الجزء الثاني من سلسلة ملامح ا...

By MeEm_marwa

6.6K 121 17

قصص جديدة، وأخرى مكملة لقصص من الجزء الأول 💜✨ More

قريبا ✨
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الثالث والعشرون
الرابع والعشرون
الخامس والعشرون
السادس والعشرون
السابع والعشرون
الثامن والعشرون
التاسع والعشرون
الثلاثون والأخير

الفصل الثامن عشر

128 2 0
By MeEm_marwa

واشنطن ..

- وهل سنجلس هكذا مكتوفي الأيدي ؟
قالتها جيليان بتذمر , وجهها محمر من شدة الإنفعال والغضب , ليأتيها الرد بصوت ناعم وهادي , تنبههم من شرودهم بسبب ما حلّ بهم من حزن وصدمة :
- في الواقع ستجلسين مكتوفة الأيدي ممددة الأرجل , لا أظن أنك ستتمكنين من فعل شيء وأنتِ هكذا .
التفتت إليها بغضب :
- يا لظرافتك , أنا لا أدري مالذي فعلته بحياتي حتى أقابل فتيات غريبات الأطوار مثلك أنتِ والحقيرة الأخرى أليس .
عقدت لورنا حاجبيها وهي تجيبها بسخرية وحدة في ذات الوقت :
- رجاء لا تقارنيني بتلك الــ أليس , أنا على الأقل كنت رفيقة أختك في الشدة قبل الرخاء .
تأففت جيليان وهي تدير وجهها وتشتمها في داخلها , ثم التفتت إليها مرة أخرى بقوة تهاجمها :
- حقا ؟ إذا لماذا كانت هي كبش الفداء دونك ؟
صمتت لورنا قليلا , ثم ردت بهدوء :
- لأنها كانت الرأس المدبر لكل ما حصل , وعلى ما أعتقد .. أليس كانت مصرة لأخذها لأنها تعلم عن ذلك المكان أكثر مني , يعني إن وصلت جوليا إلى الشرطة وأعلمتهم بالأمر واستطاعت أن تنقل التفاصيل , سيكون ذلك المكان اسطورة من الأساطير خلال عدة أيام مقبلة .
عضت جيليان شفتها بغضب وهي تهز رجلها , وتشعر بضغطها يرتفع أكثر كل ما سمعت شيء عن أليس , التي لم ترتح إليها منذ البداية , قبل أن ترد قاطعها زياد :
- حسنا جيليان , هذا ليس الوقت المناسب لحرب الإناث , وأنتِ يا لورنا .. ألستِ أنتِ أيضا ربما تتمكنين من إخبار الشرطة ؟ أعني .. الأمر رغم كل شيء يبدوا غريبا , لمَ قد تتركك حرة طليقة وتأخذ جوليا ؟ هل تعرفين شيئا آخر ؟

صمتت لورنا وكأنها تفكر وتحاول إيجاد شيء في عقلها :
- لا , ولكن .. ما أتذكره هو أن جوليا أخذت بعض الأوراق والملفات الطبية قبل هروبنا , أعني .. ربما رأوا ذلك من خلال الكاميرات , وأرادوا تلك التقارير , ربما .
عقد زياد حاجبيه :
- هل تعلمين عن فحوى تلك الملفات والتقارير ؟
- لا مطلقا , لم أهتم .
ضحكت جيليان بقهر :
- طبعا , كان الهروب هو كل ما يهمك .
صرخت لورنا وهي تنظر إليها :
- يا إلهي , هل يمكنك السكوت للحظة ؟ ما أدراك أنتِ عن كل ما واجهناه سويا أنا وجوليا ؟ لا تعلمين شيئا , نعم فكرت في الهروب , ولكننا كنا معا حتى آخر لحظة , لا تعلمين كم شعرت بالغضب حين ترجت أليس وجعلتها تتركني , كنت أريد الإكمال معها إلا أنها أبت , شعرت بالوحدة الفظيعة حين اختفت من أمام ناظري , والآن تأتين أنتِ لتلوميني ..!
صمتت جيليان من هجومها المباغت والغير متوقع , وفتحت فمها تنوي الرد .. إلا أن لسانها كان خاليا من أي كلمة مناسبة , لتغلقه وتزم شفتيها .. وتوليها وجهها .
تبكي بصمت .
غير قادرة على السيطرة على نفسها أكثر .
منذ أن سمعت بالخبر من زياد , أصابها حزن عظيم .
إلا أنها كتمت في نفسها الألم والعبرات إحتراما لزياد وصدمته .
ولكنها لم تعد تستطيع .
كل ما وقعت عيناه على لورنا , تمنت لو أنها جوليا .
تظن أنها ( جيليان ) السبب في كل ما حصل لتلك المسكينة .
لو بحثت أكثر , لما ضاعت بهذه الطريقة المفجعة .

تنهد زياد بهم , وهو يمسح وجهه بقوة , ليسأل لورنا الفاقدة أعصابها أساسا :
- أليس أخبرتنا أنهم وجدوا بقعة دم في المكان حيث هربتما منه , لمن كان ؟
تصلب جسدها حين سمعت هذا السؤال الغير متوقع , ثم ضحكت :
- أنا متفاجئة , لمَ لمْ يجروا تحليل فحص الـ DNA ؟
لم يرد عليها زياد , ينتظر الإجابة , وأكملت هي :
- كان دمي , سقطت على وجهي ههههههههههه كان موقفا عصيبا وجميلا في ذات الوقت .
عادت بذاكرتها إلى ذلك الموقف .
حين ركضا ناحية الباب الحديث , ثم وقفا أمامه .. تمكنا من فتحه بطريقة أو أخرى .
حين غمرتهما السعادة , وبكتا من شدة الفرح
تفاجئا من خلو المكان من أي سلم .
كيف سينزلان الآن ؟
جلست لورنا على ركبتيها بصدمة وهي تجهش بالبكاء دون صوت .
جوليا بقيت واقفة , بملامح واجمة .
غير مستوعبة ما ترى .
كيف ذلك ..!
ماذا يعني هذا الشيء ..!
شهران من العذاب والمعاناة وألم الإنتظار , ألم الذل والمهانة .
وهذه هي النتيجة ..!
يا رب رحمتك ولطفك .

تنهدت بحزن :
- لنعد إلى حيث أتينا منه يا لورنا , ليس هناك أي مهرب من هذا المكان البائس .
التفتت إليها لورنا بفزع , وهي تمسك بقدمها :
- لا جوليا , لا .. لن أرضى بذلك , أبدا .. أرجوك جوليا , أنا لم أتحمل كل ما حصل طوال الشهرين لأستسلم في النهاية , دعينا نهرب .
نظرت إليها جوليا متفاجئة وهي تجلس :
- ولكن كيف ؟ لورنا هل ترين ما أراه ؟
- نعم أرى ما ترينه , ليس هناك أي سلم ينزلنا إلى الأسفل , ولكن .. ولكن , يمكننا .. نعم , يمكننا أن نقفز , لسنا بذلك العلو .
اتسعت عيناها بذهول :
- أنتِ لستِ بوعيك لورنا , هل مرضتِ حقا ؟ تريدين أن تقفزي من هنا ؟ يا لغبائك يا لورنا , هل تفضلين الموت على البقاء هنا ومواجهة بعض المصاعب .
بكت لورنا مرة أخرى بانهيار :
- نعم يا جوليا , أفضل الموت , أقسم أني أفضل الموت .. على البقاء هنا وتذوق كل هذه الآلام .
لانت ملامح جوليا , وهي تتنهد وتعود لتنظر إلى الأسفل .
إلا أنها تفاجئت وبشدة , ثم غطت فمها تمنع نفسها من الصراخ .. وهي ترى لورنا تقف وتقفز .

وقفت ببطء لتنظر إلى الأسفل وهي تزدرد ريقها , تريد أن تصدق ما رأته بعينيها .
اتسعت حدقتاها أكثر وهي ترى ظهر لورنا , يعني أنها سقطت على وجهها تلك المسكينة .
بكت بخوف , ثم ذكرت الله .. وبقيت واقفة عدة دقائق .
قبل أن تغمض عيناها , وتقفز .
فسقطت جالسة وتأوهت بألم .
ظلت على حالها للحظات , مغمضة عينيها .. تتحسس جسدها .
تنفست بعمق , وهي تجلس ببطء .. تشعر بأن ظهرها انكسر من قوة السقوط .
لتتسحب وتتلمس ظهر لورنا , التي بقيت على حالها .
تسارعت دقات قلبها , وهي تظن أنها فقدت الوعي .
سحبت يدها حين تحركت لورنا , وجلست .. التفتت إلى جوليا , لتطلق صيحة فزع خافتة .
كان وجه لورنا مليء بالدم , الخارج من أنفها .
وجبهتها المتشققة , وبعض الكدمات هنا وهناك .
اقتربت منها أكثر وهي ترفع يدها وتتلمس بها وجه لورنا المنعدم تماما :
- يا إلهي , لورنا هل أنتِ بخير ؟

أجابت لورنا بعد صمت قصير , بصوت أشبه بالهذيان :
- أشعر بالدوار , و .. ألم شديد في وجهي .. آآآه .
تأففت جوليا :
- يا إلهي , هل كان عليك أن تقفزي بهذا الشكل أيتها الحمقاء ؟
فتحت لورنا عينيها :
- ماذا ألم يصبك شيء ؟ هل .. خططتِ للسقوط بطريقة لا تؤلمك .
تأففت جوليا مرة أخرى من غبائها :
- بالطبع أيتها المغفلة .
تأوهت لورنا , وسرعان ما بكت وهي تمسك بذراع جوليا :
- آآه ليتك أخبرتني منذ البداية , أشعر أن جميع عظام وجهي تكسرت .
ابتسمت جوليا بخوف وغباء .
ثم ما لبثت أن ارتفع صوت لورنا وهي تضحك بسعادة .
تمكنتا من الهرب أخيرا ..!

ابتسمت لورنا :
- وهذا كل ما حصل , هل ترون هذه الندبات على وجهي ؟ لقد نتجت عن سقوطي بتلك الطريقة هههههههههههههه .
ابتسم الجميع لضحكها رغما عنها , ثم قال زياد بهدوء :
- وأنا الذي كدت أموت خوفا من أن يكون ذلك دم جوليا , حسنا .. ماذا الآن ؟ أود أن أعرف وبشدة , سبب تركها لك , لا بد من أن هناك شيئا , لو أنها تخاف من إبلاغك للشرطة , لأخذتك غصبا .
عم الصمت , الكل يفكر في السبب .
بما فيهم لِيام الصامت .
الذي صُدِم وبشدة , مما فعلته أليس .
كان يشعر بأن قلبه انجذب بطريقة ما نحو أليس , لذا لم يتوقع أن يصدر منها مثل هذا الفعل .
تحدث دون وعي :
- لقد أخبرتنا أليس أنها عانت وبشدة من الظلم في ذلك المكان , لمَ قد تؤذي غيرها من أجلهم ؟
نظروا إليهم متفاجئين , لترد جيليان بسخرية :
- ربما دفعوا لها من المال ما جعلها تنسى كل شيء .
- أنتِ لا تعرفين شيئا عن نظامهم , المبدأ الأول لديهم هو الدين , لا يتعاملون بالمال عزيزتي .
ابتسمت جيليان :
- لو لم يستفيدوا ماديا لم ينشؤوا ذلك المكان البغيض الغير قانوني .
ليجيب زياد وهو شارد الذهن :
- إلا إن كانت أليس تعمل من أجل مصلحتها الخاصة وليس من أجلهم , أليست هي من ساعدتك على الهروب يا جيليان ؟
جيليان بعدم فهم :
- بلى .
- إذا .. ربما , تريد منك أن تبلغي الشرطة حقا يا لورنا .
نظرت إليه لورنا ببلاهة :
- أنا .. لا أفهم .

_______

أقسى ما عاشته طوال عمرها كله , وأكثر ما عاشته أيضا .. هو عدم معرفة الوقت .
عدم معرفة الوقت , وعدم الشعور به .
يؤلم قلبها بشدة , ويجعلها تشعر بالغصة تقف في حلقها .
المكان غير مهم , لا تريد أن تعرف أين هي .
ولكن على الأقل , تعرف كم الساعة .
هل الشمس حقا لا تشرق في هذه البقعة من الأرض ؟
منذ أن استيقظت لم ترّ النور .
حلقها جاف تماما , لم تشرب قطرة واحدة من الماء , ولم تبتلع شيئا من الطعام .
ما هذا الظلم ..!
وحين استيقظت , فزعت كما لم تفزع في حياتها قط .
إلا أن الخوف بدأ يتسلل من قلبها ويخرج وهي تسمع صوتا مألوفا , ينطق بإسمها :
- جوليا ؟ هل استيقظتِ ؟
اتسعت عيناها بغرابة , ما الذي تفعله أليس معها في ذات الحجرة التي حبستها بها ؟ :
- أليس ؟ هذه أنتِ ؟
أجابتها بصوت مختنق :
- نعم جوليا , هذه أنا أليس .. أردت أن أؤذيك , ولكن الآية انقلبت ضدي , كما ترين , أنا الآن محتجزة معك .
صمتت جوليا من الدهشة والصدمة , ثم سألتها بهدوء :
- ماذا تقصدين ؟
ضحكت أليس بحزن :
- تلك الــمـــــ ……………… ستيلا , هي من حبستني معك , القصة طويلة .. لست أملك مزاجا يسمح لي بسردها عليك الآن .
ابتسمت جوليا في الظلام بسخرية :
- لست ممن يشمتون بالآخرين , ولكني الآن سعيدة حقا , وأنا أرى عواقب ما فعلته بي .

عم الصمت أرجاء المكان بعد عبارتها .
لوقت طويل .
كانت تود لو تقطع الوقت بالحديث مع أليس .
إلا أن التعب تمكن منها , هي وأليس .
التي نامت بالفعل .. وعلا صوت شخيرها .
والذي اعتبرته جوليا أرحم من الصمت المهيب .

منذ ذلك الوقت , أليس نائمة .. لم تستيقظ بعد .
وهي أيضا , بقيت على حالها , مقيدة .
تحاول أن تحرر نفسها بالقوة , ومحاولاتها كلها بائت بالفشل .
بيد أنها تمكنت من الجلوس بالقوة , لتزحف حتى وصلت إلى حائط ما .
استندت عليه , تريح جسدها .. أو توهم نفسها بذلك .
كيف لذلك الجسد الضعيف أن يرتاح وهو مقيد ؟
فوق ألم القيود .. ألم الجوع والعطش .
حتى رأسها لم يسلم من الألم , حيث داهمها صداع شديد .
جعلها تعيد رأسها للخلف وتسنده إلى الحائط .
بعد دقائق ..
أغمضت عيناها بقوة , حين أتى نور مفاجيء على عينيها .. جراء فتح أحدهم للباب .
فتحتهما ببطء , لكي لا تؤلمهما بعد اعتيادهما على الظلام الحالك لوقت طويل .
نظرت إلى ظل الشخص الذي دخل .
من هيئته في الظلام , تأكدت أنها ليست الرئيسة التي حبستهم , بل كان آخر شخص توقعت رؤيته ..!
تسارعت أنفاسها , بدت كأنها تلهث من شدة التعب .
تسمع بأذنيها دقات قلبها , وهي ترى ذلك الوجه الذي يبعث الطمأنينة في نفسها .
منذ أول يوم رأته فيه , ولجأت إليه .
حتى آخر يوم تركته فيه .
كان آخر موقف تتذكره معه , حين جلست تشكوا إليه طرد أبيها لها , وسكنها مع رفيقتها في الجامعة .
تبكي وتشهق , فينطق من الكلمات ما تشبه البلسم .
تهدأها وتطمأنها كما لو أنه لم يحدث شيء ..!

أما هو ..
كان يراها وينظر إليها , ويشعر بنفسه في حلم في منامه .
لا يستطيع أن يصدق ما يراه .
انفصل عن العالم تماما , وأصبح بمفرده في عالم لا يسكنه أحد .
سواه وجوليا ..!
تسمرت قدميه عند الباب , لا يدري لمَ لا يتمكن من السير نحوها والإقتراب منها .
بالرغم من أن شوقه لها قاتل , لدرجة تفوق القدرة على التحمل .
حين اقترب من هذه البناية المهلوكة , والشبه محطمة .. أقسم أنه إن أبصرت عيناه جوليا , سيركض نحوها بأقصى سرعة , وسيضمها حتى تتكسر أضلاعها ربما .
لن يتركها حتى يشعر أنه بخير .
لقد انتظر طويلا , وتخيل لقاءهما .
إلا أن كل التخيلات والتوقعات ذهبت سدى , حين أبصرها بذلك الوضع المحزن .
ربما ..
لأنه صُدم مرات عديدة , وفُجِع قلبه المسكين مرات لا تحصى .
فقد الشعور الجميل , حين اللقاء ..!
ظلا ينظرا إلى بعضهما لمدة طويلة .
حتى لم يعرفا كم مر الوقت .
لتأتي المبادرة من جوليا , وهي تنطق بصوت مكتوم ومتحشرج :
- زياد .
نسيت جوليا صدمتها منه , حين قالت أليس أنه من أوصلها إليهما .
وبقيت فقط , تشعر بسعادة لا مثيل لها .
وهي ترى شخص من المدينة .
شخصا تعرف وتثق فيه , تشعر بالراحة حين يكون متواجدا .
انتبه زياد من غفلته حين سمع ذلك الصوت الذي يكاد يموت من شوقه إليه .
ليتقدم منها ببطء .
يبتلع ريقه , ويغمض عيناه مرارا .. كأنها لم يستوعب بعد .
حتى وصل أمامها , وانحنى يجلس على ركبتيه .
ظل ينظر إليها لعدة ثوانِ , قبل أن يمد يده ويلمس بشرتها الرطبة بفعل الدموع .
حين شعرت جوليا بيده على خدها شهقت وهي تبكي .
زمّ زياد شفتيه , وأحنى رأسه متأوها بألم هو الآخر .
ثم ما لبث أن بدأ يبكي بعدم تصديق .

أسرع يفتح قيودها القوية , وشتم المرأة التي قبض عليها بالخارج مرارا وتكرار وهو يرى أثار القيود عليها .
حين انتهى من قدميها , أمسك بكفيها .. ثم رفع رأسه مرة أخرى .
عيناه بعينيها المبللتين .
ثم إلى جسدها المرتجف بسبب شهقاتها .
فتح القيد سريعا , ليمسك بكتفيها .. ويسحبها إلى حضنه .
ليعانقها عناق العمر , عناق طويل .
علّه يخلصه من كل مرّ به بعد فراقها , ومن كل ما مرت هي به .
لفت جوليا يديها الواهنتين حوله وضمته إليها بقوة , بالرغم من أنها لا تتذكر أنه زوجها .
إلا أن الموقف جعلها لا تستوعب شيئا , غير وجود أحد تعرفه .
يعني أنها وأخيرا , حرة ..!
نسيا ما حولهما تماما , وجوليا تبثه أشواقها وحزنها بصوت نحيبها .
أما هو ..
فكان مغمضا عينيه .. يدفن وجهه في شعرها .
دموعه تسيل بصمت وهدوء .
كأنه حقا , يريد أن يدخلها داخل صدره .. حتى لا تغيب عنه مرة أخرى .
ولا يعاني من غيابها أبدا .

لم ينتبه زياد إلى ما حوله , إلا حين ابتعدت جوليا عنه بطريقة جعلته ينظر إليها بغرابة , كأنها تكهربت .
ثم أخذت تزدرد ريقها بخوف , وهي تعود إلى الخلف حتى عادت والتصق ظهرها بالجدار خلفها .
تحت عينا زياد المصدومتين .
نطق أخيرا بإسمها هامسا :
- جوليا .
هزت رأسها نفيا عدة مرات , قبل أن تخفض رأسها وتقول بصوت مرتجف :
- أعتذر , لم أكن أقصد .. أنا .. لم أقصد أن أضمك بهذه الطريقة , لقد نسيت نفسي .
أي ألم , هذا الذي شعر به زياد في تلك اللحظة ..!
شعور فظيع , أقسى من ذلك الذي شعر به حين سمع عن وفاتها لأول مرة ..!
بعد أن وصل لها , يجدها تجهل أمر زواجهما ..!
نعم سمع عن ذلك , يعرف أنها فاقدة لذاكرتها .
ولكن نبرتها وهي تقول ذلك , وأسفها الواضح على ملامحها وجهها ..!
يا إلهي ..!
لم يملك الوقت ليشرح لها شيء آخر , حين دخل أفراد الشرطة يبحث عنهما :
- هل وجدتهما .

وقف زياد , وهو للتو يستوعب أن هناك فتاة أخرى مسجاة على بعد عدة خطوات من جوليا .
نظر إليها عاقدا حاجبيه , وحين دقق النظر إليها انصدم .
ماذا تفعل أليس هنا ..!
ألم تكن من خطفت جوليا ؟
خلال لحظات …
كانت جوليا داخل سيارة الإسعاف , وأليس الفاقدة للوعي في أخرى .
ينظر أحد الممرضين إلى حالة جوليا .. وزياد يجلس على يمينها , لا يحرك عيناه من عليها , حتى شعرت بالإرتباك والتوتر .
لتقطع ذلك الصمت المربك بسؤالها :
- كيف عرفت عن مكاني ؟ أهو ذلك المخطط الذي أوصل أليس إليّ ؟
أطال النظر إليها مرة أخرى دون أن يقول شيء , حتى ظنت أنها أخطأت بسؤالها , ولفت وجهها عنه بإرتباك .
نفس النظرة الغامضة بعينيه .
نفس الغموض , ونفس الوجوم على ملامح وجهه .
لطالما تمنت أن تعرف ما يفكر به , وما يدور بداخله .. حين يصمت , ويتضح من ملامحه أنه شارد , يفكر في أمر ما .
كانت تلك النظرات تفتنها كثيرا , وكانت تحب أن تراه بتلك الطريقة .
رغم محاولاتها الكثيرة في كبت مشاعرها , ومحاولاتها في منعها من الوقوع في حبه .. إلا أنها كانت تشعر بشيء ما تجاهه .
نسيت كل شيء خلال الخمس سنوات , إلا أنها الآن …
وفي هذه الدقائق القليلة , حين وقعت عيناها على عينيه .. بدأ قلبها ينبض من أجله مرة أخرى , تبا ..
- تلك قصة طويلة جوليا , سأخبرك عنها فيما بعد .. ارتاحي الآن وابقي هادئة , لا تتحدثي أكثر , دعي عيناي تشبع منك .

أجفلت جوليا مما قاله , خاصة حين التفتت لتنظر إليه , وأبصرت تلك النظرة العميقة في عينيه .. ارتجف قلبها بين أضلعها , وشعرت به يخفق بقوة .
ماذا يقصد ..!
هل كان يفتقدني ؟
هل حقا .. اشتاق إليّ ؟
هل أعني له شيئا ..!
وإلا لماذا عاد بعد خمس سنوات ؟
ظلت أعينهما متعلقتان ببعضهما , حتى وصلا إلى المدينة .. ثم إلى المستشفى .
في قلب زياد , فرح عظيم .. يشعر أن الكون لا يسعه من شدة فرحه بعودة محبوبته إليه .
ولكن .. هل حقا عادت ؟
كيف وهي لا تتذكر أنها زوجته ..!
نعم , أمرها بالصمت وعدم الحديث , لأنه لا يريد أن ينجرح أكثر .
من عباراتها الغريبة , التي تؤكد لقلبه بقسوة , أنها نسيته .
بينما هو ..
مكث وتقلب في النار طوال خمس سنوات .
لا بأس , بما أنها صارت هنا .. بجانبه أخيرا .

____

الماضي ..

تقف أمام المرآة , تحاول جمع شعرها الطويل في ظفيرة واحدة .
تظفر من جهة , وتخرج بعض الخصلات من جهة أخرى .
من شدة نعومة شعرها .
تأففت وهي ترتب الخصلة الأخيرة بدبوس شعر صغير .
دارت لتنظر إلى ميسم التي تراقبها منذ البداية :
- خير ؟
تنهدت ميسم :
- بموت من الطفش , ليش ما تأخذيني معك ؟
ابتسمت رؤى بسخرية وهي ترتدي عباءتها :
- اللي يسمعك يقول إنك اجتماعية ودايم تجلسي مع الناس .
وقفت ميسم :
- غرفتي غير عن غرفتك , لدرجة إني لو حبست نفسي فيها شهرين ما مليت دقيقة وحدة , لكن في غرفتك أنا صدق مخنوقة .
زمت رؤى شفتيها , وقبل أن تفكر أكثر قاطعتها ميسم :
- ومثل ما قلت لك يا رؤى , أنا أعرف عن اللي صار أكثر من أي أحد .
تكتفت بعد ما قالت تلك العبارة التي حيرت رؤى , وصارت تدقق النظر فيها .
تبدوا صادقة .
أساسا ميسم دائما تبدوا جادة .
تعابير وجهها تجعلها تثق فيها .
تنهدت رؤى :
- أنا ما أدري ليش ما تعلميني يا ميسم , وتبين تقابلين الغريب ؟
- الغريب محقق , يقدر يتصرف بالطريقة الصحيحة .. أقدر أفيده بالمعلومات اللي عندي وهو يتصرف بطريقة قانونية , أما إنتِ لو علمتك أدري راح تفقدي أعصابك بسرعة , واحنا مو ناقصين مصايب .
صمتت رؤى بحيرة مرة أخرى , ثم قالت بهدوء :
- خلاص بقول لزين .
خرجت رؤى واتجهت حيث ينتظرها زين , والذي وقف ما إن رآها :
- يلا ؟
ترددت رؤى قبل أن تخبره :
- ميسم .. تبي تروح معانا .
نظر إليها بإستغراب :
- ليش ؟
ازدردت ريقها , هل تخبره الحقيقة ؟ وتقول أن ميسم تعرف شيئا ؟
لا .. سيغضب بالتأكيد .
إن علم أن أخته تخبيء أمرا هاما :
- تقول طفشانة , وودها تطلع تشم هوا .
فكر لعدة ثوان قبل أن يوميء بإيجاب :
- يلا خليها تطلع بسرعة .
أسرعت نحو حجرتها لتخبر ميسم , ثم خرجت هي إلى زين .

أصابها التوتر من جلوسها بجانبه بعد وقت طويل .
هو أيضا , راوده شعور غريب .
وهذا الشيء آلمه بشدة .
أن يشعر بالغرابة والإرتباك .
هل ابتعدا إلى تلك الدرجة ؟
ماذا يحصل بينهما ..!
ومن أجل ماذا ؟
زفر بصوت مسموع وهو يدير وجهه إلى جهة النافذة , يريد أن يتحدث إليها وينهي كل شيء .
إلا أنه غير قادر , ما فعلته رؤى ليس بهين .
جرحته بقوة .
لن يتمكن من النسيان بسهولة .
وهو يعلم جيدا , أنها إن سمعت عن نية سامي في الزواج في نهاية الأسبوع , ستغضب مرة أخرى .
وستفقد أعصابها .
لذا لا داعي لأن يتصالحا , ثم يختلفا مرة أخرى .
وأخيرا أتت ميسم لتريحهما من قبضة صدريهما .
وساد الصمت في السيارة , حتى وصلوا إلى وجهتهم .
مؤسسة والد زين , حيث ينتظرهم فواز هناك .
دخل زين إلى مكتبه تتبعه رؤى وميسم .
- السلام عليكم .
ألقى زين السلام وهو يقترب من فواز الذي وقف مبتسما .
حيّا بعضهما وجلسوا حول الطاولة الصغيرة في ركن المكتبة .
ليبدأ فواز بإلقاء الأسئلة الروتينية المعتادة عن القضية التي سترفعها رؤى ضد فهد .

خلال ذلك الوقت , كان زين يكتم غيظه وغضبه .
كون رؤى تجيب على الأسئلة بكل ثقة , وكأنها متأكدة تماما أن فهد هو القاتل .
بينما ميسم تراقب رؤى وتتأملها , كانت رؤى متحفزة تماما .
وتتحدث دون توقف .
تجيب على الأسئلة بسرعة .
حواسها كلها منتبهة مع المحقق أيضا .
تود أن تضحك بصوتها العالِ .
كونها تعرف ما تجهله رؤى .
وكل إجاباتها خاطئة .
حتى سأل المحقق بهدوء :
- ودي أعرف السبب اللي خلاك تكوني متأكدة لهالدرجة , يعني .. اللي يسمعك يقول إنك كنتِ موجودة في مسرح الجريمة وشفتي فهد يطعن أخوك ..!
صمتت رؤى من الغيظ .
ثم قالت بقلة صبر :
- قاعدة أقول لك من الصباح , لما سألت ماهر مين اللي طعنه قال فهد , يعني أكذبه ..!
ابتسم ثم قال بهدوء يهز رأسه نفيا :
- ما أقول تكذبينه , بس ماهو دليل كافي أخت رؤى , أعتذر إني ضد اللي تقولينه , لكن عشان نقدر نرفع القضية بثقة لازم تكون عندنا أدلة واضحة .
أغمضت عيناها بقهر , تعرف هذا الشيء .
ولكن من أين لها أن تأتيه بالدليل ..!
هي متأكدة من أنها سمعت إسم فهد .
يعني أنها لا تمتلك أي دليل , سوى أذنيها ..!
تبا ..!
فاجئت ميسم الجميع حين تحدثت بهدوء :
- الجثة , الصور من تشريح الجثة قبل ثلاث سنين , راح تساعد .

عقد فواز حاجبيه بغرابة :
- شلون يعني ؟
اعتدلت ميسم في جلستها , تكمل بنبرتها الغير مبالية :
- مثلا مكان الطعنة , وطريقة الطعن كلها راح تكون واضحة بالصور .. فهد أعسر , يعني لو صدق هو اللي قتل ماهر راح يوجه السكين من المرة الأولى من دون ما يغلط على المكان اللي يبي يطعنه فيه.. بحكم إن يده ثابتة , لكن لو بينت الصور إن الطعنات غير ثابتة وبيد مرتجفة , معناته فهد ما له دخل .
اتسعت أعينهم بدهشة وذهول .
كان فواز أقلهم ذهولا بما أنه يعرف الكثير عن الجنايات .
ولكن هي , ما أدراها بتلك الأشياء ؟
قبل أن يتحدث , قاطعه زين بسؤاله الموجه إلى ميسم :
- شكل الكتب أثرت فيك صدق ميسم .
ابتسمت وهي تجيبه بكل ثقة :
- هي فادتني صحيح , بس أعرف هالشيء من زمان .
- كيف ؟
رفعت كتفيها بلا مبالاة :
- أعرف وبس , المهم الحين نشوف الصور ونتأكد .

ساد صمت قصير , قبل أن تسأل رؤى بهدوء :
- وش تعرفين بعد يا ميسم ؟
- ولا شيء .
ابتسم فواز وهو يقف بعد أن أجمع أوراقه :
- أعتقد اكتفينا لليوم , مثل ما قالت الأخت .. نتأكد من صور الجثة ثم نكمل .
سلم على زين والتفت ليخرج , ولكن ميسم باغتته مرة أخرى :
- جوال ماهر , راح يكون دليل كافي ؟
التفت إليها الجميع بصدمة , لتكمل هي بإرتباك من نظراتهم :
- أقصد .. ما دام رؤى مصرة إنه ماهر قال إسم فهد , يمكن نقدر نسترجع المكالمة ؟
سألت رؤى بلهفة وهي تمسك بذراعها :
- تعرفين وينه ؟
هزت رأسها نفيا :
- لا , بس أسأل .
أطال فواز النظر إلى جهتها , ثم هز رأسه بإيجاب وهو عاقدا حاجبيه , لا بد من أن هذه الفتاة لديها الكثير :
- أكيد راح يكون دليل كافي , لكن وينه الحين ؟
- ما أدري , بس بحاول ألاقيه .
أومأ بإيجاب وخرج , والكثير من الأسئلة تدور في عقله .
بدت واثقة وجادة , ومتأكدة من كلامها تماما حين تحدثت عن فهد .. وعن كونه أعسر , وكيف يمكنه إستخدام السكين .
كأنها اطلعت على كل شيء قبل إتيانها .
هل يعقل وأن تعرف الجاني الحقيقي ..!

في الداخل ..
أقفل زين الباب خلف فواز , ثم اقترب من ميسم .
- وش تعرفين ؟
أنزلت ميسم نقابها وجلست بكل هدوء :
- وش أعرف ؟ ولا شيء يا زين , هذي بس شوية معلومات ممكن تفيد في القضية .
صرخت رؤى بقهر من المحقق الذي لم يأخذ بما قالته على محمل الجد :
- إلا تعرفين كثير يا ميسم , ليش ما تقولين وتريحينا ؟
كانت تريد أن تقول عما أخبرتها في المنزل , أنها تعرف المجرم الحقيقي .
ولكنها خافت من زين .
رفعت عيناها بهدوء :
- كل اللي عندي قلته للمحقق يا رؤى لا تسوين دراما .
عضت رؤى شفتها السفلى بقوة وهي تغمض عيناها وتدير عنها .
نظر إليها زين لعدة ثوان :
- يلا برجعكم البيت , وانتي يا ميسم .. أول ما توصلين تجهزين أغراضك وأغراض تميم .
وقفت ميسم بسرعة , ووجهها اسودّ من الهم فجأة :
- ليش ؟ تكفى زين لا ترجعني بيتنا وأمي مو فيه .. استأجر لي غرفة في فندق بس نجود ما أقعد معها لوحدنا .
صمت زين قبل أن يلقي عليهما الصدمة :
- أمي رجعت قبل شوي , استعجلت عشان تساعد نجود وتجهزها للزواج .
انصدمتا مما قال , لتسأله رؤى :
- أي زواج .
نظر إلى كل شيء عداهما :
- زواج سامي ونجود , راح يكون بنهاية هالأسبوع .
ليكمل بعد صمت قصير :
- وفهد ولجين بعد بنفس اليوم .
صمتتا من فرط الدهشة .
بهذه السرعة ؟
لم يطول صمت رؤى التي وقفت أمام زين بوجه محمى , تقول بصوت غاضب :
- مو بهالسرعة يا زين ما راح أسمح لهم , والله ما راح أسمح لهم يتزوجون قبلنا أنا وإنت , خربوا علينا كل شيء ويتزوجون بسهولة ولا كأن في شيء صاير , وأنا اللي بموت من القهر .

أمسك زين بذراعها مقطبا جبينه بإنزعاج :
- انتي اخترتِ هالشيء يا رؤى , فضلتي طريق الإنتقام لأخوك واللي ما راح يجيب لك غير هالقهر اللي ماكل قلبك , وتاركة الكل يعيش بهناء , وبعدين تعالي .. تقولين هالكلام وانتي طالبة الطلاق من يومين ؟
شهقت ميسم وهي تعود إلى الخلف غير مصدقة ..!
حقا ؟
أحصل هذا ؟
هل رؤى طلبت الطلاق من أخيها ؟
تعرف أنهما يحبان بعضهما بجنون , ولم تتوقع يوما أن يختلفا بهذا الشكل .
آلمها قلبها وهي ترى هذا المنظر .
كلاهما غاضبان .
وهي تعرف ما سيجعلهما يرتاحان ويعودان كما كانا في السابق .
ولكنها لا تملك الدليل .
إن أخبرتهم , ستفسد الأمور أكثر .
ابتعدت رؤى عن زين وولته ظهرها وهي تمسح دمعتها الخائنة .
ثم ارتدت نقابها على عجل .
لتخرج من مكتبه دون أن تنتظرهما .
تأفف زين وأغمض عيناه وهو يتنهد بقوة .
لا يعرف ماذا عليه أن يفعل .
التفت إلى ميسم :
- اللي صار هنا ما احد يعرفه يا ميسم , ما يطلع حرف واحد من اللي انقال , مفهوم ؟
هزت رأسها يإيجاب .
- يلا .
- روح انت خلني أعدل حجابي .
خرج زين تاركا إياها في المكتبة , وهي تباطأت حتى ابتعد واختفى عن ناظريها .
لتسرع نحو الطاولة .
وتفتح دفتر ملاحظات صغير , موضوع بجانب شاشة الحاسوب .
فتحته لتبحث بعينيها عن رقم المحقق .
حتى وجدته .
أخرجت هاتفها من جيب عباءتها , وسجلته بسرعة .
ثم خرجت بخطوات سريعة .

_____

الحاضر ..

بعد أن انتهى الجميع من تناول الطعام .
اتجهوا إلى الملحق في حديقة المنزل , لمشاهدة أحد الأفلام .
حين رنّ هاتف الجوهرة , بإسم عالية .
ابتسمت وهي تقف وتخرج لترد عليها .
هينا التي كانت تجلس بجانبها , تتبعتها بعينيها حتى خرجت .
وقلبها يخفق بعنف .
يا الله .
أرجوا أن تكون المكالمة عن الخطبة , ولكن الخبر يكون في صالحي .
أرجوا أن يرفضني العريس .
ظلت تنظر ناحية الباب كل بعد دقيقة .
تنتظر والدتها تلقي عليها الخبر .
أي خبر , لينتهي هذا القلق .
تأخرت والدتها .
وقفت وهي تتنهد , وخرجت بخطوات بطيئة .
وجدت أمها واقفة بالقرب من باب المطبخ .
ملامحها غير واضحة في الظلام .
والديها يحرصان على إطفاء أنوار المنزل كلها , إلا المكان الذي يتجمعون به .

اقتربت منها تضم كفيها ببعض , حتى وقفت أمامها .
حتى بانت لها ملامحها الباردة , والتي لم توضح أي شيء .
- خير يمه ؟ مين اللي اتصل فيك ؟
دققت الجوهرة النظر إلى إبنتها , وتأملتها طويلا .
حتى أن هينا شعرت بالقلق .. لتجيبها الجوهرة بإبتسامة واسعة :
- مبروك .
اتسعت عينا هينا بصدمة , وشعرت بضيق شديد يكتم أنفاسها , حتى شعرت بقلبها يهوي ويسقط بين رجليها , هل ذلك السخيف وافق أن يتزوجها ..!
هل يعني هذا أنها فعلا ستصبح ملكا لشخص آخر ؟
غير الذي ملك قلبها ..!
شعرت بالدموع تبلل عينيها , حتى أوشكت على السقوط .
حين ضحكت الجوهرة :
- دموع الفرح ؟
تقوست شفتا هينا بزعل .
كادت أن تصرخ من قهرها الشديد .
إلا أن منظر أمها منعها من ذلك , لن تصرخ أمامها ولن تغضبها .
لم تشعر بمثل الشعور الفظيع في حياتها قط .
فكرة أن أمر زواجها من شخص آخر غير زياد سيصبح واقعا , يجعل قلبها يتحطم تماما .
تأملتها الجوهرة بإبتسامة هادئة , قبل أن تسند ظهرها على الحائط وتتكتف :
- تذكرين لما خطبك محمد ؟ ونزلتي لنا أنا وعمتك العنود ؟ كانت إبتسامتك شاقة الوجه , يوم قلتِ اتخذت قرارك وهذا وجهك .. توقعت إنك وافقتِ , خدعتينا يا هينا وصدمتينا لما قلتِ إنك ما تبيه , قررت أرد لك نفس الحركة .

رفعت هينا رأسها بذهول :
- إيش قصدك ماما ؟
ضحكت الجوهرة :
- ماما ؟ قد كذا مصدومة ؟ عموما .. مبروك لأن أخو عالية ما يبيك , تقول استخار وما حس إنه مرتاح .
فغرت هينا فمها بذهول , تنظر إلى أمها بتلك الطريقة .
بعدم إستيعاب .. بسعادة , عدم تصديق .
حين أومأت الجوهرة برأسها بإيجاب .
صرخت هينا بصوتها العالي وهي تقفز وتحضن أمها , ودموعها تغرق خديها :
- الحمد لله الحمد لله .
تركت والدتها وركضت إلى الأعلى .
لا تسعها الأرض من شدة الفرح .
رفعت الجوهرة قبضة يدها على صدرها وهي تتنهد بضيق .
تألمت بشدة حين رأت فرحة هينا .
هل حقا كانت ستفعل ذلك ..!
تجبرها على الزواج بمن لا تريد ؟
حقا .. أعجبها فواز , أكثر من أي عريس تقدم لها في السابق .
سمعته جيدة جدا في مجاله .
ولكن هل كان عليها أن ترغم إبنتها على الزواج منه فقط لأنه أعجبها ..!
يا لها من إنسانة عديمة الضمير .
الأمر الذي جعلها تغضب إلى تلك الدرجة , وترغم هينا على الموافقة .
ما كتبته هينا في مذكرتها .
لا تريد لإبنتها أن تتألم من حب عقيم , من طرف واحد .
هذا ما فهمته حقا مما قرأته .
ولكن أيضا , يمكن تلك الخاطرة .. والقصيدة المرفقة , فقط كتابة عادية لا تقصد هينا نفسها بها ..!
فالكاتب مثله مثل الشاعر , يقول ما لا يفعل .
سامحها الله , إذا ضيقت على إبنتها وبكرها بتلك الطريقة .

هينا …
دخلت إلى حجرتها , وأطلقت صرخة عالية تعبر بها عن سعادتها العظيمة .
حمدا لله الذي استجاب لها دعوتها .
وخلصها من هذا الزواج السخيف .
فعلا ..
والدتها لعبت بأعصابها , وخدعتها حتى شعرت بقلبها يسقط في الهاوية .
اتجهت إلى حاسوبها .. وفتحته لتشغل أغنية ترقص عليها , بعد أن فتحت ربطة شعرها .
وصارت ترقص على صوت الحاسوب الصغير وهي تضحك أمام المرآة .
حين انتهت , أقفلت الجهاز واستلقت على سريرها وهي تنظر إلى السقف وتضحك .
ثم ما لبثت أن قالت بحنق وغيظ :
- بعدين هاللي ما يستحي كيف يرفضني ؟ كيف يتجرأ يرفض هينا بنت سعد ؟
وكأنها ليست التي كانت تدعو عشية وضحى أن لا يتم الأمر .
ثم أغمضت عيناها بحالمية :
- آآخ الحمد لله , يلا يا زياد تعال الحين وينك .
كأن زياد استمع إلى ندائها له بينها وبين نفسها .
ليستجيب سريعا .
ويصلها رد متأخر .
على رسالة أرسلتها قبل عدة أيام , حين سألته عن سبب ذهابه إلى واشنطن .
جلست ببطء وهي تقرأ رده المؤلم جدا , الموجع حد الموت .
القاتل ..
بعد أن كادت تصاب بسكتة قلبية من شدة فرحها .
( سمعت أخبار عن جوليا , وإنها ما ماتت .. جيت أتأكد , وتعبت كثير عشان أوصل لها , والحمد لله كان الموضوع يستاهل كل هالمعاناة .. لأني لقيتها أخيرا بعد ما دورت عليها )
الصورة المرفقة , كانت مؤلمة أكثر من رده .
صورته برفقة جوليا .
يجلس على مقعد بجانب السرير الأبيض في المستشفى .
والذي ترقد عليه جوليا .
تبتسم إبتسامة رائعة , رغم شحوب وجهها .
إلا أنها بدت رائعة .
إبتسامة زياد كانت أكثر روعة وجمالا .
لدرجة أنها شعرت بها تصيب قلبها بشدة فتقتله .
ذلك البريق في عينيه , لم تره قط قبل هذه المرة .
سهَت تماما وهي تدقق النظر إلى كليهما .
حتى قطع زياد غفلتها برسالة أخرى
( أعتذر لأني ما رديت عليك من أول , بس مثل ما قلت لك كنت مشغول حيل , ما قعدت إلا لما لقيتها , ما تدرين قد إيش مرتاح ومبسوط الحين ) .

أنا أيضا , يا جارحي .. وقاتلي .
كنت ( مبسوطة ومرتاحة ) بعد أن سمعت أن فواز رفضني .
أملا مني بأن أستطيع أن أجتمع بك .
لم أنتظر مثل هذه الرسالة القاتلة منك .
كلماتك أشد وقعا على قلبي من السيف والله .
أقسم أني لم أشعر بمثل هذا الشعور من قبل .

_____

مضت حوالي النصف ساعة .
وهو يراقب تحركاتها داخل الحجرة .
بالرغم من أنها كانت نظيفة ومرتبة تماما .
إلا أنها تتظاهر بترتيبها مرة أخرى .
وتمثل أنها تنفض الغبار عن الآرائك , تمسح طاولة الزينة .
لم تنظر إليه أبدا منذ أن دخلا إلى المنزل .
تنهد وقد ملّ من انتظاره لها .
وقف خلفها وهي تمسح طاولة الزينة , وأمسك بعضديها ليقرب وجهه منها , ويهمس في أذنها :
- خلاص لين متى بتسوين نفسك مشغولة ؟ ترى رتبت البيت ونظفته كل يوم من رحتي بيت أهلك .
ازدردت عالية ريقها , وهي تتجاهله وتكمل ما بدأته .
عقد محمد حاجبيه , وأمسك بيدها ليسحب منها القماش , ويرميه جانبا .
التفتت إليه بغضب , قبل أن تهطل عليه بكلماتها الغاضبة .. باغتها بقبلة على جبينها .

رقّت ملامحها وتجمعت الدموع في محاجرها , وهي تبعده عنها بخفة .
تنهد وهو يمسك بكتفيها ويسحبها إلى حضنه , ضمها بقوة وهو مغمضا عيناه .
يستمع إلى شهقاتها الخافتة .
يشعر بأظافرها المنغرزة على ظهره .
ظل ساكنا حتى هدأت .
أبعدها عن حضنه بلطف , ليمسح دموعها بكفيه .
أمسك بكفها وساقها نحو الأريكة , أجلسها وجلس بجانبها .
قبل وجنتيها ثم أمسك بكلتا كفيها , ليقول بهدوء :
- أنا فهّمتك يا عالية وشرحت لك كل شيء , ليش إلى الآن زعلانة ؟
شهقت عالية التي لم تذهب عنها آثار البكاء بعد :
- مو قادرة يا محمد , ما تدري كيف حسيت لما هينا قالت لي هالشيء , وقبلها إنت لما عارضت ما علمتني بالسبب , جرحتني يا محمد .
أغمض عيناه متأففا .
لا زالت تردد نفس الكلام , وتلك الكلمة السخيفة ( جرحتني ) .
لم يقصد ذلك أبدا .
ولكنه لم يتوقع من هينا ذلك التصرف الأحمق .
نعم ربما لم ترغب في الزواج من أحد يقربه , ولكن …
كيف لها أن تفسد الأمور بتلك الطريقة ؟
هي ليست طفلة .
عهدها متهورة , ولا تنتبه لما تقوله أو تفعله .
ولكن ليس إلى ذلك الحد ..!
منذ تلك الليلة , وبعد أن عادت عالية من منزل والد هينا .
لم تصلح الأمور بينهما .
غضبت بشدة , اختلفا .. فذهبت هي إلى منزل والدها , ومعها حقيبة متوسطة الحجم .
لم تعد إلا قبل قليل .

اقترب منها محمد أكثر , ورفع كفيها ليقبلهما بعمق , وهي ترتجف وكأنها تشعر بالبرد الشديد .
ليقول بهدوء :
- ما قلت يا عالية عشان ما تفهميني غلط , لو كنت فعلا أكن لها مشاعر تتوقعي كنت أقدر أحبك إنتِ بهالسهولة ومن أول ما تزوجنا ؟ من الدقيقة اللي صرتِ فيها ملكي وعدت نفسي إني ما أجرحك ولا أزعلك , وإني انتبه لك ولمشاعرك زين , واني أمنع نفسي من أي شيء ممكن يضايقك , ما أدري إذا قبل كذا تضايقتي من شيء سويته من دون ما أقصد , عشان كذا ما قلت لك السبب اللي خلاني أعارض فكرة زواج فواز وهينا , وهو مو مثل في بالك .. مو لأني كنت أحب هينا أو أميل لها , إيه صدق تعرفت عليها لما رحت أمريكا , وخطبتها لأنها بنت عايلة طيبة ومعروفة , لكن بعد ما رفضتني نسيتها تماما , ما عمري رجعت أفكر فيها .
قاطعت عالية حديثه الطويل :
- طيب إيش السبب ؟ ليش ما تعلمني ؟

نظر إليها طويلا , ثم تنهد بضيق :
- لأنها تحب واحد .
اتسعت عينا عالية وفغرت فاهها بذهول تام :
- نعم ؟
ابتسم محمد :
- لا تفهميني غلط الحين بعد , عرفت هالشيء لما رفضتني .. كنت شاك , لكن تأكدت بعد ما رفضها .
ازدردت ريقها عالية , وشعرت بألم في قلبها .. صعب , صعب جدا أن لا تفهمه خطأ .
حتى وإن أثبت لها العكس .
أن يعرف عن حبها لشخص آخر لمجرد الرفض , يعني أنه كان مقربا منها كفاية .
يا إلهي .. كم كنت مغفلة .
وكنت مغمضة عيناي لأخدع بهذه الطريقة .
حاوط محمد وجهها بكفيه , عيناه بعينيها اللامعتين :
- عالية يا روحي , صدقيني ماحد في قلبي غيرك .. كنت خاطب أبرار صح , لكن فرقتنا المشاكل اللي صارت , وبعدها خطبت هينا ورفضتني .. والحين والله إني نسيت كل اللي صار في الماضي , لا تخلين أي شيء يخرب بيننا .
صمتت عالية وهي تسمح لدمعتها بالنزول , والتي مسحها محمد بأصبعه سريعا .
قبل أن يقبلها بحب .
وتتقبل هي تلك القبلة بصمت .
وقلبها يتألم بشدة .
نعم يا محمد .
أنا ساذجة , وغبية .. وحمقاء تماما .
لأصبح البديلة المناسبة لحياتك .
حتى وأنت تريد أن تصلح ما أفسدته , تجرحني دون أن تشعر .
وهذا ما أكرهه فيك .
أنك تجرح دون أن تشعر , وتعتقد أنك تفعل الصواب .
كانت أبرار .. ففرقتكما المشاكل كما قلت .
ثم هينا , فرفضتك بسبب حبها لشخص آخر مجهول .
ثم أنا .. قبلت بك , بسبب جهلي وغبائي .

نام محمد هانيء البال مرتاحا .
يحسب أنه انتهى من مهمته في الإعتذار منها وإرضائها .
لا يعلم شيئا عن البركان الثائر داخل صدرها .
منظره وهو يعارض فكرتها في خطبة هينا لأخيها , يتكرر أمام عينيها ألف مرة .
فتتألم كل مرة , ويعاودها ذلك الشعور حين أخبرتها هينا بالخطأ عن خطبة محمد لها .
سألته عدة مرات , عن سبب رفضه .
إلا أنه لم يخبرها بشيء .
وهي أيضا لم تبالي كثيرا .
حتى سمعت ما سمعته من هينا , فانقسم قلبها إلى نصفين .
ظنا منها أنهما عاشا قصة حب مخفية عن الجميع .
لذلك هينا أيضا ترفض شقيقها .
ولكن بعد أن عادت إلى المنزل , وواجهته بالحقيقة .
أقسم لها أنه لم يحبها ولم يحدث بينهما شيء مما خطر على بالها .
لم يمضِ على زواجهما سوى ثلاثة أشهر .
إلا أنها أحبته بجنون , وتعلقت به بشدة .
ليقتلها الشعور بالغيرة , ويدفعها لتوضيب حقيبتها والذهاب إلى منزل والدها القريب جدا من منزل محمد .
كطير جريح .
هو لا يدري عن ذلك الشعور المرير في قلبي .
والذي لن يذهب أبدا , مهما فعل ومهما نطق من الكلمات .
وإلا لما تمكن من النوم أبدا .

____

انتهى الفصل

Continue Reading

You'll Also Like

3.2M 88.4K 64
عجيبٌ حقاً أمرُ البداياتِ والنهاياتِ ، فكِلتاهُما في كثيرٍ من الأحيانِ قَد تبدو لنا متشابهاتٍ ، أحياناً عندما نتعرضُ لِإنتكاسةٍ رَوْحِيَةٍ نَعْتقدُ أ...
15.3K 825 34
3 بنات كانو يتعذبون من ابوهم ومن لحضه وحده تحولت حياتهم الابطال: ايمن فايز يعقوب منار لينا صبا سوسن عزيز الشخصيات الثانويه: عبدالله الما تالين فراج...
521K 30.2K 38
قصه حقيقيه لثلاثه ريحانات لكل ريحانه قصه مختلفه تأخذنا لنغوص في عالم مختلف