الفصل السابع والسبعون

Comenzar desde el principio
                                    

-"سمــــــاح"! "رقيــــــة"!

لفت الأنظار نحوه، فحاوطه جيرانه، والإشفاق يبدو ظاهرًا عليهم، ربت أحدهم على كتفه يواسيه:

-شد حيلك يا أستاذ "خليل".

وقال آخر بحزنٍ عميق:

-ادعيلها بالرحمة.

لم ينظر بعينيه الزائغتين نحو أي أحدٍ، بقيت أنظاره معلقة للأعلى، ولسان حاله يردد في إنكارٍ شديد، رافضًا تصديق ما حدث لهما:

-هما مماتوش، أنا كلمتهم من بدري، إنتو مش عارفين حاجة.

علق عليه أحدهم من الخلف، وهو يشاطره الأسى:

-لا حول ولا قوة إلا بالله، ربنا يصبرك.

بقي متبلدًا في مكانه، لا يقوى على الحركة، عيناه فارغتان، وعقله محجوب التفكير عنه، سد أذنيه عن شبيه هذا الكلام الغريب، أوهم نفسه إنها مجرد عبارات سخيفة لا معنى لها، إلى أن أفاق من صدمته، وانهار مع رؤيته لكيس الجثث الأسود، يمر من جواره، يحمله المسعفين نحو عربة الإسعاف، وصيحات التوحيد، والترحم على المتوفية ترتفع من ورائه، هزة عنيفة نالت من جسده، وأحدهم يواسيه مجددًا:

-ادعيلها يا أستاذ "خليل" بالرحمة.

شهق باكيًا في حسرةٍ، وهو يهتف بصوته المختنق:

-"سماح" لسه عايشة، هي ما.. ماتتش.

تفهم المتواجدون من حوله حالته العقلية المضطربة، فقلبه اضطرمت فيه نيران الوجع، خاصة والجميع يعلم مدى ارتباطه الوثيق بزوجته، وتعلقه بطفلتهما الصغيرة، خسارة مثل تلك لا يسهل احتمالها! مرت الدقائق عليه كأنها ساعات، ازداد نحيبه مع حجم الألم المتولد في صدره، ذاك الوجع الذي لا يمكن مداواته مطلقًا، عفويًا التقطت يده هاتفه المحمول حين اهتز في جيبه، رفعه إلى وجهه، ليجيب على المتصل، صوتًا أنثويًا مكتومًا رن في أذنه:

-"خليل".

تحرك فكه لينطق بصعوبة، وسط بكائه الشديد:

-ألوو.. "آمنة".

سألته بنبرتها الباكية:

-إنت.. فين يا "خليل"؟

من بشاعة المشهد وقساوته، غاب عن ذهنه بعض الحقائق البسيطة؛ عدم معرفة شقيقته بأمر زيجته الثانية، لهذا لم يكن واعيًا بالقدر الكافي، ليستوعب سبب بكائها خلال اتصالها المفاجئ به. سألها بحسرةٍ موجعة، وقد اعتقد أنها تشاركه أحزانه:

-شوفتي اللي حصل يا "آمنة"؟

ظنت أن الأخبار السيئة وصلت إليه، فكان سؤالها متقطعًا، مصحوبًا بوجعٍ محطم للقلوب:

-إنت .. عرفت؟

أجاب عليها بنواحٍ:

-كانوا كويسين، أنا مكلمهم الصبح.

الطاووس الأبيض ©️ - الجزء الثالث - كامل ☑️Donde viven las historias. Descúbrelo ahora