14

50 5 0
                                    


سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

كيف تسير الآمور في هذا الكون؟
كادت أفكاري أن تجنح إلى حيث يوجهها شيطاني.
فقررت أن أقطع الطريق بالحديث مع نوارة، وأنا أسير
فوق دعامات القضبان، متخذا الطريق الأطول نحو
المنزل، على طول شريط القطار، الذي سيقودني
صوب المحطة، ومنها إلى بيتي، وكانت نوارة
تتسلى بالقفز من دعامة إلى أخرى كالأطفال عندما
سألتها،
- «هل الموت عندكم مؤلم، كما هو عندنا؟».

هزت رأسها ببطء وقالت،
- «الموت مؤلم في كل مكان.. والفراق أشد ألما».
نظرت نحوها في شفقة وقلت:
- «هل تحنين للعودة لعالمك؟».
توقفت فوق إحدى الدعامات، واستدارت ومنحتني
وجهها،
نظرة طويلة وقالت:
- «ومن لا يحن إلى موطنه».
ثم صمتت وعادت ابتسامتها تكسو
وقالت:

- «ولكنك موطني الآن».
كلماتها كانت تعني الكثير، ولكنها أشعرتني
بعجز فقلت لها:
- «وأين يقع مكان موطنك.. هل عالمك قريب؟».
رمقتني بنظرة طويلة وحزينة، وهي تقفز على
قبل أن تصرخ في هلع:
دعامة جديدة
- «احترس.. قطار الشرير قادم».
نظرت بالاتجاه الذي تشير إليه. وعقلي يخبرنى أنه
ليس موعد قطارات، كما أن القطار المهشم مازال
في موضعه، ولم تبدأ إجراءت رفعه من على
القضيب، ولن يكونوا بالحماقة الكافية ليسيروا
قطارا على خط لم تجف منه بعد دماء ضحاياه.
لا شيء .
- «أى قطار يا نوارة.. هل بدأت تخرفين؟».
صرخت فى أن أبتعد عن القضبان، فأطعتها لا

إراديا، وأنا أشعر أنها جنت، ثم تأكد
عندما قالت:

«لحظات وسيمر من هنا.. أنا آشعر بتردداته..
ولكنك ستراه.. أنت تغيرت كثيرا، وسيكون لديك
القدرة على رؤيته عندما يقترب أكثر».
كلماتها أعادت مخاوفي كلها بشكل أعمق، وأكدت
لي شكي، بأنني بالفعل أتغير، شيء ما يحدث
لجسدي، وشخصيتي.
وقبل أن أدخل معها في جدل عقيم قالت،
«الآن تراه».
وفجأة وكأنما حدث لعقلى نوع من الإطفاء ثم إعادة
التشغيل، لمحت على البعد ضوءا غريبا قادما
بسرعة كبيرة، يخترق ضبابا كثيفا أو دخانا لا أدري
مصدره.
عجلاته المعدنية تصدر صريرا مرتفعا، ويصدر عن
احتكاكها بالقضيب شرارات نارية تناثرت في كل
ت
بدا من بعيد وكأنه كائن حي غاضب وقادم نحونا..
كنت قد اقتربت من سلم المحطة، فعدوت بسرعة،
وارتقيته صاعدا، وخلفي نوارة، ووقفت هناك حيث
الأمان، بعيدا عن مسار القطار الرهيب
صافرته الصارخة تصدر ضجة تشبه عويل المعذبين
في سقر..

الضوء الساطع يعمي عيوننا، وكأنه شمس
متحركة ..
صوت الصرير يتزايد، وحرارة رهيبة تغمر كل شيء،
وكأنه قادم من الجحيم..
أفتح عيني بصعوبة..
وأذناي تلتقطان صوت فرملة عالية كقصف المدافع.
الحرارة تنخفض بشكل ملحوظ..
الضجيج يخفت ويتحول لهدير منتظم..
القطار يتوقف أمام عيني اللتين تذرفان الدموع ..
أنظر نحوه في رعب، وعقلي يحاول ترجمة هذا
الهول الذي أراه..
لم يكن قطارا بالمعنى الحرفي للكلمة.
بـل كان شبح قطار
#سر الحانوتي لعمرو المنوفى
#كوالا


سر الحانوتى لعمرو المنوفى(مكتمله)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن