11

60 6 0
                                    

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم


عبد الهادي شقيقي، القوى، الجسور، ميت القلب،
الذي يتعامل مع ألموتى أكثر من تعامله مع
الأحياء.. لم يتحمل عبثية الموقف، وفقد الوعي.
وسقط أرضا في عنف لتنفصل ذراعه الخشبية عن
جلد.
موقف هزلي أكثر منه موقفا مخيفا..
عبد الهادي فاقد الوعي.
نوارة تركتني ولا أعرف ماذا أصابها، ولا كيف حالها
الآن؟ وهل ما زالت تعاني جراء اقترابها من هذا
الشيء المخيف ذو العين الواحدة، التي جعلته
يشبه المسيخ الدجال.
الصمت من حولي أسوأ من الصراخ والضجيج.
وحدي أنا مع الجثة العائدة من الموت ..
يسود هدوء موتر للأعصاب منذر بكل شر، ذكرنى
بتلك الليلة السوداء التي تسللت فيها لبيت

تهاني الغجرية ..

وحدى ولا أعرف القرار الصحيح، فبوجود عبد الهادي
فاقد آلوعي، الفرار لم يعد قرارا.
نظرت للجثة العائدة من قلب الموت، فوجدتها على
حالها جالسة تتطلع نحو كل شيء بفضول مريب..
لزمت مكانى وأنا أتنفس بصعوب، وعقلي عاجز عن
اتخاذ القرار آو التعامل مع الموقف، عندما شحرت
بذلك الشعور الممض في نهاية عنقي..
وكأن هناك من يثبت بصره على ظهري أو يراقبني.
وعندما نظرت للمرآة رأيت الهول..
فعلى سطح المرآة ظهر ظل متماوج لكيان مخيف

أخر، يتحرك بداخل عوالم المراة بكل حرية،
ويستعد ليعبر إلى عالمنا .
وهنا دارات المشاهد السابقة كلها في عقلي،
وتخيلت هذا الشيء المفزع يعبر عالم المرآة
المخيف، ثم يحتل جسدي..
يا إلهي ..
أمن الممكن أن يحدث هذا؟
وهذه المرة تركت خلفى الجثة الحية
شعرت بمجال قوي حولها..
شيء يشبه الكهرباء الاستاتيكية، ولكنه أقوى..
ربما نوع من الترددات التي لا تظهر إلا بالاقتراب من
المرآة في وقت محدد، عندما تنفتح تلك البوابة،
حدث عنها الإيطالي الابن الأكبر لهاشم
التى
المنشاوي ..
إن المرآة تعود لزمن المماليـك.. زمن السحر الأسود.
والمجازر الدموية، والصراعات التي لا تنتهي.
سمعت صوت صرير.. فنظرت لطاولة الغسل..
الجثة كانت تتحرك وتتأهب للنزول..
وربما للفتك بي ..
كان علي أن أبحث بسرعة عن سلاح..
الجثة المتحركة من أمامي، والطيف المتموج الذي
يمارس حياته الخاصة داخل المرآة من خلفي.
عقلي يترجم الآن ما يحدث بعد أن أطلقت له العنان

المراة بوابة للعالم السفلي، ربما كانت ترتبط بحياة
هاشم المنشاوى، أو بموته على الأرجح، وربما في
النهاية أكتشف أنها تتعلق بحركة النجوم، أو لعنة
قديمة حان موعد بعثها..
المهم أن البوابة قتحت الآن، وخرجت منها هذه
المخلوقات بشعة الخلقة، والتي لديها القدرة على
الاستحواذ أجساد البشر.
التهديد حقيقي جدا، لأنها بالفعل قد استحوذت
على جثة هاشم المنشاوي، وبدأت تتحرك بها..
وقريبا تستحوذ على جسدي، ولا أعرف وقتها إن
كنت سأظل على قيد الحياة أم لا ..
هذا غير أن شقيقي عبد الهادي، الممدد كالجوال
على أرض الغرفة فريسة أخرى سهلة، هو الآخر..
ولكنني قررت ألا يمضي الأمر دون قتال..
السلاح الوحيد الذي وجدته أمامي تمثال برونزي
صغير لم أعتقد أنه بهذا الثقل، ولكني قادر على
حمله بيدي والفتك به ..
نظرت للجثة التي تحركت صوب شقيقي. وبدأت
في فحصه، ثم نظرت للمرآة التي تحولت لدوامة
عميقة وبدات تعكس خلفها عالم دموي رهيب،
كل شيء فيه غارق بلون الدم.
سماء رهيبة تحتوي على نجوم قانية اللون،
وصفوف من المخلوقات تتهيأ للعبور..
إنه نوع من الغزو .. وأنا وحدي من أواجهه.
تسمرت في مكاني، وأنا أتأمل في هلع وذهول،
الطيف الذي يهم بالعبور..


أقدامى متيبسة، وعقلى لا يستجيب
لي، ولكن
التمثال الثقيل كان في يدي، فقط على أن أقرر
جبهة القتال، قبل أن أشرع في الخوض فية..
كل ما قرأته عن المرايا، أو شاهدته في سينما
المركز، يتجسد في عقلي الآن، إن نهاية أي شر
قادم من المرآة ينتهي بتهشيمها، ولكن هذا
سيعني أن المخلوق الأول لن يعود لعالمه، وبالتالي
سترزق الأرض على يدي بمصيبة..
ولكني لم أكن لأمنح للمخلوق الثاني وأقرانه فرصة
التسلل لعالمنا، والاستحواذ على جسدي، وسلبي
حياتي أو حياة شقيقي..
وفي لمح البصر كنت أعدوا صوب المرآة.. وبكل
قوتي رفعت التمثال البرونزي الثقيل وهويت به
على سطحها المتموج، فشعرت بردة فعل عنيفة
في ذراعي، ونتج عن المرآة، صوت ترددات صوتية
عنيفة، وكأنما أقرع أنا سطحا معدنيا متوتر..
أتجاهل الألم وأعيد الطرق عليها بقوة..
المرآة تأبى التحطم، ويد المخلوق الثاني بدأت في
التجسد في عالمنا..
«الرحمة يا إلهي».
أصرخ بها في هلع، وأضرب المرآة ضربة أكبر في
نفس المكان، فيتحول سطحها، إلى مايشبه
السائل الفضي، وتلتهم من يدي التمثال البرونزي،
لتنفصل بعدها يد المخلوق الثاني عن سطح
المرآة المتألق، لتسقط أرضا أمامي، قبل أن تهتز
في قوة، وتخرج منها أبخرة كثيفة، وتشتعل
بعدها على الأرض مخلفة ورائها رماد فسفوري
داكن، ورائحة كيماوية لا تطاق..

لم أفهم ما حدث، بل نتيجته..
لقد منعت عبور المخلوق الغامض الثاني إلى
عالمنا، وعلي أن أواجه الأخر الذي لم ينتهي بعد من
فحص شقيقي متجاهلا وجودي تماما، وصراعي مع
المخلوق الثاني..
أنظر حولي في جزع باحثا عن سلاح آخر..
سيف من طراز قديم لامع، وبندقية عتيقة الطراز
معلقان على الجدار المقابل..
بالطبع لا أحد يترك رصاصات أو بارود في بندقية
مماثلة، ولا يشحذ سيف زينة معلقا، ولكنه سلاح
على كل حال .
أنتزع السيف من فوق الجدار، وأخرجه من جرابه،
وأنظر له في دهشة..
إنه سيف حقيقي ومشحوذ..
سلاح قاتل لا أجيد أستخدامه، ولكنه سيوفر لي
حماية معقولة..
أقترب من الجثة المتحركة، أثبت طرف سيفي في
ظهرها، وأقول:
«توقف عما تفعله حالا أيها المخبول، وإلا فتكت
بـك».
الأمر يزداد عبثية، فكيف سأقتل جثة ماتت وشبعت
موتا منذ زمن، ولكن لاشيء منذ بدأت هذه الليلة
يبدو منطقيا..


المخلوق يدير رأس الجثة بزاوية مستحيلة
ليواجهني..
لو أطلق من فمه سائلا لزج أخضر اللون، فقد
انتقلنا لأحد أفلام الرعب المفضلة عندي، طارد
الأرواح الشريرة .
لحسن الحظ ..
وهذا لم يحدث
فقط اتسعت العينان..
اتسعتا بشكل رهيب..
ثم تحول السواد بداخلها للون أحمر دموي.
وظهرت العروق الفسفورية قبل أن أشعر بشيء ما
يعتصر عقلي، وكأن هذا المخلوق أيقن من
تهديدي له أنني خطر قائم، وقرر التخلص مني..
الضغط العقلى يزداد..
صدري خال من الهواء، ولا قدرة لي على التنفس.
أنفى بدأ ينزف ..

أردد الشهادتين..
إضاءة الغرفة ترتجف، والجدران تتحول إلى هلام
مهتز، ينبع من خلفها صرير مروع.
الآن سأعرف حقيقة الموت، وما بعده..
الآن مهنتي ستصير حالتي..
الموت رحيم ولن أقاوم أكثر.
ثم سمعت الجلبة، وخفت قبضة المخلوق المخيفة
على عقلي عندما عادت رأسه لتدور ليواجه


القادمين، وعدت أتنفس من جديد، فرفعت يدي
المرتجفة إلى أنفى محاولا وقف النزيف، وعيناي
تشاهدان، عبد المنعم المنشاوي. وباقي إخوته.
ينظرون للميت الذي عاد للحياة، بأعين مذهولة،
وأفواه فاغره.
ثم سمعت صوت خالد الابن الصغير لهاشم
المنشاوي يصرخ في قوة:
«أبي لم يمت ..أبي عاد للحياة».
وبعدها لم أعرف ما حدث..

لأن ترددات عقلية هائلة دوت في المكان، وسمعت
على إثرها صرخات رهيبة ، قبل أن أفقد الوعي.
ويسود الظلام..
#سر الحانوتى  لعمرو المنوفى
#كوالا

سر الحانوتى لعمرو المنوفى(مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن