الفصل الثالث والثمانون

ابدأ من البداية
                                    

قالت الجارة بنبرة متهكمة، ونظراتها الساخطة تتجول عليها:

-أعوذُ بالله، الخِلقة دي سهل الواحد يفتكرها.

سألها المحقق من جديد، لتكون الإجابة قاطعة كذلك:

-يعني مش الست اللي واقفة جمبها؟

وكانت نظراته موجهة نحو "آمنة"، تطلعت إليها الجارة، ونفت عنها التهمة دون تفكيرٍ:

-لأ دي ماشوفتهاش قبل كده...

حملقت مرة أخرى في ملامح "حمدية" المتجهمة بغلٍ، وأضافت مشيرة بإصبعها ناحيتها:

-هي دي يا بيه، وحتى بالأمارة كانت لابسة نقاب، ورافعة البرقع عن وشها.

نفت "حمدية" كلامها بالتمسك بكذبها، فرفعت نبرتها لتصيح في وجهها بحدة:

-أنا ما عمريش لبست نقاب، حرام عليكي، اتقي الله.

هددها المحقق بعد أن بدا صراخها خارجًا عن السيطرة:

-اسكتي أحسنلك.

رفضت الانصياع لأمره، وقالت ببكاءٍ حاولت استدعائه:

-يا بيه دول بيفتروا عليا، أنا غلبانة ومظلومة...

استشاطت نظراتها، واستدارت تحدج شقيقة زوجها بكل ما فيها من كراهية، واتهمتها علنًا:

-"آمنة" هي اللي عملت كده.

شهقت في ارتعابٍ، وقالت برجفةٍ مذعورة:

-والله العظيم ما حصل، أنا عمري ما فكرت أذي حد.

قال المحقق ببساطة:

-الحقيقة معروفة يا ست "آمنة".

هتفت "حمدية" بنزقٍ، وهي تلطم على صدغيها، لتثير التعاطف حولها:

-كلكم موالسين مع بعض عشان تودوني في داهية، إنتو بتكرهوني ليه؟ عايزين تلبسوني حاجة معملتهاش، وعيالي لسه آ...

لم يبدُ المحقق متأثرًا بما تفعله، بل بدا نافرًا منها، لم ينتظر انتهاء نوبة عويلها، وقاطعها بلهجته الرسمية الصارمة:

-فوقي من شغل الجنان ده، إنتي في كارثة.

أبعد نظراته عنها، وأكمل أوامره للجارة:

-امضي على أقوالك.

ردت عليه "أم دعاء" بخنوعٍ:

-حاضر يا باشا،...

ثم دمدمت مضيفة بتبرمٍ وهي تنهض من مكانها لتوقع بجوار المعاون:

-منها لله الظالمة، يتمت البنت، وكانت هاتجيب أجل السُكان كلهم.

صرفها المحقق ليأتي بالشاهدة الأخيرة، والتي حرص أن يستقبلها بنفسه، وبمفردها، ليزيل أي رهبة تعتريها، عندما ترى قاتلة والدتها بالداخل؛ وإن لم تدرك هذا حرفيًا. حدقت "رقية" في وجه كلتيهما بنظراتٍ قلقة متوترة، وجه "حمدية" الغاضب كان باعثًا على الانقباض، بينما تعابير "آمنة" الحزينة كانت تدعو للإشفاق. أجلسها المحقق على حجره، وسألها بصوته الهادئ:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن