كما يحلو لي (حوار بالعامية ال...

By Batoulg7

4M 91.1K 15.2K

لم يكن متباهياً بغروره وعلاقاته كالرجال، كان فقط رسمياً.. صارماً بكل شيء بحياته.. علاقاته لم يعلم عنها أحد وك... More

مقدمة وتنويه
شخصيات الرواية
فيديو الرواية
النسخة القديمة للرواية
حقوق الطبع والنشر
- ١ -
- ٢ -
- ٣ -
- ٤ -
- ٥ -
المناقشة الأولى
- ٦ -
بعض النقاط الهامة وخبر حلو
- ٧ -
- ۸ -
- ٩ -
تعالوا اقولكم حاجة
- ١٠ -
استفتاء هام لمصير الرواية
- ١١ -
- ١٢ -
- ١٣ -
- ١٤ -
- ١٥ -
- ١٦ -
- ١٧-
- ١۹ -
- ٢٠ -
- ٢١ -
- ٢٢ -
- ٢٣ -
- ٢٤ -
طلب صغنن بخصوص الرواية
- ٢٥ - الجزء الأول -
- ٢٥ - الجزء الثاني -
اعتذار والفصل القادم
- ٢٦ -
- ٢٧ -
- ٢٨ -
- ٢٩ -
- ٣٠ -
-٣١-
- ٣٢ -
- ٣٣ -
استفتاء مهم تاني
اخبار هامة بخصوص الرواية وتوضيح
- ٣٤ - الجزء الأول -
- ٣٤ - الجزء الثاني -
- ٣٥ والأخير-
توضيح ومناقشة ختامية
الجزء الثاني
اعلان هام

- ١٨ -

87.4K 2.2K 389
By Batoulg7

لا تنسي التصويت باااليز..

اكتفى بمتابعة هذه الطرق الغريبة التي امتلئت بالكثير من المساحات الزراعية التي لم يرها قبلًا وهو هادئ تمامًا لا يُغادره سوى صوت أنفاسه ووالده بجانبه منشغلًا بكتاب يُطالعه ولم يشكو طول الطريق وهو ينتبه على تلك المناظر الخضراء وهو يتابعها بمنتهى الإهتمام وتناسى تمامًا حديث والده ووالدته قبل أن يغادر المنزل بل وزجر ابيه له العنيف ألا يقوم بضرب الجرو مرة أخرى وإلا سيُعاقبه بالمرة القادمة..

لوهلة ببراءة طفل صغير بالعاشرة من عمره شعر بأن كل ما يراه هو تجربة جديدة له، يُريد أن يذهب ليستكشف المزيد من تلك الحقول التي لم يتواجد بها ولكن بمجرد توقف السيارة شعر بالتردد قليلًا أن يغادر إلي أن سمح له والده بأن يفعل فترجل للخارج..

بعد قليل من الوقت من تلك المصافحات وهو لأول مرة يعلم حتى أنه يملك الكثير من أبناء أعمامه وعماته الذي لا يعلم عنهم شيئًا ورؤية خالته "ماجدة" التي يتذكر يومًا أنه رآها ولك كان هذا منذ سنوات حيث أنها قامت بزيارة إليهم فهي اخت والدته وزوجها هو عمه "سامح" الذي قد اخبره والده أنهما آتيا ليُساعداه بشيء في العمل ولم يكن يُدرك بعد ما الذي تعنيه الإنتخابات!

انتقل ليجلس مع جميع الأولاد ومن هم بعمره وهو يتفقدهم بطريقة غريبة ولاحظ اختلاف ملابسهم نوعًا ما عنه فاكتفى بأن يبقى في ركن وهو يحدق بأعين الجميع وهو كل ما يريده أن ينهض ويغادرهم ليذهب لتلك الحقول التي لم يتواجد بها قط!

تحدث إليه ابن خالته وعمه الذي تعرف عليه للتو وعرف أنه يكبره بخمسة أعوام ثم سأله:

- عارف أنا مين يا عُمر؟

رمقه ببعض الإستغراب ثم أومأ له بالموافقة وقال بتردد:

- ايوة، أنت أنس

ابتسم له ثم حدثه مقترحًا:

- طيب شاطر، تحب نخرج برا شوية، الكل برا بيلعبوا

ازداد تردده بداخله فهو لا يُريد أن يُسبب مشكلة مع والده فأومأ له بالإنكار وحدق بالفراغ ليناشده "أنس" مرة ثانية:

- يالا تعالى معانا.. هتنبسط اوي.. هتعمل حاجات كتيرة جديدة وهخليك تلف البلد كلها!

لاحظ "أنس" تردده الشديد وهو يومأ بإرتباك بالرفض فأخبره قائلًا:

- انت قلقان كده وخايف من ايه؟ محدش بيقعد في البيت دلوقتي واحنا اجازة.. يالا.. ماما قالتي اخدك معانا واوريك حاجات كتيرة وصدقني هتتبسط

ابتلع وهو ينظر له ثم سأله بإهتزاز جلي بصوته:

- هو، هو احنا هنروح عند الزرع ده؟

اشار بسبابته خارج النافذة المُطلة على حقلٍ شاسع لا يستطيع أن يرى آخره ليجيبه الآخر:

- ايوة، اي مكان عايز تروحه هنروحه.. يالا بقى فز قوم وتعالى متتعبنيش معاك

تردد لوهلة بين ما يريد فعله حقًا وبين خوفه لو ازعج والده فحدثه قائلًا:

- ماشي، بس هاستئذن بابا الأول!

توجه معه وبعد أن قام بإستئذان والده الذي سمح له آخذ ينزوي بين تلك المساحات المزروعة وهو يشعر أن لا احد يراه بسبب طولها الفارع بالنسبه لجسده الذي لا يزال صغيرًا وبعد إلحاح "أنس" عليه اضطر الذهاب معه ليرى الحظيرة التي لم يُعجبه كثرة تلك الماشية بها وبعدها رأى الإصطبل الخاص بالعائلة ليلمح تلك الأحصنة فوقف أمامها مشدوهًا لوهلة فهو لا يراها كثييرًا ثم التفت إلي ابن خالته وسأله مشيرًا:

- ممكن اركب الحصان ده؟

أومأ له بالموافقة وابتسم له:

- طبعًا ممكن، استنى بس انادي حد يحضره وهلففك في البلد كلها

شعر بالإستغراب قليلًا لإمتطاءه وجعله الأمر سعيدًا للغاية فبدأ في تلمسه ليُربت عليه بتوالي ولا يكترث إلي أين يصطحبه هذا الممسك به ليدرك أنه القدوم إلي هُنا لم تكن فكرة سيئة على الإطلاق وأخذ يسير كلاهما بحصانان بالأرجاء حول منزلهم بشوارع البلدة وابن عمه يظن أنه يمرح بالسير نفسه واكتشاف الأنحاء بينما كان مذهولًا هو بالحصان..

- وهنا كل الولاد بيجمعوا وبنلعب سوا طول الصيف..

انتبه على حديث "أنس" له وهو يشير إلي بعض الأولاد الذين يقوموا بلعب الكرة ليُخرجه من شروده بالحصان ولم يكترث لما قاله بينما سأله:

- هو يقدر يجري؟

أومأ له ثم أخبر "أنس" من يُمسك الحصان أن يُسرع قليلًا ولكنه قال بتحذير:

- بس خد بالك دي اول مرة تركب حصان ولازم تمسك كويس..

استطاع أن يُلاحظ كيف يفعل ابن خالته فجذب اللجام اكثر وهو يشعر بالفرحة فصاح به:

- استنى يا عمر بلاش.. لازم تتعلم الأول لا توقع..

استطاع الرجل أن يُمسك باللجام منه بعد أن هرول بجانب الحصان ليومأ "عمر" بإقتضاب ثم سأله:

- عايز اجري بيه من غير ما حد يمسكهولي، ازاي اقدر اتعلم؟

هز كتفيه بعفوية واجابه:

- هنجبلك حد يعلمك وكام يوم ونشوف هتقدر تركبه لواحدك ولا لأ!

عجبته تلك الفكرة كثيرًا ليُعلن بحماس طفولي:

- وقفه، وقفه ..

استجاب الرجل له ليتوقف كذلك ابن عمه "أنس" بالقرب من مكان يلهو به الأولاد وهو يلعبوا الكرة وتفقده مليًا ليقول متعجبًا:

- ليه عايز توقف؟ مش عايزه خلاص..

حدثه بمزيد من الحماس:

- لا، هقول لبابا اني عايز اتعلك علشان اجري بيه لواحدي..

سرعان ما حاول الترجل بنفسه بحماسه الذي حمله على عدم الإحتراس ليسقط أرضًا من فوق ظهر الحصان وتعالت ضحكات الأولاد الذين كانوا يشاهدوه ساخرين منه ليتدخل احدى الفتيان الذي يكبر "أنس" بعامٍ واحد:

- مين الغبي ده يا أنس؟ هو لسه بيتعلم يركب حصان ولا انتى مبتعرفش غير الأغبيا؟

انزعج "عمر" بشدة من سماعه لهذا الذي لم يتعرف عليه بعد ليتدخل ابن عمه ولم يتركه ليواجه الأمر بمفرده لأنه صغيرًا وكذلك "أيمن" الذي القى بسخريته لتوه يكبره بعدة أعوام وهو من تاريخ طويل يعلم أن هذا الفتى الذي لا يأتي من خلفه سوى المشاحنات دائمًا وهو وعائلته فحدثه بزجر:

- ده ابن عمي يزيد الجندي، مالكش صالح بيه، واتعدل وانت بتكلمه!

وقف "عمر" بجانب الحصان وهو ينفض ملابسه التي أُصابت بالتراب وترجل "أنس" هو الآخر ليواجه "أيمن" بنفسه ليجتمع الكثير من الأولاد حولهم الذين كانوا يقوموا باللعب منذ قليل ليُشاهدوا بحماس ما سيحدث فعائلة "الجندي" وعائلة "خطاب" دائمًا ما هناك ندية شديدة بينهما فتحدث بمزيد من السخرية:

- وهو يعني كونه ابن عمك يمنعنا نضحك على منظره وهو نازل زرع بصل على الأرض ولا أي جندي فيكو ممنوع نقرب منه!

هنا تحدث واحدًا من الفتيان الذي يكبرهم جميعًا وكان اسمه "محروس" كي لا يحدث شجار:

- خلاص يا أيمن، ضحكنا وخلصنا، متكترش اللام وتخليها عاركة!

التفت له "أيمن" ثم حدثه بعجرفة:

- لا وماله اخليها عاركة، ولا أنت مش دريان ازاي بتتعامل عيلة خطاب مع عيلة الجندي.. عيل زيك ميدريش كلام الكبار، مالكش صالح وإلا اخلي ابويا يوقف فلوس ابوك اللي بيفلح في ارضنا!

احتقنت الدماء بوجه "محروس" لتلك الإهانة التي صفعته ثم غادر الجميع وتنحى عنهم ليعاود "أيمن" النظر نحو "أنس" ثم حدثه قائلًا:

- فكرك علشان عمك هو العمدة محدش هيمسكم! استنى لما ابويا ينجح في الإنتخابات الجاية وهنشوف مين هيبقاله الكلمة والمشورة، ولا تكونش فاكر إن ابوك اللي هيفوز!

انتظر الجميع بمزيد من الحماس هذا الشجار الذي قد يتحول لتطاول بالأيدي ولكن قال "أنس" بإقتضاب كي لا يُثير العراك بينهما:

- ماشي، هنستنى!

التفت نحو الحارس الذي كان يصحبهم وقال:

- يالا ساعد عمر يركب تاني علشان هنروح..

استجاب لمساعدة الحارس له بينما امتطى ابن عمه حصانه بنفسه وبمجرد تحركهما التفت "عمر" وصاح:

- هقول لبابا وهيتصرف معاك كويس!

سرعان ما آتى صوت "ايمن" صارخًا:

- يالا يا عيل يا سايص وابقى وريني ابوك ده هيعمل ايه، ابقى خليه يجي يلم اللي وقع منك!

نهاه "أنس" سريعًا:

- متردش عليه يا عمر وسيبه، الواد ده بتاع مشاكل وبالذات معانا احنا..

نظر له "عمر" بطفولية وهو لا يفهم ما يجري فسأله:

- ليه؟ هو بيعمل ايه؟

امتعضت ملامحه ثم اجابه:

- عمه كان عايز يكون العمدة بدل عمنا حمدي، عيلة أيمن اللي كلمنا ده عندهم أراضي وتجارة وفلوس بس طماعين وعينهم ميملهاش الا التراب.. عيلتهم وعيلتنا بينهم مشاكل من زمان.. الدنيا هنا يا عمر غير مصر خالص!

تريث لبرهة ثم أردف بتحذير:

- متجبش سيرة لحد بدل ما نعمل مشكلة كبيرة.. ابويا سامح نازل الإنتخابات ومش عايزين مشاكل..

في مساء نفس اليوم..

شعر "عمر" ببعض الملل قليلًا وهو لا يجد ما يفعله واكتفى بالجلوس على الفراش الذي اعدته له خالته "ماجدة" بنفس غرفة ابنها "أنس" فدخل عليه وهو يسأله:

- قاعد لواحدك ليه؟

هز كتفاه واجابه بتلقائية:

- أنا دايمًا بقعد لواحدي وبعدين أنا مش لاقي حاجة اعملها..

همهم "انس" وقال بنبرة مقترحة:

- تحب نتمشى شوية.. ممكن نروح ناحية الترعة، دول ياما حكولنا على اللي بيحصل هناك

سيطر التعجب على وجهه الطفولي ثم تسائل:

- حكايات ايه؟

لمعت اعين "أنس" واجابه:

- بيقولوا أن فيه واحدة قمر بتظهر بليل جنب ارض عيلة خطاب، بس الموضوع محتاج قلب جامد، بيتحاكوا عن جمالها وبتمشي فوق المياة.. تحب تيجي ونستناها ولا نشوفها بس من بعيد؟ أنا عمري ما لقيتها بس يمكن تظهر النهاردة! ممكن نروح ونشوفها بس اوعى تقول لحد.. خليه سر بينا.. هنروح ونيجي بسرعة

شعر "عمر" بالقلق فسأله:

- هو بابا هيعرف؟

أومأ له بالنفي وحدثه بيقين وثقة:

- لا طبعًا.. لو محدش مننا قال لحد هيفضل سر بيني وبينك..

تردد لوهلة لا يدري أيذهب معه أم لا ليلح عليه:

- يالا يا عمر يمكن نلقاها الليلادي، بيقولوا أنها عنهدا قدرات وصوتها حلو اوي.. هنراقب من بعيد متقلقش، الموضوع مش مُخيف زي ما بيقولوا وطول ما احنا بعيد محدش هيشوفنا

زفر بطفولية ثم حسم آمره وهو ينهض:

- ماشي.. يالا بينا!

أخذ كلاهما يسيرا لمدة ليست بقليلة بين طُرق ملتوية كثيرة إلي أن وصلا بالقرب من واحد من فروع هذه القناة والمكان الذي يُزاع عنه كل هذه الأساطير منذ سنوات ثم حدثه "أنس" متسائلًا:

- انت بتخاف من الضلمة؟

أومأ له بالنفي ثم اجابه:

- لا، انا اتعودت على الموضوع، في المدرسة بتاعتي اللي بروحها، بيقفلوا النور بليل كل يـ

لم يُكمل حديثه عندما تعثر بحجر كبير لم يره بهذه الظُلمة أمامه والتوى كاحله ليصرخ بشدة ليحاول "أنس" أن يمنعه عن صراخه:

- وطي صوتك.. هيسمعونا ويعرفوا اننا هنا

توجع وهو ينظر له رافعًا وجهه إليه بينما الآخر مد يده ليُساعده على النهوض:

- رجليا الظاهر اتلوت..

حاول أن يوقفه ثم حدثه بقلق:

- حاول تقف عليها، لو وجعاك اوي ممكن نرجع

تآوه بمجرد محاولته أن يُلقي بكامل ثقل جسده عليها ثم أخبره:

- مش قادر، بتوجعني اوي..

اقترب منه ثم احاط جسده كي يستند عليه ويُعطيه بعض الدعم وقال:

- اسند عليا طيب لغاية ما نرجع وهقول لأمي تـ..

فزع "عمر" لو أن أحد علم بخروجه ليلًا فقاطعه بخوف:

- لا، لا متقولش لحد لا بابا يعرف

حاول أن يُطمئنه قليلًا وقال:

- ماشي مش هقول لحد، بس حاول تسند عليا علشان نرجع البيت

أومأ له وسار وهو يتوجع إلي أن شعر "أنس" أنه لا يستطيع التحمل فقام بحمله إلي أن شعر بالإرهاق فأجلسه بأنفاس متلاحقه ثم حدثه قائلًا:

- استنى هنا، هاخلي حد يساعدنا، لسه كتير على ما نرجع ومش هاقدر اشيلك الطريق كله

وقال برعب:

- لا بلاش لا بابا يعرف!

أومأ له بالنفي وطمئنه قائلًا:

- متقلقش، الحرس اللي كان معانا الصبح مبيقولش لحد حاجة، اطمنله، كان معانا الصبح ومقالش لحد على خناقتنا مع ايمن.. اطمن، مش هتأخر..

ابتلع بتردد ثم حدثه بقلق بعد أن التفت حوله متفقدًا الأنحاء:

- ماشي متتأخرش.. أنا معرفش حد هنا ومعرفش ارجع ازاي

أومأ له بالموافقة ثم هرول وهو يقول:

- هارجع بسرعة.. متسيبش مكانك

جلس بمفرده في هذه العتمة والهدوء المهيب حوله ليدفع به شعور الرهبة من هذه الأجواء ثم مد يده ليحاول أن يُدلك كاحله أو يحركه ليجد الآلم يشتد ومن سوء حظه استمع لجلبة بعض الأصوات فحاول النهوض كي لا يراه أحد فقد يكون أي من أبناء أعمامه وسيخبروا والده ليتآلم رغمًا عنه بطفولية وحاول الإستناد على أي شيء بتلك الزروع ولكنها كانت هشة لا يستطيع الإعتماد عليها ولقد تأخر كثيرًا ولاحظ البعض بالفعل محاولة اختباءه بين الزروع..

- استني يا واد منك ليه، روح يا محروس وشوف مين بيتسحب جوا ارضنا.. وانت كمان امشي من الطريق ده، وأنا من هنا

لعن "عمر" تحت أنفاسه وتصاعد قلقه عندما استمع لهذا الصوت، فهو لا يريد أن يعتمد على ذاكرته أبدًا، لأنه لو فعل لا يجد سوى صوت "أيمن" الذي التقى به صباح اليوم..

تجمد جسده أسفل تلك الزروع محاولًا ألا يحرك ساكنًا ولاحظ اقتراب خطوات نحوه وفكر بأن يعدو سريعًا ولكنه لا يعرف الطريق ولن يساعده كاحله الذي يؤلمه بالفعل وابتلع في فزع وهو يتضرع بداخله أن يأتي "أنس" عن قريب..

اخذ صوت الخطوات يقترب أكثر ولهاثه يتسارع بجنون مهابة لو وجده أحد ثم فجأة امتدت يدًا لتُمسك به ثم صرخ مُعلنًا:

- تعالى يا حرامي قفشتك..

استمع الجميع لصياحه الذي اعلن عن وجود هذا الدخيل فعادوا من جديد ويد "محروس" تجذب "عمر" من ملابسه وهو لا يعرف بعد أنه قد بدأ في الإرتجاف من كثرة خوفه وتوجهوا به لنفس المكان القريب من الطريق الضيق الذي كان يجلس به منتظرًا عودة "أنس" ثم صاح "أيمن" متسائلًا:

- مين الكلب اللي يستجرا ويهوب نواحينا؟

تلاطمت الحروف من فمه بتخبط شديد:

- مكنتش اعرف انه ارضكم، هقول لبابا لو عملتلي حاجة.. سيبني امشي، مكنتش اعرف..

ابتسم "أيمن" بشر وجذبه من قميصه وكذلك "محروس" لا يزال ممسكًا به ليُحدثه هاكمًا:

- أهلًا بإبن ابوه اللي هيقوله على كل حاجة، ومالك خايف زي النسوان.. خايفة يا بت انتي ولا ايه؟

رفع "أيمن" وجهه مبتسمًا بإستمتاع لكلا صاحبيه وقهقه بخفوت ليبتسموا له بينما اعاد له نظره من جديد ليقارب "عمر" على البكاء من شدة الخوف وهم يمسكوه بهذا الشكل ثم سأله بمزيد من السخرية:

- ايه اللي مخوفك؟ ويا ترى ابوك سايبك وفين دلوقتي؟ عيلة الجندي بجلالة قدرها فين؟

نظر له "عمر" والدموع تلتمع بعينيه ثم صاح به بقهرٍ يُلازمه فزعه:

- والله لا اقول لبابا لو عملتلي حاجة..

قهقه بشرٍ بينما نادى بصوته:

- يا يزيد بيه يا جندي سامعني! يزيد يا جندي هنعلم ابنك الأدب، سامعني؟

التفت وهو ينادي ليبتلع وازداد ارتجافه بشدة ثم اعاد نظره إليه وقال:

- مردش اهو.. واحنا التقينا حرامي في أرضنا.. وانت بقى يا عيل مش هنسيبك في حالك

جذبه كلًا من "محروس" و "أيمن" وهما يُمسكا به واتجها به بعيدًا إلي احد الأنحاء وهو يتوسلهم ألا يفعلوا به شيء، ولم تُفلح محاولاته بالدفاع عن نفسه وكلًا منهما يكبراه بالعديد من السنوات بل والجسد فلم تملك محاولاته ذريعة تُذكر واستمع من على مسافة اصوات تنادي بإسمه ليصرخ سريعًا:

- أنا هـ..

سرعان ما كمما فمه ثم حدثه "أيمن" بتحذير قائلًا:

- لو سمعت صوتك هقتلك الليلادي يا رمة يا ابن الرمة..

جذباه وهما يكمما فمه وقطعوا مسافة ليست بهينة وكاحله يؤلمه أكثر وأكثر وقارب على لفظ أنفاسه رعبًا مما سيفعله به ثلاثتهم ثم دخلوا واحدًا من الأجران المهجورة التي كانت تستخدم بالسابق لطحن الحبوب واصبحت الآن مكان ناءٍ قلما يذهب إليه بعض الشباب يتجرعون الممنوعات لو ارادوا الإختفاء وبهذا الوقت الذي لا يزال باكرًا لإجتماعهم سيكون فارغًا فألقوا به أرضًا ليقف "ايمن" ينظر له بتشفي أسفل قدميه وحدثه بتشفي قائلًا:

- ياه لو تتفرج البلد بناسها واهلها على ابن يزيد الجندي وهو تحت رجليا مذلول وبيترعش من الرعب.. كانت تبقى حفلة، بس أنا هارحمك واديك درس صغير

توجه نحوه بينما "عمر" يحاول الإستناد على يديه مبتعدًا وبكى رغمًا عنه بطفولية لم يكن يعرف كيف يستيع النهوض ولا الوقوف أمام هذا الفتى الذي يفوقه جسدًا وعُمرًا بل ومعه اثنان آخران فجذبه ليجلس فوقه ثم بدأ في تكييل اللكمات إليه بتوالي شديد إلي أن اختلطت ملامحه بالدماء ليشفق "محروس" قليلًا لكل ما يُصيب هذا الصغير ثم حاول أن يُنهيه عندما تأثر بصراخه الباكي وتوسلاته بأن يكف:

- كفاية يا أيمن.. سيبه وبينا نمشي قبل ما حد يلاقينا!

ارتفع بوجهه له ليحاول عمر في أن يتخلص منه وهو فوقه ويدفعه بقدمه ليتحدث "أيمن" ساخرًا:

- ده عشان انت من عيلتنا، انا لقيته بيعس في ارضي، يبقى من حقي، ده عُرفنا ودي الأصول..

نظر "إسلام" الفتى الثالث الذي كان يُصاحبهما وامتن أن "عمر" لم يعرفه لكلاهما بترددٍ شديد وحاول الإفلات من هذا الموقف ليقول متلعثمًا:

- أنا.. أنا هبص عالطريق..

هرب من كلاهما فهو لا يُريد التدخل بالأمر أكثر من هذا وقام بالفرار بالفعل فهو يعلم أن الأمر بين عائلتي "الجندي" و "خطاب" لن يأتي من خلفه خير وتركهما خلفه دون اكتراث فهو لا يُريد أن يصاب بأذى أي من العائلتين..

ابتعد "عمر" للخلف وهو يبكي محاولًا أن يُجفف تلك الدماء التي تساقطت على وجهه فلاحظ "أيمن" ما يفعله فأوقفه وهو يجذبه من قدمه التي تؤلمه بالفعل:

- رايح فين يا كلب يا ابن الكلب!

تضرر جسده بقسوة وهو يُجذب على تلك الأرضية الصلبة ليتوجع بشدة عندما رُشق بظهره هشيم الزجاج الذي لا يعلم من أين آتى فرفع ظهره بتلقائية صارخًا من الآلم وحاول الحصول على بعض الدعم بيديه لتصاب هي الأخرى بمزيد من الجروح بسبب هذا الزجاج المُلقى أرضًا ليستطيع الآخر أن يرى توجعه الذي أصاب به فقال له هاكمًا:

- خير يا بتي، افرشلك السرير لا تتجرحي!

قلبه ليرى ظهره الذي تكشف له منغرسًا به قطعة زجاج من احدى بقايا زجاجات الجعة رخيصة الثمن التي يتناولها شباب البلدة بوكرهم هذا فأزاد من غرسها بظهره ليصرخ آلمًا بشدة لتتلاحق أنفاس "محروس" لما يحدث لهذا الطفل ثم زجره:

- ما كفايه لا تموته، علمته الأدب بقى كفاياك وبينا نمشي قبل ما حد يعرف..

لم يكترث له وأخذ يُصيبه بمزيد من الضرر ليلمح حجرًا فتناوله ليُصيب ظهره بمزيدًا من الجروح و"عمر" لا يتوقف عن الصراخ اسفله ليصيح "أيمن" بتشفي قائلًا:

- جرالك ايه يا محروس، خوخت ليه وعاملي فيها مر* ولا قلبك رهيف!

ابتلع "محروس" وهو يرى الدماء تسيل من ظهره وشعر بأن كل هذا كثير على أن يتحمله هذا الطفل وكذلك لن تكون ردة فعل عائلته جيدة ليجد "أيمن" بدأ يُمسك بقطعة من الزجاج وهو يقوم بتشريح ظهره مصيبًا اياح بتقطيعات عميقة فلم يحتمل كل ما يفعله وتوجه للخارج بينما صراخ الآخر أصاب أذنه بالصمم!

توسله أكثر من مرة أن يتركه وشأنه ولكنه لم يستجب، تلك الآلام تفتك بظهره وجسده دون هوادة، يشعر بآلمٍ لا يُحتمل وهذا الحقير لا يرأف به إلي أن تمزقت حنجرته من كثرة الصراخات المتوالية ليقهقه الآخر بعد أن صنع لوحة بديعة وتركه وتوجه ليقف أمامه مهددًا اياه بقطعة الزجاج التي يمسك بها بيده:

-حب على رجلي وانا اسيبك يا كلب.. قولي ايمن خطاب سيدي وتاج راسي 

لم يستطع فهم كلماته ولا ادراكها وهو يصرخ بشدة غارقًا بآلامه التي تفتك به بينما صرخ به بقسوة:

- يالا ياض حب على رجلي وانطق وقول ايمن خطاب ضفره برقبة اتخن تخين في عيلة الجندي

تنبه على كلماته بصعوبة شديدة ولكنه لم يستجب له واشتد بُكائه بينما صرخ به مهددًا اياه:

- هاعد لتلاتة، لو معملتهاش هقطعلك اللي مفكر بيه نفسك راجل وهلف بيك البلد كلها تتحاكى عنك

شعر بالذعر مما يقوله إلي أن شعر بإبتلال بنطاله من كثرة ذعره لينظر له بتشفي ثم صاح به:

- واحد!

لم يقبل هذه المهانة الشديدة بينما آتى صوته ليقول من جديد:

- اتنين!

شعر بالذل بل والقهر من أن ينفذ كلماته بينما قرب حذائه اسفل وجهه وقال:

- تلاتـ

لم يُكمل العد ليفعل "عمر" بتقزز واشمئزاز وهو مغلوب على أمره بينما دخل "محروس" فجأة وهو يلهث:

- أنا سمعتوهم بيزعقوا عليه، بينا نمشي يا ابن خطاب قبل ما يعتروا فينا!

اخبره بتشفي وابتسامة انتصار تلوح على شفتيه:

- عرفت مين سيد البلد يا كلب يا ابن الكلاب، لو هوبت وجيت حدانا تاني بالله ما يكفيني قتلك!

توجه إلي الخارج بسرعة بصحبة "محروس" قبل أن يستمع إليهما أحد وتركاه خلفهما غير قادرًا على النهوض حتى مُصابًا بجروحٍ عدة والدماء تنزف من ظهره بغزارة وتجلط البعض على وجهه من كثرة لكمات "أيمن" السابقة له ..

مرت الدقائق عليه وهو يحاول أن يتوقف عن البكاء وجسده متأذي بشدة وهو لا يدري هل سيجده أحد قبل أن يأتي الصباح وهو لا يستطيع تحمل تلك الأوجاع ولا حتى أن ينهض بكاحله الملتوي وجروح ظهره التي لم تجف دمائها ولا تزال تسيل منها تمزق قدرته بشدة ليُجبر نفسه على الوقوف بأعجوبة وهو يستند على بقايا الزجاج المُلقاة أرضًا!

تحامل على آلامه وما لم بسائر جسده وهو يتذكر كل ما حدث وأجبر نفسه على التحمل على قدمه وتوجه خارج هذا الجُرن وحاول مليًا أن يتحامل على ما يمر به، الأوجاع التي تزداد بجسده من بسبب تعذيب هذا الحقير له وجعله يتوسل ليُقبل قدمه بهذه الحقارة لتنهمر المزيد من دموعه في قهرٍ وتمنى لو منعه والده عن الخروج ليلًا بصحبة ابن عمه..

مشى وهو يتحمل وهن جسده، وحاول التماسك أمام قسوة ما لم به، يتحمل على أمل أن والده سيأتي ولن يتركه وسيجد حلًا لكل هذه الأوجاع، ولكن ما لم يستطع تحمله هو الإهانة الشديدة وهو يتذكر تقبيله لقدم هذا الوغد، يشعر بالذل وعينيه قد خسرت معركة تحملها وقد فاضت بسيل من الدموع رغمًا عنه وهو يتخيل رؤية الجميع له وقد صُنَع منه مُسخة بالفعل!

ظن أن عذابه لن ينتهي إلي أن صاح صوتًا لم يتبين صاحبه وهو ينادي بإسمه ليصرخ كالملهوف سريعًا ونشيجه يمزق حنجرته:

- أنا هنا.. أنا عُمر!

كان بداخله هذا الأمل بأن والده هو الذي آتى وقد تنفس الصعداء لمجرد سماع أن هناك من يبحث عنه وبمجرد رؤية وجه غريب خاب أمله ليتفلت بقية بُكائه على هيئة شهقات وانطلق نحوه بإندفاع بآخر قدرة تحملها جسده الصغير واستطاع استدعائها وهو ينادي بذل:

- أنا عمر.. بابا فين، هو معاك.. خدني وديني ليه

جحظت اعين احدى الحراس لرؤية مظهره والدماء الكثيرة المختلطة بوجهه وملابسه فتوجه نحوه على الفور وهو يُلاحظ عدم مقدرته على التحمل وحمله سريعًا ليصرخ:

- لا ارجوك بلاش ضهري مش قادر استحمل

اخفضه الرجل ليرى مدى تأثره ثم حمله على كتفه ساندًا اياه على بطنه ثم قال له:

- اهدى يا ابني هوديك ليه..

أخذ يبكي متجرعًا آلمه مشمئزًا من نفسه وبنطاله المبتل وكل ما حدث ولم يستطع منع نفسه عن النشيج وهو يتمتم بين بكائه مناديًا على والده وبمجرد دخوله للمنزل أخفضه الرجل على أريكة حيث كان "يزيد" ينتظره وهو يلهث أنفاسه بغضبٍ احترقت به روحه لفقد ابنه وبمجرد رؤيته بهذا الضرر كاد أن يندفع نحوه فاقدًا لعقله ولكنه توقف ونظر له ولكن لم يستطع "عمر" سوى أن يندفع ليُعانقه وهو يغمغم بين انفجاره بالنحيب:

- بابا.. بابا

غضب والده بشدة لرؤية بُكائه بسبب أمران لا ثالث لهما، أولهما أن ابنه البكر الرجل الذي سيخلفه يبكي كالطفل المنهزم أمام أعين الجميع، وثانيهما هو أيًا من عرضه لهذه الحالة لم يكترث بكونه "يزيد الجندي" ولن يترك كل المتسببين خلف بُكائه وآلمه وتلك الدماء اللعينة سوى بعد أن يُلقنهم درسًا قاسيًا على ما فعلوه به..

ازداد لهيب أنفاسه الغضبة ولمح كل المتواجدين بالغرفة من اخوانه الرجال ووقف بصلابة لا يبادل ابنه العِناق إلي الآن وصاح بلهجة آمرة:

- البلد كلها متشمش خبر عن اللي حصل، امنعوا نشر الخبر وقولوا أنكم لقيتوه بيلعب في الزراعات.. وخليكوا رجالة وامنعوا مرتاتكم يجيبوا سير لمها.. لو حصل مش هاسيبكم، ولا هيبقالي دعوة بسامح وهاجري وراكم اخد ورثها منكم.. يالا امشوا وسيبونا

حمحم "حمدي" اخيه ونظر إلي "سامح" ثم أشار له ليغادروا فليس من الجيد أن تكون على عداوة برجل واسع الحيلة شديد النفوذ مثل "يزيد الجندي" اخيهم ويعتمدوا عليه بالكثير واتجه كلاهما بصحبة اخوانهم واغلقوا الباب خلفهم وكلٌ يستجيب إلي ما آمر به..

ابعده والده برفق ثم تفحص وجهه بملامح فارغة من المشاعر ولكنها كانت هادئة تخلت عن غضبه ثم سأله:

- ايه اللي حصل يا عمر؟

رمقه بوهن مذعورًا وهو لا يكف عن النحيب وتفلتت شهقاته رغمًا عنه دون استطاعة منه وبدأ في قص الأمر بتلعثم هائل بسبب ارتجافه الباكي إلي أن خلع والده بقية ملابسه سريعًا أو ما تبقى منها كي يكتشف ما حدث لإبنه ليصرخ الآخر:

- بالراحة يا بابا ارجوك مش قادر استحمل!

جذبته لقميصه القطني الداخلي وهو يلتصق ببقايا الدماء التي انتشرت على ظهره المُشوه بفعل ما حدث له جعل الآلم يتجدد مرة ثانية وهو يُفارق جسده منتزعًا المزيد من بشرته ليتصاعد غضب والده بما يراه وأطبق أسنانه حتى كادت أن تتهشم من تلاقي فكيه بقسوة ثم صرخ به:

- بطل عياط!

أرغمه على الإستدارة له ليشعر "عُمر" بالخوف من صراخ والده الذي رمقه بنظرات قاسية وحدثه بغلٍ مغتاظًا وهو يُطبق على أسنانه:

- العياط ده بتاع الستات، قولتلك آلف مرة الكلام ده، انت واحدة ست ضعيفة ولا راجل؟

حاول منع بكائه وأومأ له بالإنكار بالرغم من هذه الإرتجافات التلقائية التي يكتمها بصعوبة بسبب شهقاته لينظر له بمزيد من القسوة فتراجع هو للخلف خشية من هذه الملامح التي اندلعت على وجه والده ووقف الآخر بشموخ وزهو واضعًا يديه بجيبيه وتعالت أنفاسه ليخبره قائلًا:

- أنا هبهدلك كل اللي عمل فيك كده.. قولي مين الكلب اللي لمسك؟ اديني اسمه! يالا انطق واتكلم..

ارتجفت شفتاه ليُخبره بنبرة مرتعدة:

- أيمن خطاب، والتاني اسمه محروس..

اشتعلت عين "يزيد" بشرر الغضب الكاسح بمجرد استماعه اسم "خطاب" من بين شفتي ابنه الذي لا يزال ينزف بين يده وأومأ له والده ليحدثه بنبرة آمرة وهو يسحق اسنانه:

- احنا هنروح المستشفى حالًا!

توجه سريعًا نحو الباب ثم نادى بغضب:

- حمدي، سامح!

آتى له اخواه مهرولان وبمجرد رؤيتهم صاح بهما:

- بكرة احنا نكلم عيلة خطاب ونعمل قاعدة ونشوف العُرف بيقول ايه، وفيه عيل اسمه محروس تجيبهولي من قفاه هو وأهله.. وهاتولي غطا اغطيه بيه.. واياكم كلمة واحدة توصل لحد، وبالذات مها..

وقف يتألم وهو لا يدري هل عليه أن يُخفض ملابسه أم يتركها فكل حركة باتت تصيبه بوجعٍ لا ينتهي ليبكي بوهنٍ بينما نظر له والده وهو يُشاهده ولم يبادر بمساعدته لتفر احدى دموعه لتختلط ببقية تلك الأتربة من الأرضية التي كان وجهه يختلط بها منذ قليل بصحبة الدماء وتلمس اصبعه احدى الجروح من جديد دون أن يدري ليأن بآلمٍ شديد ثم نهض فجأة متعرقًا ليُدرك أنه كان يحلم بالأمر من جديد..

⬢ ⬢ ⬢

وجد يدها تتلمس ظهره وهي غارقة بالنوم دون أن تشعر محتضنة اياه ليُمسك بيدها بصلابة لتفتح هي عسليتيها ناظرة له لتشعر بقليل من الخوف من ملامحه وقد أدرك هذا من تحول ملامحها من النعاس للمفاجأة لتتحدث له متسائلة:

- - فيه ايه يا عمر؟ أنت كويس؟

ترك يدها سريعًا وابتلع ليحاول أن يسيطر على ملامحه ونظر إليها بفحميتين لا تزالا تحمل العديد من النظرات المفزوعة بتلك الغرفة المهجورة ثم تحدث بنبرة فارغة من المشاعر التي قد تفهمها هي بينما مزقته هو:

- نامي، الوقت لسه متأخر..

زفرت براحة وهي تُغلق عينيها بينما نهض هو وغادرها متجهًا للغرفة الأخرى التي كان سيمكث بها منذ البداية وبحث عن غليونه بين متعلقاته التي لم يُخرجها بعد ثم توجه للخارج ليجلس على احدى الكراسي الخشبية وقام بإشعال بعض التبغ ليشرد بالمزيد..

لم ينتهِ الأمر هناك، لم ينتهِ بهذه الغرفة المهجورة، كان يأمل أن تكون هذه هي النهاية ولكنه لم يعلم أنه بمجرد تصرف طفولي بصحبة ابن عمه وخالته سيتم عزله تمامًا لمدة ثلاثة أشهر وسيتحول لكائن همجي يُعذب كل من حاول أو فكر أن يقترب منه ويُدمر الكثير كلما انزعج!

تسعون يومًا احصاها وهو يستنشق تلك الرائحة الخاصة بالمشفيات التي تعُج بالمُطهرات للتغلب على تقيحات جروح ظهره، هكذا بدأ الأمر، كان يتلقى العلاج، وحده تمامًا لا يرى سوى بعض الممرضات، والده يحضر له عندما يتفرغ، وعند سؤاله عن والدته وأخيه لم يكن هناك سوى ردًا واحدًا وإجابة لا ثاني لها من والده.. الرجل لابد أن يتحمل، الرجل ليس ضعيفًا، لا تُعري ضعفك أمام أحد، يكفي أن تشعر أنت به وتحوله لقوة منيعة!!

- وايه اللي حصل بعد كده يا عُمر؟

انطلق هذا الصوت برأسه الذي كان يُطابق صوته هو نفسه، ليُجيبه بتذكر المزيد من تلك الرائحة التي تمنى لو أن دخان تبغه المُشتعل سيقضي عليها، ولكنه للآسف لا يستنشق سواها..

أتتذكر معي ما حدث؟ لم تكن تحدثني منذ ذلك الأمد، أو لأعترف بمصداقية، لم أكن اتحدث إلي نفسي.. لم أكن اواجه نفسي بما مررت به وبما كنت عليه..

دعنا نكون، أنا وأنت، أو أنا وأنا، محاييدين، لنعترف بالصدق.. تلك الشخصية القاسية لم تكن بي يومًا ما وكنت أعاني بين من حولي كي اكتسبها بصمتي وحدي ومحاولتي أن أكون متفوقًا وقويًا ورجلًا، لم يرض أحد، لم يرض والدي، ولم يرض القائد، ولم يرض زملائي، لم أعلم ما كان علي أن افعله ولا حتى لمن استمع.. وكلانا، أو أنا أعرف الحقيقة، لم يسعني الكون قاسيًا ولكنني لم أكن ضعيفًا..

كنت أتأرجح بين هذا وذاك، فاقدًا الهوية غير عالمًا إلي من انتسب؟ ابن المحامي الشهير؟ أم مجرد الطفل الذي بُلي بكونه ذكرًا بكريًا لوالده.. لم يسعني سوى أن أقول فقط نعم، سمعًا وطاعة! فقط لأكون الرجل بنظر أبي، لأكون القدوة لأخي.. ولأتحمل المزيد من الوحدة حيث أن الظهور كالضعيف أمام الجميع حتى ولو كانوا أقرب الأقربين لي أنا ممنوع منه نهائيًا..

تمنيت والأطباء يجرون لي المزيد من عمليات جراحية كي يتخلصوا من تلك التشوهات أن يتوقفوا.. لم اكترث إلي ملامح جروحي الظاهرية بجسدي وقتها، كنت اكترث بعناق، كنت أود البُكاء بصدر أمي وانتحب إلي أن اسقط بالنوم، كنت على أتم استعداد أن أكون مشوهًا بالخارج ولكن كل ما حدث بتلك الأيام لم يتركني سوى مشوهًا بداخلي.. تاركًا جروحًا أخرى لا يستطيع طبيب تجميل أن يُصلح منها!

- فاكر وقتها ايه اللي حسيت بيه؟

أومأ بشروده وصوت نفسه يتحدث له، هو يتذكر، قلة الحيلة والضعف، ولكن الأمر تبدل بمرور الأيام، البداية ضعفًا وإنكسارًا وغضبًا من "أيمن" وكل من هم على شاكلته، ولكن في النهاية تحول الأمر إلي رغبة بالإنتقام، كراهية مُطلقة لكل شيء وشخص ضعيف.. كراهية لنفسه في المقام الأول! كراهية لضعفه وقهره ليلتها!

لو كان مثل "أيمن" لما كان سيحدث له كل ذلك.. حتى ولو انتقم والده له وثأر له من هؤلاء الجرذان ببلدته بعد أن اقام مجلس عرفي كما نمى إلي علمه وتنازل بالفعل والد "أيمن" عن الترشح بالإنتخابات أمام عمه بدلًا من أن يُعطه نصف أرضه فمن يتنازل عن أرضه هذه كبيرة من الكبائر بالنسبة لهم!!

حتى ولو استخدم نفوذه للإنتقام من عائلة هذا الفتى ابليسي الملامح الشيطاني التصرفات، لو كان قويًا، صلبًا، ذو شخصية قاسية لما كان اقترب منه أحد.. لما كان سيُعزل بين هذه الجدران ووالده هو فقط من يراه ويداويه بعدة كلمات..

حتى ولو استخدم أمواله وقوة ِخصيته بأن يقوم بطرد والد "محروس" المُزارع الفقير الذي قبل قدم والده بأن يتركه لمنزله هنا ولكنه كان آمرًا اجباريًا لم يستطع أن يصمد أمامه سوى بتنفيذه للأمر وأخذ أُسرته بصحبة ابنه وغادر البلدة بأكملها..

حتى ولو منع أن يصل الأمر لمسامع والدته وهو يُملي آوامر بنبرة فولاذية ألا يُخبرها أحد عما حدث وإلا سيتنازع معهم عن إرثها الذي استولى عليه اخوتها الذكور الذين هم أبناء عم والده نفسه وسيحصل عليه بأمر قضائي وسيسانده اخوته هم نفسهم أمامهم، بل وسيتخلى عن مساندته لأخيه "سامح" الذي عليه أن ينجح بالإنتخابات لو نقلت زوجته "ماجدة" حرفًا واحدًا عما حدث..

أكان يُداويه؟ يُشفي جراحه التي لا تبرأ بداخله؟ أكان يفعل؟ حسنًا.. ربما كان يفعل، ولكنه بهذه التجربة التي عرضه لها لم تُسفر سوى عن شيء وحيد، الكراهية المحضة المُطلقة للضعف.. الضعف بالمرأة التي زرع والده بداخله أنها أضعف المخلوقات والتشبه بها نوعًا من الإهانة وهذا الحقير يُشبهه بأنه فتاة، والضعف بالرجل الذي لو أثر عليه سيقوم الجميع بإفتراسه، والضعف به هو نفسه الذي لو لم يكن هناك لما تدمر بتلك الليلة!!

- فاكر الكلام اللي قالهولك يومها؟

زفرة هاكمة بضحكة طفل يقف أمام العاشرة من عمره وهو يتذكر تلك الكلمات اللاذعة التي تلقاها من والده وهمس برأسه مستعيدًا تلك الكلمات:

- ايوة فاكر.. أنت هتتعاقب هنا لأنك مستئذنتش وانت خارج مني، لأنك ضعيف، لو كنت راجل ودافعت عن نفسك قدامهم مكونتش زمانك محبوس في المستشفى.. لو مكونتش ضعيف ومش راجل مكونتش بوست رجله.. أنت هتفضل هنا لغاية ما تتعلم أنك تبقى راجل يعرف يدافع عن نفسه.. واضح ان المدرسة الداخلية منفعتكش في حاجة..

نعم، لقد كانت هذه احدى اسباب نهاية تعليمه بمدرسته الأولى العسكرية، وبداية أخرى بحياة أخرى لا يعرفها، ولم يتعلمها، ولم يتعود على أن يكون فيها الطالب الجيد، ولا الصديق لزملاءه، ولا الشاب الذي تفتتن به الفتيات، لذا كان عليه الهروب بين كُتب والده الكثيرة التي لا نهاية لها.. هي الوحيدة التي لم ترفضه!

لقد بات مشتتًا، فلا القوة تنفع ولا الضعف يُفيد، هذا ما جعله يتذكر ذلك اليوم وكأنه البارحة، بعد مرور عامٍ كامل أو ما يقارب عام، عندما قام القائد بإستدعاء والده وجلس كلاهم سويًا، صدى صوت القائد يتردد بأذنه إلي الآن وصوت والده الصارخ وملامحه التي يُسيطر عليها الوجوم وعدم الإكتراث وشعره حليقًا ووجهه بأكمله يخبر الجميع أنه سيفتك بهم لو اقترب أحد منه..

يتذكر كل حرفٍ قيل، وكل جملة، وكل كلمة، ويتذكر قرار والده:

- استاذ يزيد أنت عارف اننا معرفة من زمان وانا بقدرك وبحترمك وانا استنيت لغاية ما الإمتحانات تخلص علشان اكلمك قدام عمر نفسه..

- ايه اللي حصل يا شاكر؟

- عمر بيتصرف بعدوانية شديدة مع الكل، مبيبطلش خناق مع زمايله وبيكسر حاجتهم.. وجربت معه مليون عقاب، الحبس الفردي، الزحف، الجري، التنضيف، التكدير، حرمانه من الدرجات، مبيسمعش الكلام ابدًا!

- انت فاكر عمر هيعمل كده من نفسه، اكيد حد ضايقه!

- انا راقبته بنفسي، عمر بيتعدى على زملائه ونبهته اكتر من مرة أن تصرفه غير مقبول بس مبيسمعش الكلام!

- ده لا يُمكن يكون صحيح، ولو كان راجل شديد وصلب فده اللي قصدته بالظبط لما اخترتله مدرسة عسكرية علشان يتعلم يكون قوي ويدافع عن نفسه..

- مش عارف اقول لحضرتك ايه بس المجلس قرر فصله لغاية ما يتم عرضه على معالج نفسي مختص لأن اللي بيعمله مش طبيعي.. ومتقلقش مفيش مُذكرة بتثبت ده إكرامًا لسمعة حضرتك وإكرامًا لصداقتنا!

- ايه! عايز تقول أن ابني مجنون لأنه راجل قوي! يالا يا عمر قوم معايا.. واضح أن الأماكن اللي بتطلع رجالة مبيدرهاش رجالة .. شوية نسوان خايبة.. يالا يا ابني.. انا سيبته هنا علشان يطلع راجل وقائد محترم وقوي الشخصية.. بس إن كنت انت هتعلمه يبقى زي الستات فسيبهولي انا اعمله ازاي يبقى راجل واعرف اربيه صح! واحد خايب زيك ميعرفش يربي رجالة!

وتحول الملاذ من العدوانية التي قلت إلي الكُتب، الجلوس بمفرده، وخصلات شعره الطويلة التي الآن يستطيع أن يُحافظ عليها ولا يجبره صوت احدى القيادات بحلقه، على الأقل تحجب تلك الخصلات عينيه الضعيفتين دون أن يلمحها خلاله احدًا وتركت الجميع ليروه قويًا صلبًا لا يهابه أحد وبدأ في أن يتحكم بعدوانيته مع الجميع، من يقترب فقط هو من يتعرض لعذابه..

وما كان عليه أن يفعل ووالدته تتسائل لماذا لم تره بالشهور المُنصرمة ولو ليومًا واحدًا؟ تتسائل لماذا رغبته بأن يجالس أبناء عمه طوال الإجازة الصيفية ولا يُحدثها كثيرًا؟ يتسائل كذلك أخيه أن يأتي ليلاعبه بأشياء لا يعرفها أو حتى ليرى حاسوبه الجديد ولكنه شاشته تُصيبه بالتقزز لإنعكاس ملامحه هو نفسه بها لذا كان عليه الفرار!

الرجل لا يحنث بكلمته، ولقد عهد مع والده عهدًا ألا يُخبر أحد بالأمر، لأن وببساطة، سيراه الجميع ضعيفًا ويكفي أنه استطاع أن يحل الأمر بالتكتم عليه.. ولقد كان صلبًا للغاية بجلوسه ثلاث شهور بمفرده، وقتها قال والده أنه يستطيع تحمل أي شيء بعدها! وإلي الآن، بعد مرور أكثر من عشرون عامًا يحاول بقدر استطاعته أن يتحمل!!

استكمل استنشاق غليونه الذي لم يلحظ أنه قد انطفئ بالفعل، واستكمل الغوص بالمزيد من ماضيه المؤلم الذي لم يترك لحظه واحدة من حاضره إلا وقد سيطر عليها ليُذعن له بالكامل أن يتمادى بالظهور كالضعيف أمامه.. على الأقل، ضعفه الآن لا يراه سواه!

في نفس الوقت..

حاولت العودة إلي النوم بينما لم تستطع وحاولت تذكر ما الذي حدث وهو يوقظها ولكنها لا تتذكر سوى يدها التي امسك بها وكان يتركها بنفس لحظة فتحها لعينيها ولم تصمد أمام عقلها الذي سرعان ما سبح بكل ما حدث قبل نومها.. أو قبل نومهما.. لقد عانقته، استمرت بالثرثرة، وبعد مرور بعض الوقت قد سقطت في النوم!

قضمت شفتها مُتذكرة ملامحه المُبتسمة، عبارات غزله، طريقته اللطيفة، أحيانًا؛ وقد تمنت لو دام الأمر أكثر.. لا تُنكر أن بهذه الأيام الماضية قد كان لطيفًا للغاية، رقيقًا، يستمع إليها، ينفتح إليها أكثر بدلًا من تلك الأيام الأولى بزواجهما، كما أنه لن تكذب أنها شعرت بالرعب عند اجتماعهما قبل الذهاب للنوم، ولكن تراجعه وذلك الود والمرح القليل بينهما جعلها تشعر أنه تغير كثيرًا..

تذكرت أنه قال شيئًا عن صعوبة تراجعه لتنهض باحثة عن هاتفها وقضت بعض الدقائق بالبحث لتتوسع عيناها بإحراج وتباعدت شفتاها عما فعلته به وابتسمت رغمًا عنها لأنها منعته من الإستمرار لتقرأ المزيد بأحدى المواقع الطبية لتتنهد في النهاية بقليل من الشفقة على حاله وأغلقت هاتفها لتنهض مرتجية كنزة صوفية ثقيلة للإحتماء من البرودة وتوجهت لصنع بعض القهوة..

فكرت من جديد بكل ما يمر عليهما، القليل مما تتذكره من قوله بما يُفضله بالنساء، نوعًا ما بداخلها أرادت أن تعوضه عما فعلته، وخصوصًا أنها تشعر بإختفاء الآلم، لماذا شعرت به على كل حال؟

هذه الليلة قد كانت مُفزعة ورؤية الدماء التي انعكست عليه وهو يعتليها وتشعر به بداخلها وترها وجعلها تشعر بالخوف، هذا في لحظتها، أمّا الآن وهي تُفكر مُتذكرة تفاصيل ما حدث تعلم أنه كان لطيفًا للغاية، كان هناك الكثير من الرفق والمداعبات والقُبل، هو جريء كثيرًا خاصةً وهو يُطالبها بالنطق بكل شيء، ولكن هل الرجال بأكملهم هكذا؟!

تنهدت وهي تشعر بالكراهية تجاه هذه الأفكار التي لا تُعطيها سوى التساؤلات، حسنًا عليها أن تُنهي هذا الأمر تمامًا، هي لا تكره أكثر من التأرجح بين هذا وذاك بأي من الأمور، وقد أوشكت اجازتها على الإنتهاء، ولا تريد أن تستكمل حياتها وعقلها ممزق بين الكثير مما لا تعرفه! والعودة لعملها تعلم جيدًا أنها لن تترك من يومها سوى سويعات قليلة له!

فكرت أن تُعد له بعض القهوة كما يُفضلها وصممت على الذهاب لترى أين هو، وأيًا كان ما يجول بخاطرها ستُنهيه بنقاشٍ طويل معه، فبعد ما تم بينهما تشعر أنها تستطيع مواجهة المزيد منه..

حقًا.. أشعر بالآسف من أجلها! هي لا تعرف عنه شيء بعد..

لم تجده بصالة الجلوس ولم تجده بغرفته وهي تحمل كوبي القهوة له ولها على هذه الصينية الصغيرة لتظن أنه بالخارج ولكنه إما غادر من غرفته وإما من احدى الأبواب الأمامية أو الخلفية فحاولت النظر عبر النافذة لتراه جالسًا عاري الصدر فتوسعت عينيها مما تراه، الجو قارص البرودة، ما الذي يفعله هذا الغبي؟!

تناولت واحدًا من تلك الشراشف الصوفية المطوية على الأريكة التي تقع بغرفته وتركت قهوتهما بالداخل وتوجهت له على الفور وهي تضعه حوله لينهض فورًا من مجرد تلمس جسده لشيء غريب والتفت لينظر لها بقسوة ورآت الغضب يتضح على ملامحه فسرعان ما قالت:

- مقصدش اخضك، أنا بس كنت خايفة يجيلك برد من قاعدتك كده!

تفقدها لثوانٍ بأعين مُثبتة بخاصتها لتبتلع من تلك النظرة التي يرمقها بها وهي لا تدري ما سببها لتحاول رسم ابتسامة على شفتاها ثم اخبرته:

- كنت بدور عليك، أنا عملتلنا قهوة..

شعرت بالإستغراب الشديد لصمته الذي دام بُصحبة نظراته المُهيبة وشعره الذي يتناثر بفعل الرياح لتتردد شفتاها التي نطقت بهما:

- عمر، ممكن ندخل جوا، الجو برد اوي.. ممكن نقعد شوية سوا قدام الدفاية أو أي حاجة بدل البرد ده..

أومأ لها دون أن يرمش وظل ناظرًا لها لتضيق ما بين حاجبيها بمزيد من الإستغراب ولم يُحرك ساكنًا لتقول بطيف ابتسامة تحاول أن ترسمها على ثغرها الوردي بالرغم من شعورها بأن هناك شيئًا تغير به:

- أوك.. ندخل يالا..

تريثت لثوانٍ بينما ظل ناظرًا لها بنفس نظراته التي بدأت في اصابتها بالخوف وسط هذه الظُلمة لتبتلع والتفتت هي لتتركه خلفها كي تعود للداخل فأوقفها صوته المناديًا:

- روان..

التفتت ناظرة له لتراه يقترب متخذًا خطوات نحوها فانتظرت إلي أن استمعت لتساؤله:

- لسه حاسة بوجع؟

تفقدته وهي تظن أنه يطمئن على حالها ولكن نظراته تلك كانت تجعلها تشعر بالتردد فهذه ليست بهيئة رجل يكترث لأحد أو لديه شعورًا بالأساس فهو للتو يواجه هذه البرودة بصدرٍ عارٍ غير آبهًا بما حوله ولكنها تنهدت مجيبة:

- لا.. حاسة اني بقيت احسن..

همهم متفهمًا واقترب لها أكثر وهو يقول:

- تمام..

أومأت له وقاربت على الدخول للمنزل وهي لم تعد تتحمل هذه البرودة الشديدة فكنزتها الصوفية لا تصمد أمام جو كهذا لتشعر به يجذبها بقوة من احدى يديها مُرغمًا اياها على الإستدارة وقابل شفتاها بخاصتيه بقُبلة قاسية للغاية لم تتركها سوى وهي مسلوبة الأنفاس وجسدها قد التصق بجدار خلفها..

لهثت بشدة وهي تنظر لفحميتيه المُسلطتان على شفتيها في لحظة من رغبة اعمته تمامًا وقبل أن تبادر بقول أي كلمات تحدث هو:

- عايزك، مش هاستنى عليكي اكتر من كده!

#يُتبع..

لا تنسي التصويت باليييز يعني..

معلش الفصل صغير بس نينجا فيه اهم مراحل حياة الموكوس عمر الجندي

مش عايزة نقطع شرايينا والجو حر ومش ناقصة غم

ارجوكم لاحظوا حاجة..

مش معنى اني مريت بماضي مهبب إن يبقالي الحق اطلع صدماتي على خلق الله.. الناس ملهاش ذنب بأوجاعنا ولا ماضينا ولا تربيتنا ولا حياتنا.. نشاركهم ماضينا اه.. لكن منؤذيش

هحاول الفصل الجاي يكون أكبر إن شاء الله ..

الفصل القادم بتاريخ 4 يوليو 2021

Continue Reading

You'll Also Like

3.9K 145 22
اكشن وحب ورومنسيه وماضي وتضحيه
2.1M 47.7K 30
هو عنيد جاد هي مرحة عنيدة دخلت محاضرتها مسرعة بعد ان عطلها احد الاشخاص نور:احم انا اسفة يا دكتور بس خبطت في حيوان برة الدكتور:افندم نور:انت
162K 7.9K 40
كالشمس هي تنشر نورها في كل مكان اما عنه فعالمه مليئ بالظلام هل سيختفي هذا الظلام وتشرق تلك المجنونه حياته من جديد ام سيبقي اسيراً للأبد في هذا الظلام...
172K 5.3K 21
هي فتاه قويه لا يهمها اي شئ اختطفت في العاشره من عمرها عاشت مأساه علي يد هذا الرجل ولاكن هي الان مهندسه ذكيه وبارعه في عملها.