الجزء الثاني من سلسلة ملامح ا...

By MeEm_marwa

7K 148 17

قصص جديدة، وأخرى مكملة لقصص من الجزء الأول 💜✨ More

قريبا ✨
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
الخامس والعشرون
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون
التاسع والعشرون
الثلاثون والأخير

الفصل الثاني والعشرون

114 3 0
By MeEm_marwa

الحاضر ..
واشنطن .

تغلق الهاتف من زياد , بعد أن أخبرته بعنوان ومكان تواجد جوليا .
لتلفت , وتجد حارس ستيلا يراقبها بصمت , ونظرة مخيفة , سألها بغموض :
- من هذا ؟ ولمَ أخبرته عن المكان ؟
ازدردت أليس ريقها بخوف من نظرته الغريبة :
- لا أحد , إنها صديقتي .. أردتُ منها أن تاتِ إليّ .
صمت قليلا , ليرعبها بما قال :
- لقد سمعت المكالمة كلها , وأنا آسف .. لن أستطيع تركك هذا , أنتِ خنتِ السيدة .
حدقت إليه برعب , قبل أن تهز رأسها نفيا :
- لا يا ماركوس , لا بد من أنك أخطأت السمع .. سأشرح لك .
قبل أن تعترض أكثر , سحبها ماركوس من ذراعها , وأخرجها من المنزل الصغير الذي كانت تقطنه .
دفعها داخل السيارة وأغلق الباب خلفها , ليستقل السيارة هو الآخر , ويذهب بها إلى منزل الكوخ , حيث ستيلا وجوليا , وبعض حراس ستيلا .
حين وصلوا بعد ربع ساعة , كانت دموعها على وشك النفاذ من شدة بكاءها .
كانت خائفة بشدة .
تعرف جيدا عما تستطيع والدتها فعله .
تعرف كيف تعاقب من يخذلها أو يكذب عليها أو يخونها .
لا يهمها من يكون ذلك الخائن , حتى لو كانت ابنتها .
تماما كما فعلت وعاقبتها بعد أن هربت جوليا ولورنا .
ستفعل كل شيء حتى تتخلص منها .
جذبها ماركوس مرة أخرى بقوة , وأنزلها من السيارة .
دفع الباب مفتوح قليلا , ليسحبها خلفه .. حتى دخلا إلى صالة صغيرة , دفعها حتى سقطت بين أقدام ستيلا .
التي رفعت أنظارها تنظر إلى أليس وماركوس بدهشة .
قبل أن تسأل , أخبرها ماركوس بكل ما سمع من ابنتها .
لتنظر إليها بعينين تشتعلان حقدا وغضب .
رفعت أليس وجهها , وأمسكت بقدم أمها برجاء :
- سامحيني يا أمي أرجوك , لقد هددني ولم أعرف ماذا أفعل , أرجوك .

صفعتها بقوة .
حتى سقطت على جنبها , وعيناها متسعتان من الألم .
- اخرسي , كان عليكِ أن تتصرفي بذكاء , دون أن تخبريه عن مكاننا , يا إلهي ماذا أفعل الآن ؟ ماذا أفعل , أي مصيبة هذه التي أوقعتِني بها ؟
قالتها ونظرت إلى ماركوس , توميء له برأسها .
ففهم الحركة فورا .
وفهمتها أليس , التي أخذت تصرخ وتستنجد بأمها أن ترفق بها وترحمها .
ولكن قلب ستيلا قاسيا بالفعل , ولم تستمع إلى ابنتها .
بل جلست على ركبتيها أمامها , وأمسكت بشعرها بقوة :
- فلتواجهي الشرطة بمفردك , بما أنك من أخبرته , أما أنا فسأبذل جهدي حتى أجعل جوليا تعترف بمكان الملفات وأتركك بمفردك هنا .
- أرجوك يا أمي أرجوك , لا تتركيني .. زياد لديه معلومات تخصنا , صدقيني حتى أنتِ لن تتمكني من الفرار , والملفات أيضا معه هو .
لم تستمع إليها ستيلا .
أخذت الإبرة التي مدها إليها ماركوس , لتأخذها وتغرسها في وريد إبنتها بكل قسوة .
تحت توسلاتها ورجاءاتها .
قيد الرجل يديها وقدميها , وصعد بها إلى الأعلى .
ليدفعها بجانب جوليا النائمة من أثر المخدر حتى الآن .
صرخت برعب واستنجاد , دون جدوى .
كان ذلك في الوقت الذي استيقظت به جوليا وارتعبت من وجود جسم بشري بجانبها .
ظلت أليس لساعة كاملة , تقاوم النعاس .
إلا أن المخدر لم يسمح لها بالمقاومة لأكثر من ساعة , فراحت في سبات عميق .

بالأسفل ..
نزل ماركوس ليجد ستيلا تذرع الصالة جيئة وذهابا .
وقف أمامها بقلق :
- ماذا نفعل الآن ؟ سيصل قريبا , وسيحضر معه رجال الشرطة بالتأكيد .
جلست ستيلا تهز رأسها نفيا , تستشعر حجم المصيبة التي هم بها الآن :
- لدينا بعض الوقت بالتأكيد , لنحاول نقل أغراضنا أولا في السيارة , ثم نرى أمر تلك اللعينة جوليا .
- أخشى أننا لا نملك ذلك الوقت , ما رأيك أن تذهبي أنتِ إلى الأعلى , وأنا أشرف على الرجال .
وقفت باعتراض :
- لا , عليّ أن أشرف عليهم بنفسي .
اتجهت نحو الخزانة يتبعها الرجل بقلق بعد أن استدعى الرجلين بالخارج .
الذين بدأوا بالنقل فورا .
فـ ستيلا , كانت تخفي عملها الغير قانوني , وتتاجر بالمخدرات .
لتجعل من منزل التأديب غطاءا .
قبل أن ينتهوا , أجفلوا جميعا من أنوار سيارات الشرطة التي ملأت المكان في غضون دقائق .
دب الخوف في قلوبهم , واستقلوا السيارة .
دون أن يهتموا أو يفكروا بجوليا وأليس الموجودتان في الأعلى .
ليس لديهم وقتا من الأساس .
إن سقطوا بأيدي الشرطة , وبحوزتهم تلك الأشياء .
لن يُتركوا على قيد الحياة .
تبعتهم سيارتان من الشرطة .
وترجل زياد من إحدى السيارات التي توقفت أمام منزل الكوخ .

____

الآن ..
تفتح أليس عيناها بوهن .
لتتسع فجأة وهي ترى الواقف بجانب السرير .
ازدردت ريقها وهي تضم كفيها بحركة تلقائية , وتنطق إسمه بخوف :
- لِيام !
نظر إليها طويلا , قبل أن يقول بسخرية وحسرة في ذات الآن :
- نعم لِيام , لقد وثقت بكِ , بل منحتك ثقتي الكاملة , وادخلتكِ منزلي , لأنكِ جلبت لنا أخبار عن شقيقتي العزيزة , ولكنكِ لم تكوني أهلا لثقتي , لقد خذلتِني , خذلتِني تماما .
أدمعت عيناها بتأثر واضح :
- أنا آسفة , أنا حقا آسفة أني خذلتك , ولكن …
ضحك بألم :
- لا أريد أن أسمع أي تبرير , إلى هنا ويكفي .. فقط أتيت لأذكرك أنكِ ستقضين طوال عمرك في السجن , بسبب …….
قاطعته أليس وهي تشهق ببكاء مرير :
- أعلم أعلم , بسبب ما فعلته بالفتيات , لأنني مارست مهنة التمريض دون أي شهادة تسمح لي بذلك , ولكن صدقني .. أنا كنتُ مجبرة , كنتُ مجبرة على فعل ذلك , كانت أوامر أمي , لم أتمكن من عصيانها بعد أن ربتني جيدا وكبرتني .
نظر إليها نظرة أخيرة طويلة , متحسفا على شعوره بالإعجاب نحوها , قال بغل قبل أن يخرج :
- فلتذهبي إلى الجحيم , أنتِ وستيلا .
خرج متجاهلا بكاءها المحزن واستنجادها به , ليساعدها ويجلب لها محاميا .
لربما تتمكن من طلب تخفيف الحكم .

_____

أوقف زياد سيارته أمام منزل هشام , لينزل برفقة إبنته .
التي سألت بملل :
- برضوا بتحطني هنا وتمشي ؟
ضحك زياد وهو يمسح على شعرها :
- لا هالمرة بجلس معك .
حين خطى نحو المنزل , رآى فتاة مألوفة تترجل من سيارة الأجرة , يتبعها علي من خلفها .
تسير بوهن نحو منزل هشام , تتحدث مع علي بصوت منخفض .
يبدوا عليها التعب الشديد .
حين ابتسم ينادي بإسمها :
- هينا .
التفتت إليه بسرعة , ليتفاجأ من احمرار وجهها وانتفاخ عينيها .
والدهشة تتملكها حتى فغرت فاهها بذهول وهي تنظر إليه .
اقترب منهما زياد , وسلم على علي .
حين ركضت نحوه ألين التي اعتادت عليه مؤخرا .
حملها وهو يضحك ودخل إلى المنزل .
تاركا خلفه هينا التي تنظر إلى زياد بدهشة وذهول .
كأنها لما تتوقع رؤيته .
ضحك ينظر إليها :
- قفلي فمك .
أغلقت فمها بإحراج وهي للتو تستوعب أنها تقف أمامه .
محبوب قلبها وجارحه .
ابتسمت بخجل , تداري دمعتها وتحاول كبت ذلك الألم الذي تشعر به , بعد نوبة البكاء التي أصابتها في المستشفى , تحاول نسيان الألم الذي سببه لها دون أن يدري , بدا صوتها وهي تنطق بإسمه ملهوفا :
- زياد .

ابتسم لها مرة أخرى :
- حمد الله على سلامتك , تفاجأت لما خبرني هشام عن جيتكم .
ازدردت ريقها , وبان عليها التوتر والارتباك وهي تجيب بصوت مبحوح :
- الله يسلمك .
- إيش أخبارك ؟
ردت وهي تنظر إلى الأسفل , خشية أن تخونها دموعها وتنزل أمامه :
- تمام الحمدلله .
ساد صمت قصير بينهما , قبل أن يقطعه زياد عاقدا حاجبيه :
- فيك شيء ؟
رفعت رأسها تهز رأسها نفيا :
- لا ما فيني شيء .
قالت بعد ثوانِ :
- صحيح , نسيت أبارك لك برجوع زوجتك , حمد الله على سلامتها .
ابتسم زياد وأشرق وجهه على ذكر جوليا :
- الله يبارك فيك ويسلمك , استغربت ما رديتي علي لما أرسلت لك وكنتِ متصلة , قلت يمكن زعلتي لما طولت وما رديت عليك قبل صحيح ههههههههههه .
شتمته بداخلها وهي تصطنع ضحكة غبية , ( لا داعي للضحك صدقني ) قالتها في نفسها , لتسأل :
- وينها الحين ؟ ما أشوفها معاك ؟
عبست ملامحه قليلا ليرد بهدوء :
- هي تعبانة شوي , وما ودي إنها تقابل ناس ما تعرفهم عشان لا تتعب , لأنها حاليا بفترة العلاج عشان تستعيد ذكرياتها .
ألمتها نبرته المشفقة على زوجته , لتبتسم رغما عنها :
- الله يشفيها يارب , أكيد كنت خايف عليها والحين تطمنت .
ابتسم بهدوء :
- أكيد , بالرغم من إني تقبلت واقع وفاتها بصعوبة , إلا إني سويت كل شيء ممكن يساعدني ويوصلني لها , ما تتخيلين قد إيش أنا مبسوط وسعيد لأني وأخيرا لقيتها , وبسوي كل شيء أقدر عليه بعد عشان ترجع مثل ما كانت .
ارتجف قلبها وهي تسمع مثل تلك العبارات من محبوبها لحبيبته .
يا الله وجع لا يُحتمل .
بالرغم من أن هذا كان واضحا منذ البداية .
منذ أن أخبرها أنه وجد زوجته الغالية جوليا .
لمَ لا زالت تتألم ؟
وتشعر بهذا الوجع العظيم , القاتل ..!
ردت باقتضاب :
- الله يعينك , ويخليكم لبعض .

سألها بتردد :
- آمين يارب , وانتِ ليش كنتِ تبكين ؟ باين على وجهك آثار الدموع .
تنهدت بضيق , ولا تعلم كيف تفوهت بتلك الحماقة :
- خطيبي تعبان , وبيسوي عملية خطيرة , كنت خايفة عليه .
اتسعت عيناه بدهشة وغير استيعاب :
- خطيبك ؟ متى انخطبتِ ؟
شعرت هينا بشيء من التشفي والانتصار وهي تسمع منه تلك النبرة , ابتسمت :
- مو من زمان .
- عسى ماشر , وش فيه خطيبك ؟
قبل أن تجيب , قاطعها علي :
- يلا يا زياد وهينا ادخلوا , بتنامون هناك ؟
أسرعت هينا إلى الداخل دون أن تنتظر زياد .
لا تستطيع التحمل أكثر .
ستموت أمامه إن ظلت تكتم وجعها بهذه الطريقة .
استقبلتها ندى بود وحب , ورحبت بها .
عانقتها هينا أيضا , لتستأذنها بالدخول إلى دورة المياه بعد أن خلعت عباءتها .
دخلت إلى الحمام , وقفت أمام المرآة تنظر إلى ملامح وجهها وتتأملها بهدوء .
قبل أن تغطي فمها وتبكي بصوت مكتوم .
وهي تشعر بالوجع في قلبها يزيد .
ما مرت به منذ الصباح ليس بهينا .
لم يكن هذا الوقت المناسب لرؤية زياد ومقابلته .
إلا أنه كان الأفضل لقلبها , لتبدأ بنسيانه تماما , بعد حب أحمق .
قلبها لا يتحمل كل تلك الأشياء .
هينا متعبة , متعبة بحق .

_____

تجلس أمام منزل لِيام , تفرك يديها بتوتر .
تترقب وصولها على أحر من الجمر .
منذ أن أخبرها زياد ذلك اليوم , وهما عائدين من المنزل الغريب الذي أخذها إليه .
أن زوجة أخيه الحالية , كانت صديقة لها .
صديقة الكترونية .
وما إن نطق بإسمها حتى صرخت متفاجئة :
- حقا ؟ أبرار تلك الفتاة التي ساعدتني حتى أعرف أكثر عن الإسلام ؟ يا إلهي فاجأتني حقا .
ابتسم لها ليقول بهدوء :
- لقد أتت إليك لفترة .
اكفهرت ملامحها بحزن :
- حقا ؟ لقد كانت فتاة طيبة بالفعل , ليتني أتذكر لقائي بها .
وها هي ..
منذ 3 أيام , تنتظر وصولها .
واليوم هو الميعاد .
عادت إلى الداخل وهي تشعر بالحرارة تكتمها .
بعد انتظارها لمدة ساعة أخرى , وعيناها لا تحيدان عن الساعة .
سمعت رنين الجرس , لتفز من جلستها .. وتنظر إلى الفتاتين أمامها ( جيليان ولورنا ) بتوتر .
ابتسمتا لها بتشجيع , لتتجه نحو الباب .
فتحته , ووجدت أمامها فتاة محجبة .. بوجه بيضاوي مشرق .
تنظر إليها بعينين دامعتين .
قبل أن تدخل وهي ترسم ابتسامة جميلة وتغلق الباب خلفها , ثم ترتمي بحضنها وتعانقها عناقا حارا , وصوت نشيجها يعلوا ويعلوا .
بكت معها جوليا بحرقة , مع أنها يرادوها شعور غريب .
وهي تقابل أبرار للمرة الأولى في حياتها – كما تظن , بسبب فقدانها لذاكرتها –
ولكنها في فؤداها إنسانة عظيمة .
لها معزة لا تستطيع تفسيرها , منذ اللحظة الأولى التي نطق بها زياد بإسمها .
عدت الدقائق والثوانِ وهي تنتظر رفيقة الروح .
بكت جوليا بشدة , وكأنها في تلك اللحظة الجميلة , أرادت أن تريح نفسها من كل تلك الضغوطات التي تشعر بها .
حتى بعد أن قابلت أمها في المستشفى للمرة الأولى منذ إستيقاظها لم تبكِ بهذا الشكل .
كانت الفتاتان , جيليان ولورنا .
تقفان بجانب باب الصالة الداخلية .
تبكيان معهما , تأثرتا بشدة من هذا المنظر .

اقتربت منهما لورنا أخيرا , وهي تبعدهما عن بعضهما بلطف :
- كفى بكاءا , ستنهاران هكذا .
ضحكت جوليا رغما عنها وهي تمسح دموعها , وقد تعجبت من المشاعر التي تغمرها .
نظرت إليها أبرار بشوق لا تستطيع أن تصفه بأي شيء , ثم مدت يدها تتلمس وجهها , وكأنها تريد أن تتأكد من أنها بالفعل حية , بعد أن رأتها تفارق الحياة بشكل موجع ومفطر للقلب , لتهمس بنبرة موجوعة :
- يا إلهي لا أصدق كل ما حدث , الأمر كله يبدوا وكأنه ضربا من الجنون , ولكن حمدا لله أنكِ على قيد الحياة , غير أني لا زلت غير قادرة على التصديق , بعد أن رأيتك بأم عيناي وأنتِ تلفظين أنفاسك الأخيرة , أليس كذلك جيليان ؟
ابتسمت لها جيليان ابتسامة رائعة , ثم اقتربت منها بخطوات بطيئة بسبب عرجها :
- بلى .
عانقتها بحرارة :
- اشتقت إليكِ جدا يا أبرار , هل كنتِ بخير ؟
ربتت أبرار على كتفها بحنان :
- نعم , ماذا عنكِ ؟
تنهدت جيليان بضيق , ثم همست بأذنها :
- على ما يرام, هل رأيتِ يا أبرار ؟ تضحيتك لم تذهب هباءً , ما يجعلني أكون مطمئنة بأني لم أظلمك ولم أؤذيك حقا .
أمسكت أبرار بذراعيها وهي تبعدها عن حضنها , وتقول بعتاب :
- ما هذا الهراء جيليان ؟ أنتِ لم تفعلي شيئا , بل لك الفضل بعد الله في إيجادنا لجوليا , وإن كنتِ تقصدين غضبي عليكِ في ذلك الوقت , فأنا أيضا كنتُ في حالة ذهول وصدمة , سامحيني يا جيليان .
ربتت جيليان على كتفها بإبتسامة هادئة :
- سعيدة برؤيتك مرة أخرى عزيزتي .
لم تفت أبرار نظرة الحزن بعيني جيليان , ولكنها فضلت أن تسألها في وقت آخر .
رفعت كفها وضغطت على كتف جيليان بشيء من التشجيع .
قبل أن تقطع لحظات الصداقة الحلوة صوت لورنا وهي تقول :
- هيا يا فتيات الجو خانق بالفعل , اجلسن في الداخل .
سرعان ما تبدلت أخلاق جيليان الهادئة وهي تسمع تلك العبارة من لورنا , وهي تقول بتذمر :
- يا إلهي انظرن إلى من تحاول لعب دور صاحبة المنزل , نحن من يجب علينا أن ندعوها للدخول وليس أنتِ .
نظرت إليها لورنا ببراءة تمثل دور المظلومة :
- وماذا قلت أنا ؟ فقط .. أشفقت عليكن من حرارة الجو , هذا كل ما في الأمر .
ضربتها جيليان على كتفها بخفة :
- هييي أنتِ تلعبين دور البريئة في حضور الضيفة أليس كذلك ؟ اســـ ……….
قاطعتها جوليا بصراخها :
- يكفي يا فتيات , هذا ليس وقت مشاكستكن .
ابتسمت لورنا بإحراج , بينما أمسكت جيليان بذارع أبرار تقودها إلى الداخل :
- تفضلي عزيزتي .
وهمست بأذن أبرار :
- لا تأتِ بذكر ألين ولا أي شيء يخص زواجها من زياد حسنا ؟ وإلا سيقودنا زياد إلى حبل المشنقة بنفسه .
ضحكت أبرار وهي تهمس :
- لا عليكِ , لقد ملأ هاتف حمد بالرسائل التحذيرية , وإلا سيقتله هو الآخر .

بعد قليل ..
كانت أبرار تتأمل جوليا , كما أنها أم رأت إبنتها بعد غياب طويل .
وبالتأكيد , مشاعر أبرار في ذلك الآن لم تكن مختلفة عن الأم فاقدة إبنتها .
وجوليا تفرك يديها بتوتر وارتباك , وتبتسم بين الحين والآخر .
حين قالت جيليان وهي تنظر إلى الإثنين بشقاوة :
- يا إلهي لا أصدق هاتان الفتاتان أمامي , هل أبرار عريس جاء ليتقدم إليك أيتها الحمقاء الباكية ؟
ضحكت جوليا بخجل , ثم اختفت ابتسامتها فجأة وهي تتذكر أن أمها أخبرتها عن زواجها .
نسيت الموضوع , وأرادت أن تسأل جيليان .
ولكنها خجلت من وجود أبرار .
حين أتت لورنا من المطبخ تحمل بيدها صينية .
الموجود عليها أدهش أبرار تماما .
دلة قهوة عربية , وفناجيل قهوة .. وتمر ..!
التفتت إلى الفتيات بذهول , ضحكت جيليان وهي ترى ملامحها :
- هل انصدمتِ ؟ لقد جلبتها معي وأنا آتية من بلادكم .
أكملت لورنا :
- وأنا أعددتها بالطبع بما أن ممرضتنا مصابة .
نظرت إليها جيليان بطرف عينها , ثم أكملت :
- تعلمت الطريقة ممن اشتريت منه هذا البن , وعلمتها .
ضحكت جوليا بسخرية :
- يا إلهي هل أشرقت الشمس من المغرب اليوم ؟ كيف استطعتِ أن تعلميها الطريقة دون أن تضرب إحداكما الآخرى ؟
سألت أبرار بضحكة :
- لماذا ؟ هل أنتما هكذا دائما ؟ تتشاجران ؟
ابتسمت لورنا واحمر وجهها بإحراج :
- لا , نحن فقط نحب بعضنا كثيرا , ونعبر بهذه الطريقة .
نظرت إليها جيليان بصدمة :
- يا لها من كاذبة , أنتِ تثيرين اشمئزازي يا فتاة , أكاد أستفرغ ولكني أمسك نفسي بالقوة , غير أني لا أحبك .
تعالت ضحكاتهم .
لتسكب جيليان القهوة لأبرار , التي أعجبها مذاقها فعلا .
وابتسمت وهي تتذكر موقفها مع جوليا .
حين أتت إليها وأخبرتها بخجل , أنها لا تعرف كيفية إعدادها بالطريقة الصحيحة .
تخلت جوليا أخيرا عن حياءها من أبرار , وبدأت تسألها عن زيارتها الأولى لها .
وماذا حصل وقتها .
بدأت أبرار تسرد لها , دون ذكر التفاصيل التي تخص زياد وزواجها منه .
كان ذلك صعبا , إذ أن أغلب الأشياء تبين أن جوليا كانت متزوجة في ذلك الوقت .
كاد لسانها يزل في العديد من المرات , إلا أنها استطاعت أن تتدراكها ولو بصعوبة بالغة .
آلمها قلبها بشدة , وهي ترى نظرات الإحباط والألم تتفاقم داخل عينا جوليا .
ولكن ليس بيدها شيء لتفعله .
لو استطاعت أن تمنحها أي شيء تحتاجه لفعلت , ولكنها ذكريات …
تلك التي تفقدها جوليا .
وتتألم بسببها .
إذ ما فقدته من ذاكرتها , أهم مرحلة في حياتها .
وما تضمنت الأحداث المهمة جدا .
بالرغم من شعورها بالحزن عليها , إلا أن شعور السعادة بلقائها مجددا , وبقائها على قيد الحياة .. تطغى على أي شيء آخر .
أبرار ..
ممتنة جدا , وفرحة .
بمقابلتها لجوليا .
ولم تغادر إلا في وقت متأخر جدا , بعد أن أعطت المذكرة لجوليا .
وتمنت من قلبها أن يفيدها ما كتبت .

____

الماضي ..

أغلقت ميسم الخط من فواز , وهي تبتسم على نبرته الغاضبة .
حين التفتت شعرت بأن قلبها وقع على الأرض من شدة فزعها ممن رأتها أمامها .
بشعر أحمر كالمهرجات , ومكياج أظهر ملامحها الحادة بل جعلتها أكثر حدة .
عيناها الرماديتان أختفهما تحت عدسات سوداء .
حتى خط رسم العين بدا مخيفا .
مع شفاهها الصارخ باللون الأحمر الفاقع .
ابتسمت لها لتتضح أسنانها البيضاء اللامعة , وهي تقول بنبرة غامضة .. خيلت لميسم وكأنها مهددة :
- إيش فيك خفتِ كذا ؟ لا تشيلين هم , ما راح أخرب حفلتك , جيت أتونس شوي حتى لو ما عزمتيني , ولا مو عادي يا ميسم ؟
هزت ميسم رأسها نفيا عدة مرات , وهي تزدرد ريقها ثم تبتسم بغباء :
- لا عادي طبعا ليش مو عادي .
أصبحت يدها ترتجف فجأة , وهي ترفعها وتشير إلى شعر الأخرى :
- شعرك .
لمست شعرها بأناملها الطويلة بنظراتها المخيفة :
- صبغته من شوي قبل لا أجي هنا , إيش رايك ؟ مو حلو عليّ ؟
هزت ميسم رأسها بسرعة وهي تضحك مجاملة :
- إلا , إلا أكيد حلو عليك .. بس كأنه فاقع شوي .
قهقهت بطريقة غريبة , ليزداد الرعب بداخل ميسم :
- لأني توني مصبغة , بييخف شوي بعد ما أغسله مرة أو مرتين .
خلعت عباءتها وهي تتلفت وكأنها تكتشف الإستراحة لأول مرة :
- وين البنات ؟ بخاطري أرقص اليوم .
رفعت ميسم أصبعها تشير إلى الحجرة المعنية .
ذهبت تمشي بطريقة مستفزة , وصوت كعبها يصدح بالمكان .
سقطت ميسم جالسة بصدمة .
رفعت كفها تتلمس جبينها المتعرق بظاهرها , ثم رفعت هاتفها لتتصل به دون أن تشعر , حين رد وسأل :
- بشري , حصلتي شيء ؟
ردت بصوتها المرتجف :
- لا , بس الحق علي يا فواز .. هي هنا .
استغرب فواز من نبرتها , ليعتدل بجلسته ويسأل وهو يراقب الإستراحة من بعيد :
- خير ؟ مين هي ؟
ارتجفت ميسم مرة أخرى وهي تقول :
- هي .. قاتلة ماهر .
فز فواز وكأنه تلقى أعظم مصيبة في حياته , ليسأل بصدمة :
- مين ؟ إنتِ صادقة ؟ لحظة .. تقصدين إنك تعرفين مين هي بالضبط ؟
- إيه أعرف , أنا دايم أشوفها يا فواز .. بس إني أشوفها بنفس المكان اللي قتلت فيه ماهر , ونظراتها والله صدق تخرع يا فواز , أحسها ناوية على شيء .
صرخ بها فواز بغضب :
- ليش ما قلتِ لي إنك تعرفيها ؟ كان تصرفت بطريقتي .

كأنه بغضبه وصراخه , أعادها إلى الواقع .. لتستوعب أنها تحادثه , وتستنجد به , قالت بصوت بارد أدهش فواز بعد تلك النبرة المرتجفة والأقرب للبكاء :
- لا تصارخ , إيه عارفة من أول بس ما حبيت أعلمك ولا أعلم أحد لأنه مافي دليل , لو علمتك كانت الأمور في فوضى الحين صدقني , عموما .. أنا بروح أدور على الأشياء قبل لا يلاحظ فهد إنه فيه مفتاح ضايع منه .
زفر بحنق من تلك المغرورة :
- تمام , بلغيني على طول .. وخليك منتبهة على طول , إياكِ تشيلين عينك عن المجرمة .
- طيب طيب , باي .

أغلقت الخط .
لتسحب نفسا عميقا إلى رئتيها .
وتعدل مظهرها , تحاول نسيان الخوف والرعب اللذان يدبان داخل قلبها .
مشت بشموخ وكبرياء وبخطوات واثقة , لتتجه نحو حجرة فهد الخاصة .
حيث لم يدخلها أحد , ولن يدخلها .
بعد أن أقفلتها من الداخل .
جالت بنظرها أنحاء الحجرة .
كانت نظيفة ومرتبة , بل تلمع من النظافة .
ككل مكان في الإستراحة , بعد أن جلب فهد عمال من شركة متخصصة للتنظيف .
بدأت تفتش في أنحاءها , ولم تبقي أي مكان لم تبحث فيه .
لم تستغرق وقتا طويلا , خاصة وأنها خالية من الأثاث .. إلا من سرير متوسط الحجم , وخزانة ملابس صغيرة .. وطاولة زينة صغيرة أيضا , مع منضدتين .
جلست على السرير تعض شفتها بحيرة .
أين يمكن أن يكون قد وضع ذلك الهاتف , وذاكرات كاميرات المراقبة الخاصة بالإستراحة ..!
والتي اختفت فجأة بعد الجريمة ..!
هل يمكن وأن يكون قد تخلص منها فهد ؟
نعم ربما ..
وهل هو غبي ليضعها في مكان الجريمة ؟
مستبعدا تفتيشها .

تأففت وهي وهي تقف بعد أن أدركت هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس .
استسلمت واتجهت إلى الباب تهم بالخروج , إلا أن عقلها البوليسي اشتغل للحظة , لتتذكر مقاطعا من أفلام غربية , كان المجرمين فيها يصنعون لهم مخابيء صغيرة الحجم داخل الحائط .
مررت يدها على الحيطان , تبحث عن أي شيء غريب بها .. ولكن المحاولة باءت بالفشل , لتخرج أخيرا من الحجرة بكتفين متدليتين من الإحباط .
حين مرت من أمام المطبخ , سمعت صوتا بداخله .
فتحت الباب بحذر , وقد عاد الرعب يسيطر عليها مجددا .
ارتبكت بشدة وهي ترى فهد , يبحث عن شيء ما .
- فهد ؟ وش تسوي هنا ؟ وش جابك ؟ البنات موجودين وبيفهمون غلط .
رفع رأسه ينظر إليها قليلا ثم يعود للبحث :
- أولا أنا شفت الوضع ثم دخلت لما ما لقيت أحد , ثانيا تحشمي يا بنت وغطي كتوفك عندي , ثالثا .. أنا جاي أدور مفتاح ضايع مني , يمكن طاح لما جبت الأغراض .
رفعت ميسم كفيها بتلقائية وهي تغطي كتفيها بإحراج , لتزدرد ريقها وتقول :
- أنا لقيته .
وضعته على الطاولة :
- شفته على الأرض وخليته معي .
تنهد براحة , ليقول :
- الحمد لله , ممكن تنادي لي لجين ؟ بستناها هنا .. وقولي للبنات لا يقربون من المطبخ , بمشي بعد ما أكلمها .
هزت رأسها بسرعة , والتفتت عنه تريد الهرب من أمامه بسرعة , ولكنها توقفت قليلا تسأل بتردد :
- فهد , ممكن أسألك .. الحين الكاميرات كلها تشتغل ؟
ارتبك فهد من سؤالها , ولكنه أجابها بهدوء وهو يخرج سكينا من أحد الأدراج :
- لا , كلها خربانة .
تصطنعت الإستغراب :
- معقولة كلها مع بعض ؟ ليش ؟
انزعج كثيرا من سؤالها , وقد بدأ جبينه يتعرق :
- ما أدري , انخربت وبس , وما عاد جيتها بعد الحادث عشان كذا ما اهتميت ولا فكرت أصلحها .
هزت كتفيها تدعي الإستغراب :
- تمام .
غادرت من أمامه , وأغلقت باب المطبخ من خلفها .
ليترك هو السكين والفاكهة على الطاولة قليلا , ويجلس محتضنا رأسها بكفيه .
هل كان على تلك الطفلة السؤال عن شيء يخص ذلك اليوم .

دخلت ميسم إلى البنات , بإبتسامة واثقة .
تتحاشى النظر إلى تلك .
لتغلق السماعة للحظة وتقول بصوت عالِ :
- معليش يا بنات لاحد يروح عند المطبخ , فهد قاعد يصلح شيء تمام ؟
علت وجوههم علامات الإستغراب , إلا أنهم لم يهتموا .
غير البعض منهن بالطبع .
اقتربت ميسم من لجين لتخبرها أن فهد بإنتظارها .
ارتبكت لجين بشدة , لم تقابله منذ مدة .
هل سيكون الأمر عاديا ..!
خاصة بعد ما سمعته من رؤى بشأن مقتل ماهر .
وقفت لتقع عيناها بثلاث أزواج من العيون .
رؤى , وبجانبها حنين , وذات الشعر الأحمر المستفزة .
يرمقنها بنظرات غريبة وغامضة .
بالرغم من العدواة الشديدة والصريحة بين حنين والأخرى , إلا أن الإثنتين تتملكان أنفسهما بطريقة عجيبة .
تجاهلت الجميع , لتخرج وتتجه إلى المطبخ .
جلست ميسم على أحد المقاعد البعيدة بتعب .
لتكتب لفواز :
( ما حصلت شيء , أعتقد إنه تخلص من كل شيء يتعلق بالجريمة ) .

بعد عشرون دقيقة بالضبط ..
رقصت فيها ميسم رقصا جنونيا .
بسبب ما تشعر به من إحباط وغضب .
حين شعرت بالتعب , استأذنت من صديقاتها واتجهت إلى الخارج .
سارت نحو المطبخ , وهي تتوقع أن فهد غادر .
بما أن لجين في الداخل الآن .
ولكنها ما إن فتحت الباب , ووطأت بأقدامها أرض المطبخ .
حتى هالها المنظر أمامها .
لتسقط بصدمة , وعيناها تكادان تقفزان من مكانهما .
لتستوعب ما ترى مرة أخرى , وتطلق صرخة مدوية , كادت أن تفجر أحبالها الصوتية .
أجفلن الفتيات من صرختها العالية , وركضن جميعهن إليها بعد لحظة صمت ودهشة حلت بالجميع .
إحداهن أطفأت السماعة قبل خروجها .
كانت رؤى وحنين أول من وصلتا , خلفهما لجين والباقيات .
شهقت جميعا وأطلقن صرخات رعب ومفاجأة , إلا لجين .
التي ركضت نحو الجسد الغارق بدماءه , والسكين على بطنه .
جلست بجانبه بقوة مفاجئة وصادمة , لتأخذ رأسه في حجرها , وتبدأ تطبطب على خده بجنون , وهي تبكي وتنادي بإسمه .
استعادت رؤى رباطة جأشها بسرعة , وهي تداري دمعتها .. وتخرج هاتفها تتصل بزين تستنجد به , وتأمر حنين أو إحدى بنات عمها لتتصل بالشرطة .
جنّ جنون زين وهو يسمع ما تتفوه به رؤى , ليترك ما بيده ويركض إلى سيارته .
ويتبعه سامي الذي كان برفقته وهو يجهل ما حصل .

أغلقت رؤى الخط , لتخرج من المطبخ وتقف أمام الفتيات اللاتي تملك الرعب منهن بسبب ما رأوه .
نطقت بصوت متحشرج ونبرة مرتجفة :
- لاحد يتحرك من هنا أو يفكر يتصل بأحد أو يخرج من الإستراحة إلا بعد ما تجي الشرطة وتحقق مع الكل سامعين ؟
اندهشن جميعا وبلغ الخوف منهن مبلغا عظيما , صرخت إحدى زميلات ميسم من الجامعة :
- ليش إن شاء الله إحنا ما لنا دخل , ما خرجنا من هذيك الغرفة من قالت لنا ميسم إنه أخوها موجود , وإحنا أساسا ما نعرفه عشن نأذيه أو نطعنه .
اقتربت منها رؤى ترمقها بنظرة صاعقة وهي تقول بنبرة مخيفة :
- اشش ولا كلمة , حتى لو ما لك دخل تنطمين وتاكلين تبن وتقعدين مع البقية بما إنك كنتِ موجودة وقت الجريمة , مفهوم ؟
قالت العبارة بغل وقهر , بينما الكلمة الأخيرة نطقتها بصرخة عالية جعلت الفتاة تعود إلى الخلف مذعورة .
استجمعت الفتاة شجاعتها مرة أخرى وهي تلتفت إلى زميلاتها :
- يا بنات هالكلام مو معقول , اتصلوا بأهاليكم خلونا نرجع لا يوروطونا .
وافقنها البنات , وهززن رؤوسهن بإيجاب .
لتجفلن مرة أخرى من صراخ رؤى الحاد :
- قلت لا أحد يتصل , البريئة ما تخاف من شيء ما سوته , حتى لو اتصلتوا ورحتوا ترى وجيهكم كلها مسجلة في كاميرات المراقبة , يعني إذا طلعتوا من هنا السالفة راح توصل لأهاليكم , إيش تفضلون ؟ تطلعون من هنا بعد التحقيق بهدوء ولا يروحون عند بيوتكم ؟
نظرت إليها الفتاة بحقد وأنزلت هاتفها , لتلتفت إلى حنين المراقبة للموقف ببرود :
- حنين خذي جوالاتهم لو سمحتي .
أطاعتها حنين , لتقف بجانب الحجرة التي كانوا بها سابقا .
وتأخذ هواتفهن واحدا واحدا تضعها داخل كيس ورقي , وتدخل صاحباتهم إلى الداخل .
بعد أن انتهت دخلت رؤى إلى الحجرة وقد وهنت قوتها فجأة :
- أنا آسفة يا بنات , بس مجبورة أسوي هالشيء .. ضيعت من يديني قاتل أخوي بس هالمرة ما أقدر .
قالتها وهي تتجه إلى أغراضها وتلبس عبائتها , وتحمل عباءة لجين وميسم .
بعد أن انتهت اقتربت من حنين :
- هاتي جوالك بعد .
نظرت إليها حنين بصدمة , قبل أن تقول رؤى بهدوء :
- انتِ بعد كنتِ برة قبل كم دقيقة .
اتسعت عيناها بصدمة , لتقول بحدة :
- تشكين فيني يا رؤى ؟
مدت رؤى يدها دون رد , لتعطيها حنين هاتفها صاغرة .
وتسلمها كيس هواتف البنات .

خرجت رؤى وأقفلت الباب من الخارج .
اتجهت إلى المطبخ , وأغمضت عيناها تحاول تقبل الصدمة .
لتدخل بخطوات مترددة , وتعطي لميسم عباءتها :
- البسيها , الشرطة بتجي الحين والإسعاف .
صرخت ميسم فجأة , بعد أن كانت شاخصة أبصارها على فهد ولجين المنهارة تماما وهي تحاول أن تجعل فهد يقاوم ولا يفقد الوعي بأي طريقة .
مدت يدها لتلمس السكين وتحاول إخراجها :
- لا تمسكين السكين يا لجين , لا تجي بصماتك عليها .
عادت لجين إلى الخلف بذهول , ثم أكملت بكاءها وهي تحاول وتحاول .
ألمها قلبها بشدة وهي تنظر إلى فهد الذي يحاول التنفس بصعوبة .
ووجهه غارق تماما بالعرق .
غير ملامحه المتجهمة , والتي تشتد في كل ثانية وأختها أكثر .
يقاوم الألم بكل ما يستطيع , يجمع الهواء بداخل فمه حتى لا يفقد الوعي ويخيف البنات أكثر .
وقفت ميسم وارتدت عباءتها , ثم ارتمت على المقعد تبكي بحرقة , وتشتم الإسعاف الذي لم يصل بعد .
اقتربت رؤى من لجين وأوقفتها بقوة , لتساعدها في ارتداء عباءتها .
وما إن انتهت حتى داهمت الشرطة المكان .
ومعهم فواز , الذي كان ينوي المغادرة من تلك المنطقة , وخرج منها بالفعل , بعد أن أخبرته ميسم أنها لم تجد شيء .
إلا أن سيارات الشرطة الكثيرة برفقة يسارة إسعاف , فاجأته .
شعر بشيء غريب في قلبه , ليلحق بهم ويدخل معهم كمحقق لجريمة قديمة حصلت بذات المكان .
ابتعدت رؤى وهي تمسك لجين من ذراعها ووقفتا بجانب ميسم التي وقفت هي الأخرى وابتعدت إلى ركن .
تفحص رجال الشرطة وضع المكان , وجسد فهد والوضع الذي كان عليه .
ثم سمحت لرجال الإسعاف أن يأخذوه .
بعد أن أخرج أحدهم السكين من بطن فهد .

سقطت عينا فواز على البنات , وميز ميسم على الفور من عينيها .
اقترب منهن في حدة يسأل :
- إيش اللي صار بالضبط ؟
قبل أن تجيب أي واحدة منهن , وقف خلفه محقق آخر من الشرطة , ليقول :
- لازم نأخذهم للقسم نحقق مع الكل .
أسرعت رؤى لتقول :
- في بنات بعد داخل , أخذت جوالاتهم وقفلت عليهم , يا ليت تحقق هنا , وعدتهم إنه ما راح يصير لهم ولا يضطرون يروحون للقسم .
هز المحقق رأسه بتفهم :
- ومين إنتِ ؟ واللي معك ؟
ازردت رؤى ريقها لتجيب بهدوء :
- هذي زوجة فهد , وأنا أختها .. وهذي بنت عمنا , أخت فهد .
هز رأسه ثم نظر إلى فواز :
- وانت ؟
أخرج فواز بطاقة عمله :
- محقق , اسمح لي أنضم للتحقيق .
- بصفتك ؟
تنهد فواز وهو ينظر إلى ميسم :
- أشتغل بقضية جريمة حصلت في نفس هالإستراحة قبل 3 سنين .
استمع المحقق بإنتباه :
- صدق ؟
- إيه , وسمعت بعد إنه القاتل كان متواجد هنا .
نظرن إليه البنات بصدمة , خاصة رؤى ولجين .
أما ميسم فشتمته بداخلها مرارا وتكرارا .

سمح له المحقق بالإنضمام إليه .
ليبدأ التحقيق , مع جميع الفتيات .
لم يلاحظوا في أفاداتهن أي شيء مريب .
إلا أن بعضهن اتفقن على أنه في النصف ساعة الأخيرة , وبعد أن أخبرتهن ميسم أن أخوها في المطبخ .
لم تخرج أي فتاة من تلك الحجرة , غير ميسم ولجين وحنين ورؤى , والفتاة ذات الشعر الأحمر , والتي لم تكن سوى نجود .
حين دخلت حنين بكل ثقة , وبداخلها شيء من التشفي والإنتصار .
جلست بكل هدوء , ووضعت رجل على رجل .
سألها المحقق عما فعلته حين خرجت , وعن سبب خروجها :
- كنت رايحة أعدل مكياجي عند مراية الحمام , وما أخذت أكثر من ثلاث دقائق .
- متى بالضبط ؟
- امممم والله ما أذكر بالضبط متى , بس كان بعد ما خرجت لجين تقابل فهد بالمطبخ .
- وهل الحمام قريب من المطبخ ؟
- لا بعيد شوي .
- لمحتِ شيء غريب ولا شفتي أحد ؟
هزت رأسها نفيا , ثم قالت وكأنها تذكرت للتو :
- بس وأنا راجعة وكنت بدخل الغرفة اللي كنا فيها , سمعت لجين تصارخ وكأنها تتهاوش مع فهد , مو متأكدة .. بس حسيت كذا .
نظر المحقق وفواز إلى بعضهما , ثم عادا يسألانها بعض الأسئلة .. لتغادر بعد إجابات عادية .
سجل المحقق تلك الملاحظة , واستدعى الفتاة بعدها .
كانت رؤى .
ارتجافها كان واضحا , وعيناها كانتا مليئتان بالدموع المحبوسة .
أثنى عليها المحقق , لما فعلته في حجز الفتيات وأخذ الهواتف منهن .
قالت بصوت مبحوح :
- أخوي انقتل بنفس هالمكان , تذكرته على طول .. وما قدرت إني ما أحبسهم .
تأفف فواز بداخله , يا لها من حمقاء .
هل كان عليها أن تذكر ذلك الآن ؟
ليشك بها المحقق ؟
وفعلا .. سأل المحقق السؤال الذي خشي منه فواز :
- سمعت إنه فهد كان مشتبه في هالجريمة , أكيد تحملين ضده مشاعر سلبية ؟
رفعت رأسها بصدمة , وازدردت ريقها وهي ترى فواز يحذرها بعينيه :
- لا يا سيادة المحقق , كان فقط مشتبه , وما أحمل بقلبي عليه أي ضغينة .
هز المحقق رأسه وهو لم يصدقها , ليسألها عن وقت خروجها وسببه :
- خرجت في الساعة تسعة وخمسين دقيقة تقريبا , رحت أبدل فستاني في الغرفة اللي جنب غرفتنا .
- يعني وقتها زوجة فهد لسه معاه ؟
- إيه ما أذكر إنها رجعت , بس بعد ما بدلت ورجعت الغرفة كانت موجودة .
- متأكدة ؟
- إيه .
- وتتذكرين الوقت بالضبط ؟
- إيه لأني كنت أنتظر لجين ترجع .
- وليش تنتظريها أصلا ؟ مو كانت مع زوجها ؟
ارتبكت رؤى من نظرة فواز التحذيرية مرة أخرى :
- كان عندي غرض في المطبخ أبي أخذها , أقصد … لو هي رجعت معناته فهد طلع .
- مو ضروري .
قالها المحقق وهو يرمقها بنظرة حادة , فارتجفت أطرافها وهي تدعوا بداخلها أن ينقذها الله من هذا الموقف .
بينما فواز شتم غباءها .
سأل المحقق :
- طيب قولي لي , شفتِ شيء غريب ؟ صوت شخص أي شيء .
هزت رأسها نفيا , ليسمح لها بالخروج بعد أسئلة أضافية أخرى .

دخلت لجين بعدها , وهي لا ترغب بالحديث أبدا .
كان شك المحقق بها كبيرا .
حيث أخبرتهم حنين عن صراخها على فهد , وأكد الجميع على خروجها وذهابها إلى فهد , أخبرتهم تفاصيل ما حدث , وهي تشهق وتبكي :
- جاتني ميسم وقالت لي إنه فهد يستناني في المطبخ , لما رحت له شفته جالس على الكرسي وماسك رأسه بيدينه , كنت مستحية منه لأني أجلت زواجنا اللي المفروض يكون يوم الخميس , أجلته بالأيام الأخيرة , حسيت إنه زعلان مني , بس ما كان كذا أبد , لما انتبه لي ناداني وخلاني أجلس جنبه , تكلمنا شوي , حوالي عشر دقايق , ثم قلت له يروح عشان البنات ما ينزعجون من وجود رجال بالاستراحة .
- وحدة من البنات قالت لنا إنك كنتِ تصرخين عليه , تهاوشتوا ؟
ارتبكت لجين بشدة , ولاحظ الرجلين ذلك , ثم قالت بكل ثقة :
- كان كلام خاص بيني وبينه , عصبت شوي .
- متأكدة ؟ يعني ما تقدر تقولين لي ؟
أجابت بحدة وهي ترفع عيناها إليه :
- لا .
خرجت هي الأخرى بعد عدة أسئلة .

لتدخل الفتاة بعدها , ميسم .
منذ دخولها وحتى جلوسها , عيناها لم تتحرك من على فواز .
الذي ينظر إليها بشفقة .
كانت ميسم منهارة تماما , وبالكاد تتحدث وتجيب عن أسئلتها .
سألها عن سبب خروجها , وأخبرته بالتفاصيل .
وأنها منذ أن أخبرت لجين عن إستدعاء فهد لها لم تخرج مرة أخرى , إلا حين وجدت فهد مطعونا .
بعد أن أنهى المحقق أسئلته , وأمرها بالخروج واستدعاء الفتاة الأخيرة حين لم يسمع منها أي إجابة مريبة .
قالت بنبرة مرتجفة :
- حضرة المحقق , في وحدة حضرت الحفل , ومو موجودة الحين .
نظر إليها المحقق باستغراب , ثم نظر إلى الورقة بين يديه :
- بس أنا حققت مع كل الموجودين بقائمة المدعوات اللي عطيتيني إياها .
ابتلعت ميسم ريقها بارتباك وهي تنظر إلى فواز :
- ما عزمتها , بس جات بنفسها .
- مين تكون ؟
- نفس البنت اللي قتلت ماهر ولد عمي , نجود .
سقط القلم من يد فواز , والذي كان يمسك به من البداية .
ليضع مرفقيه على الطاولة بصدمة ودهشة وذهول وغير تصديق :
- نجود ؟ أختك ؟ زوجة ماهر ..!
هزت رأسها بإيجاب وهي تتحاشى النظر إليهما من الخزي والشعور بالفضيحة .

____

انتهى الفصل

اللهم ارحم مارية , واغفر لها وعافها واعفُ عنها
اللهم اجعل القرآن شفيعا لها وأنيسا , واجعل الفردوس دارها ومقامها
واجمعنا بها في جنتك يا أرحم الراحمين , اللهم آمين
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

Continue Reading

You'll Also Like

4.2M 383K 38
أهلاً بكُم في بقعتي أهلاً بكُم في حافة الموت والنهاية أهلاً بكُم في عالم الحرمان والخطايا ستشهدون ما لم يكن فالحسبان ستشهدون ما كان بالأمس أسرارًا...
1.9K 57 35
هناك قلوب تحب من دون ان تطلب من الشخص الذي تحبه ان يبادله بال هو يكفيهي انه موجود
6.2K 241 39
شهاب ورنيم يعيشوو نفس الم الفقد فهل سوف يجمعهم القدر مع بعض ام لا
1.1M 80.1K 84
الجروح أدمت قلوبهن ومازالت كلًا منهن تحارب للبقاء، مذاق الألم لا يفارق حلقهن، جروحهن متشابهة ولكن لكلًا منهن حكاية خاصة هي ضحيتها، الأولى نهشتها الذ...