الفصل الثاني والثمانون

37.8K 2.2K 388
                                    


قراءة ممتعة


الفصل الثاني والثمانون

رغبته في تجنيد فئة جديدة، تنضم للعمل معه، وفق شروطه الصارمة، قد أصبح أمرًا مؤجلاً حاليًا، بعد تدهور الأعمال مؤخرًا، وتعليق بث الجديد من المحتوى المثير على موقعه. فرك "آسر" رأسه بيده، محاولاً البحث عن وسيلة لتعويض الخسائر المتزايدة، خاصة بعد أن رأى انخفاض الأرباح، والمشاهدات عليه؛ لكن تعذر عليه الوصول للحل السحري، في وقت قياسي. تلفظ بسبةٍ لعينة، وأغلق الحاسوب النقال في عصبيةٍ، ليريح ظهره للخلف، على الأريكة الجالس عليها. تحرك بؤبؤاه نحو بقعة الدماء الجافة، التي ما زالت آثارها باقية على السجادة، ليعود بذاكرته لأيامٍ مضت، حينما تهورت "فيروزة" وسكبت القهوة الساخنة على لوحة مفاتيح حاسوبه القديم، في لحظة هوجاء منها.

آنذاك خرج عن شعوره، واختطف الفنجان من يدها، ليقبض عليه، ثم رفعه للأعلى، وانهال به على جانب رأسها في ضربة عنيفة مباغتة، جعلت نظراتها تبرق، وجسدها يتصلب. كرر الضربة بقساوةٍ أشد، فترنحت على أثرها، وتفجرت الدماء من رأسها، طُرحت أرضًا، وسكنت أطرافها، ركلها بقدمه في جانبها وهو يصرخ بها بوعيدٍ مُهلك:

-أنا هوريكي أيام سودة!

لكزها بعنفٍ مرة أخرى، على أمل أن تنتفض بألمٍ؛ لكنها بقيت ساكنة، تأملها بنظراتٍ محتقنة، مليئة بالغضب والغيظ، سريعًا ما تبدلت للقلق والارتعاب، مع ظهور بركة من الدماء أسفل رأسها، خشي أن تكون ضرباته العنيفة قد أحدثت الأسوأ، جف حلقه، وانحنى جاثيًا إلى جوارها، ناداها بصوتٍ أظهر خوفه على نفسه:

-"فيروزة"! بلاش الحركات دي!

وضع يده على كتفها يهزها منه، بقيت كما هي، لا حراك في جسدها، شحب وجهه، وحملق فيها بنظراتٍ مذعورة، دقق النظر في جرح رأسها، كان غائرًا، مخيفًا، الدماء تتدفق منه، تراجع في ذعرٍ، ومد إصبعيه نحو عنقها، ألصقه به متفقدًا نبض قلبها، شعر بوجوده، فتنفس الصعداء، وتساءل بأنفاسٍ مضطربة:

-العمل إيه دلوقتي؟

شعر بتلاحق دقاته، وقد تدارك حجم الكارثة التي زج بنفسه فيها، غمغم في هلعٍ:

-أنا كده هاروح في داهية! والناس في البلد دي مابترحمش.

أعمل عقله بكامل طاقاته، محاولاً إخراج نفسه من تلك الورطة المهلكة، توهجت نظراته حينما طرأ بباله أن يحول المسألة برمتها لحادثة عرضية غير مقصودة، لا دخل له بها، ومُلقيًا باللوم عليها، لإهمالها في الانتباه لنفسها، لهذا قام "آسر" بتعديل وضعية جسدها، فأمسك بها من كتفيها، وقلبها على بطنها، لتبدو كما لو أنها تعرقلت في خطواتها، دون وعيٍ، فانكفأت على وجهها. نهض من جوارها، واتجه بخطوات شبه راكضة نحو الحمام، جال بنظراتٍ سريعة باحثًا عن الدلو الفارغ، وجده في الزاوية، فأمسك به، وملأه بالمياه، ثم أضاف مقدرًا كبيرًا من مسحوق الغسيل، ليحمله بعد ذلك نحو الخارج.

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن