كما يحلو لي (حوار بالعامية ال...

By Batoulg7

4M 91K 15.2K

لم يكن متباهياً بغروره وعلاقاته كالرجال، كان فقط رسمياً.. صارماً بكل شيء بحياته.. علاقاته لم يعلم عنها أحد وك... More

مقدمة وتنويه
شخصيات الرواية
فيديو الرواية
النسخة القديمة للرواية
حقوق الطبع والنشر
- ١ -
- ٢ -
- ٣ -
- ٤ -
- ٥ -
المناقشة الأولى
- ٦ -
بعض النقاط الهامة وخبر حلو
- ٧ -
- ۸ -
- ٩ -
تعالوا اقولكم حاجة
- ١٠ -
استفتاء هام لمصير الرواية
- ١١ -
- ١٢ -
- ١٣ -
- ١٤ -
- ١٥ -
- ١٦ -
- ١٧-
- ١٨ -
- ١۹ -
- ٢٠ -
- ٢١ -
- ٢٢ -
- ٢٣ -
- ٢٤ -
طلب صغنن بخصوص الرواية
- ٢٥ - الجزء الأول -
- ٢٥ - الجزء الثاني -
اعتذار والفصل القادم
- ٢٦ -
- ٢٧ -
- ٢٨ -
- ٢٩ -
- ٣٠ -
- ٣٢ -
- ٣٣ -
استفتاء مهم تاني
اخبار هامة بخصوص الرواية وتوضيح
- ٣٤ - الجزء الأول -
- ٣٤ - الجزء الثاني -
- ٣٥ والأخير-
توضيح ومناقشة ختامية
الجزء الثاني
اعلان هام

-٣١-

45.9K 2.2K 308
By Batoulg7

هي الناس بتنسى التصويت ليه؟ هو فيه يا جماعة؟ تقدير يعني مش كده

التقت اعينهما و "عنود" تتجه وكي تكفكف دموعها التي تنهمر دون توقف ولا انقطاع لكل ما تواجهه مع والدها الذي لا يتجرأ أي من أفراد هذا المنزل أن يعصي له أمر أو تعليمات، فكل ما يُسنه والدها من قوانين فهو نافذ ومن يُخالفه عليه الإستعداد لكل ما لا يتحمله البشر من تحكمات وتسلط لا ينتهي.. 

نظرت لها "روان" بتعاطف شديد بينما ابتلعت الأخرى ما تبقى من بُكائها كي لا تكون هذه هي الذكرى الأولى لها بمنزل عائلة زوجها، فهي لا تستحق أن تحزن وهي لتوها عروس، كما أنها شعرت بالإحراج لو كانت استمعت لكل ما دار بينها وبين والدها!

اقتربت منها ثم سألتها بإهتمام وهي تتلمس يدها:

- أنتي كويسة؟

رمقتها لوهلة واهدابها لا تزال مُتعلقة ببقايا دموعها وملامح الأخرى لم تجعل عليها الأمر هين وهي باتت الآن تظهر أمامها بعد كل تلك الإهانة التي تلقتها من والدها لتومأ لها بالإنكار واجهشت بالبُكاء من جديد لتعانقها الأخرى وهي تحاول أن تُهدئها وربتت عليها وهي تقول بدعم:

- اهدي طيب وتعالي معايا..

جذبتها برفق كي تتجه كلتاهما للحديقة المُلحقة بالمنزل وفي طريقها طلبت بعض العصير من احدى المساعدين الذين يعملون بالمنزل إلي أن جلست بجانبها وانتظرت هدوئها وبعد حين قل بُكائها إلي أن بقيت اثاره كشهقات وهي بجانبها تُمسك بيدها بدعم وتحينت إلي أن اصبحت اللحظة مُناسبة ثم سألتها:

- بقيتي احسن؟

أومأت لها بإنكسار لتُمسك "روان" بكوب العصير وناولتها اياه لتتناول هي منه القليل ثم وضعته على المنضدة أمامها لتعود من جديد وسألتها:

- تحبي تحكيلي شوية عن اللي حصل؟

التفتت تشاهدها بنظرات اعتراضية لتقول هاكمة بمرارة:

- وايه لازمتها الكلام لما نصيبي إني ابقى عايشة مع أب زي يزيد الجندي وعيلة هايلة زي عيلتي!

انتبهت "روان" لحديثها وهي تزم شفتاها ثم كلمتها بدعم ونبرة مُطمئنة:

- أنا بس عايزة اهون عليكي.. لو حابة متتكلميش في حاجة فخلاص لو ده يريحك اعمليه.. أو ممكن حتى نتكلم في أي حاجة تانية!

رطبت "عنود" شفتاها واعينها تحولت لتنظر للأرضية لتهمس بين أسنانها المُطبقة بغلٍ يقطر قهرًا:

- تحكمات طول الوقت، اعملي ومتعمليش، روحي هنا وممنوع تروحي هناك.. أنا خلاص جبت اخري من البيت ده بكل اللي فيه

تريثت لوهلة في انتظار المزيد من كلماتها علها تعرف البعض عن والدها منها أو حتى أي شيء يؤكد لها أن "عمر" عانى من أسباب معينة تستطيع خلالها سوؤال الأخصائية عنها أو حتى لو تعرف أن الأمر وراثيًا وقد كان، لقد واصلت حديثها دون انقطاع:

- طول الوقت قواعد وخنقة، لازم نصحى الساعة سبعة، وننام اقصاها حداشر بليل كأننا أطفال، طول الوقت نظام غريب كأننا في الجيش، ممنوع الخروج والسفر والفُسح مع اصحابي، ممنوع ارجع البيت بعد تمانية بليل.. بقيت بخسر كل اصحابي البنات بسبب الخنقة دي، كل الناس بقت شايفاني مملة بسبب قوانين سيادة المحامي المشهور اللي مبتخلصش! زهقت بقى، ده بيخليني اكره اليوم اللي اتولدت فيه!

زفرت وهي تحاول أن تخرج عبء تتحمله وحدها لتراجع نفسها سريعًا والتفتت وهي تعتذر لها:

- أنا آسفة بجد، انتي ملكيش ذنب في كل ده ومكنتش حابة اخلي اول يوم ليكي هنا في بيتنا يبقى كده، آسفة، فجأة قلبت drama queen وضايقتك وعمالة اشتكيلك..

أومأت لها بالإنكار ثم طمئنتها بإبتسامة لينة تُناسب الموقف:

- متقوليش كده، متعتذريش، وتقدري تتكلمي زي ما انتي عايزة، اعتبريني اختك لو معندكيش مانع.. كان نفسي يكون ليا اصحاب أو حتى أخت بس معنديش غير بسام وبقيت business woman واتشغلت وملحقتش اقرب من حد!

 تفقدتها بتردد وهي تتنهد بينما ملامحها الداعمة جعلتها تشعر بالإطمئنان لتسألها زوجة اخيها مباشرةً بعد أن انتقت ما ستسأل بشأنه:

- يمكن اعرف اساعد، احكيلي ودردشي معايا، ابتدي باللي تحبيه، او حتى كلميني عن باباكي، هو دايمًا كده؟

التوت شفتيها بحسرة واجابتها ساخرة:

- من قبل ما اتولدت تقريبًا، لو كان الإنسان يقدر يختار أهله كنت اخترت اي حد في الدنيا ما عدا دول!

ربتت عليها بلمسات مُطمئنة ثم سألتها كطريقة لتجاذب اطراف الحديث ولحثها على التحدث كذلك:

- ليه بتقولي كده؟ باباكي راجل ناجح وكويس وطنط كمان طيبة اوي!

هزت رأسها بإستنكار ثم تكلمت بهوان:

- أنتي متعرفيش بابا صعب ازاي، وماما ست سلبية ومبتعرفش تاخد معاه حق ولا باطل، ولسوء حظي أنا البنت الوحيدة في البيت ده!

تأثرت ملامحها بما قالته الأخرى وتركتها لتتابع دون تدخل:

- تعرفي، عمر دايمًا شبه بابا، نفس التُقل والسكوت وقلة الكلام وقلة الهزار كأنه إنسان آلي، أنا بجد معرفش عنه حاجة، ومعرفش انتي بتعامليه ازاي، ويادوب اعرف عنه حاجات قليلة، أنا اتفاجئت يوم ما قالنا انه هيتجوز، كنت مصدومة أن فيه واحدة هتعرف تتعامل معاه، وكنت بدعي للي هتتجوزه وبقول يارب اسعده من غير مشاكل، زي ما يكون حد غريب عني، ولو بس جربتي تقربي منه ولا تسألي عنه ولا حتى تقولي اسمه بابا مبيسكوتش وكأن عمر ده منطقة مهمة مكتوب عليها ممنوع الاقتراب او التصوير! 

ضيقت ما بين حاجبيها متعجبة لماذا تحول الحديث هذا عن "عمر" تحديدًا الذي كان يتابع كلتاهما بعينيه، ولحسن الحظ أنه لم يستمع لشيء، ولكنه اطمئن أنها جالسة مع اخته، الصباح قريب للغاية وسيذهب من هُنا وسيكون في منتهى الغباء لو وافق أن يمكث أي منهما بهذا المنزل من جديد.. إلي الصباح إذن، لقد تبقت ساعات قليلة، عليه أن يتحملها ولاحقًا سيعمل ألا تُفكر أبدًا بأن تقوم بزيارة أي من أفراد هذا المنزل، فهو لا يطيق "عدي" ولا يريده أن ينفرد بها خوفًا من أن يخبرها عن تشابه ملامحها هي و "يُمنى" ولا يريد لوالده أن يتدخل بالأمر أكثر من هذا!

ذهب وغادر بينما لم تره كلتاهما واستغرقا بالحديث وتابعت:

- عمر، اخويا الكبير، النسخة المُصغرة من بابا، طول الوقت معاه يا إما في شغله وقبلها في جامعته، هو حتى مفكرش ولو مرة واحدة أنه يعرف أي حاجة عني أو يقربلي.. وعدي، ده بقى عايش في دنيا تانية.. ماما يستحيل ترفضله طلب، اكل، صحي، نام، طب محتاج حاجة! بلاش تضايقوه علشان الضغط، يا عيني ده غلبان، طب يا ترى عامل ايه؟ عُدي بس لذيذ شوية عن عُمر، بيهزر ويتريق طول الوقت، لكن لما تيجي تحتاجيه بجد بيبقى فص ملح وداب علشان هو زي ماما مش بياخد حق ولا باطل مع بابا.. أمّا أنا.. فزي ما يكونوا اتبنوني ومش بنتهم اصلًا!

التقطت أنفاسها بينما ظلت تنظر لها بدعم والآن علمت لماذا آتت على ذكر الجميع لتواصل "عنود" كلماتها:

- روان، بابا صعب، وماما، يعني على ما افتكر واتحكالي،كانت دايمًا بتتخانق معاه حتى من قبل ولادتي، ولسه كمان بيحصل لغاية دلوقتي، بس في الآخر كلامه هو اللي بيمشي.. وأنا، مجرد بنت عندها تسعتاشر سنة، لازم اسمع الكلام وامشي على القواعد بحذافيرها، المسموحلي بس هو اني اخلص دراستي لغاية ما يتقدملي حد مناسب! مُتخيلة راجل زي المفروض انه متعلم ومثقف يفكر التفكير ده؟.. انا عايشة في عذاب بجد! 

ابتسمت بسخرية ثم قالت ما أفزعها حقًا:

- تعرفي، طول عمري كان نفسي ادخل هندسة، وانا كنت شاطرة اشطر من عمر وعدي كمان، وجبت المجموع اللي يدخلني اي كلية اختارها، بس طبعًا بابا رفض، قال ايه، هندسة مش مناسبة للبنات ومش هتوقفي وسط عُمال، اجبرني ادخل كلية الطب، مش كده وبس، لا ده مصمم مختارش اي تخصص غير اطفال، حتى التخصص بيفرضه عليا! يا ترى وضحت الصورة ليكي دلوقتي عن بابا!

اعترت ملامحها الدهشة وتفلت سؤالها ليُغادر شفتاها دون إدراك وهي مأخوذة بالصدمة:

- نعم!! طيب، محاولتيش مثلًا تشوفي حد يقنعه، حد من اصحابه او قرايبكوا مثلًا أو قرايب والدتك، او حتى عُدي؟ اظنه غير عمر شوية!

ضحكت بمزيد من التهكم ثم همست:

- عدي.. انتي عايزة تقربي البنزين من النار بقى! 

تنهدت بآلم ثم التفتت لها وتابعت:

- بصي الموضوع ده متحدد من زمان، عدي ابن مها، وعمر ابن يزيد، وأنا مجرد بنت عايشة في بيت في حي راقي شويتين جوا شارع من شوارع المجتمع اللطيف بتاعنا اللي بيحتقر الست! قرايب ماما مين بس يا روان؟ يا ريت كان فيه حد نروحله! اكيد تقصدي قرايبهم؟! ماما اصلًا بنت عمه، تعرفي قرايبنا فين؟ 

رفعت شعرها للأعلى والسخرية لا تغادر ملامحها بينما أومأت الأخرى لها بالنفي فهي حقًا لا تعرف ونست تمامًا أن تسأل "عمر" عن هذا، حسنًا، تشتيته لا يتركها لفعل الكثير، ولكن قدومها لهذا المنزل يبدو أنه سيُفيدها كثيرًا فتركتها لتُكمل:

- احنا صحيح عيلة كبيرة اوي، معانا فلوس كتير، بس اصلنا من الأرياف، بابا هو اللي ساب البلد وجه هنا علشان يدرس وأسس شغله بمساعدة من جدي اللي مشوفتهوش والحمد لله انه مات قبل ما اشوف اللي كبر وربى حاجة اسمها "يزيد الجندي" بالإفترا ده.. اتخيلي بقى بنت عمه، تروح تشكي لخالي مثلًا اللي هو ابن عمه برضو، وغالبًا ميختلفش عنه في التفكير بنفس العادات والتقاليد المتخلفة دي، أول كلمة هيقولها إن احنا غلطانين وبالذات ماما ولازم تستحمل جوزها وتسمع كلامه.. من سنين واحنا مقدمناش حل تاني! هتعمل ايه ماما وهي لا بتشتغل ولا عملت حاجة بشاهدتها وحتى مش معاها فلوس تقدر تستقل بيها، وحتى ورثها اخواتها الرجالة استولوا عليه، ها، عندك حل بقى؟

اندهشت من كلماتها ووقعت بالصدمة الشديدة ولقد شعرت الأخرى انها تود قول المزيد:

- تعرفي ايه  الحل الوحيد، أني اهرب من البيت ده، بعد أن ما اخلص دراستي، قبل ما يجوزني لواحد من ولاد معارفه ولا اصحابه اللي عمرنا ما اختلطنا بيهم، مبقاش يفرق معايا لا ماما ولا اخواتي، وكل اللي مركزة فيه اني اهرب من البيت ده قبل ما اتجنن!.. 

شعرت بإحتباس انفاسها بصدرها وتسائلت بتلعثم:

- بس.. قصدي.. عمر وعدي وحتى والدك ووالدتك محدش فيهم شكله يعني أنه من الأرياف أو بيفكروا التفكير ده! والدك راجل مُتعلم وسُمعته كويسة جدًا.. يستحيل أنهم يكونوا زي ما بتقولي! وإنك تهربي ده صعب شوية بالذات باباكي ممكن يعرف ويتدخل بمعارفه ويمنعك! مفكرتيش في ده؟

رمقتها مُضيقة عينيها نحوها وهي تستنكر خوفها من والدها لتجيبها:

- هي دي اللعبة، يزيد الجندي ظاهريًا يبان مثقف ومتعلم وشاطر ومحترم، إنما في حقيقة هو مجرد راجل شرقي بيفكر بنفس التخلف الحضاري زي ولاد عمه واخواته في البلد، علشان كده عايشين في مكان كويس اوي، ووبنلبس احسن لبس، وعندنا اسطول عربيات وعاملين وسواقينعلشان يثبت لكل اللي يشوفه ويعرفه أنه راجل راقي ومتحضر زيه زي كل اللي حواليه وفي مجاله.. بس جواه، وقدامنا وهو قالع ماسك الشياكة اللي بيلبسه قدام الناس الغريبة، هو مجرد شرقي متخلف! التحكم في كل أفراد اسرته هي دي الرجولة بالنسباله وهو خانقنا وقارفنا.. يستحيل يتعداه حد أو يسيبني انا او ماما ناخد قرار او نعمل اللي يريحنا، مشكلته دايمًا مع الستات.. 

رطبت شفتاها بينما شعرت "روان" بآلم رأسها من كل تلك المعلومات التي كُيلت إليها دُفعة واحدة لتُكمل الأخرى بسخريتها:

- تعرفي ايه الحل مع راجل زيه، مش انك تحاولي تغيريه.. ده لازم تكوني أذكى منه، يكون في ايديكي حاجة اقوى من اللي في ايديه، نفوذ، أو حتى حيلة، علشان كده بحاول اتعلم وابقى ذكية، بفكر وأقرا كتير، عايشة على أمل أني اسيب البيت ده ومرجعلهوش تاني، يكون مشغول بقى ولا يكون عجز وخرف، بس اخلص وخلاص.. 

هذه الفتاة تتحدث وكأنها قد حسمت امرها، تفهم الكثير حتى مما لا تفهمه هي، تجعل لسانها ينعقد لتكون أمامها كالبلهاء، هي لم تُفكر يومًا بمثل هذه الطريقة، ولم يأتِ حتى هذا التفكير على رأسها، وقد شعرت الأخرى بصدمتها لتسألها هاكمة:

- ايه، اتصدمتي؟ 

رفعت حاجبيها لترد بقليل من التلعثم:

- بصراحة مكونتش اتوقع ان كل ده بيحصل، ملاحظتش اي حاجة من الحاجات دي وقت خطوبتي انا وعمر..

نظرت إليها بشفقة ثم قالت بقليل من اللوم:

- كان لازم تاخدي بالك وتفهمي كل الكلام ده علشان تبقي عارفة انتي حياتك هتكون ازاي، بس لأ ده انا هقولك اكتر علشان تبقي فاهمة البيت ده كويس وتاخدي بالك من نفسك

تنهدت وهي ترمق الأرضية وسيطر الوجوم على وجهها ثم واصلت الكلمات:

- من حوالي تمن سنين، معرفش مين جابله الفكرة العبقرية انه يعملي عملية ختان!

تباعدت شفتيها بمزيد من الصدمة وهي لا تُصدق ما تستمع له بينما تابعت الأخرى:

- كان قرر خلاص، ويومها ماما  رفضت وشدوا جامد وقام ضاربها.. وعدي اتكلم معاه بس كالعادة فضل يقول البنوتة بنت امها وهزأه، وقتها اللي انقذني كان عُمر..

التوت شفتاها بحسرة ثم تابعت بصوت خافت:

- ده اليوم الوحيد اللي بيخليني احمد ربنا ان عمر وعدي وماما في حياتي.. كنت رفيعة وصغيرة اوي، ماما اصلًا لما كانت حامل فيا اكتشفت صدفة، كانت حامل في اربع شهور وهي كان عندها مشاكل في مواضيع دورتها.. وكانت كبرت في اخر التلاتينات وافتكرت انها عادي بيحصلها لخبطة زي اي واحدة ست، ولماولدتني كان جسمي صغير اوي.. ولغاية دلوقتي اهو اديكي شايفة انا رفيعة ازاي.. يوم ما بابا فكر في الختان ماما كانت مرعوبة يجيلي نزيف ويحصلي حاجة

سألتها بصدمة من كل تلك التفاصيل التي تستمع لها:

- ايه اللي حصل؟ عمر اقنعه ازاي؟

نظرت لها وهي تمط شفتاها واجابتها:

- مش عارفة، صدقيني لغاية دلوقتي معرفش هو عمل ايه معاه يومها..

هزت كتفيها وشردت وهي تُكمل في آلم متذكرة كل ما مر عليها ليلتها:

- كنت أنا وماما بنعيط، كل واحدة فينا بتحاول تهدي التانية، عُدي كان يادوب لسه مخلص كلام مع بابا.. مش قادره انسى شكله وهو متضايق بعد صوت بابا العالي اللي بيخوفني، كنا كلنا فاكرين ان خلاص محدش هيقدر يغير كلامه وهينفذه يعني هينفذه.. يومها عدي كلم عمر، كان خلاص ابتدا يعيش لواحده من سنة.. طبعًا عمر وقتها كان محامي شاطر زيه زي بابا اللي كان دايمًا ولا زال فخور بيه لغاية وقتنا ده.. المهم بعد المكالمة بشوية لقيناه جه البيت

قضمت شفتاها وهي تتذكر المزيد ثم واصلت:

- دخل على طول لبابا، اتكلموا سوا من غير خناق، كان هو الوحيد اللي بيقدر يكلمه من غير ما بابا يزعقله.. وبعد حوالي نص ساعة خرج من مكتبه، ساعتها جالي انا وماما وعدي كنا قاعدين وهو بيحاول يطمنا ان عمر ممكن يخلي بابا يرجع عن قراره، وقف كده ببرود وقال خلاص مفيش حاجة هتحصل واتطمن وابطل عياط.. وقام ماشي على طول.. والله العظيم معرفش لغاية النهاردة عمر قاله ايه!

هنا شعرت أن رأسها قد توقف عن العمل بالفعل، لا تصدق أن هذه الفتاة قد عايشت كل هذا فما كان منها إلا أن ربتت عليها وهي لا تزال غارقة بالصدمة لتُكمل بسخرية:

- متقلقيش، بحاول اتعايش من وقتها وبقيت متوقعة الأسوأ من بابا، ويمكن دي الحاجة الوحيدة اللي مخلياني اشفق على عمر وعدي وحتى ماما.. وعمري ما نسيتله جميله ده معايا.. مش عارفة ليه حكيتلك كل ده بس اظن ان كده تقدري تفهمي بابا اكتر.. حاولي تتحاشي التعامل معاه، راجل زيه مجرد ما يشوف ست زيك بيبقى بيغلي!

ارتفع حاجباها بتعجب وسألتها بعفوية:

- ليه يعني؟

ابتسمت لها وهي تشير برأسها نحوها:

- بصي لنفسك، ست جميلة، مستقلة، سيدة اعمال، واثقة في نفسك، معندكيش أب زيه ولا أُم قاسية، ايه اللي يموت بابا اكتر من كده؟! أن يبقى فيه ست متحكمة في حياتها وتقدر تختار.. 

ظلت البلاهة على وجهها بينما فسرت الأخرى كلماتها:

- روان، بابا بيتحكم في النفس اللي بنتنفسه، تعرفي، مصروفي يا دوب ممشية بيه نفسي بالعافية، هو اه بيجيبلي كل حاجة، هدوم، واللي طبعًا لازم تكون بشكل مُعين، وبيجبلي كل احتياجات الكُلية، بيوفرلي سواق، بس انه يسيبلي انا او ماما فلوس، مُستحيل!!.. على عكس عمر اللي ساعده اول ما اتخرج وجابله مكتب للمحاماة، وعدي اللي بعد معاناة مع ماما سمحله بشقة صغيرة بدأ بيها شغله.. ولكن اكتر من كده مبيسبش حد يتحكم في فلوس، لأنه شايف الرجولة يعني يخنق اللي حواليه ولا يسبهم في حالهم ولا يسبلهم اي نفس ياخدوه ولا يتحكموا لا في فلوس ولا قرارات!

ابتلعت وهي لا تدري كيف تواكب هذا الكم من التفاصيل التي عرفتها بينما نظرت لها وهي تتفقدها بإبتسامة:

- انا بصراحة مستغرباكي اوي، مصدومة كده ليه، كأنك عايشة في حياة تانية وعالم تاني مفيهوش قمع للستات! محسساني إنك اول مرة تسمعي كل ده، انتي مش عايشة معانا ولا ايه؟

تناولت نفسًا احتبست به رئيتيها وهي تومأ لها بالإنكار ثم تلعثمت قائلة:

- أنا بس كل اللي عشته مع بابي ومامي مكنش كده، ومعنديش اصحاب تقريبًا! وقتي محدود اوي بسبب الشغل، مش بلاقي وقت اعرففيه اللي بيحصل للناس، دايرتي محدودة جدًا..

قلبت شفتاها وهي تسألها:

- يمكن انتي محظوظة بباكي ومامتك بس اديكي عرفتي ناس زينا، نصيبك يمكن كده.. بس مش فاهماكي، انتي ايه مفيش موبايل ولا سوشيال ميديا؟ لا بتشوفي ولا بتسمعي عن اي حاجة بتحصل؟

اطلقت الأنفاس زافرة اياها وابتسمت بسخرية على حالها لتقول:

- صدقيني معنديش وقت، وخصوصًا بعد وفاة بابي، كنتخايفة اضيع كل اللي فضل طول عمره يعمله ويكبر فيه.. من ساعتها وانا كنت باجي يادوب من الشغل اتعشى وأنام..

اخرجت "عنود" هاتفها ثم سألتها وهي تُضيق عينيها لها بمزاح:

- اسمك ايه على الفيسبوك؟ روان صادق ولا مسمياه سيدة الأعمال المشغلوة دايمًا ولا يمكن زوجي قرة عيني؟

توسعت ابتساتها لها وهي تُجيب سائلة بملامح ممازحة:

- لا، اسمه  روان صادق، هو بجد فيه واحدة تسمي حسابها زوجي قرة عيني؟

أومأت لها وهي تضحك بخفوت وكلمتها قائلة:

- يووه، ده فيه بلاوي، إبنة فُلان، ووردة الشتاء، وزوجي حياتي، والقطة المشمشية، وحبيبة فُلان، والبنت المشاكسة.. معندكيش فكرة، اهي  ديصورة بتعكس حاجة من اتنين، يا إمّا راجل متخلف مش عايز مراته تظهر اسمها،يا اما فيه بنات بتسميه كده علشان متتعرضش للمضايقات من متحرشين السوشيال ميديا.. شكلك فايتك كتير بصراحة.. انا عملتلك add اهو، هبقى ابعتلك invite في جروب هتشوفي مصايب كتير من المجتمع المتخلف ده

أخرجت "روان" هاتفها وقبلت صداقتها وهمست برثاء على حالها:

- واضح ان فاتني كتير اوي فعلًا، بس هحاول اعرف اكتر، شكرًا انك لفتي نظري.. 

ضيقت "عنود" حاجبيها وهي تتفحصها والكثير من التساؤلات تتضح على ملامحها ثم تكلمت متعجبة:

- بصراحة، حاسة كأنك مش موجودة في حياتنا دي، بس قوليلي بقى بما اننا بنرغي سوا، عارفة ان عمر زي بابا، انتوا كويسين؟ أقصد، انتي مبسوطة معاه؟

ابتلعت بعد الكثير مما أدركته خلال مناقشتهما وأومأت لها وهي تزم شفتاها وكررت الأمر إلي أن أجابتها وهي تتنهد بعمق:

- احنا تمام، هو فعلًا فيه كتير من باباه بس اديني بحاول.. 

شعرت بالقلق من ملامحها لتحدثها بجدية:

- روان، انا عشت مع بابا تسعتاشر سنة، مبكرهش اكتر من ذكرياتي وحياتي ونفسي بسببه، ولو كان عُمر زيه، وحاسة انك مش مبسوطة معاه، وبالرغم من اني اخته،بس خديها مني نصيحة، سيبيه وانفدي بجلك.. انتي مش مضطرة تتعاملي مع حد زيه وانتي ست جميلة وشاطرة وعندك حياتك.. ببببس بعد تجربة مريرة مع اهلي دول اسمعيها مني واهربي لو حاجة حصلت تخوفك.. أنتي متعرفيش بابا بيحول حياتنا جحيم متواصل وعذاب وقرف ولو عمر زيه فالحقي نفسك!

آتت لتبحث عن شيء لتجد أشياء تُرعبها وها هي الإشارة الأولى لها! علها تستجيب..

ارتبكت بجلستها وهذا يُلفت نظرها للكثير لتحمحم وهي تقول:

- عمر كويس، هو بس كل شوية بلاقيه متقلب، بس هو راجل رومانسي، بيحب القراية، مش بيرغي كتير غير وقت ما بنتناقش في حاجة، هو غريب بس انا مبسوطة معاه!

قلبت شفتاها بتعجب وهي تتسائل ساخرة:

- اخويا أنا، رومانسي؟ غريبة دي!

أومأت لها وهي تتنهد:

- جدًا، كل ما قربت منه وعدا علينا الوقت بكتشف كتير عنه..

هزت كتفيها وهي تنهض لتقول:

- تمام، ربنا يسعدكوا 

نظرت لها بينما لا تزال الأخرى جالسة وأردفت:

- انا مش عارفة ااي حكيتلك كل ده، شكرًا أنك سمعتيني.. وأرجوكي خلي كلامنا بيني وبينك بس.. مش مستعدة لخناقات مع بابا، زهقت منه والله

أومأت لها بإبتسامة داعمة وعقبت قائلة:

- متقلقيش، كنت اتمنى لو عندي صاحبة قريبة مني بس الظاهر كده لقيتها خلاص.. شكرًا على ثقتك فيا واطمني محدش هيعرف حاجة عن كلامنا، ها، اصحاب؟

مدت يدها لتصافحها لتضيق الأخرى عينيها ودنت لتعانقها وهي تقول:

- طبعًا، يالا انا ادوب اخدها جري للأوضة، ربنا بس يسترها وميعرفش اني صاحية لدلوقتي، تصبحي على خير..

أخبرتها عندما انتهى عناقهما:

- وانتي من أهله..

تركتها وغادرت لتغرق "روان" بشتات هائل، اخته تُفكر بطريقة غريبة، ولكن أيًا كانت ما هي هذه الطريقة فهي تروقها، وشعرت أنها تتنفس بعد هذا الحديث، ولكنها تتسائل، لو كان هذا ما عانته هذه الفتاة الصغيرة مع والدها فما بال "عُمر"؟ ما الذي عايشه؟ وهل تشابههما قد يؤدي هذا لإصابته بإضطراب ثنائي القطب؟

وماذا عن نصيحة أخته تلك؟ هل عليها أن تتركه فعلًا؟ ما الذي تريده بقرارة نفسها؟ قولًا واحدًا هي تريد ذلك الرجل الهادئ، الذي يُراقصها، الثمل الباكي وهو يُخبرها بما يؤلمه، الحنون بلحظاتهما القليلة الجيدة، لا تريد أي من جنونه وغضبه، ولكن ليس هناك شخص مثالي!! إلي ماذا ستصل معه، هي حتى لم تُكمل شهرين بهذا الزواج! 

الوقت يمر، والأيام تزداد، كانت تقول اسبوعين والآن تُفكر بأنها أوشكت على كونها متزوجة لشهرين من رجل غريب الأطوار، إلي أين يذهب بها هذا السلطان المغرور ذو التقلبات؟

قاطع أفكارها صوت أخيه المتسائل:

- لسه صاحية؟

رفعت نظرها له عندما استمعت لصوته وابتسمت له بلباقة ثم اجابته:

- معرفتش انام..

أومأ لها وهو يتسائل بينما جلس في مقابلتها ووضع حاسوبه على المنضدة بينهما ثم وضع كوب للقهوة بجانب الحاسوب:

- اشمعنى، انتي كويسة؟

أومأت له ثم اجابت:

- اه انا تمام،بس يمكن علشان اول مرة اجي هنا.. وأنا متعودة على سريري، بس شوية وهحاول انام تاني، عمومًا، قولي، خلصت ولا لسه؟

حمحم وهو ينظر بشاشة حاسوبه:

- ناقص شركتين.. هانت يعني.

قالت وهي تحافظ على ملامحها الداعمة:

- لو عايز اي مساعدة أنا موجودة

 ارتشف من قهوته ثم اخبرها:

- لا، كفاية اوي كل اللي عملتيه.. بجد مش عارف اشكرك ازاي

سلط تركيزه على ما أمامه بالحاسوب لتضيق هي عينيها نحوه فعلها تستطيع معرفة البعض منه هو الآخر ثم سألته:

- هو انت ليه انت وعمر كده، المفروض سنكم قريب واخوات، ليه مش اصحاب؟

ضحك بخفوت مستنكرًا مجرد الفكرة ثم اجابها:

- أنا وعمر.. أصحاب؟ مستحيل!! احنا مختلفين عن بعض اوي..

سألته وكأنما الأمر عفوي:

- ليه يعني؟

رمقها لوهلة وهو يتنهد ثم اجابها:

- ممم.. هو من دوري بس أكبر مني، وأغلب الوقت وأنا صغير مكنش في البيت وكان في المدرسة العسكرية دي، وحتى لما كان بيجي اجازات كان هادي وساكت كده انما انا كنت رغاي جدًا.. دايمًا كنا بنتخانق، ده لو حصل واتكلمنا يعني.. كان بارد كده وفيه جمود في كل تصرفاته، كان بيحب القراية والقاعدة لواحده، وأنا كنت بحب الكورة والبلاي ستيشن بتاعت زمان واي حاجة عن الكومبيوتر، وافتكر اني كنت بتحايل عليه علشان نلعب سوا، وبعد ما اعيطله كان يقول لأ مش هالعب وبطل هبل ببرود كده.. فبدأت بقى يبقالي اصحاب بعيد عنه.. حتى بعد ما بقى معايا في نفس المدرسة كان الكل بيقول عليه انه غريب!

ادعت ملامح الدهشة وسألته مرة ثانية:

- كنتوا بتتخانقوا ليه طيب؟

قلب شفتاه وحاول التذكر ليقول بنبرة مستغرقة بذكرياتهما معًا:

- مش فاكر، بس قبل ما يسيب المدرسة العسكرية كان دايمًا عايز يقعد لواحده، لكن بعد ما سابها بقى اغرب، عايز يكسر لعبي وحاجتي، كان بابا ياخده معاه الشغل ومش بيضوا ياخدوني، صدقيني مكنش بيفرق معايا بس كان نفسي اقرب من اخويا الكبير وهو اللي كان بيرفض

حك عدي رأسه كمن يتذكر شيئًا:

- افتكر مرة وقت دخولنا المدرسة، فيه حد من اصحابي حاول يقرب منه وافتكر انه هزر معاه ومسكه كده حضنه، عمر صرخ فيه وقاله سيبني، مرة واتنين وفي التالتة مسكه ونزل فيه ضرب لغاية ما وشه وهدومه اتملوا دم.. وقتها عملوله استدعاء ولي أمر، وبابا كالعادة قدر يتصرف، بس من بعد الموضوع ده محدش يتجرأ يقرب من عمر أو حاول يصاحبه، الكل كان يا إما مبيحبوهوش يا اما بيخافوا منه!

تأثرت ملامحها بما استمعت له والآن هي تُدرك أن ما فعله يوم تلمسها لظهره كان الأمر تلقائي منه ويبدو أن غيرها قد قابل بالفعل غضبه للمساس بظهره ولكن "عدي" واصل حديثه وهو يحدق بها وحاول ألا يُثير الأمر فهو يعلم أنها تشابه الفتاة التي لطالما أحبها خلال مرحلة الجامعة التي رآها بعض المرات بصحبته ولكنه لا يريد التدخل فيما لا يعنيه:

- بس بدأ يتغير.. لما بقى في الجامعة، من أول سنة باين.. بقا بيضحك ويهزر صحيح بحدود بس بقى احسن من الأول، بس بعد ما خلص جامعة وجيش بقى فظيع مع الكل، بدأ شركته وكنا بنشوفه صدفة في البيت، وبعدين اشترى لنفسه بيت كبير اوي تقريبًا فضل عايش فيه لغاية قبل جوازكم، معرفش قدر ازاي يجيبه على طول كده بعد اول قضية ليه، وشركته كبرت وفضل يكبرها وبقى ليها اكتر من فرع لغاية ما بقت سمعته كويسة ومشهور زي بابا، والكل بيحترم كل المحامين اللي شاغلين معاه.. بالرغم من انه سخيف معايا بس في الحقيقة انا فخور بيه، بيعاملني برخامة من واحنا صغيرين، بس محدش بيختار اهله، مش كده؟

صمت هنيهة وهو يبتسم بإنكسار وحدق بشاشة حاسوبه ليطبع آمرًا خلال ازراره مُستكملًا لعمله لتلاحظ هي حُزنه فهمست مُعتذرة:

- آسفة، مقصدش أن أ..

 قاطعها بمرح:

- لا مش مستاهلة آسف.. انا اتعودت خلاص..  وكمان يعني مبسكتلوش ودايمًا بستفزه بطريقتي بس بنكشه مش اكتر، بس من وراه انا فرحان بيه وباللي وصله، أخ زيه يشرف، وكمان شايف انكم مبسوطين سوا، مكونتش اتخيل انه يتجوز بسرعة بس كله اتفاجئ بقراره.. ربنا يسعدكوا وانا كمان نفسي الاقي حد زيك كده يسعدني

ابتسم لها ابتسامة صادقة لتبادله مثلها واخبرته بإمتنان:

- شكرًا يا عدي.. ربنا يوفقك مع بنت كويسة في يوم، بكرة تلاقيها

نهضت لتودعه:

- يالا أنا هحاول اطلع انام شوية، محتاج حاجة؟

رفع لها اصبعه أي أنه بخير وأردف:

- كله يا باشا تحت السيطرة.. تصبحي على خير..

ابتسمت له ثم عقبت:

- وأنت من أهله..

توجهت لتصعد نحو غرفته وتمنت بداخلها أن يكون قد ذهب للنوم فهي لن تستطيع ارهاق عقلها بالمزيد وأي كلمات منه الآن ستشتتها وعندما تفقدت الغرفة وجدته نائمًا فأقتربت لتتأكد من انتظام أنفاسه لتمتن لحظها الجيد ثم توجهت لتذهب أسفل الأغطية وهي تحاول التفكير في كل ما استمعت له اليوم بداية من والده ونهاية بأخيه وهي لا تدري، هل زوجها هو جاني أم مجني عليه بهذه القضية التي لا تتوانى عن دفعها لفقد عقلها؟

لم تستطع النوم من كثرة تفكيرها وكل تلك الحلول التي اقرتها بعقلها وجلست تنضم للجميع على المائدة ليتناولوا فطورهم واكتفت بأن تُحيي الجميع بلباقة وهي توزع ابتسامات عليهم كما اطمئنت على "عنود" لتجدها أفضل حالًا بكثير، وكل ما أرادت أن تبتعد عنه هو مواجهة زوجها فهي لا تزال تُفكر بالكثير.. 

فجأة تحدث "عُدي" بتحفز مرح:

- صباح الخير يا اخويا يا حبيبي يا عظمة

نظر والده له بزجرٍ بينما لم يكترث هو والتفتت "روان" نحوه بعد أن أدركت وصوله لتلاحظ أنه استيقظ للتو وكما يبدو أنه بدل ملابسه على عجالة  فآثار النوم لم تغادر ملامحه بأكملها  ولم تستطع أن تُفسر تلك النظرة الجديدة بعينيه التي تزداد ظلمة كلما كان بالقرب من أخيه أو استمع له واكتفى بأن يومأ بإقتضاب لتبتسم هي له بعذوبة ثم اخبرته بعد أن جلس بالقرب منها:

- صباح الخير

أومأ مرة ثانية بحنق وقام بصب بعض القهوة في صمت ليبادلها "عدي" نظرة تعجب وهمس بشفتيه دون صوت:

- رخم!

طريقته دفعتها للضحك بصوت مسموع ليلتفت لها "عمر" وكذلك فعل والده بنظرات استنكارية لتحمحم هي وهي تدارك خطأها بينما همست لها "عنود" بنبرة خافتة للغاية:

- قولتلك دول شبه بعض، بيت مقرف مليان تخلف شرقي.. هاهرب يعني هاهرب

فجأة صرخ بها عقلها بفعل كلمات "عنود"، ستكون فرصة رائعة لمعرفة المزيد،  وهي كذلك تحاول أن تعرف كيف ستكون ردة فعل والده الذي لم تستمع لحديثٍ قاسٍ كمثل حديثه لإبنته ليلة أمس وبداخلها شعرت أنها تود تحقيق ولو انتصار صغير أمام هذا الأب الذي يقسوا على الجميع فهي لا تزال تتذكر ما قصه عليها "عمر" عندما تركه بالمشفى لثلاثة أشهر لتقول مُقترحة:

- ايه رأيكم لو تيجوا تزورونا وتقضوا معانا يومين، أنا وعمر ومامي وأخويا، ايه رأيك يا أنكل؟ أنا وعمر بكرة نرجع الشغل، وبصراحة اتبسطت اوي وانا معاكم، ونفسي دايمًا كلنا نكون مع بعض، من ساعة ما جيت وحساكم باقي عيلتي الصغيرة، بس خلاص كبرت اهي وبقى عندي اب وام واخوات تانين.. ايه رأي حضرتك؟

لم يكترث "عمر" الذي لتوه لا يُفكر سوى بالإنعزال والنوم، فبعد كل ما مر به يوم أمس جعله الأمر يفقد نوبة هوسه ونشاطه، هو لا يريد سوى الإبتعاد ويتركه الجميع وشأنه! 

نظرت إلي والده في انتظار رده ليقول بدبلوماسية:

- مش عارف، انا ورايا شغل كتير والوقت مش هيكون مناسب..

أومأت له مُدعية الحُزن ثم قالت:

- كان نفسي تكون معانا بس اكيد حضرتك لما تفضى تيجيلنا شوية

أومأ لها بإقتضاب وتناول بعض الطعام ثم لمح "عمر" بنظره جانبية ليجده شاردًا مما اغضبه لتعود هي وهي تتسائل من جديد:

- طيب وانتم يا جماعة، عنود ممكن تذاكر في البيت، وعدي بيشتغل من اللابتوب زيي، وأظن طنط فاضية، الكل ممكن يجي، ايه رأيكم؟

اجابها "عُدي" وهو يهز كتفاه:

- انا معنديش اي مانع لو القمر ده هيجي معانا.. 

ابتست وهو يُمسك بيد والدته ويقبلها لتلاحظ انزعاج طفيف بملامح والده بينما قالت "عنود" بإندفاع خفي اعتادت أن تُخفيه ببراعة:

- فكرة حلوة.. أنا موافقة.. 

التفتت هي نحو "عمر" وسألته:

- اي رأيك؟

عقد حاجباه وهو يبدو أنه لم يكن مُنتبهًا للحديث فتسائل:

- في ايه؟

رفعت حاجباها ولكنها اعادت حديثها:

- كنت بعزم طنط واخواتك يقضوا معانا يومين، ايه رأيك؟

ازداد الوجوم على ملامحه وتنهد بينما قالت والدته عندما لاحظت غضب زوجها فهي لا تريد إثارة أي مشاكل:

- مش عايزين نزعجكم وانتو لسه عرايس.. 

سرعان ما نهتها "روان" ووجهت الحديث لها بإبتسامة:

- ازعاج ايه بس يا طنط! بالعكس احنا هنتبسط اوي لو انتو معانا.. وكمان مامي حضرتك عارفة انها فاضية ومش وراها حاجة ومش بتخرج كتير بسبب تعبها وقاعدة لواحده واخويا يا في المدرسة يا النادي يا مع اصحابه.. ارجوكي يا طنط توافقي.. وانت يا عدي اقنعها، وانتي كمان يا عنود.. موحشكيش يا طنط عمر والقاعدة معاه!

بادلتها الإبتسامة بينما لمحت زوجها بطرف عينيها لتكرر توسلاتها لأكثر من مرة لتقول في النهاية:

- تمام، هنيجي كلنا إن شاء الله!

نظر زوجها نحوها بغضب كتمه ثم نهض بغتة وبداخل "روان" تشعر بإنتصار شديد لتهمس "عنود" بأذنها:

- أنا فخورة بيكي جدًا على الضرب الجامد ده بس قلقانة من حضرة المحامي ورد فعله.. مظنش يعديها!

همست لها بإحتراس دون أن تنظر لها:

- هنشوف..

تحدث "يزيد" وهو ينظر نحو "عمر" وهو يُنبهه من شروده:

- لو خلصت فطارك انا عايز اتكلم معاك شوية!

تنبه وهو ينظر نحو والده بملامح هادئة ثم كمم فمه وهو يتثاءب ليسأله والده بعصبية حاول أن يُخفيها:

- مش هتقوم معايا؟

أومأ بعدم تركيز ثم نهض ليتبع والده ونظرت هي نحوه إلي أن اختفى عن مرمى بصرها وشعرت بالإرتباك الشديد من ردة فعله التي لم تكن تدري أنها ستكون قوية وموجعة!! 

جلس أمام مكتب والده ثم كاد أن يتحدث وهو يحاول التركيز بأعجوبة ولكن سبقه والده بغضبٍ شديد:

- عاجبك اللي مراتك بتعمله وانت زيك زي الكرسي اللي قاعد  عليه جنبها.. يا فرحتي بإبني اللي مماشياه مراته

زفر شاعرًا بالضيق بل والإختناق من كل من حوله بداية بوالده ونهايةً بزوجته التي يُقسم أنه كان في متهى السذاجة وقت أن وافقها أن يأتوا لهذه الزيارة، لن يفعلها مجددًا ولن تتجرأ هي على طلب الأمر من جديد..

- انت هتسيبها كده تمشيك ولا فارق معاك تكون راجل قدامها

قاطعه صوت والده عما يُفكر به فسأله لينتهي من الأمر برمته ويغادر المنزل بأي طريقة:

- خير يا بابا عايز ايه؟

هز كتفاه  كدلالة على عدم الإكتراث واجابه:

- أنا! وأنا يعني هعوز ايه.. انا كل اللي قالقني هو حياتك مع واحدة زي دي.. مش شايف انها بتقلل منك قدام الكل ومش عملالك حساب؟ بتعمل اللي على مزاجها من غير ما تعرفك حتى، كانها لسه في بيت اهلها مش ست متجوزة وليها راجل، عايزة الكل يبقى رهن اشارة منها ومع واحدة زي دي بكرة الكل يعايرك انك شورة مراتك.. كل اللي لاحظته من ساعة ما جيتوا هنا هو انها مش عملالك اعتبار، هي دي بقى الست المحترمة اللي ناوي تكمل معاها حياتك؟

زفر من جديد بعمق وهو يحك ذقنه غير قادرًا على مناقشة المزيد وكل هدفه هو الإنتهاء من كل من حوله والمغادرة كي يجلس وحده ليقول بعجالة وهو ينهض:

- ماشي.. انا هتصرف معاها

لم ينتظر كي يستمع للمزيد حيث أنه كان على مشارف الحاق الكثير من الغضب بكل من حوله، أُسرته، أو هي نفسها، ولكنه لا يكترث لشيء سوى الإنتهاء من الجميع في الوقت الحالي..

أخذ يبحث عنها إلي أن وجدها بغرفته تجمع أشيائها فوقف لوهلة متابعًا اياها دون أن تشعر هي ثم نبهها أنه متواجد حين قال:

- كويس إنك بتلمي هدومك من نفسك! يالا علشان نمشي ونرجع البيت! 

التفتت له بإبتسامة لم يتوقعها منها واتجهت نحوه مُحافظة على ملامحها التي تبدو سعيدة ثم اقتربت منه تتلمس لحيته برقة:

- كويس، كلوا اصلًا بيحضر شنطته، بس كنت عايزة اتكلم معاك من امبارح.. كنت مضايقة ان باباك شغلك بعد الفطار بس الحمد لله اديكوا خلصتوا بسرعة..

حدق بها محاولًا التعرف على ما تخفيه عنه وما السبب في هذه السعادة البادية على وجهها فتابعت حديثها وهي تداعب وجهه بأنامله بينما هو لا يدل به أي شيء على الحياة سوى مقلتيه الفاحمتين وهو يتفحصها محاولًا التعرف على السبب المنطقي لكل ما تفعله:

- امبارح معرفتش انام وكنت بفكر في اللي حصل بيني وبينك.. لما قولتلك اني مش عايزة ادخل الأوضة دي تاني احترمت رغبتي وفعلًا معملتش اللي يضايقني.. وبعدها، لما حضنتك وانت وقعتني على الأرض، انا غلطت، انا عملت حاجة بتضايقك وكنت وعدتك اني مش هالمسك ابدًا غير لما انت تسمح بده، بالرغم من رغبتي اني اقرب منك واحضنك زي ما اي ست بتعمل مع جوزها بس انت حذرتني كذا مرة وأنا ساعتها مكونتش واعية انا بعمل ايه بس الموضوع يضايق وانت تستحق مني اعتذار! انا آسفة! متزعلش مني..

عقد حاجباه وهو لا يزال يُتابعها بصمت وهي تبحث بعسليتيها عن ردة فعل منه ولو حتى بملامحه فلم تجد أيًا منها ولكنها صممت أن تصل لكل ما تريده:

- انا اتبسطت اوي بقعدتي هنا، طنط واخواتك بيحبوك جدًا وانا غيرت جو بس..

تريث إلي أن تنتهي بينما ارتبكت قليلًا وهي تُفكر بكلمات "عنود" وكذلك الأخصائية "مريم" وكل ما مر عليها معه لتأمل أن هذه الحيلة قد تُفيد لتتنهد بشفتين اهتزت كلتاهما بتردد:

- لسه مش قادرة اصدق اني مبقتش حامل واني السبب في اني اضيع البيبي.. عمالة افكر واقول آلف لو في دماغي، لو كنا كويسين، لو كنت قولتلك اول ما شكيت، وفيه احساس جوايا بيقولي أني قتلت طفلي.. يمكن يكون الحل اني اتابع مع معالج نفسي، وكنت أبفكر في أنك تيجي معايا الجلسات، محدش غيرك هيقدر يساعدني وكمان انت الوحيد انت وهدى اللي تعرفه، وانا محتاجة وجودك جانبي، ايه رأيك؟ موافق تيجي معايا؟ 




يُتبع..

متنسوش التصويت

الفصل الجاي 33 يوم الثلاثاء 7 سبتمبر ولو خلصت قبلها هنشره 

Continue Reading

You'll Also Like

7.3M 359K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
609K 13.8K 42
هو يكره النساء بشده بسبب ما حدث له بالماضي ... و هي فتاه حنونه و طيبه فكيف ستغيره ؟!
1.1M 92K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
91.5K 2.9K 32
مرحبا دي الروايه الجديده هنزلها قريبا.... نبذه عنها فتاه لا تريد الزاوج خوفا من شئ حدث لها في الماضي فتقرر تجميد البوبيضات خوفا من بلوغ سن لا تقدر ف...