الحاضر ..
واشنطن .
تغلق الهاتف من زياد , بعد أن أخبرته بعنوان ومكان تواجد جوليا .
لتلفت , وتجد حارس ستيلا يراقبها بصمت , ونظرة مخيفة , سألها بغموض :
- من هذا ؟ ولمَ أخبرته عن المكان ؟
ازدردت أليس ريقها بخوف من نظرته الغريبة :
- لا أحد , إنها صديقتي .. أردتُ منها أن تاتِ إليّ .
صمت قليلا , ليرعبها بما قال :
- لقد سمعت المكالمة كلها , وأنا آسف .. لن أستطيع تركك هذا , أنتِ خنتِ السيدة .
حدقت إليه برعب , قبل أن تهز رأسها نفيا :
- لا يا ماركوس , لا بد من أنك أخطأت السمع .. سأشرح لك .
قبل أن تعترض أكثر , سحبها ماركوس من ذراعها , وأخرجها من المنزل الصغير الذي كانت تقطنه .
دفعها داخل السيارة وأغلق الباب خلفها , ليستقل السيارة هو الآخر , ويذهب بها إلى منزل الكوخ , حيث ستيلا وجوليا , وبعض حراس ستيلا .
حين وصلوا بعد ربع ساعة , كانت دموعها على وشك النفاذ من شدة بكاءها .
كانت خائفة بشدة .
تعرف جيدا عما تستطيع والدتها فعله .
تعرف كيف تعاقب من يخذلها أو يكذب عليها أو يخونها .
لا يهمها من يكون ذلك الخائن , حتى لو كانت ابنتها .
تماما كما فعلت وعاقبتها بعد أن هربت جوليا ولورنا .
ستفعل كل شيء حتى تتخلص منها .
جذبها ماركوس مرة أخرى بقوة , وأنزلها من السيارة .
دفع الباب مفتوح قليلا , ليسحبها خلفه .. حتى دخلا إلى صالة صغيرة , دفعها حتى سقطت بين أقدام ستيلا .
التي رفعت أنظارها تنظر إلى أليس وماركوس بدهشة .
قبل أن تسأل , أخبرها ماركوس بكل ما سمع من ابنتها .
لتنظر إليها بعينين تشتعلان حقدا وغضب .
رفعت أليس وجهها , وأمسكت بقدم أمها برجاء :
- سامحيني يا أمي أرجوك , لقد هددني ولم أعرف ماذا أفعل , أرجوك .
صفعتها بقوة .
حتى سقطت على جنبها , وعيناها متسعتان من الألم .
- اخرسي , كان عليكِ أن تتصرفي بذكاء , دون أن تخبريه عن مكاننا , يا إلهي ماذا أفعل الآن ؟ ماذا أفعل , أي مصيبة هذه التي أوقعتِني بها ؟
قالتها ونظرت إلى ماركوس , توميء له برأسها .
ففهم الحركة فورا .
وفهمتها أليس , التي أخذت تصرخ وتستنجد بأمها أن ترفق بها وترحمها .
ولكن قلب ستيلا قاسيا بالفعل , ولم تستمع إلى ابنتها .
بل جلست على ركبتيها أمامها , وأمسكت بشعرها بقوة :
- فلتواجهي الشرطة بمفردك , بما أنك من أخبرته , أما أنا فسأبذل جهدي حتى أجعل جوليا تعترف بمكان الملفات وأتركك بمفردك هنا .
- أرجوك يا أمي أرجوك , لا تتركيني .. زياد لديه معلومات تخصنا , صدقيني حتى أنتِ لن تتمكني من الفرار , والملفات أيضا معه هو .
لم تستمع إليها ستيلا .
أخذت الإبرة التي مدها إليها ماركوس , لتأخذها وتغرسها في وريد إبنتها بكل قسوة .
تحت توسلاتها ورجاءاتها .
قيد الرجل يديها وقدميها , وصعد بها إلى الأعلى .
ليدفعها بجانب جوليا النائمة من أثر المخدر حتى الآن .
صرخت برعب واستنجاد , دون جدوى .
كان ذلك في الوقت الذي استيقظت به جوليا وارتعبت من وجود جسم بشري بجانبها .
ظلت أليس لساعة كاملة , تقاوم النعاس .
إلا أن المخدر لم يسمح لها بالمقاومة لأكثر من ساعة , فراحت في سبات عميق .
بالأسفل ..
نزل ماركوس ليجد ستيلا تذرع الصالة جيئة وذهابا .
وقف أمامها بقلق :
- ماذا نفعل الآن ؟ سيصل قريبا , وسيحضر معه رجال الشرطة بالتأكيد .
جلست ستيلا تهز رأسها نفيا , تستشعر حجم المصيبة التي هم بها الآن :
- لدينا بعض الوقت بالتأكيد , لنحاول نقل أغراضنا أولا في السيارة , ثم نرى أمر تلك اللعينة جوليا .
- أخشى أننا لا نملك ذلك الوقت , ما رأيك أن تذهبي أنتِ إلى الأعلى , وأنا أشرف على الرجال .
وقفت باعتراض :
- لا , عليّ أن أشرف عليهم بنفسي .
اتجهت نحو الخزانة يتبعها الرجل بقلق بعد أن استدعى الرجلين بالخارج .
الذين بدأوا بالنقل فورا .
فـ ستيلا , كانت تخفي عملها الغير قانوني , وتتاجر بالمخدرات .
لتجعل من منزل التأديب غطاءا .
قبل أن ينتهوا , أجفلوا جميعا من أنوار سيارات الشرطة التي ملأت المكان في غضون دقائق .
دب الخوف في قلوبهم , واستقلوا السيارة .
دون أن يهتموا أو يفكروا بجوليا وأليس الموجودتان في الأعلى .
ليس لديهم وقتا من الأساس .
إن سقطوا بأيدي الشرطة , وبحوزتهم تلك الأشياء .
لن يُتركوا على قيد الحياة .
تبعتهم سيارتان من الشرطة .
وترجل زياد من إحدى السيارات التي توقفت أمام منزل الكوخ .
____
الآن ..
تفتح أليس عيناها بوهن .
لتتسع فجأة وهي ترى الواقف بجانب السرير .
ازدردت ريقها وهي تضم كفيها بحركة تلقائية , وتنطق إسمه بخوف :
- لِيام !
نظر إليها طويلا , قبل أن يقول بسخرية وحسرة في ذات الآن :
- نعم لِيام , لقد وثقت بكِ , بل منحتك ثقتي الكاملة , وادخلتكِ منزلي , لأنكِ جلبت لنا أخبار عن شقيقتي العزيزة , ولكنكِ لم تكوني أهلا لثقتي , لقد خذلتِني , خذلتِني تماما .
أدمعت عيناها بتأثر واضح :
- أنا آسفة , أنا حقا آسفة أني خذلتك , ولكن …
ضحك بألم :
- لا أريد أن أسمع أي تبرير , إلى هنا ويكفي .. فقط أتيت لأذكرك أنكِ ستقضين طوال عمرك في السجن , بسبب …….
قاطعته أليس وهي تشهق ببكاء مرير :
- أعلم أعلم , بسبب ما فعلته بالفتيات , لأنني مارست مهنة التمريض دون أي شهادة تسمح لي بذلك , ولكن صدقني .. أنا كنتُ مجبرة , كنتُ مجبرة على فعل ذلك , كانت أوامر أمي , لم أتمكن من عصيانها بعد أن ربتني جيدا وكبرتني .
نظر إليها نظرة أخيرة طويلة , متحسفا على شعوره بالإعجاب نحوها , قال بغل قبل أن يخرج :
- فلتذهبي إلى الجحيم , أنتِ وستيلا .
خرج متجاهلا بكاءها المحزن واستنجادها به , ليساعدها ويجلب لها محاميا .
لربما تتمكن من طلب تخفيف الحكم .
_____
أوقف زياد سيارته أمام منزل هشام , لينزل برفقة إبنته .
التي سألت بملل :
- برضوا بتحطني هنا وتمشي ؟
ضحك زياد وهو يمسح على شعرها :
- لا هالمرة بجلس معك .
حين خطى نحو المنزل , رآى فتاة مألوفة تترجل من سيارة الأجرة , يتبعها علي من خلفها .
تسير بوهن نحو منزل هشام , تتحدث مع علي بصوت منخفض .
يبدوا عليها التعب الشديد .
حين ابتسم ينادي بإسمها :
- هينا .
التفتت إليه بسرعة , ليتفاجأ من احمرار وجهها وانتفاخ عينيها .
والدهشة تتملكها حتى فغرت فاهها بذهول وهي تنظر إليه .
اقترب منهما زياد , وسلم على علي .
حين ركضت نحوه ألين التي اعتادت عليه مؤخرا .
حملها وهو يضحك ودخل إلى المنزل .
تاركا خلفه هينا التي تنظر إلى زياد بدهشة وذهول .
كأنها لما تتوقع رؤيته .
ضحك ينظر إليها :
- قفلي فمك .
أغلقت فمها بإحراج وهي للتو تستوعب أنها تقف أمامه .
محبوب قلبها وجارحه .
ابتسمت بخجل , تداري دمعتها وتحاول كبت ذلك الألم الذي تشعر به , بعد نوبة البكاء التي أصابتها في المستشفى , تحاول نسيان الألم الذي سببه لها دون أن يدري , بدا صوتها وهي تنطق بإسمه ملهوفا :
- زياد .
ابتسم لها مرة أخرى :
- حمد الله على سلامتك , تفاجأت لما خبرني هشام عن جيتكم .
ازدردت ريقها , وبان عليها التوتر والارتباك وهي تجيب بصوت مبحوح :
- الله يسلمك .
- إيش أخبارك ؟
ردت وهي تنظر إلى الأسفل , خشية أن تخونها دموعها وتنزل أمامه :
- تمام الحمدلله .
ساد صمت قصير بينهما , قبل أن يقطعه زياد عاقدا حاجبيه :
- فيك شيء ؟
رفعت رأسها تهز رأسها نفيا :
- لا ما فيني شيء .
قالت بعد ثوانِ :
- صحيح , نسيت أبارك لك برجوع زوجتك , حمد الله على سلامتها .
ابتسم زياد وأشرق وجهه على ذكر جوليا :
- الله يبارك فيك ويسلمك , استغربت ما رديتي علي لما أرسلت لك وكنتِ متصلة , قلت يمكن زعلتي لما طولت وما رديت عليك قبل صحيح ههههههههههه .
شتمته بداخلها وهي تصطنع ضحكة غبية , ( لا داعي للضحك صدقني ) قالتها في نفسها , لتسأل :
- وينها الحين ؟ ما أشوفها معاك ؟
عبست ملامحه قليلا ليرد بهدوء :
- هي تعبانة شوي , وما ودي إنها تقابل ناس ما تعرفهم عشان لا تتعب , لأنها حاليا بفترة العلاج عشان تستعيد ذكرياتها .
ألمتها نبرته المشفقة على زوجته , لتبتسم رغما عنها :
- الله يشفيها يارب , أكيد كنت خايف عليها والحين تطمنت .
ابتسم بهدوء :
- أكيد , بالرغم من إني تقبلت واقع وفاتها بصعوبة , إلا إني سويت كل شيء ممكن يساعدني ويوصلني لها , ما تتخيلين قد إيش أنا مبسوط وسعيد لأني وأخيرا لقيتها , وبسوي كل شيء أقدر عليه بعد عشان ترجع مثل ما كانت .
ارتجف قلبها وهي تسمع مثل تلك العبارات من محبوبها لحبيبته .
يا الله وجع لا يُحتمل .
بالرغم من أن هذا كان واضحا منذ البداية .
منذ أن أخبرها أنه وجد زوجته الغالية جوليا .
لمَ لا زالت تتألم ؟
وتشعر بهذا الوجع العظيم , القاتل ..!
ردت باقتضاب :
- الله يعينك , ويخليكم لبعض .
سألها بتردد :
- آمين يارب , وانتِ ليش كنتِ تبكين ؟ باين على وجهك آثار الدموع .
تنهدت بضيق , ولا تعلم كيف تفوهت بتلك الحماقة :
- خطيبي تعبان , وبيسوي عملية خطيرة , كنت خايفة عليه .
اتسعت عيناه بدهشة وغير استيعاب :
- خطيبك ؟ متى انخطبتِ ؟
شعرت هينا بشيء من التشفي والانتصار وهي تسمع منه تلك النبرة , ابتسمت :
- مو من زمان .
- عسى ماشر , وش فيه خطيبك ؟
قبل أن تجيب , قاطعها علي :
- يلا يا زياد وهينا ادخلوا , بتنامون هناك ؟
أسرعت هينا إلى الداخل دون أن تنتظر زياد .
لا تستطيع التحمل أكثر .
ستموت أمامه إن ظلت تكتم وجعها بهذه الطريقة .
استقبلتها ندى بود وحب , ورحبت بها .
عانقتها هينا أيضا , لتستأذنها بالدخول إلى دورة المياه بعد أن خلعت عباءتها .
دخلت إلى الحمام , وقفت أمام المرآة تنظر إلى ملامح وجهها وتتأملها بهدوء .
قبل أن تغطي فمها وتبكي بصوت مكتوم .
وهي تشعر بالوجع في قلبها يزيد .
ما مرت به منذ الصباح ليس بهينا .
لم يكن هذا الوقت المناسب لرؤية زياد ومقابلته .
إلا أنه كان الأفضل لقلبها , لتبدأ بنسيانه تماما , بعد حب أحمق .
قلبها لا يتحمل كل تلك الأشياء .
هينا متعبة , متعبة بحق .
_____
تجلس أمام منزل لِيام , تفرك يديها بتوتر .
تترقب وصولها على أحر من الجمر .
منذ أن أخبرها زياد ذلك اليوم , وهما عائدين من المنزل الغريب الذي أخذها إليه .
أن زوجة أخيه الحالية , كانت صديقة لها .
صديقة الكترونية .
وما إن نطق بإسمها حتى صرخت متفاجئة :
- حقا ؟ أبرار تلك الفتاة التي ساعدتني حتى أعرف أكثر عن الإسلام ؟ يا إلهي فاجأتني حقا .
ابتسم لها ليقول بهدوء :
- لقد أتت إليك لفترة .
اكفهرت ملامحها بحزن :
- حقا ؟ لقد كانت فتاة طيبة بالفعل , ليتني أتذكر لقائي بها .
وها هي ..
منذ 3 أيام , تنتظر وصولها .
واليوم هو الميعاد .
عادت إلى الداخل وهي تشعر بالحرارة تكتمها .
بعد انتظارها لمدة ساعة أخرى , وعيناها لا تحيدان عن الساعة .
سمعت رنين الجرس , لتفز من جلستها .. وتنظر إلى الفتاتين أمامها ( جيليان ولورنا ) بتوتر .
ابتسمتا لها بتشجيع , لتتجه نحو الباب .
فتحته , ووجدت أمامها فتاة محجبة .. بوجه بيضاوي مشرق .
تنظر إليها بعينين دامعتين .
قبل أن تدخل وهي ترسم ابتسامة جميلة وتغلق الباب خلفها , ثم ترتمي بحضنها وتعانقها عناقا حارا , وصوت نشيجها يعلوا ويعلوا .
بكت معها جوليا بحرقة , مع أنها يرادوها شعور غريب .
وهي تقابل أبرار للمرة الأولى في حياتها – كما تظن , بسبب فقدانها لذاكرتها –
ولكنها في فؤداها إنسانة عظيمة .
لها معزة لا تستطيع تفسيرها , منذ اللحظة الأولى التي نطق بها زياد بإسمها .
عدت الدقائق والثوانِ وهي تنتظر رفيقة الروح .
بكت جوليا بشدة , وكأنها في تلك اللحظة الجميلة , أرادت أن تريح نفسها من كل تلك الضغوطات التي تشعر بها .
حتى بعد أن قابلت أمها في المستشفى للمرة الأولى منذ إستيقاظها لم تبكِ بهذا الشكل .
كانت الفتاتان , جيليان ولورنا .
تقفان بجانب باب الصالة الداخلية .
تبكيان معهما , تأثرتا بشدة من هذا المنظر .
اقتربت منهما لورنا أخيرا , وهي تبعدهما عن بعضهما بلطف :
- كفى بكاءا , ستنهاران هكذا .
ضحكت جوليا رغما عنها وهي تمسح دموعها , وقد تعجبت من المشاعر التي تغمرها .
نظرت إليها أبرار بشوق لا تستطيع أن تصفه بأي شيء , ثم مدت يدها تتلمس وجهها , وكأنها تريد أن تتأكد من أنها بالفعل حية , بعد أن رأتها تفارق الحياة بشكل موجع ومفطر للقلب , لتهمس بنبرة موجوعة :
- يا إلهي لا أصدق كل ما حدث , الأمر كله يبدوا وكأنه ضربا من الجنون , ولكن حمدا لله أنكِ على قيد الحياة , غير أني لا زلت غير قادرة على التصديق , بعد أن رأيتك بأم عيناي وأنتِ تلفظين أنفاسك الأخيرة , أليس كذلك جيليان ؟
ابتسمت لها جيليان ابتسامة رائعة , ثم اقتربت منها بخطوات بطيئة بسبب عرجها :
- بلى .
عانقتها بحرارة :
- اشتقت إليكِ جدا يا أبرار , هل كنتِ بخير ؟
ربتت أبرار على كتفها بحنان :
- نعم , ماذا عنكِ ؟
تنهدت جيليان بضيق , ثم همست بأذنها :
- على ما يرام, هل رأيتِ يا أبرار ؟ تضحيتك لم تذهب هباءً , ما يجعلني أكون مطمئنة بأني لم أظلمك ولم أؤذيك حقا .
أمسكت أبرار بذراعيها وهي تبعدها عن حضنها , وتقول بعتاب :
- ما هذا الهراء جيليان ؟ أنتِ لم تفعلي شيئا , بل لك الفضل بعد الله في إيجادنا لجوليا , وإن كنتِ تقصدين غضبي عليكِ في ذلك الوقت , فأنا أيضا كنتُ في حالة ذهول وصدمة , سامحيني يا جيليان .
ربتت جيليان على كتفها بإبتسامة هادئة :
- سعيدة برؤيتك مرة أخرى عزيزتي .
لم تفت أبرار نظرة الحزن بعيني جيليان , ولكنها فضلت أن تسألها في وقت آخر .
رفعت كفها وضغطت على كتف جيليان بشيء من التشجيع .
قبل أن تقطع لحظات الصداقة الحلوة صوت لورنا وهي تقول :
- هيا يا فتيات الجو خانق بالفعل , اجلسن في الداخل .
سرعان ما تبدلت أخلاق جيليان الهادئة وهي تسمع تلك العبارة من لورنا , وهي تقول بتذمر :
- يا إلهي انظرن إلى من تحاول لعب دور صاحبة المنزل , نحن من يجب علينا أن ندعوها للدخول وليس أنتِ .
نظرت إليها لورنا ببراءة تمثل دور المظلومة :
- وماذا قلت أنا ؟ فقط .. أشفقت عليكن من حرارة الجو , هذا كل ما في الأمر .
ضربتها جيليان على كتفها بخفة :
- هييي أنتِ تلعبين دور البريئة في حضور الضيفة أليس كذلك ؟ اســـ ……….
قاطعتها جوليا بصراخها :
- يكفي يا فتيات , هذا ليس وقت مشاكستكن .
ابتسمت لورنا بإحراج , بينما أمسكت جيليان بذارع أبرار تقودها إلى الداخل :
- تفضلي عزيزتي .
وهمست بأذن أبرار :
- لا تأتِ بذكر ألين ولا أي شيء يخص زواجها من زياد حسنا ؟ وإلا سيقودنا زياد إلى حبل المشنقة بنفسه .
ضحكت أبرار وهي تهمس :
- لا عليكِ , لقد ملأ هاتف حمد بالرسائل التحذيرية , وإلا سيقتله هو الآخر .
بعد قليل ..
كانت أبرار تتأمل جوليا , كما أنها أم رأت إبنتها بعد غياب طويل .
وبالتأكيد , مشاعر أبرار في ذلك الآن لم تكن مختلفة عن الأم فاقدة إبنتها .
وجوليا تفرك يديها بتوتر وارتباك , وتبتسم بين الحين والآخر .
حين قالت جيليان وهي تنظر إلى الإثنين بشقاوة :
- يا إلهي لا أصدق هاتان الفتاتان أمامي , هل أبرار عريس جاء ليتقدم إليك أيتها الحمقاء الباكية ؟
ضحكت جوليا بخجل , ثم اختفت ابتسامتها فجأة وهي تتذكر أن أمها أخبرتها عن زواجها .
نسيت الموضوع , وأرادت أن تسأل جيليان .
ولكنها خجلت من وجود أبرار .
حين أتت لورنا من المطبخ تحمل بيدها صينية .
الموجود عليها أدهش أبرار تماما .
دلة قهوة عربية , وفناجيل قهوة .. وتمر ..!
التفتت إلى الفتيات بذهول , ضحكت جيليان وهي ترى ملامحها :
- هل انصدمتِ ؟ لقد جلبتها معي وأنا آتية من بلادكم .
أكملت لورنا :
- وأنا أعددتها بالطبع بما أن ممرضتنا مصابة .
نظرت إليها جيليان بطرف عينها , ثم أكملت :
- تعلمت الطريقة ممن اشتريت منه هذا البن , وعلمتها .
ضحكت جوليا بسخرية :
- يا إلهي هل أشرقت الشمس من المغرب اليوم ؟ كيف استطعتِ أن تعلميها الطريقة دون أن تضرب إحداكما الآخرى ؟
سألت أبرار بضحكة :
- لماذا ؟ هل أنتما هكذا دائما ؟ تتشاجران ؟
ابتسمت لورنا واحمر وجهها بإحراج :
- لا , نحن فقط نحب بعضنا كثيرا , ونعبر بهذه الطريقة .
نظرت إليها جيليان بصدمة :
- يا لها من كاذبة , أنتِ تثيرين اشمئزازي يا فتاة , أكاد أستفرغ ولكني أمسك نفسي بالقوة , غير أني لا أحبك .
تعالت ضحكاتهم .
لتسكب جيليان القهوة لأبرار , التي أعجبها مذاقها فعلا .
وابتسمت وهي تتذكر موقفها مع جوليا .
حين أتت إليها وأخبرتها بخجل , أنها لا تعرف كيفية إعدادها بالطريقة الصحيحة .
تخلت جوليا أخيرا عن حياءها من أبرار , وبدأت تسألها عن زيارتها الأولى لها .
وماذا حصل وقتها .
بدأت أبرار تسرد لها , دون ذكر التفاصيل التي تخص زياد وزواجها منه .
كان ذلك صعبا , إذ أن أغلب الأشياء تبين أن جوليا كانت متزوجة في ذلك الوقت .
كاد لسانها يزل في العديد من المرات , إلا أنها استطاعت أن تتدراكها ولو بصعوبة بالغة .
آلمها قلبها بشدة , وهي ترى نظرات الإحباط والألم تتفاقم داخل عينا جوليا .
ولكن ليس بيدها شيء لتفعله .
لو استطاعت أن تمنحها أي شيء تحتاجه لفعلت , ولكنها ذكريات …
تلك التي تفقدها جوليا .
وتتألم بسببها .
إذ ما فقدته من ذاكرتها , أهم مرحلة في حياتها .
وما تضمنت الأحداث المهمة جدا .
بالرغم من شعورها بالحزن عليها , إلا أن شعور السعادة بلقائها مجددا , وبقائها على قيد الحياة .. تطغى على أي شيء آخر .
أبرار ..
ممتنة جدا , وفرحة .
بمقابلتها لجوليا .
ولم تغادر إلا في وقت متأخر جدا , بعد أن أعطت المذكرة لجوليا .
وتمنت من قلبها أن يفيدها ما كتبت .
____
الماضي ..
أغلقت ميسم الخط من فواز , وهي تبتسم على نبرته الغاضبة .
حين التفتت شعرت بأن قلبها وقع على الأرض من شدة فزعها ممن رأتها أمامها .
بشعر أحمر كالمهرجات , ومكياج أظهر ملامحها الحادة بل جعلتها أكثر حدة .
عيناها الرماديتان أختفهما تحت عدسات سوداء .
حتى خط رسم العين بدا مخيفا .
مع شفاهها الصارخ باللون الأحمر الفاقع .
ابتسمت لها لتتضح أسنانها البيضاء اللامعة , وهي تقول بنبرة غامضة .. خيلت لميسم وكأنها مهددة :
- إيش فيك خفتِ كذا ؟ لا تشيلين هم , ما راح أخرب حفلتك , جيت أتونس شوي حتى لو ما عزمتيني , ولا مو عادي يا ميسم ؟
هزت ميسم رأسها نفيا عدة مرات , وهي تزدرد ريقها ثم تبتسم بغباء :
- لا عادي طبعا ليش مو عادي .
أصبحت يدها ترتجف فجأة , وهي ترفعها وتشير إلى شعر الأخرى :
- شعرك .
لمست شعرها بأناملها الطويلة بنظراتها المخيفة :
- صبغته من شوي قبل لا أجي هنا , إيش رايك ؟ مو حلو عليّ ؟
هزت ميسم رأسها بسرعة وهي تضحك مجاملة :
- إلا , إلا أكيد حلو عليك .. بس كأنه فاقع شوي .
قهقهت بطريقة غريبة , ليزداد الرعب بداخل ميسم :
- لأني توني مصبغة , بييخف شوي بعد ما أغسله مرة أو مرتين .
خلعت عباءتها وهي تتلفت وكأنها تكتشف الإستراحة لأول مرة :
- وين البنات ؟ بخاطري أرقص اليوم .
رفعت ميسم أصبعها تشير إلى الحجرة المعنية .
ذهبت تمشي بطريقة مستفزة , وصوت كعبها يصدح بالمكان .
سقطت ميسم جالسة بصدمة .
رفعت كفها تتلمس جبينها المتعرق بظاهرها , ثم رفعت هاتفها لتتصل به دون أن تشعر , حين رد وسأل :
- بشري , حصلتي شيء ؟
ردت بصوتها المرتجف :
- لا , بس الحق علي يا فواز .. هي هنا .
استغرب فواز من نبرتها , ليعتدل بجلسته ويسأل وهو يراقب الإستراحة من بعيد :
- خير ؟ مين هي ؟
ارتجفت ميسم مرة أخرى وهي تقول :
- هي .. قاتلة ماهر .
فز فواز وكأنه تلقى أعظم مصيبة في حياته , ليسأل بصدمة :
- مين ؟ إنتِ صادقة ؟ لحظة .. تقصدين إنك تعرفين مين هي بالضبط ؟
- إيه أعرف , أنا دايم أشوفها يا فواز .. بس إني أشوفها بنفس المكان اللي قتلت فيه ماهر , ونظراتها والله صدق تخرع يا فواز , أحسها ناوية على شيء .
صرخ بها فواز بغضب :
- ليش ما قلتِ لي إنك تعرفيها ؟ كان تصرفت بطريقتي .
كأنه بغضبه وصراخه , أعادها إلى الواقع .. لتستوعب أنها تحادثه , وتستنجد به , قالت بصوت بارد أدهش فواز بعد تلك النبرة المرتجفة والأقرب للبكاء :
- لا تصارخ , إيه عارفة من أول بس ما حبيت أعلمك ولا أعلم أحد لأنه مافي دليل , لو علمتك كانت الأمور في فوضى الحين صدقني , عموما .. أنا بروح أدور على الأشياء قبل لا يلاحظ فهد إنه فيه مفتاح ضايع منه .
زفر بحنق من تلك المغرورة :
- تمام , بلغيني على طول .. وخليك منتبهة على طول , إياكِ تشيلين عينك عن المجرمة .
- طيب طيب , باي .
أغلقت الخط .
لتسحب نفسا عميقا إلى رئتيها .
وتعدل مظهرها , تحاول نسيان الخوف والرعب اللذان يدبان داخل قلبها .
مشت بشموخ وكبرياء وبخطوات واثقة , لتتجه نحو حجرة فهد الخاصة .
حيث لم يدخلها أحد , ولن يدخلها .
بعد أن أقفلتها من الداخل .
جالت بنظرها أنحاء الحجرة .
كانت نظيفة ومرتبة , بل تلمع من النظافة .
ككل مكان في الإستراحة , بعد أن جلب فهد عمال من شركة متخصصة للتنظيف .
بدأت تفتش في أنحاءها , ولم تبقي أي مكان لم تبحث فيه .
لم تستغرق وقتا طويلا , خاصة وأنها خالية من الأثاث .. إلا من سرير متوسط الحجم , وخزانة ملابس صغيرة .. وطاولة زينة صغيرة أيضا , مع منضدتين .
جلست على السرير تعض شفتها بحيرة .
أين يمكن أن يكون قد وضع ذلك الهاتف , وذاكرات كاميرات المراقبة الخاصة بالإستراحة ..!
والتي اختفت فجأة بعد الجريمة ..!
هل يمكن وأن يكون قد تخلص منها فهد ؟
نعم ربما ..
وهل هو غبي ليضعها في مكان الجريمة ؟
مستبعدا تفتيشها .
تأففت وهي وهي تقف بعد أن أدركت هذه الحقيقة الواضحة وضوح الشمس .
استسلمت واتجهت إلى الباب تهم بالخروج , إلا أن عقلها البوليسي اشتغل للحظة , لتتذكر مقاطعا من أفلام غربية , كان المجرمين فيها يصنعون لهم مخابيء صغيرة الحجم داخل الحائط .
مررت يدها على الحيطان , تبحث عن أي شيء غريب بها .. ولكن المحاولة باءت بالفشل , لتخرج أخيرا من الحجرة بكتفين متدليتين من الإحباط .
حين مرت من أمام المطبخ , سمعت صوتا بداخله .
فتحت الباب بحذر , وقد عاد الرعب يسيطر عليها مجددا .
ارتبكت بشدة وهي ترى فهد , يبحث عن شيء ما .
- فهد ؟ وش تسوي هنا ؟ وش جابك ؟ البنات موجودين وبيفهمون غلط .
رفع رأسه ينظر إليها قليلا ثم يعود للبحث :
- أولا أنا شفت الوضع ثم دخلت لما ما لقيت أحد , ثانيا تحشمي يا بنت وغطي كتوفك عندي , ثالثا .. أنا جاي أدور مفتاح ضايع مني , يمكن طاح لما جبت الأغراض .
رفعت ميسم كفيها بتلقائية وهي تغطي كتفيها بإحراج , لتزدرد ريقها وتقول :
- أنا لقيته .
وضعته على الطاولة :
- شفته على الأرض وخليته معي .
تنهد براحة , ليقول :
- الحمد لله , ممكن تنادي لي لجين ؟ بستناها هنا .. وقولي للبنات لا يقربون من المطبخ , بمشي بعد ما أكلمها .
هزت رأسها بسرعة , والتفتت عنه تريد الهرب من أمامه بسرعة , ولكنها توقفت قليلا تسأل بتردد :
- فهد , ممكن أسألك .. الحين الكاميرات كلها تشتغل ؟
ارتبك فهد من سؤالها , ولكنه أجابها بهدوء وهو يخرج سكينا من أحد الأدراج :
- لا , كلها خربانة .
تصطنعت الإستغراب :
- معقولة كلها مع بعض ؟ ليش ؟
انزعج كثيرا من سؤالها , وقد بدأ جبينه يتعرق :
- ما أدري , انخربت وبس , وما عاد جيتها بعد الحادث عشان كذا ما اهتميت ولا فكرت أصلحها .
هزت كتفيها تدعي الإستغراب :
- تمام .
غادرت من أمامه , وأغلقت باب المطبخ من خلفها .
ليترك هو السكين والفاكهة على الطاولة قليلا , ويجلس محتضنا رأسها بكفيه .
هل كان على تلك الطفلة السؤال عن شيء يخص ذلك اليوم .
دخلت ميسم إلى البنات , بإبتسامة واثقة .
تتحاشى النظر إلى تلك .
لتغلق السماعة للحظة وتقول بصوت عالِ :
- معليش يا بنات لاحد يروح عند المطبخ , فهد قاعد يصلح شيء تمام ؟
علت وجوههم علامات الإستغراب , إلا أنهم لم يهتموا .
غير البعض منهن بالطبع .
اقتربت ميسم من لجين لتخبرها أن فهد بإنتظارها .
ارتبكت لجين بشدة , لم تقابله منذ مدة .
هل سيكون الأمر عاديا ..!
خاصة بعد ما سمعته من رؤى بشأن مقتل ماهر .
وقفت لتقع عيناها بثلاث أزواج من العيون .
رؤى , وبجانبها حنين , وذات الشعر الأحمر المستفزة .
يرمقنها بنظرات غريبة وغامضة .
بالرغم من العدواة الشديدة والصريحة بين حنين والأخرى , إلا أن الإثنتين تتملكان أنفسهما بطريقة عجيبة .
تجاهلت الجميع , لتخرج وتتجه إلى المطبخ .
جلست ميسم على أحد المقاعد البعيدة بتعب .
لتكتب لفواز :
( ما حصلت شيء , أعتقد إنه تخلص من كل شيء يتعلق بالجريمة ) .
بعد عشرون دقيقة بالضبط ..
رقصت فيها ميسم رقصا جنونيا .
بسبب ما تشعر به من إحباط وغضب .
حين شعرت بالتعب , استأذنت من صديقاتها واتجهت إلى الخارج .
سارت نحو المطبخ , وهي تتوقع أن فهد غادر .
بما أن لجين في الداخل الآن .
ولكنها ما إن فتحت الباب , ووطأت بأقدامها أرض المطبخ .
حتى هالها المنظر أمامها .
لتسقط بصدمة , وعيناها تكادان تقفزان من مكانهما .
لتستوعب ما ترى مرة أخرى , وتطلق صرخة مدوية , كادت أن تفجر أحبالها الصوتية .
أجفلن الفتيات من صرختها العالية , وركضن جميعهن إليها بعد لحظة صمت ودهشة حلت بالجميع .
إحداهن أطفأت السماعة قبل خروجها .
كانت رؤى وحنين أول من وصلتا , خلفهما لجين والباقيات .
شهقت جميعا وأطلقن صرخات رعب ومفاجأة , إلا لجين .
التي ركضت نحو الجسد الغارق بدماءه , والسكين على بطنه .
جلست بجانبه بقوة مفاجئة وصادمة , لتأخذ رأسه في حجرها , وتبدأ تطبطب على خده بجنون , وهي تبكي وتنادي بإسمه .
استعادت رؤى رباطة جأشها بسرعة , وهي تداري دمعتها .. وتخرج هاتفها تتصل بزين تستنجد به , وتأمر حنين أو إحدى بنات عمها لتتصل بالشرطة .
جنّ جنون زين وهو يسمع ما تتفوه به رؤى , ليترك ما بيده ويركض إلى سيارته .
ويتبعه سامي الذي كان برفقته وهو يجهل ما حصل .
أغلقت رؤى الخط , لتخرج من المطبخ وتقف أمام الفتيات اللاتي تملك الرعب منهن بسبب ما رأوه .
نطقت بصوت متحشرج ونبرة مرتجفة :
- لاحد يتحرك من هنا أو يفكر يتصل بأحد أو يخرج من الإستراحة إلا بعد ما تجي الشرطة وتحقق مع الكل سامعين ؟
اندهشن جميعا وبلغ الخوف منهن مبلغا عظيما , صرخت إحدى زميلات ميسم من الجامعة :
- ليش إن شاء الله إحنا ما لنا دخل , ما خرجنا من هذيك الغرفة من قالت لنا ميسم إنه أخوها موجود , وإحنا أساسا ما نعرفه عشن نأذيه أو نطعنه .
اقتربت منها رؤى ترمقها بنظرة صاعقة وهي تقول بنبرة مخيفة :
- اشش ولا كلمة , حتى لو ما لك دخل تنطمين وتاكلين تبن وتقعدين مع البقية بما إنك كنتِ موجودة وقت الجريمة , مفهوم ؟
قالت العبارة بغل وقهر , بينما الكلمة الأخيرة نطقتها بصرخة عالية جعلت الفتاة تعود إلى الخلف مذعورة .
استجمعت الفتاة شجاعتها مرة أخرى وهي تلتفت إلى زميلاتها :
- يا بنات هالكلام مو معقول , اتصلوا بأهاليكم خلونا نرجع لا يوروطونا .
وافقنها البنات , وهززن رؤوسهن بإيجاب .
لتجفلن مرة أخرى من صراخ رؤى الحاد :
- قلت لا أحد يتصل , البريئة ما تخاف من شيء ما سوته , حتى لو اتصلتوا ورحتوا ترى وجيهكم كلها مسجلة في كاميرات المراقبة , يعني إذا طلعتوا من هنا السالفة راح توصل لأهاليكم , إيش تفضلون ؟ تطلعون من هنا بعد التحقيق بهدوء ولا يروحون عند بيوتكم ؟
نظرت إليها الفتاة بحقد وأنزلت هاتفها , لتلتفت إلى حنين المراقبة للموقف ببرود :
- حنين خذي جوالاتهم لو سمحتي .
أطاعتها حنين , لتقف بجانب الحجرة التي كانوا بها سابقا .
وتأخذ هواتفهن واحدا واحدا تضعها داخل كيس ورقي , وتدخل صاحباتهم إلى الداخل .
بعد أن انتهت دخلت رؤى إلى الحجرة وقد وهنت قوتها فجأة :
- أنا آسفة يا بنات , بس مجبورة أسوي هالشيء .. ضيعت من يديني قاتل أخوي بس هالمرة ما أقدر .
قالتها وهي تتجه إلى أغراضها وتلبس عبائتها , وتحمل عباءة لجين وميسم .
بعد أن انتهت اقتربت من حنين :
- هاتي جوالك بعد .
نظرت إليها حنين بصدمة , قبل أن تقول رؤى بهدوء :
- انتِ بعد كنتِ برة قبل كم دقيقة .
اتسعت عيناها بصدمة , لتقول بحدة :
- تشكين فيني يا رؤى ؟
مدت رؤى يدها دون رد , لتعطيها حنين هاتفها صاغرة .
وتسلمها كيس هواتف البنات .
خرجت رؤى وأقفلت الباب من الخارج .
اتجهت إلى المطبخ , وأغمضت عيناها تحاول تقبل الصدمة .
لتدخل بخطوات مترددة , وتعطي لميسم عباءتها :
- البسيها , الشرطة بتجي الحين والإسعاف .
صرخت ميسم فجأة , بعد أن كانت شاخصة أبصارها على فهد ولجين المنهارة تماما وهي تحاول أن تجعل فهد يقاوم ولا يفقد الوعي بأي طريقة .
مدت يدها لتلمس السكين وتحاول إخراجها :
- لا تمسكين السكين يا لجين , لا تجي بصماتك عليها .
عادت لجين إلى الخلف بذهول , ثم أكملت بكاءها وهي تحاول وتحاول .
ألمها قلبها بشدة وهي تنظر إلى فهد الذي يحاول التنفس بصعوبة .
ووجهه غارق تماما بالعرق .
غير ملامحه المتجهمة , والتي تشتد في كل ثانية وأختها أكثر .
يقاوم الألم بكل ما يستطيع , يجمع الهواء بداخل فمه حتى لا يفقد الوعي ويخيف البنات أكثر .
وقفت ميسم وارتدت عباءتها , ثم ارتمت على المقعد تبكي بحرقة , وتشتم الإسعاف الذي لم يصل بعد .
اقتربت رؤى من لجين وأوقفتها بقوة , لتساعدها في ارتداء عباءتها .
وما إن انتهت حتى داهمت الشرطة المكان .
ومعهم فواز , الذي كان ينوي المغادرة من تلك المنطقة , وخرج منها بالفعل , بعد أن أخبرته ميسم أنها لم تجد شيء .
إلا أن سيارات الشرطة الكثيرة برفقة يسارة إسعاف , فاجأته .
شعر بشيء غريب في قلبه , ليلحق بهم ويدخل معهم كمحقق لجريمة قديمة حصلت بذات المكان .
ابتعدت رؤى وهي تمسك لجين من ذراعها ووقفتا بجانب ميسم التي وقفت هي الأخرى وابتعدت إلى ركن .
تفحص رجال الشرطة وضع المكان , وجسد فهد والوضع الذي كان عليه .
ثم سمحت لرجال الإسعاف أن يأخذوه .
بعد أن أخرج أحدهم السكين من بطن فهد .
سقطت عينا فواز على البنات , وميز ميسم على الفور من عينيها .
اقترب منهن في حدة يسأل :
- إيش اللي صار بالضبط ؟
قبل أن تجيب أي واحدة منهن , وقف خلفه محقق آخر من الشرطة , ليقول :
- لازم نأخذهم للقسم نحقق مع الكل .
أسرعت رؤى لتقول :
- في بنات بعد داخل , أخذت جوالاتهم وقفلت عليهم , يا ليت تحقق هنا , وعدتهم إنه ما راح يصير لهم ولا يضطرون يروحون للقسم .
هز المحقق رأسه بتفهم :
- ومين إنتِ ؟ واللي معك ؟
ازردت رؤى ريقها لتجيب بهدوء :
- هذي زوجة فهد , وأنا أختها .. وهذي بنت عمنا , أخت فهد .
هز رأسه ثم نظر إلى فواز :
- وانت ؟
أخرج فواز بطاقة عمله :
- محقق , اسمح لي أنضم للتحقيق .
- بصفتك ؟
تنهد فواز وهو ينظر إلى ميسم :
- أشتغل بقضية جريمة حصلت في نفس هالإستراحة قبل 3 سنين .
استمع المحقق بإنتباه :
- صدق ؟
- إيه , وسمعت بعد إنه القاتل كان متواجد هنا .
نظرن إليه البنات بصدمة , خاصة رؤى ولجين .
أما ميسم فشتمته بداخلها مرارا وتكرارا .
سمح له المحقق بالإنضمام إليه .
ليبدأ التحقيق , مع جميع الفتيات .
لم يلاحظوا في أفاداتهن أي شيء مريب .
إلا أن بعضهن اتفقن على أنه في النصف ساعة الأخيرة , وبعد أن أخبرتهن ميسم أن أخوها في المطبخ .
لم تخرج أي فتاة من تلك الحجرة , غير ميسم ولجين وحنين ورؤى , والفتاة ذات الشعر الأحمر , والتي لم تكن سوى نجود .
حين دخلت حنين بكل ثقة , وبداخلها شيء من التشفي والإنتصار .
جلست بكل هدوء , ووضعت رجل على رجل .
سألها المحقق عما فعلته حين خرجت , وعن سبب خروجها :
- كنت رايحة أعدل مكياجي عند مراية الحمام , وما أخذت أكثر من ثلاث دقائق .
- متى بالضبط ؟
- امممم والله ما أذكر بالضبط متى , بس كان بعد ما خرجت لجين تقابل فهد بالمطبخ .
- وهل الحمام قريب من المطبخ ؟
- لا بعيد شوي .
- لمحتِ شيء غريب ولا شفتي أحد ؟
هزت رأسها نفيا , ثم قالت وكأنها تذكرت للتو :
- بس وأنا راجعة وكنت بدخل الغرفة اللي كنا فيها , سمعت لجين تصارخ وكأنها تتهاوش مع فهد , مو متأكدة .. بس حسيت كذا .
نظر المحقق وفواز إلى بعضهما , ثم عادا يسألانها بعض الأسئلة .. لتغادر بعد إجابات عادية .
سجل المحقق تلك الملاحظة , واستدعى الفتاة بعدها .
كانت رؤى .
ارتجافها كان واضحا , وعيناها كانتا مليئتان بالدموع المحبوسة .
أثنى عليها المحقق , لما فعلته في حجز الفتيات وأخذ الهواتف منهن .
قالت بصوت مبحوح :
- أخوي انقتل بنفس هالمكان , تذكرته على طول .. وما قدرت إني ما أحبسهم .
تأفف فواز بداخله , يا لها من حمقاء .
هل كان عليها أن تذكر ذلك الآن ؟
ليشك بها المحقق ؟
وفعلا .. سأل المحقق السؤال الذي خشي منه فواز :
- سمعت إنه فهد كان مشتبه في هالجريمة , أكيد تحملين ضده مشاعر سلبية ؟
رفعت رأسها بصدمة , وازدردت ريقها وهي ترى فواز يحذرها بعينيه :
- لا يا سيادة المحقق , كان فقط مشتبه , وما أحمل بقلبي عليه أي ضغينة .
هز المحقق رأسه وهو لم يصدقها , ليسألها عن وقت خروجها وسببه :
- خرجت في الساعة تسعة وخمسين دقيقة تقريبا , رحت أبدل فستاني في الغرفة اللي جنب غرفتنا .
- يعني وقتها زوجة فهد لسه معاه ؟
- إيه ما أذكر إنها رجعت , بس بعد ما بدلت ورجعت الغرفة كانت موجودة .
- متأكدة ؟
- إيه .
- وتتذكرين الوقت بالضبط ؟
- إيه لأني كنت أنتظر لجين ترجع .
- وليش تنتظريها أصلا ؟ مو كانت مع زوجها ؟
ارتبكت رؤى من نظرة فواز التحذيرية مرة أخرى :
- كان عندي غرض في المطبخ أبي أخذها , أقصد … لو هي رجعت معناته فهد طلع .
- مو ضروري .
قالها المحقق وهو يرمقها بنظرة حادة , فارتجفت أطرافها وهي تدعوا بداخلها أن ينقذها الله من هذا الموقف .
بينما فواز شتم غباءها .
سأل المحقق :
- طيب قولي لي , شفتِ شيء غريب ؟ صوت شخص أي شيء .
هزت رأسها نفيا , ليسمح لها بالخروج بعد أسئلة أضافية أخرى .
دخلت لجين بعدها , وهي لا ترغب بالحديث أبدا .
كان شك المحقق بها كبيرا .
حيث أخبرتهم حنين عن صراخها على فهد , وأكد الجميع على خروجها وذهابها إلى فهد , أخبرتهم تفاصيل ما حدث , وهي تشهق وتبكي :
- جاتني ميسم وقالت لي إنه فهد يستناني في المطبخ , لما رحت له شفته جالس على الكرسي وماسك رأسه بيدينه , كنت مستحية منه لأني أجلت زواجنا اللي المفروض يكون يوم الخميس , أجلته بالأيام الأخيرة , حسيت إنه زعلان مني , بس ما كان كذا أبد , لما انتبه لي ناداني وخلاني أجلس جنبه , تكلمنا شوي , حوالي عشر دقايق , ثم قلت له يروح عشان البنات ما ينزعجون من وجود رجال بالاستراحة .
- وحدة من البنات قالت لنا إنك كنتِ تصرخين عليه , تهاوشتوا ؟
ارتبكت لجين بشدة , ولاحظ الرجلين ذلك , ثم قالت بكل ثقة :
- كان كلام خاص بيني وبينه , عصبت شوي .
- متأكدة ؟ يعني ما تقدر تقولين لي ؟
أجابت بحدة وهي ترفع عيناها إليه :
- لا .
خرجت هي الأخرى بعد عدة أسئلة .
لتدخل الفتاة بعدها , ميسم .
منذ دخولها وحتى جلوسها , عيناها لم تتحرك من على فواز .
الذي ينظر إليها بشفقة .
كانت ميسم منهارة تماما , وبالكاد تتحدث وتجيب عن أسئلتها .
سألها عن سبب خروجها , وأخبرته بالتفاصيل .
وأنها منذ أن أخبرت لجين عن إستدعاء فهد لها لم تخرج مرة أخرى , إلا حين وجدت فهد مطعونا .
بعد أن أنهى المحقق أسئلته , وأمرها بالخروج واستدعاء الفتاة الأخيرة حين لم يسمع منها أي إجابة مريبة .
قالت بنبرة مرتجفة :
- حضرة المحقق , في وحدة حضرت الحفل , ومو موجودة الحين .
نظر إليها المحقق باستغراب , ثم نظر إلى الورقة بين يديه :
- بس أنا حققت مع كل الموجودين بقائمة المدعوات اللي عطيتيني إياها .
ابتلعت ميسم ريقها بارتباك وهي تنظر إلى فواز :
- ما عزمتها , بس جات بنفسها .
- مين تكون ؟
- نفس البنت اللي قتلت ماهر ولد عمي , نجود .
سقط القلم من يد فواز , والذي كان يمسك به من البداية .
ليضع مرفقيه على الطاولة بصدمة ودهشة وذهول وغير تصديق :
- نجود ؟ أختك ؟ زوجة ماهر ..!
هزت رأسها بإيجاب وهي تتحاشى النظر إليهما من الخزي والشعور بالفضيحة .
____
انتهى الفصل
اللهم ارحم مارية , واغفر لها وعافها واعفُ عنها
اللهم اجعل القرآن شفيعا لها وأنيسا , واجعل الفردوس دارها ومقامها
واجمعنا بها في جنتك يا أرحم الراحمين , اللهم آمين
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين