب، لكنه علم أنه ارتكب خطأً و ريجي دفع ثمنه..

الكوليبس انهال على المتبقي من الجثة ينهشها أمام عيناي الفتاة... المنظر جعلها تصمت للحظة. الأفكار تدافعت داخل رأسها، إنها لن ترى والدها مجددا، والدها مات، جثة والدها تُؤكل، والدها كان لطيفا معها، والدها فعل الكثير لأجلها، الآن هي وحيدة، فقدت كل عائلتها، ليتها كانت ألطف مع والدها... المشاعر التي تولّدت عن تلك الأفكار أدمت قلبها و دفعتها لحافّة الجنون،  فإذا بها لا تجد ما ينقذها إلا الصراخ الهستيري.

تصرخ فقط دون أن تدري بما سينفعها ذلك و ما الذي ستحقّقه به، تصرخ فقط عاليا محروقة القلب حتى تمزّق صوتها... و كلّه أمام أنظار الجميع.

ذاك الصّراخ المفروض أن يزعج الكوليبس، لكن هذا الأخير كان يتناول ضحيته بشهية غير آبه بما حوله. و بعد انتهائه منها وقعت أنظاره على الذي يقف أمامه مباشرة... يوداليت.

الكوليبس صار هادئا مكانه، فكه و أسنانه ملطّخان بالدماء . يطلق زمجرات بين الفينة و الأخرى بينما الفتى لم يكن متأثرا بذلك و لا قلقاً أو خائفاً بتاتا، عكس يُوي الصغير الذي صار يرتعش أثناء اختبائه خلفه.

و المشكلة الحقيقة لم تكن الكوليبس.. بل شيئاً آخر لم ينتبه له أحد منهم، إلا الأمير الذي نجح أخيرا بالسباحة لخارج البحيرة. عند الضفة وقف يحاول التقاط أنفاسه، متعبا تتراقص نظراته الضبابية تارة نحو أوسكار الأقرب منه و تارة أخرى إلى يوداليت و الكوليبس الضخم،  حتى وقعت فجأة على البذور الطائرة تنزح نحوهم.


ذلك أفزعه، الصراخ العالي يجذبها و إيليز كانت السبب في نزوحها من الأشجار القريبة نحوهم. لقد كان ويليام متعبا، لكنه ضغط على نفسه و صرخ بأعلى صوته محذرا إياهم، "المخلوقات الطائرة قادمة!  عودوا للمخيم !! عودوا فقط و اتركوا لي أمر الكوليبس!! "

دون أن ينتظر منهم رداً، اكتفى بالتفاتهم للنظر نحوه، فذلك جعله يوقن أن أمره وصلهم.  بسبب ارهاقه كان يتوكأ على سيفه، لكنه استقام مرغما و أجبر نفسه على الركض نحو الكوليبس..

هدفه كان تشتيت انتباهه عن الآخرين ريثما يفرّون، لكن انتهى به المطاف هو المشتّت عندما وقعت عيناه على دماء و بقايا جثة بشرية على الأرض... هو لم يعلم عما حصل فقد كان يكافح للخروج من البركة، و بفضل تشتّت انتباهه عرّض نفسه لهجوم مباشرة من اليد العظمية الكوليبس!

إذ بقوّة صفعته من الجانب حتى ارتطم بالأرض أمام روزوالد و ايليز التي تصرخ.  من قوة الضربة طار كل تلك المسافة في لحظة وجيزة، و رغم الألم الفظيع نهض يلتقط أنفاسه من جديد، متجاهلا نزيف ذراعه و رأسه.


"أ.. أيها الأمير!! "


النداء جعله يلتفت، آناليا و كارلوس قلقان كانا يحدقان به... منهما نقل أنظاره إلى روزوالد الذي يحتضن إيليز الباكية،  تلقائيا علم لمن تلك الجثة... فزم شفتيه و عاد ينظر أمامه، مستلا سيفه تحدّث وسط أنفاسه المضطربة، "عودوا للمخيّم... الطفيليات الطائرة قادمة... توقفوا عن تضييع الوقت"


لم يمنحهم وقتا للجدال معه، بل انطلق مجددا نحو الكوليبس.  روزوالد دون تردّد حمل ايليز و ركض عودة للمخيّم، آناليا بسرعة نادته لانتظارها و لحقت به تركض، نفس الشيء بالنسبة لكارلوس.


الوحيد الذي بقي مترددا كان أوسكار... لقد أراد القتال، لكن بالنظر لضخامة الكوليبس و الطفيليات القادمة، تراجع خطوة للوراء مقرراً الرحيل... إن الفوز لمستحيل!  و ويليام الذي وقف أمام الكوليبس شاهرا سيفه كان مجنونا كبيرا في نظره!


و في النهاية هرب أيضا تاركا الأمير وحيداً...


الكوليبس عاد يصرخ، زمجرته العالية أقلقت ويليام لكنه لم يتراجع... إن تراجع أيضا فسيلحق هذا الوحش بالباقين... يكفي الأرواح التي سقطت رغم أنه كان متواجدا بقربها.


"أتعلم أنه عالق وسط البحيرة و لا يمكنه الخروج؟  لا فائدة من بقائك هناك.. "


أحدهم لازال لم يرحل!!  مسرعا التفت ويليام نحو مصدر الصوت... ذو الشعر الأبيض كان واقفا عند صف من الأشجار يحمل يُوي بين ذراعه،  لقد منح ويليام نظرة باردة قبل أن يلتفت و يتركه خلف ظهره.


هذه المعلومة لو شاركها يوداليت باكرا لما عانوا جميعا إلى هذه الدرجة، لكن ويليام رغم ذلك كان ممتنا لأنه نطق بها و لو متأخّرا... فعلى الأقل الآن لا حاجة له بقتال هذا الشيء أثناء قطعه أنفاسه خشيةً من الطّفيليات القادمة.


للهرب كان أمامه سبيلان، طريق تؤدي للمخيّم و هي الطريق التي سلكها روزوالد و الآخرون، و طريق مجهولة سلكها يوداليت.  و بالطبع اختار الطريق الأخيرة دون تردد...

وسط الأشجار العالية كان يوداليت يمشي، منزعج الملامح يمسك الخنجر بيده بينما يوي يلحق به.  الرالين الصغير تارة تارة يلتفت وراءه متفحّصا ويليام الذي يلحق بهما ثم يعود للنظر نحو يوداليت، كما لو كان يسأله عن سبب لحاق ذي الشعر الأزرق بهما.


عن المشي فجأة توقّف يوداليت، منزعجا جدا و غاضبا التفت أخيرا ليواجه ويليام، "لماذا تلحق بي الآن؟ "

"هاتِ قطع الغيار تلك"، ويليام كان يبدوا بخير جدا، لولا الدماء التي تلطخ ملابسه المبتلة و النزيف عند جانب رأسه لجزم أي شخص أنه كان يستحم داخل البحيرة فقط و ليس يقاتل مخلوقا مفترسا!

"اه!  إذن هذا ما تسعى إليه؟ " ، ضحك الأصغر ساخرا، "لن تحصل عليها! لا أحد سيخرج من هنا حتى يموت كارلوس أو أنا! "


صبر حتى اكتفى، ويليام قد طفح به الكيل رغم ملامحه الباردة و افتقاره لردة فعل محدّدة.. و الدليل أن السيل بلغ الزّبى به، أنه استل سيفه و وجّهه نحو يوداليت، "أحدكما يجب أن يموت ليعيش الآخرون إذن؟ "


لم يكن يمزح ، لقد كان جادا جدا لدرجة أن يوداليت هز طرف شفته، ساخرا جدا من الموقف الذي هو فيه رفع خنجره أيضاً، "هكذا إذن...  و تقول أنك إلى صفي؟ هذا حرفيا مضحك..."


هبّت الريح فاصلة بينهما، كل منهما يُشهر سلاحه في وجه الآخر، و لربما لا أحد منهما توقّع تطوّر العلاقة المتزعزعة بينهما لنقطة كهذه...  يُوي الصغير كان تائها و حائرا ينظر يمينا و يساراً،  ليس متأكدا بعد مما إذا كان ويليام عدواً حقا أما لا.

"أتعلم... " ،فجأة أنزل يوداليت الخنجر متنهدا، " ...أنت تضيّع وقتي كثيراً، لكنني سأمنحك فرصة أخيرة، هل حقا تريد هذا القتال أم-"


"هاتِ قطع الغيار"، قاطعه ويليام بجواب قاطع، بيّن أنه ليس يريد تفاوضا و لا حديثا و أن يوداليت هو من يضيّع الوقت هنا. و كم أغضب ذلك الأصغر و أغاظه حتى رسم على وجهه ابتسامة هستيرية و انحنى مستعدا بالخنجر.


"تريدها؟؟  تفضل خذ أولا!! "

بدل مواجهته، رمى الخنجر بسرعة خارقة مباشرة نحو وجه ويليام... في قتال ضد فارس هو لن يفوز، لكن في سباق سيفوز.

بجسده التفت مستعدًا للركض، إن هرب فويليام لن يستطيع بتاتا إيجاده في غابة ضخمة كتلك... لقد كانت تلك الطريقة الوحيدة للفوز، لكنه بالطبع لم ينسى يوي خلفه، فقبل رحيله التفت نحوه يناديه "يُوي هيا-"


الخنجر كان سريعا جداً، لكن ويليام كان أسرع و أقوى.  إذ أمسك بقبضة الخنجر،  على نفسه استدار ثم رماه هو الآخر من جديد... لكن ليس نحو يوداليت، إنما نحو يُوي.

على عيناي الأصغر كان ينعكس منظر يُوي المتسمّر مكانه و الخنجر السريع الذي يكاد يصيبه... بالنسبة له كان ذلك حَدَثا بطيئا جدا، و دون وعي منه غيّر مسار ركضه نحو الرالين الصغير.


إن السرعة التي استعملها جابهت سرعة الصوت، و في رمشة عين صار أمام يُوي.... غير لم يفكّر بالتالي، لم يفكّر بما سيفعله بالضبط لكنه كان مستعدا لجعل جسده درعا لحماية الرالين الصغير.

بين رأس الخنجر الحادّ و بين صدر يوداليت مسافة شبر تبقّت، قبل أن يتوقّف الخنجر فجأة...


نظرات يوداليت المصدومة طوال الوقت كانت على ويليام أمامه... الأمير قد لحق بالخنجر و أوقفه قبل أن يصيب الأصغر. لقد كان ذلك قريبا جدا، و مرعبا جداً... الاختلاف بين قوّتهما فظيع جدا و باستيعابه لذلك انهار الأصغر على الأرض جالسا.

نحو الفراغ تابع التحديق، يتساءل في نفسه عما كانت تلك السرعة؟  إنه في سباق لن يفوز، مستحيل أن يفوز ضد سرعة ويليام.

أمامه نزل ويليام القرفصاء، نظراته الباردة ضد النظرات المصدومة للأصغر،  في برود كالصقيع يخاطبه، "أخبرتك أن لا تقحم الآخرين في مشاكلك.... أخذتَ قطع الغيار و احتجزتَ الجميع بما يكفي، حان الوقت الآن لعودة الأمور إلى نصابها."

إنْ أخَذ قطع الغيّار و تم إصلاح الآلات و عاد الاتصال، يوداليت سيكون في ورطة كبيرة.  بالتفكير فيما سينتظره لو عاش ساحر الابتكار ذاك... وجهه شحب و بوضوح أثناء رسمه على وجهه ابتسامة ساخرة،  "إذن في النهاية اخترتَ كارلوس حقا.."

تلك النظرات الباردة رقّت و ذاب عنها الصّقيع، بعدما تنهّد ويليام أردف في هدوء، "أحدهم أخبرني أن أشغل انتباهك عن الناس حولك... هذا فقط ما كنت أفعله، أنا لا زلت لن أختار أحدا غيرك"


طوال الوقت كان يجرّ انتباه يوداليت عن كارلوس، كان يسعى ليجعل نفسه هدفا للأصغر ليشتت انتباهه عن هدفه الأصلي.  و قد نجح في ذلك حقا و كادت تستمرّ خطته حتى النهاية و تنتهي مكلّلة بالنجاح لو لم يعصي ساحر الابتكار ذاك أمره و يقترب من يوداليت.

و مع ذلك، مهما قال ويليام إلا أن ذلك لم يكن يفيد يوداليت في شيء، الأصغر لم يكن يلاحق أوسكار ليلهوا!  الأصغر يريد النجاة!  و هذا ما صرّح به في النهاية أخيرا "ما الذي تعرفه أنت حتى؟؟  لو اتّصل أوسكار بالعالم الخارجي فأنا ميّت! "

"لا لن تكون كذلك"


جواب ويليام الواثق جدا و السريع جعله يقطب حاجبيه، قبل أن يرفع ويليام معصمه و يشير لسوار أسود حوله.


"أتعرف ماهذا؟  إنه ميثاق سحري، ثم صنعه بنصف قوتي و قوة كارلوس.  إن نطق كارلوس بكلمة عنك لأحدهم فسينتهي أمره.. "

بالعودة لما قبل الرّحلة، عندما أمر ويليام الجميع بالخروج و بقي مع كارلوس داخل غرفة التحكّم.  كان قد واجهه دون تردد، "ما الذي بينك و بين يوداليت؟ "


"ا ل لا شيء يا سمو الأمير! ل-لا شيء!! "

الفزع الظاهر على وجه كارلوس و نبرته فضحه، فبالطبع لم يصدّقه ويليام، "أنت تعلم أنه يخطّط لقتلك،  صحيح؟ "

زمّ ساحر الابتكار شفتيه و انتكس رأسه للأسفل، بينما ويليام قدّم عرضه على الطاولة، "كارلوس أنا أعرفك منذ زمن طويل، و بالطبع لا أريد أن يصيبك سوء... هل تريد مني حمايتك؟ "


بسرعة رفع السّاحر رأسه من جديد مومئا مرارا و تكرارا، فتلقى نظرات و نبرة صارمة جدا من الأمير، "إذن أخبرني عما يحصل! "

بداية تردد كارلوس،  لكنه تذكر كيف أنه شهد بأم عينيه عن خبث يوداليت، لن يستغرق الأصغر وقتا طويلا قبل أن يوقع به و يرذيه قتيلا حقا، و ذلك جعله يسارع بالقبول، "أ.. أحدهم.. ي-يريده.... إ-إنه مطلوب عب-عبر الأسواق السود-داء... "

نطق بذلك و هو خجول من نفسه، حتى أن كلمات ويليام المؤنّبة زادته شعورا بالعار، "و أنت تريد أن تقدّمه لهم؟!  حقا؟! "


خشية من مواجهة الأمير أنزل رأسه من جديد، بينما ويليام محاولا السيطرة على أعصابه تنهد، "و من هاؤلاء الذين يريدونه و لماذا؟"


"إ-إنهم طائفة متطرّفة م-من البشر ... يؤمنون بخرافات غر-غريبة، و و ذاك الص-صبي ك-كان يعيش معهم لكنه ه-هرب.. ه-هذا كل ما أعرفه.. "

اعترف دون القدرة على مواجهة الأمير. و عندما مضى من الزمن وقت طويل دون أن يتحدّث ويليام، قلق كارلوس أن يكون قد تراجع عن رغبته في حمايته فرفع رأسه قلقا "س-سمو الأمير أنا-"


"لنصنع ميثاقا"


"ه-هاه؟ "

"لنصنع ميثاقا بيننا، أعدك أن أحميك من يوداليت، بشرط أن تعدني أن لا تذكر كلمة عنه لأحد يوما... و لو حدث و أن أَخلَفتَ هذا الوعد، السوار حول يدي سينقطع و يكشف لي عن مكانك مباشرة، و أقسم لك يا كارلوس أنني سألحقك حتى لو كنت مختبئا في حافّة العالم، و سأجعلك تتمنى لو أنّك متّ هنا."

لقد أرعبه، ويليام لم يكن لطيفا بتاتا كما ظنّ كارلوس في النهاية... و حقيقة أنه وضع نصف قوّته لجعل الميثاق  بينهما قويا و مثينا لدليل قاطع على استماتته في حماية يوداليت و استعداده لتنفيد تهديده لو نطق كارلوس بشيء.

بالعودة للحاضر، أمام يوداليت مد ويليام يده مبتسما ابتسامة صغيرة، "أنا أخبرتك بالفعل أنني دائما إلى صفك لكنك فقط غبي لا تفهم"


من ويليام نحو يده نقل يوداليت نظراته المصدومة، أحقا ويليام حلّ الأمر لأجله؟  بمدّه ليده فقد كان يطلب من الأصغر إعادة قطع الغيار... ذلك واضح جدا.  لكن الشيء المبهم بالنسبة ليوداليت هو لماذا هو الآن يقوم بإدخال يده في جيبه و إخراج قطع الغيار؟

بدوره كان مصدوما مما يفعله، بيديه وضع قطع الغيار على راحة كفّ ويليام... هكذا فقط؟ بكل بساطة هكذا فقط؟


على الأرض أمامه تساقطت قطرات ماء... أهي تمطر؟ 


"هيا الآن~ ما لك تبكي؟ "


مستغربا عاد ينظر نحو ويليام، الأكبر كان يبتسم له.  تساءل الأصغر لوهلة عن مقدرة ويليام المرعبة على رسم ملامح مخيفة على وجهه ثم تحويلها لأكثر الملامح دفئا على الإطلاق... لكنّه أيضا تساءل عن سبب تفكيره بشيء سخيف كهذا فجأة، قبل أن يضيّق عينيه و تزيد دموعه انهمار أثناء انفلات شهقاته الباكية... لقد كانت مواجهة كل ذلك صعبة عليه.

ويليام مبتسما وضع يده على شعر يوداليت و دفعه إلى كتفه في حضن.  لقد شعر به طوال الوقت متوترا، لكن الآن انهمرت دموعه و أخذت معها كل ذاك التوتر المرهق، ما جعل ويليام يتنهد أخيرا في ارتياح.

.....................

في تلك الأثناء،  وسط أطلال مبنى تسلقت النباتات الخضراء بقاياه، أرضه المخرّبة مكشوفة للسماء الغائمة، عليها يقف رجل لا تظهر منه إلا لحيته البيضاء، أمّا الباقي من جسده و ملامحه فهو مغطى برداء أسود.


يداه خلف ظهره، بالسماء يحدّق أثناء استماعه لتوابعه الثلاثة الراكعين على ركبهم خلفه، جميعا مثله يغطّون أنفسهم و ملامحهم بأردية سوداء.


أوسطهم نطق بما لديه من أخبار، "أحدهم له سحر مدمّر، غريب جدا و عظيم.  لا ندري هوّيته فقد كان يغطّي وجهه بقناع، لكنّه منهم دون أدنى شك... لقد قام بحمايتهم و قطّع الكوليبس و الأشجار! "


همهم الشيخ ذو اللّحية البيضاء، و في صوت أجش سألهم "ماذا عن الأميرة؟ "


الذي على اليسار أجاب هذه المرة، "قدتُ مجموعتي و ذبحنا كل أفراد الفرقة التي تحميها، الطريق إليها منبسطة و سهلة الآن."


"هكذا إذن.. هكذا إذن.. " ، نزع الشيخ يدا واحدة عن ظهره و صار يمسح بها على لحيته، "أمسكوا الأميرة أولا ، ثم أحضروا إلي السّاحر الغريب ذاك أيضا..."

الذي عند الطرف اليمين تدخّل فجأة بسرعة، قلق النّبرة قاطع الشيخ "لا يمكننا! "

الأوسط و الذي على اليسار مستغربين التفتا نحوه، و كما لو أنه استوعب خطأه الفادح حاول إصلاحه بضحكة مرتبكة "أ أعني يا سيدي أننا لا نعرف هويّته..."


"بسيطة! " ضحك الشيخ فجأة، "لنجبره على الظهور... يا توابعي الثّلاثة،  قودوا الماحقين نحو المخيّم ! لكن لا تنسو القبض على الأميرة أولا خشية أن نقتلها خطأً"

ضحك ضحكات متقطّعة، تاركا من الذي على اليمين مصدوما فاغرا فاهه...

الاجتماع انتهى و خرج الثلاثة من الأطلال القديمة، الذي على اليمين كان يمشي مسرعا متجاهلا النداء خلفه "روهان!  رووهاان!!  انتظر يا رفيقي!! "

توقف روهان و التفت نحو الذي كان بالوسط، لقد جاء إليه يركض و وضع يده على كتفه
. لأنه لم ينزع القلنسوّة عن  رأسه فلم يكن يظهر من ملامحه إلا ابتسامته الواسعة، "مالي يا رفيقي أراك قلقا؟  هل يشغل بالك شيء ما؟ "

نثر روهان يد الشاب عن كتفه، التفت و رحل بعدما رمى إليه بعبارة واحدة "أنا بخير، فقط اغرب عن وجهي يا ڤال.. "


ترك الشّاب مخفي الملامح خلفه، غير أن تلك الابتسامة تحوّلت لأخرى ساخرة مستهزئة...


روهان حقا كان يشغل باله شيء ما، و من غيره يوداليت!!  هذا الفتى الذي قرر أخيرا صفع ويليام بمعلومة مهمة أخرى أخفاها عنه.


لقد عرض عليه ويليام فحص كتفه المخلوعة و إعادتها لمكانها... لكن يوداليت أوقفه بعبارة واحدة،  "....روزوالد هو القاتل... "


و تلك كانت صدمة كبيرة لويليام.


.......................

الفصل القادم >> الرحلة المدرسية (أرواح الغابة).

Continue Reading

You'll Also Like

46.1K 2.9K 29
• مـثل عرُوض الـدُمى، حولَ أيادي الـجَميع خيوطٌ تُحرِكَهُم، أما من أعتبرَ نفسهُ حُـرًا، لم يختلف كثيرًا ! سوى إنهُ كان جاهلًا بحقيقة إن خيوطهُ كانت م...
162K 14.8K 19
- مكتملة- × بريطانيا العظمى تتآلق في حلة العصر الفيكتوري، بداخل أرجاء قصرٍ جميلٍ ومترامي الأطراف في ريف ويلفيرتون تدور روايتنا... كانت سارا ويلفيرتون...
5.7K 541 18
ُكنْتُ مَا أزالُ يافعاً مُهتاجاً للإطلاع، ليِناً اتَشكلُ كالصَلصَال، عِندما َتعرفتُ لأول مرةٍ على هوسيِ المُستقبلي، مَنزلُ الاوراقِ والكتبِ وكُلُ ماه...
11.6K 1.1K 5
عن حي مملوء بالبؤساء، وامرأةٍ تحاول العيش. #العلامة ٣