كما يحلو لي (حوار بالعامية ال...

By Batoulg7

4M 91.1K 15.2K

لم يكن متباهياً بغروره وعلاقاته كالرجال، كان فقط رسمياً.. صارماً بكل شيء بحياته.. علاقاته لم يعلم عنها أحد وك... More

مقدمة وتنويه
شخصيات الرواية
فيديو الرواية
النسخة القديمة للرواية
حقوق الطبع والنشر
- ١ -
- ٢ -
- ٣ -
- ٤ -
- ٥ -
المناقشة الأولى
- ٦ -
بعض النقاط الهامة وخبر حلو
- ٧ -
- ۸ -
- ٩ -
تعالوا اقولكم حاجة
- ١٠ -
استفتاء هام لمصير الرواية
- ١١ -
- ١٢ -
- ١٣ -
- ١٤ -
- ١٥ -
- ١٦ -
- ١٧-
- ١٨ -
- ١۹ -
- ٢٠ -
- ٢١ -
- ٢٢ -
- ٢٣ -
- ٢٤ -
طلب صغنن بخصوص الرواية
- ٢٥ - الجزء الأول -
- ٢٥ - الجزء الثاني -
اعتذار والفصل القادم
- ٢٦ -
- ٢٧ -
- ٢٨ -
- ٢٩ -
-٣١-
- ٣٢ -
- ٣٣ -
استفتاء مهم تاني
اخبار هامة بخصوص الرواية وتوضيح
- ٣٤ - الجزء الأول -
- ٣٤ - الجزء الثاني -
- ٣٥ والأخير-
توضيح ومناقشة ختامية
الجزء الثاني
اعلان هام

- ٣٠ -

54.3K 1.6K 346
By Batoulg7

في صباح اليوم التالي..

تفقد مظهره بالمرآة وهو يرتدي ملابس غير رسمية مناسبة لزيارة افراد عائلته اليوم، بداخله يميل أنه قد قرر قرار سيء بالفعل لموافقة "روان" على ذهابهما ولكنه لا يريد أن يُثير المزيد من الشكوك.. 

على غير هدى ظن أنه يسير نحو الأفضل معها، هو لا يريد أن يخسر هذه المرأة بكل ما يشعر به تجاهها، وبنفس الوقت لا يريد أن يخسر ذلك البناء الذي شيده لسنواتٍ كثيرة من رسم صورة معينة لنفسه بأعين الجميع.. على كلٍ كان هذا سيحدث عاجلًا أم آجلًا، الواقعية كان لابد لها من التدخل بين طيات الماضي الذي يعيش به!

خلل خصلات شعره التي لم تتعد أي منها طول سبابته ومنذ أمس تتكرر كلمات عدة برأسه، كلمات ظن أنه لن يكون عليه أن ينتبه إليها ولا يكترث لها، وبالرغم من محاولاته أن يُشغل عقله عنها لا يزال صدى صوت والده يستمع له بأذنيه وكأنه لتوه اخبره بكل احكامه ليلة أمس وليس من سنواتٍ كثيرة مضت!

- مش مكسوف وانت عامل فيها زي الستات كده؟ شعرك ده مخليك شبه البنت الصغيرة! امتى هتبقى راجل بقى؟

يومها رد مُجيبًا على سؤال والده المتهكم الذي ظنه حقيقي، لم يكن يُدرك وقتها بعقل صبي في الثالثة عشر من عمره كيف يتعامل بل وسيتعامل عقله مع ما يُخزنه من صورٍ عديدة عن الأمر.. لقد قال أن زملائه بالمدرسة يفعلونها وليس هناك ضرر في ذلك وسرعان ما اتهمهم والده جميعًا بأنهم سيكونوا اشباه رجال بمظاهرهم ولن يحترمهم أحد..

بعدها، بخمس سنوات، وهو في الثامنة عشر، في عامه الثاني الجامعي، بعد أن باتت النظرة وحدها كفيلة بتميزه بجسده المتناسق الرياضي، وبلحيته النامية، كل ما فيه كان يدل على الذكورة بعيدًا كل البعد عن مظهر الفتيات.. فعلها من جديد، لقد كان يكره الشعر القصير منذ أن كان مجبورًا على ازالته بأكمله في المدرسة الداخلية وهو صغير، تركه ينمو وينمو إلي أن عقده مرة ويا لفداحة ما ارتكب، لم يكن يقصد الأمر أبدًا.. ولم يكن ليُحب أن يستمع من والده هذا الكلام الذي ظل مُعلقًا في رأسه إلي الأبد!

- يا فرحتي ببنتي البكرية عُمر وهو مفرقش عن الستات في حاجة، يا ترى هتستنى من القاضي براءة لموكلك وانت عامله فيها واحدة ست؟ ولا عايز اللي يتوشوش من ورا وضهرك وهو بيشاور عليك ويقول يزيد الجندي مخلفش راجل زيه؟ ولا بالمرة يقولوا إنك بتعمل كده علشان بتحب الرجالة؟ 

لغاية امتى هتفضل غبي وانا بعلم فيك؟ لغاية امتى هبطلك فشلك في كل حاجة في حياتك؟ دراسيًا فاشل ومبتعرفش تقول كلمتين على بعض زي الجبان، بتجريلي ورا واحدة بكرة تبهدلك، وكمان شكلك ومنظرك يقرف، كمل يا ابني وماله، قربت تحسرني على ابني اللي بقى ابتلاء من كتر فشله! مبقتش فاهم انت بتعمل فيا كل ده ليه؟ متعلمتش مني ولو حرف واحد؟ ازاي مسمي نفسك راجل لأ والبكري اللي المفروض نعتمد كلنا عليه وانت بمنظرك ده وحالك المايل؟! 

أنت مُقرف وقرفتني ودايمًا وفاشل وقريب الناس هتعايرني بيك، امشي بعيد عن وشي أنا مش ناقص قرف! امشي قولت متعمليش فيها تمثال، امشي!

بحركة تلقائية رفع خصلاته وثبتها بواحدًا من المستحضرات لتبدو اقصر وهو يوقف صوت والده الهادر برأسه حتى انزعج من رؤية ملامحه بالمرآة ففر إلي الخارج ليوقظها بعد أن يصنع لها الطعام ويطمئن على علاجها، فإجهاضها وأنها أخفت عليه الأمر لن يمر مرور الكرام ولكن عليها أن تكون بأفضل صحة أولًا.. 

وضع الطعام جانبًا ثم توجه إليها متلمسًا وجنتها بأنامله برفق لتشعر هي بلمساته الدافئة لتهمهم بنعاس وبمجرد حصوله على عسليتيها لاقاها بإبتسامة رائقة للغاية وكأنه لم يكن يُعاني طيلة الليلة الماضية من ذكرياتٍ شتى:

- صباح الخير يا بنوتي الحلوة

توسعت عينيها بفزع لملامحه التي بدت غريبة عليها ونهضت متكئة على يديها وهي تُحدق به بنعاس وسألته:

- أنت عامل كده ليه، شكلك غريب اوي؟ 

تنهد ناظرًا لها ثم اجابها مُخفيًا الحقيقة:

- زهقت من الشعر الطويل، نوع من التغيير مش اكتر.. 

احضر الطعام ليُقربه إليها ثم تحدث بنبرة آمرة دون أن يُبالغ:

- افطري وخدي الدوا وجهزي نفسك

حمحمت وقد اطمئنت قليلًا بعد ظنه رجل آخر تمامًا غير الذي تزوجته بملامحه تلك التي لا تُذكرها سوى بالمحامي المتعجرف الذي لاقته بالسابق ثم تسائلت بعفوية:

- احنا هنروح فين والوقت لسه بدري كدها؟

حدق بالنافذة التي فتحها للتو ليسمح بدخول بعض الهواء واجابها دون أن ينظر نحوها بنبرة فارغة من المشاعر بينما بعقله يعمل مدى انضباط من بهذا المنزل واستيقاظهم المُبكر الذي لا يفلت منه سوى "عُدي" وحده:

- هنروح نزور اهلي زي ما اتفقنا.. الوقت مش بدري ولا حاجة، زمانهم لسه مخلصين فطارهم

الآن استعادت ذاكرتها من تشويش النُعاس ثم تفقدته لتجده لأول مرة يقوم بتدخين احدى السجائر مُتخليًا عن غليونه المُعتاد لتتنهد وبداخل عقلها تتسائل متى سيُكف عن ارهاقها بتصرفاته الغريبة؟

لن يُشتتها بمزاجه الرائق المستمر، ولا بملامحه التي تبدو جذابه بكل الطرق الممكنة، ولا لطفه وتغزله بها وابتساماته أمام عائلته لها، هي تريد الآن أن تصل لكل الأسباب، أن تقترب أكثر، تدنو إلي الأعماق كما كان يتوجب عليها فعله منذ البداية، على الأقل في فترة الخطبة بينهما.. اليوم تُدرك فداحة خطأها بأنها اضاعت الكثير من الوقت والإشارات التي لو كانت انتبهت لها كتحكمه وغموضه وتسلطه وعجرفته لكانت اليوم بعيدة كل البُعد عن هذا السبيل الذي يعج بالغموض والإفتراضات.. 

بادلته الإبتسامة أسفل أعين والدته وثلاثتهما يتناولون القهوة فللتو قد ذهبت اخته "عنود" إلي الجامعة ووعدتها أن تنتظر حتى قدومها لتجلس كلتاهما سويًا، ووالده تركهم منشغلًا بحديث هاتفي، ومن الواضح أن "عُدي" لا يزال نائمًا، وهي تتمنى لو تنفرد بوالدته قليلًا كي تسألها أو على الأقل تحاول معرفة الكثير عنه خلالها دون أن يستمع لها.. فبعد معرفة زوجها لن تكون غبية بالإفصاح عما تريد أن تصل له.. وهي تقسم أنها لن تترك هذا المنزل دون اجابات كثيرة ومعرفة من هو ذلك الشخص بتقلباته وهل هناك من يُشابهه أم لا!

رآت والده يقترب منهم جميعًا ليزداد احتباس انفاسها بداخلها فهي كلما قص عليها "عمر" بعض من ذكرياته جعلها تشعر بالنفور من والده، بالرغم من ملامحهما المتشابهة، بنظراتهما الثاقبة المتماثلة، وحتى بعض الحركات العفوية بتحركهما إلا أن هذا الرجل لم تشعر نحوه بالراحة ثم انتبهت من تفكيرها عندما سألها أمام الجميع مباغتها بتوجيه الحديث إليها:

- عمر عامل ايه معاكي، مدلعك ولا مضايقك؟ 

ابتسمت له بلباقة وقفت في المنتصف بين اللباقة والرسمية كما هي عادتها بالعملاء:

- تمام، هو كويس ومفيش أي مشاكل ..

أومأ لها بطريقة غريبة للغاية لتتعجب لها بينما ارتاب "عمر" من حركته تلك، فوالده لا يفعلها إلا عندما يتهكم بداخله على شيء وما جعله يرتبك اكثر هو سؤاله الذي تفوه به ناطقًا اياه بين ابتسامة رسمية:

- عندك مانع نقعد سوا شوية؟

بادلته بنفس الإبتسامة التي تلقتها منه واجابته لينضم كلاهما للنهوض:

- خالص، ده نفسي اقعد مع حضرتك..

قاد الطريق فتبعته هي تاركان كلًا من "عمر" ووالدته خلفهما حتى جلسا بغرفة مكتبه ولكنها تشعر وكأنما وراء كل هذا شيئًا ما فهذه تُعتبر المرة الأولى لإنفرادهما بمفرديهما وشرع هو في الحديث لتنصت له بإهتمام:

 - كنت فاكر إن عمر بشخصيته الجامدة مش هيلاقي بنت تستحمله وتعرف تتعامل معاه، بس انتي بهرتيني.. ازاي بتتعاملي معاه؟ مبيضايقكيش ولا بتحسيه غريب شوية؟

تفحصها والده بعناية وفراسة لتعلم أن "عمر" عندما أخبرها يومًا ما أنه يُشابه أباه لم يكذب عليها، كما تأكدت أن والده يريد أن يصل لمعرفة شيئًا عنه من خلالها وازداد توجسها بداخلها واندفعت عدم الراحة لتغزو دمائها كالجراد ولكنها حاولت التماسك أمامه واجابته:

- لا خالص احنا تمام.. صدقني هو بيعاملني كويس جدًا، وتحكمه عادي يعني بالنسبالي.. راجل محاميشاطر زيه، هو اللي ماسك شغله بنفسه وناجح جدًا، اكيد شخصيته هتبقى controlling شوية، احنا اتعودنا على ده، ولا حضرتك نسيت إن زيي زيه وشخصيتنا قريبة من بعض بما إن كل واحد فينا بقاله سنين هو اللي بيكبر شغله..

اجابته بإبتسامة عملية لتوصل له أنها لن تبوح بشيء بينما تأكد هو أنها تُخفي الكثير، فهذا ليس الذي ينتظره منها، ولا من ابنه نفسه ولقد لاحظ مليًا أن هناك نوعًا من التحدي بنبرتها فتكلم وكأنما يتجاذب أطراف الحديث:

- هو ورث مني حاجات كتيرة، شخصيته زي شخصيتي في السيطرة والتحكم، مش سهل أي ست تتعامل معانا بسهولة، علشان كده كنت بس بتأكد قد ايه انتي ذكية في تعاملك معاه وانكو مبسوطين سوا من غير مشاكل، عرف يختار فعلًا

أنهى جدية حديثه بإبتسامة لم تلمس عينيه لتتأكد أنه يعرف الكثير عنه وربما أكثر من والدته لتُفكر أن بحديثها معه قد تتوصل لما آتت لأجله فتكلمت قائلة:

- أنا شايفة إن جواز حضرتك أنت وطنط ناجح جدًا.. عمر وعدي شاطرين وناجحين ودي حاجة تفرح، وعنود جميلة وشاطرة في كُليتها والكل يحسدك عليها، وطنط طيبة اوي ودايمًا بتعامل الناس بمنتهى الإحترام.. وكمان شايفة قد ايه حضرتك حنين معاهم وارجل ذكي ومحترم، كفاية بس سُمعتك وشهرتك ومشوار نجاحك وأ..

قاطعها بزفرة ضاحكة احتوى خلفها ملامحه الساخرة:

- معاكي حق

تعجبت لإجابته التي تعج بالثقة بالنفس أو ربما ازداد الأمر ليتحول لنوعٍ من الزهو والتفاخر لتجده يواصل كلامه:

- معرفتنيش زمان.. ممكن نقول إن السن والإحساس بالمسئولية غيروني جدًا، بس دايمًا الطبع بيحكم الشخص، مثلاً، أنا فرضت على عمر  حاجات كتيرة وهو صغير، بغرض الحماية وأنه يكون راجل يُعتمد عليه وشاطر، بس لقيته بيتحول قدام عيني لشخصية غريبة وكان قراري يومها أن انقله من المدرسة الداخلية!

تريث هنيهة وهو يثقبها بنظراته المتفحصة ليُفاجئها متسائلًا:

- هو حكالك؟

أومأت له بالإجابة واكتفت بألا تطيل التحدث فلو حقًا زوجها يُشابه أبيه أي كلمة الآن قد تؤخذ ضدها فردت بإقتضاب وملامح تلقائية:

- ايوة

هز رأسه بدبلوماسية وهو يُشعل سيجارًا ضخم لا بغليون وليس بمجرد سيجارة عادية فها هو التدخين يُماثله به أيضًا وتركت له المساحة فتابع كلماته بنبرة منبهة وهو يظن أن بردود افعال ملامحها سيتبين ما إن كانت تعرف حقيقة ما حدث أم لا:

- من ساعة ما كان صغير وان ربيته تربية مختلفة عن الك، غير عدي وعنود خالص، ونوعًا ما شخصياتهم مختلفة اوي عن عمر.. وبالرغم من أنهم  يبانوا سهلين عنه بس عمر اعز واحد عليا فيهم واقربلي اكتر منهم وكمان بشوفه انجحهم..

تعجبت "روان" لمدى تفرقة أبيه بينهما وكأنه يُصرح بهذا بمنتهى الأريحية ولكنها كانت فرصة لمعرفة الكثير عنه فسألته بعفوية:

- تقصد لأنه شبهك؟

مثلت ملامح عدم الفهم والاهتمام لعلها تعرف شيئًا عنه لتحصل منه على تنهيدة عميقة وانصتت هي لإجابته بإهتمام:

- أنا أخترت أن عمر يدخل مدرسة عسكرية من وهو صغير علشان يكبر وتبقى شخصيته قوية، وعلشان ميتعودش على الفلوس والبنات حواليه ولا دلع مامته الزيادة، وكل اجازة ليه كان بيبقى واحشه حنان مامته ودلعها الزايد، فهي كمان حست إنه بقى بعيد عنها ومش بتشوفه كتير بسبب احتياج عدي ليها، كان دايمًا تعبان طول الوقت وهو صغير.. علشان كده اهتمت بيه جدًا وأهملت أخواته واستمر الوضع ده فترة وفجأة لما عمر كبر وبقى في اعدادي لاحظت قد ايه كان غريب، شخصيته اتغيرت وبقى قاسي زيادة عن اللزوم، شخصيته اتطورت جدًا، بقى بيكسر لعب عُدي وفي يوم فاكره كأنه امبارح..

 تريث لوهلة ليستشف من ملامحها اي تعبيرات فلم يجد سوى انها ابتلعت واصغت لإكماله بإكتراث بينما بداخلها علمت أن احدهما يكذب، إما هو وإما والده ولكنها انتظرت لتستمع فأكمل قالبًا شفتاه:

- عُدي كان عنده كلب بيحبه اوي وكان دايمًا بيقعد في الجنينة علشان عندي حساسية من الكلاب، كنت بتمشى ولاحظت عُمر بيضربه وبيخنقه كأنه هيموته ولما ناديته ساب الكلب وبصلي كأنه مـ..

توقف عندما تواجد "عمر" بالقرب منهما وقاطعهما:

- مش كفاية كل ده قاعدة سوا؟ وحشتيني

سرعان ما لاحظ تلك الملامح المُتعجبة على وجه "روان" والتعبيرات الحزينة بل والمتلاعبة على وجه أبيه ولكنه لم يُفصح عن فضوله بمعرفة بماذا كانا يتحدثان ليتحول وجه أبيه كلمح البصر لإبتسامة تماثل كثيرًا ابتسامته هو نفسه ليُحدثه قائلًا:

- ده أنا كنت لسه هندهك.. عايز رأيك في قضية مهمة، الكل خايف يمسكها وكأنهم أول مرة يشوفوا قضية كده!

ادرك بمنتهى السهولة أنه يغير مجرى الحديث وتوجس بداخله لو كان حدثها عن أي شيء يتعلق بماضيه ليومأ له بينما لفتت "روان" انتباههما بلباقة:

- وأنا يا عمر هاروح اقعد مع طنط شوية

أخبرتهما بعد أن شعرت بعدم راحتها للتواجد معه بغرفة واحدة بعد ما سمعته من والده الذي لم يترك لها ولو نظرة واحدة تشعرها بالراحة له هو الآخر ثم توجهت للخارج وما إن أغلقت الباب حتى اشار له والده أن يجلس على احدى الكراسي ففعل وسرعان ما سأله:

- اتكلمتوا في ايه؟

ابتسم له ساخرًا وقال بإستهزاء:

- انت خايف منها ولا ايه؟؟

ارتسمت ملامح الغضب على وجهه وهو يزفر بضيق فلاحقه "يزيد" بالمزيد:

- هايل، ابني بيعمل حساب لمراته وخايف منها! يا ريتني ما خلفتك في يوم!

اغمض عينيه بنفاذ صبرٍ ومرر اصابعه بخصلاته التي اصبحت قصيرة بحركة تلقائية وسأله مرة ثانية بنبرة مصممة:

- قلتلها ايه يا بابا؟

نفث دخانه ونهض مقتربًا من النافذة يتفقد حديقة منزله شاردًا بلونها الأخضر واجابه منبهًا:

- كنت بطمن على اللي ربيته وكبرته وعلمته علشان في الآخر الاقيه مدلعها

التفت له متفحصًا اياه والآخر بداخله يزداد ارتباكه ليواصل تسلطه عليه:

- ويا ترى ده علشان بتحبها زي الأهبل ولا علشان شبه الهانم التانية؟

زفر بعمق ونهض متجهًا نحوه ليرد بنبرة حاسمة:

- كفاية، أظن أنك علمتني وربتني كويس اوي علشان اعرف ازاي اتعامل مع مراتي

ابتسم ابتسامة جانبية وهو ينفث دخانه من بين شفتاه وعاد لشروده من جديد بينما تكلم بتريث ناطقًا كل حرف على مُكثٍ بإهتمام:

- تعرف يا ابني.. ست زي مراتك دي متثقش فيها، هي بتعرف ازاي تتصرف، ولو كانت صغيرة دلوقتي فشغلا وحياتها من صغرها واعتمادها بشكل كبير على الإحتكاك بالناس طول الوقت مش هتسيبلك غير الشلك ووجع الدماغ.. هي مش زي اختك وبعيدة كل البُعد عن والدتك.. خد بالك كويس واحذر منها يا عمر، ولسه اظن معاك الوقت علشان تلاحظ كل اللي تقدر عليه.. 

عقد حاجباه وازداد توجسه داخله فوالده لطالما اخبره بالصدق ولحظه العسر دائمًا ما يكون مُحقًا تجاه الأشخاص بحكمه عليها فواصل والده مشيرًا بسيجاره الضخم:

- هي مش يُمنى.. يمنى كانت عايزة الفلوس والمناصب ومستوى اجتماعي مُختلف.. أمّا مراتك، فهي اصلًا معاها كل ده، وكمان واحدة زي مراتك اتعودت تمشي الناس وتتحكم فيهم.. عمرها ما هتبطل تعمل كده! احذرها يا عمر، لو مراتك اتحكمت فيك هتبقى لبانة في بق كل اللي يعرفوكوا والناس هيقولوا انك مش راجل ومراتك اللي ممشياك!

في نفس الوقت..

حررت انفاسها المكتومة وهي تشعر كأنها تخلصت من عبء ما لتحاول اقتناص فرصة مع والدته وهي تغمغم في طريقها إليها:

- ايه ده، انا عمري ما اتخيلت كده، ده زي ما يكونوا توأم!

داخلها الشتات يزداد من هول ما أدركته، هل تزوجت كاذبًا يُخبرها أن الأمر بمدرسته مجرد اختلاقًا منه، أم أن والده هو الكاذب ولماذا يكذب؟ ولماذا سألها عن الأمر؟ 

ابتلعت وحمحمت لتحاول أن تطرد تلك الأفكار وتوجهت لغرفة الجلوس لتبحث عن والدته وبطريقها لاحظت "عُدي" يسند حاسوبه على منضدة جانبية بالرواق ويتحدث خلال هاتفه منشغلًا ويبدو عليه آثار النُعاس بينما اقتربت لتجدها تبتسم لها بلين فجالستها لتبادر "مها" بالتساؤل:

- رُفعت الجلسة بسرعة كده.. حظك حلو اهو!

ضحكت "روان" على دُعابتها وقالت بعد هدوء ضحكتها:

- كان بيحكيلي عن عمر وهو صغير.. بس أظن أن حضرتك تعرفي عمر اكتر

تحولت ملامحها للإنكسار قليلًا وقالت بنبرة لاحظت الأخرى بها طفيف من الحزن:

- لا بالعكس، يزيد هو الأقرب له اكتر من اي حد تاني!

عقدت حاجبيها ونظرت لها بإستفهام لتتكلم مواصلة من تلقاء نفسها:

- عمر كان غريب.. من صغره.. ميشبهش لحد فينا ومش هنكر أني كنت مشغولة بعدي طول الوقت وبين يوم وليلة لقيت عمر بقى نسخة طبق الأصل من يزيد، بس تعرفي ايه اكتر حاجة مفرحاني ومزعلاني في نفس الوقت؟

تابعتها بعسليتيها وأومأت لها مستفسرة لتتحدث والدتها:

- بعد اختلاف كبير بيني أنا ويزيد عن مين اللي بيربي فينا بالطريقة الأفضل والصح والأيام بتمر من بين ايدينا لقيت عمر بيستقل بنفسه، بعيد عن كل ده، يمكن حزنت علشان بعد وابني بيوحشني، بس فرحت واتمنيتله حياة احسن من اللي عاشها معانا! 

ازداد استغرابها، فهي لا تظن أنها تستطيع الإطمئنان سوى بوجود اخيها ووالدتها ومربيتها حولها أو على الأقل معرفة كيف يومهم وكانت تهاتفهم كلما سمحت الفرصة حتى باجازتها طوال الفترة الماضية لتتسائل هذه المرة بصوتٍ مسموع:

- ليه؟ هو مكنش مبسوط معاكم؟

زفرت بعمق وابتسمت بحزن واضح هذه المرة ولم تكتف بإخفائه:

- يزيد راجل صعب.. مش الكل بيعرف يتعامل معاه.. بيضغط على اللي حواليه لغاية ما يخنقهم وفجأة بتلاقي نفسك بتسمعي كلامه في النهاية بعد ما تضيق بيكي كل الطرق والنقاش معاه.. علشان كده البعد عنه احسن بكتير!

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تضع نُصب عينيها كلمات "مريم" لها أمس ووجدت أن بكلامها هي تُعبر عن "عمر" وليس والده لترتاب أكثر ثم سألتها مباشرة:

- ليه، هو كان بيعمل ايه، كانت شخصيته قوية كده زي عمر؟

اومأت لها بإنكسار وابتسمت ساخرة وهي تجيبها:

- يا ريته شبه عمر في أي حاجة، سكوته ولا هدوءه ولا حبه للقراية الكتيرة، يزيد بس تفتكري أنه راجل دبلوماسي ومثقف بس التعامل معاه حاجة تانية خالص.. بكرة تلاحظي وبنفسك، انتي بقيتي بنتنا خلاص 

من الصادق من هذه العائلة الآن؟ هل اتفق الجميع على أن يصيبونها بالتشتت؟ تقسم أنها اكتفت شتاتًا ولن تنسى هدفها فقالت بنبرة واثقة:

- متقلقيش، مش هقول لعمر حاجة عن كلامنا ده، ولا حتى والده، تقدري تثقي فيا

ابتسمت لها تُطمئنها لتتنهد والدتها وقالت:

- أنا شايفة عمر بيضحك ومبسوط معاكي، وأنتي كمان.. دي اهم حاجة يا حبيبتي.. ربنا يسعدكوا يارب..

سعادة ماذا؟ لماذا هذه المرأة رأسها كالفولاذ ولا تريد البوح سوى بالغموض واثارة فضولها اللعين عن ابنها وزوجها؟! ستتحدث وستفعلها شاءت أم أبت، وهي لن تكف عن المحاولة:

- احنا مبسوطين الحمد لله بس بلاحظ تقلباته المزاجية الكتيرة، هو كان دايمًا كده؟ او هو زي باباه في الموضوع ده؟

مطت شفتاها واجابتها قائلة:

- مش عارفة، يزيد بيعامل عمر وكأنه جايزته الوحيدة في الحياة أو لعبته اللي فاز بيها، وبيحاول طول الوقت بإستماتة أنه يخليه زيه في كل حاجة سواء الكلام ولا حتى المشية ولا نفس المجال، صدقيني حاولت اقرب منه اكتر من مرة بس يزيد كان بيمنعني بشكل متتخيلهوش.. حتى ايام اجازته استحوذ عليها كلها، لغاية ما بقت علاقتنا كده، قريبة وبيحترمني لأني مامته وخلاص!

ضيقت ما بين حاجبيها وزمت شفتاها بالقليل من الإنزعاج الذي بدا كذرة مما تضمره بداخلها لتتسائل ببعض الحرص:

- هو باباه كان شديد؟ أقصد كان يعنـ..

توقفت "روان" من تلقاء نفسها عندما استمعت لصوت "عُدي" الذي يُصيح وهو يعبر بالقرب منهما:

- ازاي يحصل ده، عايز كل اللي مسئولين عن الـ servers (خوادم) حالًا وأنا هحاسبهم بنفسي، قولي كام شركة اتأثرت؟

انتبهت كلتاهما وهما ينظران نحوه ليجداه يجذب حاسوبه ويقوم بتشغيله فتحدثت لها والدته بصوت منخفض لا يتهادى إلي مسامعه:

- عُدي بقى حكاية تانيه، هو دايمًا كده، يصحى كل يوم بحال، وبيفضل يتريق على كل حاجة! متاخديش في بالك شوية وهيسكت..

ابتسمت لها دون مبالغة بينما قالت بنبرة مقترحة:

- هاشوف لو اقدر اساعده في حاجة..

اتجهت لتقف بالقرب منه حتى رآت أنه يُحاول الدخول على احدى قواعد البيانات فسألته:

- عدي.. كله تمام؟ 

لم تلحظ أنه كان لا يزال يتحدث للطرف الآخر بأحدى سماعات الأذن اللاسلكية سوى بأنه تحدث موجهًا كلماته لشخص آخر:

- نتكلم بعدين بعد ما اشوف حل للمصيبة دي

 أنهى محادثته ثم رفع رأسه ناظرًا لها واجابها بإقتضاب:

 - شوية مشاكل في الشغل..

زفر بعد أن اعاد وجهه نحو شاشة حاسوبه واخذ يبحث عن حلًا لما أمامه وزم شفتاه بضيق بينما نظرت هي الأخرى لما ينظر له وقالت مقترحة بإبتسامة:

- ما تقولي كده يمكن اعرف اساعد ولا نسيت اننا مجال واحد؟

زفر مجددًا بعصبية وخلل شعره بغضب ليقول بإستياء:

- حيوان معرفش طلع منين وقد يدخل على الـ server بـ user (مستخدم)  و password (كلمة مرور) ودمج ملفات حوالي عشر شركات ببعض وغير الـ password بتاعنا و..

قاطعته وهي ترى انزعاجه فقالت محافظة على ابتسامتها اللبقة:

- اهدى.. هجيب اللابتوب وهحاول اساعد.. هاروح استناك في الجنينة برا، حتى الجو دلوقتي بقى حلو

توجهت لتحضر حاسوبها وبداخلها تظن أنهما سيجلسا بمفردهما وستستطيع استخلاص بعض المعلومات عن "عمر" منه واتجهت لتجلس وآخذت تحاول فك شيفرة المستخدم الذي كان يحاول عدي الدخول به وأحضرت ورقة وقلم بجانبها وكتبت بها كلمة المرور الجديدة وما إن حضر "عدي" وجدتها قد أستطاعت حلها ليُفرج فاهه بدهشة وتسائل:

- ايه ده، عملتيها ازاي؟

رفعت نظرها وتفقدته بإبتسامة انعكست على عسليتيها من سؤاله الساذج ثم أخبرته:

- اقعد بس وجرب الـ password ده كده

اشارت له على الورقة التي طبعت عليها الرمز من قليل ثم واصلت اعطاء الزيد من التعليمات:

- حاول تجيبلي source (مصدر) بيانات كل شركة لوحدها، وبعدين نقسمهما علشان نعمل retrieve data (استرجاع بيانات) لكل database (قاعدة بيانات) لكل شركة، بس عايزين نعرف كل الـ units (الوحدات) الخاصة بالشركات علشان مينقصش حاجة في الـ system بتاعها وهنراجعها سوا.. متقلقش، خمس ساعات ولا حاجة ونخلص، اشتغلت على حاجة زي دي قبل كده.. وبكرة كمان ويك اند ومحدش هيلحق يلاحظ من الشركات أنه فيه مشكلة عندهم وهنلحق نخلص إن شاء الله ولو حد سأل قولولهم update عادي 

نظر لها "عدي" بمزيد من الدهشة وآخذ يفعل ما تمليه عليه تمامًا وهو لا يُصدق أنها تستطيع فعلها بهذه الدقة ولم يظهر أي ملامح للإستياء على وجهها وجلس بجانبها وشرع كلاهما في تنفيذ ما قالته إلي أن نداها طالبًا بالمزيد من مساعدتها:

- روان

همهمت له دون أن تلتفت كي تحاول التركيز فيما أمامها ليقول:

- بصي كده، مش عارف ليه الـ unit دي مش عايزة تظبط هنا

قالت وقد شرعت في الوقوف بالفعل متجهة نحوه:

- وريني كده

تفقدت ما ينعكس على شاشة حاسوبه ثم سرعان ما عللت له سبب عدم الإندماج:

- علشان نسيت تعملها access، تقريبًا دي وحدات شركة realestate ( عقارات) 

دنت أكثر ليتساقط شعرها بعفوية ويغطي جانبها الأيسر بالكامل بينما "عدي" على يمينها وواصلت تحدثها له:

- كمان اكتب الكود ده علشان محدش يقدر يعدل أي units غيرك.. الموضوع ده مهم ابقى دايمًا اعمله ومتنسهوش

 أقتربت أكثر لتستمر بالكتابة لتنحني وهي لا تعلم أن "عمر" قد انتهى بالفعل مع والده منذ قليل وهو يشاهد كلاهما في صمتٍ منذ مدة إلي أن فاق الأمر تحمله ليُحدثها مُنبهًا بتساؤل هاكم:

- بتعملي ايه يا روان؟!

استمعت لصوته يسقط على مسامعها من خلفها مباشرةً فلم تكترث لمواجهته ولم تر نظرة الصقر الذي يوشك على الإقتناص وكادت وحدها أن تفتك بهما لقربهما الشديد وظلت تكتب باقي الكود أمام "عدي" بينما تتآكله الغيرة الشديدة، كم يشعر بكذبها بعد أن أخبرته أنها ستجلس مع والدته ليجدها تجلس مع أخيه الذي لا يثق به أبدًا! 

تحدثت والكلمات تتفلت من لسانها على مُكثٍ لصبها كل تركيزها على ما أمامها:

- مشكلة صغيرة وبساعد عدي فيها..

زفرت عند الإنتهاء ثم وجهت حديثها إلي "عدي" وهي تقول:

- تمام كده اتعدلت خلاص.. كمل الباقي وأنا هاخلص التانيين 

ذهبت لتُكمل باقي الخمس شركات أمامها بمنتهى الحماس وكأنها سعيدة للغاية بما تفعله ليقترب منها عمر واضعًا يديه بجيوبه مُدعيًا البرود ثم أخبرها بتصميم واعينه تثقبها بنظراتٍ متوعدة:

- يالا علشان هنمشي!

كادت أن تتحدث ليسبقها "عدي" موجهًا كلماته إلي أخيه بتذمر:

- لا ثانية وتسبني في الهم ده لواحدي!! مش هيحصل.. ده هيحصل كارثة لو مخلصناش وهاقفل الشركة بكرة الصبح.. وأنا مش هلاقي في شطارتها، دي خطيرة بجد، عارفة بتعمل ايه كويس وعمري ما شوفت شغل بالشطارة دي!

لم تُعجبه تلك النبرة المتملقة أو حتى لو كان ما يقصده حقيقي فنهاه بجمود وهو يسحق اسنانه غيظًا:

- عدي!! اتكلم عِدل.. يالا يا روان 

آمرها لتبتلع وقد رآت غضبه وتلك النظرة بعينيه قد عادت متخلية عن تلك النظرات المبتسمة التي دامت لأيام  فنهضت لتُحدثه برقة:

- عُمر.. محصلش حاجة لعصبيتك دي

تلمست ذراعه على حذر وواصلت:

- فيه حد قدر يدخل الـ servers ودمج كل الـ data بتاعة كذا شركة ببعض، السوبر ماركت هيلاقي نفسه بيبيع عربيات واللي عنده وحدات سكنية هيلاقي نفسه عنده سكر وقهوة، لو أكتشف حد من العملا خلل في الsystem ممكن بجد يفسخو العقد معاه.. أنا بحاول اساعده واخلص معاه 

حاولت أن توضح له الأمر ليزفر بغضب لتحاول هي أن تُكمل حديثها:

- عنود وطنط كمان واتفقنا اننا هنتغدا سوا.. هحاول نخلص سوا بسرعة علشان نقضي الوقت سوا.. 

همست له بتوسل كل لا يستمع إليهما أحد:

- انا ما صدقت الاقي حاجة تشغلني شوية عن اللي حصل الكام يوم اللي فاتوا، وأنا بجد مبسوطة معاهم من ساعة ما جيت هنا، أرجوك بلاش عصبية

تفحصها مليًا ليهمس ببرود واقتضاب:

- ماشي..

ذهب وجلس أمامهما وظل يتابعهما في صمت ليزداد يقينه بداخله فيما يتعلق بخبرة "روان" ومساعدتها لأخيه، هي كالعادة يشع منها هذا التسلط الفطري والتحكم واخيه لا يُمانع بل يمتثل كل ما تقوله، لينبهه هذا لما حدثه به والده منذ قليل!

هو لا يعلم عن مجالهما الكثير ولكنه قد عرف أن شركة "عُدي" لا بأس بها ويعرف أن أخيه جيد بعمله ولكن بما إنه يجلس الآن أمام "روان" كالطفل الصغير يفعل كل ما تمليه عليه جعله يُعيد تفكيره بأكمله، لم يظن أنها حقاً قد تجعل الجميع ينصاع لها دون مجهود يُذكر. والده كما محق، هي تريد التحكم بكل من حولها!

انتشله صوت اخيه من افكاره وهو يُصيح:

- يا ابن الـ..! بصي الكلب ده عمل ايه!

خلل شعره حانقًا لتنظر "روان" بحاسوبه وخرجت ضحكتها بشكل استفز "عمر" للغاية.. منذ أن تزوجها حتى الآن لم يرها تضحك هكذا ليشتعل غضبًا فوق غيظه بصحبة كلمات والده، جعله كل ما يختبره اليوم يريد أن يؤلمها بأي طريقة وشكل ممكن!

احتقنت ملامحه غيظًا ليجدها تهمس بين بقايا ضحكتها: 

- بس حرامي دمه خفيف.. سمي الأصناف يا عُدي علشان نخلص وابقى شوف مين اللي عمل كده بعدين ومتضيعش وقت!

أنهت كلماتها بإبتسامة ليتعجب "عمر" من طريقتها الآمرة التي لاحظها، متحكمة وبنفس الوقت لا تخلو من الرفق، هل يا تُرى هذا ما يدفع الجميع لفعل كل ما تُريده؟.. أم أنه عكس "عدي" تمامًا مثل ما كانا دائمًا وهو لا يرى بتحكمها مُشكلة وتعامل مع كلماتها بطريقة تلقائية؟

ظلا يعملا وأوشك "عمر" على أن يجذبها مغادران هذا المنزل دون العودة مرة أخرى وملامح الغضب تتآكله ونظرة عيناه توشك على أن تقتل "عُدي" أولًا ثم إهلاك هذه صلبة الرأس ثانيًا، هذا كل ما استطاعت أن تفسره من نظراته التي تحرقهما بشلالات منجرفة من التوعد الخفي.. كم ودت أن تعرف لماذا كل هذا الكُره تجاه أخيه؟

 لو فقط يغادر ويتركهما سويًا لأستطاعت أن تعرف المزيد، ولكنه ظل ملازمًا لهما بالرغم من مرور الوقت، تناول الغداء مع اُسرته، عودة أخته، كل هذا حدث وهو لا يترك عينيه لتذهب بعيدًا عن كلاهما ولو للحظة واحدة.. ربما عليها أن تنتظر إلي أن يسأم ويذهب ويتركهما وشأنهما.. فلقد أوصلت له بكل افعالها أنهما يعملان ليس إلا!

دلكت عنقها بتعب ثم تثائبت وقد عبرت السابعة ليلًا:

- الأكل شكله تقلني ومخليني مكسلة.. محتاجة اشرب قهوة 

التفت لها "عدي" وهو يُدلك ما بين عينيه:

- انا كمان، زهقت من القاعدة وتعبت بجد.. هخلي حد يعملنا..

نهض وهو يسأل أخيه:

-  تشرب قهوة معانا؟

أومأ له بالإنكار دون مبادلته ولو كلمة واحدة فلم يستغرب الآخر الأمر وتركهما مبتعدًا لتنهال نظرات الغضب الصريح من "عمر" تجاهها واختلفت ملامحه بتشرس واضح ليتكلم بنبرة خافتة:

- انتي بتساعديه ليه؟ ما يولع ولا يتحرق، هو صغير علشان تساعديه!.. فارق معاكي ليه اصلًا تساعديه ولا متساعديهوش؟ ما يشوف شغله ويتصرف فيه لواحده!

ضيقت ما بين حاجبيها مُستنكرة قوله وردت بصوت هادئ كي لا يلتفت إليهما انتباه من بالمنزل:

- مالك يا عمر.. أحتاج مساعدتي فساعدته، وكمان من ساعة ما عرفت عدي وهو بيعاملني بإحترام وكويس معايا.. فيها ايه يعني اني اساعده؟ وبعدين انت متعصب كده ليه؟! ايه الغلط في اني اساعد حد؟ ده اخوك.. ما تعقل وتبطل جنان بقى!

آتت "عنود" مغادرة نحو البوابة الرئيسية ولم يرها هو بينما اشتد غيظه واحتقن وجهه مما أدى لتعالي صوته قليلًا:

- ولا اخويا ولا غيره.. ماهو عنده يجي مية موظف، يساعدوه ولا يحاسبهم، مكنش المفروض تعمليله حاجة اصلًا من الأول.. ويالا تشربي قهوتك وهنرجع بيتنا.. انا على اخري من حركاتكم انتو الاتنين!

توقفت "عنود" التي كانت بالفعل قد اقتربت للغاية لتبتلع "روان" وهي ترمقه بتوسل أن يكف عن الحديث خوفًا من أن يصل لمسامع أخته التي حدثتها:

- ارجوكي متمشيش غير لما اجي، كان نفسي اقعد معاكي اوي.. هروح بس اجيب حاجة من واحدة صاحبتي وهاجي..

ابتسمت لها بالرغم من الإرتباك بداخلها ثم اخبرتها بلباقة:

- متقلقيش، هترجعي تلاقيني مستنياكي

كادت دمائه أن تنفجر بالمزيد من غيظه، هل فجأة واحدة الجميع يكترث لها ويريدها وهي بهذا العناد وصلابة الرأس وكأنما تمارس تعويذة سحرية على الجميع لينصاعوا لها وكاد أن يصرخ بها لتسبقه أخته وهي تخبرها بإبتسامة حماسية:

- مش هتأخر، bye

ودعتها كذلك "روان" وبمجرد ابتعادها بمقدارٍ كافٍ رمقته بعسليتين استعرت غضبًا وقد طفح كيل تحملها لتزجره بين أسنانها المطبقة بغيظ:

- لا بجد! انت متعصب اني بساعده فعلًا؟ وتقصد ايه بحركاتنا احنا الاتنين؟ أنت يا إما مجنون أو عندك مرض نفسي مخبيه عن الكل! 

نظرت له وقد لانت ملامحها ببعض الحُزن وواصلت حديثها له:

- مش حاسس ان الشغل هو اكتر حاجة بتبسطني.. مبيفرقش معاك ولو للحظة واحدة تسبني اعمل اللي يبسطني، حتى بعد اللي مريت بيه وحصلي miscarriage (اجهاض) !! انت معندكش ذرة رحمة في قلبك ليا، مش ملاحظ اني كل ما ببصلك وبتكلم معاك بحس إننا السبب واني ساعدتك نقتل ابننا 

شاهدته وعسليتيها على مشارف البُكاء واللوم ينهمر من عينيها بينما لم يُصبه كل هذا سوى بالمزيد من الغضب ليهمس لها متوعدًا:

- هتتحاسبي يا روان على كل ده بس مش دلوقتي!

أطبق أسنانه محاولًا ألا يتهور ويدع شياطينه تخرج عليها أمام الجميع لتخبره حانقة:

- اعمل اللي تعمله مبقتش فارقة.. مبقتش اخاف خلاص هتعمل ايه ولا هتتصرف ازاي بتصرفاتك المريضة دي

آتى "عدي" يحمل القهوة ونظر لهما حتى شعر وكأن هناك شيئًا ليس على ما يُرام من ملامح كلاهما فوضع قهوتها بجانبها لتخبره بلباقة:

- شكرًا  

لمحته لمحة سريعة وهي تبتسم له بإمتنان ثم أخفت عينيها بشاشة الحاسوب أمامها بينما تحدث بلباقة متمنيًا أنه ليس سبب من أسباب ما تشاجرا بسببه كما يبدو من ملامحهما فهو لا يحتمل الجدال مع "عمر" ولا يود أن يفتعل مشاكل معه خاصةً وأن لديه الكثير يتوجب عليه فعله:

- لا شكرًا ايه!.. أنا اللي مفروض اشكرك ومش لاقي كلام اقولهولك على اللي عملتيه معايا.. لولاكي مكونتش عرفت احل المصيبة دي.. ده مفروض اعتذرلك انتي وعمر اصلًا، بدل ما تبقى زيارتكم اول مرة لينا حلوة وتفتكروها خليتها ذكرى مهببة عن اول يوم تيجوا فيه هنا

أخبرها ثم توجه لأخيه بنظرات الإمتنان ولكنه لم يبادله حتى نظرة واحدة فجلس أمام حاسوبه وكرر كلماته:

 - شكرًا يا عُمر.. وبجد آسف مكونتش حابب اضايقكم كده واضيع وقتكم

لم يُعجبها هذه النبرة وكأنها فعلت شيء جلل بينما الأمر بسيط ولا يحتاج سوى للوقت فابتسمت له قائلة:

- لولا يهمك يا عُدي.. انا معملتش حاجة وانت كمان ساعدتني 

ابتسامتها له، مرة أخرى، هل تريد منه أن يجعلها تركع أمام أعين الجميع على ما تفعله وهو يقوم بتلقينها درس على فعلتها؟ بل وهي ترد بدلاً منه وكأنه ليس موجود بالأساس! جيد للغاية.. لو انتظر هنا يُشاهدهما مستمعًا لكل ما يحدث عن قرب سينفجر غاضبًا حتمًا!

تطلع لكلاهما أمامه بينما عاد كلاهما ليعملان وكأنها لا تلاحظ من يحترق أمامها! نظر إليها بوجهًا محتقنًا ورمقاته أصابت جسدها بقشعريرة فجائية لينهض بالنهاية وهو يُزيح الكرسي خلفه بغضب ليتجه لغرفته وأبدل ملابسه وتناول واحدًا من الكتب التي لا تزال متواجدة لديه ليحاول قتل الوقت بأي طريقة ممكنة وجلس يقرأ ببعض سطوره عله يُثني عقله عن كل ما يدور به من افكار!

لم يُفلح الأمر ولم تُثنيه تلك الكلمات عن تخيله اياها وهي تحاسب على كل ما تفعله فعاد ادراجه متجهًا إليهما وقد عبرت العاشرة بقليل ليجدهما جلسا بغرفة الجلوس كل واحد على أريكة يحمل حاسوبه ولكن ما إن رآها تجلس بفستانها الذي وصل أعلى ركبتها بقليل اثر جلستها على الأريكة التي تختلف عن الكرسي السابق وهيتعاكس ساقيها بأنوثة كاد أن يصفعها ولكنه سيطر على نفسه بكل ما لديه من قوة ليتحدث ببرود قاتل:

- مش كفاية كده بقى وتطلعي تغيري هدومك علشان ننام، احنا صاحيين من بدري!

همهمت وهي تتثائب ثم همست:

- أنا فعلًا مُرهقة اوي

رفعت شعرها للأعلى ودلكت عنقها علها تنتهي من ذلك الآلم ليشرد هو بعنقها المرمري الذي يريد أن يُدميه ثم لاحظ أن "عدي" ينظر لها وكاد أن يقتلع عيناه بيده ولكنه وقف بينهما حتى لا يستطيع أن يراها

لاحظ ما يحاول اخيه فعله فسلط نظره على شاشة حاسوبه ثم حدثها بإمتنان:

- هكمل أنا.. باقي أربع شركات، لو حاجة فضلت هسيبها لبكرة، شكرًا يا روان على مساعدتك ووقتك 

أومأت له بالرفض عله ينتهي وقالت مُعلنة بوضوح علّ زوجها الغريب يفهم أن ما تقدمه من مساعدة ليس به شيء:

- ما خلاص بقى انت زي اخويا يعني، ولو حاجة وقفت معاك سيبهالي الصبح ومتقلقش كل حاجة وليها حل، أنا متعودة اصحى بدي كده كده، يالا.. تصبح على خير

عقب على كلماتها بإبتسامة ممتنة لما فعلته بل واستمرارها لتقديم المساعدة:

- وأنتي من أهله

 توجهت مع "عمر" للأعلى حيث غرفته التي لم ترها قبلًا وما إن دلفا حتى أغلق هو الباب خلفهما لتقول هي بحماس:

- دي اوضتك، عمري ما شوفتها 

كادت أن تذهب لتفقدها لتجده يجذب ساعدها بعنف مرغمًا اياها على الإلتفات ونظر لها بقسو وحدثها بين أسنانه بأنفس التهبت غضبًا:

- لو عايزة الليلادي تعدي على خير مش عايز أسمع صوتك لغاية ما نمشي بكرة، نفطر ونمشي، واضح ولا هترغي في دي كمان؟

تفقدته بإستغراب وهي تحاول انتقاء الكلمات التي سترد بها فقالت:

 - أنا يا عمـ..

قاطعها بزجرٍ خلال نبرته التي يحاول كتمها كي لا ترتفع ولكنها بنفس الوقت لم تخل من التهديد الصريح:

- برضو هتجادلي، متنرفزنيش وردي على قد السؤال، ولا عايزة الكل يسمع صوتك!

نظرت له بإندهاش وتسائلت داخلها لماذا غضب هكذا من أمر تلقائي، ولكن مع رجل مريض مثله هي عليها أن تتوقف عن التفكير فيما يُغضبه وفيما يُسعده بل وما يُحزنه فجذبت ساعدها من قبضته ولم تكترث للآلم الذي شعرت به وانتقت كلماتها مليًا وهي تنظر له بجرأة وقالت بتحدٍ صريح:

- هسكت، أوك.. بس مش علشان خايفة منك ولا خايفة من اللي هتعمله.. علشان صورتك بس قدامهم متتهزش بإنك فاشل في جوازك من بدايته! هافضل دايمًا احسن منك قدام الكل!

رمقته دون خوف ولكنه رآى الإحتقار الخالص ينهمر من عسليتيها ثم أخذت ملابس قد احضرتها سابقًا ودلفت للحمام حتى لا يتجادلا أكثر من هذا..

هل يشعر بالغيرة من أخيه؟ هذا لا تُصدقه، هل وصل به انعدام الثقة حتى لأخيه الذي يُفترض أنه يعرفه منذ سنوات؟ وكلمات والده تلك لم تُريحها، ولا حتى كلمات والدته، بالمقارنة مع ما اخبرها بالسابق تضاربت افكارها وهي تظن أن احدهما كاذب لا محالة!

انتهت من الإغتسال دون أن تصل المياة لشعرها ثم ارتدت ملابسها بعد أن جففت جسدها وخرجت تتجه صوب الباب تمامًا واعلنت بحسم وهي تلمحه يجلس يُطالع كتاب ما بيده:

- أنا رايحة اشرب عصير وهارجع حالًا! أنا مولعة ومن مصلحتي ومصلحتك محدش فينا يفتح في كلام ينرفز التاني!

تابعها ببرود قاتل وهو لا يعجبه لهجتها المُحذرة إلي أن اتجهت واغلقت الباب وزفرت بإرهاق، لولا أنها انغمست ببعض البرمجة اليوم واصلاح هذه الأنظمة لكانت فقدت عقلها، تبدو أن عائلته مجنونة مثله، ولكنها لن تستسلم سوى لمعرفة ما تريد معرفته والحصول على سبب منطقي لذلك الإضطراب الذي يلحق به!

مشت آخذة خطوات كي تحصل على أي سائل بارد يُهدئها قليلًا بينما توقفت عندما استمعت صوت والده الغاضب الذي يأتي من اتجاه غرفة مكتبه:

- فاكراني كبرت وخرفت ومش ملاحظ بتخرجي امتى وبترجعي امتى، من هنا ورايح مبقاش مسموح ليكي غير تروحي جامعتك وبس

ضيقت ما بين حاجبيها واقتربت نحو الباب أكثر لتستمع لصوت "عنود" الباكي:

- والله يا بابا اتأخرت غصب عني.. حتى أسأل السواق، صاحبتي كانت بتصور مني الكتـ..

سرعان ما اختفى صوتها ووالدها يقاطعها بقسوة:

- انتي اتجننتي، عايزاني اروح اسأل الراجل اللي بدفعله مرتبه وفاتحله بيته عن بنتي كأني راجل خايب مش عارف بنتي بتعمل ايه من ورا ضهري؟؟ امشي من وشي واياكي تفتحي بقك بكلمة كمان، يالا على اوضتك! يالا من قدامي!

يُتبع..

متنسوش التصويت

الفصل الجاي 31 يوم  السبت 4 سبتمبر ولو خلصت قبلها هنشره زي ما عملت اهو النهاردة نشرت بدري بيوم


Continue Reading

You'll Also Like

877K 26K 40
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
610K 13.8K 42
هو يكره النساء بشده بسبب ما حدث له بالماضي ... و هي فتاه حنونه و طيبه فكيف ستغيره ؟!
951 69 12
عشق المروان 💞💞 هو المروان هو ملك الدمار هو القوه هو الشده هو الخبث و الدهاء هو من لا يأمن بالحب ولكن لا نعرف هل للقدر رأي آخر و هل ستأتي من ستوقعه...
86K 2.3K 23
أحبها منذ الصغر كانت له العون والسند يتيم كانت امه وابيه واخته واخيرا حبيبته قوي الشخصية لكن أمامها هي سليطة اللسان يقف عاجزا فقط يضحك علي افعالها ل...