الفصل السابع والسبعون

37.6K 2.1K 349
                                    


زي ما وعدت القراء امبارح في استكمال لباقي الأحداث .. في فصل جديد ..

إن شاءالله تقضوا وقت ممتع معاها


الفصل السابع والسبعون

تقدم ناحية المكان الذي تجلس به، وعيناه مغرورقتان بالدموع، مد يده نحو ذراعها، قبض عليه بلطفٍ، وسحبها من مقعدها بعيدًا عن والدتها وزوجة خالها، فمثل تلك الأخبار المفجعة تحتاج لتمهيدٍ مسبق، حتى لا يكون وقعها مميتًا على من يتلقاها، حاوط "هيثم" زوجته من كتفيها بذراعه، وسار بها في اتجاه السلم، وهناك استطرد يقول بصوته المختنق، وتلك الغصة تجرح حلقه:

-إنتي مؤمنة بقضاء الله وقدره.. صح؟

وضعت "همسة" يدها على فمها تكتم شهقاتها الصارخة، فتابع يوصيها:

-مش عايزين صريخ، ربنا اختارهم يكونوا من لؤلؤ الجنة، هما راحوا عند اللي أحسن من اللي الكل، ده قضائه.

لم تستطع نفسها من البكاء قهرًا على وفاتهم، انفجرت في نوبة مريرة، عجزت عن ضبط انفعالاتها المتحسرة فيها، كان من الحكمة أن انفرد بها بعيدًا عنهما، وإلا لامتلأت جنبات المشفى بوابلٍ من الصراخ العنيف، لن يزيد القلوب سوى ألمًا وانفطارًا. تنفس بعمقٍ، وأخبرها على مهلٍ:

-خلي أمك تكلم أبوهم، متقوليش ليها حاجة دلوقتي، لحد ما هو يجي...

بدت غارقة في بكائها الشديد، فوضع يده على جانبي كتفيها يهزها برفقٍ منهما، وهو يسألها:

-إنتي سمعاني؟

أجابت بصوتٍ متقطعٍ بالكاد استطاع فهمه:

-صعبانين .. عليا .. أوي، هما مالهومش ذنب.

عبارات المواساة أحيانًا في مثل تلك المواقف العصيبة، يتعذر النطق بها، قد تبدو فارغة، غير مجدية لمن يعاني من ويلات الفراق، فالراحلون ذهبوا للأبد، وتركوا من خلفهم لوعة الاشتياق لوجودهم! استدمعته تلك المشاعر، وحجزت العبرات في حدقتيه، تنفس على مهلٍ، ثم تابع بصوته المغلف بحزنٍ ثقيل:

-ربنا يصبر أهلهم، ويعينهم على اللي هما فيه..

انتظر للحظة قصيرة، وقال:

-أنا هاوصي الدكتور والممرضين يفضلوا مكتمين على الخبر لحد ما يوصل خالك، وجوده أكيد هيفرق مع أمهم.

هزت رأسها بإيماءة موافقة، ومسحت بمنديلها الورقي الدموع المبللة لوجهها، قبل أن تتحرك ناحية والدتها لتطلب منها تنفيذ ما أمره بها زوجها.

...........................................................

من بعيد بدت له، كبؤرةٍ من الكتل البشرية المتزاحمة فوق بعضها البعض، وحين اقتربت خطواته المتخبطة من المكان، ترأى له بوضوحٍ، أنه كان حشدًا غفيرًا أتى من كل حدبٍ وصوب، لتفقد البناية التي بدت كأتونٍ من الجحيم. زاد ازدحام المنطقة بعربات الإسعاف، النجدة، والمطافئ، فأصبحت الحركة عسيرة على الغالبية. جرجر "خليل" قدميه نحو منزله، شخصت أبصاره وهو يرى كيف تحول المكان الذي كان يأويه فيما مضى، لركام وأطلال دُفنت فيه ذكرياته مع أحبابه. ضربات خفيفة تلقاها على كتفيه، كنوعٍ من المواساة، أثناء شقه الطريق إليه. منعه الطوق الأمني المفروض حول العمارة وما حولها من الصعود إلى الأعلى؛ لكن هذا لم يوقف صوته عن الصراخ مناديًا:

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Where stories live. Discover now