25

27 4 0
                                    

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

عدت لغرفتي خائر القوى، لا أذكر أي شيء تلا ذلك
الموقف المروع، هناك ألم شديد في صدري، ولكن
جفناي ثقيلان، هل سأنام الآن، وعيي يغيب ولكنه
ليـس كالنوم..
إنه ينسحب فأشعر بصفاء ذهني رهيب، وأشاهد
من حولي كل الموجودات بشكل أفضل مما
اعتدته، بل وأرى جسدي مسجى هناك على
الفراش، قميصي مفتوح، وعلى صدري علامة دامية
لم أستطع تحديد النقش المتشابك الذي تمثله.
فهل تم طعني، وأنا الآن أحتضر؟
أم أنا ميت، وهذا الصفاء الذى أشكر به، هو ما
يحدث لي أثناء انتقالي للعالم الآخر؟
أنظر أمامي فأراها، نفس الفتاة الغريبة، تقف على
الكرسي، لا، هي لا تقف عليه بل تخترقه من
منتصف، وتقف عبره، وكأنها تتخلل ذراته الخشبية.
اجتاحني ذلك الشعور المقلق، الشعور الموتر
للأعصاب، الذي جعل الشعيرات تتوتر في مؤخرة
عنقي وأنا أرمقها بريبة.

لقد مت بالفعل، وهذه أول روح أقابلها.
نهضت من مكاني جالسا، شعرت بقسوة الفراش،
والهواء المكتوم من حولي نتيجة غلق النافذة..
رمقتها في خوف شديد فابتسمت، فقلت لها في
تردد:
«من أنت.. بل ما أنت؟».
تلاشت ابتسامتها وقالت:
- «سؤالك الأول صحيح.. فأنا كائن حي مثلك».
لا أعرف كيف تغلبت على خوفي، وعدت لأسألها في
توتر
- «هل نحن أحياء.. وكيف يمكن أن تكوني كائنا
حيا بهذا الجسد الشفاف؟. لايوجد كائن حي بلا
جسد.. والأشباح ليست كائنات حية على
ابتسمت مجددا وقالت:
«وهل تعرف كل كائنات الكون الحية.. ليتسع
أفقك لتتقبلني كما أنا؟، أنا لست بشرا، ولست

شبحا، آنا نوع آخر من الحياة ستفهمه مع الوقت، أنا
مخلوق حي من عالم آخر».
نظرت لها في غير فهم، فقالت:
- «دعك من كل هذه الحيرة الآن، ستفهم كل
شيء مع الوقت، لتعلم فقط أن هناك شيء فيك
قد جذبني إليك.. شيء لا أدرى تفسيره ولكنه
حقيقي.. لقد أصبحنا مرتبطين لسبب أكبر مني
ومنك».
مددت يدى لصدري الذي يؤلمني وقلت:
لشخص ما، يتسبب له فى ألم
- «وهل من ينجذب
مماثل؟».
نظرت لوهلة إلى حيث تقبع يدي، فوق تلك العلامة
الدامية، وقالت:
«لست أنا من تسبب لك في هذه العلامة
القبيحة».
رمقتها في غير فهم، وقلت بصوت يشوبه
الغضب:
لم تكن هناك اى علامات فى جسدى قبل أن اقابلك

هزت رأسها ببطء وقالت:
- «ولكني غير قادرة على فعل شيء مماثل، ثم ..
لا أعرف إن كان يجب علي أن أخبرك أم لا».
قلت بسرعة:
- «لا يوجد (لا) هنا، عليك أن تخبريني بكل شيء
وإلا أكتسبتي عداوتي».
كنت أعرف بالطبع عدم جدوى تهديدي، ولكنها
صمتت قليلا ثم قالت،
- «شيء ما من هذا اليوم ما زال معي «.
رمقتها في غير فهم فقالت:
- «اليوم الذي أتيت فيه إلى هذا العالم عبر الثغرة،
لم أعبر وحدي، ولكن عبر معي شيء آخر، شيء لا
ينتمي لعالمي أو عالمك».
إجابتها كانت أسوأ من صمتها، لذا فإنني قلت،
«هل تقصدين شبحا آخر عبر بعدك من عالمك
إلى عالمنا».
قالت بلهجة غاضبة لا تختلف عن غضب الأطفال،

- «آلا تنتبه لكلامي قط، لقد آخبرتك أنه ليس من
عالمي، ولا عالمك، هو كائن مخلق جذبته الثغرة
والفضول.. فعبر خلفي.. نصف حي ونصف ميت
كالزومبي في عالمكم.. لقد قضيت وقتا كافيا
على هذه الأرض، وتعلمت الكثير،وحظيت بمعرفة
هائلة- رغم معاناتى عليها، وأستطيع أن أخبرك

الان.. أن الزومبي لا خطر منه، بينما هو خطر
جسيم.. لأن من عبث في تكوينه، استعمل نوعا
قديما جدا من السحر، فصنع منه فخ شبه حي
متحرك، يصم كل من يختارهم بعلامته السوداء،
ليأتي سيده ليحصدهم، في وقت تال».
كلامها جعل رأسي تدور، وأسكن الشك بأعماقي
فسألتها في ضيق:
- «إن كان ليس من عالمك، فكيف اجتمعتما فى
الثغرة، وكيف عرفتي عنه كل هذه المعلومات،
وكيف لم يصمك بعلامته».
ظهر الكدر على وجهها وهي تقول:
«لم يملك أحد أن يقرر إن كان سيكون في الثغرة
أم لا لقد تسبب فيها شيطان بشري- كانت تقصد
بالطبع تهاني الغجرية - وحكم علينا جميعا بالبلاء،
وقد علمت كل هذه المعلومات عن ذلك الكيان
الذي وصمك، لأنه عند العبور امتزج وعينا، ربما هو
يعرف عني الآن كل شيء، وعن قدرتي على قراءة
عقول الموتى واستخلاص ذكرياتهم وخبراتهم».
المعلومة الأخيرة جعلت جرس إنذار يدوي في
عقلي، فقلت في غضب:
لو صدقت أنك تمتلكين مثل هذه القدرات.
فسيفسر ذلك الكثير جدا، وسيعني لي أننا لم
نلتقي مصادفة، وأن لديك هدف من وجودك هنا
والآن».
هزت رأسها إيجابا على عكس ما توقعت وقالت،
«أنا هنا من أجلك».
ولا أعرف لماذا ساعتها شعرت ببرودة وخوف
عظيمين!


سر الحانوتى لعمرو المنوفى(مكتمله)Место, где живут истории. Откройте их для себя