كما يحلو لي (حوار بالعامية ال...

By Batoulg7

3.9M 90.6K 15.1K

لم يكن متباهياً بغروره وعلاقاته كالرجال، كان فقط رسمياً.. صارماً بكل شيء بحياته.. علاقاته لم يعلم عنها أحد وك... More

مقدمة وتنويه
شخصيات الرواية
فيديو الرواية
النسخة القديمة للرواية
حقوق الطبع والنشر
- ١ -
- ٢ -
- ٣ -
- ٤ -
- ٥ -
المناقشة الأولى
- ٦ -
بعض النقاط الهامة وخبر حلو
- ٧ -
- ۸ -
- ٩ -
تعالوا اقولكم حاجة
- ١٠ -
استفتاء هام لمصير الرواية
- ١١ -
- ١٢ -
- ١٣ -
- ١٤ -
- ١٦ -
- ١٧-
- ١٨ -
- ١۹ -
- ٢٠ -
- ٢١ -
- ٢٢ -
- ٢٣ -
- ٢٤ -
طلب صغنن بخصوص الرواية
- ٢٥ - الجزء الأول -
- ٢٥ - الجزء الثاني -
اعتذار والفصل القادم
- ٢٦ -
- ٢٧ -
- ٢٨ -
- ٢٩ -
- ٣٠ -
-٣١-
- ٣٢ -
- ٣٣ -
استفتاء مهم تاني
اخبار هامة بخصوص الرواية وتوضيح
- ٣٤ - الجزء الأول -
- ٣٤ - الجزء الثاني -
- ٣٥ والأخير-
توضيح ومناقشة ختامية
الجزء الثاني
اعلان هام

- ١٥ -

87.3K 2K 493
By Batoulg7

همهمت بنعاس وبدأت في الإستيقاظ لتفتح عينيها بصعوبة فهي لم تحصل على القدر الكافي من النوم وانتبهت على تلك البتلات الناعمة التي تلامس وجنتها بلطف وتريث مبالغ به لتقع عينيها عليه ووجدته يرتدي حُلة كُحلية اللون، يبدو مظهره جذابًا ليجعلها تُعيد التفكير بأمرهما وتُقنع نفسها بأن الزواج منه كان قرارًا صائبًا منذ البداية وشعره منمقًا للخلف معقوصًا لأعلى ولكن لم يكن مظهره هو الشيء الوحيد الذي سلب أنفاسها، بل ابتسامته الدافئة ونظرات عينيه التي تتفقدها وكأنما هي الفتاة الوحيدة بالعالم وجعلها فقط بسوداويتيه تشعر وكأنها تتعرف للتو على رجل آخر تمامًا..

حافظ على ابتسامته ثم أخبرها بنبرة دافئة هادئة لم تستمع لها منه قبلًا:

- شبه الملايكة وانتي نايمة.. أو بصراحة، شكلك حتى احلى من اني اشبهها بالملايكة، احنا على كده نشوف نحات شاطر ينقل الملامح دي على افروديت في اللوفر.. دي متتقارنش حتى بربع بجمالك..

لانت شفتاها بإبتسامة لتذهب آثار نُعاسها سريعًا ونهضت جالسة وهي تتفقده بإستغراب وتناولت الوردة منه لتمسك بها وضيقت عينيها متعجبة وسألته:

- تقصد فينوس؟

رفع احدى حاجباه بإعجاب ثم تنهد وهو يتفقدها بأعين شغوفة للمزيد من هذه الإبتسامة وأطرى متسائلًا:

- بنت جميلة، سيدة اعمال ناجحة، ست شيك ومفيش في الدنيا حد زيها، ومثقفة، وطباخة شاطرة.. يا ترى فيه إيه كمان عنك أنا معرفوش؟

إطراءه جعلها تبتسم وهي تقلب شفتاها ثم همست بنعاس ذهب بعيدًا بعد سماعها لتلك الكلمات:

- مجرد معلومة فاكراها من أيام الدراسة.. ذاكرتي كويسة شوية مش اكتر!

احتوى يدها بكفه الدافئ لترتكز عسليتيها عليه ووجدته يقترب منها بإبتسامة واثقة وأعين مُسبلة مباشرة نحو خاصتها التي تمتاز بحُسن آخاذ:

- خليني أصححلك معلومة صُغيرة يا قطتي.. الآلهة افروديت، ده اسمها زي ما اتقال في الميثولوجيا الإغريقية القديمة، يونانية الأصل، واللي زيها هي الآلهة فينوس بس في الميثولوجيا الرومانية.. وبرضو زيها في بلاد الرافدين قبل تلت آلاف سنة من الميلاد وبعد الحضارة السومرية سموها إنانا، تحديدًا في الإمبراطورية الآكدية، وبعدها عبدها الأكاديين والبابليين والآشوريين تحت اسم عشتار.. ولو شوفنا تاريخ العرب الجاهلي قبل الإسلام هتلاقي إنها اللات زي ما ذكر هيرودوت في تأريخه .. التاريخ مش هيخلص، والأساطير كتيرة، وكل مؤرخ بيشوف من وجهة نظره على  حسب دلايله ورواياته، وأنا مش عايز اضيع الوقت بكلام عن التاريخ دلوقتي!

رفع يدها ليُطبع عليها قُبلة رقيقة مما جعلها تندهش من لطفاته الزائدة وتابع بشفتين انعكست تحركاتها فوق أناملها وأحست بتلك الذبذبات الدافئة وهو ينطق بالكلمات بتردد صوته الذي اصابها بالقشعريرة اللذيذة ودفع ابتسامتها للتوسع:

- ملهاش أي لازمة اتكلم عن آلهة اسطوري وانا بين ايديا اللي احلى منها..

هذه جرعة مُفرطة من التاريخ والغزل لم تكن مُستعدة أبدًا لها منه لترطب شفتاها ناظرة له وسألته بعد فشل منها بأن تُسيطر على ابتسامتها التي خيبت املها بأن تتلاشى:

- وبعد جولة الغزل الأسطورية دي في العالم القديم، ده بقى يخليك كيوبيد؟

زفر ضاحكًا لتنصهر عسليتيها مفتتنة بملامحه وما تبقى من آثر ضحكاته ونظر لها متنهدًا قابضًا على يدها برفق ويده الأخرى ابعدت خصلاتها البُنية الطويلة خلف اذنها وصحح ما قالته بإبتسامة مُنكسرة وملامح اختلفت لوهلة بطيف من الحُزن:

- إله الحب، لأ honey، مينفعش اكون كيوبيد.. افروديت اتجوزت هيفيستوس بالإجبار، بس كل ولادها كانوا من آريس، الأول ده إله النار والحدادة، والناني إله الحرب والقتل والدمار وسفك الدم.. والاتنين من الهة جبل اوليمبوس.. اختاري منهم اللي يعجبك، ممكن ابقى اي واحد منهم بسهولة..! بس كيوبيد مينفعنيش..

انزعجت مما قاله وتلاشت ابتسامتها مبتلعة بإستياء طفيف لشرحه للأمر هكذا ليعقد حاجباه وتابع بإبتسامة مُقتضبة ولم تشعر أين توقفت أنامله التي كانت تمر على خصلاتها لترتكز برفق على مفاتنها:

- كيوبيد ابن افروديت يا روان..

تريث لوهلة ثم ضيق عينيه بملامح مرحة عادت لها الإبتسامة وأكمل بنبرة مُداعبة:

- مبحبش قصص الحب الغريبة يا قطتي.. اني أكون، أو تشبهيني بهيفستوس أو آريس احسن مليون مرة من أني اتجوز اللي ولدتني!

لم تُدرك أنها كانت تحبس انفاسها حينما اختلفت ملامحه لتزفر براحة وعادت لها الإبتسامة هي الأخرى من جديد ثم جذب قهوتها ليناولها اياها فأمسكت بها ولا يزال ممسكًا بيدها لتسأله بفضول وعسليتين بريئتين انعكس بهما التوسل:

- ايه اللي حصل من امبارح؟ ايه اللي اتغير فيك؟

قلب شفتاه ولم يتوقف عن النظر لها مُفتتنًا بملامحها ثم اجابها:

- راسك لان تشوية.. هو ده كل اللي اتغير

اقترب نحوها فظنت أنه سيُقبلها مجددًا وقبل أن تأبى وجدته يقبل جبهتها قُبلة متريثة طويلة حتى ظنت أن شفتاه قد طُبعتا على جبينها وتسللت لأنفاسها رائحة عطره لتشعر بقليل من التوتر ولكن ليس بخوف مثل كل مرة وابتعد ليُحدق بعينيها ثم تحدث لها متغزلًا:

- تعرفي يا قطتي نفسي دايمًا اشوفك في سريري وانتي مبسوطة كده..

اطال بنظراته الراغبة نحوها ثم تنهد ليقول بهدوء:

- ونفسي كمان نفضل جوا اللحظة دي طول العمر بس، اشربي قهوتك واجهزي والبسي اللي سايبه على سريرك في الأوضة التانية.. هستناكي تحت..

طبع قبلة بنُبلٍ هائل على يدها ثم ربت عليها محتويًا اياها بكلتا يداه وقد سُلبت انفاسها من كثرة رقته معها وهي تتفقده بغير تصديق لينهض مخبرًا اياها:

- خلصي براحتك وهتلاقيني مستنيكي..

التفت ليُغادر وحلقت عسليتيها بمظهره شديد الأناقة لتزفر براحة بعد أن سلب انفاسها بكل ما يفعله لتشعر بالحيرة الشديدة وتعجبت من هذه الرقة التي لم تظهر عليه أبدًا سوى الآن وعندما غادر نظرت لتلك الوردة التي تحملها وبيدها الأخرى كوب قهوتها وفكرت لثواني، هل هذا بسبب حديثها معه صباح اليوم أم بسبب اعترافها له بما قاله ليلة أمس وهو ثمل، أم هناك شيئًا هي لا تعرفه؟ ويا تُرى هل هو صادق هذه المرة أم لا؟!

شردت للحظة وهي تستعيد كلماته التي تحدث بها منذ قليل وبداخلها تمنت لو أنه كان هكذا منذ البداية، يا ليته كان بهذا التهذيب وحدثها بكل هذا الرفق الهائل، وقتها كان سيملُك قلبها حتمًا وكل ما بها، ولكن، وبالرغم مما رآته منه ليلة أمس وكذلك منذ قليل، لا تزال تشعر بعدم الأمان والحيرة الشديدة..

نهضت لتضع الوردة جانبًا واحتست من قهوتها كي تستعد وذهبت بفضول يُناسب فتاة مُراهقة لترى ما الذي تركه على فراشها بالغرفة الأخرى، تسلل بداخلها بعض الأمل بعلاقتهما، قد يرها الجميع ذكية أو مُخيفة أو حتى رسمية وعملية، ولكن لا يعلم أحد أنها تملك تلك الفتاة الحالمة بقرارة نفسها وانتظرت سنوات كي تطلق لها العنان أن ترى الحياة وتتخلص من سجن المرأة الفاتنة التي ينعكس بأعين المجتمع..

ابتسمت وهي ترى هذا الصندوق الأبيض الكبير وتركت قهوتها لتندفع نحوه بحماس طفولي وشعرت أخيرًا انها قد تملك بعض الحظ معه، ولكنه كان حظ سيء بشناعة، فلقد علم هو كيف سيجذبها له ببراعة بل، وسيجعلها تحطم كبرياءها بنفسها!

انتظر بالقرب من الدرج الداخلي لمنزله حتى تستعد جالسًا على احدى الكراسي ولم يستطع كبح جماح رغبته بإحتساء المزيد من القهوة ثم شرد بالفراغ وهي يتذكر ابتساماتها، رغمًا عن أنفه اعجبته بشدة، لتتلاشى خططه بأكملها، وليذهب التشابه بينها وبين "يُمنى" إلي الجحيم!

منذ أن وقعت عينيه عليه ظن أنه سيُعذبها، ثم سرعان ما أدرك اختلاف كلتاهما، فواحدة خبيثة والأخرى ذات كبرياء، بالرغم من أن "يُمنى" ظاهريًا تتمتع بالطاعة ولا تجادل، ولكن "روان" نقية وبريئة للغاية، أحيانًا تجعله يشعر ببعض الوجع في صدره، وكأنما لا يُريدها أن تغيب عن عينيه أكثر وتتوقف مُذعنة له بكل ما يُريده كي ينتهي من هذا العناء الذي شرع بتمزيقه منذ مُدة معها..

- عايز توصل لإيه يا عُمر؟

تأفف بضيق مُستمعًا لصوته هو نفسه يدور بعقله ولكن حاول ألا يستجيب له فلم يتريث الآخر ليطرق على ولعه بها الذي لا يعلم إلي متى سيدوم:

- عمرك ما كنت رومانسي اوي كده، لأنك زمان شاب مبيعرفش يقول كلمتين على بعض، بس اديك اهو النهاردة محضر ورد وعشا وهدايا وسفر تاني وبتتغير في معاملتك معاها، أنت مُدرك أنك لو استمريت كده وفجأة بطلت ورجعت الراجل القاسي صدقني هتكرهك اوي..

تأفف من جديد محاولًا أن يُخرس صوت أفكاره بألا يستجيب وبدل قدمه لتعتلي ساقه الأخرى وارتشف من قهوته متصنعًا عدم الإصغاء ليُحذر نفسه ثانيةً:

- خد بالك، أنت بتلعب بيها وبمشاعرها.. لو نجحت وهي صدقتك وبعدين اكتشفت انك متغيرتش وانك زي ما أنت، واحدة زيها مش هتسمحلك تقرب منها أبدًا، وأنت تعرف أكتر مني أنك مجنون وسادي ودماغك حجر ومش بيتبسط غير لما يذل الست اللي معاه ويهينها ويعذبها!

وضع قهوته جانبًا ليلهث بغضب ثم صرخ بنفسه:

- أنا مش بلعب بيها.. أنا عايزها.. أنا بحاول معاها من أول وجديد زي ما اتفقت أنا وهي! عايز أبدأ معاها من جديد.. ملكش دعوة بالموضوع ده!

استمع لصافرة إعجاب تدوي بداخل رأسه وسؤالًا ساخرًا رج ثنايا عقله:

- لا حلو البدايات بجد، بدايات الحب الملحمي دي مش كده؟.. يالا أخيرًا اخد نفسي شوية.. الحق اطلعلي معاش بعد تلاتة وتلاتين سنة من المعاناة معاك.. والحب بقى يغيرك وارتاح أنا من خناقنا كل شوية.. دوري خلص على اكمل وجه احمدك يارب.. سلام يا عم الصامت!

نهض متوجهًا لمكتبه وهو يُطبق أسنانه بعنف وأشعل غليونه ليدخنه ثم صاح بنفسه ناهيًا:

- ولا بدايا ولا زفت، حب إيه انت أهبل؟.. متفورش دمي بالتخلف بتاعك ده!

قهقهات دوت هزت رأسه لتُصيبه بالإستفزاز الشديد واستنشق المزيد من دخانه بغيظٍ لتدوي الكلمات الممتزجة بضحكته بباطنه:

- طيب طيب، قولي يا انصح اخواتك يا ذكي يا عم الناصح، لو مكنش كل اللي انت فيه ده بدايات حب معاها، يا ترى هو ايه؟

تريث ولم يجبه بأعجوبه ليصرخ بنفسه من جديد هازئًا:

- ارحم نفسك يا عمر وارحمني معاك، انت عانيت بما فيه الكفاية، هي تستحق فعلًا وأنت كمان.. سيبك بقى من القافلة اللي قافلها على نفسك بعد يُمنى زي رجل الكهف كده.. هي مُختلفة بجد وغير أي حد..

سرعان ما أكمل زاجرًا نفسه:

- وذكية وشبهها وأنا مش هاقدر أثق لا في بنت ولا ست تاني، خلصنا اظن.. واياك تتكلم في الموضوع ده تاني.. وإلا أنا عندي استعداد اقطع راسي بنفسي علشان اخلص منك..

لم يتركه ضميره لينجو بينما صرخ بالكثير من الجمل:

- افهم بقى وبطل تتعبني، روان مش المحامية الخبيثة زيها، ولا واحدة شمال، ولا خاينة، ما انت عارف كويس كل حاجة عنها، وأنت اللي اخترتها وفي ساعات كنت تعرف اصغر التفاصيل في حياتها.. بطل عندك واللي بتعمله مش هيوصلك غير للخراب صدقني.. عمر اسمعني.. هي بريئة من تُهمك اللي بتتهمها بيها.. عمر! مبتردش ليه.. انت يا مجنون يا اهبل.. مش سايبك النهاردة! اسمع، أنت هتحبها.. وأنا وأنت عارفين كويس أن كل ما فيها انت اتمنيته من زمان وكنت فاكر إنك لقيته مع الواطية الخاينة اللي عرفتها بس حرام عليك، دي بعيدة كل البُعد عنها.. عمر  يا اهطل أنا بستفزك.. ما ترد وتقول حاجة!

بالكاد تحمل ألا يستمع لصوت أفكاره وضميره اللائم ليخسر بهذا النزال واستمع له يتحدث بإرهاق:

- ماشي.. براحتك.. زي ما أنت عايز.. روح واعمل كل اللي على مزاجك مش همنعك.. بس أنا بقولك اهو يوم ما تيجي تعيطلي لما تخربها مش هاسمع حرف منك! هخلي شكلك قدام نفسك وحش وانت ضعيف وغبي واهبل وبوظت كل حاجة! طز فيك، اولع بجاز بقى!

فكر في أن يتوجه صاعدًا عله يلتهي بملامحها رائعة الجمال ويطرق الباب عليها كي تنتهي ولكنه حاول يُسيطر على نفسه كي لا يبدو بمظهر المتلهف كالمراهقين وأجرى بعض المكالمات ليُتابع بعض التجهيزات التي واقترب من إنهاء مكالمته ليسمع صوت حذائها الأنثوي على الدرج فنظر لها ليتيبس مكانه وقد تم سلب أنفاسه بنجاحٍ ساحق!..

ابتسمت له لتجد عينيه تتفحصها من اعلاها لأخمص قدماها وهي تمتلئ بالثقة، فهي لو كانت خبيرة بعدة أمور فالبرمجة وكيفية أن تبدو إمرأة فاتنة راقية المظهر كانا على أولى قائمة احترافيتها وقررت أن تُعطه بعض الذهول كمقايضة لما فعله معها منذ قليل.. فلقد راقها هدوءه ونُبله الذي تصرف به منذ قليل معها..

لعن بداخله على هذا الثوب الذي يناسب كل منحنياتها بدقة، بالرغم من أنه أختاره بنفسه وتأكد ألا يكون عاريًا ولكن المشكلة ليست بالثوب، بل هذا الجسد الذي يبدو فاتنًا أياً كان ما يرتديه..

نظر لشعرها الطويل الذي جمعته على احدى كتفيها ليستقر على مفاتنها ومنه إلي خصرها ليداعبه بأنوثة، وظلت تقترب منه بخطواتٍ واثقة لتلاحظ أنه لا يزال ممسكًا بهاتفه وتفقدته بعناية هذه المرة دون نُعاس ولا ذهول وهي واثقة أنها تبدو جميلة ذات حسن لطالما جعل الرؤوس تلتفت لتسترق بعض النظرات إليه لتتفقد حُلته الكُحلية ورابطة عنقه التي تماثلها ببعض التفاصيل باللون الأحمر القاني وشعرت وكأنهما يُعيدا حفل زفافهما من جديد بعد أن احضر لها هذا الثوب الأبيض الرائع!

لاحظته يبتلع متفقدًا عينيها وشرد بهما لترى نظرة الإعجاب بسوداويتيه ليحمحم ثم أنهى مكالمته قائلًا:

- خلاص كده..

أغلق هاتفه ووضعه بجيب سترته ثم نظر لها كيف تمتلك مزيجًا مُدهشًا من براءة وأنوثة وفتنة وملامح جذابة وراقية وتمعن بها وكأنه يراها للمرة الأولى وغابت بقية الأوصاف عن رأسه، قد يكون الوصف الصحيح لهذه الفتاة هو، مثالية!

رفرفت اهدابها وهي تنظر له بإمتنان وأضافت احدى ابتسامتها الرائعة حتى ازدادت فتنة على فتنتها واخبرته:

- شكرًا على الـ...

أوقفها عن التحدث مُشيرًا بسبابته ثم سألها بتردد خافت:

- انتي ليه حلوة اوي كده؟

اقترب وأمسك بيدها وجذبها نحوه ليرتفع احدى حاجباها قليلًا بثقة ثم اجابته:

- علشان اعجبك!

عقد حاجباه متعجبًا من اجابتها ورآت على ملامحه أنه قد تفاجأ من قولها لتستطرد مُحافظة على ابتسامتها بثقة:

- حد قالي انه مبيحبش البنت اللي بتتكسف النهاردة الصبح!

قلب شفتاه بإعجاب واطلقت نظرات متفحصة من عسليتيها المُظللتان بإحترافية جعلت حدقتيها تبرز بطريقة سرقت أنفاسه ليتنهد ولوهلة شعر بالتردد مما هو مُقبل عليه مع هذه الفتاة..

تفقد اصابعها ليجدها مُرتدية خاتم زواجهما ليُخرج صندوقًا مُخمليًا كُحلي اللون به قلادة ماسية لائمت خاتمها لتخفض هي عينيها إليه ورآته لتتفقد كم بدت رقيقة وباهرة بآن واحد ثم التفت خلفها ليضعها حول عنقها فأزاحت شعرها له بأنوثة ليتفقد بعينيه جسدها أسفل نظره ولعن بداخله آلاف المرات..

كان كل ما يفعله منذ الصباح يفوق توقعاتها ولم تنس بعد توسلها له وهي لا تريد أن تمتطي حصانه لتتنهد ثم استجمعت شجاعتها وسألته:

- انت مالك النهاردة من الصبح؟ حساك غريب!

شعرت به قد فرغ من وضع القلادة حول عنقها ثم اقترب نحو اذنها متكلمًا بنبرته المميزة بتردد خافت وهو يمنع يديه بأعجوبة عن تلمسها:

- مش قولنا هنحاول من أول وجديد وهننجح سوا في الجواز ده؟!

لُعنت سيطرته على نفسه!! وضع يده حول خصرها ليجعلها تلتفت نحوه وتفقدته بعسليتين مترددتين لتباغته سائلة:

- ولما وقعت من على برق؟

واجهها بمنتهى التلقائية وسألها وكأنما سؤاله عفوي:

- ايه اللي حصل؟

ضيقت عينيها نحوه وهي لا تدري اتصدقه أم لا لتتنهد بصمتٍ ولم تقل المزيد ليتكلم قائلًا:

- وهاستفيد ايه من اللي حصل؟ مش هاحب اشوفك في الجبس لأسابيع يا روان.. ماليش أي استفادة في الموضوع لو قصدت اوقعك!

زفرت بعمق وهناك بقرارة نفسها ما يُخبرها أن الأمر غريب ولكنه لم يتركها لأفكارها وقربها منه ونظر لها بثقة كما بدت نبرته:

- مش هنفشل صدقيني، هننجح سوا..

اقترب بهدوء ثم قبل جبهتها وهي تشعر بالقليل من الشتات من اختلاط الأمر عليها واحتل رأسها صوتًا يُخبرها ألا تُصدقه حتى يُبرهن لها على كل ما يقوله ويفعله، فبالرغم من هدوئه اليوم ولكنها بدأت في التعود.. قبل العاصفة الضارية لطالما هب بعض النسائم التي تبدو لطيفة..

توجه بعيدًا عنها فتابعته بعينيها لتجده يجذب معطف لها ثم ساعدها بإرتدائه وحدق بعينيها كالعاشقين تمامًا وهو نفسه لا يشعر سوى بالشتات مثلها تمامًا ليُخبرها:

- يالا بينا..

توجها معًا وهو يحتوي يدها بخاصته لتتفاجأ بإحضاره لسيارة تبدو وكأنها لرئيس دولة؛ لم تظن أنه قد يكسر مبادئه من أجلها لترفع نظرها له مُتسائلة بإبتسامة:

- لا بجد.. بقيت بتسمح بعربية قدام باب البيت؟ حقيقي مش مصدقة نفسي!

حدق بها مُتنهدًا ثم اجابها:

- مش فيه حد قال بلاش برق ونجيب عربية، أنا كمان ذاكرتي قوية يا روان!

توجه قبل السائق ليفتح لها باب السيارة لتبتسم له وبدأت تظن أن ما تمر به هو مجرد حُلم وستستيقظ منه عما قريب وقررت أن تدع تفكيرها جانبًا لتخبره بإمتنان:

- ميرسي

ضيق عيناه ناظرًا لها بطيف من الحنق ممتزجًا بإبتسامة، كيف له أن يفتح الباب لتجلس إمرأة قبله، الآن يفعل مثل تلك الأشياء بعد أن ظن أنه قد توقف عن فعل كل هذا.. أغلق بابها ثم التف وفتح الجهة الأخرى ثم دخل بجانبها ثم رفع الحاجز بينهما وبين السائق..

ظلا يتبادلا النظرات بالتوالي في صمت ثم احتوى يدها بلطف فاقتربت منه ونظرت له بأعين متوسلة وعقد حاجباه لتلك النظرة التي تثيره لحث أسوأ شياطينه على ترك كل ما مر جانبًا والتمتع بها كيفما شاء.. ولكنه لن يخسر كل ما يحاول فعله وسيسطر على نفسه بالتأكيد!

تنهدت ثم تسائلت ببراءة:

- احنا رايحين فين؟

التفت لها ناظرًا بلمحة جانبية ثم اجابها بما لا يُفيد:

- بلاش تكوني فضولية زيادة عن اللزوم، خليكي صبورة!

زفرت بضيق من اجابته التي لم توضح لها ما تُريد معرفته بينما تعجبت عندما مد بذراعه نحوها والتفت لتتلاقى اعينهما ثم سألها بنُبل لم يكن يومًا عليه سوى وهو طفل صغير:

- عايزك تتعودي تقربي مني، ده لو كنتي عايزة طبعًا، تسمحي؟

ظل مُنتظرً واعينه وحدها وكأنما تُحذرها ألا تُفسد الأمر لتحسم قرارها واقتربت لتريح رأسها على صدره واغلقت عيناها وأوشكت على أن تحاوط خصره بيدها بمنتهى العفوية لتقارب أن تتلمس ظهره ولكنه عانق يدها في يده ثم اراح وجهه بعناية على شعرها وحاول ألا يجعلها تلاحظ شيئاً ولكنها أسرتها في نفسها، فهذا لم يكن هذا الوقت المناسب للتحدث في أمر كونه مُضادًا للمس.

شعرت بالإستغراب في البداية ثم بدأ الخوف في التلاشي شيئًا فشيئًا وبحثت عن الراحة وهي تستمع لخفقات قلبه المنتظمة وكم تمنت أن لو كانت هذه هي ذكرياتهما بدلًا مما مر.. لو كان حدث ذلك منذ البداية لما كان عليها المعاناة بعناق كهذا بين ارتباكها من اقترابه منها بعد ما فعله، وبين محاولة أن تعتاد رجل يُفترض أنه زوجها!

لماذا لم تكن البداية بينهما بهذا الهدوء، دون جدال ودون تفكير في كل اختلافاتهما، او عليها أن تظن أنهما متماثلان، لديهما نفس الكبرياء والعناد والعصبية، لا يغير أي منهما وجهة نظره وأفكاره بسهولة، لا يتلقى كلاهما الأوامر بسلاسة.

تنهدت ليلاحظ أن هناك عبئًا وثقلًا على صدرها ولكن لا يريد أن يتحدث، لا يريد أن يفقد أعصابه ويتجادلا بشأن تفكيرها ولكن ما أختبره في الأيام القليلة الماضية معها لم يكن بأفضل تاريخ لها كي تتذكره!

اخفض نظره إليها وقرر أن يُفاتحها بالحديث بأمر عادي:

- ازاي عرفتي تتصرفي معايا النهاردة الصبح؟ عندك خبرة في حالات السُكر ولا ايه؟

رفعت نظرها له ليشعر بغبائه، شفتاها الورديتان الآن وانعكاس انفاسها المُرتبكة كانا كفيلان بجعله نادمًا أنه من طلب منها الإقتراب وأدرك أنه عليه تحمل ألا يُقبلها:

- بتفرج على افلام كتير.. وكان فيه مرة حفلة.. وروحت أنا ومامي وبابي يومها.. بسام كان لسه صغير ومامي سابتع مع الناني..

ابتسمت بعذوبه لتشتد عينيه قتامة وهو يحاول أن يمنع نفسه عنها بينما هي ابتعدت ليكره ما فعلته ولكنها كانت عفوية للغاية وتابعتها عينيه ليجد عسليتيها تشرد بتركيز على ما يبدو أنها ذكرى قديمة وأكملت متحدثة:

- بابي يومها شرب كتير مع اصحابه، ومامي مشافتهوش.. وأنا كنت شايفاه بيعمل ايه بس مرضتش اقولها، راقبته بس وقعدت اتفرج.. ولما سكر اوي مامي اخدت بالها، طبعًا سابت الناس اللي كانت واقفة معاهم بعد ما سمعته بيضحك اوي مع اصحابه.. مش قادرة انسى بصراحة اليوم ده..

التفتت ناظرة نحوه بحماس واندفعت متحدثة بأريحية:

- تاني يوم الصبح مامي فضلت تعاتب فيه، وأنا كنت براقب وساكتة وفضل بابي يقول إن كان عنده صداع وهيتكلموا بعدين وقالها تسكت وهيكملوا لما يبقى كويس.. بس ساعتها فضلت متكلموش لأسبوع كامل..

حزنت ملامحها وهي تتنهد لتقول بهمس:

- كانت خايفة عليه اوي، الدكاترة كانوا منعوه انه يشرب..

اخفضت رأسها وهي تشرد بأرضية السيارة:

- وحشني اوي..

تلمس يدها بدعمٍ ثم تسائل بنبرة مرحة:

- كنتي بنت بابي، مش كده؟

أومأت له بملامح غابت بالحزن وهي غارقة بذكريات عدة جمعتها بوالدها لتتوقف السيارة بعد مدة لم تعلم كم كانت، هي حقًا لم تكترث لطول المدة حيث غابت بذكرياتها ولم تلحظ يده طوال الوقت التي كانت تُمسك بخاصتها.

نبهها صوته وهو يُخبرها قائلًا:

- يالا.. وصلنا..

ترجل هو من السيارة أولًا ثم ساعدها ممسكًا لها اللباب بنُبلٍ ودخل ممسكًا بيدها أمام الجميع، ولم يلحظ حتى أعين من تعرفوا عليه، لم يجب من ألقى عليه التحية، تركيزه كان عليها هي وحدها فلقد أُصاب بلعنة تُرغمه ألا يتوقف عن النظر إليها حتى وإن لم يتحدثا وقد حاول محاربة هذا الأمر بالسيارة منذ قليل وقد هُزم ببشاعة..

توجها لأحدى المصاعد حتى استقر بهما في آخر دور.. لم تصدق أنها مكثت كل هذه المدة بالمصعد وهو لم يفعل شيء إلا أن حدق بها وتعجبت كثيرًا لنظراته التي بدأت في أن تبث في قلبها الطمأنينة نحو ما يفعله.. أخيرًا ملامحه تبدو كرجل طبيعي ليس بغاضب ولا يتحدث بتُراهات..

أكملا السير لتجد نفسها تنظر لمنظر خلاب على نهر النيل.. لم توجد إلا طاولة واحدة بالمكان بأكمله.. صوت الموسيقى الذي يحاوط المكان كان باعثًا على الاسترخاء.. وأما الورود التي تناثرت على الأرضية بالكامل وتلك الزهور والشموع على المائدة جعلتها تشعر كم كانت مجحفه بحقه..

هل ظلمته وحكمت عليه دون أن تعرف من هو حقًا؟ وكل ما كان يمنعه هو بعض الغضب؟ أرادت أن تحظى بلحظات الرومانسية وها هي تعيشها الآن فالتفتت ونظرت له في سعادة بالغة ببعض الآسف بعينيها وهي تُفكر، ربما في النهاية هناك رجلًا آخر بداخله لابد أن تنتظر قليلًا كي يُطلق سراحه معها..

ابتسمت له ثم همست بإمتنان:

- ميرسي..

قطب جبينه بإهتمام واكتفى بإماءة متريثة وتفحصها ليجد اختلاف نظرتها له، أهذا هو الأمر، مُجرد عشاء مُفعمًا بعدة لمسات بسيطة جعل ملامحها تتبدل لتُصبح فتاة أخرى! لا يعلم أيستجيب لما يشعر به معها ويُكمل في هذا السبيل عله يجد الرشاد، أم يُكمل فيما أراده منذ البداية، وما كانت لعنته التي يُريدها؟ لقد بات تائهًا بطريق لا يعلم ما نهايته معها!

لم يُعجبه محاولتها في تشتيه وتصميمها دون أن تقصد على أن تفقده سيطرته بملامحها الرائعة وابتسم لها محاولًا أن يلملم شتاته المستتر بملامح تبدو للرائي صلبة واثقة بينما بداخله كان أقل ما يصفه به العالم بحاله أنه خائف!!

جذب لها الكرسي بنُبل بعد أن ساعدها على خلع معطفها ثم اخبرها:

- اقعدي يا قطتي..

توسعت ابتسامتها وهو لا يُكف عن منادتها مُلقبًا ايها بهرته لتتنهد في النهاية وسألته بعد أن جلس أمامها:

- عشا.. منظر حلو اوي.. ورد.. شموع.. soft music.. مخبيلي ايه كمان؟!

جذب يدها قابضًا عليها وتخلى عن ابتسامته ثم اجابها بجدية بالرغم من تخبطه بداخله:

- بداية جديدة..

رفع يدها مُقبلًا ايها برقة لتتابعه بعسليتين متعجبتين ليُفاجئها متابعًا:

- وعايز اتكلم معاكي في كل حاجة..

جلس بأريحية بكرسيه لتستند بذقنها على يدها بينما أمسك ببعض من أدوات الطعام ثم حدثها قائلًا:

- قولتلهم يجهزولنا الأكل من بدري علشان محدش يزعجنا..

ابتسم لها ثم بدأ في كشف الأغطية أمامهما ليشرعا في تناول العشاء سويًا وحافظت على ابتسامتها المتعجبة من كل ما يفعله وتبادلا النظرات في صمت ثم انتظرت أن يقول أي شيء ولم يحدث فقررت التحلي بالجرأة فلو كان صادقًا لن يمانع أن يجيبها:

- كلمني عنك..

ابتلع ما بفمه وترك ما بيده وتفحص ملامحها المثالية ثم اجابها سائلًا بتنهيدة وهو يتيقن بداخله أنه لن يُجيب كل اسئلتها كما تُريد هي:

- عايزة تعرفي ايه يا قطتي؟

اكملت تناول طعامها ولم تفعل مثله واجابته بهدوء ونظرة مُتلهفة:

- كل حاجة.. من البداية.. بما إنك بتقول اننا هنبدأ من جديد، لازم اعرفك كنت طفل وشاب وراجل عامل ايه في حياتك، عايزة أعرف كل حاجة عنك ومنك، احكيلي تفاصيل حياتك كلها من وأنت بيبي، ببساطة عايزة أشاركك الماضي والمستقبل..

ضرب الشغف عقلها لتعرف تلك الشخصية المُعقدة التي لو استمر في تخليه عنها مثلما يفعل منذ استيقاظها تتيقن أنها ستقع له بالكامل وانتشلها من تفكيرها مُعطيًا اياها إجابة لم تنشدها:

- هنتكلم.. الليلة لسه طويلة

تنهد بآلم التشتيت بداخله وتريث بنصف ابتسامة متوترة لم تلامس عيناه، كم كره أنه سيكون عليه اخفاء أجزاء عدة من الحقيقة ولكن ليس أمامه حل آخر!.

أكملا تناول الطعام في صمت، والتهمت العديد من الأفكار عقلها كما شعرت بالغضب والخجل والتشتت والحيرة في آن واحد.. الكثير من الأصوات الإيجابية بداخلها والعديد من الصراخات السلبية تُخبرها أن هذا الرجل القابع أسفل عسليتيها سيجعلها دائمًا تشعر بالخوف وأن كل ما تمنته وآملت به بزواجها لن تختبره ولن تصل له معه..

لاحظ شرودها ونظراتها التي لا تدل سوى على التفكير الذي لا يتوقف فآتتها نبرته وكأنه يرى عقلها وليس فقط يستطيع قراءة أفكارها:

- بتفكري في ايه؟

لم تنظر إليه وظلت تعبث بالطعام أمامها واجابته بإقتضاب بنبرة مستغرقة في التفكير:

- مفيش..

هز رأسه بتفهم واكمل المزيد من طعامه ثم اطنب سائلًا بلهجة مُحذرة:

- الكدب ده لازم تبطليه، واحسنلك متبطليهوش وأنا متعصب منك، قوليلي، بتفكري في ايه؟

رفعت عسليتيها نحوه تتفقده بغضبٍ مكتوم لتجيب متلعثمة في البداية ثم استطاعت أن تنقل كلماتها من فتاة مُشتتة لإمرأة تتحلى بالثقة:

- أنا مش بكدب.. مممـ.. يمكن ، أنا، .. أنا مش عايزة اقول انا بفكر في ايه دلوقتي، لو ممكن يا ريت نأجل الموضوع.. أنا سألتك وطلبت منك تكلمني عنك بس انت متكلمتش، يعني، غير ده مفيش حاجة بفكر فيها!

أومأ لها بهدوء ثم نهض عندما أدرك أن شهيتهما قد تلاشت لتتابعه بعسليتين قرأ بهما الحيرة وتريثت لترى ما الذي سيفعله لتجده يقترب منها باسطًا يده إليها وتسائل:

- ايه رأيك نتفرج على المنظر من برا؟

ضيقت عينيها نحوه لوهلة من التفكير ثم تلمست يده وساعدها على النهوض ثم وضع معطفها عليها وتبعته ممسكة بيده في صمت بينهما حتى شعرت بالغرابة من تصرفاته ولجأت لتفقد تلك الأنوار المتلئلئة واستترت بلحظة من صفاء ذهنها وهي ترى المياة اسفلها وأغمضت عينيها متنفسة بإنتظام شديد ولم تكن تعلم أنه يتفقد كل ما هي عليه وبداخله هناك ضميرًا مؤنبًا زاجرًا دون هوادة بينما خارجه كان يبدو غير متأثرًا بشيء..

بعد دقائق من تحديقه بها الذي ادرك أنه لو استمر سينتهي بعد أعوام وهذا ما لم يُخطط له، جاءها صوته ولكن بنبرة مختلفة عن اي مرة تحدث لها من قبل وبمنتهى اللين حدثها بشغف واضح:

- كلميني عنك يا روان

انتشلها من محاولاتها المُستمرة التي لا تنتهي كي تنقي ذلك التشويش بعقلها مما جعلها تفتح عينيها وتفقدته وهي لا تدري من أين لها أن تبدأ ولماذا يسأل هذا الآن؟ ألم تتسائل هي بما يتسائل هو به تحديدًا في هذه اللحظة؟ هل عليها ألا تُجيبه كما فعل هو؟

ابتسمت بهدوء وتحلت بالثقة ثم اجابته:

- بجد.. وقت مناسب جدًا انك تفتكر وتبقى عايز تعرفني! بس، عمومًا يعني، حياتي مفيهاش تفاصيل كتيرة

لاحظ سخريتها التي ترمي أنه تأخر للغاية بتساؤله ولم يُعجبه نظراتها لتختلف ملامحه وتنهدت هي بإستسلام ثم اندفعت مُتحدثة كمن يُريد أن ينتهي من الأمر:

- من وأنا صغيرة كنت بهتم اوي بدراستي وبابي، وكل وقتي خليته اني اتعلم كل جديد في عالم الـ computers والتكنولوجي والبرمجة، معندكش فكرة بحب الـ coding ازاي، وبعدين..

توقفت لبرهة بملامح مُتأثرة بطيف من الحُزن ثم تحدثت مرة أخرى:

- بابي مات وسابلي مامي وبسام.. لو كنت زمان مجرد حب وشغف مني لمجال البيزنس بتاع بابي، الموضوع اتحول من حب لإلزام ومسئولية عليا.. بس كده، من ساعتها بدأت اغرق في دوامة شغل مبتخلصش، وتقريبًا لسه غرقانة زي ما أنا!

أومأ لها ثم اطنب مستفسرًا:

- أنا عارف مامتك وبسام! لكن عمرك ما كلمتيني عن باقي عيلتك؟

فجأة وجدته يقترب ليحول بينها وبين ما تنظر إليه ثم استطاع الحصول على كفيها بين خاصتيه وتوسعت عسليتيها في استغراب واجابته بقليل من السخرية:

- فيه طبعًا عمي نادر صادق وابنه.. أنت تعرفهم already..

رطبت شفتاها بعد أن تريثت لبرهة ثم اكملت:

- ومن ناحية مامي فيه طنط نرمين اختها، بس اتوفت من كذا سنة، وأولادها يونس ويارا، وتقدر تقول إني مكونتش قريبة منهم ولا كان عندي وقت اصلًا اني اصاحبهم..

تعجب مما يستمع له ولكن دون ظهور هذا على ملامحه ليجدها تطنب بنبرة ساخرة:

- من الآخر وببساطة أنا نسخة تانية من بابي بس على صغير، تقدر تقول كده.. مكنش بيهتم غير بشغله وأُسرته.. حتى اصحابه كان بيشوفهم قليل اوي

تريثت للحظة وترقرقت عيناها بالدموع الحبيسة وزفرت بعمق وهي تنظر له:

- بقيت فجأة شبهه اكتر في كل حاجة، كأنه كان يعرف إنه هيسبنا ويبعد عننا بدري، فكرس حياته علشان يأمن لينا مستقبل كويس ورباني زي ما أكون أنا اللي هبقى بعده في كل حاجة، مش مجرد البنوتة الدلوعة اللي باباها بيحبها وهي بتحب تخصصه!

سكتت عن الكلام وشردت بعيدًا لتغرق في أفكارها وكل ما تتذكره عن أبيها بالرغم من وجوده أمامها مباشرة ولكن مجرد تذكر أكثر رجل عشقته بالحياة كان أهم بكثير من أن تنظر لغريب الأطوار أمامها..

قرر أن يُحدثها بهدوء حتى يثني فكرها عن أياً ما تتذكره لينهي نظرة الألم تلك التي أرتسمت على وجهها، ولأول مرة يكترث بما تشعر به إمرأة أمامه، لا يدري هل أصبح يهتم لهذه الدرجة أم ما لعنة ما يحدث بداخله، وحاول ترك نزاع ضميره معه جانبًا ثم جذب يديها برفق مما ادى لإلتصاقها به وحاوط بخصرها جيدًا وحدق بعينيها التي اصبحت تنظر له بعدما استدعى انتباهها بالكامل حتى شرد بهما أكثر من اللازم وأخذ في ملاطفة وجنتها برفق حتى شعرت هي بقشعريرة تسري في جسدها جراء لتلك اللمسات الدافئة ليهمس لها بالنهاية:

- شايف إنه أب شاطر اوي علشان يربي بنت جميلة اوي زيك..

نظر لها ولم تكن نظراته الآن مثل السابق، لم تتوقع أنها سترى مثل هذا الحنان وتلك الرقة والمشاعر تفيض من عينيه هكذا ولكنها لم تكن تعلم ما يدور برأسه بسبب اجابتها ولا تدري معاناته في التخبط بين مشاعر عدة لتتسائل بسخرية:

- بتهزر مش كده؟

ابتسمت هاكمة ثم تابعت:

- بُصيلي، مجرد machine بتشتغل كل يوم ومبتفصلش، معنديش حياة، معنديش اصحاب ولا معارف ولا هواية ولا اهتمامات، بس كده.. عقل شغال مبيبطلش.. ولا اصحاب ولا اي حاجة، ده أنا حتى عُمري ما أُعجبت بـ..

قاطعها بعد أن قاربت على البكاء ثم دفن وجهها بصدره وأحكم قبضة ذراعاه عليها وأخذ يتلمس ظهرها بأكمله بمنتهى اللطف والدفء بينما بدأت تشعر بالإختلاف معه بعد لمساته الكثيرة اليوم وأخذت تستمع لنبضات قلبه المنتظمة وهمس:

- عايز نبدأ من جديد يا روان، عايز البنت اللي معندهاش حد في حياتها.. هكونلك كل اللي كان نفسك تعرفيه في يوم من الأيام..

رفعت عيناها إليه بتعجب ورثاء على حالها:

- تقصد أنك عايز الـ machine وتشاركها حياتك.. اللي متعرفش عنك حاجة.. بصراحة، جواز اسطوري..

ابتسم إليها ونظراته باتت واثقة أكثر ليرد بتردد رجولي ازاد حيرتها أكثر وهو يقترب منها متلمسًا وجنتها بمداعبات رقيقة:

- سيبي كل اللي حصل على جنب، أنسي كل اللي حصل سواء في حياتك او معايا، اتعرفي علي مرة تانية، خليني اكونلك جوزك وباباكي وصاحبك، ثقي فيا إنـ..

قاطعته بشراسة وابتسامة متحفزة:

- ودي بقى شفقة بسبب اللي حكيتهولك؟ أنا مش هأقبل شفقة من حد.. حتى لو  الشخص ده هو جوزي..

كادت أن تغادره ولكنه أمسك بها ليتكلم بأنفاس دافئة ارتطمت بوجهها انعكس بداخلها على اثرها المزيد من التشتت والحيرة:

- مش شفقة، أنا فعلا عايز اعرف كل حاجة عنك، عايز اقرب منك

حاوط وجهها بكفيه ونظر في عينيها بثقة ظنًا منه ولكن في الحقيقة كان يتوسلها، أرادها أن تشعر بالصدق في كل ما يقوله ولكن غلبه لوهلة مشاعره المضطربة ليؤكد هامسًا:

- مجرد بداية جديدة..

زفرت ساخرة من كلماته وحاولت التغلب على ذلك الإرتباك الذي يُسببه بنظراته ولمساته:

- بداية جديدة!! بصفتي ايه؟ مراتك؟ ولا واحدة عايز تغتصبها؟ ولا بنت عايز تجبرها وتعاقبها وتهينها كل ما يجيلك مزاجك؟ عُمر، لو كنت عايز بداية جديدة معايا زي ما بتوقل كنت جاوبت سؤالي..

تخبط سواد حدقتيه بملامحها التي شعر بأنها كثيرة للغاية أن يحتملها رجل مثله ليفوق توقعاتها قائلًا:

- عايزك تكوني كل حاجة في حياتي!

تنهدت صامتة عن الكلام ونظرت له كمن ترد أن تستشعر صدقه، تتمنى أن يكون كلامه حقيقي، فقط لو تستطيع أن تثق به وتتأكد أنه لن يعاملها بمثل الجفاء والقسوة التي رآتها منه، لو يستمر بمثل هذا الهدوء والتفهم لتهشمت كل مخاوفها ولكن كلامه لها الآن يوترها أكثر وقد أصبحت مشوشة وقد أدرك هذا من ملامحها فقرر بنفسه أنه سيمهلها بعض الوقت.

قطبت جبينها بخليط بين البراءة والثقة ثم هتفت به مُحذرة كما تظن أنها ترسي قواعد هذه العلاقة بينهما:

- بص.. أنا بجد مش عارفة افكر، بتتكلم دلوقتي وبتقول بداية جديدة، ومن يومين قولتلي صفحة جديدة، ومش هستبعد أنك هتيجي تعاملني بطريقتك دي الـ.. الـ..

تلعثمت وهي تبحث عن المعنى اللفظي الصحيح الذي عليها قوله واستطردت:

- أنا مش عارفة أسميها ايه، سادية ولا وحشية وهمجية وتخلف أم تحكم ولا إهانة ولا..

زفرت بضيق لتحصل منه على اندهاش وابتسامة لم تلمس عيناه وأوشك أن يتحدث فبادرت هي:

- كل حاجة معاك مُعقدة اوي.. اديني وقتي أرجوك، من يوم ما عرفتك وكل حاجة بتحصل بسرعة، من غير ترتيب، حياتي اتشقلبت، من ساعة ما مضيت قسيمة جوازنا وأنا مش عارفة أنا بعمل ايه، زي ما اكون في دوامة مش عايزة توقف..

تنهدت بتوتر وتوسلته بإنكسار عفوي بسبب تذكرها للكثير مما فعله بها:

- اصبر عليا واديني وقتي يا عُمر.. ده كل اللي محتاجاه.. وياريت في الوقت ده تقولي انا بتعامل مع مين وتعرفني عليك يمكن اعرف احس بالثقة وشوية أمان من اللي دمرته واخدته مني.. لما اتأكد من الراجل اللي هقضي معاه باقي حياتي وهكون جنبه وأعرف عنه كل حاجة، يمكن الموضوع يتغير!

اقترب أكثر لها مُقبلًا جبينها وتريث بما يفعله لينتشلها من دوامتها كما قالت وقال بنبرة مرحة:

- براحتك، خدي كل الوقت اللي تحتاجيه، كان فيه بس راجل نفسه يقرب منك بأي طريقة ويخليكي ملكه، بس مش هيعيد اللي حصل ما بينكم.. بس.. ممكن اطلب ارقص مع مراتي، اعتبريها اول مرة، الرقصة الأولى.. من غير ما تخافي مني..

ابتعد عنها قليلًا بيد مبسوطة منتظرة خاصتها أن تنضم له فأمسكت بها ليتوجها مرة أخرى للداخل وخلع عنها معطفها ليُقربها إليه وهي لا تتوقف عن الحيرة التي تتغللها بسببه ليحيط خصره ويده الأخرى احتوت يدها وقربها منه هامسًا بأُذنها:

-ايديكي متبعدش عن رقبتي، واسمعيني كويس وركزي وانا بحكي على كل حاجة من الأول، علشان مش هاكرر كلامي

حمحم مبعثرًا انفاسه الدافئة بالقرب من اذنها ولكنه هذه المرة لم يكن يقصدها، لم يخطط لإثارتها او تشتيتها هذه المرة، فيكفي أنه مُضطر أنه يسرد بعضًا من تفاصيل حياته وهو ليس بالرجل المثرثر الذي يشعر بالأريحية لفعل ذلك ثم قرر أن يتخلى عن القليل من عاداته الغامضة وشرع في الحديث:

- كنت أصغر واحد في المدرسة، كان والدي فاكر إن كده احسنلي، مكونتش أعرف ليه اختار اروح مدرسة داخلية عسكرية، بالرغم من أن أخويا عمره ما راح المدارس دي، ووالدتي مكنتش مشغولة، بس يمكن كان عنده وجهة نظر غريبة للأمور، بما اني ابنه الراجل البكري،لازم يكون قوي وجامد وقاسي، خصوصًا بعد أن حاول هو ووالدتي كتير يخلفوا وأخيرًا نجحوا في النهاية..

سكت هنيهة لتقطب جبينها وقبضت على عنقه بعفوية فلم يُعجبه تعاطفها، يكره أن يُشفق عليه أحد، لهذا يكره أن يقص تفاصيل حياته على أيًا من كان وتابع بإنزعاج امتن أنها لا تراه أثناء رقصتهما:

- أظنه كان عايز يبقى في الجيش ومكنش قدامه الفرصة فتقريبًا كمل حلمه فيا أنا..

تريث مرة أخرى وبذاكرته ومضت ذكريات لا يود أن يتذكرها بتلك المدرسة ثم أكمل كمن يسترجع تلك الذكريات:

- مش عارف ايه اللي حصل، لقيت نفسي في نفس المدرسة اللي بيروحها عُدي وبسبب نفوذ والدي خرجني من مدرستي القديمة وخلص اجراءات نقلي بسرعة وساعتها بدأت أتأقلم واتعود على عيلتي.. ولكن لغاية دلوقتي معرفش ايه اللي حصل وغير رأيه..

تجرع ما تبقى من كلمات تُفصح عن الحقيقة التي يعلمها جيدًا ولم يود الإفصاح عنها كعلقم حنظلي مُر المذاق آلم حنجرته بشدة مسببًا لكل أُنملة به استعادة الكثير من الآلام ولم يكن أمامه سوى هذا الحل كي يحفظ هشاشته ويخفيها عن اعينها فهو على أتم استعداد للموت ولكنه ليس على استعداد أن يواجه أحد بضعفه وصورة الفتى الخافق المهتز الذي اخفاه بعد حرب دامية دفعت كيانه للتبدل!

فكرت لوهلة، اهذا سبب صمته؟ ألهذا هو قليل الكلام بسبب أنه لم يختلط بعائلته لكثير من الوقت وهو طفل صغير؟ ابتلعت وهي تحاول ألا تتشتت ولكن يده التي تعبث بخصرها لم تكن ترأف بها فسألته:

- كان عندك كام سنة وقتها؟

زفر براحة دون أن تنعكس زفرته بمبالغة كي لا يجعلها ترتاب بالأمر وشعر أنه تخلص أخيرًا من صعوبة مواجهة سؤالًا صعبًا وأغلق عينيه مبتلعًا بآلم ثم استعاد تلقائيته نوعًا ما واجابها:

- حداشر سنة، كنت في تانية اعدادي..

حاولت التفكير قليلًا وعدم التأثر بتلامسهما ولا أنفاسه وتملكت منها الشجاعة لتسأله:

- بس أنت وعُدي كنتوا في نفس المدرسة، هو اخوك، ليه مش قريبين من بعض؟

ابتسم بالرغم ما مر عليه من مواقف عديدة تفوق بها "عُدي" عنه في كل شيء ليرغمها على الإستدارة بحركة راقصة ثم جذبها إليه من جديد لتتشبث عسليتيها المبهورتان بما فعله ثم جذبها محدقًا بها واجاب:

- مكونتش بتكلم كتير وهو رغاي، شخصيتان مختلفتين، مكنش فيه صحوبية ابدًا بيني وبينه.. ببساطة مكنش لينا نفس الهوايات والإهتمامات.. أنا كنت قارئ ساكت شوية وقريب من والدي، وهو كان الولد المتدلع القريب من مامته.. كأنك بتحاولي تجمعي الشمال والجنوب في نقطة واحدة وده عمره ما حصل ولا هايحصل..

ضمها إليه من جديد ثم تابع همسه ليقص المزيد عله ينتهي من أمر هذه المواجهة:

- والدي هو أقرب شخص ليا.. مش شايفة قد ايه احنا شبه بعض، حتى شغلنا واحد، كل واحد فينا محامي!

ابتسم بمرارة وهو الذي لم يختر شيئًا في حياته أبدًا وأُجبر على التشبه بأبيه وإلا لما كان ليُلاقي أمرًا يُشبهه ولا من يأخذه كمثل أعلى سواه وأكمل:

- احنا فعلًا شبه بعض، حبنا للقانون، القراية، ازاي تقدري تلاقي الثغرات وتقنعي اللي قدامك، حتى أننا شخصيتين بنعرف نتعامل مع اللي قدامنا مهما اختلفت شخصيته عننا.. انا شبهه اكتر من اخواتي.. حتى نفس طريقة الهزار واحدة..

ابتعدت عنه قليلًا كي تحصل على عينيه ونظرت له وكأنها لا تصدقه وسألته بقليل من التهكم:

- عمر الجندي بيعرف يهزر، بجد؟

قطب جبينه وهو يُرغم خصرها أن يلتصق به واجاب بنبرة هادئة:

- زمان، ويمكن..

سكت ثم خلل شعره ليرى الحزن يعتلي ملامحها فأكمل:

- يمكن بعد سنين كتيرة من الشغل ومحاولة اني ابني حياتي خلتني اتغير.. علشان كده مش بلاقي وقت للهزار..

توقف عن الإسترسال بحديثه ثم أمسك بيدها وتوجها للمائدة وأجلسها وعسليتيها لا تتركه كي يغيب عنهما وقرب مقعده منها ثم حدثها:

- كنت كل اجازة صيف افتكر إني اتعودت اروح شركة المحاماة معاه، وأدخل مكتبه ومكونتش بلاقي منه غير ضحكة وكلمتين واحيانًا يشاورلي وهو كان مشغول اوي، وقتها كنت بروح أقرا الكتب اللي مليانة بالقوانين والمنطق والفلسفة، عمري ما حسيت بملل، كنت بلاقي نفسي فيها..

إجابته لم تكن حقيقية، ربما لو تحدثت لوالده سيرى هذا، الكل كان يرى هذا ولكن لم يعلم أحد حقيقة ما كان يمر به.. ربما عليه البُعد عن تلك التفاصيل الآن وقال بنبرة لطيفة احتوت على إطراء بطريقته هو:

- أعرف بنوتة هي كمان لقت نفسها في شغل باباها!! غريبة.. شكلنا شبه بعض اوي

ضيقت عيناها بإبتسامة لا تنم سوى عن الدلا والثقة وبالطبع فهمت ما يقصده ليُضيف مُصححًا:

- او خلينا نقول انها اللي شبههي اوي.. بس أأكدلك إني عمري ما شوفت احلى منها..

ابتسم لها بعذوبة لتتورد على تلك الكلمات وهو يُلامس أناملها بلطف ثم تملكتها بعض الجرأة وعبثت بأناملها بيده فاستكمل الحديث:

- لما خلصت الثانوي.. كان فيه شغفي بالمحاماة وده عماني عن كل حاجة.. علشان كده كملت الطريق وطبعًا كان فيه ناس كتير بيحاولوا يقربولي بسبب نفوذ والدي، بس مكنوش يعرفوا قد ايه هو صارم بخصوص الموضوع ده.. واللي ميعرفوش الناس أني زيي زي اي شاب في الجامعة، مصروفي وقتها كان متوسط وحتى كنت بحوش منه، مدلعنيش زي ما عمل ما عنود وعدي طبعًا.. وكأنه كان بيخليني اتعود على نوع حياة مختلف.. بيؤمن بنظرية العصامية جدًا

تنهد ثم نظر لها وقطب جبينه بإستياء وهذا كل ما اراد الإنتهاء منه وحاول التغلب على ما يشعر به وتابع:

- كنت في سنة أولى في الجامعة لما.. لما قابلتها!

سكت للحظات لتشعر بالآلم يفيض من عينيه ولم يكن يعلم أنها قد أدركت آلمه وظن أنه يُخفيه واستطرد بجفاء:

- وقتها كان عندي سبعتاشر سنة، السنة دي كانت أول نقطة تحول في حياتي، وحبيتها..

قاطعته بحرص سائلة:

- أتقصد يُمنى؟

أومأ لها بغضب مكتوم بعينيه انعكس على اسنانه المُطبقة وابتلع ثم أكمل دون اعطاء تفاصيل:

- كانت حلوة اوي، شوفتها صُدفة ومكنتش عادتي الإختلاط بالناس وكنت رايح عربيتي ولقيت اللي بتتكلم وبتضحك مع أصحابها.. مكونتش بفكر في الحب ولا اتخيلت إني هاكون من الرجالة اللي بيحبوا بس وقتها ببساطة دخلت قلبي..

زفر ما برأيتيه وهو يفشل بشدة في احتواء ما يدور بداخله ليحمحم واستطرد بقساوة بنبرته:

- علشان منطولش في الموضوع ده، بعد علاقتنا اللي استمرت سنين وبالرغم من أنها بنت عيلة كويسة، لكن، خلينا نقول انها كانت بتدور على حد عنده نفوذ وفلوس و.. بإختصار، كانت فكراني واحد معين وأنا مكونتش كده خالص.. واكتشفت بعد ما خلصنا الجامعة بمدة أنها بتخونني علشان كده سيبتها..

سكت هو لتشعر بأنه لا يريد الإطالة أكثر وامتنت أنه تحدث بالأمر فابتسمت له وحاولت أن تغير الموضوع قليلًا أما هو فقد لخص حياة بأكملها بتلك الكلمات واستمع لها وهي تتسائل بعفوية:

- وميولك؟ ازاي عرفت أنك سادي؟

ابتلع بصعوبة وهو يعلم أنه بمجرد اخفائه أغلب قصته مع "يُمنى" وقوله بأنه ليس سادي قد كذب عليها وأدرك أنه منذ هذه اللحظة قد أثقل كاهله بعدم صراحته معها ومنذ الآن سيتحمل ذلك العبء وحده لو اكتشفت حقيقة الأمر وعقد حاجباه واجابها بنظرة قاسية:

- سميها مُسيطر مش سادي.. Dominant يا روان

هزت كتفيها بتلقائية وتحدثت ساخرة:

- وايه الفرق؟ الاتنين سواء ده ولا ده اغرب من بعض..

اختلفت نظرته وازداد الغضب المكتوم داخل عينيه ثم تحدث بثقة شديدة وتحذير خفي لها:

- المسيطر هو شخص بيستمتع بالتحكم في كل حاجة، العلاقة، القرارات، الاختيارات، مش بيعاقب إلا لوكان فيع غلط بجد.. لكن السادي في المقام الأول بيستمتع بس بإنه يوجع شريكته والسيطرة عليها طبعًا، الموضوع بالنسباله روتين، السادي مُسيطر بطبعه ولكن المُسيطر مش ضروري يكون سادي الطباع

توقف لينظر في وجهها عن أي ردة فعل ولكن وجدها غرقت في حيرة، كانت تحتار ما الذي جعل ملامحه تختلف هكذا ولكنه تابع:

- تعرفي اي شاب في العمر ده، ازاي بيفكر في الستات، بيبدأوا يلاحظوا اللي بيثيرهم، واللي بيحبوه، وبما إني مكونتش بختلط بحد.. كنت وحيد نوعًا ما، مكنش قدامي غير الانترنت والقراية وبعدها، لأول مرة أحس بإثارة لما شوفت راجل مسيطر وخاضعة.. بدأت أبحث في الموضوع اكتر وتطور لقراءات وبعدين أ..

قاطعته سائلة بفضول:

- هي يُمنى كانت بنفس الميول؟!

بداخلها لا تدري لماذا كانت متأكده من الإجابة، هل بسبب ما قاله عندما ثمل بالسابق أم بسبب أنه احبها وتعجبت عندما لاحظت صخبًا بأنفاسه التي كانت غاضبة خصوصًا وأنه توقف عن الإمساك بيدها:

- ايوة.. كانت خاضعة

حمحمت ولم تستطع إيقاف فضولها وتسائلت بتلعثم:

- هو.. انتو يعني، لما كنتوا سوا.. قربت منها.. أقصد عمـ..

لم يتركها لتلك الصعوبة التي تُفاقم صعوبة ما يدور بداخله هو نفسه سرعان ما آتى رده المنقذ لكلاهما:

- لا، منمتش معاها، جربنا شوية حاجات سوا بس موصلناش للمرحلة اللي تقصديها، هي كانت.. أو كنت.. مش عارف، بالنسبالي كنت عايز أول مرة لينا بعد الجواز الرسمي، علشان كده مأجبرتهاش تنام معايا

لاحظت قسوة ملامحه تزداد غضبًا ليعود لها الخوف لتقطب جبينها سائلة:

- طيب وشغلك، بدأت ازاي؟

رمقها بنظرة مميتة لم تعرف ما السبب بها لينهض بعصبية آمرًا:

- نرقص تاني..

وضع ابتسامة بدت كارهة أكثر من مجرد رجل يدعي إمرأة للرقص فنهضت معه لتجده يقبض على جسدها بطريقة غريبة لا يخلو منها العنف واندفع مُتحدثًا:

- بدأت اركز اوي في الشغل بعد ما خلصت الجامعة، ومشتغلتش مع والدي، هو راجل عصامي كان عايزني اكون زيه، اكتفى بمكتب صغير جابهولي أبدأ بيه، وبعدها ركزت كويس وبنيت كيان لنفسي ، ودلوقتي.. أنا عمر يزيد الجندي اللي جات ليه روان صادق لغاية عنده علشان يترافع ليها في قضية واتجوزها

قال مبتسمًا بغيظ ليسمعها تسأله:

- وبعد ما اتجوزها؟!

توقف ثم حدق بعينيها وأقترب منها في حرب بينه وبين نفسه أن يكف عن الغضب واستلهم من تلك البراءة والحسن الآخاذ بعض الهدوء وعبت بأنامله بوجنتها واجاب هامسًا أمام شفتاها:

- حس إنه محظوظ اوي علشان بقى معاه اجمل بنت في الدنيا..

حاولت أن تصدق هذه الكلمات وعسليتيها تحاول التشبث بأمل ولو ضئيل بعينيه لتجبر ابتسامة مترددة ثم وجدته يومأ لها بالإنكار ثم دنا أكثر ليقبلها قبلة ناعمة رقيقة في البداية ثم أخذت منحنى آخر لتحتوي على الكثير من الحرارة التي دائمًا تعبث بعقلها وتشتتها وتجعلها ترغب به أكثر ثم وجدته يبتعد لاهثًا ليهمس بها:

- ده كل اللي اقدر عليه، كفاية كلام النهاردة..

من جديد التهم ثغرها الوردي بشغف وأغلق عينيه مستمتعًا بهذه القبلة لترتفع يده وتغلغلت بشعرها تجذبها له أكثر ليُفرق من قبلتهما وتقطعت أنفاسهما المتلاحقة بشغف وهو يشعر بإحتقان دماءه بداخله، هذه ليست أول مرة يُقبلها به، ولكن ما يجعله منزعجًا بحق هو اختلافها عن أي إمرأة أخرى واستطاعتها اصابته بالشتات الشديد ورغبته لطالما تصاعدت كلما اقترب منها ليحدقها بتساؤلات عدة كُتمت بعينيه وانعقد لسانه عن النطق بها ثم تمسك بخصرها مرة ثانية ودفن وجهه بعنقها بينما حاوطت هي رقبته بيديها في شعور بالراحة لتخلصها من نظراته الحادة وآخذا يتمايلا في تناغم مرة ثانية..

تخبطت المشاعر بداخله ثم صرخ بداخله بقهر:

- لو تعرفي إني شوفت في كل خاضعة صورتها وهي بتخوني، لو تعرفي اني اتحولت وبقيت راجل قاسي بسببها هي، لو بس تعرفي أنك أول بنت تكون ليا لوحدي.. كل خاضعاتي يا إما ستات اتجوزوا قبل كده وبيدوروا عن المتعة يا إما شمال، يا اما شاريهم بفلوسي، لكن انتي أنضف واحدة لمستها وقربت منها.. أنتي ملكي يا روان.. لا لوحدي.. نفسي بجد اعصابي متفلتش ومشوفكيش زيها في يوم، لو بس تعرفي الرابط بينك وبينها هتكرهيني فورًا من غير ما ترمشي.. يمكن اخسرك يومها للأبد!

قربها أكثر ليعتصر جسدها بأكمله وكأنه يحتاجها من جديد ولم يعلم ما يدور بعقلها، كان هو تائه في خضم نزاعه ولكنها هي الأخرى شاردة بسبيلٍ وعر تخاف أن تخطو به خطوة واحدة وتحدث عقلها هي الأخرى متضاربًا:

- بالرغم من كلامه معايا بس لسه حاسه انه بيلعب بالكلام وبيشتتني.. حاسة كأن فيه جزء ناقص او حاجة مخبيها، فيه حاجة مش صح.. بس ليه متلمساله العُذر، شكله موجوع، وحياته شكلها مكنتش سهله.. بس على الأقل بدأ يتكلم.. ده كويس شوية.. يمكن فعلًا تكون بداية جديدة زي ما قال..

شعرت بإحتضانه الشديد لجسدها يزداد وهناك مشاعر جديدة تتولد بداخلها تناقض القديمة وأصدت عيناها واستمتعت بالدفء الذي يحاوطها به، وبتلك الموسيقى التي ظلا يتراقصان على أنغامها.. وتمنت أن تحتضنه الآن مثل ما يفعل، أليست لها الحق أن تتصرف معه كما يتصرف هو؟

رطبت شفتاها واستلهمت بعضًا من شجاعتها وهبطت يديها من عنقه على مُكثٍ وبدأت في أن تحاوط ظهره ولكن هيهات!!

أمسك بيديها سريعًا وابتعد عنها بإبتسامة مغتاظة لم تلمس عيناه وشبك أصابعهما معًا وكان واضح للغاية أنه قد غضب بتلك النظرات، ولكن أهم ما قالته فحمية عيناه كانت "احذري!!"

جذبها للخارج من جديد وسارت معه حتى وصلا إلي الحافة لتشعر به يحتضن ظهرها ويحاوط خصرها وأخذ يقبلها من جانب رأسها أكثر من مرة وأخذا ينظرا في صمت لتشعر هي بأنفاسه الدافئة والهواء يداعب شعرها ثم فجأة استدارت ونظرت له لتجده ينظر لها مُضيقاً عيناه وسألها مباغتًا:

- وأنتي يا روان.. حبيتي قبل كده؟

لا تعلم لماذا ظلمت عيناه فجأة هل بسبب محاولتها لتلمسه أم ما السبب بهذا السؤال ولكنها اجابته بتلقائية فهي ليس لديها ما تُخفيه وقالت بهدوء:

- لا.. محصلش، عمري اصلًا ما أُعجبت مجرد اعجاب بحد.. ودايمًا كنت بشوف ان الحب والجواز مش بيجوا بدري ولا صح في حياة البنت من بدري.. ولما بابي اتوفي يادوب لقيت الوقت اللي انام فيه، الضغوط زادت عليا جدًا، الشركات والشغل اللي مش بيوقف، حتى أنا رفضت كل عروض الجواز اللي اتقدملي فيها حد و..

قاطعها ليُحدق بعينيها مباشرة كمن يستجوبها بتحقيق خفي لا تعلم عنه:

- وابن خالتك؟

نظرت له بدهشة وتعجب قالبة شفتاها وهتفت بعفوية:

- يونس!

تريثت وهي تتفقده بمزيد من التعجب ثم سألته:

- ماله؟

قلب هو الآخر شفتاه مُدعيًا العفوية ثم قال:

- تقريبًا جبتيلي سيرته.. عمره ما حاول يقرب منك زي ما عمل ابن عمك؟

زفرت بقلة حيلة ثم أجابته بحنق:

- بص يا عمر! ولو أني مش مصدقة انك بتجيب سيرته دلوقتي، بس زي ما قولتلك أنا مهتمتش بمسائل الحب والجواز وهصارحك، حصل وكلم مامي لما بابي اتوفى انه يتجوزني بس أنا رفضت تمامًا.. من الآخر مكنش فيه بيني وبينه حاجة اصلًا..

عيناها أخبرتاه صدق حديثها ولكن كعادتها كبرياءها لا يندثر فتمتم بإقتضاب ونظرة متفحصة:

- تمام

لم يكن هذا الرد المنشود فأخبرته وقد بدأت في الغضب:

- أنا مش بكدب ومش بحب الكدب ولا الكدابين ومعنديش اللي اخبيه و..

جذبها له ليلتهم شفاها في قُبلة ليُسكتها عن الكلام، فيبدو أن بشفتيها الورديتان الكثير لإنهاء العديد من معاكه وجدالهما كذلك وبعد أن شعر بإحتياجها للهواء ابتعد عنها ناظرا لها وأخبرها وهو يستند على جبينها ملتقطًا:

- حبيت اسمع منك مش اكتر

رفعت عسليتيها له وهي الأخرى تلتقط أنفاسها وكادت أن تصرخ به ألا يفعلها من جديد وهما يتحدثا ليُفاجئها بهمس وهو ينظر بعينيها:

- طيب لو قولتلك إن فيه شنط متحضرة ليكي فيها كل اللي هتحتاجيه، وكمان اللابتوب بتاعك، وهنسافر حالًا، علشان نبدأ من جديد.. مرة تانية، بدل من الأيام اللي ضيعناها في هاواي.. اي رأيك؟ موافقة؟ خلينا نحاول سوا..

يُتبع..

متنسوش التصويت..

بعتذر جدًا على التأخير..

الفصل الجاي يوم الأتنين وهحاول يكون طويل بقدر الإمكان ولو خلصت قبل كده على حسب الوقت إن شاء الله هنشره..

Continue Reading

You'll Also Like

1.2M 3.8K 61
⚠️ القصة دي شبه واقعية وتحكي أحداث معظمها حدث معي شخصياً بالفعل،⚠️ يعني معظم الشخصيات اللي فيها موجودة بمواصفتها لكن الخيال فيها إن مش كلهم بل معظمه...
140K 4.6K 52
كانت المدلله عائلتها ومجنونه ومرحه لطفيه وطبيه ولاكن كان لي القدر راء اخر
22.3K 967 26
عيناك والسحر الذي فيهما علموني ما معني الحب ❤️🔐
6.7K 179 29
هو رجل لا يترك حقه ولا يتنازل ابداً مستعدا ان يخاطر بحياته من اجل الوصول لهدفه ويتحدى المخاطر ايضاً حتى الذئاب تصمت حين تسمع صوته الذى يتلجلج الجميع...