كما يحلو لي (حوار بالعامية ال...

By Batoulg7

4M 91K 15.2K

لم يكن متباهياً بغروره وعلاقاته كالرجال، كان فقط رسمياً.. صارماً بكل شيء بحياته.. علاقاته لم يعلم عنها أحد وك... More

مقدمة وتنويه
شخصيات الرواية
فيديو الرواية
النسخة القديمة للرواية
حقوق الطبع والنشر
- ١ -
- ٢ -
- ٣ -
- ٤ -
- ٥ -
المناقشة الأولى
- ٦ -
بعض النقاط الهامة وخبر حلو
- ٧ -
- ۸ -
- ٩ -
تعالوا اقولكم حاجة
- ١٠ -
استفتاء هام لمصير الرواية
- ١١ -
- ١٢ -
- ١٣ -
- ١٤ -
- ١٥ -
- ١٦ -
- ١٧-
- ١٨ -
- ١۹ -
- ٢٠ -
- ٢١ -
- ٢٢ -
- ٢٣ -
- ٢٤ -
طلب صغنن بخصوص الرواية
- ٢٥ - الجزء الأول -
- ٢٥ - الجزء الثاني -
اعتذار والفصل القادم
- ٢٦ -
- ٢٧ -
- ٢٨ -
- ٣٠ -
-٣١-
- ٣٢ -
- ٣٣ -
استفتاء مهم تاني
اخبار هامة بخصوص الرواية وتوضيح
- ٣٤ - الجزء الأول -
- ٣٤ - الجزء الثاني -
- ٣٥ والأخير-
توضيح ومناقشة ختامية
الجزء الثاني
اعلان هام

- ٢٩ -

57.7K 1.5K 193
By Batoulg7

بعد مرور أسبوع..

تابعته بعينيها بريبة وتوجس، فما يفعله منذ أن ذهبا كلاهما للمشفى وتأكدا بأنها أُجهضت يضعها أسفل حالة من آلم لا يُحتمل، آلم عقلها الذي يحاول تفسير افعاله قارب على تحويلها من إمرأة عاقلة إلي إمرأة مجنونة لن يستطيع أي اخصائي أن يُبرئها ولا حتى عقاقير الدُنيا بكل ما فيها!

تناول سُترته الرسمية ثم توجه نحوها وهي لا تزال جالسة بالفراش تتظاهر بطرد آثار النُعاس عنها وقابلها بإبتسامة عذبة كما كان يقوم برسمها على شفتيه بالأيام الماضية وكأنه لتوه لم يكتشف أنها أخفت عليه الأمر ولا حتى تأثر بفقدانه جنينهما الأول ووجدته يجلس على حافة الفراش وتلمس وجنتها بأنامله ثم حدثها بنفس الإبتسامة:

- صباح الخير بنوتي الحلوة عاملة ايه؟

تشتت عسليتيها وردت مُعقبة بإقتضاب:

- احسن..

اقترب ليطبع قبلة بطيئة على جبهتها ثم ابتعد قليلًا حتى يتفحص ملامحها بفحميتيه التي منذ عودته لم تعد تقبل تقلبه الأخير، فلولا انهما لتوهما فقدا الجنين لكانت ظنت أنه أسعد رجل خُلق! 

تكلم وهو يمرر أنامله برقة على احدى جوانب وجهها:

- النهاردة لازم اروح شغلي، فيه حاجات لازم اكون موجود علشانها محدش غيري هيعرف يعملها، مش هتأخر.. 

ودت أن تفرغ أعباء حملتها طوال سبعة أيام ماضية خلال أنفاس اثقلت صدرها ولكنها تماسكت بملامحها واكتفت بأن تومأ له بالموافقة وبداخلها تتحرق شوقًا لتلك اللحظة التي سيُغادرها بها فتلاشت ابتسامته ثم تحدث بثباتٍ وثقة ونبرة ظنت أنها ودعته للأبد ولكن إن لم يُذهلها هذا السلطان الملعون المغرور بآوامره النافذة فمن سيفعل!! 

احتوت تهكمها بداخل عقلها ببراعة واكملت تظاهرها بينما تفوه هو وعينيه تثقبا خاصتيها بتحذير خفي:

- متروحيش في اي مكان، يارا اهلا وسهلا بيها في اي وقت، اللي انتي عاوزاه هجيبهولك لغاية عندك، وشغلك تقدري تتابعيه لغاية ما تكوني احسن، مش عايز نكرر مشوار المستشفى ده، اظن انك عارفة ان بقى ليا تجربتين في المستشفيات مش كويسين خالص، واحدة فقدت فيها ثقتي في الكل والتانية فقدت فيها طفلي الأول! مفهوم؟

ترددت عسليتيها وهي تشاهده وحاولت أن تجد بداخلها كلمات لا تُعطيه كامل الإذعان وبنفس الوقت ترفض رفض قاطع لآوامره فباغتها مُجيبًا تساؤله الذي كان آمرًا في حقيقته وليس مُستفهمًا:

- فاكرة العقد يا قطتي اللي اتريقتي على كل بند من بنود، افتكرتي أنها مجرد تفاهات، كانت كلها علشانك في المقام الأول، لو كنت براقب كل تدريباتك، وعارف ليه بترهقي نفسك مع يارا ومرواحك شقة اخوها اللي لسه مرجعش من سفره، لو كنت معاكِ في كل اللي بتعمليه وانتي كنتي بتسمعي كلامي من غير عناد مكنش حصل كل ده.. أظن بقينا عارفين ومتأكدين مين اللي صح ومين اللي غلط فينا ومين اللي دماغه فيها تفاهات ! متبوظيش جوازنا اكتر من كده، كفاية عنادك واظنك جربتي ووصلنا لإيه، ابتدي تسمعي كلامي بجد المرادي! وادي اهو ده كان درس جامد اوي ليا وليكي، انتي من هنا ورايح تسمعي الكلام وأنا لازم اخد بالي كويس اوي انك تنفذي اللي بقول عليه علشان كله في الآخر لمصلحتك انتي! 

حدق بتقاسيم وجهها لتبتلع صراخها المُعترض، واضح للغاية أن كل هذا الفريق المتشح بالسواد الذي عينه ليُرافقها ينقل له كل ما تفعله، كان ظنها بمحله، ولكنها تحتمي بإبنة خالتها ولحظها الجيد حتى اليوم لا يرتاب بأمر الأخصائية، أكان هذا بمثابة تهديد منه؟ 

لحظة واحدة، من الذي يلوم الآخر؟ لو كان رجلًا سويًا ليس بهذه الدرجة من المرضية الشديدة لكانت زفت إليه الخبر السعيد بأنها تظن حملها لجنين وطفل يُكلل علاقتهما المُقدسة ليكون انطباع لفرحتهما بزواجهما، ولكن في هذه الدائرة التي يُلقي بكل اعباء ما يحدث بينهما عليها هي فقط وأنها هي المُخطئة دائمًا بالطبع لن تخبره بكل ما يخطر على بالها وخاصةً ظنها بأنها تحمل جنين، وإلا ستكون فريسة وضحية لكلماته المُشتتة لها كالعادة ولن تنجو منه أبدًا! وقد بدأت كلماته بالفعل تُشتتها!

من جديد اكتفت بهز رأسها بالموافقة، هي لا تريد سوى أن يغادر وكانت تنتظر هذه اللحظة بإشتياقٍ جارف حتى لا تفقد عقلها، فما فعله بالأيام الماضية لم يكن سوى صفعة قاسية لها من احدى تقلباته المزاجية التي تتركها مذهولة فقالت لتُنهي تلك الملامح القاسية التي تُحدق بها: 

- متقلقش، انا لسه حاسة اني مش كويسة وأظن اني هافضل في البيت فترة اطول

تهللت ملامحه لتشعر هي أنها مُشردة في سبيل لم يعد به سوى جذله الذي لا سبب له، وجزعها التي لا تعلم لمتى ستتحمله وما السبب خلفه، وكلما مشيا سويًا يتحول لدربٍ وعر وتزداد عُسرة قطعها اياه ولا يُشير من يُشاركها اياه بأنه سيأخذ بيدها حتى يجتازاه معًا..

من جديد طبع قُبلة على جبهتها ثم همس بمزيد من التحذير:

- حاولي متعمليش اللي يضايقني سواء في غيابي او لما ارجع، هتوحشيني يا قطتي..

غادرها وكذلك فعلت الأنفاس المتثاقلة التي اثقلت صدرها لأسبوع كامل مزقها آلمًا جسديًا بسبب إجهاضها، وفتتها شتاتًا حتى ظنت هي نفسها أنها فقدت عقلها! 

لم تمر سوى دقيقة واحدة منذ مغادرته أو هكذا ظنت وهي مستغرقة تُفكر فيما عليها فعله لتستمع من يطرق على باب غرفتهما ومن ثم تحرك الباب لتجد وجه "هُدى" الذي لا يظهر سوى وهما معًا بمفرديهما لتهتف بها بقلق أم فطري:

- عاملة ايه دلوقتي يا بنتي؟

هزت رأسها وحمحمت مُجيبة:

- احسن، بس محتاجة ارتاح اكتر شوية! 

أومأت لها ثم سرعان ما اعلنت كي لا تُرهقها بالحديث:

- هاسيبك ترتاحي حاضر، بس ميعاد الدكتورة النهاردة الساعة واحدة الضهر، متقلقيش ولا تخافي محدش هيعرف حاجة عنها غير الحُراس، وبعت السواق بالورق اللي ماضيتيه امبارح بليل لعلا.. 

توسعت عسليتي "روان" وهي تتفقدها مليًا وسألتها بجدية:

- هي مامي حست بحاجة هي أو بسام؟

أومأت لها بالإنكار واجابتها:

- مدام أميمة سألتني لو أن فيه حمل واقنعتها أن الموضوع يعني خاص بيكي انتي وجوزك، وقولتلها إنك رجعتي امبارح تعبانة بسبب اللي بيحصلك كل شهر فسكتت وقالتلي انها هتطمن عليكي لما تصحي، واقتنعت كمان بزيارتك لعيلة عُمر لأنكم مشوفتهومش من ساعة ما رجعتوا من اجازتكم، متقلقيش يا حبيبتي أنا ظبطت كل حاجة.. 

زفرت براحة ثم حدثتها قائلة:

- تمام، خلي بس كل حاجة تفضل ما بينا وانا فعلًا بقيت احسن، ومتخافيش عليا.. بس ارجوكي يا دادة اوعي تغلطي قدام مامي وتقوليها ولو بحسن نية.. أنا خايفة لو رجعت تاني زي ما كانت ساعة ما بابي ما مات، الموضوع هيبقى صعب أوي عليها وبسام هيتأثر وأنا كمان هتضايق لو شوفتها تعبانة تاني، احنا ما صدقنا تكون كويسة!

ابتسمت لها بتأكيد وأردفت بثقة:

- اطمني يا حبيبتي والله ما هاجيب سيرة بحاجة

أومأت لها ثم اخبرتها بإبتسامة:

- انتي عارفة يا دادة انك اكتر حد انا بثق فيه هنا، أنا بس كنت بأكد عليكي مش اكتر.. أنا مش هستحمل لو حصل لمامي حاجة وبسام كمان لسه صغير وأنا مش عايزة اشتته عن دراسته..

غيرت مجرى الحديث ثم طلبت منها متابعة كلماتها:

- ممكن تجيبيلي اللابتوب والموبايل، عايزة بس أتأكد أن الشغل تمام قبل ما أنام شوية..

فعلت "هدى" ما اخبرتها به وبعد أن اطمئنت أنها ذهبت وكذلك أنها اخبرت الجميع أن "روان" قد ذهبت للنوم حيث عودتها هي وزوجها بوقت متأخر صباح اليوم وبعد بُرهة من التفكير لم تستطع سوى أن تهاتف "مريم" بلا إنقطاع حتى اجابتها وفور سماعها لصوتها تحدثت مُعتذرة:

- انا اسفة إني بكلمك بدري اوي كده بس بجد حاسة إن دماغي خلاص وقفت عن التفكير وهتجنن.. 

اجابتها "مريم" بلباقتها الدائمة لتُطمئنها:

- ولا يهمك، انا كده كده بصحى بدري، قوليلي، فيه حاجة حصلت تاني؟

تهدجت أنفاسها ثم قالت بإستياء:

- انا اضطريت الغي الجلستين اللي فاتوا علشان للآسف البيبي نزل.. وجوزي كان معايا طول الوقت، وبصراحة هو ميعرفش أني بكلمك أو بروحلك، وعلى فكرة كان معاكي حق، أنا كنت حامل والبيبي نزل بسبب المجهود وبسبب..

حمحمت وهي تشعر بالحزن يضرب كيانها ثم تابعت:

- مفيش فايدة فيا، اول ما شوفته حسيت إني عايزاه، اقصد في العلاقة بيني وبينه، بمجرد ما شوفته معرفش ايه اللي حصل، بالرغم من رفضي في البداية بس كالعادة حسيت بالإحساس اللي بيشدني ليه زي كل مرة لغاية ما حصل، ولما نمنا صحيت بعدها على الوجع والنزيف.. وبعد ما روحت المستشفى والدكتورة سألتني اسئلة كتيرة عرفت إن السبب كان الإجهاد وبعدها العلاقة اللي حصلت، وكان فيها برضو عنف منه! 

سكتت عن الكلام ليقع على مسامعها تساؤل "مريم" لها بنبرة مُكترثة:

- وحاسة بإيه دلوقتي؟

توقفت لبرهة أمام سؤالها، كانت كجزء من الثانية بالنسبة إليها إلي أن نشجت بنبرة صارخة مكتومة، هي تريد الصراخ ولكن ترتعب لو وصل صراخها لكل من في المنزل واجابتها:

- مش عارفة، حاسة اني قتلت طفلي في لحظة طيش وجنون! حاسة اني رخيصة علشان مخدتش بالي أن رغبتي فيه وفي العلاقة نفسها ممكن تكلفني قتل طفل مالوش ذنب في حاجة، والله أنا مكونتش اعرف إن العلاقة ممكن تموت طفلي ولا كل اللي كنت بعمله.. حاسة إني بكره عُمر، وبكره وجوده في حياتي كلها، وبكره نفسي.. مش عارفة، أنا حاسة إني عايزة اتكلم بس مش عارفة أقول ايه!

اكتمل نشيجها بنحيب متواصل لتدرك "مريم" أنها على حافة انهيار قد يتحول لإكتئاب وتريثت إلي أول لحظة تلمست بها هدوء بكائها قليلًا فقالت مقترحة بنبرة داعمة:

- لو تحبي اننا نعمل جلسة دلوقتي مفيش مشكلة لو ده هيريحك؟

حاولت التقاط أنفاسها وبحثت بداخلها عن الإجابة التي لم تأخذ سوى ثواني لتحددها بقطعية وهي تبكي:

-ايوة طبعًا هيريحني بس، انا مش عارفة ازاي اسيب البيت دلوقتي وانزل واكيد هيقولوله اني نزلت، نفسي بس مش هاقدر!

عقبت "مريم" بمؤازرة لم تحتج الأخرى سوى لها:

- متقلقيش، هبعتلك دلوقتي link وهنتكلم زي ما انتي عايزة.. وهتكون الـ session (الجلسة) صوت وصورة كأننا قاعدين في العيادة بالظبط

حاولت الهدوء من نوبة بكائها وهي في انتظار إرسال الأخصائية لهذا الرابط لتجده يلج بها إلي واحدًا من التطبيقات التي تستخدمها هي نفسها للإجتماعات لتبتسم بسخرية هاكمة على حالها وهي تتسائل كيف لم تُفكر بأمر التحدث إلي أحد بالأيام الماضية وتقوم بتلقي الإستشارة عن طريق الإنترنت ولكنها تركت هذا جانبًا وسرعان ما بدأت الجلسة التي كانت فكرتها في حد ذاتها تُمثل لها الراحة! على الأقل ستستطيع التحدث دون حدود وخوف من أن تؤلم غيرها أو تتألم هي نفسها!

ارتجف صوتها وهي تواصل حديثها المُكمل لمكالمتها الهاتفية منذ قليل:

- حاسة أني مجرمة وقتلت بيبي، وغبية، وفاشلة، عمري ما كنت كده في يوم.. حاسة اني غلطت.. والله انا بس كنت خايفة، لو كنت اتأكدت إني حامل، راجل زي جوزي، محامي زيه عمره ما يتنازل عن حضانة البيبي لو طلبت الطلاق، ومامي ممكن تتعب اكتر وحالتها تسوء اكتر لو كل ده حصل واتطلقت، واخويا لسه صغير جدًا ومش عايزة في بداية حياته اشتته بطلاقي ومشاكلي ودراسته لازم ياخد باله منها وكفاية إن بابي مات وهو صغير.. مش عارفة، أنا محكيتش غير للمربية بتاعتي عن كل حاجة! 

تلعثمت ثم اعتصرت عينيها وهي تقضم شفتيها وامسكت برأسها وسرعان ما تكلمت من تلقاء نفسها:

- كنت شاكة في عُمر انه مش طبيعي وفيه حاجة غلط، وكنت عايزة اتأكد من الكلام ده وفيه حل ولا لأ ليه، لقيت عيادتك بالصدفة وأنا رايحة مع بنت خالتي يارا شقة اخوها، هي في نفس المبنى اللي فيه عيادتك.. يومها اتحججت باجتماع نسيته وهي افتكرت اني روحت اخلصه من العربية علشان الصوت والهدوء، وبعد اول جلسة لينا طلعت عندها تاني.. والجلستين اللي بعد كده كررت الموضوع بحجج تانية، مثلًا مكالمة مهمة مع  الـ personal assistant (مساعدة شخصية) وبعدها مكالمة مع عميل هيتعاقد معانا.. هو عمر طبعًا ميعرفش لأنه بيرفض العلاج النفسي وشايف ان مالوش لازمة غير مع المجانين! 

التقطت انفاسها لوهلة ثم واصلت:

- طول الأسبوع اللي كنت بشوفك فيه بدأت اعراض الحمل تظهر وانا مكونتش فاهماها اوي، وانتي نصحتيني أتأكد من الموضوع وكنت في منتهى الغباء، متصرفتش زي أم عاقلة مسئولة عن بيبي، بس كنت خيئفة من اللي ممكن يعمله، كنت خايفة على أُسرتي، وخايفة لو حصل وانفصلنا ده يعني لو وافق على فكرة الإنفصال، الناس هتقول عليا ايه، اتجوزت شهر وكام يوم وجوزها بعد عنها وطلقها؟ الفكرة بتخوفني.. بتحسسني بالإحباط، اني أكون مُطلقة وانا لسه عندي السبعة وعشرين سنة واتخانق مع طليقي في المحاكم على ابني، وانا عارفة كويس انه هيحرمني منه بعد ما جربته هو نفسه في قضية واترافعلي لغاية ما اتحكم لصالحي.. وفوق كل ده خايفة لو هددني او هدد اُسرتي.. 

لاحظت "مريم" عاصفة الكلمات التي تنطق بها وقد عادت للبكاء مرة أخرى، هي تُكرر قص الأمر وكأنها تُريد التخلص من الذنب تجاه جنينها الذي فقدته فتريثت وتركتها تُنهي كلامها:

-  كنت اتمنى أن المشاعر اللي حسيتها ليه تكمل، كنت عايزة احب جوزي ويحبني، كنت عايزة حياتنا تبقى سعيدة زي بابي ومامي، كنت عايزة لما يكبر البيبي اللي ضيعته يعرف ازاي حبيت باباه وازاي باباه حبني، كان نفسي في حاجات كتيرة بس كل حاجة معاه صعبة اوي.. والإحساس الحقير اللي بيتحكم فيا كل ما بقربله! بقيت بكره نفسي علشان اللي بحس بيه لما بنقرب من بعض!

جففت دموعها ثم نظرت تجاه "مريم" وقالت:

- لما صحيت ليلتها من شدة الوجع، راح معايا المستشفى، كل اللي كان عايز يوصله اننا نسيب المستشفى بأي طريقة، افتكرت وقتها الشهور اللي قضاها في المستشفى وهو صغير.. يومها فهمت أن الذكرى هي السبب في انه يكره المستشفيات كلها، وانا كمان كنت تعبانة اوي، وحاسة اني مجرمة وانا بقتل طفلي بمنتهى الغباء والتخلف، بس يومها سمعت كلامه ورجعنا البيت بتاعه اللي كان عايش فيه قبل جوازنا، بيت كنا فيه لوحدنا مفيهوش مامي واضطريت اخبي اللي حصل عنها علشان لو عرفت ممكن تتعب وتتأثر وأنا مش عايزة كمان اعيش بذنب تعبها! 

تنهدت متريثة وهي تبحث عن الكلمات التي تصوغ ما رآته منه بالأيام الماضية لتتابع بصوتٍ مُهتز:

- أنا كنت مرعوبة وخايفة وفضلت افكر هيعمل ايه ويقول ايه، قولت ممكن يتعصب ويتخانق ويزعق ويمكن يهددني وهيقولي عقاب وحساب وانتي مسمعتيش كلامي، بس حصل اللي مكونتش ممكن اتخيله، كان شكله فرحان جدًا كأننا كويسين وكأني مخبتش عليه ولا شك فيا، زي ما نكون كويسين جدًا ولا كأن فيه حاجة حصلت!

ابتلعت وهي تتذكر تفاصيل ما حدث واكملت:

- كلمة واحدة اللي قالها يومها، قال هنجيب غيره، كأن اللي فقدناه ده موبايل أو عربية.. وكان حنين معايا وهادي جدًا زي المرة اللي حكيتلك عنها وكان بياخد باله مني اول مرة جاتلي.. بعد ما خلصنا المستشفى وبقينا في بيته جابلي ممرضتين فضلوا معايا، ودكتورة بتجيلي كل يوم، حتى كان بيعملي الأكل بنفسه، وتابع مواعيد علاجي كلها.. وزهق الدكتورة بكتر الأسئلة عن حالتي، بس مش ده اللي مستغرباله! هو بصراحة خلاني اتجنن باللي عمله طول الأسبوع.. 

رفعت حاجبيها وملامحها واقعة في الحيرة وغاب بُكائها:

- كان تقريبًا مش بينام، رياضة وجري من بدري اوي وبعدها يفضل جنبي طول اليوم اللي قسمه بين الشغل واهلي اللي بيكلمهم وكمان بيطمن عليهم ويهزر معاهم، بياخد باله مني كويس اوي، وبليل كان مواظب على الشُرب وهو بيقرالي كتب التاريخ اللي بيحبه وبيفضل يقولي في كلام حلو.. وفوق كل ده ضحكته مبتفارقهوش! كأنه مبسوط بشكل مش منطقي.. بيتكلم كتير جدًا، كأنه مليان طاقة ونشاط متعودتش عليهم منه.. كأنه اتبدل حاله من قمة الزعل لأعلى درجات السعادة.. والكارثة أن موضوع البيبي واني خبيت شكي عنه كلها حاجات تخليه يتعصب أو ينفعل أو حتى يزعل، بس يكون مبسوط! حاسة انه بيجنني بجد!

هزت رأسها بإنكار ونظرت تجاه "مريم" ثم سألتها:

- ايه سبب السعادة دي؟ هو بيكره الأطفال مثلًا ومش عايز يخلف؟ ولا دي طبيعة الراجل السادي؟ هو من ساعة ما اتجوزته عمره ما اهتم بشغله، ايه سبب انه فجأة بقى بيهتم كده؟ عمره ما كان مواظب على الشُرب كده من ساعة ما اتجوزنا ومشربش غير مرة واحدة حكيتلك عليها قبل كده، لكن اليومين دول بيشرب من غير مبالغة ومش بيسكر اوي، مجرد بس مزاجه حلو بطريقة تخوف، مش عارفة افهم ولا حتى اعمل ايه! انا اه بحس بالراحة بعد ما بتكلم معاكي بس بعدها بحس اني بتشتت اكتر! ايه النهاية لكل ده؟

 لم تُجبها فورًا عن كل ما تفوهت به بينما حددت مُشكلتان رئيسيتان تعاني هي منهما، الخوف أن تُقرر تجاهه، والخوف من صورتها أمام المُجتمع، لذا ستبدأ بمجرد كلام عادي معها عله يؤثر دون خطوات علاجية منهجية وسترى ما سيتولد من افكار وأيضًا تصحيح فكرتها عن كل ما حولها والمجتمع ورؤية الجميع لها فقالت:

- روان، دي تعتبر جلستنا الرابعة سوا.. فاهمة مشاعرك كويس اللي بتمري بيها وحساها، وليكي كامل الحق تاخدي وقتك في التعامل مع المشاعر دي، بس انتي مش مجرمة ولا حاجة، أنتي كنتي خايفة من المواجهة وكامل تركيزك كان على كل اللي حواليكي بس مبصتيش ولا ركزتي انتي عايزة ايه، فكرتي في أُسرتك، فكرتي في كلام الناس، حتى فكرتي في جوزك نفسه، ومفكرتيش انتي عايزة ايه بجد، عارفة إنك في اللحظة دي انتي مشوشة ومش عارفة انتي عايزة ايه ولا عارفة هتعملي ايه بس خليني اسألك سؤال، هل كل اللي حواليكي سواء الناس أو أُسرتك نفسها أو حتى جوزك، يقدروا يرجعولك البيبي اللي خسرتيه؟

امتلئت اعينها بالعبرات التي انسابت عندما رفرفت اهدابها وهو تومأ بالإنكار بإنكسار تام فسرعان ما واصلت "مريم" حديثها:

- اللي حصل هي مجرد تفاصيل كتيرة في النهاية تلفت نظرك للي انتي عايزاه، مش باللي يفرح اللي حواليكي أو يعصبهم أو أي كانت الصورة اللي هتتكون في ذهن الناس عنك، أهم حاجة تتعلمي من اللي حصل وبعد التجربة تاخدي الدافع اللي يخليكي تقرري بشكل مناسب ليكي.. حصل اللي حصل بسبب الشتات والخوف والتفكير ومش هنقدر نغيره، المهم اللي هنعمله بعده، وبعد ما تاخدي وقتك وتمري بكامل تجربة المشاعر هو القرار اللي هتاخديه.. سؤالي ليكي، راحتك هتكون فين وسط كل ده؟

ابتلعت دموعها المالحة بينما كررت سؤالها مرارًا بداخلها ثم اجابت:

- راحتي اني اكون مبسوطة، عايزة تاني احساس الأمان واني اكون مطمنة من غير ما اصحى كل يوم وأنا متشتتة مش عارفة أنا عايزة ايه وخايفة اقول اللي بفكر فيه، عايزة اخلص وارتاح من كل اللي بقيت عايشة فيه من ساعة ما اتجوزت! 

أومأت لها "مريم" بتفهم ثم سألتها:

- طيب من كلامك السبب في كل ده هو جوازك، أو نقول جوزك تحديدًا، تقدري تحددي دلوقتي، السعادة دي عايزاها معاه ولا من غيره؟

شردت لوهلة مُفكرة في الأمر ثم قالت بتريث لنطقها عما توصل له عقلها:

- كانت في البداية مش بيفرق معايا خالص، بس، كل ما الوقت بيعدي علينا سوا وكل ما اكتشفت حاجات عنه بحس اني عايزاه وعايزة السعادة معاه واني اكون مطمنة من غير ما يفاجئني بتصرفاته الغريبة!

زمت "مريم" شفتيها ثم قالت بنبرة معتدلة:

- كلامك بيقول انك بتحبيه، بتتلمسيله الاعذار في كل اللي بتكتشفيه عنه، كلامك معايا من البداية هو أنك عايزة تنجحي معاه مش تسيبيه وخلاص، أنتي بتدوري على حل مش مخرج!

حدقت بالشاشة وهي تومأ بالموافقة ثم همست:

- ايوة، هو ده فعلًا اللي بحاول اعمله! أنا متعودتش استسلم بسهولة، أنا عايزة حل بجد مش مجرد مُسكنات وخلاص..

تنهدت "مريم" ثم سألتها:

- لو كنتي بتدوري على حل فعلًا بعد ما عرفتي انه لو اقتنع بالعلاج هياخد فترة طويلة، ده معناه ان قرارك هو انك تكملي في الجواز ده؟

هدأت نسبيًا وكأن كلماتها باتت تولد بداخلها نوعًا من التفكير المنطقي وهي تحاول الوصول لقرارها ولكن سرعان ما شعرت بالحزن تجاه جنينها الذي فقدته لتجيب متسائلة:

- مش حكاية اني اكمل في الجواز ده، الجواز عمره ما كان هدفي، بس السعادة والنجاح هي دي اهدافي واني اكون شاطرة وواصلة للي انا عايزاه.. في نفس الوقت، مش عارفة، اني خسرت البيبي ده بيخليني افكر، دي ممكن تكون فُرصة ليا علشان اخد بالي اكتر من كده في المرات الجاية بينا واننا نتكلم في المواضيع زي الاطفال مثلًا، أو اني اخد بالي في المُطلق معاه؟

ابتسمت برسمية واجابتها:

- اكيد، ده بالظبط اللي اقصده، اي حاجة بتحصل بتخلينا نتعلم منها وبتدينا خبرة في التعامل مبنخرجش منها الا واحنا متعلمين وكمان بتلفت انتباهنا للي جاي

تنهدت وهي مُستغرقة في التفكير وبنفس الوقت تشعر براحة وتخمة آلم رأسها لتقول:

- أوك، يمكن دي فرصته الأخيرة معايا، وفرصتي أنا كمان علشان اخد بالي اكتر، حتى لو قررت الإنفصال مش هيكون فيه بيبي نظلمه بينا، ويمكن حاسة اني مش عايزة اخلف منه قبل ما اتأكد من نهاية كل تقلباته وساديته.. حاسة اني بعد كلامي معاكي وبعد التجربة أن دي اكتر حاجة اخدت فيها قرار.. مش عايزة اطفال غير قبل ما اتأكد من الشخص نفسه..

اكتفت بالنظر لإليها بملامح مُحايدة ثم قالت بنبرة مُقترحة:

- ايه رأيك، على سبيل المساعدة مش اكتر، أخذتي كل الأفكار اللي بتدور في راسك وخلتيها على الورق قدام عينيكي او حتى على الـ laptop زي ما انتي متعودة بحكم شغلك، انتي بتحبي الشغل ودايمًا جواكي جدية وشغف ليه وكمان كلامك فيه نوع من التنظيم من أول جلسة شوفت ده.. اعتبريها خطة شغل.. تحطي كل اللي في راسك قدام عينيكي، مثلًا التفكير والأفكاراللي شبه بعض تحطي قدامها كلمة تشتيت، وقرار البيبي ده نتيجة التجربة اللي مريتي بيها، وهكذا لغاية ما تشوفي كل اللي بيشغلك قدام عينيكي.. ده واحد من التمارين المُفيدة، بس لازم تواظبي عليها علشان تحسي بالتغيير.. خدي كلامك في جلستنا النهاردة كمثال وابدأي بترتيبه قدام عينيكي..

ابعدت خصلاتها عن جبهتها وهي تتابع الكثير مما نظمته بالفعل على شاشة حاسوبها، منذ أن انتهت هذه الجلسة مع "مريم" وهي تكتب المزيد مما يدور بداخلها، كنقاط.. وبعد خبرة سيدة الأعمال التي اكتسبتها وجدت نفسها تلقائيًا تُنظم كل ما كتبته، تضع الأولويات في البداية والأشياء غير المُهمة في النهاية.. 

تناست تمامًا أن تسألها عما يُعاني منه زوجها، كيف لها أن تفعل؟ سرعان ما توجهت لواحدًا من برامج الكتابة ثم بدأت في كتابة الأسئلة التي عليها أن توجهها إليها بالجلسة المُقبلة، كالتشخيص الذي رفضت الإدلاء به، ومنذ أن وضعت آخر علامة استفهام بدأت الأسئلة تتواتر تلقائيًا! 

انتهت لتعود إلي ما كتبته، هذه النقاط المنمقة، التشتيت، ربما لا يجب عليها أن تُعطيه كامل تركيزها كي لا يُشتتها، كلام من حولها، الأحكام، الخوف من الفشل، ألا يُعد خسارة جنينها فشلًا؟ ما الذي كسبته الآن؟ الجميع يظن أنها متزوجة برجل رائع ولكن في النهاية لا يعلم أحد ما يدور خلف الأبواب المُغلقة عليهما، تبدو سعيدة ولكنها في النهاية لا تزال في حالة حداد بينها وبين نفسها على هذا الجنين الذي فقدته بلحظة واحدة، ورغمًا عن أنفها كل البشر حولها لن يستطيعوا أن يُعيدوا جنينها للحياة! لقد كانت "مريم" مُحقة بهذا الأمر، محقة بطريقة اوجعتها!

تفلت الوقت من حولها وهي تنظر لتلك الصفحات التي امتلئت بالكثير من النقاط المنظمة بعناية فائقة، لم يُقاطعها سوى حضور الطبيبة وسؤال "هدى" عنها والإطمئنان على حالها.. تنهدت وهي لا تعرف متى وكيف فعلت ذلك، كان الأمر سهلًا للغاية بالنسبة لإمرأة مثلها اعتادت على تنظيم اولوياتها.. آلمها قليلًا أن كل كلمة انعكست على شاشة حاسوبها لا تتعلق سوى به هو وحده دونًا عن عملها وأُسرتها، ولكن ربما تصل إلي الراحة بعد كل ما تريد أن تصل له بشأنه، فأكثر ما تُفكر به هو حل لكل هذا وإما الإنفصال، خصوصًا أنه لم يعد هناك طفلًا يربط بينهما!

انتبهت على صوت إغلاق باب الغرفة لتراه واقفًا أمامها بإبتسامة وضيق عينيه متسائلًا:

- لسه بتشتغلي لغاية دلوقتي؟ 

اثنت على نفسها أنها لم تتوتر أمامه واطمئنت إلي ظنه الذي أدلى به وهو يظنها تعمل فقط ليس إلا لتومأ له وبادلته بإبتسامة مُرهقة:

- اه، كان فيه حاجات كتيرة بس خلاص خلصت وكله بقى تمام..

تريثت لثوانٍ بعد أن حفظت ما كانت تعمل عليه بكبسها لزران ثم اغلقت حاسوبها بالكامل وتسائلت بعفوية:

- يومك كان عامل ايه؟

نهضت من فراشها الذي بدأت في كراهيته خصوصًا أن كل ما حدث وسبب فقدانها للجنين كان هُنا ولا تُنكر أن هناك بعض الذكريات التي تتواتر على رأسها دون رحمة لتُصيبها بالتقزز من نفسها بينما وجدته يُجيبها بملامحه التي تبدو سعيدة:

- كويس.. مكونتش فاكر اني هتأخر اوي كده عليكي، وحشتيني

ابتسمت له بإرتباك ثم اتجهت نحو الحمام بعفوية منها فهي لا تريد أن تواجهه خاصة الآن واعلنت متحدثة:

- وأنت كمان، هاخد shower بسرعة .. 

شعرت به يتبعها خلفها لتبدأ بالتذمر داخلها بينها وبين نفسها لتلتفت نحوه وهو يخلع ملابسه فنظرت له بعسليتيها المتسائلتين ليُجيبها دون أن يستمع لإستفسارها:

- ده shower مش اكتر، اطمني

بدأت في خلع ملابسها بقليل من شعور الإحراج فهي لا تزال تنزف الدماء بعد اجهاضها والأمر بالنسبة لها كان يدعو للتقزز بينما تعامل هو بمنتهى التلقائية واقترب نحوها ليجذبها برفق ليتوجها داخل كابينة الإستحمام وهي مستمرة في هدوئها النسبي وتتشبث بإرهاقها عله يكف عن تصرفاته الغريبة لبعض الوقت أو تتمنى بداخلها أن يكون ما مرا به سويًا قد يُغير به أي شيء ولكن لطالما فاجئها بكل ما لا تتوقعه وهكذا فعل، هذه القبلة التي التقت شفاههما بها لم تكن سوى شعور جديد تختبره معه! 

لاحظت أنها ليست قبلة داعمة وبعيدة كل البُعد عن الرفق واللين، غابت بها كل المشاعر وتخلت عن كل تصرفاته الهادئة بالأيام الماضية ولم يوجد بها سوى الشراهة والتسلط الشديد، وكأنها رسالة منه بأنه سيفعل كل ما يحلو له وقتما يحلو له دون الإلتفات لما تُريده هي وترغب به أو حتى ما تمر به..

فرق قبلتهما وكلاهما يحاولان الحصول على بعض الهواء واغمضت عينيها كحيلة للتهرب من فحميتيه بينما وجدته يهمس لها:

- وحشتيني اوي يا روان..

رطبت شفتيها اسفل المياة المنهمرة عليهما ثم تلمس بأنامله اسفل ذقنها وتكلم آمرًا:

- بُصيلي

فعلت تجنبًا للمزيد من تراهاته ورفع يده الأخرى وهو يُعيد خصلاتها المبتلة للخلف داعمًا اياها بأذنيها ثم تفحصها مُحدقًا بها بطريقة جعلتها تجفل داخلها ولكنها حاولت الصمود وهي تشاهده خلف اهدابها ليسألها بصوتٍ خافت ازاد من توجسها:

- امتى تأكدتي من الحمل؟

ابتلعت بإرتباك ثم اجابته بمصداقية:

- متأكدتش.. كنت شاكة طول الكام يوم بس مش اكتر!

أومأ لها وسوداويتيه لا تتركا مُقلتيها بينما سأل من جديد:

- ايه اللي خلاكي تشكي؟

جالت عسليتيها بوجهه كمحاولة منها لمعرفة ما خلف تساؤلاته ولكنها بائت بالفشل فأجابته متنهدة:

- أول يوم حسيت بإرهاق وفسرت أنه كان بسبب علاقتنا اللي استمرينا عليها الفترة اللي فاتت، وتاني يوم لعبت رياضة وعملت مشاوير كتيرة وخرجت أنا ويارا وعملت shopping، وكمان اليومين اللي بعد اليوم ده كررتها، قولت ان ده ارهاق عادي يعني علشان كنت مبطلة رياضة بس بعدها بدأت اشك، التعب مبيخلصش حتى لما بنام مش بصحى كويسة زي زمان، وحتى يعني ابتديت اخد بالي انها اتأخرت يومين، فقررت استنى يومين كمان لو مجتش هاروح لدكتورة وهاعمل تحليل، وطول الوقت كنت بحس اني عايزة انام، والمغص مكنش بيسبني، فافتكرت ان ده المغص العادي بتاع كل شهر، يارا لاحظت ان وشي مُرهق واصفر، فكنت متوترة أني اكتشف واحنا متخانقين ومش بنكلم بعض!

رمقته بلومٍ بينما أومأ لها على مُكثٍ شديد بنظراتٍ جعلت وجيف قلبها يتسارع ليقول بنبرة استفهامية:

- مش هتكدبي عليا يا روان لأن لو حصل وكدبتي مش هيجي من ورا كدبك خير أبدًا.. 

ابتسم إليها لتشعر بأنها تُشاهد رجل فاقد لعقله تمامًا ووجدته يضمها إليه ويده تمر على شعرها بحركات متوالية وهمس بأذنها متسائلًا:

- عايزة تقولي حاجة تانية يا قطتي؟

شعر بهزة رأسها بالنفي تنعكس على صدره ثم تكلمت قائلة:

- لا، انا حكيتلك الكلام ده اكتر من مرة!

ابتعد وهو ينظر لها بملامح متهللة ارعبتها، ربما من الأفضل أن يعود لمزاجه الكئيب بدلًا من تحديقه بها بهذه الملامح التي لا تعلم ما السر خلف سعادتها لتباغته متسائلة بعد أن تذكرت ما قضت يومها تفعله وهي تُسلط تركيزها على ما يهم:

- هو انت كنت عايز بيبي؟ علشان كده عمرنا ما اتكلمنا في الموضوع ولا حتى قولنا وقررنا نأجل شوية أو لأ او ممكن حد فينا يستخدم وسيلة نأخر بيها أو نحاول نجيب بيبي؟

اخفض نظره لشفتيها ثم مرر سبابته متلمسًا اياها بلمسات افقية وعينيه تتابعها برغبة باتت اكثر ما تتعرف عليها من ملامحه الآن ليجيبها بكل ما لم تتوقعه:

- انا من يوم ما شوفتك يا بنوتي مش عارف ايه اللي حصلي.. مفكرتش غير فيكي وفي اللي بحسه بيني وبينك كل ما بنقرب من بعض.. 

في قرارة نفسه لم يجد سوى هذه الإجابة التي لم تقتنع هي بها واستطاع ببراعة أن يقرأ هذا بعينيها ليغير مجرى الحديث متهربًا:

- خلصي لغاية ما احضرلنا العشا..

دنا لشفتيها مُقبلًا اياها بنعومة خالفت القبلة السابقة وعندما ابتعد وهو يوشك على المغادرة اوقفته وهي تقول:

- مش لازم تتعب نفسك، هدى ممكن تقول لـ..

قاطعها بنفس الإبتسامة التي باتت تُزعجها بهذه الأيام المنصرمة:

- أنا عايز اعمل الأكل ليا وليكي يا روان..

أومأت له بالموافقة وبمجرد مغادرته اوقفت المياة وذهبت لتتناول رداء استحمامها وعقدت رباطه جيدًا حول خصرها ثم اتجهت مباشرةً لهاتفها واستمرت في مهاتفة "مريم" لأكثر من مرة وعقلها لا يتذكر سوى تلك القوائم التي اعدتها وانتظرت إلي أن اجابت فسألتها بتصميم:

- بعتذر اني بكلمك كده كذا مرة من غير مواعيد، بس انا محتاجة اعرف، هو عمر مشكلته ايه غير السادية؟ ايه سبب كل تقلباته المزاجية دي اكتئاب وانعزال وكسل وبعدين سعادة ملهاش مبرر ونشاط شديد واستمراره دايمًا في العلاقة بيني وبينه كأنه مبيزهقش، ايه السبب ورا كل ده؟

استمعت لزفرتها خلال الهاتف واجابتها:

- درجة من درجات اضطراب ثنائي القطب، فيه ناس بتسميه الإكتئاب الهوسي

ضيقت ما بين حاجبيها وهي لا تعلم ما هذا المرض لتتسائل:

- وده ليه علاج، بيختفي يعني وبيروح؟ وايه سببه؟ طفولته أو صدمة معينة؟

اجابتها برسمية وهي لا تريد بعد أن تُخفي الأمر بعد الآن:

- لازم الأول نتأكد من شوية فحوصات، تحليلات مُعينة للغدة، وإجراءات طبية بحتة، وبعدها لو كان السبب نفسي، فـ الإضطراب ده في النهاية الناس بتسيطر عليه وبتتعايش معاه ، ادوية معينة، وروتين يومي، وطبعًا المداومة على الجلسات، زيه زي مريض الضغط العصبي أو السكر، واما بقى السبب في الإضطراب..

حمحمت متريثة لبرهة والأخرى تنصت بإهتمام لتواصل:

- ممكن يمون وراثي لو حد من قرايبه من الدرجة الأولى مُصاب بنفس الإضطراب، يا إما فيه تركيبات في العقل نفسه مُختلفة بتكون هي السبب، الأسباب كتيرة ومش هاقدر أأكدلك غير لما اتكلم مع جوزك نفسه علشان نعرف السبب بعد ما نتأكد كمان من الفحوصات زي ما قولتلك، بس هو ده الإضطراب اللي موجود في شخصيته لو الفحوصات سليمة ووظايف الغدة مفيهاش خلل، ده اللي بيفسر تقلباته المزاجية الكتيرة وحالاته من المزاج الإكتئابي، المزاج المنتشي، واحيانًا مزاج رايق.. وساعات ممكن يكون مزاج طبيعي، أو متعصب بسبب أو بدون سبب، دي اسمها نوبات وممكت تتغير النوبات دي مع كتر الضغوطات عليه! 

استمعت لخطوات تقترب من الغرفة لتحمحم وهي تُنهي المكالمة ظنًا أنه هو الذي يقترب:

- بعتذر على ازعاجك مرة تانية، شكرًا انك رديتي عليا، بي لازم اقفل دلوقتي!

استمعت لطرقات على الباب لتزفر براحة فهو لا يفعل هذا أبدًا وسرعان ما اتضحت لها صورة "هدى" المبتسمة بإهتمام وبعد الإطمئنان على حالتها وابلاغها بتصميم زوجها أن يصنع لهما الطعام فاجئتها بخطابٍ جديد، خطاب منه هو تحديدًا! 

حقًا ليس الوقت المناسب لغزله الدائم وكلماته الرقيقة التي سرعان ما يفعل النقيض لكل ما تعنيه، هي تريد معرفة إلي متى ستستمر تساؤلاتها عنه، عن اضطراباته وأمراضه، ما الذي يُعاني منه كذلك سوى السادية وهذا الإضطراب الغريب؟

اخرجت الخطاب بعد أن مزقت الظرف الخارجي وبدأت عينيها تتنقل بسأم بين الكلمات المكتوبة وهي تقرأها:

هذه هي رسالتي الثانية لكِ، سيكون افضل بكثير ألا أكون معكِ وقد قررت أن تستلمي رسائلي دون وجودي بالرغم من اشتياقي لرؤيتك وأنتِ تقرأي ما خططته بيدي وعسليتيك الفاتنتين تتنقل بين الحروف.. ربما سأفعلها يومًا ما واشاهدك وأنتِ تفعليها..

لا أدري ما الهدف وراء هذه الرسالة ولكنني أردت أن أُرسلها كي أُقر بكلماتي أسفل عسليتيكِ أنني رجل محظوظ ولأول مرة يُنصفني القدر بتقاطع سُبلنا معًا.. 

لا أُنكر أن هناك دوامة بداخلي لا تتوقف طوال الوقت بتخمينات عدة وأسئلة لا تنتهي وماضي لا يتوقف عن ارهاقي بكل ما فيه، ولكن أنتِ في طريقك معي لتُغيري هذا.. ستُغيري هذا وتُغيريني كما أثق بأن كل ما اخفيه سيكون لديك يومًا ما بأكمله كالكتاب المفتوح وحينما تُغرقيني بعشقك ستغرقي أنتِ في تفاصيل ستتمني يومًا ما أنكِ لم تعرفيها!

السابق كان اعتراف مني لكِ، والتالي اعتراف آخر، وأنا بكامل قواي العقلية، وأنتِ نائمة ها هنا بجانبي على هذا الفراش الذي لم يكن يومًا بهذه الراحة ولا الألفة.. أنتِ اصبحتي ملاذي، مأمني، وسكينتي.. 

لا اكترث سوى لكِ وحدك، لم أعد أريد سوى التواجد بجانبك وأقسم لكِ أريد تحويل هذه الحياة بكل ما فيها من عمل وبشر والتزامات وكل ما يفعله الناس يلتهم وقتهم إلي رجل لأقتله واتخلص منه.. وقتها سأستطيع أن اكون بجانبك دائمًا وأبدًا وأنا مُطمئن بأنه لم يعد هناك ما يُشغلك عني..

عشقي لكِ قد يكون غريب، علي وعليكِ أنتِ أيضًا.. كل ما أنا عليه يأبى بنفور أن انطقها أمامك صراحةً، لا أدري هل هو الخجل أم تخلت عني شجاعتي.. ولكنك تُغيري الكثير بي.. 

ورغمًا عن أنفي وعن كل ما احاول التشبث به، الأمر يروقني..

استمري فيما تفعليه.. وهناك المزيد أريد الإعتراف به، انتظري رسالتي الثالثة..

زوجك.. عمر يزيد



انتهت وهي تضع الرسالة فوق الرسالة الأولى بالدرج الجانبي لفراشها وسخرت بداخلها، أيريدها أن تستمر فيما تفعله؟ تستمر بالتحدث إلي الأخصائية وهي تكتشف الكثير من الإضطرابات به بين أنه يعاني من لعنته السادية بصحبة هذا الإضطراب الغريب الذي لتوها علمت عنه، أم تستمر في أن تكون إمرأة مشتتة تسير على غير هدى بطريقهما الوعر الذي يبدو وأن نهايته بعيدة للغاية؟

زفرت وأنفاسها تحاول التخفيف عن روحها وعقلها المنهكان ونهضت لترتدي ملابسها وذهب عقلها فيما قالته "مريم" لتزداد الأسئلة بداخلها، هل لهذا الإضطراب علاقة بساديته؟ أم أنه هو اصعب لأنه يتم التعايش معه؟ هي لم تستمع من الأخصائية ما يؤكد أنه يُمكن علاجه على عكس السادية التي اخبرتها أنه يلزمها علاج طويل المدى! هل هناك ما أسوأ من السادية أم أن الأمران مختلفان؟ وما معنى اقربائه من الدرجة الأولى؟ اللعنة على عقلها الذي لا يتوقف عن العمل!

حاولت ألا تتشتت أكثر بكل ما لديها من قوة، فكرت في كلماته ثم كلمات "مريم" ثم ما عليها فعله، من أين لها أن تبدأ هذا لو حدثت معجزة ما واستجاب للعلاج يومًا ما.. ولكن ستحاول، وستحاول أن تفعل ما يُريحها فقط وما تريده.. كما عليها المحاولة ألا تخسر عائلتها في خضم علاقتها بزوجها.. أما عن الناس وما سيقولوه وسيفعلوه ونظراتهم التي ستصوب إليها فلن تواجههم سوى بحقيقة واحدة لن تتوقف عن ترديدها برأسها، لن تستطيعوا أن تعيدوا لي جنيني الذي فقدته لذا اصمتوا انتم لا  تعرفوا ما الذي تتحدثون عنه!

توجهت داخل غرفتها بعد أن تركت غرفة الملابس وفكرت مليًا لتلمح هاتفها وفكرت بالإتصال بالأخصائية مرة اخرى ولكنها تحرجت فنظرت حولها وهي مستغرقة في التفكير لتجد هاتفه فتوجهت له لتحاول الولوج له فوجتد مُغلق برمز سري لتزفر بإحباط ولكن الأمر نبهها أن تفعل هي الأخرى أو على الأقل عليها أن تُلغي كل اتصالاتها بـ "مريم" ففعلت وتركت هاتفها كما هو وركزت على كل ما توصلت له عنه ليُقاطع تفكيرها دخوله حاملًا صينية الطعام لهما فأكتفت بالإبتسامة اللينة نحوه فبادلها وبعد أن شكرته على صنيعه تناولا الطعام في صمت.. 

تركت طعامها لوهلة ثم اخبرته برقة:

- انا قريت جوابك.. مكونتش اصدق انك تقول الكلام الرومانسي اوي ده!

اكتفى بأن يومأ لها بإبتسامة ولم تشعر بإرادته في التناقش بالأمر واستغرقت هي بالمزيد من التفكير لتتوصل نوعًا ما إلي فكرة قد توصلها لمعرفة الكثير عنه فحدثته سائلة:

- باباك ومامتك واخواتك عاملين ايه؟

تعجب لسؤالها ولكنه اجابها بإقتضاب:

- تمام

حمحمت ثم اضافت بنبرة مُقترحة:

- ايه رأيك لو روحنالهم، يومين مثلًا، احنا مشوفناهومش من يوم ما اتجوزنا، وانت قولتلي انك قريب من باباك اوي، ايه رأيك؟ نقعد معاهم يومين أو حتى تلاتة، زي ما تحب، أنا وانت اليومين دول بنشتغل من البيت.. أظن هتكون فرصة كويسة ومش عارفين هتتكرر امتى!

تناول طعامه في صمت لتضيف:

- أنت عارف أن هدى قالت للكل اننا كنا عند باباك ومامتك زي ما ااتفقنا، ومامي هتسألني عنهم وعن كلامي معاهم وايه اللي حصل واتبسطنا ولا لأ ويمكن تيجي السيرة في المناسبات لو مامي كلمت مامتك او باباك، اظن هيكون كده احسن اننا نروحلهم يومين، وبصراحة لسه مش حاسة اني مرتاحة هنا..

تجولت عسليتيها بالغرفة وحاولت التلاعب بإستخدام مزاجه الجيد بهذه الأيام وثبتت على ما تريد الوصول له:

- وبيتك لما قعدت فيه الكام يوم اللي فاتو، مش عارفة، بس فيه ذكريات كتيرة هناك وعقلي بيفكر امتى حصل الحمل في الوضة دي ولا دي ولا في المكتب ولا كنا امتى سوا، ولا اي يوم.. اعتبره يعني تغير جو! موافق؟

حدق بملامحها لوهلة، مشتتًا، لا يريد أن يغضب، ولا يُريد أن يُصعب عليها الأمر وهي لتوها بدأت في التحسن الفعلي، حسنًا.. يومين ليس إلا، انشغال اخته بالجامعة، اخيه منشغل بعمله، والده سيمكث معه اغلب الوقت ووالدته لن تتجرأ على إثارة أي مُشكلات.. 

اكتفى بأن يومأ موافقًا لتلاحظ أنه اليوم توقف عن ثرثرته المعهودة ولكن ملامحه ليست بمتجهمة ولا غاضبة ولا حتى مُستاءة فابتسمت له كنوع من أنواع الإمتنان لتنتهي الليلة كمثل سابقتها من الليالي التي يعاقر بها الخمر وهو يقرأ لها مقتطفات من كتابه الذي يثرثر عن التاريخ وبنبرته وطريقته التي تُشابه قصص ما قبل النوم ارتخى جسدها وكذلك استجابت اعينها ليلمحها بطرف عينيه ثم دثرها جيدًا مُقبلًا جبهتها ونهض ليتركها مُغادرًا نحو الحمام!

زفر بعمق وهو يلمح انعكاس ملامحه بالمرآة، لا يريد المزيد من التصادمات، وما يملكه في عقله من ذكريات بسبب مظهره هذا ليست بسعيدة أبدًا.. 

امتدت يده وهو يحرر عقدة شعره ثم بدأ في تقصيره تاركًا اياه بشكل مناسب كي لا يتفقده والده بتلك الأعين الثاقبة وهو يتحدث عن مظهره بكلمات لا يُحبذ الإستماع لها ورغمًا عنه تذكر ما حدث في السابق لأكثر من مرة، ولم يكن يعلم أن بموافقته اياها سيحدث الكثير مما سيُغير كل شيء بينهما بل وسيُدمر كل محاولاته في المثابرة من أجلها وسيقلب حياته رأسًا على عقب..

يُتبع..

الفصل الجاي يوم الخميس ولو خلصت قبلها هنشره

الفصل مش صغير

الفصل مليء بالأحداث

الرواية اقصاها هتخلص على اخر شهر 9

متنسوش التصويت

Continue Reading

You'll Also Like

2.1M 48.7K 63
هو قاسي القلب لا يهاب شيئا احبهاا منذ نعومه اظافرها بعدها عنه حتي لا يؤذيها هي عنيده جميله تعشقه ولكنها تهابه كانت صدمت عمرها عندما علمت انه زعيم ال...
171K 5.3K 21
هي فتاه قويه لا يهمها اي شئ اختطفت في العاشره من عمرها عاشت مأساه علي يد هذا الرجل ولاكن هي الان مهندسه ذكيه وبارعه في عملها.
3.8K 145 22
اكشن وحب ورومنسيه وماضي وتضحيه
91.4K 2.9K 32
مرحبا دي الروايه الجديده هنزلها قريبا.... نبذه عنها فتاه لا تريد الزاوج خوفا من شئ حدث لها في الماضي فتقرر تجميد البوبيضات خوفا من بلوغ سن لا تقدر ف...